أصول الفقه لابن مفلح

الاستسحان:
أطلق أحمد (1) القول به في مواضع، وقاله الحنفية.
قال عبد الوهاب (2): لم ينص عليه مالك، وكتب أصحابنا مملوءة منه، كابن القاسم (3) وأشهب (4) وغيرهما.
__________
=إِلى البصرة، ودخل بغداد فحدث بها، روى عن مجاهد والضحاك وابن بريدة، وعنه: حرمي بن عمارة وعلي بن الجعد وخلق، توفي بالبصرة سنة 150 هـ. قال ابن المبارك: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة. وكذبه وكيع والنسائي وغيرهما، وقال ابن حبان: كان يأخذ عن اليهود علم الكتاب، وكان مشبها يكذب. من مؤلفاته: التفسير الكبير، ومتشابه القرآن.
انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 583، وتاريخ بغداد 13/ 160، وميزان الاعتدال 4/ 173، وتهذيب التهذيب 10/ 279.
(1) انظر: العدة/ 251 ب.
(2) انظر: المسودة / 451.
(3) هو: أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد العتقي المصري المالكي، حافظ فقيه، وهو أثبت الناس في مالك وأعلمهم بأقواله، ولد سنة 132 هـ، وتوفي بمصر سنة 191 هـ. انظر: ترتيب المدارك 1/ 433، والديباج المذهب/ 146، وشجرة النور الزكية/ 58.
(4) هو: أبو عمرو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي المعافري الجمدي، الفقيه المالكي، اسمه مسكين، وأشهب لقب، ولد سنة 140 هـ، وانتهت إِليه رئاسة المالكية في=

(4/1461)


وقال الشافعي (1): أستحسن في التعة ثلاثين درهما، وثبوت الشعفة إِلى ثلاثة أيام، وترك شيء من الكتابة له، وأن لا تقطع يمنى سارق أخرج يده اليسرى فقطعت.
والأشهر عنه: إِنكاره، وقاله أصحابه، وقال: "من استحسن فقد شرع"، وأنكره على الحنفية.
وعن أحمد (2): الحنفية تقول: "نستحسن هذا، وندع القياس"، فتدع ما تزعمه (3) الحق بالاستحسان (4)، وأنا أذهب إِلى كل حديث جاء ولا أقيس عليه (5).
قال القاضي (6): هذا يدل (7) على إِبطاله.
وقال أبو الخطاب (8): "أنكر استحسانا بلا دليل"، قال: ومعنى "أذهب
__________
=مصر بعد موت ابن القاسم، وتوفي بها سنة 204 هـ.
انظر: ترتيب الدارك 1/ 447، والديباج الذهب/ 98، وشجرة النور الزكية/ 59.
(1) انظر: المحصول 2/ 3/ 172 - 173، والإحكام للآمدي 4/ 157.
(2) انظر: العدة/ 251 ب، والمسودة/ 452.
(3) في (ظ): ما يزعمه.
(4) في (ح): الحق من استحسان.
(5) نهاية 230 أمن (ب).
(6) انظر: العدة/ 251 ب.
(7) نهاية 447 من (ح).
(8) انظر: التمهيد/ 169 أ.

(4/1462)


إِلى ما جاء ولا أقيس" أي: أترك القياس بالخبر، وهو الاستحسان بالدليل.
....................
ثم: ثبوت استحسان -مختلف فيه- فيه انظر:
فحكى بعضهم (1) عن أبي حنيفة: ما استحسنه المجتهد بلا دليل.
وهو نقل باطل، والإِجماع [قبله] (2) خلافه.
وعن (3) بعض أصحابه: دليل ينقدح في نفس المجتهد يعجز عن التعبير عنه.
قال في الروضة (4): ما لا يُعَبَّر عنه لا يُدرَى: أَوَهْمٌ أو تحقيق؟
ومراده (5): ما قال الآمدي (6): يُرَدّ إِن شك فيه (7)، وإلا عمل به اتفاقا.
ومراده: الناظر لا المناظر (8).
وقيل: ترك قياس لقياس أقوى منه.
__________
(1) انظر: اللمع/ 71، والتبصرة/ 492.
(2) ما بين المعقوفتين من (ظ).
(3) انظر: المنخول/ 375، والإِحكام للآمدي 4/ 156.
(4) انظر: روضة الناظر/ 169.
(5) في (ح): فمراده.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 157، ومنتهى السول 3/ 55.
(7) في (ب): وفيه.
(8) نهاية 156 أمن (ظ).

(4/1463)


وأبطله في التمهيد (1) وغيره: بأنه (2) لو تَرَكه لنص كان اسحساناً (3).
وفي مقدمة المجرد: تَرْك قياس لما هو أولى منه، أومأ إِليه أحمد.
وأبطل في التمهيد (4) قوله في العدة (5): "ترك حكم لحكم أولى" -وقاله الكرخي (6) -: بأن (7) القوة للأدلة لا للأحكام، واختار أن كلام أحمد يقتضي: أنه عدول عن موجَب قياس لدليل أقوى. واختاره في الواضح (8).
وذكر الحلواني (9) [من أصحابنا] (10) -وقاله القاضي (11) أيضًا-: القول بأقوى الدليلين.
ولا نزاع معنوي في ذلك.
__________
(1) انظر: التمهيد/ 169 ب.
(2) في (ح): لأنه.
(3) يعني: فالتعريف غير جامع.
(4) انظر: التمهيد/ 169 ب.
(5) انظر: العدة/ 252أ.
(6) انظر: أصول الجصاص/ 295 أ.
(7) في (ح): لأن.
(8) انظر: الواضح 1/ 144 أ.
(9) انظر: المسودة/ 454.
(10) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(11) انظر: العدة/ 252 ب.

(4/1464)


وقيل: عدول عن (1) حكم الدليل إِلى العادة لمصلحة الناس، كشرب الماء من السقاء ودخول الحمام.
قلنا: مستنده فعله زمنه عليه السلام، أو زمن (2) العلماء وعلموه ولم ينكَر، أو غيره من دليل، وإلا رد.
....................
وعند الحنفية (3): يثبت الاستحسان بالأثر -كالسلم (4) والإِجارة (5) وبقاء الصوم (6) في الناسي (7) - وبالإِجماع، وبالضرورة كتطهير الحياض.
وسمَّوا ما ضعف أثره "قياسًا"، والقوي"استحسانًا" أي: قياسا مستحسنًا لقوة أثره، كتقديمه في طهارة (8) سباع الطير.
__________
(1) في (ظ): على الحكم.
(2) في (ظ): أو زمنا.
(3) انظر: أصول السرخسي 2/ 199، وكشف الأسرار 4/ 4، وتيسير التحرير 4/ 78.
(4) انظر: ص 951.
(5) ورد جوازها ومشروعيتها في الكتاب، قال تعالى: (فإِن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) سورة الطلاق: آية 6. وورد في أخبار كثيرة، فانظر: صحيح البخاري 3/ 88 وما بعدها.
(6) نهاية 230 ب من (ب).
(7) أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 31، ومسلم في صحيحه/ 809 من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
(8) في (ظ): طهارتي.

(4/1465)


وقدموا قياسًا ظهر فساده واستتر أثره على استحسان ظهر أثره واستتر فساده، كالركوع بدل سجود التلاوة للخضوع الحاصل به؛ لأن السجود لم يؤمر به لعينه، فلم يشرع قربةً مقصودة.
وفرقوا بين الاستحسان بالثلاثة الأول وبالقياس الخفي: بصحة التعدية به دونها (1)، كالاختلاف في ثمن مبيع قبل قبضه: لا يحلف بائع قياسًا -لأنه مدَّعِ- ويحلف استحسانًا؛ لإِنكاره تسليمه بما (2) يدعيه مشتر (3)، فيتعدى إِلى الوارث والإِجارة، وبعد قبضه: ثبتت اليمين بالأثر (4)، فلم يتعد إِلى (5) وارث إلى حال تلف مبيع.
كذا قالوا، ولا يخفى ما فيه، ومثل هذا لم يقل به أحمد والشافعي.
والله أعلم.
..................
وإن ثبت استحسان مختلف فيه فلا دليل عليه، والأصل عدمه.
وقوله تعالى: (واتبعوا (6) أحسن ما أنزل) (7): لا نسلِّم أن هذا مما
__________
(1) يعني: لأنها غير معلولة.
(2) نهاية 44 من (ح).
(3) يعني: بما يدعيه المشتري ثمنا.
(4) انظر: ص 963 من هذا الكتاب.
(5) نهاية 156 ب من (ظ).
(6) في (ظ): واتبع أحسن ما أنزل إِليك.
(7) سورة الزمر: آية 55.

(4/1466)


أنزل فضلا عن كونه أحسن، ولم يفسره (1) به أحد.
و"ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن" سبق (2) في الإِجماع، وهو (3) (4) المراد (5) قطعا.
ونازع ابن عقيل (6) الحنفية، وقال: "القياس هو موضع (7) الاستحسان"، وأنه يتصور الخلاف معهم في ترك القياس للعرف (8) والعادة، واحتج: بأن القياس حجة، فلا يجوز تركه لعرف (9) طارئ كغيره.
* * *
المصالح المرسلة:
سبقت (10) في المسلك الرابع "إِثبات العلة بالمناسبة" (11).
__________
(1) في (ظ): ولم يفسر.
(2) في ص 386.
(3) في (ح): فهو.
(4) يعني: الإِجماع.
(5) يعني: من هذا الأثر.
(6) انظر: الواضح 1/ 145 أ.
(7) في (ب) و (ظ): وضع.
(8) في (ظ): في العرف.
(9) في (ظ): بعرف.
(10) في ص 1283، 1287 - 1292.
(11) نهاية/ 231أمن (ب).

(4/1467)


قال بعض أصحابنا (1): أنكرها متأخرو أصحابنا -من أهل الأصول والجدل- وابن الباقلاني وجماعة من المتكلمين، وقال بها مالك والشافعي في قول قديم، وحكي عن (2) أبي حنيفة، وقال ابن برهان: "الحق ما قاله الشافعي: إِن لاءمت أصلاً كليا أو جزئيا قلنا بها، وإلا فلا"، قال: ومالك لا يخالف هذا المذهب.
وذكر أبو الخطاب (3) -في تقسيم أدلة الشرع- أن الاستنباط: قياس، واستدلال بأمارة أو علة، وبشهادة الأصول.
قال بعض أصحابنا (4): الاستدلال بأمارة أو علة هو المصالح، وأنكر بعض أصحابنا مذهبا ثالثا فيها. والله أعلم.
......................
__________
(1) انظر: المسودة/ 450 - 451.
(2) في (ب): على.
(3) انظر: التمهيد/ 222أ، وانظر أيضًا: نسخة جامعة الإِمام من كتاب التمهيد 2/ 268، والمسودة/ 451.
(4) انظر: المسودة/ 451.

(4/1468)