الإمام في بيان أدلة الأحكام بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الْحَافِظ
الْمُجْتَهد الشَّيْخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام رَحمَه
الله هَذَا بَيَان لأدلة الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة
بِالْمَلَائِكَةِ وَالْمُرْسلِينَ وَسَائِر الْعَالمين
وَالْأَحْكَام ضَرْبَان
أَحدهمَا مَا كَانَ طلبا لِاكْتِسَابِ فعل أَو تَركه
وَالثَّانِي مَا لَا طلب فِيهِ كالإباحة وَنصب الْأَسْبَاب
(1/75)
والشرائط والموانع وَالصِّحَّة وَالْفساد
وَضرب الْآجَال
(1/76)
وَتَقْدِير الْأَوْقَات وَالْحكم
بِالْقضَاءِ وَالْأَدَاء والتوسعة والتضييق وَالتَّعْيِين
والتخيير وَنَحْو ذَلِك من الْأَحْكَام الوضعية الخبرية
ثمَّ لَا يتَعَلَّق طلب وَلَا تَخْيِير إِلَّا بِفعل كسبي
وَلَا يمدح الشَّرْع شَيْئا من أَفعَال وَلَا يذمه وَلَا يمدح
فَاعله وَلَا يذمه وَلَا يوبخ عَلَيْهِ وَلَا يُنكره وَلَا يعد
عَلَيْهِ بِثَوَاب وَلَا عِقَاب إِلَّا أَن يكون كسبيا
(1/77)
فَإِن علق شَيْء من ذَلِك بِفعل جبلي كَانَ
مُتَعَلقا بآثاره كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تأخذكم بهما رأفة
فِي دين الله} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِيك
لخصلتين يحبهما الله الْحلم والأناة
وَقد تذكر الْأَوْصَاف الْخَمْسَة الجبلية فِي معرض الامتنان
كَقَوْلِه تَعَالَى {فَأحْسن صوركُمْ} وَقَوله {لقد خلقنَا
الْإِنْسَان فِي أحسن تَقْوِيم} وَأما الحكم الوضعي فَيجوز أَن
يعلق بِسَبَب كسبي كنصب الزِّنَا أَو السّرقَة سَببا للحد
وَالْقطع وكنصب الْقَتْل سَببا للْقصَاص
(1/78)
وَيجوز أَن يعلق بِمَا لَيْسَ بكسبي كنصب
الزَّوَال سَببا لإِيجَاب الظّهْر وَالصُّبْح سَببا لإِيجَاب
الْفجْر ورؤية الْهلَال لإِيجَاب الصّيام وَجل الْأَحْكَام فِي
هَذَا الْكتاب على بَيَان أَدِلَّة مَا فِيهِ طلب أَو تَخْيِير
ويستدل على الْأَحْكَام تَارَة بالصيغة وَتارَة بالأخبار
وَتارَة بِمَا
(1/79)
رتب عَلَيْهَا فِي العاجل والآجل من خير
أَو شَرّ أَو ضرّ
وَقد نوع الشَّارِع ذَلِك أنواعا كَثِيرَة ترغيبا لِعِبَادِهِ
وترهيبا وتقريبا إِلَى أفهامهم فَتَارَة يرغب فِي الْفِعْل
يمدحه أَو يمدح فَاعله أَو بِمَا رتبه على الْفِعْل من خير
الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَتارَة يحذر من الْفِعْل بِذِمَّة أَو
ذمّ فَاعله أَو توعده على الْفِعْل بشر عَاجل أَو أجل وكل
ذَلِك رَاجع إِلَى الْمَنَافِع والمضار
لَكِن ذكر أَنْوَاع الْمَنَافِع والمضار ليعلم عباده مَا هم
صائرون إِلَيْهِ من أَنْوَاع بره وإنعامه أَو من أَنْوَاع
تعذيبه وانتقامه فَإِنَّهُ لَو اقْتصر على ذَلِك النَّفْع
والضر لما أنبأ عَمَّا ينبىء عَنهُ لفظ الْمحبَّة والبغض
وَلَفظ الرِّضَا والسخط والتقريب والإبعاد والشقاوة والإسعاد
فَإِن اللَّذَّة والألم تَتَفَاوَت بِهَذِهِ الْأَسْبَاب
تَفَاوتا شَدِيدا ولهذه الْأَوْصَاف آثَار لَا يخفى تفاوتها
على
(1/80)
أحد فَلذَلِك عول إِلَيْهَا ليقف عباده على
درجاتهم ودركاتهم من عَالم خفياتهم فسبحان من رتب خير
الدَّاريْنِ على مَعْرفَته وطاعته وَشر الدَّاريْنِ على معصيتة
ومخالفته {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب
الْعَالمين}
ثمَّ أَدِلَّة الْأَحْكَام ضَرْبَان
أَحدهمَا لَفْظِي يدل بالصيغة تَارَة وبلفظ الْخَبَر أُخْرَى
(1/81)
وَالثَّانِي معنوي يدل دلَالَة لُزُوم
إِمَّا بِوَاسِطَة وَإِمَّا بِغَيْر وَاسِطَة
فَكل فعل طلبه الشَّارِع أَو أخبر عَن طلبه أَو مدحه أَو مدح
فَاعله لأَجله أَو نَصبه سَببا لخير عَاجل أَو أجل فَهُوَ
مَأْمُور بِهِ وكل فعل طلب الشَّارِع تَركه أَو أخبر أَنه طلب
تَركه أَو ذمه أَو ذمّ فَاعله لأَجله أَو نَصبه سَببا لشر
عَاجل أَو أجل فَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ
وكل فعل خير الشَّارِع فِيهِ مَعَ اسْتِوَاء طَرفَيْهِ أَو
أخبر عَن تِلْكَ التَّسْوِيَة فَهُوَ مُبَاح
(1/82)
ويتصرم عرض هَذَا الْكَلَام بِعشْرَة
فُصُول
(1/83)
|