الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات في أصول الفقه

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

[رب يسر يَا كريم]

الْحَمد لله الَّذِي خلق الْعَالم من غير اقتباس، وَأرْسل سيد الْأَوَّلين والآخرين رَحْمَة لجَمِيع النَّاس، فأوضح الْكتاب وَالسّنة وأباح الِاجْتِهَاد وَالْقِيَاس؛ شَفَقَة لأمة لم تَجْتَمِع على مُخَالفَة الْحق بالانعكاس، صلى الله وَسلم عَلَيْهِ آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار وَعدد الأنفاس صَلَاة وَسلَامًا دائمين لَا ارتياب فيهمَا وَلَا إلتباس. وعَلى آله وَأَصْحَابه وأزواجه المطهرين من الأرجاس، وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا.
أما بعد:
فقد سَأَلَني بعض الإخوان - حفظه الله تَعَالَى - أَن اشرح لَهُ " الورقات " الَّتِي للْإِمَام الْعَالم الْعَلامَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ أبي الْمَعَالِي: عبد الله بن الشَّيْخ [أبي] مُحَمَّد ضِيَاء الدّين شرحاً متوسطاً وَاضحا بالأمثال والأدلة من غير إِشْكَال

(1/65)


وألفاظ غَرِيبَة، وَلَا لُغَات عَن الأفهام بعيدَة، وَلَا إيرادات غامضة.
فَإِن هَذِه الْأَشْيَاء مِمَّا تشكل على الْمُبْتَدِي ويسبق عَمَّا بِهِ يَهْتَدِي، [وَإِنَّمَا قصدت بِهِ التَّذْكِرَة للمنتهي وإيضاحاً للمبتدي] وَإِن اضطررت إِلَى إِيرَاد آتِي بِهِ وَاضحا على مَا ستراه إِن شَاءَ الله - تَعَالَى - فِي مَوْضِعه ظَاهرا. مَعَ أَن الخواطر كليلة والهموم كَثِيرَة، والاستعدادات قَليلَة.
فأجبته؛ حَيَاء لِكَثْرَة سؤله رَاغِبًا من الله الْإِجَابَة لدعائه. وَسَأَلت الله الْكَرِيم الْإِفَاضَة من بَحر إحسانه؛ إِذْ لَا ملْجأ فِي الْأُمُور إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا إتكال فِي الْأَنْعَام إِلَّا عَلَيْهِ.
وأسأل النَّاظر إِلَيْهِ أَن يعْذر فِيمَا عساه أَن يعثر عَلَيْهِ؛ لِأَن الآراء مُخْتَلفَة والأقلام لم تكن عَن كتاب مُرْتَفعَة.
وسميته ب:
" الأنجم الزاهرات على حل أَلْفَاظ الورقات "
وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه، عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل

(1/66)


[الْحَمد لَهُ]

قَالَ رَحمَه الله - تَعَالَى: (الْحَمد لله رب الْعَالمين)
أَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق: إِنَّمَا صدر كِتَابَة - بعد الْبَسْمَلَة - بِالْحَمْد؛ إقتداء بِالْكتاب وَالسّنة: -
فَإِنَّهُ تَعَالَى ذكر الْحَمد بعد الْبَسْمَلَة فِي الْفَاتِحَة وَغَيرهَا.
وَأما السّنة: فقد حث النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على الْبَسْمَلَة وَالْحَمْد فِي الِابْتِدَاء فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: (كل أَمر ذِي بَال) أَي: شَأْن مُهِمّ (لَا يبتدى فِيهِ بِبسْم الله فَهُوَ أَبتر) أَي قَلِيل الْبركَة، وَرَوَاهُ ابْن عَبَّاس.
وَفِي رِوَايَة لَهُ: " فَهُوَ أَجْذم "، وَفِي رِوَايَة: " بِالْحَمْد لله فَهُوَ أقطع " رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة.

(1/67)


وَالْمعْنَى وَاحِد.
وَلِهَذَا جرت سنة السّلف وَالْخلف بتصدير الْحَمد فِي أَوَائِل تصانيفهم
وَقد اخْتلفُوا فِي اللَّام الدَّاخِلَة على الْحَمد: -
فَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهَا للاستغراق؛ لِأَن الْحَمد لَهُ - تَعَالَى - حَقِيقَة على جَمِيع أَفعاله.
وَيجوز أَن تكون للْعهد وَهُوَ: حَمده تَعَالَى نَفسه حِين خلق الْخلق.
أَو حمد الْمَلَائِكَة.
أَو الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم السَّلَام -
وعَلى الْقَوْلَيْنِ: الْحَمد هُوَ الثَّنَاء بِاللِّسَانِ على الْمَحْمُود مُطلقًا سَوَاء كَانَ عَن نعْمَة أَو غَيرهَا.

(1/68)


فعلى هَذَا: هُوَ أَعم من الشُّكْر؛ إِذْ الشُّكْر لَا يكون إِلَّا مُقَابلا للنعمة - فَقَط -
وَالشُّكْر أَعم من وَجه آخر؛ لِأَنَّهُ ثَنَاء بِاللِّسَانِ وَالْقلب والجوارح.
وَالْحَمْد بِاللِّسَانِ - فَقَط -
فَكَانَ كل مِنْهُمَا عَاما من وَجه، وخاصاً من آخر: وَذَلِكَ بِحَسب المورد والمتعلق: -
فمورد الْحَمد وَاحِد وَهُوَ اللِّسَان، ومتعلقه مُتَعَدد؛ لكَونه عَن نعْمَة وَغَيرهَا.
ومورد الشُّكْر مُتَعَدد وَهُوَ اللِّسَان وَالْقلب والجوارح، ومتعلقة وَاحِد وَهُوَ النعم.
وَإِنَّمَا أضيف الْحَمد لله دون سَائِر أَسْمَائِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ اخْتصَّ بِهِ تَعَالَى دون

(1/69)


غَيره؛ لِأَن المخلوقين تشاركه فِي غَيره كالسميع والبصير وَغَيرهمَا، وَإِن كَانَت فِي غَيره تَعَالَى مجَازًا.
وَكَذَا لَو قلت: " الْكَرِيم " أَو " الرَّحِيم " فقد اثْبتْ لَهُ تَعَالَى صفة وَاحِدَة.
بِخِلَاف إِذا قلت: " يَا الله " فَهُوَ جَامع لجَمِيع أَسْمَائِهِ وَصِفَاته؛ لدلالته على الربوبية.
وَإِن سقط مِنْهُ حرف فَهُوَ: لله، وَإِن سقط حرفان لَهُ، وَإِن سقط ثَلَاثَة فَهُوَ هُوَ. وَهُوَ غَايَة الْمَقْصُود بِخِلَاف سَائِر الْأَسْمَاء.
وَأما " الرب " فيطلق وَيُرَاد بِهِ الْمَالِك؛ لِأَن رب الشَّيْء مَالِكه كرب الدَّار وَغَيرهَا.
وَيُطلق على المصلح - أَيْضا - فَيُقَال: " رب الْأَدِيم " أَي: أصلحه.
وَيُطلق على المربي.
وَفِي الْجُمْلَة لَا تطلق لَفْظَة " الرب " من غير إِضَافَة إِلَّا على الله - تَعَالَى -

(1/70)


دون غير
[وَأما مُضَافا فَيجوز إِطْلَاقهَا على غَيره] كَقَوْلِه تَعَالَى - حِكَايَة عَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام -: {إِنَّه رَبِّي أحسن مثواي} [سُورَة يُوسُف: 23]
وَكَذَلِكَ قَوْلهم: " رب النَّاقة وَالدَّار " وَغير ذَلِك.
و" الْعَالمين " جمع عَالم، وَهُوَ: مَا سوى الله - تَعَالَى - من سَائِر الْمَخْلُوقَات.
وَقيل: مَا فِيهِ حَيَاة
وَقيل: غير ذَلِك.

(1/71)


[الصَّلَاة على النَّبِي وَآله وَصَحبه]

قَالَ: (وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ) .
أَقُول: لما أثنى على الله - تَعَالَى - سَأَلَهُ الصَّلَاة على رَسُوله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، لِأَن الصَّلَاة من الله: الرَّحْمَة.
وَمن الْمَلَائِكَة: الاسْتِغْفَار.
وَمن الْآدَمِيّين: التضرع وَالدُّعَاء.
وَإِنَّمَا أعقب الصَّلَاة بعد الْحَمد؛ لِكَثْرَة اقتران اسْمه عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ اسْمه تَعَالَى وَلِهَذَا جرت السّنة من السّلف وَالْخلف بِاتِّبَاع الصَّلَاة بعد الْحَمد فِي تصانيفهم - رَحِمهم الله تَعَالَى -
وَإِنَّمَا سمي مُحَمَّدًا؛ لِكَثْرَة خصاله الحميدة.

(1/72)


وَنَبِيًّا؛ لنبوته، وَهُوَ الِارْتفَاع على سَائِر الْخلق.
أَو الإنبائه وَهُوَ الْإِخْبَار للنَّاس عَن الله تَعَالَى.
وَأما " الْآل " فأصله أهل لتصغيره على أهيل؛ لِأَن التصغير يرد الْأَشْيَاء إِلَى أَصْلهَا؛ لِأَن الْهَاء قلبت همزَة؛ لقرب مخرجهما، ثمَّ قلبت الْهمزَة ألفا؛ لانفتاح مَا قبلهَا فَصَارَ " آل "
وَفِيه دَلِيل على جَوَاز إِضَافَة " الْآل " إِلَى مُضْمر.
وَبِه قَالَ جُمْهُور الْعلمَاء وَأنْكرهُ الْكسَائي والنحاس.

(1/73)


والزبيدي وَقَالُوا: لَا يجوز إِضَافَته إِلَّا إِلَى مظهر فَلَا يُقَال إِلَّا " آل مُحَمَّد "
وَاخْتلفُوا فِي " الْآل " على ثَلَاثَة أَقْوَال: -
فَذهب الشَّافِعِي وَأَصْحَابه إِلَى أَنهم بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب.
وَقَالَ الْأَزْهَرِي وَغَيره من الْمُحَقِّقين: هم جَمِيع الْأمة.

(1/74)


وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ النَّوَوِيّ فِي " شرح مُسلم ".
وَقيل: أهل بَيته وعترته.
و" الصَّحَابَة " جمع صَاحب وَهُوَ: كل مُسلم رأى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَلَو سَاعَة

(1/75)


وَبِه قَالَ جُمْهُور الْعلمَاء.
وَقيل: من طَالَتْ صحبته.
وَهُوَ الرَّاجِح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَالله أعلم
[تَقْدِيم الْكتاب]

قَالَ: (وَبعد. فَهَذِهِ وَرَقَات تشْتَمل على أصُول الْفِقْه) .
أَقُول: لما فرغ أَولا من الثَّنَاء على الله، وَالصَّلَاة على رَسُوله، وَآله وَصَحبه أَشَارَ إِلَى مَا هُوَ بصدده فَقَالَ: " وَبعد " أَي: أَقُول - بعد الْحَمد وَالصَّلَاة - مَا تشْتَمل عَلَيْهِ هَذِه الورقات.

(1/76)


وَهِي جمع قلَّة؛ لِأَنَّهَا جمع ورقة
وَإِنَّمَا حصر الْأُصُول فِي وَرَقَات قَليلَة؛ تسهيلاً للمبتدي بِهِ، وَتَذْكِرَة للمنتهي عَنهُ.
[بَيَان أَن أصُول الْفِقْه يتكون من جزأين]

قَالَ: (وَهُوَ لفظ مؤلف من جزأين مفردين، أَحدهمَا الْأُصُول، وَالْآخر: الْفِقْه) :
أَقُول: شرع يبين اسْم هَذَا الْعلم، فَقَالَ: " هُوَ لفظ مؤلف " أَي مركب.
وَقيل: الْمركب غير الْمُؤلف؛ لِأَن الْمُضَاف، مؤلف ك " عبد الله " و " غُلَام زيد " وَمَا أشبههما.
والمركب ك " بعلبك " و " خَمْسَة عشر " وَمَا أشبههما.
وَقَوله: " من جزأين مفردين " يُشِير إِلَى أَن التَّأْلِيف قد يكون من جزأين مفردين كاسم هَذَا الْعلم؛ لِأَن " الْأُصُول " مُفْرد، و " الْفِقْه " كَذَلِك.
فقد يكون من جملتين كَقَوْلِك: " إِن قَامَ زيد قُمْت " فَإِن مَعَ الْفِعْل وَالْفَاعِل جملَة و " قُمْت " جملَة أُخْرَى.
لَكِن معرفَة الْمُؤلف متوقفة على معرفَة أَجْزَائِهِ، ثمَّ على معرفَة فَائِدَة النِّسْبَة بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ فشرع فِي تعريفهما.

(1/77)


[تَعْرِيف الأَصْل]

قَالَ: (الأَصْل: مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيره) .
أَقُول: إِنَّه رَحمَه الله يُشِير إِلَى أَن لكل طَالب علم أَن يتَصَوَّر ذَلِك الْعلم أَولا عِنْد اشْتِغَاله بِهِ فَحِينَئِذٍ يحْتَاج إِلَى معرفَة حَده؛ لِأَن الْحَد يُفِيد التَّصَوُّر.
فشرع يبين حد " الْأُصُول " و " الْفِقْه وَإِنَّمَا جمع الْأُصُول؛ ليعم الْكتاب وَالسّنة وَالْقِيَاس وَغَيرهَا. وَالْأَصْل فِي اللُّغَة: مَا يبْنى عَلَيْهِ غَيره.
وَهَذَا أحسن مَا قيل فِي حَده.

(1/78)


وَفِي اصْطِلَاح أهل هَذَا الْفَنّ هُوَ الدَّلِيل.
وَإِنَّمَا كَانَ الدَّلِيل أصلا؛ لانبناء الْأَحْكَام عَلَيْهِ، واستنباطها مِنْهُ.
لَكِن سكت الشَّيْخ - رَحمَه الله - عَن بَيَان فَائِدَة النِّسْبَة بَين الْمُضَاف والمضاف

(1/79)


إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ لما شَرط معرفَة الجزأين: شَرط معرفَة النِّسْبَة بَينهمَا.
أَقُول: لما كَانَ الأَصْل اسْم معنى، وَالْمعْنَى يفْتَقر إِضَافَته إِلَى آخر ليُفِيد اختصاصاً أَو غَيره فأضافة إِلَى الْفِقْه.
[تَعْرِيف الْفَرْع]

قَالَ: (وَالْفرع: مَا يبْنى على غَيره) .
أَقُول: لما ذكر أَولا الأَصْل: ذكره بعده الْفَرْع اسْتِطْرَادًا؛ لِأَنَّهُ مَا يُقَابل الأَصْل إِلَّا الْفَرْع.
وَلِهَذَا يُقَال للْمَذْهَب فرع الْأُصُول؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيّ عَلَيْهِ، ومرتب على قَوَاعِده.
[تَعْرِيف الْفِقْه]

قَالَ: (وَالْفِقْه: معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الَّتِي طريقها الِاجْتِهَاد) .
أَقُول: لما فرغ من تَعْرِيف الْأُصُول أَخذ فِي تَعْرِيف الْجُزْء الثَّانِي وَهُوَ: الْفِقْه؛ لِأَن الْفِقْه فِي اللُّغَة: الْفَهم

(1/80)


وَفِي الِاصْطِلَاح مَخْصُوص بِمَعْرِِفَة الْأَحْكَام ... . إِلَى آخِره.
وَإِنَّمَا قيد الْأَحْكَام بالشرعية؛ لتخرج الْأَحْكَام الْعَقْلِيَّة كَقَوْلِنَا: " الْحَرَكَة

(1/81)


والسكون لَا يَجْتَمِعَانِ فِي حَال وَاحِد وَلَا يرتفعان " لِأَن الشَّيْء الْوَاحِد إِمَّا أَن يكون سَاكِنا أَو متحركاً.
وَكَذَا " الْبيَاض والسواد " و " النَّفْي الْإِثْبَات ".
وَكَذَا قَوْلنَا: " الْكل أعظم من الْجُزْء ".
فَإِن هَذِه الْأَشْيَاء تعرف بِالْعقلِ.
بِخِلَاف الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَهِيَ لَا تعرف إِلَّا بِالنَّقْلِ كالتبييت شَرط فِي صَوْم رَمَضَان، وَأَن لَا زَكَاة فِي حلي مُبَاح، وَلَا فِي الْإِبِل إِذا لم تكن سَائِمَة.

(1/82)


فَهَذِهِ الْأَشْيَاء لَا تعرف إِلَّا بِالشَّرْعِ، لَا بِالْعقلِ.
وَلِهَذَا لم يقل للعارف بِالْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّة: فَقِيه.
وَقَوله: " الَّتِي طريقها الِاجْتِهَاد " أَرَادَ إِخْرَاج الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة القطعية الَّذِي يُشَارك فِي مَعْرفَتهَا الْعَام وَالْخَاص كَقَوْلِنَا: " الصَّلَوَات الْخمس وَاجِبَة " وَكَذَا: " الْحَج " و " إِن الزِّنَا محرم " وَكَذَا " السّرقَة ".
فَلَا تتَوَقَّف معرفَة هَذِه على الِاجْتِهَاد، وَلَا يُقَال للعارف بهَا فَقِيه.
وَإِنَّمَا الْفَقِيه هُوَ الْعَارِف بمسائل النّظر وَالِاجْتِهَاد الَّتِي لَيْسَ للعوام مِنْهَا سوى التَّقْلِيد.

(1/83)


فَإِن قيل: الْألف وَاللَّام الدَّاخِلَة على الْأَحْكَام لم يتَقَدَّم لَهَا ذكر لتَكون للْعهد وَلَا يجوز أَن تكون للاستغراق إِذْ مَا من أحد إِلَّا وَلَا بُد أَن يشذ عَنهُ شَيْء من الْأَحْكَام، فَحِينَئِذٍ يتَعَذَّر وجود فَقِيه وَاحِد.
وَلَا يجوز أَن يحمل على الْحَقِيقَة؛ لِأَنَّهُ لَو حمل عَلَيْهَا لقيل لكل من عرف حكما وَاحِدًا: فَقِيه. وَلَيْسَ كَذَلِك على تعريفهم.
وَالْجَوَاب: أَن الْأَحْكَام السَّبْعَة الْآتِي ذكرهَا وَإِن لم تذكر فَهِيَ معهودة عِنْد الْإِطْلَاق فَيصْرف إِطْلَاقهم الْأَحْكَام إِلَيْهَا وَالله أعلم.

(1/84)