الإبهاج في شرح المنهاج ج / 2 ص -281-
الباب الثاني في الأخبار
قال الباب الثاني في الاخبار وفيه فصول:
الأول: فيما علم
صدقه وهو سبعة.
الأول: ما
علم وجود مخبره بالضرورة أو الاستدلال.
والثاني: خبر الله تعالى وإلا لكنا في بعض الأوقات اكمل
منه تعالى ونزه.
الثالث: خبر الرسول صلى الله عليه وسلم والمعتمد دعواه
الصدق وظهور المعجزة على وفقه.
الرابع: خبر كل الامة لان الاجماع حجة.
الخامس: خبر جمع عظيم عن أحوالهم.
السادس: الخبر المحفوف بالقرائن.
الخبر قسم من أقسام الكلام والقول في انه حقيقة في اللساني
أو النفساني أو مشترك على الخلاف السابق وقد يستعمل الخبر
في غير القول كقوله:
تخبرني العينات ما القلب كاتم لكنه مجاز لعدم تبادره الى
الذهن.
وقد سبق الكلام على حد الخبر في باب تقسيم الالفاظ واعلم
ان الخبر وان كان من حيث هو يحتمل الصدق والكذب لكنه قد
يقطع بصدقه أو بكذبه لأمور خارجة أو لا يقطع بواحد منهما
لفقدان ما يوجب القطع وحينئذ فقد يظن الصدق وقد يظن الكذب
وقد يستوي الأمران والمصنف تكلم في فصول فيما
ج / 2 ص -282-
يقطع
بصدقه والثاني فيما يقطع بكذبه والثالث فيما يظن بصدقه
واقتصر على هذه الفصول وقد علمت مما ذكرناه ان الخبر منحصر
في الصدق والكذب لأنه إما مطابق للواقع وهو الصدق أو لا
وهو الكذب وجعل الجاحظ بينهما واسطة فقال الصادق وهو
المطابق للواقع مع اعتقاد كونه مطابقا والكاذب غير المطابق
مع اعتقاد كونه غير مطابق قال وأما الذي لا اعتقاد يصحبه
فليس بصدق ولا كذب سواء طابق الواقع أم لا يطابق وهذا قول
مزيف عند الجماهير.
الفصل الأول: فيما يقطع بصدقه وهو سبعة
أقسام:
الأول: الخبر الذي علم وجود مخبره أي المخبر به وهو بفتح
الباء وحصول العلم به قد يكون بالضرورة كقولنا الواحد نصف
الاثنين وقد يكون بالاستدلال كقولنا العالم حادث.
الثاني: خبر الله تعالى لأنه لو جاز الكذب
عليه لكنا في بعض الأوقات وهو وقت صدقنا وكذبه اكمل منه من
جهة الصدق والكذب ان الصدق صفة كمال والكذب صفة نقص وتنزه
الله تعالى وتبارك عن ذلك علوا كبيرا.
والثالث: خبر الرسول في الدليل على إفادته
العلم انه ادعى الصدق وظهرت المعجزات على في فقه وذلك
داليل صدقه لامتناع ظهور المعجزة على يد الكافر وإذا ثبتت
نبوته فكل ما يخبر به صحيح قطعا لامتناع الكذب على
الأنبياء أما إن فيما كان يتعلق بالتبليغ والتشريع فبإجماع
الأمة واما إذا لم يكن متعلقا بالتبليغ فلأنه معصية عندنا
وكل معصية من صغيرة أو كبيرة فهي ممتنعة على الأنبياء
عليهم السلام.
والرابع: خبر كل الأمة لأن الاجماع حجة
كما سيأتي ان شاء الله تعالى وهذا إنما يتم عند من يقول ان
الاجماع قطعي واما من يقول انه ظني فهو ينازع في إفادته
العلم.
الخامس: خبر العدد والجم الغفير عن الصفات
القائمة بقلوبهم من الشهوة والنفرة والجوع والعطش كقول زيد
انا جائع وعمرو انا ظاميء وخالد أنا
ج / 2 ص -283-
شاكر
وبكر انا داع وهلم جرا فانا نقطع بأنه لا بد فيه من الصدق
وانه ليس كذبا ولكنا نجهل الصحيح منه كما انا لا نشك في ان
بعض المروي عنه صلى الله عليه وسلم صدق وان جهل عينه ولا
يتوهمن المتوهم ان هذا هو التواتر الآتي ان شاء الله تعالى
في آخر الفصل.
وذلك لأن الجمع الذي يستحيل تواطؤهم على الكذب إذا اخبروا
فتارة يتفقون في اللفظ وهو المتواتر وتارة يختلفون في
اللفظ والمعنى مع وجود معنى كان فيما اخبروا به وقع عليه
اتفاق كما إذا اخبر واحد عن حاتم انه اعطى دينارا وآخر انه
اعطى جملا وآخر فرسا وهلم جرا فان المخبرين وان اختلفوا في
اللفظ والمعنى فقد اتفقوا على معنى كلي وهو الاعطاء.
وهذا هو التواتر المعنوي وتارة تتغاير الالفاظ والمعاني
ولا يقع الاتفاق على معنى كلي ولا جزئي بل كل أحد يخبر عن
شان نفسه بخبر يغاير ما اخبر به الآخر وهم جمع عظيم تقتضي
العادة بأنه لا بد فيهم من صادق في مقاله وهذا هو القسم
الذي يتكلم فيه.
فالثابت في المتواتر ذلك الشيء اخبر به أهل المتواتر وفي
المعنوي القدر المشترك وهو كل أمر وقع الاتفاق عليه ضمنا
وفي هذا القسم أمر جزئي لم يتفقوا عليه.
السادس: الخبر المحفوف بالقرائن ذهب النظام وإمام الحرمين
والغزالي والامام واتباعه منهم المصنف والآمدي وابن الحاجب
انه يفيد العلم وهو المختار وذهب الباقون الى انه لا يفيد.
واحتج الأولون بان الإنسان إذا سمع ان السلطان غضب على
وزيره وأهانه ثم رأى الوزير خارجا من باب داره على وجهه
الذلة والانكسار والخوف باد على أعطافه والوجل يلوح من
حركاته وسكناته وحواليه الأعوان كالمرسمين عليه وكلامهم له
كلام النظير بعد ان كانوا خدما بين يديه وهم ذاهبون به نحو
حبس السلطان وعدوه يتصرف فيما كان يتصرف فيه فإنه يقطع
بصدق ما سمعه لا يداخله في ذلك شك ولا ريب.
ج / 2 ص -284-
بل لو
ظهر مع هذه القرائن شكا لعد أحمق ورشقته سهام الملام وكذلك
إذا وجدنا رجلا مرموقا عظيم الشان معروفا بالمحافظة على
رعاية المروءات خاسرا رأسه شاقا جيبه حافيا وهو يصيح
بالويل والثبور ويذكر أنه أصيب بولد أو والده وشهدت
الجنازة ورؤى الغسال مشمرا يدخل ويخرج فهذه القرائن
وأمثالها تفيد العلم بصدق المخبر وإن كان واحدا.
واعلم ان هذه العلوم الحاصلة على حكم العادات وجدناها
مترتبة على قرائن الأحوال وهي لا تنضبط انضباط المحدودات
بحدودها.
وقد قلنا انه لا سبيل إلى جحدها إذا وقعت وهذا كالعلم يخجل
الخجل ووجل الوجل وبسط الثمل وغضب الغضبان ونحوها مما لا
يعد ولا يحصى.
واذا ثبتت هذه القرائن ترتبت عليها بديهية لا يأباها لا
جاحد ولو رام امرؤ العلم بضبط القرائن ووضعها بما يميزها
عن غيرها لم يجد الى ذلك سبيلا وكأنها تدق عن العبارات
وتأبى عن من يحاول ضبطها بها.
وقد قال الشافعي رضي الله عنه من شاهد رضيعا قد ألقم ثديا
من موضع وراى فيه آثار الامتصاص وحركات الغلصمة وجرجرة
المتجرع لم يسترب في وصول اللبن الى جوف الصبي وحل له ان
يشهد له شهادة بأنه بالرضاع ولو انه لم يثبت شهادته في
بيان الرضاع ولكنه شهد على ما رأى من القرائن في وصفها
واستعان بالواصفين معرفين فبلغ ذكر القرائن مجلس القضاء لم
يثبت الرضاع بذلك.
وذلك ان ما سمعه القاضي وصفا لا يبلغ مبلغ العيان والذي
يقضي بالمعاين الى درك اليقين يدق مدركه عن عبارة
الواصفين.
قال امام الحرمين ولو قيل لا زكى خلق الله قريحة وأحدهم
ذهنا أفضل بين حمرة وجه الغضبان وبين حمرة المرعوب لم
تساعده عبارة في محاولة الفصل فان القرائن لا تبلغها غايات
العبارات.
وبهذا يتمهد ما قلناه من أن حصول العلم بصدق المخبر لن
يتوقف على حد محدود ولا عدد معدود والله اعلم.
ج / 2 ص -285-
قال السابع المتواتر وهو
خبر بلغت رواته في الكثرة مبلغا أحالت العادة تواطؤهم على
الكذب وفيه مسائل الاولى انه يفيد العلم مطلقا خلافا
للسمنية وقيل يفيد عن الموجود لا عن الماضي لنا انا نعلم
بالضرورة وجود البلاد النائية.
والأشخاص الماضية وقيل نجد التفاوت بينه وبين قولنا الواحد
نصف الاثنين قلنا للاستئناس.
التواتر لغة هو التتابع وتواتر مجيء القوم أي جاؤوا واحدا
بعد واحد بفترة بينهما ومنه قوله تعالى:
{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا}1 أي واحدا بعد واحد بفترة بينهما وفي الاصطلاح ما ذكره المصنف وفي
الفصل مسائل أحدها أكثر العقلاء على انه إذا تواتر الخبر
أفاد العلم اليقين سواء كان خبرا عن أمور موجودة في زماننا
كالإخبار عن البلدان البعيدة أو عن أمور ماضية كالأخبار عن
وجود الأنبياء عليهم السلام وغيرهم في القرون الماضية.
وقال السمنية بضم السين المهملة وفتح الميم المشددة بعدها
نون ثم باء آخر الحروف وهم قوم من عبدة الأوثان أنه لا
يفيد العلم.
قال القاضي في مختصر التقريب وهؤلاء قوم من الأوائل ولا
فرق عندهم بين المتواتر والمستفيض والآحاد.
وفصل قوم فقالوا ان كان خبرا عن موجود أفاد العلم وان كان
عن ماض فلا يفيده لنا أنا بالضرورة نعالم وجود البلاد
النائية كنيسابور وخوارزم والأشخاص الماضية كالشافعي وأبي
حنيفة ونجزم بذلك جزما يجري مجرى جزمنا بالمشاهدات فيكون
المنكر لها كالمنكر للمشاهدات ومن انكر ذلك فقط سقطت
مكالمته ووضحت مجاحدته.
قال القاضي فان قالوا المحسوسات لما كانت معلومة ضرورية لم
نجحدها وانما جحدنا ما تواترت عنه الاخبار قلنا وقد جحد
المحسوسات السفسطائية وزعموا ان كل ما يسمى محسوسا فلا
حقيقة له وانما رؤيتنا له تخييل كحكم النائم.
فان قيل هذا المذهب يؤثر عنهم ولم تر طائفة منهم تقوم بهم
حجة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المؤمنون آية 144.
ج / 2 ص -286-
قال
القاضي فيقول كذلك لانزال ننقل مذهب السمنية ولم نر حزبا
وفئة يكثر بهم.
واعترض الخصم بأنا نجد التفاوت بين خبر التواتر وغيره من
المحسوسات والبديهات كقولنا الواحد نصف الاثنين وقيام
التفاوت دليل احتمال يخرج عن كونه يقينيا.
والجواب ان سبب التفاوت الحاصل كثرة استعمال بعض القضايا
وتصور طرفها بخلاف غيرها فلهذا يستأنس العقل ببعضها دون
بعض وهذا الجواب مبنى على ان العلوم لا تتفاوت والذي
اختاره كثيرون خلافه.
قال الثانية إذا تواتر الخبر أفاد العلم ولا حاجة الى نظر
خلافا لامام الحرمين والحجة والكعبي والبصري وتوقف المرتضى
أما لو كان نظريا لم يحصل لمن لا يتأتى له كالبله والصبيان
قيل يتوقف على العلم بامتناع تواطئهم على الكذب وان لا
داعي لهم الى الكذب قلنا حاصل بقوة قريبة من الفعل فلا
حاجة الى نظر.
الجمهور على انه إذا تواتر الخبر أفاد العلم ولا حاجة معه
الى كسب وهو رأي الإمام واتباعه منهم المصنف واختاره ابن
الحاجب وذهب أبو القاسم الكعبي من المعتزلة.
وقال الشيخ أبو اسحاق الشيرازي هنا أنه البلخي وكناه أبا
مسلم الى انه كسبي ووافقه ابو بكر الدقاق وأبو الحسين
ونقله المصنف تبعا للإمام عن حجة الاسلام الغزالي وفيه نظر
فالذي نص عليه في المستصفى ان تحقيق القول فيه انه ضروري
بمعنى انه لا يحتاج في حصوله الى الشعور بتوسط واسطة مفضية
إليه مع ان الواسطة حاضرة في الذهن وليس ضروريا بمعنى انه
حاصل من غير واسطة كقولنا القديم لا يكون محدثا والموجود
لا يكون معدوما فانه لا بد فيه من حصول مقدمتين في النفس
عدم اجتماع هذا الجمع على الكذب واتفاقهم على الاخبار عن
هذه الواقعة وهذا الذي ذكره الغزالي هو الحق وهو الذي
اختاره الإمام واتباعه.
ج / 2 ص -287-
أما
امام الحرمين فقد نقل المصنف عنه ايضا انه نظري وهو صرح في
البرهان بموافقة الكعبي كما نقل المصنف لكنه نزل مذهب
الكعبي على محمل يقارب ما ذكره الغزالي وهذه عبارته.
ذهب الكعبي الى ان العلم بصدق المخبرين تواترا نظري وقد
كثرت المطاعن عليه من أصحابه ومن عصبة الحق والذي أراه
تنزيل مذهبه عند كثرة المخبرين على النظر في ثبوت اياه
جامعة وانتفائها فلم يعن الرجل نظرا عقليا وفكر اسبريا على
مقدمات ونتائج فليس ما ذكره الا الحق انتهى.
وإذا اتحد رأي امام الحرمين والغزالي وكان هوى رأي الإمام
والجمهور ونزل مذهب الكعبي عليه كما صنع امام الحرمين لم
يكن بينهم اختلاف وهذا التنزيل هو الذي ينبغي ان يكون ولا
يجعل المسائلة نزاع وتوقف الشريف المرتضى والآمدي واحتج
الجمهور بأنه لو كان نظريا لما حصل لمن ليس هو من أهل
النظر كالبله والصبيان قال الإمام ولما حصل علمنا انه ليس
بنظري وفي الدليلين نظر.
أما الأول فقال النقشواني نمنع حصول العلم بالمتواتر
للصبيان حال طفوليتهم وعدم حصول النظر والتمييز لهم حال
كونهم مراهقين قال وكذلك نقول في البلة باعتبار الحالتين.
واما الثاني فلأنه يلزم من كونه ضروري العلم بإنه ضروري
ضرورة إذ العلم بالشيء لا يستلزم العلم بصفته واحتج القائل
بأنه نظري بان العام بمقتضاه متوقف على العلم بامتناع
تواطؤ المخبرين عن الكذب عادة وانه لا داعي لهم إليه من
غرض ديني أو دنيوي واما إذا كان متوقفا على حصول الغير كان
نظريا والمتوقف على النظري الى ان يكون نظريا والجواب ان
هذه المقدمات حاصلة بقوة قريبه من الفعل أعني أنه إذا حصل
طرفا المطلوب في الذهن فمن غير نظر يحصل لضرورة عقيبة.
قال الثالثة ضابطة إفادة العلم وشرطه ان لا يعلمه السامع
ضرورة وان لا يعتقد خلافه لشبهة دليل أو تقليد وأن يكون
سند الخبرين إحساسا به.
ج / 2 ص -288-
ضابط
الخبر المتواتر إفادة العلم فمتى اخبر هذا الجمع وأفاد
خبرهم العلم علمنا انه متواتر ومتى لم يفد تبين لنا انه
غير متواتر أما لفقدان شرط من شروط المتواتر أو لوجود مانع
وعند هذا يظهر انه يتعذر الاستدلال بالتواتر على من لم
يعترف بحصول العلم له ضرورة أنه لا مرجع في حصول شرائطه
الا حصول العلم به فمن لم يحصل له العلم لا يمكن الاستدلال
به عليه ومن قال لم يحصل لي العلم لا يقال له بل حصل لك
العلم وشروط المتواتر أربعة.
أحدها: ان يكون السامع له غير عالم
بمدلوله ضرورة لأن تحصيل الحاصل منزل في الاستحالة منزلة
تحصيل الممتنع ونحن نضرب لذلك مثالا قائلين ذو العلم بأن
النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان لو اخبر بذلك لم
يزدد علما ولم يستفد الثاني.
الثاني: ان لا يكون السامع معتقدا خلافه
إما لشبهة دليل أو تقليد امام ان كان عاميا وهذا الشرط
اعتبره الشريف المرتضى واختاره المصنف واحتج الشريف على
اشتراطه بأن حصول العلم عقيب التواتر إنما هو بالعادة لا
بطريق التقليد فإنه ربما يتوهم حينئذ انه لا مدخل لما ذكر
من الشرط حتى يختلف فعله بحسب اختلافه فجاز ان يختلف ذلك
باختلاف أحوال المسلمين فيحصل للسامع إذا لم يكن قد اعتقد
نقيض ذلك ولا يحصل له إذا اعتقد نقيضه ثم أورد على نفسه
بإنه يلزمكم على هذا أن يجوزوا.
واصدق من أخبركم بأنه لم يعلم وجود البلدان الكبيرة
والحوادث العظام بالأخبار المتواترة لأجل تقليد أو شبهة
اعتقدها في نفي تلك الأشياء وأجاب عنه بأنه لا داعي يدعو
العقلاء الى سبق اعتقاد نفي هذه الأمور ولا شبهة في نفي
تلك الأشياء والتقليد لابد وأن ينتهي إلى ما ليس بتقليد
دفعا للتسلسل والدور فلا يتصور فيه اعتقاد نفي موجب الخبر
فلا جرم انه لا يجوز صدقه وهذا باطل بانا قد نجد أنفسنا
جازمة بما اخبر به أهل التواتر وإن سبق لنا اعتقاد نفي
موجبه.
واعلم ان الشريف رام بهذا الاشتراط مراما بعيدا فانه اتخذ
ذلك ذريعة الى معتقده فقال وهذا كما انه النص الدال على
إمامة علي رضي الله عنه متواترا ثم
ج / 2 ص -289-
لم
يحصل العلم به لبعض السامعين لاعتقادهم نفي النص لشبهة أو
تقليد ولقد رمى الغرض من أمد بعيد وأوقع اللبيب في أمر
عجاب ما ادري أيتعجب المرء من ذي علم يميل الى معتقد فيدخل
في الدين أمورا شامخة وقواعد كلية يتوصل الى إثبات المعتقد
الحري بها ولا داعي له الى ذلك سوى غرضه الحري أو يدعي
التواتر في أمر إذا عرضه على اهل الخبرة بالحديث في الأثر
وذوي المعرفة بفنون السبر لم يلب منهم قائلا ان ذلك خبر
يعد في الآحاد فضلا عن الحاقه بالمتوترات وهذا من بهت
الروافض فانه لو كان لما خفي على أهل بيعة السقيفة ولتحدثت
به امراة على مغزلها ولأبداه مخالف أو مواقف ولخرجه من
رواة الحديث ولو حافظ واحد.
الثالث: ان يكون مستند المخبرين في الاخبار وهو الإحساس
بالمخبر عنه الحواس الخمس لأن ما لا يكون كذلك يجوز دخول
الغلط والالتباس فيه فلا جرمه انه يحصل العلم به وقال امام
الحرمين لا معنى لاشتراط الحس فإن المطلوب صدور الخبر عن
العلم الضروري ثم قد يترتب على الحواس ودركها وقد يحصل عن
قرائن الأحوال ولا اثر للحس فيها على الاختصار فان الحس لا
يميز احمرار الخجل والغضبان عن اصفرار المخوف والمرعوب
وانما العقل يدرك تميز هذه الأحوال قال فالوجه اشتراط صدور
الاخبار عن البديهة والاضطرار هذا كلام امام وفيه نظر لأن
ما ذكره راجع الى الحس ايضا لأن القرائن التي تفيد العلم
الضروري مستندة الى الحس ضرورة أنها لا تخلو عن ان تكون
حالية أو مقالية وهما محسوسان وأما القرائن العقلية فهي
نظرية لا محالة فلا يتصور التواتر فيها ولا تفيد الا علما
نظريا فلو اخبر الزائدون على عدد أهل التواتر بما لا يحصى
عدمها عما علموه نظرا لم يفد خبرهم علما وكانت طلبات العقل
قائمة الى قيام البرهان قال امام الحرمين والسبب في ذلك ان
النظر مضطرب العقول ولهذا يتصور الاختلاف فيه نفيا وإثباتا
فلا يستقل بجميع وجوه النظر عاقل والعقلاء ينقسمون الى
راكن في الدعة والهوينا من برجاء كذا النظر والى ناظر ثم
النظار ينقسمون ويتحزبون أحزابا لا ينضبط على أقدام
القرائح في ذكائها وأنقاذها وبلادتها واقتصادها ومن اعظم
أسباب اختلافهم اعتراض
ج / 2 ص -290-
القواطع والموانع قبل استكمال النظر فلا يتضمن أخبار
المخبرين في صحارى النظر صدقا ولا كذبا.
قال وعددهم مبلغا يمتنع تواطؤهم على الكذب وقال القاضي لا
يكفي الاربعة وإلا لأفاد قول كل أربعة فلا يجب تزكية شهود
الزنا لحصول العلم بالصدق او الكذب وتوقف في الخمسة ورد
بان حصول العلم بفعل الله تعالى فلا يجب الاطراد وبالفرق
بين الرواية والشهادة وشرط اثنا عشر كنقباء موسى وعشرون
لقوله تعالى ان يكن منكم عشرون صابرون وأربعون لقوله تعالى
ومن اتبعك من المؤمنين وكانوا أربعين وسبعون لقوله واختار
موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا وثلاثمائة وبضعة عشر عدد
أهل بدر والكل ضعيف.
الشرط الرابع: ان يبلغ عدد المخبرين الى
مبلغ يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب وذلك يختلف باختلاف
الوقائع والقرائن والمخبرين ولا يتقيد ذلك بعدد معين بل
هذا القدر كاف عند الجماهير لأنه لا عدد يفرض ألف وألفين
الا والكذب منهم غير مستعبد لذي العقل بل المرجع في حصول
هذا الشرط وغيره إلى الوجدان فإن وجد السامع نفسه عالما
بما اخبره به على التواتر علم وجود هذا الشرط وغيره وإلا
علم اختلال غيره من الشرائط.
وهذا قد تقدم ذكره لكن من هؤلاء الجماهير من قطع في جانب
النفي ولم يقطع في جانب الاثبات فقال بعدم إفادة عدد معين
له وتوقف في بعضه وهو القاضي رضي الله عنه حيث قال اقطع
بأن قول الاربعة لا يفيد العلم وأتوقف في الخمسة واحتج على
ذلك بأنه لو حصل العلم بخبر أربعة صادقين لحصل بخبر كل
أربعة صادقين لأنه لو لم يكن كذلك مع تساوي الأحوال
والقائلين والسامعين في جميع الشروط لزم الترجيح من غير
مرجح ولأنه لو جاز ذلك لجاز ان يحصل العلم بأحد الخبرين
الصادرين عن جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب دون الآخر ولو
حصل العلم بخبر كل أربعة صادقين لوجب ان يستغني الحاكم
فيما إذا شهد عنده أربعة ان فلانا زنا بفلانة عن تزكيتهم
لأنهم ان كانوا صادقين وجب حصول العلم بقولهم فاستغنى عن
التزكية وان لم يحصل القطع بصدقهم وجب ان يحصل العلم
بكونهم كاذبين لأن الغرض ان حصول العلم بالصدق من لوازم
قول كل أربعة صادقين.
ج / 2 ص -291-
فمتى
لم يحصل العلم بالصدق فقد انتفى اللازم وإذا انتفى اللازم
انتفى الملزوم ولا يمكن انتفاء حصول العلم لانتفاء كونهم
شهدوا ولا كونهم أربعة إذ هو خلاف الفرض فتعين ان يكون
لانتفاء الصدق ومتى انتفى الصدق تعين الكذب إذ لا واسطة
بينهما وحينئذ لا يجب تزكيتهم ايضا للعلم بكذبهم فيخلو عن
الفائدة فوضح انه لو أفادت الاربعة تزكية شهود الزنا وطلب
تزكيتهم واجب باجماع الامة فبطل الأول.
قال واما الخمسة فأتوقف فيها إذ لا يخفي عدم تأتي هذه
الدلالة فيها لأنه ان لم يضطر الى العلم بصدقهم قطع بعدم
صدقهم ولا يلزم من القطع بعدم صدقهم عدم صدق الاربعة منهم
لجواز ان يكون الاربعة منهم شاهد دون الخامس فجاز ان تطلب
تزكيتهم لبقاء النصاب وهذا بخلاف الاربعة لأن كذب أحدهم
مسقط للحجة هذا تقرير حجة القاضي ونحن نقول له ان عنيت
بقولك أتوقف في الخمسة في حصول العلم بقولهم وعدم حصوله
فهو صحيح.
لكن لاختصاص الوقفة بالخمسة بل يتأتى ذلك في الألف
والألفين إذ لا نقطع بحصول العلم بصدقهم ولا بعدمه فكان
يجب ان نتوقف في الكل بهذا المعنى وان عنيت به التوقف في
جواز العلم بقولهم كما في سائر الأعداد وعدم جوازه كما في
الأربعة فهو غير صحيح.
لأنه إذا لم يثبت فيهم الدليل الدال على عدم جواز حصول
العلم بقولهم يجب إلحاقهم بسائر الأعداد التي يجوز ان يحصل
العلم بقولهم قوله وزاد أي رد قول القاضي بوجهين:
أحدهما: منع الملازمة وأما قوله يلزم
الترجيح من غير مرجح فممنوع لأنه منسوب الى الفاعل المختار
على مذهبنا ومذهبه فالعلم الحاصل بخبر المتواتر إنما هو
بخلق الله تعالى لا بطريق التوليد حتى يكون الترجيح من غير
ومرجح ممتنعا واما قوله الجاز في أحد الخبرين عن الجمع
الكثير دون الآخر فممنوع لأنه يجوز ان يختلف في ذلك عادة
الله تعالى فاطرد عادته بخلق العلم الضروري عقيب أخبار
الجمع الكثير ولم يطرد ذلك عقيب أخبار الجمع القليل بل
تختلف فيه عادته فتارة يخلق وتارة لا يخلق.
ج / 2 ص -292-
كما ان
عادته مطردة بخلق الحفظ عقيب التكرار على البيت الواحد من
الشعر ألف مرة ولم تطرد عادته بخلقه عقيب التكرار عليه مرة
أو مرتين.
وثانيهما: الفرق بين الرواية والشهادة وذلك ان الشهادة
تقتضي شرعا خاصا فتواطؤ الشهود على الكذب في المشهود عليه
غير مستبعد بخلاف الرواية.
وكذلك يشترط في الشهادة ما لا يشترط في الرواية.
قوله وشرط علمت مذهب الجماهير وقد ذهب من سواهم من
الخائضين فيه هذا الغزالي اشتراط العدد ثم تضايقت مذاهبهم
فيه فلم يغادروا فيه على اختلاف الآراء عددا من الشرع هو
مربط حكمه أو جار وفقا في حكاية حال الا مال إليه منهم
مائل منهم مائل فذهب ذاهبون الى اشتراط اثني عشر كعدد
نقباء موسى عليه السلام لأن موسى عليه السلام نصبهم
ليعرفوه أحوال بني إسرائيل قال الله تعالى:
{وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً}1 وانما خصهم بذلك المدد لحصول العلم بقولهم وبعضهم شرط عشرين لقوله
تعالى:
{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا
مِائَتَيْنِ}2 وعلى هذا المذهب العلاف وأبو هشام بن عمر والغوطي لكنهما كما ذكر
القاضي في مختصر التقريب شرطا مع ذلك ان يكونوا من
المؤمنين الذين هم أولياء الله ونقل الإمام اشتراط العشرين
عن أبي الهذيل وبعضهم شرط أربعين مصيرا الى عدد الجمعة
ذهابا الى ان العدد هو الذي نزل فيه قوله سبحانه وتعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ}3
فنزلت هذه الآية لما آمن أربعون من الرجال.
وشرط آخرون من سبعين تمسكا بقوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ} وشرط آخرون من سبعين تمسكا بقوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا}4 وقال قوم ثلثمائة وبضعة عشر عدد أهل بدر والبضع بكسر الباء هو ما
بين الثلاث الى التسع والذي مختصر التقريب القاضي والبرهان
لامام الحرمين والوجيز لابن برهان والأحكام للآمدي تقييدا
هذا العدد بثلاثمائة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المائدة آية 12.
2 سورة الأنفال آية 65.
3 سورة الأنفال آية64.
4 سورة الاعراف آية 154.
ج / 2 ص -293-
وثلاثة
عشر وهو لا يبان ما نقل المصنف ولعل الناظر في كتب
المحدثين يجد انهم كانوا ثلاثمائة رجل وخمسة رجال.
وهو ايضا غير مباين وذلك لأن الذين خرجوا مع النبي صلى
الله عليه وسلم في غزوة بدر للمقاتلة ثلثمائة رجل وخمسة
رجال ولم يحضر الغزوة ثمانية من المؤمنين أدخلهم النبي صلى
الله عليه وسلم في حكم عداد الحاضرين وأجرى عليهم حكمهم
فكانت الجملة ثلاثمائة وثلاثة عشر فاستفد هذا فان جماعة من
المحدثين ذهلوا عنه حتى حكاه بعضهم خلافا فقال قيل ثلثمائة
وقيل ثلثمائة وخمس رجال كالحافظ شرف الدين الدمياطي وغيره
والجمع بين القولين ما أشرنا إليه.
قال المصنف تبعا للجماهير والكل ضعيف وهو كذلك لأنا نعارض
بعض هذه المذاهب ببعض ولا يتجه عند تعارضها ترجيح بعض على
بعض.
قال امام الحرمين وإن عن ترجيح فليس من مدلول الحق المقطوع
به فان الترجيحات ثمراتها غلبان الظنون في مطرد العادة
وأيضا فإنه لا تعلق لشيء من هذه الأعداد بالأخبار.
وانما هي في قضايا غايات جرت في حكاية أحوال وليس في العقل
ما يقتضي بمناسبة شيء منها لاقتضاء العلم فلا وجه لاعتبار
شيء منها وأيضا فما من عدد مما ذكروه الا ويمكن فرض
تواطؤهم على الكذب وبالجملة فالأعداد التي تمسكوا بها
منقسمة الى واقع في أقاصيص وحكايات أحوال جرت وفاقا فكان
لا يمتنع ان يقع اقل من تلك المبالغ واكثر وهي واردة في
أحكام لا تعلق لها بالصدق والكذب فلا معنى للتمسك بها
ويلتحق بهذه المذاهب قول بعضهم باشتراط عدد بيعة الرضوان
قال إمام الحرمين وهم ألف وتسعمائة.
وقال ضرار بن عمرو لا بد من خبر كل الامة وهو الاجماع حكاه
القاضي في مختصر التقريب وحكي عن صاحب أبي الهذيل المعروف
بأبي عبد الرحمن انه اشترط خمسة من المؤمنين الذين هم
أولياء الله شرط عصمتهم عن الكذب قال ولا بد معهم من
السادس ليس من الأولياء لتلتبس أعيانهم فلا يشر الى واحد
منهم أو لا يجوز ان يكون هو السادس قال القاضي وهو مذهب
خالف فيه
ج / 2 ص -294-
سائر
المذاهب ومنهم من شرط خمسة وأطلق حكاه الآمدي وابن برهان
في وجيزه وقال طوائف من الفقهاء ينبغي أن يبلغوا مبلغا لا
تحويهم بلد ولا يحصرهم عدد قال إمام الحرمين وهو سرف
ومجاورة حد وذهول عن مدرك الحق.
قال ثم إن اخبروا عن عيان فذاك وإلا فيشترط ذلك في كل
الطبقات.
عدد التواتر أن اخبروا عن معاينه فذاك وان لم يخبروا عن
معاينه اشترط وجود هذا العدد اعني الجمع الذي يستحيل
تواطؤهم على الكذب في كل الطبقات وهو معنى قول الاصوليين
لا بد فيه من استواء الطرفين والواسطة وبهذا يتبين أن
المتواتر قد ينقلب آحادا وربما اندرس دهرا فالمتواتر من
أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم ما اطردت الشرائع فيه
عصرا بعد عصر حتى انتهى إلينا وهذا الإخفاء فيه قال إمام
الحرمين ولكنه ليس من شرط التواتر قال بل حاصل ذلك أن
المتواتر قد ينقلب آحادا وليس من شرائط وقوع التواتر فلا
يصح تعبيرهم باشتراط استواء الطرفين والواسطة.
قال: الرابعة مثلا لو اخبر واحدا بأن
حاتما أعطى دينارا وآخر انه أعطى فرسا وآخر انه اعطى جملا
وهلم جرا تواتر القدر المشترك لوجوده في الكل.
التواتر قد يكون لفظيا وهو ما سبق وقد يكون معنويا وهو أن
يجتمع من يمتنع تواطؤهم على الكذب على الأخبار عن شيء
وتتباين أقوالهم فيما يخبرون به ولكن يكون بينها قدر مشترك
فيحصل له التواتر لوجوده في خبر كل واحد ووقوع الاتفاق
عليه ضمنا إذ الكل مخبرون عن ذلك المعنى المشترك ضرورة
إخباراتهم عن جزئياته.
ومثال ذلك ما إذا قال زيد أعطى حاتم دينارا وقال عمر وأعطى
فرسا وقال خالد أعطي جملا وهلم جرا حتى يبلغ حد التواتر
فإن يثبت بهذه الأخبارات القدر المشترك وهو صدور الاعطاء
منه ولو ان زيدا ذكر انه اعطى وتصدق ووهب مرارا وعمرو قال
أضاف ووقف وانعم بالمال مرارا وهلم جرا لتواتر في نحو هذه
الصورة شأن مجرد الاعطاء والكرم.
ج / 2 ص -295-
الفصل الثاني فيما علم كذبه
قال الفصل الثاني فيما علم كذبه وهو قسمان الأول ما علم
خلافه ضرورة أو استدلالا.
الخبر المقطوع بكذبه ذكر المصنف انه قسمان الأول ما علم
بالضرورة خلافه كالأخبار باجتماع النقيضين أو ارتفاعهما أو
بالاستدلال بأخبار الفيلسوف بقدم العالم.
قال: الثاني ما لو صح لتوفير الدواعي على نقله كما نعلم
انه لا بلدة بين مكة والمدينة اكبر منهما إذ لو كان لنقل
وادعت الشيعة ان النص دل على إمامة على ولم تتواتر كما لم
تتواتر الإقامة والتسمية ومعجزات الرسول صلى الله عليه
وسلم قلنا الاولان من الفروع ولا كفر ولا بدعة في
مخالفتهما بخلاف الإمامة واما تلك المعجزات فلقلة
المشاهدين.
القسم الثاني الخبر الذي لو كان صحيحا لكانت الدواعي
متوفرة على نقله أما لكونه أمرا غريبا كسقوط الخطيب عن
المنبر وقت الخطبة أو لتعلق اصل الدين به كالنص الذي تزعم
الروافض انه دل على إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
فعدم تواتره دليل على عدم صحته ولهذا انا نقطع بأنه لا
بلدة بين مكة والمدينة اكبر منهما وليس مستند هذا القطع
الا انه لو كان لتواتر وقالت الشيعة ما ندعيه من النص
الدال على إمامة على رضي الله عنه لم يتواتر كما لو يتواتر
كلمات الإقامة من أنها مثنى أو فرادى والتسمية في الصلاة
ومعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم تتوافر
كحنين الجذع إليه وتسليم الحجر عليه ووقوف
ج / 2 ص -296-
الشجر
بين يديه وتسبيح الحصى في يمينه مع توافر الدواعي على
نقلها فدل ذلك على عدم تواتر ما توافر الدواعي على نقله
ليس دليلا على عدم صحته وأجاب عن الأولين اعني الإقامة
والتسمية بأنهما من مسائل الفروع ولا كفر ولا بدعة في
مخالفتهما فلم تتوافر الدواعي على نقلها لذلك بخلاف
الإمامة فإنها من الأصول ومخالفتها بدعة ومؤثرة في الفتن
فتتوافر الدواعي على نقلها فلما لم تتواف-ر دل على عدم
صحته.
وعن الثالث ان تلك المعجزات التي لم تتواتر لم تكن بحضرة
جمع عظيم فعدم تواترها إنما هو لقلة المشاهدين فان قلت
يعارض هذا بمثله فنقول إنما لم يتواتر النص الدال على
إمامة على رضي الله عنه لقلة السامعين قلت ما تدعون من
النص لا نعرفه بنقل في الآحاد الصحاح فضلا عن المتواترات
ولو كان له وجود لما خفي على أهل بيعة السقيفة وتحدثت به
امرأة في خدرها ولا ابدات معاضد أو معاند وقد كان الأمر إذ
ذاك معضلا إذنا يحتاج إلى التلويح فضلا عن النص الصريح ولم
يكن عن ابدائه غنى بخلاف سائر معجزات النبي صلى الله عليه
وسلم فانه ربما اكتفى بنقل القرآن الذي هو اشهرها وأعظمها
عن نقلها وخلافه إبي بكر رضوان الله عليه لم يكن مؤيدة
شوكة قاهرة وانما كان الامر فوضى.
ومن المعلوم ان أمر الولايات من اخطر الأشياء في العادات
ولا نتسق النفوس إلى شيء تشوقها إلى نقل ما يتعلق
بالولايات ففيها تطير الجماجم عن الغلاصم وتهلك النفوس
ويلوح من هذا فرق آخر واضح بين ما سألوه من أمر الإقامة
وبين الإمامة.
قال إمام الحرمين وهو من اغمض الأسئلة فان بلال كان يقيم
بعد الهجرة الى انقلاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
رضوانه في اليوم والليلة خمس مرات ثم لم يقع التواتر
واختلفت النقلة فنقول الإقامة شعار مسنون ليس بالعظيم
الموقع في العرب والشرع قال إمام الحرمين والمعتمد عندي ان
الصحابة هونت أمر الإفراد والتثنية فلم يعتنوا بالأشاعة
وأشاعوا أفضى إلى الدروس وليس ذلك بدعا فيما ليس من
العزائم وهذا ينضم اليه بدع ثارت مع تواتر وأصحاب سلطنة
واستيلاء وقهر فانه جرى في آخر أيام علي رضي الله عنه قريب
من مائة سنة
ج / 2 ص -297-
دواهي
تشيب النواصي واستقر على تغيير ما كان منوطا بالأمر اذ
كانت الجماعة واقامة شعارها من أهم ما يهتم به الأمر ثم
الهي الناس عنه ما حدث فقد تقرر واضحا من المقطوع بكذبه
خبر لو صح لتوفرت الدواعي على نقله ويتبين به بطلان ما
ادعاه الروافض من النص وفساد قول العيسوية ان في التوراة
ان موسى بن عمران عليه السلام آخر مبعوث فان هذا لو كان
لذكره أخبار اليهود في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولما آثروا عنه معدلا إلى تحريف نعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وتبديلهم الذي خانوا به وخسروا واعلم ان المصنف
لم يذكر من المقطوع بكذبه غير قسمين.
وذكر الإمام ثالثا وهو ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم
بعد استقرار الاخبار ثم فتش عنه فلم يوجد في بطون الكتب
ولا في صدور الرواة ولقائل ان يقول غاية منتهى المنقب
الجلد والمتفحص الألد عدم الوجدان فكيف ينتهض ذلك قاطعا في
عدم الوجود وانما قصاراه ظن غالب يوجب ان لا يلتفت إلى ذلك
الخبر وان فرض دليل عقلي او شرعي او توفر الدواعي على نقله
عاد إلى القسمين المذكورين في الكتاب.
وذكر إمام الحرمين قسما رابعا فقال مما يذكر من أقسام
الكذب ان يتنبأ متنبىء من غير معجزة فيقطع بكذبه قال وهذا
معضل عندي فأقول ان تنبأ وزعم ان الخلق كلفوا متابعته
وتصديقه من غير آية فهذا كذب فان مساقه يفضي إلى تكليف ما
لا يطلق وهو العلم بصدقه من غير سبيل مؤد إلى العلم فأما
إذا قال ما أكلف الخلق اتباعي ولكن أوحى إلى فلا يقطع
بكذبه قلت وهذا كله يجب أن أكون فيما إذا كان من ادعى
النبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما بعده فيقطع بكذبه لقيام القاطع على ان لا نبي بعده
وهذا راجع إلى القسم الأول وهو ما علم خلافه استدلالا.
قال مسالة بعض ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كذب
لقوله سيكذب على ولأن منها ما لا يقبل التأويل فيمتنع
صدوره عنه.
بعض الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق
الآحاد مقطوع بكذبه لوجهين.
ج / 2 ص -298-
أحدهما: أنه روي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال سيكذب علي فان صح هذا
الحديث لزم وقوع الكذب عليه ضرورة صدقه فيما يقوله به وان
لم يصح مع كونه روي عنه فقد حصل الكذب فيما روي عنه ضرورة
ان هذا الخبر من جملة ما روي عنه لكن على هذا التقدير
يتعين الموضوع عليه وهو هذا الخبر والدعوى كانت مبهمة في
بعض غير معين فان قلت تلزم صحته ولا يلزم وقوع الكذب في
الماضي الذي هو المدعي لأنه قال سيكذب بصيغة المضارع فيجوز
ان يقع في المستقبل قلت السين الداخلة على يكذب وان دلت
على الاستقبال فإنما تدل على استقبال قليل بخلاف سوف كما
نصوا عليه وقد حصل هذا الاستقبال القليل بزيادة واعلم ان
هذا الحديث لا يعرف ويشبه ان يكون موضوعا.
الثاني: ان من جملة ما روي عنه صلى الله
عليه وسلم ما لا يقبل التأويل إما لمعارضة الدليل العقلي
أو غير ذلك مما يوجب عدم قبوله للتأويل فيمتنع صدوره عنه
عليه السلام قطعا.
قال وسببه نسيان الراوي أو غلطة أو افتراء الملاحدة لننفير
العلل سبب وقوع الكذب عليه صلى الله عليه وسلم اما نسيان
الراوي لطول عهد بالخبر المسموع أو غير ذلك فربما لحمل
النسيان على نقص ما يخل بالمعنى أو رفع ما هو موقوف أو غير
ذلك من آفات النسيان واما غلطة بأن أراد النطق بلفظ فسبق
لسانه إلى سواه أو وضع لفظا مكان آخر ظانا انه يؤدي معناه
واما افتراء الزنادقة وغيرهم من أعداء الدين الذين وضعوا
أحاديث تخالف العقول ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم
تنفيرا للعقلاء عن شريعته المطهرة وقد يقع الوضع من متهالك
على حب الجاه كما وضعوا في دولة بني العباس رضي الله عنه
نصوصا دالة على إمامة العباس وذريته ومن الغواة المتعصبين
من وضع أحاديث لتقرير مذهبه ودفع خصومه ومنهم من جوز وضع
الأحاديث للترغيب في الطاعة والترهيب عن المعصية فوقع منه
الوضع في ذلك وأسباب الوضع كثيرة لأنها تختلف باختلاف
أغراض الفسقة المتمردين والزنادقة المبتدعين والله اعلم.
ج / 2 ص -299-
الفصل الثالث فيما ظن صدقه
فيما ظن صدقه وهو خبر للعدل الواحد والنظر في طرفين الأول
في وجوب العمل به دل عليه السمع وقال ابن سريج والقفال
والبصري دل الفعل ايضا أنكره قوم لعدم الدليل او للدليل
على عدمه شرعا أو عقلا وأحاله آخرون واتفقوا على الوجوب في
الفتوى والشهادة والأمور الدنياوية.
القسم الثالث من أقسام الخير ما لا يقطع بصدقه ولا يصدقه
ولا يكذبه وله احوال لأنه اما ان يترجح احتمال صدقه او
كذبه كخبر العدل والفاسق او يتساوى كخبر المجهول وانما يجب
العمل بالقسم الأول فلذلك اقتصر على ذكره هنا فقوله العدل
احترازا عن القسمين الآخرين وقوله الواحد احتراز عن
المتواتر فان المراد بخبر الواحد عند الاصوليين ما لم يبلغ
حد التوتر مما لا سبيل الى القطع بصدقه او كذبه سواء نقله
واحد ام جمع منحصرون وقد يخبر واحد فيعلم صدقه كالنبي ولا
يعد ذلك من أخبار الاحد ويدخل في خبر الواحد المستفيض قال
الآمدي وهو ما نقله جماعة يزيد على الثلاثة والأربعة وقيل
المستفيض وما تلقته الامة بالقبول وقال الاستاذ ابو بكر بن
فورك الخبر الذي تلقته الامة بالقبول محكوم بصدقه قال إمام
الحرمين وفصل ذلك في مصنفاته فقال ان اتفقوا على العمل به
لم يقطع بصدقه وحمل الامر على اعتقاد وجوب العمل بخبر
الواحد وان تلقوه بالقبول قولا ونطقا فان تصحيح الائمة
للخبر يجري على حكم الظاهر فإذا اجتمع شروط الصحة اطلق
عليه المحدثون الصحة فلا وجه للقطع والحالة هذه قال إمام
الحرمين ثم لو قيل للقاضي لو رفعوا هذا الظن وباحوا بالصدق
فماذا تقول لقال مجيبا لا يتصور هذا فانهم لا يصلون الى
العلم بصدقه ولو قطعوا
ج / 2 ص -300-
لكانوا
مجازفين واهل الاجماع لا يجتمعون على باطل وقال الاستاذ
ابو اسحاق المستفيض ما تتفق عليه ائمة الحديث وزعم انه
يقتضي العلم نظرا والمتواتر يقتضيه ضرورة وضعف إمام
الحرمين ما قاله الاستاذ بأن العرف واطراد الاعتبار
لايقتضي الصدق قطعا بل قصاراه غلبه الظن و المختار ان
المستفيض ما يعده الناس شائعا وقد صدر عن اصل ليخرج الشائع
لا عن اصل واقل والمستفيض اثنان وقد حصر المصنف مقصود هذا
الفصل في طرفين.
أحدهما: في وجوب العمل بخبر الواحد قال
الجمهور يجب العمل به سمعا.
وقال احمد بن حنبل والقفال وابو العباس بن سريج منا وابو
الحسين دل عليه العقل مع السمع وقد عرفت في اوائل الشرح
اعتذار القاضي والاستاذ عمن قضى بدلالة العقل على ذلك من
اصحابنا اهل السنة كأحمد وابن سريج والقفال ومن الناس من
انكر التعبد به وقد انقسموا ما بينهم إلى مذاهب.
الأول: أنه لم يوجد ما يدل على انه حجة
فوجب القطع بانه ليس بحجة وهذا معنى قول المصنف لعدم
الدليل عليه.
والثاني: أن الدليل السمعي قام على أنه
غير حجة وهو رأي القاساني وابن داود والرافضة.
والثالث: أن الدليل العقلي قام على امتناع
العمل به وعليه جماعة من المتكلمين منهم الجبائي فإن قلت
ما وجه الجمع بين منع الجبائي هنا التعبد به عقلا واشتراطه
العدد كما سيأتي ان شاء الله تعالى النقل عنه فان قضية
اشتراطه العدد القول به قلت قد يجاب بوجهين اقربهما انه
اراد بخبر الواحد الذي انكره هنا ما نقله العدل منفردا به
دون خبر الواحد المصطلح اعني الشامل لكل خبر لم يبلغ حد
التواتر ولهذا كانت عبارة إمام الحرمين ذهب الجبائي الى ان
خبر الواحد لا يقبل بل لا بد من العدد واقله اثنان والثاني
انه يجعله من باب الشهادة واعلم ان القائلين بهذا المذهب
احالوا وقد صرح المصنف بالمغايرة بين مذهب من منعه عقلا
ومن احاله حيث قال بعد قوله عقلا وأحاله
ج / 2 ص -301-
آخرون
وهو وهم ثم أن المصنف أشار الى تحرير محل النزاع بأنه ليس
من الفتوى والشهادة والامور الدنياوية كلها بل اطبق علماء
الامة على العمل بخبر الواحد في تلك الامور.
قال لنا وجوه الاول انه تعالى اوجب الحذر بانذار طائفة من
الفرقة والانذار الخبر المخوف والفرقة ثلاثة والطائفة
واحدا واثنان قيل لعل للترجي قلنا تعذر فيحمل على الايجاب
بمشاركته للتوقع قبل الانذار للفتوى قلنا يلزم تخصيص
الانذار والقوم بغير المجتهدين والرواية ينتفع بها المجتهد
وغيره قيل فيلزم ان يخرج من كل ثلاثة واحد قلنا خص النص
فيه اقامة البرهان على وجوب العمل بخبر الواحد صريحة في
الرد على من قاله انه لم يقم دليل على ذلك واستنه الى ما
لا يعصم فقال ليس في العقل ما يوجب ذلك وليس في كتاب الله
نص عليه ولا سنة متواترة ترشد اليه ولا مطمع في الاجماع مع
قيام النزاع ويستحيل ان يثبت خبر الواحد واذا انحسم المسلك
العقلي والسمعي فقد حصل الغرض وقدمنا هذا القائل كلامه على
امور هو فيها منازع بحق واضح وهي قوله ان العمل به غير
مستند الى نص كتاب ومانورده من الآي رادا عليه ولا إلى سنة
متوترة ولا إجماع.
وهو ايضا باطل فانهما قائمان وهما المسلك الذي يختار
الاعتماد عليه في اثبات العمل بخبر الواحد والراي الكلام
على تقرير ما في الكتاب ثم ايضاحهما فنقول استدل على وجوب
العمل بخبر الواحد باوجه.
الأول: قوله تعالى:
{فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ
إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}1 وجه الاحتجاج انه تعالى اوجب الحذر باخبار طائفة لأنه اوجبه
بانذار الطائفة في قوله:
{وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ
لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} وكلمة لعل للترجي وهو محال في حقه تعالى فوجب حمله على المجاز وهو
طلب الحذر لأن من لازم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة التوبة آية 122.
ج / 2 ص -302-
الترجي
الطلب وطلب الله هو الامر فثبت الامر بالحذر عنه انذار
الطائفة والانذار هو الاخبار لأنه عبارة عن الخبر المخوف
والخبر داخل في الخبر المخوف والطائفة ها هنا عدد لا يفيد
قولهم العلم لأن كل ثلاثة فرقة.
وقد أوجب الله تعالى ان يخرج من كل فرقة طائفة والطائفة من
الثلاثة واحدا واثنان.
وقول الواحد او الاثنين لا يفيد العلم وقد اوجب به الحذر
فاثبت وجوب العمل بالخبر الذي لا يقطع بصدقه ولكن يظن صدقه
وذلك هو خبر الواحد واعلم ان هذا التقرير مبني على ان
المتفقهة هم الطائفة النافرة وأن الضمير في قوله ليتفقهوا
ولينذروا راجع إليها وهذا قول لبعض المفسرين والصحيح ان
المتفقهة الفرق المقيمة والمراد ان الفرق التي عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينفر من كل فرقة منهم طائفة الى
الجهاد وتبقى بقيتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليتفقهوا في الدين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} من الجهاد فالطائفة النافرة ليست المتفقهة بل هي التي تنذر.
ومما يوضح هذا المتفقهة هو المقيم بين يدي رسول الله صلى
الله عليه وسلم يسمع منه ويتلقى عنه والآية نزلت لأن
المؤمنين لما نزلت الآيات في المختلفين بعد تبوك صار
المؤمنون كلما جهز النبي صلى الله عليه وسلم فرقة للغزو
بادروا الى الخروج واستبقوا اليه فانزل الله هذه الآية
والمعنى والله اعلم: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} فلا نفرت طائفة من كل فرقة منهم لتحصيل التفقه للباقين عند النبي
صلى الله عليه وسلم.
واعترض الخصم على الاحتجاج بهذه الآية على التقرير المذكور
في الكتاب بثلاثة أوجه.
أحدهما: ان مدلول لعل الترجي لا الايجاب
والجواب ما سبق من انه لما تعذر الحمل على الترجي حمل على
الايجاب لمشاركته للترجي في الطلب.
وقال في الكتاب بمشاركته له في التوقع وليس ذلك بمستقيم اذ
يلزم من حمل لعل على حقيقتها بعينه لأن التوقع في حقه
تعالى محال.
ج / 2 ص -303-
والثاني: لا نسلم أن المراد بالانذار في الآية الخبر المخوف مطلقا بل المراد
به التخويف الحاصل من الفتوى وقول الواحد فيها مقبول
اتفاقا كما عرف ويؤيد ذلك انه اوجب التفقه من اجل الفتوى
والتفقه انما يفتقر اليه في الفتوى لا الرواية.
والجواب انه يلزم من حمله على الفتوى تخصيص الانذار
المذكور في الآية وهو عام فيه وفي الرواية وتخصيص القوم
المنذرين بغير المجتهدين اذ المجتهد لا يقلد مجتهدا فيما
افتى به بخلاف ما اذا حمل على ماهو اعم من الفتوى فانه لا
يلزمه التخصيص أما الانذار فلأنه الخبر المخوف وهو اعم من
ان يكون بالفتوى او بغيرها فانتفاء التخصيص منه اذا حمل
على ما هو اعم واضح واما القوم فلأن الرواية ينتفع بها
المقلد والمجتهد.
اما المجتهد ففي الاستدلال على الاحكام واما المقلد ففي
الانزجار وحصول الثواب لو نقلها لغيره بل يلزم من انتفاع
المجتهد بها انتفاع العامي بها لأنها اصله الثالث لو كان
المراد من الفرقة ثلاثة للزم منه ان يجب على كل ثلاثة ان
يخرج منهم واحد للتفقه وذلك باطل بالإجماع.
وأجاب بان ذلك هو ظاهر الآية الا ان النص في ذلك خص
بالإجماع لانعقاده على ان لا يجب على كل ثلاثة ان يخرج
منهم واحد بل يكفي فقيه واحد في خلق كثير لإرشادهم الى ما
تعبدوا به وإذا خص من هذا الوجه بقي على عمومه فيما عداه.
قال: الثاني: انه لو لم يقبل لما علل بالفسق لأن ما بالذات
لا يكون بالغير والثاني باطل لقوله تعالى:
{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الثالث القياس على الفتوى والشهادة قيل يقتضيان شرعا خاصا والرواية
عاما ورد باصل الفتوى.
الدليل الثاني: على وجوب العمل بخبر الواحد انه لو لم يجز
قبول خبر الواحد في الجملة لما كان عدم قبول خبر الواحد
الفاسق معللا بكونه فاسقا والتالي باطل فالمقدم مثله اما
بيان الملازمة فإن كون الراوي الواحد واحدا او
ج / 2 ص -304-
لازم
لشخصه المعين يمتنع انفكاكه عنه عقلا واما كونه فاسقا فهو
وصف عرضي يطرأ ويزول وان اجتمع في المحل وصفان احدهما لازم
والآخر عرضي مفارق وكان كل واحد منهما مستقلا باقتضاء
الحكم كان الحكم مضافا الى اللازم لا محالة لأنه كان حاصلا
قبل حصول المفارق وموجبا لذلك.
وحين حال العرض المفارق كان ذلك الحكم حاصلا بسبب ذلك
اللازم وتحصيل الحاصل مرة اخرى محال فيستحيل اسناد ذلك
الحكم الى ذلك المفارق مثاله الميت يستحيل ويستهجن ان يقال
لا يكتب لعدم الدواة والقلم عنده لأن الموت لما كان وصفا
لازما له الى حين يبعث وكان مستقلا بامتناع صدور الكناية
عنه لم يجز تعليل امتناع الكتابة بالوصف العرضي وهو عدم
الدواة والقلم.
وإذا أردت اعتبار ذلك مثالا بالجزئيات الفقهية قلت خيار
المجلس ثابت لقوله صلى الله عليه وسلم:
"المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا"1 وهو
اسم مشتق من معنى الحكم مهما نيط باسم مشتق من معنى كان
معللا به فكأنه قيل المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا
لكونهما متبايعين.
فإن قال الخصم نحمل الخيار على خيار القبول فإنه اذا صدر
الايجاب من البائع ولم يتصل به القبول من المشتري فإن
المشتري بالخيار بين ان يقبل وان لا يقبل فكذلك البائع
بالخيار بين ان يثبت على الايجاب وان يرجع قلنا له هذا
فاسد لأن قبول البيع حق ثابت له بكونه آدميا لا بمقتضى
البيع فهو مستفاد بالذات اعني كونه آدميا فلا يجوز ان
يستند الى الوصف العرضي وهو البيع.
وأما بيان بطلان التالي فإن الله تعالى علل عدم قبول خبر
الفاسق بكونه فاسقا في قوله تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ
بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}2 امر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن
عمرو, وابن عمر رضي الله عنهما ولفظه:
"المتبايعان بالخيار مالم يتفرقا " إلا
أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار فقد وجب
البيع, الفتح الكبير 3/253.
2 سورة الحجرات آية 6.
ج / 2 ص -305-
بالتبين اذا كان خبر المخبر فاسقا والحكم المعلق على الوصف
المشتق المناسب يقتضي كونه معللا بما منه الاشتقاق ولا
مراء في أن الفسق وصف يناسب عدم القبول فثبت بما ذكرناه ان
خبر الواحد لو وجب ان لا يقبل لامتنع تعليل عدم القبول
فثبت بما ذكرناه ان خبر الواحد لو وجب ان لا يقبل لامتنع
تعليل عدم قبول نبأ الواحد بكونه فاسقا.
ولكنه قد علل به فوضح ان خبر الواحد لا يجب ان لا يقبل فهو
اذا غير مردود فيكون مقبولا في الجملة وهو الغرض ومن الناس
من تمسك بالآية على وجه آخر وهو ان الامر بالتبين مشروط
بمجيء الفاسق والمفهوم حجة وهو قاض بانه اذا لم يكن فاسقا
يعمل به واعترض الآمدي بان المفهوم وان كان حجة لكنه ظني
فلا يكفي في باب الاصول ومن المتمسكين بهذا الوجه الشيخ
ابو الحسن رضي الله عنه كما نقله القاضي في مختصر التقريب
في الكلام على مفهوم الصفة وذلك يقتضي ان يقول بالمفهوم
وقد تقدم الكلام فيه في مكانه.
والمفهوم هنا شرط وصفه فالشرط مستفاد من صيغة ان الصفة
مكتسبة من لفظة فاسق.
واعترض على هذا الاستدلال بان ما ذكرتم وان دل على ان عدم
القبول معلل بكون الراوي فاسقا لكن قوله تعالى ان تصيبوا
قوما بجهالة يدل على انه معلل بعدم افادته العلم اذ
الجهالة هنا عبارة عن عدم القطع بالشيء لا القطع بالشيء مع
كونه ليس كذلك فإن خبر الفاسق لا يفيد ذلك حتى يحسن ان
يقال ان تصيبوا قوما بجهالة بل انما يفيد النوع الاول وخبر
الواحد العدل يشاركه في ذلك فوجب أن لا يقبل.
وأجيب بأن الظن كثيرا ما يطلق على العلم والعلم على الظن
فالجهالة والجهل يستعمل فيما يقابل هذين المعنيين فالمعنى
من الجهالة هنا ضد العلم الذي بمعنى الظن فتكون عبارة عن
عدم الظن فالعمل بخبر الفاسق تحمل بجهاله لأنه ليس فيه علم
أي ظن واما العمل بخبر الواحد العدل ليس كذلك.
الدليل الثالث: قياس خبر الواحد على الفتوى والشهادة بجامع
تحصيل المصلحة المظنونة او دفع المفسدة المظنونة واعترض
الخصم فقال الفرق أن
ج / 2 ص -306-
الفتوى
والشهادة يقتضيان شرعا خاصا ببعض الناس وهو المستفتي
والمشهود له او عليه بخلاف الرواية فانها تقتضي شرعا عاما
لكل الناس فلا يلزم من تجويز العمل بالظن الذي هو معرض
الخطأ والصواب في حق الواحد تجويز العمل به في حق كافة
الناس.
وأجيب بان هذا مردود شرعية اصل الفتوى فإنه امر لكل الخلق
باتباع الظن وفيه نظر فإن عموم شرع الفتوى ليس كعموم شرع
الرواية لأن الرواية تشمل المكلفين أجمعين والفتوى ليست
حجة على المجتهدين فكان العموم فيها دون العموم في الرواية
وايضا فالمسألة علمية والقياس غير كاف فيها وقد ذكر القاضي
في مختصر التقريب هذا الوجه اعني القياس على الفتوى
والشهادة.
وقال لست اختار لك التمسك به فانك تكون في ذلك طاردا ولا
تستمر ولا تلك على سير الاصوليين وقصاراه ان يقول لك الخصم
قد ثبت الفتوى والشهادة بدلالة قاطعة لم يثبت الخبر فتلجئك
الضرورة الى ذكر الأدلة على وجوب العمل بخبر الواحد هنا
تقرير الاوجه المذكورة في هذا الكتاب.
والمختار عندي في ذلك طريقة القاضي وعصبته كإمام الحرمين
والغزالي وغيرهما وهي الاستدلال على وجوب العمل بخبر
الواحد بمسلكين قاطعين لا يماري فيهما منصف.
أحدهما: إجماع الصحابة رضي الله عنهم على قبول خبر الواحد
وذلك في وقائع شتى لا تنحصر واحادها ان لم تتواتر فالمجموع
منها متواتر ولو اردنا استيعابها لطالت الانفاس وانتهى
القرطاس فلا وجه لتعدادها اذ نحن على قطع بالقدر المشترك
منها وهو رجوع الصحابة الى خبر الواحد اذا نزلت بهم
المعضلات واستكشافهم عن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم
عند وقوع الحادثات واذا روى لهم تشرعوا الى العمل به فهذا
ما لا سبيل إلى جحده ولا إلى حصر الأمر فيه.
فإن قيل لئن ثبت عنهم العمل بأخبار الآحاد فقد ثبت عنهم
ردها فأول من ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لما
سلم من اثنين فقال له ذو اليدين اقصرت الصلاة
ج / 2 ص -307-
أم
نسيت فلم يعول رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوله وسأل
ابا بكر وعمر ورد ابو بكر الصديق رضوان الله عليه خبر
المغيرة بن شعبة فيما رواه من ميراث الجد الى غير ذلك من
وقائع كثيرة.
قلنا قال القاضي ليس في شيء معتصم فأما قصة ذي اليدين
فدليل على الخصم فانه صلى الله عليه وسلم قبل فيها خبر ابي
بكر وعمر.
والخصم اذا انكر خبر الآحاد ينكر خبر الثلاثة كما ينكر خبر
الواحد هذا جواب القاضي في مختصر التقريب.
وبمثله يجاب عن قضية المغيرة لأن ابا بكر قبله لما وافقه
عليها محمد بن مسلمة ولقائل ان يقول خبر هؤلاء الثلاثة وان
لم يفد العلم فقد افاد الظن واذا ظن النبي صلى الله عليه
وسلم صدقهم حصل القطع بكونهم صادقين ضرورة اذ ظنه عليه
السلام لا يخطيء فيجب العمل بهذا الظن ولا يقاس عليه ظن من
عداه وهذا بحث حسن يختص بقضية ذي اليدين واشبهها ويستفاد
منه التفرقة بين ظان وظان ولا يقال على هذا ليس ان خبر ذي
اليدين بقيد الظن بمجرده لأنا نقول من اين لكم الظن حصل
للنبي صلى الله عليه وسلم بخبره بل نقول لو حصل له الظن لا
نبعه لما ذكرناه ثم قال القاضي ان ما استروح اليه الخصم لا
يبلغ ان يكون استفاضة بخلاف ما اعتمدنا نحن عليه فلا يكون
مقاوما له وهذا صحيح والانصاف عدم الاعتراض بشيء من هذه
الوقائع فما من واحدة الا وفيها جواب يخصها بل لو لم يعلم
الجواب الخاص بها لقلنا قضية الجمع بين ما رويناه ورويتموه
ان تم لكم انه يعارضه ان نقول ردوا خبر الواحد حيث فقد
شرطا من شروطه او حصل الشك فيه بطريق من الطرق وقبلوه حيث
سلم عن ذلك ونحن انما ندعي قبوله حالة السلامة عن معارض او
قادح.
المسلك الثاني: السنة وذلك انا نعلم باضطرار من رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يرسل الرسل ويحملهم تبليغ الاحكام
وتفصيل الحلال والحرام وربما كان يصحبهم الكتب وكان نقلهم
اوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الآحاد ولم
تكن العصمة لازمة لهم بل كان خبرهم في مظنة الظنون.
ج / 2 ص -308-
قال
إمام الحرمين وجرى هذا مقطوعا به متواتر الإندفاع له إلا
بدفع التواتر إلا مباهت.
قال وهذا مسلك لا يتمادى فيه الأجاحد ولا يدفعه إلا معاند
واعترض على هذا المسلك بأنا سلمنا انه صلى الله عليه وسلم
كان ينفذ الآحاد ولكن لم قلتم ذلك لتبليغ الأخبار التي هي
مدارك الأحكام الشرعية بل إنما كان ذلك بطريق الرسالة
والقضاء واخذ الزكاة والفتوى وتعليم الأحكام.
سلمنا صحة التنفيذ بالأخبار التي هي مدارك للأحكام ولكن لا
نسلم دلالة ذلك على ان خبر الواحد حجة بل جاز أن يكون ذلك
لفائدة حصول العلم المبعوث إليهم بما تواتر بضم خبر ذلك
غير الواحد إليه فان بعث عدد التواتر دفعة واحدة متعذر
ومتعسر ومع هذه الاحتمالات لا يثبت كون خبر الواحد حجة
والجواب ان المصنف المطلع على الأخبار والسير لا يمتري في
أن الآحاد الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسلهم كان
منهم الذاهب للقضاء والخارج لتبليغ الأحكام والسائر لغير
ذلك كإرساله معاذ إلى اليمن وعتاب بن أسيد إلى أهل مكة
وعثمان بن العاص إلى الطائف ودحية إلى قصر ملك الروم وعبد
الله بن حذافة السهمي إلى كسرى وعمرو بن أمية الضميري إلى
الحبشة وبعث إلى المقوقس صاحب الإسكندرية والي هوزه بن علي
الحنفية وغيرهم وانما بعث هؤلاء ليدعوا إلى دينه وليقيموا
الحجة وعلى هذا جرت عادته صلى الله عليه وسلم وليس يخفى
ذلك على العلماء المبرزين بل على الجهال الذين لا خبرة لهم
بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمتري في انهم بلغوا
أخبارا تلقنها سامعها بالقبول غير ناظر إلى خبر آخر يعضدها
ويصيرها تواترا ولا ملتفت إلى قرينة تساعدها وتصير للظن
الحاصل بها علما بل لا يمتري المحدث في ان أهل بقاع كثيرة
وقرى متفرقة لم تبلغهم الأحكام إلا مع الآحاد وعملوا بها
ممتلئين مكلفين بما بلغهم على يد الآحاد منها هذا ما عندنا
في جواب هذين السؤالين وهو جواب يقبله المصنف ولا يرده إلا
متعسف وقال صفي الدين الهندي يمكن أن يجيب عن الأول بان
الإفتاء في الزمان الأول في الأغلب إنما هو برواية الأخبار
لاشتراكهم في العلم بما يتوقف عليه استنباط الأحكام من
النصوص كالعلم باللغات والنحو والتصريف ولهذا كانوا يسألون
ج / 2 ص -309-
عن
وقوع الواقعة من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ويبادرون
إلى امتثال الخبر عند سماعه ولو كان ذلك بطريق الإفتاء لما
كان ذلك:
وعن الثاني أنه لو كان كما ذكرتم لكان ينبغي أن لا ينكر
عليهم عدم الإمتثال ما لم يتواتر لكن ذلك خلاف المعلوم منه
عليه السلام ومن المبعوث.
قال قيل لو جاز اتباع المتبني والاعتقاد بالظن قلنا ما
لجامع قيل الشرع يتبع المصلحة والشرع لا يجعل ما ليس
بمصلحة مصلحة قلنا منقوض بالفتوى والأمور الدنيوية.
قد علمت أن المنكرين لخبر الواحد فريقان.
قال فريق لا ننكره لدليل قائم على منعه بل لعدم دليل على
وجوب العمل به وقد ذكرنا ان هؤلاء تقوم الحجة عليهم بما
قررناه من الوجوه الدالة على وجوب العمل به.
وقال فريق أن الدليل قام على منعه واحتجوا بأنه لو جاز
العمل بخبر الواحد لمجرد إفادة الظن لجاز اتباع من ادعى
نبوة أو رسالة بمجرد ظن صدقه من دون ابداء معجزة ولجاز
إثبات الاعتقاد كمعرفة الله تعالى وصفاته بمجرد الظن وليس
كذلك بالاتفاق والملازمة ثابتة بالقياس.
والجواب ان القياس لا بد فيه من ابداء الجامع بين المقيس
والمقيس عليه وما الجامع هنا بين خبر الواحد والاعتقاد
واتباع المتنبيء فإن ابدوا جامعا بان قالوا الجامع دفع ضرر
المظنون وتقريره أنكم أيها القائلون بالآحاد قلتم إذا اخبر
الواحد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أمر بهذا الفعل
مثلا حصل ظن وجدان الأمر وعندنا مقدمة يقينية وهي ان
المخالفة سبب العقاب فيحصل الظن بأنا لو تركنا لصرنا
مستحقين للعقاب فوجب العمل به لأنه إذا حصل الظن الراجح
والتجويز المرجوح قدم الأول.
وهذا بعينه موجود في الصورتين اللتين ذكرناهما فنقول
الفارق قائم وهو أن الاعتقاد والنبوة من أصول الدين والخطأ
فيهما يوجب الكفر والضلال.
ج / 2 ص -310-
فلذلك
اشترطنا القطع فيهما بخلاف الروايات المتعلقة بالفروع.
واحتجوا أيضا بأن الشرع على وفق مصالح العباد بالإجماع منا
ومنكم وإن اختلفنا في أنه بطريق الوجوب أو بطريق الاختيار.
والظن الحاصل من خبر الواحد لا يجعل ما ليس بمصلحة مصلحة
فإن الظن عرضة للخطأ والصواب فلا يعول عليه:
والجواب أن هذا موجود في الفتوى والأمور الدنيوية مع قيام
الإجماع على قبول الواحد فيهما. |