الإحكام في أصول الأحكام للآمدي

[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي الْفِعْلِ وَأَقْسَامِهِ]
الْفَصْلُ الْخَامِسُ
فِي الْفِعْلِ وَأَقْسَامِهِ
وَالْفِعْلُ: مَا دَلَّ عَلَى حَدَثٍ مُقْتَرِنٍ بِزَمَانٍ مُحَصَّلٍ مُمَيَّزٍ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ.
وَالْحَدَثُ: الْمَصْدَرُ، وَهُوَ اسْمُ الْفِعْلِ، وَالزَّمَانُ الْمُحَصَّلُ الْمَاضِي وَالْحَالُ وَالْمُسْتَقْبَلُ، وَهُوَ مُنْقَسِمٌ بِحَسَبِ انْقِسَامِ الزَّمَانِ، فَالْمَاضِي مِنْهُ كَقَامَ وَقَعَدَ.
وَالْحَاضِرُ وَالْمُسْتَقْبَلُ فِي اللَّفْظِ وَاحِدٌ، وَيُسَمَّى الْمُضَارِعُ وَهُوَ مَا فِي أَوَّلِهِ إِحْدَى الزَّوَائِدِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ: الْهَمْزَةُ، وَالتَّاءُ، وَالنُّونُ، وَالْيَاءُ، كَقَوْلِكَ: أَقُومُ، وَتَقُومُ، وَنَقُومُ، وَيَقُومُ. وَتَخْلِيصُ الْمُسْتَقْبَلِ عَنِ الْحَاضِرِ بِدُخُولِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ عَلَيْهِ كَقَوْلِكَ: سَيَقُومُ، وَسَوْفَ يَقُومُ.
وَأَمَّا فِعْلُ الْأَمْرِ، فَمَا نُزِعَ مِنْهُ حَرْفُ الْمُضَارَعَةِ كَقَوْلِكَ فِي يَقُومُ قُمْ وَنَحْوِهِ.
وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ: فِعْلُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَأَفْعَالُ الْقُلُوبِ وَالْجَوَارِحِ، وَالْأَفْعَالُ النَّاقِصَةُ، وَأَفْعَالُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَالتَّعَجُّبِ.
وَالْفِعْلُ وَإِنْ كَانَ كَلِمَةً مُفْرَدَةً عِنْدَ النُّحَاةِ مُطْلَقًا (1) ، فَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ (2) الْمُفْرَدُ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ الْمَاضِي دُونَ الْمُضَارِعِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حَرْفَ الْمُضَارَعَةِ فِي الْمُضَارِعِ هُوَ
_________
(1) أَيْ مَاضِيًا أَوْ مُضَارِعًا أَوْ أَمْرًا
(2) أَيِ الْمَنَاطِقَةِ وَسَائِرِ الْفَلَاسِفَةِ

(1/60)


الدَّالُّ عَلَى الْمَوْضُوعِ (1) مُعَيَّنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَالْمُفْرَدُ هُوَ الدَّالُّ الَّذِي لَا جُزْءَ لَهُ يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا عَلَى مَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ فِي حَدِّ الْمُفْرَدِ، وَهُوَ بِخِلَافِ الْمَاضِي فَإِنَّهُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى الْفِعْلِ وَعَلَى مَوْضُوعِهِ فَلَيْسَ فِيهِ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى الْمَوْضُوعِ فَكَانَ مُفْرَدًا.
وَقَدْ أَلْحَقَ بَعْضُهُمْ مَا كَانَ مِنَ الْمُضَارِعِ الَّذِي فِي أَوَّلِهِ الْيَاءُ بِالْمَاضِي فِي الْإِفْرَادِ دُونَ غَيْرِهِ ; لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْفِعْلِ وَعَلَى مَوْضُوعٍ لَهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَلَيْسَ بِحَقٍّ، فَإِنَّهُمَا وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي هَذَا الْمَعْنَى فَمُفْتَرِقَانِ مِنْ جِهَةِ دَلَالَةِ الْيَاءِ عَلَى الْمَوْضُوعِ الَّذِي لَيْسَ مُعَيَّنًا، بِخِلَافِ الْمَاضِي حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى الْمَوْضُوعِ كَمَا سَبَقَ.