الأشباه والنظائر لابن نجيم الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: الضَّرَرُ
يُزَالُ
أَصْلُهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {لَا
ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ} أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ
عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا،
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيِّ
وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
(1/72)
وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِأَنَّهُ لَا
يَضُرُّ الرَّجُلُ أَخَاهُ ابْتِدَاءً وَلَا جَزَاءً
(انْتَهَى) .
وَذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِ
الْغَصْبِ وَالشُّفْعَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَيُبْتَنَى عَلَى
هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَثِيرٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ.
فَمِنْ ذَلِكَ؛ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ
الْخِيَارَاتِ، وَالْحَجْرُ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ عَلَى
الْمُفْتَى بِهِ، وَالشُّفْعَةُ فَإِنَّهَا لِلشَّرِيكِ؛
لِدَفْعِ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ، وَلِلْجَارِ لِدَفْعِ ضَرَرِ
جَارِ السَّوْءِ (بِجِيرَانِهَا تَغْلُو الدِّيَارُ
وَتَرْخُصُ) .
وَالْقِصَاصُ وَالْحُدُودُ، وَالْكَفَّارَاتُ وَضَمَانُ
الْمُتْلَفَاتِ وَالْجَبْرُ عَلَى الْقِسْمَةِ بِشَرْطِهِ؛
وَنَصْبُ الْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ وَدَفْعُ الصَّائِلِ
وَقِتَالُ الْمُشْرِكِينَ وَالْبُغَاةِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ: بَاعَ
أَغْصَانَ فِرْصَادٍ، وَالْمُشْتَرِي إذَا ارْتَقَى
لِقَطْعِهَا يَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَاتِ الْجِيرَانِ؛ يُؤْمَرُ
بِأَنْ يُخْبِرَهُمْ وَقْتَ الِارْتِقَاءِ؛ لِيَسْتَتِرُوا
مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا رُفِعَ إلَى
الْحَاكِمِ؛ لِيَمْنَعَهُ مِنْ الِارْتِقَاءِ (انْتَهَى)
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا مُتَّحِدَةٌ
أَوْ مُتَدَاخِلَةٌ، وَتَتَعَلَّق بِهَا قَوَاعِدُ: الْأُولَى:
الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ،
وَمِنْ ثَمَّ جَازَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ،
وَإِسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ، وَالتَّلَفُّظُ
بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لِلْإِكْرَاهِ وَكَذَا إتْلَافُ
الْمَالِ، وَأَخْذُ مَالِ الْمُمْتَنِعِ الْأَدَاءِ مِنْ
الدَّيْنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَدَفْعُ الصَّائِلِ، وَلَوْ
أَدَّى إلَى قَتْلِهِ.
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِشَرْطِ
عَدَمِ نُقْصَانِهَا؛ قَالُوا: لِيَخْرُجَ مَا لَوْ كَانَ
الْمَيِّتُ نَبِيًّا، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ
لِلْمُضْطَرِّ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ أَعْظَمُ فِي نَظَرِ
الشَّرْعِ مِنْ مُهْجَةِ الْمُضْطَرِّ (انْتَهَى) .
وَلَكِنْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَا
يُفِيدُهُ؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ
غَيْرِهِ بِقَتْلٍ لَا يُرَخَّصُ لَهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ
أَثِمَ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ قَتْلِ نَفْسِهِ أَخَفُّ مِنْ
مَفْسَدَةِ قَتْلِ غَيْرِهِ.
وَقَالُوا:
لَوْ دُفِنَ بِلَا تَكْفِينٍ لَا يُنْبَشُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ
مَفْسَدَةَ هَتْكِ حُرْمَتِهِ أَشَدُّ مِنْ عَدَمِ تَكْفِينِهِ
الَّذِي قَامَ السَّتْرُ بِالتُّرَابِ مَقَامَهُ.
وَكَذَا قَالُوا: لَوْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ وَأُهِيلَ عَلَيْهِ
التُّرَابُ؛ صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ وَلَا يُخْرَجُ
الثَّانِيَةُ: مَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ
بِقَدْرِهَا
وَلِذَا قَالَ فِي أَيْمَانِ الظَّهِيرِيَّةِ: إنَّ الْيَمِينَ
الْكَاذِبَةَ لَا تُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا يُبَاحُ
التَّعْرِيضُ، (انْتَهَى) .
يَعْنِي؛ لِانْدِفَاعِهَا بِالتَّعْرِيضِ،
وَمِنْ فُرُوعِهِ: الْمُضْطَرُّ لَا يَأْكُلُ مِنْ الْمَيْتَةِ
إلَّا قَدْرَ سَدِّ الرَّمَقِ وَالطَّعَامُ فِي دَارِ
الْحَرْبِ يُؤْخَذُ
(1/73)
عَلَى سَبِيلِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ
إنَّمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ.
قَالَ فِي الْكَنْزِ: وَيَنْتَفِعُ فِيهَا بِعَلَفٍ وَطَعَامٍ
وَحَطَبٍ وَسِلَاحٍ وَدُهْنٍ بِلَا قِسْمَةٍ، وَبَعْدَ
الْخُرُوجِ مِنْهَا لَا، وَمَا فَضَلَ رُدَّ إلَى
الْغَنِيمَةِ.
وَأَفْتَوْا بِالْعَفْوِ عَنْ بَوْلِ السِّنَّوْرِ فِي
الثِّيَابِ دُونَ الْأَوَانِي؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي
الْأَوَانِي؛ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِتَخْمِيرِهَا.
وَفَرَّقَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي الْبَعْرِ بَيْنَ
آبَارِ الْفَلَوَاتِ؛ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ لِلضَّرُورَةِ؛
لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا رُءُوسٌ حَاجِزَةٌ وَالْإِبِلُ
تَبْعَرُ حَوْلَهَا، وَبَيْنَ آبَارِ الْأَمْصَارِ؛ لِعَدَمِ
الضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ.
وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ آبَارِ
الْفَلَوَاتِ وَالْأَمْصَارِ، وَبَيْنَ الصَّحِيحِ
وَالْمُنْكَسِرِ، وَبَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ.
وَيُعْفَى عَنْ ثِيَابِ الْمُتَوَضِّئِ إذَا أَصَابَهَا مِنْ
الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، عَلَى رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ
لِلضَّرُورَةِ وَلَا يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُ ثَوْبَ غَيْرِهِ؛
لِعَدَمِهَا، وَدَمُ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ،
نَجِسٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ،
وَالْجَبِيرَةُ يَجِبُ أَنْ لَا تَسْتُرَ مِنْ الصَّحِيحِ
إلَّا بِقَدْرِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَالطَّبِيبُ إنَّمَا
يَنْظُرُ مِنْ الْعَوْرَةِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ.
وَفَرَّعَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْهَا؛ أَنَّ الْمَجْنُونَ لَا
يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؛ لِانْدِفَاعِ
الْحَاجَةِ بِهَا (انْتَهَى)
وَلَمْ أَرَهُ لِمَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
تَذْنِيبٌ: [مَا جَازَ لِعُذْرٍ بَطَلَ بِزَوَالِهِ]
يَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: مَا جَازَ لِعُذْرٍ بَطَلَ
بِزَوَالِهِ
فَبَطَلَ التَّيَمُّمُ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ
الْمَاءِ؛ فَإِنْ كَانَ لِفَقْدِ الْمَاءِ بَطَلَ
بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِمَرَضٍ بَطَلَ
بِبُرْئِهِ، وَإِنْ كَانَ لِبَرْدٍ بَطَلَ بِزَوَالِهِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ تُخَرَّجَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ؛
الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ إذَا كَانَ الْأَصْلُ
مَرِيضًا فَصَحَّ بَعْدَ الْإِشْهَادِ، أَوْ مُسَافِرًا
فَقَدِمَ أَنْ يَبْطُلَ الْإِشْهَادُ عَلَى الْقَوْلِ
بِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا لِمَوْتِ الْأَصِيلِ أَوْ
مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ
الثَّالِثَةُ: الضَّرَرُ لَا يَزَالُ بِالضَّرَرِ
وَهِيَ مُقَيِّدَةٌ لِقَوْلِهِمْ: الضَّرَرُ يُزَالُ،
أَيْ لَا بِضَرَرٍ.
وَمِنْ فُرُوعِهَا عَدَمُ وُجُوبِ الْعِمَارَةِ عَلَى
الشَّرِيكِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِمُرِيدِهَا أَنْفِقْ
وَاحْبِسْ الْعَيْنَ إلَى اسْتِيفَاءِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوْ
مَا أَنْفَقْتَهُ، فَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ
الْقَاضِي،
وَالثَّانِي إنْ كَانَ بِإِذْنِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
وَكَتَبْنَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى فِي
كِتَابِ الْقَضَاءِ: أَنَّ الشَّرِيكَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا فِي
ثَلَاثِ مَسَائِلَ، وَلَا يُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى تَزْوِيجِ
عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ تَضَرُّرًا، وَلَا يَأْكُلُ
الْمُضْطَرُّ طَعَامَ مُضْطَرٍّ آخَرَ وَلَا شَيْئًا مِنْ
بَدَنِهِ.
تَنْبِيهٌ: يُتَحَمَّلُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ؛ لِأَجْلِ دَفْعِ
ضَرَرِ الْعَامِّ.
وَهَذَا مُقَيِّدٌ لِقَوْلِهِمْ: الضَّرَرُ لَا يُزَالُ
بِمِثْلِهِ
وَعَلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ:
(1/74)
مِنْهَا: جَوَازُ الرَّمْيِ إلَى كُفَّارٍ
تَتَرَّسُوا بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْهَا: وُجُوبُ نَقْضِ حَائِطٍ مَمْلُوكٍ مَالَ إلَى
طَرِيقِ الْعَامَّةِ عَلَى مَالِكِهَا؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ
الْعَامِّ،
وَمِنْهَا: جَوَازُ الْحَجْرِ عَلَى الْبَالِغِ الْعَاقِلِ
الْحُرِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
ثَلَاثٍ: الْمُفْتِي الْمَاجِنِ، وَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ،
وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ
وَمِنْهَا: جَوَازُهُ عَلَى السَّفِيهِ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ
الْفَتْوَى، دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ مَالِ الْمَدْيُونِ الْمَحْبُوسِ
عِنْدَهُمَا لِقَضَاءِ دَيْنِهِ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ
الْغُرَمَاءِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
وَمِنْهَا: التَّسْعِيرُ عِنْدَ تَعَدِّي أَرْبَابِ الطَّعَامِ
فِي بَيْعِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ.
وَمِنْهَا: بَيْعُ طَعَامِ الْمُحْتَكَرِ جَبْرًا عَلَيْهِ
عِنْدَ الْحَاجَةِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْبَيْعِ، دَفْعًا
لِلضَّرَرِ الْعَامِّ
وَمِنْهَا: مَنْعُ اتِّخَاذِ حَانُوتٍ لِلطَّبْخِ بَيْنَ
الْبَزَّازِينَ، وَكَذَا كُلُّ ضَرَرٍ عَامٍّ، كَذَا فِي
الْكَافِي وَغَيْرِهِ.
وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ مِنْ
الدَّعْوَى.
تَنْبِيهٌ آخَرُ: [الضَّرَرُالْأَشَدُّ يُزَالُ بِالْأَخَفِّ]
تَقْيِيدُ الْقَاعِدَةِ أَيْضًا بِمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا
أَعْظَمَ ضَرَرًا مِنْ الْآخَرِ؛ فَإِنَّ الْأَشَدَّ يُزَالُ
بِالْأَخَفِّ، فَمِنْ ذَلِكَ الْإِجْبَارُ عَلَى قَضَاءِ
الدَّيْنِ، وَالنَّفَقَاتِ الْوَاجِبَاتِ.
وَمِنْهَا: حَبْسُ الْأَبِ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الْإِنْفَاقِ
عَلَى وَلَدِهِ؛ بِخِلَافِ الدَّيْنِ.
وَمِنْهَا: لَوْ غَصَبَ سَاجَةً، أَيْ خَشَبَةً، وَأَدْخَلَهَا
فِي بِنَائِهِ؛ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ
يَمْلِكُهَا صَاحِبُهُ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ
قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ
الْمَالِكِ عَنْهَا.
وَمِنْهَا: لَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ؛
فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ أَكْثَرَ قَلَعَهَا
وَرُدَّتْ، وَإِلَّا ضَمِنَ لَهُ قِيمَتَهَا
وَمِنْهَا: لَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةً؛ يُنْظَرُ
إلَى أَكْثَرِهِمَا قِيمَةً فَيَضْمَنُ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ
قِيمَةَ الْأَقَلِّ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ أَدْخَلَ فَصِيلَ غَيْرِهِ فِي دَارِهِ
فَكَبِرَ فِيهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِهَدْمِ
الْجِدَارِ، وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ الْبَقَرُ رَأْسَهُ فِي
قِدْرٍ مِنْ النُّحَاسِ فَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ، هَكَذَا
ذَكَرَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ كَمَا ذَكَرَهُ
الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ.
(1/75)
وَفَصَّلَ الشَّافِعِيَّةُ؛ فَقَالُوا: إنْ
كَانَ صَاحِبُ الْبَهِيمَةِ مَعَهَا فَهُوَ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِ
الْحِفْظِ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ كُسِرَتْ
الْقِدْرُ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ.
أَوْ مَأْكُولَةً فَفِي ذَبْحِهَا وَجْهَانِ، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ مَعَهَا فَإِنْ فَرَّطَ صَاحِبُ الْقِدْرِ كُسِرْت،
وَلَا أَرْشَ، وَإِلَّا فَلَهُ الْأَرْشُ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِمَسْأَلَةِ الْبَقَرَةِ مَا لَوْ
سَقَطَ دِينَارُهُ فِي مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ
إلَّا بِكَسْرِهَا
وَمِنْهَا: جَوَازُ دُخُولِ بَيْتِ غَيْرِهِ إذَا سَقَطَ
مَتَاعُهُ فِيهِ وَخَافَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَهُ
مِنْهُ أَخْفَاهُ
وَمِنْهَا: مَسْأَلَةُ الظَّفَرِ بِجِنْسِ دَيْنِهِ،
وَمِنْهَا: جَوَازُ شَقِّ بَطْنِ الْمَيِّتَةِ؛ لِإِخْرَاجِ
الْوَلَدِ إذَا كَانَتْ تُرْجَى حَيَاتُهُ.
وَقَدْ أَمَرَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَعَاشَ
الْوَلَدُ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
قَالُوا: بِخِلَافِ مَا إذَا ابْتَلَعَ لُؤْلُؤَةً فَمَاتَ
فَإِنَّهُ لَا يُشَقُّ بَطْنُهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْآدَمِيِّ
أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَالِ.
وَسَوَّى الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَهُمَا فِي جَوَازِ الشَّقِّ.
وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ مِنْ الْحَظْرِ
وَالْإِبَاحَةِ، وَقِيمَةُ الدُّرَّةِ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ
لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا لَا يَجِبُ شَيْءٌ (انْتَهَى) .
وَمِنْهَا طَلَبُ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ الْقِسْمَةَ،
وَشَرِيكُهُ يَتَضَرَّرُ؛ فَإِنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يُجَابُ
عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ فِي عَدَمِ
الْقِسْمَةِ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ شَرِيكِهِ بِهَا
الرَّابِعَةُ: [إذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ
أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا]
نَشَأَتْ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَاعِدَةٌ رَابِعَةٌ،
وَهِيَ مَا:
إذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا
بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا".
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ: ثُمَّ
الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ
اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ، وَهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ
يَأْخُذُ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا يَخْتَارُ
أَهْوَنَهُمَا؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْحَرَامِ لَا تَجُوزُ
إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ.
مِثَالُهُ: رَجُلٌ عَلَيْهِ جُرْحٌ لَوْ سَجَدَ سَالَ
جُرْحُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسِلْ، فَإِنَّهُ
يُصَلِّي قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ
تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ جَائِزٌ حَالَةَ
الِاخْتِيَارِ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّابَّةِ، وَمَعَ
الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ.
وَكَذَا شَيْخٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَائِمًا
وَيَقْدِرُ عَلَيْهَا قَاعِدًا، يُصَلِّي قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ
يَجُوزُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي النَّفْلِ وَلَا يَجُوزُ
تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِحَالٍ، وَلَوْ صَلَّى فِي الْفَصْلَيْنِ
قَائِمًا مَعَ الْحَدَثِ، وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ يَجُزْ
وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ نَجَاسَةُ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا
(1/76)
أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ،
يَتَخَيَّرُ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَحَدُهُمَا قَدْرَ رُبُعِ
الثَّوْبِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَنْعِ
وَلَوْ كَانَ دَمُ أَحَدِهِمَا قَدْرَ الرُّبُعِ، وَدَمُ
الْآخَرِ أَقَلَّ يُصَلِّي فِي أَقَلِّهِمَا دَمًا، وَلَا
يَجُوزُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ لِلرُّبُعِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَلَوْ
كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ الرُّبُعِ أَوْ
كَانَ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ
أَرْبَاعِهِ، وَفِي الْآخَرِ قَدْرُ الرُّبُعِ، صَلَّى فِي
أَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ،
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَقَلِّهِمَا نَجَاسَةً.
وَلَوْ كَانَ رُبُعُ أَحَدِهِمَا طَاهِرًا، وَالْآخَرِ أَقَلَّ
مِنْ الرُّبُعِ يُصَلِّي فِي الَّذِي رُبُعُهُ طَاهِرٌ، وَلَا
يَجُوزُ فِي الْعَكْسِ.
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً لَوْ صَلَّتْ قَائِمَةً يَنْكَشِفُ
مِنْ عَوْرَتِهَا مَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ
صَلَّتْ قَاعِدَةً لَا يَنْكَشِفُ مِنْهَا شَيْءٌ؛ فَإِنَّهَا
تُصَلِّي قَاعِدَةً؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ
أَهْوَنُ.
وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ يُغَطِّي جَسَدَهَا، وَرُبُعَ
رَأْسِهَا وَتَرَكَتْ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ لَا يَجُوزُ،
وَلَوْ كَانَ يُغَطِّي أَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ لَا يَضُرُّهَا
تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ لِلرُّبُعِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَمَا دُونَهُ
لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ
تَقْلِيلًا لِلِانْكِشَافِ (انْتَهَى)
وَمَنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ؛
أَنَّهُ لَوْ كَانَ إذَا خَرَجَ لِلْجَمَاعَةِ لَا يَقْدِرُ
عَلَى الْقِيَامِ، وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ قَائِمًا،
يَخْرُجُ إلَيْهَا وَيُصَلِّي قَاعِدًا وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَنَقَلَ عَنْ شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي تَصْحِيحًا آخَرَ
أَنَّهُ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَائِمًا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ؛ لَوْ اُضْطُرَّ، وَعِنْدَهُ مَيْتَةٌ،
وَمَالُ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ.
وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ: مَنْ وَجَدَ
طَعَامَ الْغَيْرِ لَا يُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ، وَعَنْ ابْنِ
سِمَاعَةَ الْغَصْبُ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ.
وَبِهِ أَخَذَ الطَّحْطَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَخَيَّرَهُ
الْكَرْخِيُّ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
وَلَوْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ، وَعِنْدَهُ مَيْتَةٌ وَصَيْدٌ
أَكَلَهَا دُونَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ كَانَ الصَّيْدُ مَذْبُوحًا
فَالصَّيْدُ أَوْلَى وِفَاقًا.
وَلَوْ اُضْطُرَّ، وَعِنْدَهُ صَيْدٌ وَمَالُ الْغَيْرِ
فَالصَّيْدُ أَوْلَى، وَكَذَا الصَّيْدُ أَوْلَى مِنْ لَحْمِ
الْإِنْسَانِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ؛ الصَّيْدُ أَوْلَى مِنْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ
(انْتَهَى) .
وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِكْرَاهِ: لَوْ
قَالَ لَهُ لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَك فِي النَّارِ أَوْ مِنْ
الْجَبَلِ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ؛ وَكَانَ الْإِلْقَاءُ
بِحَيْثُ لَا يَنْجُو مِنْهُ، وَلَكِنْ فِيهِ نَوْعُ خِفَّةٍ
فَلَهُ الْخِيَارُ؟ إنْ شَاءَ فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ
لَمْ يَفْعَلْ وَصَبَرَ حَتَّى يُقْتَلَ، عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ اُبْتُلِيَ
بِبَلِيَّتَيْنِ فَيَخْتَارُ مَا هُوَ الْأَهْوَنُ فِي
زَعْمِهِ.
وَعِنْدَهُمَا يَصْبِرُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ
مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ سَعْيٌ فِي إهْلَاكِ نَفْسِهِ
فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ.
وَأَصْلُهُ أَنَّ الْحَرِيقَ إذَا وَقَعَ فِي سَفِينَةٍ
وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ فِيهَا يَحْتَرِقُ، وَلَوْ
وَقَعَ فِي الْمَاءِ يَغْرَقُ؛ فَعِنْدَهُ يَخْتَارُ
أَيَّهُمَا شَاءَ.
وَعِنْدَهُمَا يَصْبِرُ، ثُمَّ إذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فِي
النَّارِ فَاحْتَرَقَ فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ،
بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ: لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَك مِنْ
رَأْسِ الْجَبَلِ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ بِالسَّيْفِ فَأَلْقَى
نَفْسَهُ فَمَاتَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَجِبُ الدِّيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ
(انْتَهَى) .
(1/77)
الْخَامِسَةُ: وَنَظِيرُ الْقَاعِدَةِ
الرَّابِعَةِ قَاعِدَةٌ خَامِسَةٌ؛ وَهِيَ:
"دَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ.
فَإِذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَةٌ وَمَصْلَحَةٌ قُدِّمَ دَفْعُ
الْمَفْسَدَةِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ
بِالْمَنْهِيَّاتِ أَشَدُّ مِنْ اعْتِنَائِهِ
بِالْمَأْمُورَاتِ، وَلِذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {إذَا
أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ،
وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ} ، وَرَوَى
فِي الْكَشْفِ حَدِيثًا {لَتَرْكُ ذَرَّةٍ مِمَّا نَهَى
اللَّهُ عَنْهُ أَفْضَلُ
مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ} وَمِنْ ثَمَّ جَازَ تَرْكُ
الْوَاجِبِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ، وَلَمْ يُسَامَحْ فِي
الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَنْهِيَّاتِ. خُصُوصًا الْكَبَائِرَ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ:
وَمَنْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً تَرَكَ الِاسْتِنْجَاءَ، وَلَوْ
عَلَى شَطِّ نَهْرٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ رَاجِحٌ عَلَى
الْأَمْرِ حَتَّى اسْتَوْعَبَ النَّهْيُ الْأَزْمَانَ، وَلَمْ
يَقْتَضِ الْأَمْرُ التَّكْرَارَ (انْتَهَى)
وَالْمَرْأَةُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ، وَلَمْ تَجِدْ
سُتْرَةً مِنْ الرِّجَالِ تُؤَخِّرُهُ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ
إذَا لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا يُؤَخِّرُهُ
وَيَغْتَسِلُ.
وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ إذَا لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً يَتْرُكُهُ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْحُكْمِيَّةَ أَقْوَى،
وَالْمَرْأَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ كَالرَّجُلِ بَيْنَ
الرِّجَالِ، كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ
وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ:
الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ
مَسْنُونَةٌ، وَتُكْرَهُ لِلصَّائِمِ وَتَخْلِيلُ الشَّعْرِ
سُنَّةٌ فِي الطَّهَارَةِ، وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ، وَقَدْ
تُرَاعَى الْمَصْلَحَةُ لِغَلَبَتِهَا عَلَى الْمَفْسَدَةِ؛
فَمِنْ ذَلِكَ الصَّلَاةُ مَعَ اخْتِلَالِ شَرْطٍ مِنْ
شُرُوطِهَا مِنْ الطَّهَارَةِ أَوْ السَّتْرِ أَوْ
الِاسْتِقْبَالِ؛ فَإِنَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَفْسَدَةً لِمَا
فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِخِلَالِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ
لَا يُنَاجَى إلَّا عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ وَمَتَى
تَعَذَّرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ جَازَتْ الصَّلَاةُ
بِدُونِهِ تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ
الْمَفْسَدَةِ.
وَمِنْهُ الْكَذِبُ مَفْسَدَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَهُوَ مَتَى
تَضَمَّنَ جَلْبَ مَصْلَحَةٍ تُرَدُّ، وَعَلَيْهِ جَازَ
كَالْكَذِبِ لِلْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَعَلَى
الزَّوْجَةِ لِإِصْلَاحِهَا، وَهَذَا النَّوْعُ رَاجِعٌ إلَى
ارْتِكَابِ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ.
السَّادِسَةُ: الْحَاجَةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ،
عَامَّةً كَانَتْ أَوْ خَاصَّةً،
وَلِهَذَا: جُوِّزَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ
لِلْحَاجَةِ وَكَذَا قُلْنَا لَا تَجُوزُ إجَارَةُ بَيْتٍ
بِمَنَافِعِ بَيْتٍ لِاتِّحَادِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا
حَاجَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ، وَمِنْهَا: ضَمَانُ
الدَّرَكِ جُوِّزَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: جَوَازُ السَّلَمِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛
لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَعْدُومِ دَفْعًا لِحَاجَةِ
الْمَفَالِيسِ، وَمِنْهَا جَوَازُ
(1/78)
الِاسْتِصْنَاعِ لِلْحَاجَةِ، وَدُخُولُ الْحَمَّامِ مَعَ
جَهَالَةِ مُكْثِهِ فِيهَا وَمَا يَسْتَعْمِلُهُ مِنْ
مَائِهَا، وَشَرْبَةُ السَّقَّاءِ، وَمِنْهَا الْإِفْتَاءُ
بِصِحَّةِ بَيْعِ الْوَفَاءِ حِينَ كَثُرَ الدَّيْنُ عَلَى
أَهْلِ بُخَارَى وَهَكَذَا بِمِصْرَ وَقَدْ سَمَّوْهُ بَيْعَ
الْأَمَانَةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ يُسَمُّونَهُ الرَّهْنَ
الْمُعَادَ، وَهَكَذَا سَمَّاهُ بِهِ فِي الْمُلْتَقَطِ وَقَدْ
ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ بَابِ خِيَارِ
الشَّرْطِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ وَالْبُغْيَةِ: يَجُوزُ لِلْمُحْتَاجِ
الِاسْتِقْرَاضُ بِالرِّبْحِ (انْتَهَى) |