أصول الفقه لابن مفلح

أصول الفقه    
تأليف
شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي
(712 - 763 هـ)
حققه وعلق عليه وقدم له
الدكتور/ فهد بن محمد السَّدَحَان
مقدمة التحقيق والجزء الأول
مكتبة العبيكان

(المقدمة/)


(ح) مكتبة العبيكان 1420 هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
ابن مفلح، محمد بن مفلح
أصول الفقه/ تحقيق فهد محمد السدحان - الرياض.
472 ص؛ 17 × 24 سم
ردمك: 7 - 548 - 20 - 9960 (مجموعة)
5 - 549 - 20 - 9960 (ج1)
1 - أصول الفقه 2 - الفقه الحنبلي
أ- السدحان، فهد محمد (محقق) ب- العنوان
ديوي 251 ... 0096/ 20
رقم الإيداع: 0096/ 20 ردمك 7 - 548 - 20 - 9960 (مجموعة)
5 - 549 - 20 - 9960 (ج1)
حقوق الطبع محفوظة للناشر
الطبعة الأولى
1420هـ-1999م
نشر وتوزيع
مكتبة العبيكان
الرياض -العليا- تقاطع طريق الملك فهد مع العروبة.
ص. ب: 62807 الرياض 11595
هاتف: 4654424، فاكس: 4650129

(المقدمة/)


بسم الله الرحمن الرحيم

(المقدمة/)


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد:
فهذا كتاب (أصول الفقه على مذهب الإِمام أحمد بن حنبل) لمحمد بن مفلح المقدسي الحنبلي، المتوفى سنة 763 هـ.
أقدمه لك -أخي القارئ- بعد تحقيق نصه، ومقابلة نسخه، وترقيم آياته، وتخريج أحاديثه وآثاره، وتوثيق نقوله، والتعريف بأعلامه وبالكتب الواردة فيه، والتعليق عليه، وصنع فهارسه، مع كتابة مقدمة عن الكتاب ومؤلفه.
وقد دفعني إِلى تحقيق (1) هذا الكتاب وإخراجه ما يأتي:
1 - قيمة الكتاب العلمية (في المذهب الحنبلي)، وتظهر تلك القيمة فيما جمعه من أقوال لعلماء المذهب ونصوص من كتبهم في كثير من المباحث الأصولية (2).
__________
(1) أنهيت تحقيق هذا الكتاب في سنة 1404 هـ، وأقدمه -الآن- للنشر بعد تجريده من كثير من الهوامش والتعليقات التي علقتها في ذلك الوقت، مع اختصار مقدمة التحقيق؛ حرصًا على إِخراجه بحجم مناسب، وأود أن أنبه على أمرين:
أ- سيجد القارئ في هوامشه العزو إِلى كتب مخطوطة طبعت بعد ذلك التاريخ.
ب- أضفت -عند التعريف بالكتب- الإشارة إِلى ما عثر عليه أو حقق بعد ذلك التاريخ.
(2) يأتي الحديث عن قيمة الكتاب في مقدمة التحقيق: الفصل الثاني، سابعًا.

(المقدمة/1)


2 - كون الكتاب عمدة -في النقل منه واتباع منهجه- عند بعض الحنابلة الذين أتوا بعد مؤلفه (1).
3 - كون مؤلف هذا الكتاب:
أ- شيخ الحنابلة في وقته ومرجعهم.
ب- صاحب قدم راسخة في فهم دقائق المذهب الحنبلي (أصوله وفروعه)، وفي كتابيه (الأصول، والفروع) خير دليل على ذلك.
جـ- صاحب مكانة علمية جعلته مقصد الكثير من طلبة العلم (يستوي في ذلك زملاؤه وتلاميذه).
د- أحد تلاميذ شيخ الإِسلام تقي الدين بن تيمية، وأخبر الناس باختياراته ومسائله.
هـ- مشهودًا له بالعلم والفضل (2).
و- ذا علم قيم كان محل ثقة الحنابلة الذين أتوا بعده وتقديرهم، فقد اعتمدوا على نقله وتحقيقه، واعتنوا ببعض مؤلفاته شرحًا أو تعليقًا.
__________
(1) يأتي الحديث عن هذا في مقدمة التحقيق: الفصل الثاني، سادسًا.
(2) شهد له شيخه شيخ الإِسلام تقي الدين بن تيمية، وزميله ابن القيم، والحافظ المزي، والحافظ الذهبي، والقاضي جمال الدين المرداوي، وتقي الدين السبكي الشافعي، وابن كثير ... ويأتي الحديث عن المؤلف في مقدمة التحقيق: الفصل الأول.

(المقدمة/2)


ز- صاحب اطلاع واسع على الذاهب الأخرى وأقوال علمائها:
وتظهر تلك السمة في كتابيه (الأصول، والفروع).
ح- صاحب تأثير كبير فيمن أتى بعده من الحنابلة؛ فقد كان لمؤلفاته تأثير في بعض المؤلفات الحنبلية بعده.
ط- صاحب اهتمام فائق بالأحاديث النبوية، مع خبرة برجال السند (1).
وقد قسمت عملي هذا قسمين:
القسم الأول: مقدمة التحقيق. وتتكون من ثلاثة فصول:
الفصل الأول: المؤلف.
الفصل الثاني: الكتاب.
الفصل الثالث: منهجي في تحقيق الكتاب.
وبعد هذا الفصل يأتي فهرس موضوعات هذا القسم.
القسم الثاني: الكتاب المحقق، وبعده فهارسه.
وأخيرًا: تأتي قائمة المراجع.
__________
(1) وقد شهد له الحافظ الذهبي بذلك، ونقل بعض مؤلفي كتب تخريج الأحاديث كلامه على بعضها، فانظر -مثلاً-: المقاصد الحسنة / 362، وكشف الخفاء 2/ 254.

(المقدمة/3)


القسم الأول مقدمة التحقيق
وتتكون من ثلاثة فصول:
الفصل الأول: المؤلف.
الفصل الثاني: الكتاب.
الفصل الثالث: منهجي في التحقيق.
وبعد هذا الفصل يأتي فهرس موضوعات هذا القسم.

(المقدمة/5)


الفصل الأول المؤلف: محمد بن مفلح المقدسي
وفيه:
أولاً: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه.
ثانيًا: مولده ووفاته.
ثالثًا: حياته (مرحلة النشأة والطلب والتحصيل):
1 - شيوخه.
2 - العلوم التي تلقاها.
رابعًا: حياته (مرحلة النضج والعمل والعطاء):
1 - أعماله ونشاطاته.
2 - مؤلفاته.
3 - تلاميذه والناقلون عنه.
خامسًا: مكانته وثناء العلماء عليه.
سادسًا: أولاده.

(المقدمة/7)


مراجع ترجمة المؤلف:
المقصد الأرشد / 276، والسحب الوابلة / 546، والدرر الكامنة 5/ 30، وشذرات الذهب 6/ 199، وذيل ذيل طبقات الحنابلة / 16، والدارس في تاريخ المدارس 2/ 43، 84، 107، وجلاء العينين/ 27، والقلائد الجوهرية 1/ 161، 2/ 448، والنجوم الزاهرة 11/ 16، والبداية والنهاية 14/ 294، ومختصر طبقات الحنابلة / 62، ومقدمة كتاب الفروع 1/ 8أ، 9، والأعلام للزركلي 7/ 327، ومعجم المؤلفين 12/ 44.

(المقدمة/8)


أولاً: اسمه ونسبه وكنيته ولقبه
هو: محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، الملقب بشمس الدين، والمكنى بأبي عبد الله، الراميني (1) الأصل، القاقوني (2)، المقدسي، ثم الدمشقي، الصالحي (3)، الحنبلي.

ثانيًا: مولده ووفاته
ولد سنة 712 هـ، في بيت المقدس (4).
وتوفي سنة 763 هـ، في الصالحية، ودفن بالروضة بسفح جبل قاسيون.
وقيل في تاريخ مولده ووفاته غير هذا (5).
__________
(1) الراميني: نسبة إِلى (رامين)، وهي قرية من عمل نابلس. انظر: ذيل ذيل طبقات الحنابلة / 16.
(2) انظر: الدرر الكامنة 5/ 30.
والقاقوني: نسبة إِلى (قانون). قال في معجم البلدان 4/ 299: هو حصن بفلسطين قرب الرملة، وقيل: هو من عمل قيسارية من ساحل الشام.
(3) الصالحي: نسبة إِلى (الصالحية). قال في معجم البلدان 3/ 390: وهي قرية كبيرة ذات أسواق وجامع، في لحف جبل قاسيون من غوطة دمشق، وفيها قبور جماعة من الصالحين، ويسكنها -أيضًا- جماعة من الصالحين لا تكاد تخلو منهم، وأكثر أهلها ناقلة البيت المقدس على مذهب أحمد بن حنبل.
(4) لم يرد ذكر لمكان مولده -حسب اطلاعي- إِلا في كتاب الأعلام 7/ 327، ومعجم المؤلفين 12/ 44.
(5) انظر: السحب الوابلة / 546، 548، والدرر الكامنة 5/ 30، 31، والقلائد الجوهرية 1/ 161، والدارس 2/ 44، 84 - 85، وشذرات الذهب 6/ 199 - 200، والمقصد الأرشد / 277، والبداية والنهاية 14/ 294، ومقدمة الفروع 1/ 8أ، ج،11.

(المقدمة/9)


ثالثًا: حياته (مرحلة النشأة والطلب والتحصيل)
نشأ المؤلف ببيت المقدس -على ما في الأعلام (1)، ومعجم المؤلفين- وقرأ القرآن وهو صغير.
ولم تذكر المراجع زمن انتقاله من بيت المقدس، ويبدو أنه كان في سن مبكرة، نظرًا إِلى أنه سمع من عيسى المطعم، المتوفى سنة 719 هـ بالصالحية.
لقد أقبل المؤلف على العلم في سن مبكرة، وجلس إِلى علماء في علوم مختلفة (في الفقه وأصوله، وفي الحديث، وفي العربية ... وفي غيرها) حتى برع في ذلك، وحقق وصنف، ودرس وناظر، وأفتى وقضى، وصار شيخ الحنابلة بالشام في وقته.
وسأتكلم فيما يأتي عن:

1 - شيوخه.
2 - العلوم التي تلقاها.

1 - شيوخه:
أخذ المؤلف العلم عن عدة شيوخ في علوم مختلفة، ومنهم:

أ- عيسى المطعم (2): وهو عيسى بن عبد الرحمن المقدسي الصالحي الحنبلي، راوي صحيح البخاري وغيره، ولد سنة 626 هـ، وسمع
__________
(1) انظر: الأعلام 7/ 327، ومعجم المؤلفين 12/ 44.
(2) انظر: البداية والنهاية 14/ 59، وشذرات الذهب 6/ 52، والدرر الكامنة 3/ 282.

(المقدمة/10)


الكثير من عدة شيوخ، وسمع منه خلق كثير. توفي بالصالحية سنة 719 هـ.
وقد سمع منه المؤلف (1).

ب- القاضي شمس الدين بن المسلم (2):
وهو أبو عبد الله محمد بن مسلم بن مالك الزيني الصالحي، ولد سنة 662 هـ، وتوفي أبوه سنة 668 هـ، فنشأ يتيمًا فقيرًا، وعني بالحديث، وتفقه وبرع وأفتى، ومهر في العربية، وتصدى للتدريس والإِفادة. ورد تقليده القضاء سنة 716 هـ، فتوقف في القبول، ثم استخار الله وقبل. وكان من قضاة العدل، مصمما على الحق، لا يخاف في الله لومة لائم. توفي بالمدينة في طريقه إِلى الحجة الرابعة سنة 726 هـ.
وقد لازمه المؤلف، وقرأ عليه الفقه (3).

جـ- شيخ الإِسلام أحمد بن تيمية (4):
وهو تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن
__________
(1) انظر: السحب الوابلة / 546، والدرر الكامنة 5/ 30، والقلائد الجوهرية 1/ 161، والدارس 2/ 43، 85، وشذرات الذهب 6/ 199، والمقصد الأرشد / 276، ومقدمة الفروع 1/ 9.
(2) انظر: القلائد الجوهرية 2/ 360، والدارس 2/ 38.
(3) انظر: السحب الوابلة/ 546، وشذرات الذهب 6/ 199، والمقصد الأرشد / 277.
(4) انظر: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 387، وفوات الوفيات 1/ 62، والبدر الطالع 1/ 63.

(المقدمة/11)


تيمية الحراني الدمشقي الحنبلي، كان واسع العلم بالفنون والمعارف النقلية والعقلية، صالحًا تقياً مجاهدًا، توفي سنة 728 هـ.
من مؤلفاته الكثيرة القيمة: درء تعارض العقل والنقل، ومنهاج السنة النبوية، واقتضاء الصراط المستقيم، ورفع الملام عن الأئمة الأعلام.
وقد لازم المؤلف شيخ الإِسلام حتى وفاته، وتفقه به، ونقل عنه كثيرًا، وكان أحفظ الناس لمسائله وأخبرهم باختياراته، حتى كان ابن القيم يراجعه في ذلك (1).
وكان المؤلف معظمًا لشيخ لإِسلام، ينقل اختياراته في كتبه كثيرًا، وغالب ما ذكره ابن اللحام (2) -في اختياراته- هو من (الفروع) للمؤلف (3).
وكان شيخ الإِسلام يثني عليه، ويقول له: ما أنت ابن مفلح، بل أنت مفلح (4).
__________
(1) انظر: السحب الوابلة/ 546، وشذرات الذهب 6/ 199.
(2) هو: أبو الحسن علي بن محمد بن علي البعلي الحنبلي، كان يعظ بالجامع الأموي، وصار شيخ الحنابلة بالشام، وعرض عليه قضاء دمشق فأبى، ثم قدم القاهرة، وولي تدريس المنصورية. توفي سنة 803 هـ.
من مؤلفاته: القواعد والفوائد الأصولية، والمختصر في أصول الفقه. انظر: الضوء اللامع 5/ 320، وشذرات الذهب 7/ 31، والمدخل / 236.
(3) انظر: ذيل ذيل طبقات الحنابلة 16 - 17.
(4) انظر: السحب الوابلة / 546.

(المقدمة/12)


د- الحَجَّار (1):
وهو أبو العباس أحمد بن أبي طالب الصالحي، ولد سنة 624 هـ، وسمع من أهل الحديث، وأجاز له بعضهم في بغداد وفي دمشق، وحدث بصحيح البخاري أكثر من سبعين مرة بدمشق والصالحية والقاهرة وغيرها، وأقبل عليه الحفاظ وتزاحموا من سنة 717 هـ إِلى أن توفي سنة 730 هـ.
وقد سمع منه المؤلف (2).

هـ- ابن الفويره النحوي (3):
وهو بدر الدين محمد بن يحيى بن محمد السلمي الحنفي، ولد سنة 693 هـ، وكان رجلاً فاضلاً حسن السيرة، خطب ودرس في أماكن، وأفتى وأخذ عنه الطلبة، وكانت له حلقة بجامع دمشق، وسمع من جماعة من رواة الحديث، وحدَّث. توفي سنة 735 هـ.
وكان المؤلف يتردد إِليه (4).
__________
(1) انظر: الدرر الكامنة 1/ 152 - 153، والبداية والنهاية 14/ 150، وشذرات الذهب 6/ 93، والقلائد الجوهرية 1/ 298.
(2) انظر: المقصد الأرشد / 277. وشذرات الذهب 6/ 199، والسحب الوابلة /546.
(3) انظر: الدارس 1/ 488، والدرر الكامنة 5/ 54، والجواهر المضية 2/ 142.
(4) انظر: السحب الوابلة / 546، والمقصد الأرشد / 277.

(المقدمة/13)


و- القاضي برهان الدين الزرعي (1):
وهو إِبراهيم بن أحمد بن هلال الحنبلي، ولد سنة 688 هـ، وسمع من كثير، وحدَّث وتفقه، وأخذ عن ابن تيمية وغيره، ومهر وتقدم في الإِفتاء، ودرس بأماكن، منها: (المدرسة الحنبلية) عوضًا عن ابن تيمية حين سجن، وكان أشعري المعتقد في الغالب من أحواله، وكتب الخط الحسن الفائق. كان من أذكياء الناس ذا إِنصاف في البحث، يتكلم التركية جيداً توفي سنة 741 هـ.
وقد قرأ عليه المؤلف النحو والأصول (2).

ز- القحفازي النحوي (3):
وهو أبو الحسن نجم الدين علي بن داود بن يحيى الأسدي الحنفي، شيخ أهل دمشق في عصره في العربية، قرأ عليه أهل دمشق وانتفعوا به. ولد سنة 668 هـ، وقرأ الأصول والفقه والنحو والمعاني والبيان على أقطاب هذه الفنون في ذلك العصر، وسمع الحديث، درس في أماكن، وتوفي سنة 745 هـ.
__________
(1) انظر: الدرر الكامنة 1/ 16، والدارس 2/ 41، 45، 74، 90، وشذرات الذهب 6/ 129.
(2) انظر: السحب الوابلة / 546، وشذرات الذهب 6/ 199، والمقصد الأرشد / 277.
(3) انظر: بغية الوعاة / 337، والجواهر المضية 1/ 362، 2/ 335، 336، والبداية والنهاية 14/ 214، والدرر الكامنة 3/ 116 - 118، وشذرات الذهب 6/ 143، والدارس 1/ 547، 556.

(المقدمة/14)


وقد قال: ولم أصنف شيئًا لمؤاخذتي للمصنفين، فكرهت أن أجعل نفسي غرضًا لمن يأخذ علي، غير أني جمعت منسكًا للحج.
وكان المؤلف يتردد إِليه (1).

ح- الحافظ المزي (2):
وهو أبو الحجاج جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف القضاعي الكلبي، محدث الديار الشامية في عصره، ولد بظاهر حلب سنة 654 هـ، ونشأ بالمزة من ضواحي دمشق، ومهر في اللغة، ثم في الحديث ومعرفة رجاله. وسمع منه خلق كثير. توفي بدمشق سنة 742 هـ
من مؤلفاته: تهذيب الكمال في أسماء الرجال.
وكان المؤلف يتردد إِليه وينقل عنه كثيرًا، وكان المزي يعظمه (3).

ط- الحافظ الذهبي (4):
وهو أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، محدث
__________
(1) انظر: السحب الوابلة/ 546، والمقصد الأرشد/ 277.
(2) انظر: الدرر الكامنة 4/ 457، والنجوم الزاهرة 10/ 76، والبداية والنهاية 14/ 191، والقلائد الجوهرية/ 329.
(3) انظر: السحب الوابلة/ 546، والمقصد الأرشد/ 277.
(4) انظر: فوات الوفيات 2/ 183، ونكت الهميان/ 241، والدارس 1/ 78، وشذرات الذهب 6/ 153، وغاية النهاية 2/ 71، والدرر الكامنة 3/ 336، والنجوم الزاهرة 10/ 182.

(المقدمة/15)


مؤرخ علامة محقق، ولد بدمشق سنة 673 هـ، وطاف بكثير من البلدان، وسمع منه خلق كثير، وكفَّ بصره سنة 741 هـ. توفي بدمشق سنة 748 هـ.
من مؤلفاته: تاريخ الإِسلام، وتذكرة الحفاظ، الاعتدال، والكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة.
وكان المؤلف يتردد إِليه وينقل عنه كثيرًا، وكان الذهبي يعظمه (1).
وقال الذهبي عن المؤلف: شاب عالم له عمل ونظر في رجال السنن، ناظر وسمع، وكتب وتقدم (2).

ى- جمال الدين المرداوي (3):
وهو أبو الفضل يوسف بن محمد بن عبد الله الحنبلي، والد زوجة المؤلف، باشر وظيفة قضاء الحنابلة بالشام سبع عشرة سنة، ثم عزل، وتولى الحكم بدمشق عدة أعوام، ثم صرف. توفي سنة 769 هـ.
من مؤلفاته: شرح المقنع، والانتصار، والأحكام.
وفي السحب الوابلة (4): أن جمال الدين المرداوي كتب بخطه على نسخة من كتاب المقنع -وهي محشاة بخط الشيخ (ابن مفلح) - ما
__________
(1) انظر: المقصد الأرشد/ 277، والسحب الوابلة/ 546.
(2) انظر: شذرات الذهب 6/ 199، والمقصد الأرشد/ 277.
(3) انظر: الدرر الكامنة 5/ 245، والنجوم الزاهرة 3/ 100، والدارس 2/ 42 - 44.
(4) ص 547.

(المقدمة/16)


نصه: "قرأ عليَّ الشيخ الإِمام العالم الحافظ العلامة مجموع الفضائل ذو العلم الوافر والفضل الظاهر شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الصالح العابد مفلح بن محمد المقدسي جميع هذا الكتاب -وهو كتاب المقنع في الفقه على مذهب الإِمام المبجل أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه- من أوله إِلى آخره، وكان قد قرأ عليَّ هذا الكتاب من حفظه غير مرة، وسألني عن مواضع منه، فأجبته عن ذلك بما يسره الله تعالى في ذلك الوقت، مع أنه قد قرأ عليَّ كتباً عديدة في علوم شتى حفظًا ومذاكرة، ولم أعلم أن أحدا في زماننا في المذاهب الأربعة له محفوظات أكثر منه، فمن محفوظاته: المنتقى من أحاديث الأحكام (1)، قرأه وعرضه عليَّ في قريب أربعة أشهر ... ".

2 - العلوم التي تلقاها:
كانت سنة علماء السلف الإِقبال على علم الشريعة بجميع فروعه، وعلى ما يخدم هذا العلم من المعارف الأخرى.
ولذا طرق المؤلف أبوابًا كثيرة مختلفة من أبواب العلم آخذاً بسنة من سبقه ومن عاصره، فجلس إِلى الفقهاء والمحدثين وأهل اللغة وعلماء الأصول ... ، وبذل في تحصيل ذلك جهده.
ومن تتَبُّع ما كتب في ترجمة المؤلف، والشيوخ الذين تلقى العلم عنهم، والمؤلفات التي ألفها يمكنني أن أذكر -هنا- أبرز العلوم التي صرف همه إِلى تحصيلها:
__________
(1) لابن تيمية مجد الدين، صاحب المحرر، المتوفى سنة 652 هـ.

(المقدمة/17)


1 - علم الفقه وأصوله:
فكان هناك شيخ الإِسلام أحمد بن تيمية، والقاضي شمس الدين بن المسلم، والقاضي برهان الدين الزرعي، فلازمهم المؤلف، وأخذ عنهم الفقه وأصوله، فحصل الأصل والفرع، وجمع النظر والتطبيق.

2 - علم الحديث ومعرفة الأسانيد والرجال:
وقد أولاه المؤلف عناية كبيرة، فجلس إِلى علماء الحديث والرجال، كالمزي والذهبي، ونقل عنهما كثيرًا، وسمع من المحدثين، كعيسى المطعم والحجار، وكون لديه علما عن الرجال وأسانيد الأحاديث. وقد شهد له الذهبي بذلك، فقال عنه: شاب عالم، له عمل ونظر في رجال السنن (1).
وكان -رحمه الله- حريصًا على أن يجعل مؤلفاته خالية من الاستدلال بالأحاديث التي لا أصل لها، وقد صرح بذلك في مقدمة كتابه (أصول الفقه) (2)، وجمع إِلى ذلك -غالبا- بيانه لصحة الأحاديث وضعفها.
وقد كان -رحمه الله- يحفظ المنتقى من أحاديث الأحكام (3).

3 - علوم العربية من نحو وصرف ... :
فقد كان يتردد إِلى علماء النحو، كابن الفويره والقحفازي وبرهان
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 6/ 199، والمقصد الأرشد/ 277.
(2) انظر: ص 5 من القسم الثاني.
(3) لابن تيمية مجد الدين، صاحب المحرر.

(المقدمة/18)


الدين الزرعي وغيرهم، وكان له اهتمام بالمسائل اللغوية، ولذا يجد القارئ فوائد لغوية منثورة في بعض مؤلفاته.
هذه أظهر صنوف المعرفة التي تلقاها عن شيوخه، ولكن اشتغاله بالفقه وتأليفه فيه جعل شهرته في هذا الفن تطغى على شهرته في غيره، وكان لتأليفه كتاب (الفروع) أثر كبير في ذلك. يقول عنه ابن كثير: وكان بارعاً فاضلاً متفنناً في علوم كثيرة، ولا سيما علم الفروع (1).

(المقدمة/19)


رابعاً: حياته (مرحلة النضج والعمل والعطاء)
1 - أعمال ونشاط:
عاش المؤلف -رحمه الله- حياته للعلم أخذًا وعطاءً، سماعًا وإسماعًا، قراءةً وتأليفاً، فقد سمع وتفقه، وتردد إِلى العلماء حتى برع، فدرس وأفتى، وأجاب عن المسائل، ووعظ وأفاد وقضى، وحقق ودقق، وناظر وحدث، وألف المؤلفات القيمة (1).
وقد درس في عدة أماكن (2)، فدرس بالمدرسة الصاحبية، والمدرسة العمرية، والمدرسة السلامية، والمدرسة الصدرية، ومدرسة دار الحديث، والمدرسة العادلية (3).
وقد ناب في الحكم -حكم دمشق- عن والد زوجته (شيخه جمال الدين المرداوي)، فشكرت سيرته وأحكامه (4).
__________
(1) انظر: ذيل ذيل طبقات الحنابلة/ 16، والسحب الوابلة/ 546، والدرر الكامنة 5/ 31، والدارس 2/ 84، 107، والمقصد الأرشد/ 276.
(2) انظر: المقصد الأرشد/ 277، والدارس 2/ 84، 107، والدرر الكامنة 5/ 31 والسحب الوابلة/ 547، ومقدمة الفروع 1/ 9.
(3) انظر: الكلام على هذه المدارس في: الدارس، والقلائد الجوهرية / 71 - 183.
(4) انظر: القلائد الجوهرية 1/ 161 والدارس 2/ 43، 85، والسحب الوابلة/ 546، والدرر الكامنة 5/ 30، وشذرات الذهب 6/ 199، والمقصد الأرشد/ 276، ومقدمة الفروع 1/ 9.

(المقدمة/20)


2 - مؤلفاته:
خلف المؤلف ثروة علمية تمثلت في تلك المؤلفات التي قضى عمره في كتابتها وتهذيبها.
وإِذا كان المؤلف قد طرق في طلب العلم أبوابًا متعددة: فإِنه قد ألف في علوم متعددة كذلك، فألف في الفقه وأصوله، وكتب الحواشي على كتب في الفقه، وعلق على كتب في الحديث، وضمّن كتبه الكلام على الأحاديث والرجال، وصنف في الآداب والوعظ، وأجاب عن المسائل ...
وقد حظيت المؤلفات الفقهية باهتمامه الأكبر، فاشتهرت تلك المؤلفات، ولا سيما كتابه (الفروع) حتى أصبح المؤلف يعرف به، فيقال: ابن مفلح صاحب الفروع.
وقد كانت تلك المؤلفات ذات قيمة علمية كبيرة جعلتها في موضع الاهتمام والتقدير ممن أتوا بعده، فكثر النقل منها وحصلت الثقة بما فيها، وصارت عمدة في معرفة المذهب، كما اعتنى بعض المذهب بشرح بعض مؤلفاته، أو التعليق عليها، أو اختصارها.
ولكن تلك الثروة لم تصل إِلينا كاملة، بل فقد بعضها (حسب علمي).
وسأذكر فيما يأتي:
أ- مؤلفاته المطبوعة.
ب- مؤلفاته المخطوطة.
ج- مؤلفات نسبت إِليه، ولم أجدها (بعد البحث).

(المقدمة/21)


أ- مؤلفاته المطبوعة:
1 - كتاب الفروع:
وهو كتاب في الفقه الحنبلي، جمع فيه المؤلف غالب المذهب، (وكان يسمى: مكنسة المذهب)، وأشار فيه إِلى أقوال المذاهب الأخرى.
وقد نال هذا الكتاب شهرة في الآفاق، واعتمد على نقله وتحقيقه من جاء بعده من علماء المذهب، وشهدوا بقيمة الكتاب العلمية، وما ضمنه المؤلف من الفروع والمسائل.
وقد اعتنى (1) علماء المذهب بهذا الكتاب، فكتبوا عليه الشروح والحواشي، وأذكر منها:
أ- حاشية على الفروع - لأحمد بن نصر الله بن أحمد البغدادي، ثم المصري الحنبلي، المتوفى سنة 844 هـ (2). وذكر أنه شرح.
ب- حاشية على الفروع -لأبي بكر بن إِبراهيم بن قندس البعلي ثم الصالحي الحنبلي، المتوفى سنة 861 هـ (3).
جـ- نهاية الحكم المشروع في تصحيح الفروع -لأبي المحاسن يوسف بن
__________
(1) انظر: مقدمة الفروع 8/ 1 ب.
(2) ولد ببغداد سنة 765 هـ، ثم قدم القاهرة وبها توفي، كان متضلعاً بالعلوم الشرعية من تفسير وحديث وفقه وأصول، وانتهت إِليه مشيخة الحنابلة في وقته. من مؤلفاته -أيضًا-: حواشي المحرر. انظر: شذرات الذهب 7/ 250.
(3) فقيه أصولي، ولد سنة 809 هـ. من مؤلفاته -أيضًا-: حاشية على المحرر. انظر: شذرات الذهب 7/ 300.

(المقدمة/22)


محمد بن عمر الصالحي المرداوي الحنبلي، المتوفى سنة 878 هـ (1). وهي حاشية صحح فيها ما أطلقه ابن مفلح من الخلاف.
د- القصد المنجح لفروع ابن مفلح - لأحمد بن أبي بكر بن محمد بن العماد الحموي الحنبلي (2)، المتوفى سنة 883 هـ. وهو شرح على الفروع (3).
هـ- تصحيح الفروع، وهي حاشية - لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي (4)، المتوفى سنة 885 هـ. وتسمى: الدر المنتقى والجوهر المجموع في معرفة الراجح من الخلاف المطلق في الفروع.
وقد طبع كتاب الفروع مع تصحيحه للمرداوي طبعتين:
الطبعة الأولى: سنة 1345هـ (5)، بمطبعة المنار بمصر، وهي في ثلاثة مجلدات.
__________
(1) وله -أيضاً- الكفاية في الفرائض. انظر: السحب الوابلة/ 324.
(2) رحل في طلب العلم إِلى القاهرة ودمشق، ثم أتى حماة، وبها توفي.
انظر: شذرات الذهب 7/ 338.
(3) انظر: كشف الظنون / 1256.
(4) ولد في (مردا) قرب نابلس، ونشأ بها، وحفظ القرآن، وتعلم الفقه، ثم تحول إِلى دمشق، وقرأ على علمائها، وتصدى للإِقراء والإفتاء.
من مؤلفاته -أيضًا-: الإِنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، والتحرير في أصول الفقه، وشرحه: التحبير. انظر: الضوء اللامع 5/ 225، والبدر الطالع 1/ 446.
(5) بتصحيح: محمد رشيد رضا.

(المقدمة/23)


والطبعة الثانية: سنة 1379 هـ (1)، بدار مصر للطباعة، وهي في ستة مجلدات.
2 - كتاب النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين بن تيمية.
والمحرر: هو كتاب في الفقه الحنبلي - لابن تيمية مجد الدين أبي البركات المتوفى سنة 652 هـ.
والنكت: هي حاشية على هذا الكتاب، وأوضح فيها ابن مفلح ما خفي من عباراته، وفصل الخلاف في المذهب، وناقش كلام المجد أحيانًا.
وقد طبع المحرر مع النكت سنة 1369 هـ، بمطبعة السنة المحمدية بمصر، في مجلدين.
3 - كتاب الآداب الشرعية الكبرى (الآداب الشرعية والمنح الرعية).
جمع فيه المؤلف جملة من الآداب والشمائل التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم في كل شؤون حياته، وقال في مقدمته: " ... أما بعد: فهذا كتاب يشتمل على جملة كثيرة من الآداب الشرعية والمنح المرعية، يحتاج إِلى معرفته أو معرفة كثير منه كل عالم أو عابد، وكل مسلم ... " (2).
وقد طبع الكتاب سنة 1349 هـ، بمطبعة المنار بمصر، في ثلاثة مجلدات.
__________
(1) أشرف على هذه الطبعة الشيخ عبد اللطيف محمد السبكي.
(2) انظر: الآداب الشرعية 1/ 2.

(المقدمة/24)


ب- مؤلفاته المخطوطة:
لم أجد إِلا كتاب (أصول الفقه)، الذي هو موضوع التحقيق، وقد أفردت الكلام عنه في الفصل الثاني.

جـ- مؤلفات (1) نسبت إِليه، ولم أجدها (بعد البحث):
أ- الحواشي على (كتاب المقنع - لابن قدامة الحنبلي، صاحب الروضة، المتوفى سنة 620 هـ).
2 - تعليقة على (المنتقى من أحاديث الأحكام، لابن تيمية مجد الدين، صاحب المحرر، المتوفى سنة 652 هـ).
3 - الآداب الشرعية الوسطى.
4 - الآداب الشرعية الصغرى.
5 - مسائل أجاب عنها المؤلف.

3 - تلاميذه الناقلون عنه:
أشرت -فيما سبق- إِلى المكانة التي وصل إِليها هذا العالم الجليل بين أهل زمانه، ولا سيما الحنابلة منهم، فكان شيخهم المقدم، وقد حباه الله شهرة جعلته مقصد الكثير من طلبة العلم، بل كان بعض زملائه يترددون
__________
(1) انظر: البداية والنهاية 14/ 294، وذيل ذيل طبقات الحنابلة/ 16، والسحب الوابلة / 547، والدرر الكامنة 5/ 31، وشذرات الذهب 6/ 199، والمقصد الأرشد/ 277، والإِنصاف للمرداوي 1/ 15، ومختصر طبقات الحنابلة/ 63، ومقدمة الفروع 1/ 8 ب، 10.

(المقدمة/25)


إِليه فيما يشكل عليهم؛ لأنه كان على دراية واسعة بأصول المذهب وفروعه، وكان زميله ابن القيم يراجعه في اختيارات شيخهما (ابن تيمية)؛ لأن المؤلف كان أحفظ الناس لها وأخبرهم بها.
وذكرت -أيضاً- أن المؤلف قد تولى التدريس في أماكن متعددة، وهذا يقتضي أن يكون كثير من العلماء -الذين تعلموا في هذه المدارس- قد أخذوا العلم عنه وتخرجوا على يديه.
ولكن مراجع ترجمة المؤلف لم تذكر شيئًا عن تلاميذه الذين تلقوا العلم عنه سوى ما يتعلق بتلميذه (الشيخ شمس الدين بن عبيد) الذي جاء ذكره عرضًا عند سياق قوله في عمر المؤلف.
ولذا قصت بتتبع تراجم العلماء الذين عاشوا في دمشق والصالحية وما حولهما (من عصر المؤلف إِلى منتصف القرن التاسع) للبحث عمن نص في ترجمته على تتلمذه على المؤلف.
وأذكر فيما يلي بعضهم:

أ- جمال الدين بن الطحان الحنبلي (1):
وهو يوسف بن أحمد بن سليمان، كان بارعًا في الأصول والعربية والمعاني والبيان، صحيح الذهن، حسن الفهم، جيد العبارة، حسن السيرة، وتفقه في المذهب على ابن مفلح وغيره. توفي بالصالحية سنة 778 هـ.
__________
(1) انظر: القلائد الجوهرية 2/ 285، وشذرات الذهب 6/ 259.

(المقدمة/26)


ب- زين الدين العيفناوي (1):
وهو عبد الرحمن بن حمدان الحنبلي، ولد بـ (عيفنا) من نابلس، وقدم دمشق لطلب العلم، وتفقه بابن مفلح وغيره، وسمع من جماعة، وتميز في الفقه، وكان صاحب دين وتعفف، توفي سنة 784 هـ.
وقد اختصر (الأحكام للمرداوي).

جـ- الجرماني الحنبلي (2):
وهو محمد بن إِبراهيم الجرماني ثم الدمشقي، ولد قبل سنة 740 هـ، وسمع الحديث من جماعة، وتفقه بابن مفلح وغيره، حتى برع وأفتى. وكان إِماماً في العربية، ذا عفة وصيانة وذكاء وحسن إِقراء. توفي بدمشق سنة 874 هـ.

د- شرف الدين المرداوي (3):
وهو محمد بن محمد بن يوسف الحنبلي، سبط القاضي جمال الدين، ولد قبل سنة 740 هـ، وأخذ عن جده، وتخرج بابن مفلح، وسمع الحديث من جماعة. توفي سنة 784 هـ.

هـ- شمس الدين المرداوي (4):
وهو محمد بن عبد الله بن داود الحنبلي، كان ذا عناية بالفرائض، وقرأ
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 6/ 283.
(2) انظر: المرجع السابق/ 6/ 284.
(3) انظر: المرجع السابق 6/ 285.
(4) انظر: المرجع السابق 6/ 289.

(المقدمة/27)


الفقه، ولازم ابن مفلح حتى فضل ودرس، وتفقه -أيضًا- بالقاضي جمال الدين المرداوي، وكان يحفظ فروعاً كثيرة وغرائب، وله ميل إِلى الشافعية. توفي سنة 785 هـ.

و- إِبراهيم بن مفلح (ابن المؤلف (1):
وهو برهان الدين وتقي الدين أبو إِسحاق إِبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي، شيخ الحنابلة وقاضيهم، ولد سنة 749 هـ، وحفظ كتباً عديدة، وأخذ عن جماعة، منهم: والده، وجده لأمه القاضي جمال الدين المرداوي. وأفتى وناظر وصنف، واشتهر ذكره، ودرس في عدة مدارس، وناب في الحكم، وكان له ميعاد في الجامع الأموي بمحراب الحنابلة بكرة نهار السبت يسرد فيه نحو مجلد، ويحضر مجلسه الفقهاء من كل مذهب، ثم ولي القضاء بدمشق. توفي سنة 803 هـ.
من مؤلفاته: كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وشرح المقنع، وشرح مختصر ابن الحاجب، وطبقات أصحاب الإِمام أحمد.
وقد احترق غالب كتبه.

ز- برهان الدين بن النقيب الحنبلي (2):
وهو إِبراهيم بن إِسماعيل بن إِبراهيم المقدسي النابلسي القاضي، تفقه على جماعة، منهم: ابن مفلح، وكان فقيهًا جيدًا متقنًا للفرائض، وناب في
__________
(1) انظر: الدارس 2/ 47. وشذرات الذهب 7/ 22، والقلائد الجوهرية 1/ 161.
(2) انظر: شذرات الذهب 7/ 22.

(المقدمة/28)


القضاء فباشر مباشرة حسنة. توفي بالصالحية سنة 803 هـ.
من مؤلفاته: تعليقة على المقنع.

ح - شمس الدين بن عبيد (1):
جاء ذكره عند الكلام على عمر المؤلف، ووصف بأنه تلميذه، ولم أعثر على ترجمته.
__________
(1) انظر: المقصد الأرشد/ 277. ومقدمة الفروع 1/ 11.

(المقدمة/29)


خامسًا: مكانته وثناء العلماء عليه
بلغ المؤلف مرتبة عليا في صفوف العلماء، وذاع صيته، وتبوأ مكانة بارزة بين علماء عصره، بعد مرحلة طلب العلم التي أفنى فيها زهرة شبابه.
وقد جاء وصفه في المقصد الأرشد بأنه شيخ الحنابلة في وقته، بل شيخ الإِسلام وأحد الأئمة الأعلام (1).
وفي ذيل (2) ذيل طبقات الحنابلة: كان مقدما في عصره مرفوعًا في دهره ... ، وقد قابل به جماعة من شيوخنا وغيرهم المتقدمين من أصحابنا، وقدم قوله على طائفة من الأصحاب، ووصف بكثرة النقل والاطلاع واليد العليا في ذلك ... ، ويقال: أفقه أصحاب الشيخ -يعني ابن تيمية- هو ... (3).
وقد برع في المذهب الحنبلي، يقول ابن القيم سنة 731 هـ: "ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإِمام أحمد من ابن مفلح (4)، ويقول ابن كثير: وكان غاية في نقل مذهب الإِمام أحمد (5).
__________
(1) انظر: المقصد الأرشد/ 276.
(2) لجمال الدين يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي، الشهير بابن المبرد الصالحي الحنبلي، المتوفى سنة 909 هـ.
(3) انظر: ذيل ذيل طبقات الحنابلة/ 16 - 17.
(4) انظر: السحب الوابلة/ 546.
(5) انظر: البداية والنهاية 14/ 294.

(المقدمة/30)


وكان أحفظ الناس لمسائل شيخه شيخ الإِسلام (ابن تيمية) واختياراته وأخبرهم بها، حتى كان ابن القيم -تلميذ شيخ الإِسلام وناشر علمه- يراجعه في ذلك (1).
وقد أثنى عليه القاضي جمال الدين المرداوي (2)، كما أثنى عليه تقي الدين السبكي الشافعي، وقال: ما رأيت أفقه منه (3).
وكان كلٌّ من شيخيه -المزي، والذهبي- يعظمه (4).
وقد أثني على خلقه -كما أثني على علمه- فذكر أنه حسن الخلق لين الجانب، معظم لشيوخه، ذو زهد وعبادة وتعفف وصيانة وورع ودين متين، مشكور السيرة والأحكام (5).
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 6/ 199.
(2) انظر: السحب الوابلة/ 547.
(3) انظر: المرجع السابق/ 546.
(4) انظر: المقصد الأرشد/ 277.
(5) انظر: السحب الوابلة/ 546، والبداية والنهاية 14/ 294، والدر الكامنة 5/ 31، والدارس 2/ 44، 85، شذرات الذهب 6/ 199، والمقصد الأرشد / 276 - 277.

(المقدمة/31)


سادسًا: أولاده
تزوج المؤلف ابنة القاضي جمال الدين المرداوي، ورزق منها سبعة أولاد: أربعة ذكور، وثلاث إِناث (1).
والذكور هم:

1 - القاضي تقي الدين وبرهان الدين إِبراهيم:
وقد تقدمت (2) ترجمته في الحديث عن تلاميذ المؤلف، وجاء لقبه في السحب الوابلة (3) (شرف الدين).

2 - الشيخ أبو محمد شرف الدين عبد الله (4):
توفي والده وهو صغير، فحفظ القرآن، وكان يحفظه إِلى آخر عمره، ويقوم به في التراويح كل سنة، وله محفوظات كثيرة، منها: المقنع في الفقه، ومختصر ابن الحاجب في الأصول، والانتصار في الحديث مؤلف جده القاضي جمال الدين المرداوي، وكان علامة في الفقه يستحضر غالب فروع
__________
(1) انظر: البداية والنهاية 14/ 294، والسحب الوابلة/ 546، وشذرات الذهب 6/ 199، والمقصد الأرشد/ 276.
(2) في ص 28.
(3) ص 465.
(4) انظر: القلائد الجوهرية/ 283 - 284، وشذرات الذهب 7/ 208، والسحب الوابلة/ 546.

(المقدمة/32)


والده، أستاذاً في الأصول، بارعًا في التفسير والحديث، مشاركا فيما سوى ذلك. وكان شيخ الحنابلة بالشام، بل بالمالك. وأثنى عليه الأئمة في عصره. أفتى ودرس وناظر واشتغل في العلوم، وباشر نيابة الحكم زمنا طويلاً، ثم ترك ذلك ولزم بيته يقصده طلبة العلم والمستفتون. توفي سنة 834 هـ.

3 - الشيخ زين الدين عبد الرحمن (1):
وهو أصغر أولاد المؤلف، دأب واشتغل وحفظ المقنع في الفقه، وكان بارعًا حسن الطلعة، توفي سنة 788 هـ.

4 - الشيخ شهاب الدين أحمد (2):
ولد سنة 754 هـ، وأخذ عن أخيه الشيخ برهان الدين وغيره، وأجاز له جده القاضي جمال الدين الرداوي وغيره، وناب في الحكم بدمشق مدة، ثم ترك ذلك وأقبل على الله تعالى. كان فقيها صالحًا متعبدًا. توفي سنة 814 هـ.
__________
(1) انظر: شذرات الذهب 6/ 302، والسحب الوابلة/ 546.
(2) انظر: شذرات الذهب 7/ 106، والسحب الوابلة/ 546.

(المقدمة/33)