التبصرة في أصول الفقه مسَائِل الْعُمُوم وَالْخُصُوص
مَسْأَلَة 1
للْعُمُوم صِيغَة بمجردها تدل على استغراق الْجِنْس والطبقة
وَقَالَت الأشعرية لَيْسَ للْعُمُوم صِيغَة وَمَا يرد من
أَلْفَاظ الْجمع فَلَا يحمل على الْعُمُوم وَلَا على الْخُصُوص
إِلَّا بِدَلِيل
وَمن النَّاس من قَالَ إِن كَانَ ذَلِك فِي الْأَخْبَار فَلَا
صِيغَة لَهُ وَإِن كَانَ ذَلِك فِي الْأَمر وَالنَّهْي فَلهُ
صِيغَة تحمل على الْجِنْس
(1/105)
وَقَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين تحمل أَلْفَاظ
الْجمع على أقل الْجمع ويتوقف فِيمَا زَاد وَهُوَ قَول أبي
هَاشم وَمُحَمّد بن شُجَاع الثَّلْجِي
لنا قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة نوح عَلَيْهِ السَّلَام {ونادى
نوح ربه فَقَالَ رب إِن ابْني من أَهلِي وَإِن وَعدك الْحق}
فَحكى الله تَعَالَى عَن نوح أَنه تعلق بِعُمُوم اللَّفْظ وَلم
يعقب ذَلِك بنكير بل ذكر أَنه أجَاب بِأَنَّهُ لَيْسَ من أَهله
فَقَالَ {إِنَّه لَيْسَ من أهلك إِنَّه عمل غير صَالح} فَدلَّ
على أَن مُقْتَضى اللَّفْظ الْعُمُوم
وَأَيْضًا مَا روى أَنه لما نزل قَوْله تَعَالَى {إِنَّكُم
وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا
وَارِدُونَ} قَالَ عبد الله بن الزِّبَعْرَى لأخصمن مُحَمَّدًا
فجَاء إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ قد
عبدت الْمَلَائِكَة وَعبد الْمَسِيح أفيدخلون النَّار فَأنْزل
الله تَعَالَى {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ
عَنْهَا مبعدون} فاحتج على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِعُمُوم اللَّفْظ وَلَو لم يقتض اللَّفْظ الْعُمُوم لما احْتج
بِهِ ولأنكر النَّبِي عَلَيْهِ احتجاجه
(1/106)
فَإِن قيل إِنَّمَا تعلق بِاللَّفْظِ
فِيمَا ذكرْتُمْ لِأَن اللَّفْظ يصلح للْعُمُوم
قُلْنَا لَو كَانَ لصلاح اللَّفْظ لَكَانَ لَا يقطع بِأَنَّهُ
يخصم مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ بالصلاح لَا
يُمكنهُ أَن يخصم
وَأَيْضًا إِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم روى أَن
عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لأبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ
فِي مانعي الزَّكَاة كَيفَ تقَاتلهمْ وَقد قَالَ النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا
لَا إِلَه إِلَّا الله فاحتج بِعُمُوم اللَّفْظ وَلم يُنكر
عَلَيْهِ أَبُو بكر وَلَا أحد من الصَّحَابَة بل عدل أَبُو بكر
فِي الْجَواب إِلَى الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور فِي الْخَبَر
وَهُوَ قَوْله إِلَّا بِحَقِّهَا وَإِن الزَّكَاة من حَقّهَا
وروى ابْن عمر وعليا عَلَيْهِمَا السَّلَام قَالَا فِي الْجمع
بَين الْأُخْتَيْنِ بِملك الْيَمين أَحَلَّتْهُمَا آيَة
وحرمتهما آيَة وَالتَّحْرِيم أولى فحملا اللَّفْظَيْنِ على
الْعُمُوم ثمَّ رجحا لفظ التَّحْرِيم
وروى أَن عُثْمَان بن مَظْعُون رَضِي الله عَنهُ أنْشد
أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل ... وكل نعيم لَا محَالة
زائل
فَقَالَ كذب فَإِن نعيم أهل الْجنَّة لَا يَزُول وَلَو لم يكن
قَول الشَّاعِر اقْتضى الْعُمُوم لما جَازَ تَكْذِيبه
(1/107)
فَإِن قيل هَذِه أَخْبَار الْآحَاد فَلَا
يحْتَج بهَا فِي مسَائِل الْأُصُول
قُلْنَا وَإِن كَانَت من أَخْبَار الْآحَاد إِلَّا أَن الْأمة
أَجمعت على قبُولهَا وَإِن اخْتلفت فِي الْعَمَل بهَا فَصَارَت
مَقْطُوعًا بِصِحَّتِهَا
وَيدل عَلَيْهِ هُوَ أَن الْعَرَب وضعت للْوَاحِد صِيغَة
وللاثنين صِيغَة وللثلاثة صِيغَة فَقَالُوا رجل ورجلان
وَرِجَال وَفرقت بَينهَا كَمَا فرقت بَين الْأَعْيَان فِي
الِاسْم فَقَالُوا فرس وحمار وبغل فَلَو كَانَ احْتِمَال لفظ
للاثنين كاحتماله لما زَاد لم يكن لهَذَا التَّفْرِيق فِي
الْوَضع معنى
وَأَيْضًا هُوَ أَنه يَصح أَن يسْتَثْنى من أَلْفَاظ الْجمع كل
وَاحِد من الْجِنْس فَتَقول رَأَيْت النَّاس إِلَّا زيدا
وَإِلَّا عمرا وَلَو لم يقتض اللَّفْظ جَمِيع الْجِنْس لم يَصح
الِاسْتِثْنَاء لِأَن الِاسْتِثْنَاء يخرج من اللَّفْظ مَا
لولاه لدخل فِيهِ وَلِهَذَا لَا يَصح أَن تستثنى الْبَهَائِم
من النَّاس حِين لم يدْخل فِي اللَّفْظ
فَإِن قيل إِنَّمَا حسن الِاسْتِثْنَاء لصلاح اللَّفْظ لكل
وَاحِد من الْجِنْس
قيل هَذَا لَا يَصح لِأَن الِاسْتِثْنَاء لَا يخرج إِلَّا مَا
اقْتَضَاهُ اللَّفْظ فَإِنَّهُ مَأْخُوذ من قَوْلهم ثنيت عنان
الدَّابَّة إِذْ صرفته وَقيل إِنَّه يُسمى بذلك لِأَنَّهُ
تَثْنِيَة الْخَبَر بعد الْخَبَر وَأيهمَا كَانَ اقْتضى دُخُول
الْمُسْتَثْنى فِي اللَّفْظ حِين نصرفه عَنهُ فِي قَول بَعضهم
وثنى الْخَبَر بعد الْخَبَر فِي قَول الْبَعْض
وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ حسن الِاسْتِثْنَاء لجَوَاز أَن يكون
دخلا فِي اللَّفْظ لوَجَبَ أَن يَصح من النكرات كَمَا يَصح من
المعارف الْمُقْتَضِيَة للْجِنْس فَلَمَّا لم يحسن ذَلِك فِي
النكرات دلّ على بطلَان مَا ذَكرُوهُ
وَأَيْضًا هُوَ أَنه إِذا قَالَ لرجل من عنْدك حسن أَن يُجيب
بِكُل وَاحِد من
(1/108)
جنس الْعُقَلَاء وَلَو لم يكن اللَّفْظ
عَاما فِي الْجِنْس لما صَار مجيبا بِكُل وَاحِد من الْجِنْس
لجَوَاز أَن يكون المسؤول عَنهُ غير الَّذِي أجَاب بِهِ
فَإِن قيل إِنَّمَا حسن أَن يُجيب بِكُل وَاحِد من الْجِنْس
لِأَن اللَّفْظ يصلح لكل وَاحِد مِنْهُم
قيل اللَّفْظ يصلح لمن أجَاب بِهِ وَلغيره فَيجب أَن لَا يَصح
الْجَواب حَتَّى يعلم مُرَاد السَّائِل وَيدل عَلَيْهِ أَنه
لَو قَالَ من دخل الدَّار فَلهُ دِرْهَم أَو من رد عَبدِي
الْآبِق فَلهُ دِرْهَم اسْتحق كل من وجد ذَلِك مِنْهُ الْعَطاء
فَدلَّ على أَن اللَّفْظ يَقْتَضِي الْكل
وَأَيْضًا هُوَ أَن الْعُمُوم مِمَّا تَدْعُو الْحَاجة إِلَى
الْعبارَة عَنهُ وتعم الْبلوى بِهِ فِي مصَالح الدَّين
وَالدُّنْيَا فَيجب أَن يكون وضع لَهُ لفظ يدل عَلَيْهِ كَمَا
وضعُوا لسَائِر مَا دعت الْحَاجة إِلَى الْعبارَة عَنهُ من
الْأَعْيَان وَغَيرهَا
فَإِن قيل فقد وضع لَهُ مَا يدل عَلَيْهِ وَهُوَ التَّأْكِيد
قيل إِذا سلمتم أَن أَلْفَاظ التَّأْكِيد تدل على الْعُمُوم
فقد سلمتم الْمَسْأَلَة لِأَن التَّأْكِيد لَا يدل إِلَّا على
مَا يدل عَلَيْهِ الْمُؤَكّد وَلَا يُفِيد إِلَّا مَا
أَفَادَهُ فَإِذا كَانَ لفظ التَّأْكِيد يَقْتَضِي الْعُمُوم
دلّ على أَن الْمُؤَكّد اقْتَضَاهُ
فَإِن قيل نعلم الْعُمُوم بالأحوال والعادات فيستغني بهَا عَن
لفظ يوضع لَهُ
قيل هَذَا لَا يَصح لِأَن هَذَا يخْتَص بِمن بَيْننَا وَبَينه
عَادَة فِي الْخطاب فَأَما من جِهَة الله تَعَالَى فَلَا يُمكن
معرفَة الْعُمُوم إِذْ لَا عَادَة بَيْننَا وَبَينه وَكَذَلِكَ
لَا يُمكن معرفَة ذَلِك فِيمَا ينْقل إِلَيْنَا من الْأَخْبَار
لِأَنَّهَا لَا تنقل مَعَ أحوالها وَلَا عَادَة بَيْننَا
وَبَين الْمُتَكَلّم فِيمَا ينْقل إِلَيْنَا
فَإِن قيل هَذَا يبطل بالطعوم والروائح فَإِن الْحَاجة ماسة
إِلَى تمييزها والعبارة عَنْهَا ثمَّ لم يضعوا لكل وَاحِد
مِنْهَا عبارَة تدل عَلَيْهِ
قيل قد وضعُوا لذَلِك مَا يدل عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِضَافَة
فَقَالُوا طعم الشهد
(1/109)
وَطعم السفرجل وَطعم الْخبز وَطعم المَاء
وحلاوة السكر وحلاوة الْعَسَل ورائحة الْمسك ورائحة الكافور
وَغير ذَلِك
فَأَما من فرق بَين الْأَخْبَار وَبَين الْأَمر وَالنَّهْي
فَلَا وَجه لقَوْله لِأَن مَا وضع للْعُمُوم فِي اللَّفْظ لم
يخْتَلف فِيهِ الْخَبَر وَالْأَمر وَالنَّهْي
أَلا ترى أَنه لَا فرق بَين أَن يَقُول من دخل الدَّار
فَأكْرمه وَبَين أَن يَقُول من دخل الدَّار أكرمته وَإِن كَانَ
أَحدهمَا أمرا وَالْآخر خَبرا فَدلَّ على فَسَاد مَا قَالُوهُ
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِثْبَات صِيغَة الْعُمُوم
من أَن يكون بِالْعقلِ أَو بِالنَّقْلِ
وَلَا يجوز إِثْبَاتهَا بِالْعقلِ لِأَنَّهُ لَا مجَال لَهُ
فِي إِثْبَات اللُّغَات
وَلَا يجوز أَن يكون بِالنَّقْلِ لِأَن النَّقْل تَوَاتر وآحاد
وَلَا تَوَاتر فِيهِ لِأَنَّهُ لَو كَانَ لعلمناه كَمَا
علمْتُم والآحاد لَا يقبل فِي مسَائِل الْأُصُول فَبَطل
إِثْبَاتهَا
قُلْنَا هَذَا يَنْقَلِب عَلَيْكُم فِي إِثْبَات الِاشْتِرَاك
بَين الْخُصُوص والعموم فِي هَذِه الْأَلْفَاظ فَإِنَّهُ لَا
يَخْلُو من أَن يكون بِالْعقلِ وَلَا مجَال لَهُ فِيهِ أَو
بِالنَّقْلِ وَالنَّقْل تَوَاتر وآحاد وَلَا تَوَاتر فِيهِ
لِأَنَّهُ لَو كَانَ لعلمناه كَمَا علمْتُم والآحاد لَا يقبل
فِي إِثْبَات اللُّغَة
وعَلى أَنا قد بَينا ذَلِك بطرق من جِهَة النَّقْل تجْرِي
مجْرى التَّوَاتُر وَقد بيناها فأغنى عَن الْإِعَادَة
قَالُوا وَلِأَن هَذِه الْأَلْفَاظ ترد وَالْمرَاد بهَا
الْبَعْض وَترد وَالْمرَاد بهَا الْكل فَلم يكن حملهَا على
أَحدهمَا بِأولى من الآخر فَوَجَبَ التَّوَقُّف فِيهَا كَمَا
تَقول فِي الْأَسْمَاء الْمُشْتَركَة من اللَّوْن وَالْعين
وَغَيرهَا
قُلْنَا لَا يمْنَع أَن يسْتَعْمل اللَّفْظ فيهمَا ثمَّ هُوَ
حَقِيقَة فِي أَحدهمَا دون الآخر
(1/110)
كالحمار يسْتَعْمل فِي الرجل البليد
وَيسْتَعْمل فِي الْبَهِيمَة الْمَعْرُوفَة ثمَّ هُوَ حَقِيقَة
فِي الْبَهِيمَة وَكَذَلِكَ الْبَحْر يسْتَعْمل فِي الرجل
الْجواد وَفِي المَاء الْمُجْتَمع الْكثير ثمَّ هُوَ حَقِيقَة
فِي المَاء الْمُجْتَمع
قَالُوا وَلِأَن هَذِه الْأَلْفَاظ لَا تسْتَعْمل فِي أَكثر
الْمَوَاضِع إِلَّا فِي الْبَعْض دون الْكل
أَلا ترى أَنه يُقَال أغلق النَّاس وَفتح النَّاس وافتقر
النَّاس وَجمع السُّلْطَان التُّجَّار وَالْمرَاد فِي ذَلِك
كُله الْبَعْض وَلَو كَانَ اللَّفْظ حَقِيقَة فِي الْعُمُوم
لَكَانَ أَكثر كَلَام النَّاس مجَازًا
قُلْنَا يجوز أَن يكون اللَّفْظ حَقِيقَة فِي معنى ثمَّ
يسْتَعْمل فِي غَيره
أَلا ترى أَن الْغَائِط حَقِيقَة فِي الْموضع المطمئن من
الأَرْض ثمَّ يسْتَعْمل أَكثر فِي الْخَارِج من الْإِنْسَان
وَكَذَلِكَ الشجاع حَقِيقَة فِي الْحَيَّة ثمَّ أَكثر مَا
يسْتَعْمل فِي الرجل البطل فَبَطل مَا قَالُوهُ
قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ اللَّفْظ حَقِيقَة فِي الْجِنْس
لما حسن فِيهِ الِاسْتِفْهَام فَتَقول أردْت بِهِ الْكل كَمَا
لَا يحسن فِي الْأَعْدَاد كالعشرة وَغَيرهَا
قُلْنَا حسن الِاسْتِفْهَام لَا يدل على أَن اللَّفْظ لَيْسَ
بِحَقِيقَة فِي شَيْء بِعَيْنِه
أَلا ترى أَنه إِذا قَالَ رَأَيْت بحرا حسن فِيهِ
الِاسْتِفْهَام بِأَن تَقول رَأَيْت مَاء كثيرا أَو رجلا جوادا
ثمَّ هُوَ حَقِيقَة فِي المَاء الْكثير وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ
أعْط فلَانا مائَة ألف حسن أَن يستفهم فَيَقُول مائَة ألف
دِرْهَم وَلَا يدل على أَن ذَلِك لَيْسَ بِحَقِيقَة فِيهِ
وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا حسن الِاسْتِفْهَام لِأَن اللَّفْظ
يحْتَمل الْعُمُوم وَغَيره فَجَاز أَن يستفهم ليزول
الِاحْتِمَال
قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَو كَانَت هَذِه الْأَلْفَاظ حَقِيقَة
فِي الْجِنْس لوَجَبَ إِذا دلّ الدَّلِيل على أَنه أَرَادَ
بِهِ الْبَعْض أَن يصير مجَازًا لِأَنَّهُ يسْتَعْمل فِي غير
مَا وضع لَهُ
(1/111)
قُلْنَا الْمجَاز مَا تجوز بِهِ عَمَّا وضع
لَهُ كالحمار حَقِيقَة فِي الْبَهِيمَة ثمَّ يتجوز بِهِ فِي
الرجل البليد فَيكون مجَازًا فِيهِ وَأما لفظ الْعُمُوم فَمَا
تجوز بِهِ عَمَّا وضع لَهُ وَإِنَّمَا حمل على بعض مَا
يَقْتَضِيهِ فَلم يصر مجَازًا فِيمَا تبقى كَمَا لَو قَالَ
عَليّ عشرَة إِلَّا خَمْسَة
قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ اللَّفْظ يَقْتَضِي استغراق
الْجِنْس لوَجَبَ أَن يكون تَخْصِيص بعضه يُوجب كذب
الْمُتَكَلّم بِهِ كَمَا إِذا قَالَ رَأَيْت عشرَة ثمَّ بَان
أَنه رأى خَمْسَة عد كَاذِبًا
قُلْنَا هَذَا يبطل بِهِ إِذا قَالَ أقبل عشرَة أنفس ثمَّ خص
بَعضهم فَإِن اللَّفْظ تنَاول الْعشْرَة ثمَّ تَخْصِيصه لَا
يُوجب الْكَذِب
وَلِأَن على قَول من قَالَ من أَصْحَابنَا تَأْخِير الْبَيَان
عَن وَقت الْخطاب لَا يجوز لَهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى
الْكَذِب لِأَنَّهُ يكون مُقَارنًا للفظ فَيصير كالاستثناء
مَعَ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وعَلى قَول من أجَاز تَأْخِير
الْبَيَان لَا يلْزم لِأَن الصدْق وَالْكذب إِنَّمَا هُوَ فِي
الْأَخْبَار وعَلى قَول أَصْحَابنَا لَا يجوز تَخْصِيص
الْأَخْبَار وَإِنَّمَا يجوز تَخْصِيص الْأَمر وَالنَّهْي
والصدق وَالْكذب لَا يدخلَانِ فِي ذَلِك فَإِذا خص شَيْء
مِنْهُ كَانَ نسخا لَهُ وَمن أَصْحَابنَا من أجَاز تَخْصِيص
الْأَخْبَار فعلى هَذَا أَيْضا لَا يُؤَدِّي إِلَى الْكَذِب
لأم كَلَام صَاحب الشَّرْع وَإِن تَأَخّر بعضه عَن بعض
كالاستثناء مَعَ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فَلَا يُؤَدِّي إِلَى
مَا ذَكرُوهُ وَلِهَذَا يُطلق الْأَمر فِي الشَّرْع ثمَّ يرد
مَا يسْقطهُ وَهُوَ النّسخ وَلَا يعد ذَلِك بداء وَلَو كَانَ
فِي غير أَلْفَاظ صَاحب الشَّرْع أَو ورد مثل هَذَا عد بداء
قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ هَذَا اللَّفْظ مَوْضُوعا
للْعُمُوم لما جَازَ تَخْصِيصه من الْكتاب بِالسنةِ
وَالْقِيَاس لِأَنَّهُ إِسْقَاط مَا ثَبت بِالْقُرْآنِ
وَذَلِكَ لَا يجوز بِالسنةِ وَالْقِيَاس كَمَا لَا يجوز النّسخ
بهما
(1/112)
قُلْنَا النّسخ إِسْقَاط اللَّفْظ فَلم يجز
إِلَّا بِمثلِهِ أَو بِمَا هُوَ أقوى مِنْهُ والتخصيص بَيَان
حكم اللَّفْظ فَجَاز بِمَا دونه
قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ اللَّفْظ يَقْتَضِي الْجِنْس
لَكَانَ لَا يُوجد إِلَّا وَهُوَ يَقْتَضِيهِ كَمَا أَن
الْعلَّة لما كَانَت مقتضية للْحكم لم يجز وجودهَا إِلَّا
وَهِي مقتضية لَهُ
قُلْنَا هَذَا الدَّلِيل إِنَّمَا يَصح لَو لم يجز اسْتِعْمَال
اللَّفْظ فِي غير مَا وضع لَهُ فَأَما إِذا جَازَ اسْتِعْمَال
اللَّفْظ فِي غير مَا وضع لَهُ لم يكن وجود الصِّيغَة غير
مقتضية للْعُمُوم دَلِيلا على أَن الصِّيغَة غير مَوْضُوعَة
للْعُمُوم
وَلِأَنَّهُ لَو جَازَ أَن يُقَال هَذَا لوَجَبَ أَن يُقَال
إِن الْحمار لَيْسَ بموضوع للبهيمة الْمَخْصُوصَة لِأَنَّهُ قد
يسْتَعْمل فِي غير الْبَهِيمَة وَهُوَ الرجل البليد وَفِي
إجماعنا على فَسَاد هَذَا دَلِيل على بطلَان مَا ذَكرُوهُ على
أَن اللَّفْظ الْمُقْتَضِي للاستغراق هُوَ الصِّيغَة
الْمُجَرَّدَة عَن الْقَرِينَة وَذَلِكَ لَا يجوز أَن يُوجد
إِلَّا وَهِي تَقْتَضِي الْجِنْس كَمَا لَا يجوز أَن تُوجد
الْعلَّة أَلا وَهِي تَقْتَضِي الحكم فَأَما مَا اقْترن بِهِ
قرينَة التَّخْصِيص فَغير مقتضية للْجِنْس فَهِيَ بِمَنْزِلَة
وجود الْعلَّة يجوز وجوده غير مُقْتَض للْحكم
وَاحْتج من حمل اللَّفْظ على الثَّلَاثَة ووقف فِيمَا زَاد
بِأَن الثَّلَاثَة أقل الْجمع فحملنا اللَّفْظ عَلَيْهِ وَمَا
زَاد مَشْكُوك فِيهِ فَلَا يحمل اللَّفْظ عَلَيْهِ من غير
دَلِيل
الْجَواب أَن قَوْلهم إِن الثَّلَاثَة أقل الْجمع مُسلم وَأَن
مَا زَاد عَلَيْهِ مَشْكُوك فِيهِ دَعْوَى تحْتَاج إِلَى
دَلِيل على أَن الَّذِي اقْتضى حمل اللَّفْظ على الثَّلَاثَة
يَقْتَضِي حمله على مَا زَاد وَذَلِكَ أَن اللَّفْظ مَوْضُوع
للثَّلَاثَة وَلما زَاد عَلَيْهِ لَا يخْتَص بِبَعْض
الْأَعْدَاد دون بعض فَوَجَبَ حمله على الْجَمِيع
وَلِأَنَّهُ لَو جَازَ أَن يقْتَصر على ثَلَاثَة لِأَنَّهُ
مُتَيَقن لوَجَبَ أَن يُقَال فِي أَسمَاء الْأَعْدَاد كالعشرات
والمائين إِنَّهَا تحمل على ثَلَاثَة لِأَنَّهَا متيقنة ويتوقف
فِي الزِّيَادَة وَهَذَا لَا يَقُوله أحد فَبَطل مَا قَالُوهُ
(1/113)
قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ لفظ الْجمع
يَقْتَضِي الْعُمُوم لوَجَبَ إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ
دَرَاهِم أَن لَا يقبل مِنْهُ ثَلَاثَة
الْجَواب أَن قَوْله لفُلَان عَليّ دَرَاهِم نكرَة وَمثل هَذَا
لَا يَقْتَضِي عندنَا الْجِنْس وَإِنَّمَا الَّذِي يَقْتَضِي
الْجِنْس إِذا تعرف بِالْألف وَاللَّام
على أَنا لم نحمل ذَلِك على الْجِنْس فِي الْإِقْرَار بِدَلِيل
دلّ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنه يعلم بطرِيق الْعرف وَالْعَادَة أَنه
لَا يجوز أَن يكون مُرَاده جنس الدَّرَاهِم إِذْ لَا يجوز أَن
يكون قد أتلف عَلَيْهِ كل دِرْهَم فِي الأَرْض واستقرض ذَلِك
مِنْهُ فَلم يحمل على الْعُمُوم لدلَالَة الْعرف وَلَيْسَ إِذا
لم يحمل اللَّفْظ على مُقْتَضَاهُ لدلَالَة اقترنت بِهِ لم
يحمل على مُقْتَضَاهُ فِيمَا لم تقترن بِهِ دلَالَة وَقد قيل
إِن الْإِقْرَار إِنَّمَا لم يحمل على الْجِنْس لِأَنَّهُ
قَامَ عَلَيْهِ دَلِيل أَنه لم يرد بِهِ الْجِنْس وَهُوَ
التَّمْيِيز فوزانه فِي مَسْأَلَتنَا أَن يرد لَهُ لفظ
الْعُمُوم ثمَّ نقُول الدّلَالَة على الْخُصُوص فَيحمل
عَلَيْهِ وَهَاهُنَا تجرد اللَّفْظ عَن الدّلَالَة فَهُوَ
كَمَا لَو أقرّ بِالدَّرَاهِمِ وَلم يحلف فَيحمل اللَّفْظ على
مَا يَدعِيهِ الْمُدَّعِي من قَلِيل وَكثير
(1/114)
مَسْأَلَة 2
الِاسْم الْمُفْرد إِذا دخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام فَهُوَ
للْجِنْس والطبقة
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هُوَ للْعهد وَهُوَ قَول أبي يحيى
الحباني
(1/115)
لنا أَن الْألف وَاللَّام لَا يدْخل على
الِاسْم إِلَّا للْجِنْس وَلِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى {قتل
الْإِنْسَان مَا أكفره} وَقَالَ {وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا}
{وَحملهَا الْإِنْسَان إِنَّه كَانَ ظلوما جهولا} وَقَالَ
تَعَالَى {كلا إِن الْإِنْسَان ليطْغى} وَأَرَادَ فِي هَذَا
كُله الْجِنْس وَيُقَال أهلك النَّاس الدِّينَار وَالدِّرْهَم
وَملك الشَّاء وَالْبَعِير وَيُرَاد بِهِ الْجِنْس فَدلَّ على
أَنه مَوْضُوع لَهُ
وَلِأَنَّهُ يحسن فِيهِ الِاسْتِثْنَاء بِلَفْظ الْجمع كَمَا
قَالَ تَعَالَى {وَالْعصر إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا
الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} فَاقْتضى الْجِنْس
كأسماء الجموع
وَلِأَنَّهُ لَو دخل الْألف وَاللَّام على أَسمَاء الجموع
كالمسلمين وَالْمُشْرِكين اقْتضى الْجِنْس فَكَذَلِك إِذا دخل
على الِاسْم الْمُفْرد
وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ يَقْتَضِي الْعَهْد لوَجَبَ أَن لَا
يَصح الِابْتِدَاء بِهِ حَتَّى يتَقَدَّم بَين الْمُخَاطب
والمخاطب مَعْهُود يرجع اللَّفْظ إِلَيْهِ وَلما رَأينَا ذَلِك
مُسْتَعْملا فِي خطاب الله تَعَالَى وَلَيْسَ بَيْننَا وَبَينه
عهد مُتَقَدم يرجع اللَّفْظ إِلَيْهِ دلّ على أَنه لَا
يَقْتَضِي الْمَعْهُود
(1/116)
وَلِأَن الْألف وَاللَّام يدخلَانِ للتعريف
وَلَيْسَ هَاهُنَا معرفَة يحمل اللَّفْظ عَلَيْهِ غير الْجِنْس
فَوَجَبَ أَن يحمل عَلَيْهِ
وَاحْتَجُّوا بِأَن الْألف وَاللَّام لَا يدخلَانِ إِلَّا
للْعهد وَلِهَذَا قَالَ الله عز وَجل {كَمَا أرسلنَا إِلَى
فِرْعَوْن رَسُولا فعصى فِرْعَوْن الرَّسُول} وَأَرَادَ بِهِ
الْعَهْد وَقَالَ عز وَجل {فَإِن مَعَ الْعسر يسرا إِن مَعَ
الْعسر يسرا} وَأَرَادَ بِهِ الْعَهْد وَلِهَذَا قَالَ ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَلنْ يغلب عسر وَاحِد يسرين أبدا
وَتقول دخلت السُّوق فَرَأَيْت رجلا ثمَّ عدت إِلَى السُّوق
فَرَأَيْت الرجل وتريد بِهِ الْعَهْد فَدلَّ على أَن
مُقْتَضَاهُ الْعَهْد
قُلْنَا إِنَّمَا حملناه فِيمَا ذَكرُوهُ على الْعَهْد
لِأَنَّهُ قد تقدمه نكرَة فَرجع التَّعْرِيف إِلَيْهَا
وَلَيْسَ كَذَلِك هَاهُنَا فَإِنَّهُ لم تتقدمه نكرَة فَحمل
على تَعْرِيف الْجِنْس لِأَن الْألف وَاللَّام يدخلَانِ
للتعريف وَلَيْسَ هَاهُنَا معرفَة يحمل اللَّفْظ عَلَيْهَا غير
الْجِنْس فَوَجَبَ أَن يحمل عَلَيْهِ
قَالُوا وَلِأَن الْألف وَاللَّام لَا تفِيد أَكثر من تَعْرِيف
النكرَة فَإِذا كَانَت النكرَة من الِاسْم الْمُفْرد لَا
تَقْتَضِي إِلَّا وَاحِدًا من الْجِنْس فَإِذا دخلت عَلَيْهِ
الْألف وَاللَّام وَجب أَن لَا تَقْتَضِي إِلَّا وَاحِدًا من
الْجِنْس
قُلْنَا هَذَا يبطل بِهِ إِذا دخلت على اسْم الْجمع فَإِنَّهَا
لَا تفِيد أَكثر من تَعْرِيف النكرَة ثمَّ إِذا دخلت على اسْم
الْجمع اقْتَضَت الْجِنْس وعَلى أَنه إِنَّمَا يَقْتَضِي
تَعْرِيف النكرَة إِذا تقدمه نكرَة فَأَما إِذا لم يتقدمه
نكرَة اقْتضى تَعْرِيف الْجِنْس وَهَاهُنَا لم يتقدمه نكرَة
فَوَجَبَ أَن يكون تعريفا للْجِنْس
(1/117)
مَسْأَلَة 3
أَسمَاء الجموع إِذا تجردت عَن الْألف وَاللَّام لم تقض
الْعُمُوم
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تَقْتَضِي الْعُمُوم وَهُوَ قَول
الجبائي
لنا أَنه نكرَة فِي الْإِثْبَات فَلم يقتض الْعُمُوم كالاسم
الْمُفْرد
وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ مقتضيا للْجِنْس كُله لما كَانَ يُسمى
نكرَة لِأَن الْجِنْس كُله مَعْرُوف وَلِهَذَا لَا يُسمى نكرَة
إِذا دخله الْألف وَاللَّام
وَأَيْضًا هُوَ أَنه يَصح تَأْكِيد ب مَا فَتَقول أعْط رجَالًا
مَا فَلَو كَانَ مَوْضُوعا للْجِنْس لما صَحَّ فِيهِ
التَّأْكِيد ب مَا كَمَا لَا يجوز فِي الْعرف بِالْألف
وَاللَّام
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ يَصح اسْتثِْنَاء كل وَاحِد من الجنسين
من هَذَا اللَّفْظ فَدلَّ على أَنه يَقْتَضِي الْجِنْس
وَالْجَوَاب هُوَ أَنا لَا نسلم فَإِن الِاسْتِثْنَاء لَا يَصح
من أَسمَاء الجموع إِذا تجردت عَن الْألف وَاللَّام فَإِذا
قَالَ كلم رجَالًا إِلَّا زيدا فَهُوَ مجَاز
(1/118)
مَسْأَلَة 4
إِذا ورد لفظ من أَلْفَاظ الْعُمُوم لم يجز اعْتِقَاد عُمُومه
حَتَّى ينظر فِي الْأُصُول فَإِن لم يجد مَا يَخُصُّهُ اعْتقد
عُمُومه فِي قَول أبي الْعَبَّاس
(1/119)
وَقَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي يعْتَقد
فِي الْحَال عُمُومه
لنا هُوَ أَن الَّذِي يَقْتَضِي اعْتِقَاد الْعُمُوم تجرد
هَذِه الصِّيغَة عَمَّا يَخُصهَا لِأَنَّهَا إِذا وَردت وَلم
تتجرد عَن دَلِيل التَّخْصِيص لم تقتض الْعُمُوم وَلَا نعلم
تجردها عَمَّا يَخُصهَا إِلَّا بِالنّظرِ والبحث فَلم يجز
اعْتِقَاد عمومها قبل النّظر والبحث يدل عَلَيْهِ أَن
الشَّهَادَة لما كَانَت بَيِّنَة عِنْد التجرد عَن الْفسق لم
يحكم بِكَوْنِهَا بَيِّنَة قبل الْبَحْث عَن حَالهَا فَكَذَلِك
هَاهُنَا
احْتَجُّوا بِأَن اللَّفْظ مَوْضُوع للْجِنْس والطبقة فَوَجَبَ
اعْتِقَاد مُوجبه قبل النّظر كأسماء الْحَقَائِق لما كَانَت
مَوْضُوعَة لما وضعت لَهُ من الْأَعْيَان وَجب اعْتِقَاد
مُوجبهَا فِي الْحَال كَذَلِك هَاهُنَا
قُلْنَا اللَّفْظ مَوْضُوع للْجِنْس إِذا تجرد عَمَّا
يَخُصُّهُ وَهَذَا غير مَعْلُوم قبل الْبَحْث فَلَا يَصح هَذَا
الْإِطْلَاق وَأما أَسمَاء الْحَقَائِق فَيحْتَمل أَن يُقَال
إِنَّهَا لَا تحمل على مسمياتها قبل الْبَحْث وَإِن سلمنَا
فَالْفرق بَينهمَا هُوَ أَن الْحَقَائِق إِذا اسْتعْملت فِي
غَيرهَا صَارَت مجَازًا فَلم يجز ترك الْحَقِيقَة إِلَى
الْمجَاز من غير دَلِيل وَلَيْسَ كَذَلِك لفظ الْعُمُوم
فَإِنَّهُ إِذا حمل على الْخُصُوص لم يصر مجَازًا فَوَجَبَ
التَّوَقُّف فِيهِ
(1/120)
قَالُوا وَلِأَن هَذَا القَوْل يُؤَدِّي
إِلَى التَّوَقُّف أبدا لِأَنَّهُ إِذا نظر فخفى عَلَيْهِ
دَلِيل التَّخْصِيص جوز أَن يلْحق فِي النّظر الثَّانِي مَا
خفى عَلَيْهِ فِي الأول وَيلْحق فِي النّظر الثَّالِث مَا خفى
عَلَيْهِ فِي الثَّانِي فَيجب التَّوَقُّف فِيهِ أبدا وَهَذَا
لَا يجوز
قُلْنَا هَذَا يبطل بِطَلَب النَّص فِي الْحَادِثَة فَإِنَّهُ
يجب وَإِن جَوَّزنَا أَن يلْحق بِالنّظرِ الثَّانِي مَا خفى
عَلَيْهِ فِي الأول وَيلْحق بالثالث مَا خَفِي عَلَيْهِ فِي
الثَّانِي وَيبْطل أَيْضا بالسؤال عَن حَال الشُّهُود
فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ وَإِن كَانَ يجوز أَن يظْهر لَهُ فِي
السُّؤَال الثَّانِي مَا خَفِي عَلَيْهِ فِي الأول وَفِي
السُّؤَال الثَّالِث مَا خَفِي عَلَيْهِ فِي الثَّانِي
قَالُوا وَلِأَنَّهُ فِي حَال سَماع اللَّفْظ لَا يَخْلُو من
اعْتِقَاده وَلَا يُمكنهُ أَن يعْتَقد الْخُصُوص فَوَجَبَ أَن
يعْتَقد الْعُمُوم
قُلْنَا يعْتَقد أَنه عَام إِذا تجرد عَمَّا يَخُصُّهُ وَلَا
يقطع فِيهِ بِالْعُمُومِ وَلَا بالخصوص
قَالُوا وَلِأَن اللَّفْظ مَخْصُوص فِي الْأَعْيَان والأزمان
ثمَّ يجب حمله على الْعُمُوم فِي جَمِيع الْأَزْمَان وَإِن
جَازَ أَن يكون مَنْسُوخا فِي بعض الْأَزْمَان فَكَذَلِك يجب
حمله على الْعُمُوم فِي الْأَعْيَان وَإِن جَازَ أَن يكون
مَخْصُوصًا فِي بعض الْأَعْيَان
قُلْنَا النّسخ إِنَّمَا يرد بعد اللَّفْظ فَلَا يجب
التَّوَقُّف لأَجله كَمَا إِذا عرف عَدَالَة الشُّهُود لم يجب
التَّوَقُّف لما يرد عَلَيْهِم من الْفسق وَلَيْسَ كَذَلِك فِي
التَّخْصِيص فَإِنَّهُ قد يكون مُقَارنًا للْعُمُوم وَقد يكون
مُتَقَدما عَلَيْهِ فَوَجَبَ التَّوَقُّف لأَجله كَمَا يجب فِي
حَال الشُّهُود قبل الْكَشْف عَن حَالهم
قَالُوا وَلِأَن هَذَا يُؤَدِّي إِلَى الْوَقْف فِي الْعُمُوم
وَقد أنكرتم ذَلِك على أهل التَّوَقُّف
قُلْنَا هَذَا مُخَالف لوقف أهل الْوَقْف وَذَلِكَ أَنا إِذا
لم نجد فِي الْأُصُول مَا يُوجب التَّخْصِيص حملناه على
الْعُمُوم وَأهل الْوَقْف إِذا لم يَجدوا مَا يُوجب
التَّخْصِيص وقفُوا أبدا حَتَّى يَجدوا دَلِيلا على المُرَاد
فَبَان الْفرق بَين الْقَوْلَيْنِ
(1/121)
مَسْأَلَة 5
الْعُمُوم إِذا خص لم يصر مجَازًا فِيمَا بَقِي
وَقَالَت الْمُعْتَزلَة يصير مجَازًا سَوَاء خص بِلَفْظ
مُتَّصِل أَو بِلَفْظ مُنْفَصِل وَهُوَ قَول عِيسَى بن أبان
وَقَالَ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي إِن خص بِلَفْظ مُتَّصِل لم
يصر مجَازًا
(1/122)
وَإِن خص بِلَفْظ مُنْفَصِل صَار مجَازًا
لنا هُوَ أَن الأَصْل فِي الِاسْتِعْمَال الْحَقِيقَة وَقد وجد
الِاسْتِثْنَاء وَالشّرط والغاية فِي الِاسْتِعْمَال أَكثر من
أَن يعد ويحصى فَدلَّ على أَن ذَلِك حَقِيقَة
وَلِأَن فَوَائِد اللَّفْظ تخْتَلف بِمَا يدْخل عَلَيْهَا من
الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان أَلا ترى أَنَّك تَقول زيد فِي
الدَّار فَيكون خَبرا ثمَّ تزيد فِيهِ ألف الِاسْتِفْهَام
فَتَقول أَزِيد فِي الدَّار فَيصير استخبارا فَلَو قُلْنَا إِن
مَا اتَّصل بِاللَّفْظِ من الشُّرُوط وَالِاسْتِثْنَاء يَجْعَل
الْكَلَام مجَازًا فِيمَا بَقِي لوَجَبَ أَن يكون قَوْله
أَزِيد فِي الدَّار حجازا فِي الِاسْتِفْهَام لِأَنَّهُ لَو
سقط مِنْهُ ألف الِاسْتِفْهَام لَكَانَ حَقِيقَة فِي الْخَبَر
وَفِي ركُوب هَذَا إبِْطَال لفوائد الْأَلْفَاظ
وَلِأَن الْكَلَام إِنَّمَا يكون مجَازًا إِذا عرف أَنه
حَقِيقَة فِي شَيْء ثمَّ اسْتعْمل فِي غَيره كالحمار حَقِيقَة
فِي الْبَهِيمَة الْمَعْرُوفَة ثمَّ يسْتَعْمل فِي الرجل
البليد فَيكون مجَازًا والعموم مَعَ الِاسْتِثْنَاء مَا
اسْتعْمل فِي غير هَذَا الْوَضع على سَبِيل الْحَقِيقَة فَلَا
يجوز أَن يَجْعَل مجَازًا فِي هَذَا الْوَضع
(1/123)
وَالدَّلِيل على من فرق بَين اللَّفْظ
الْمُتَّصِل والمنفصل هُوَ أَن للمتصل لفظا يَقْتَضِي تَخْصِيص
الْعُمُوم فَلم يصيره مجَازًا فِي الْبَاقِي دَلِيله الشَّرْط
وَالِاسْتِثْنَاء
وَيدل عَلَيْهِ هُوَ أَن اللَّفْظ اقْتضى استغراق الْجِنْس
أجمع فَإِذا دلّ الدَّلِيل على أَن بعض الْجِنْس غير مُرَاد
بَقِي الْبَاقِي على مُقْتَضى اللَّفْظ فَوَجَبَ أَن يكون
حَقِيقَة فِيهِ
وَاحْتَجُّوا بِأَن اللَّفْظ مَوْضُوع لاستغراق الْجِنْس
فَإِذا خص صَار مُسْتَعْملا فِي غير مَا وضع لَهُ فَصَارَ
مجَازًا كاستعمال الْأسد فِي الرجل الشجاع وَالْحمار فِي الرجل
البليد
قُلْنَا هَذَا يبطل بِهِ إِذا قَيده بِالشّرطِ والغاية أَو
خصّه بِالِاسْتِثْنَاءِ على قَول من سلم ذَلِك فَإِنَّهُ
مَوْضُوع للْجِنْس وَقد اسْتعْمل الِاسْتِثْنَاء فِي غير مَا
وضع لَهُ ثمَّ لم يصر مجَازًا
فَإِن قيل هُوَ مَعَ الِاسْتِثْنَاء مَوْضُوع للخصوص لَا
للْعُمُوم فَمَا اسْتعْمل إِلَّا فِيمَا وضع لَهُ
قيل وَكَذَلِكَ عندنَا لفظ الْعُمُوم مَعَ دلَالَة التَّخْصِيص
مَوْضُوع للخصوص فَمَا اسْتعْمل إِلَّا فِيمَا وضع لَهُ
وَيُخَالف هَذَا مَا ذَكرُوهُ من اسْتِعْمَال الْأسد فِي الرجل
الشجاع وَالْحمار فِي الرجل البليد فَإِن الْأسد لم يوضع للرجل
الشجاع وَلَا الْحمار للرجل البليد فِي اللُّغَة فَإِذا
اسْتعْمل فِي ذَلِك علمنَا أَنه مجَاز وَلَيْسَ كَذَلِك لفظ
الْعُمُوم فَإِنَّهُ متناول لكل وَاحِد من الْجِنْس فَإِذا
اسْتعْمل فِي الْخُصُوص فقد اسْتعْمل فِيمَا يَقْتَضِيهِ
اللَّفْظ يدل عَلَيْهِ أَن الْقَرِينَة فِيمَا ذَكرُوهُ تبين
مَا أُرِيد بِاللَّفْظِ والقرينة فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ
تبين مَا لَا يُرَاد بِاللَّفْظِ فَبَقيَ الْبَاقِي على
مُقْتَضى اللَّفْظ
(1/124)
مَسْأَلَة 6
يجوز تَخْصِيص أَسمَاء الجموع إِلَى أَن يبْقى وَاحِد من قَول
أَكثر أَصْحَابنَا
وَقَالَ أَبُو بكر الْقفال يجوز تخصيصها إِلَى أَن يبْقى
ثَلَاثَة وَلَا يجوز أَكثر من ذَلِك
(1/125)
لنا أَنه لفظ من أَلْفَاظ الْعُمُوم فَجَاز
تَخْصِيصه إِلَى أَن يبْقى أقل من ثَلَاثَة
دَلِيله من وَمَا وَلِأَن مَا جَازَ تَخْصِيص الْعُمُوم بِهِ
إِلَى الثَّلَاثَة جَازَ التَّخْصِيص بِهِ إِلَى الْوَاحِد
دَلِيله الِاسْتِثْنَاء
وَاحْتَجُّوا بِأَن اسْم الْجمع لَا يسْتَعْمل فِيمَا دون
الثَّلَاثَة فالحمل عَلَيْهِ إِسْقَاط لَهُ فَلم يَصح إِلَّا
بِمَا يَصح بِهِ الشَّرْط
قُلْنَا لَا نسلم فَإِنَّهُ يجوز أَن يسْتَعْمل لفظ الْجمع
فِيمَا دون الثَّلَاثَة وَلِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى
{الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم}
وَأَرَادَ بِهِ نعيما وَقَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ مبرؤون
مِمَّا يَقُولُونَ} وَأَرَادَ بِهِ عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا وَحدهَا
وعَلى أَن هَذَا يفْسد بِهِ إِذا خصّه بِالِاسْتِثْنَاءِ
فَإِنَّهُ يجوز وَإِن كَانَ اللَّفْظ لَا يسْتَعْمل إِلَّا
فِيمَا دونه
(1/126)
مَسْأَلَة 7
أقل الْجمع ثَلَاثَة
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ اثْنَان وَهُوَ مَذْهَب ابْن دَاوُد
(1/127)
ونفطويه وَالْقَاضِي أبي بكر الْأَشْعَرِيّ
لنا مَا روى أَن ابْن عَبَّاس احْتج على عُثْمَان رَضِي الله
عَنْهُمَا فِي أَن الْأَخَوَيْنِ لَا يحجبان الْأُم من
الثُّلُث إِلَى السُّدس بقوله تَعَالَى {فَإِن كَانَ لَهُ
إخْوَة فلأمه السُّدس} قَالَ وَلَيْسَ الأخوان إخْوَة فِي
لِسَان قَوْمك فَقَالَ لَهُ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ لَا
أَسْتَطِيع أَن أنقض أمرا كَانَ قبلي وتوارثه النَّاس وَمضى
فِي الْأَمْصَار
فَلَو لم يكن ذَلِك مُقْتَضى اللَّفْظ لما صَحَّ احتجاجه وَلما
أقره عَلَيْهِ عُثْمَان وهما من فصحاء الْعَرَب وأرباب
اللِّسَان
فَإِن قيل فقد رُوِيَ عَن زيد بن ثَابت أَنه قَالَ الأخوان
أخوة فَصَارَ مُخَالفا لَهُ
(1/128)
قُلْنَا المُرَاد بِتِلْكَ أَنَّهُمَا
كالأخوة فِي الْحجب وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ أَن أحدا لَا
يَقُول إِن لفظ التَّثْنِيَة يتَنَاوَل الْجمع حَقِيقَة
وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي لفظ الْجمع هَل يتَنَاوَل
الِاثْنَيْنِ حَقِيقَة
وَأَيْضًا هُوَ أَن أهل اللُّغَة فرقوا بَين الْوَاحِد
والاثنين وَالْجمع فَقَالُوا رجل ورجلان وَرِجَال وَلَو كَانَ
الِاثْنَان جمعا لَكَانَ لفظ التَّثْنِيَة مُسَاوِيا لما زَاد
عَلَيْهِ كَمَا كَانَ لفظ الثَّلَاثَة مُسَاوِيا لما زَاد
عَلَيْهِ
فَإِن قيل لَا يمْتَنع أَن يكون للتثنية أَسمَاء تخصها وَيكون
اسْم الْجمع أَيْضا متناولا لَهَا كالأسد لَهُ اسْم يَخُصُّهُ
وَمَعَ ذَلِك اسْم السَّبع حَقِيقَة فِيهِ
قيل السَّبع والأسد لم يوضع للتمييز بَين شَيْئَيْنِ
وَإِنَّمَا جعل أَحدهمَا اسْما للْجِنْس وَالْآخر اسْما للنوع
وَلَيْسَ كَذَلِك لفظ التَّثْنِيَة وَالْجمع فَإِنَّهُمَا وضعا
لنوعين مُخْتَلفين من الْعدَد على وَجه التَّمْيِيز بَينهمَا
فَدلَّ على أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يخْتَص بِمَا يُمَيّز بِهِ
كالأسد وَالْحمار لما وضع لجنسين من الْحَيَوَان كَانَ كل
وَاحِد مِنْهُمَا اسْما لما وضع لَهُ خَاصَّة
وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ اسْم الْجمع حَقِيقَة فِي الِاثْنَيْنِ
لَكَانَ لَا يَصح نَفْيه لِأَن الْحَقَائِق لَا يَصح نَفيهَا
عَن مسمياتها وَلما جَازَ أَن يَقُول مَا رَأَيْت رجَالًا
وَإِنَّمَا رَأَيْت رجلَيْنِ دلّ على أَن حَقِيقَته مَا
ذَكرْنَاهُ
وَلِأَنَّهُ لَا خلاف بَين أَصْحَابنَا أَنه إِذا قَالَ
لفُلَان عَليّ دَرَاهِم لزمَه ثَلَاثَة وَلَو كَانَ أقل الْجمع
اثْنَيْنِ لما لزمَه أَكثر من اثْنَيْنِ
وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {وَدَاوُد وَسليمَان إِذْ يحكمان
فِي الْحَرْث إِذْ نفشت فِيهِ غنم الْقَوْم وَكُنَّا لحكمهم
شَاهِدين} فَرد الْكِنَايَة إِلَى الِاثْنَيْنِ بِلَفْظ الْجمع
وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذْ تسوروا الْمِحْرَاب إِذْ دخلُوا
على دَاوُد فَفَزعَ مِنْهُم قَالُوا لَا تخف خصمان بغى
بَعْضنَا على بعض} فَاسْتعْمل فِي الِاثْنَيْنِ لفظ الْجمع
(1/129)
قُلْنَا أما الْآيَة الأولى فقد قيل إِن
المُرَاد بهَا حكم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَهُوَ
جمَاعَة كَثِيرَة وَقيل المُرَاد بهَا دَاوُد وَسليمَان
والمحكوم لَهُ لِأَن ذكر الْحَاكِم يَقْتَضِي ذكر الْمَحْكُوم
لَهُ فَلهَذَا رد الْكِنَايَة إِلَيْهِم بِلَفْظ الْجمع
وَأما الْآيَة الثَّانِيَة فَلَا حجَّة فِيهَا لِأَن الْخصم
يَقع على الْوَاحِد وَالْجَمَاعَة وَلِهَذَا قَالَ الله
تَعَالَى {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} فَجعل أحدهم
الْمُؤمنِينَ وَالْآخر الْكفَّار
وَلِأَنَّهُ يجوز أَن يكون مَعَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وميكال عَلَيْهِ السَّلَام جمَاعَة من الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم
السَّلَام
وَاحْتَجُّوا بقول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام الِاثْنَان
فَمَا فَوْقهم جمَاعَة
وَالْجَوَاب أَن هَذَا دَلِيل لنا فَإِنَّهُ لَو كَانَ
الِاثْنَان جمعا حَقِيقَة لما احْتَاجَ إِلَى الْبَيَان لأَنهم
يعْرفُونَ من اللُّغَة مَا يعرفهُ وَإِن كَانَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أفْصح الْعَرَب وَلما بَين دلّ على أَن
الِاثْنَيْنِ لَيْسَ بِجمع فِي اللُّغَة فَيجب أَن يحمل
الْخَبَر على أَنه قصد بَيَان حكم شَرْعِي وَأَن الِاثْنَيْنِ
فِي حكم الْجَمَاعَة فِي الصَّلَاة
قَالُوا وَلِأَن الْجمع إِنَّمَا سمي جمعا لما فِيهِ من جمع
الْآحَاد وَذَلِكَ يُوجد فِي الِاثْنَيْنِ فَوَجَبَ أَن يكون
جمعا
قُلْنَا وَيجوز أَن يكون اشتقاقه من ذَلِك ثمَّ لَا يُسمى بِهِ
كل مَا وجد فِيهِ هَذَا الْمَعْنى بل يخْتَص بِشَيْء مَخْصُوص
كالقارورة سميت بذلك لِأَنَّهَا يسْتَقرّ فِيهَا الشَّيْء ثمَّ
يخْتَص ذَلِك بظرف مَخْصُوص وَإِن كَانَ هَذَا الْمَعْنى يُوجد
فِي غَيره وَكَذَلِكَ سميت الدَّابَّة لِأَنَّهَا تدب على وَجه
الأَرْض ثمَّ يخْتَص ذَلِك ببهيمة مَخْصُوصَة وَإِن كَانَ
الْمَعْنى يُوجد فِي غَيرهَا فَكَذَلِك هَاهُنَا
(1/130)
قَالُوا وَلِأَن الِاثْنَيْنِ يخبران عَن
أَنفسهمَا فَيَقُولَانِ فعلنَا كَمَا يخبر الثَّلَاثَة
فَيَقُولُونَ فعلنَا فَدلَّ على أَن الْجمع فيهمَا وَاحِد
قُلْنَا هَذَا يُعَارضهُ أَنهم فرقوا بَينهمَا فِي فعل
الْغَائِب والمواجهة فَقَالُوا فِي الْغَائِب ضربا فِي
الِاثْنَيْنِ وضربوا فِي الثَّلَاثَة وَفِي المواجهة ضربتما
فِي الِاثْنَيْنِ وضربتم للْجَمَاعَة وَلَيْسَ لَهُم أَن
يتعلقوا بِمَا ذَكرُوهُ إِلَّا وَلنَا أَن نتعلق بِمَا
ذَكرْنَاهُ
وَلِأَنَّهُ لَا يمْتَنع أَن يكون لَفْظهمَا فِي الْإِخْبَار
عَن أَنفسهمَا وَاحِدًا يكون لَفْظهمَا فِي الْجمع يخْتَلف
أَلا ترى أَن الْمُذكر والمؤنث فِي الْإِخْبَار عَن أَنفسهمَا
سَوَاء ثمَّ لَفْظهمَا فِي الْجمع يخْتَلف فَكَذَلِك هَهُنَا
(1/131)
مَسْأَلَة 8
يجوز تَخْصِيص عُمُوم الْقُرْآن بِخَبَر الْوَاحِد
وَقَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين لَا يجوز
وَقَالَ عِيسَى ابْن أبان مَا خص بِدَلِيل جَازَ تَخْصِيصه
بأخبار
(1/132)
الْآحَاد وَإِن لم يخص لم يجز تَخْصِيصه
بأخبار الْآحَاد
لنا هُوَ أَن الْمُسلمين أَجمعُوا على تَخْصِيص آيَة
الْمَوَارِيث بقوله عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَرث الْمُسلم
الْكَافِر وَلَا الْكَافِر الْمُسلم وعَلى تَخْصِيص قَوْله
{فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} بقوله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا على خَالَتهَا
وَاحْتج أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ على فَاطِمَة
رَضِي الله عَنْهَا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّا معشر
الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة وَهَذَا
تَخْصِيص لعُمُوم من الْقُرْآن بجبر الْوَاحِد فَدلَّ على
جَوَاز ذَلِك
فَإِن قيل فقد رد عمر رَضِي الله عَنهُ حَدِيث فَاطِمَة بنت
قيس أَن
(1/133)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم
يَجْعَل لَهَا نَفَقَة وَلَا سُكْنى لما خَالف قَوْله الله
تَعَالَى {أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم من وجدكم} وَقَالَ لَا نَدع
قَول كتاب الله بقول امْرَأَة
قيل إِنَّمَا رد خَبَرهَا لِأَنَّهَا اتهمها وَلِهَذَا قَالَ
امْرَأَة لَا نَدْرِي صدقت أم كذبت وكلامنا فِيمَا صَحَّ من
الْأَخْبَار وسكنت نفس الْمُجْتَهد إِلَيْهِ
وَلِأَنَّهُمَا دليلان أَحدهمَا أخص من الآخر فَقدم الْخَاص
مِنْهُمَا على الْعَام كَمَا لَو كَانَا من الْكتاب وَالسّنة
وَلِأَن فِي هَذَا جمعا بَين دَلِيلين فَكَانَ أولى من
إِسْقَاط أَحدهمَا كَمَا لَو كَانَا من الْكتاب أَو السّنة
وَلِأَن خُصُوص الْقُرْآن أَو السّنة إِنَّمَا قدم على عمومهما
لِأَنَّهُ يتَنَاوَل الحكم بِخُصُوصِهِ على وَجه لَا يحْتَمل
غير مَا تنَاوله وعمومهما يتَنَاوَل الحكم بِعُمُومِهِ على
وَجه يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ غير مَا تنَاوله
الْخُصُوص وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي خُصُوص السّنة
وَعُمُوم الْقُرْآن فَوَجَبَ أَن يقدم عَلَيْهِ
وَاحْتَجُّوا بِأَن الْكتاب مَقْطُوع بِهِ وَخبر الْوَاحِد غير
مَقْطُوع بِهِ فَلَا يجوز ترك الْمَقْطُوع بِهِ بِغَيْرِهِ
كالإجماع لَا يتْرك بِخَبَر الْوَاحِد
(1/134)
قُلْنَا خبر الْوَاحِد وَإِن كَانَ من
طَرِيق الظَّن إِلَّا أَن وجوب الْعَمَل بِهِ مَعْلُوم
بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ فَكَانَ حكمه وَحكم مَا قطع
بِصِحَّتِهِ وَاحِد
وَلِأَن الْكتاب إِنَّمَا يقطع بورود لَفظه عَاما فَأَما
مُقْتَضَاهُ من الْعُمُوم فَغير مَقْطُوع بِهِ لِأَنَّهُ
يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ غير مَا تنَاوله خُصُوص السّنة
وَالْخَاص لَا يحْتَمل غير مَا تنَاوله فَوَجَبَ أَن يقدم
عَلَيْهِ يبين صِحَة هَذَا هُوَ أَنه لَو قطع بِعُمُومِهِ لقطع
على كذب الْخَبَر وَهَذَا لَا يَقُوله أحد وَيُخَالف مَا
ذَكرُوهُ من الْإِجْمَاع إِذا عَارضه خبر الْوَاحِد فَإِن
الْإِجْمَاع لَا إِجْمَال فِيمَا تنَاوله وَخبر الْوَاحِد
يحْتَمل أَن يكون مَنْسُوخا فقدمنا الْإِجْمَاع عَلَيْهِ
وَهَاهُنَا عُمُوم الْقُرْآن مُحْتَمل لما يَقْتَضِيهِ وخصوص
السّنة غير مُحْتَمل فَقدم خُصُوص السّنة
قَالُوا وَلِأَنَّهُ إِسْقَاط بعض مَا يَقْتَضِيهِ عُمُوم
الْقُرْآن بِالسنةِ فَلم يجز كالنسخ
قُلْنَا النّسخ إِسْقَاط لموجب اللَّفْظ فَلم يجز إِلَّا
بِمثلِهِ أَو بِمَا هُوَ أقوى مِنْهُ والتخصيص بَيَان مَا
أُرِيد بِاللَّفْظِ فَجَاز بِمَا دونه
وَاحْتج عِيسَى بن أبان بِأَنَّهُ إِذا دخله التَّخْصِيص صَار
مجَازًا فَقيل خبر الْوَاحِد فِي تَخْصِيصه كَمَا قبل فِي
بَيَان الْمُجْمل وَإِذا لم يدْخلهُ التَّخْصِيص بَقِي على
حَقِيقَته فَلم يخص خبر الْوَاحِد
وَالْجَوَاب هُوَ أَن الْمُجْمل مَالا يعقل المُرَاد مِنْهُ
بِنَفسِهِ والعموم وَإِن خص فَمَعْنَاه مَعْقُول وامتثاله
مُمكن وَاللَّفْظ متناول لما يبْقى بعد التَّخْصِيص فَكَانَ
حكمه وَحكم مالم يخص وَاحِد
(1/135)
مَسْأَلَة 9
يجوز تَخْصِيص عُمُوم السّنة بِالْكتاب
وَمن النَّاس من قَالَ لَا يجوز
لنا قَوْله تَعَالَى {ونزلنا عَلَيْك الْكتاب تبيانا لكل
شَيْء} وَلم يفصل
وَلِأَنَّهُ لفظ خَاص عَارض لفظا عَاما فخصه دَلِيله إِذا
كَانَا من الْكتاب أَو كَانَا من السّنة
وَلِأَن الْكتاب مَقْطُوع بطريقه وَالسّنة غير مَقْطُوع بهَا
فَإِذا جَازَ تَخْصِيص الْكتاب بِالسنةِ فتخصيص السّنة
بِالْكتاب أولى
وَاحْتَجُّوا بقوله {لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} فَجعل
السّنة بَيَانا لِلْقُرْآنِ
قُلْنَا هَذَا مَحْمُول على مَا يفْتَقر إِلَى الْبَيَان أَو
نحمله على أَن المُرَاد بِهِ الْإِظْهَار يدلك عَلَيْهِ أَنه
علقه على جَمِيع الْقُرْآن فَالَّذِي يفْتَقر إِلَيْهِ جَمِيع
الْقُرْآن هُوَ الْإِظْهَار فَأَما التَّخْصِيص فَلَا يحْتَاج
إِلَيْهِ جَمِيعه
(1/136)
مَسْأَلَة 10
يجوز تَخْصِيص الْعُمُوم بِالْقِيَاسِ الْخَفي
(1/137)
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يجوز ذَلِك
وَهُوَ قَول أبي عَليّ الجبائي
وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة إِن خص بِغَيْرِهِ جَازَ
التَّخْصِيص بِهِ
(1/138)
وَإِن لم يخص بِغَيْرِهِ لم يجز
لنا هُوَ أَنه دَلِيل يُنَافِي بعض مَا شَمله الْعُمُوم بصريحه
فَوَجَبَ أَن يخص بِهِ كاللفظ الْخَاص وَيدل عَلَيْهِ هُوَ أَن
الْعلَّة معنى النُّطْق فَإِذا كَانَ النُّطْق الْخَاص يخص
بِهِ الْعُمُوم فَكَذَلِك مَعْنَاهُ
وَلِأَن مَا ذَكرْنَاهُ جمعا بَين دَلِيلين فَكَانَ أولى من
إِسْقَاط أَحدهمَا كاللفظ الْخَاص مَعَ النُّطْق الْعَام
وَلِأَن الْقيَاس الْخَفي دَلِيل فَكَانَ حكمه حكم الْجَلِيّ
من جنسه فِي تَخْصِيص الْعُمُوم كَخَبَر الْوَاحِد لما كَانَ
دَلِيلا كَانَ حكمه حكم الْجَلِيّ من جنسه وَهُوَ الْمُتَوَاتر
وَالدَّلِيل على أَصْحَاب أبي حنيفَة هُوَ أَن مَا جَازَ أَن
يُرَاد بِهِ فِي التَّخْصِيص جَازَ أَن يبتدأ بِهِ التَّخْصِيص
كالنطق
وَلِأَن التَّخْصِيص إِنَّمَا جَازَ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ
يتَنَاوَل الحكم بِخُصُوصِهِ فَقدم على الْعَام وَهَذَا
مَوْجُود فِي الِابْتِدَاء فَوَجَبَ أَن يقدم عَلَيْهِ
وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَنه قَالَ لِمعَاذ رَضِي الله عَنهُ فَإِن لم تَجِد فِي
سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أجتهد رَأْيِي
وَلَو آلو فَدلَّ على أَن الْقيَاس لَا يعْمل بِهِ مَعَ السّنة
قُلْنَا الْقدر الَّذِي يُخرجهُ الْقيَاس من الْعُمُوم لَيْسَ
من السّنة عندنَا وَلِأَنَّهُ
(1/139)
كَمَا رتب الْقيَاس على السّنة فقد رتب
السّنة على الْكتاب ثمَّ لَا خلاف أَن تَخْصِيص الْكتاب
بِالسنةِ جَائِز فَكَذَلِك تَخْصِيص السّنة بِالْقِيَاسِ
قَالُوا وَلِأَنَّهُ إِسْقَاط لما تنَاوله الْعُمُوم فَلَا
يجوز بِالْقِيَاسِ كالنسخ وَرُبمَا قَالُوا تَخْصِيص
الْأَعْيَان أحد نَوْعي تَخْصِيص الْعُمُوم فَلَا يجوز
بِالْقِيَاسِ كتخصيص الزَّمَان
قُلْنَا لَا يمْتَنع أَن لَا يجوز بِهِ النّسخ وَيجوز بِهِ
التَّخْصِيص أَلا ترى أَن نسخ الْقُرْآن لَا يجوز بِخَبَر
الْوَاحِد وتخصيصه جَائِز وَلِأَن النّسخ إِسْقَاط مُوجب
اللَّفْظ والتخصيص جمع بَينه وَبَين غَيره فَافْتَرقَا
قَالُوا وَلِأَنَّهُ تَخْصِيص عُمُوم بِالْقِيَاسِ فَلم يجز
كَمَا لَو كَانَ الْقيَاس بعلة مستنبطة من الْعُمُوم
قُلْنَا هَذَا يبطل بالتخصيص بِالْقِيَاسِ الْجَلِيّ ثمَّ لَا
يمْتَنع أَن لَا يجوز بِمَا انتزع مِنْهُ وَيجوز بِمَا انتزع
من غَيره كَمَا لَا يجوز التَّخْصِيص بِنَفسِهِ وَيجوز
التَّخْصِيص بِغَيْرِهِ من الْأَلْفَاظ
وَلِأَنَّهُ الْمَطْلُوب هُنَاكَ عِلّة الحكم الَّذِي
اقْتَضَاهُ الْعُمُوم فَإِن اقْتَضَت الْعلَّة التَّخْصِيص لم
يكن ذَلِك عِلّة الحكم لِأَنَّهُ مسْقط لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِك
هَاهُنَا لِأَن الْمَطْلُوب عِلّة حكم مُخَالف لَهُ فَجَاز أَن
يخص بِهِ
قَالُوا وَلِأَن الْقيَاس فرع النُّطْق فَلَا يجوز أَن يسْقط
الْفَرْع أَصله
قُلْنَا نَحن إِنَّمَا نخص بِهِ عُمُوما لَيْسَ بِأَصْلِهِ
فَلَا يكون ذَلِك إِسْقَاط أصل بفرع
قَالُوا وَلِأَن مَا قدم عَلَيْهِ الْقيَاس الْجَلِيّ فِي
الحكم لَا يخص بِهِ الْعُمُوم كاستصحاب الْحَال
(1/140)
قُلْنَا اسْتِصْحَاب الْحَال لَيْسَ
بِدَلِيل وَإِنَّمَا هُوَ بَقَاء على حكم الأَصْل إِلَى أَن
يرد الدَّلِيل عَلَيْهِ فَلَا يتْرك لَهُ مَا هُوَ دَلِيل
وَلَيْسَ كَذَلِك الْقيَاس فَإِنَّهُ دَلِيل من جِهَة الشَّرْع
يَسْتَدْعِي الحكم بصريحه فَقدم على مَا يَقْتَضِي الحكم
بِعُمُومِهِ كَخَبَر الْوَاحِد
قَالُوا وَلِأَن قِيَاس الشّبَه مُخْتَلف فِيهِ بَين
الْقَائِلين بِالْقِيَاسِ فَلَا يخص بِهِ الْعُمُوم كالخبر
الْمُرْسل لما كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ بَين الْقَائِلين بِخَبَر
الْوَاحِد لم يخص بِهِ الْعُمُوم
قُلْنَا نَحن إِنَّمَا نتكلم مَعَ من قَالَ بِقِيَاس الشّبَه
وَمن قَالَ بِهِ وَجعله دَلِيلا لزمَه التَّخْصِيص بِهِ وَإِن
كَانَ فِي النَّاس من لَا يَقُول بِهِ أَلا ترى أَن الْقيَاس
الْجَلِيّ لما كَانَ حجَّة عِنْد الْقَائِلين بِالْقِيَاسِ
وَجب تَخْصِيص الْعُمُوم بِهِ وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ
وَيُخَالف الْخَبَر الْمُرْسل فَإِن ذَلِك لَيْسَ بِحجَّة
عندنَا فَلَا يجوز تَخْصِيص الْعُمُوم بِهِ وَقِيَاس الشّبَه
حجَّة على المذهبين فَجَاز تَخْصِيص الْعُمُوم بِهِ كالقياس
الْجَلِيّ
قَالُوا وَلِأَن الْقيَاس يَقْتَضِي الظَّن وَعُمُوم الْكتاب
يُوجب الْعلم فَلَا يجوز أَن يعْتَرض بِهِ عَلَيْهِ
قُلْنَا يبطل بِالْقِيَاسِ إِذا ورد على بَرَاءَة الذِّمَّة
بِالْعقلِ فَإِنَّهُ يُوجب الظَّن ثمَّ يعْتَرض بِهِ عَلَيْهِ
وَإِن كَانَ مَا يُوجِبهُ الْعقل من بَرَاءَة الذِّمَّة
مَقْطُوع بِهِ
فَإِن قيل الْعقل يَقْتَضِي بَرَاءَة الذِّمَّة بِشَرْط وَهُوَ
أَن لَا يرد سمع والعموم يَقْتَضِي الحكم على إِطْلَاقه
قيل وَكَذَا اللَّفْظ الْعَام يَقْتَضِي الْعُمُوم مَا لم يرد
مَا هُوَ أقوى مِنْهُ وَالْقِيَاس الْخَاص أقوى مِنْهُ فِي
تنَاول الحكم فَقضى بِهِ عَلَيْهِ
وَلِأَن الْقيَاس وَإِن كَانَ طَرِيقه الظَّن وَالِاجْتِهَاد
إِلَّا أَن الدَّلِيل على وجوب الْعَمَل
(1/141)
بِهِ مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ فقد صَار
كالعموم فِي هَذَا الْبَاب وَزَاد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يكْشف
عَن المُرَاد بِالْعُمُومِ ويتناول الحكم بِخُصُوصِهِ فَكَانَ
أولى مِنْهُ
وَاحْتج أَصْحَاب أبي حنيفَة بِأَنَّهُ إِسْقَاط دلَالَة
اللَّفْظ فَلم يجز بِالْقِيَاسِ كالنسخ وَلَا تلْزم
الزِّيَادَة بالتخصيص لِأَنَّهَا لَيست بِإِسْقَاط لدلَالَة
اللَّفْظ لِأَن الدّلَالَة قد سَقَطت بِغَيْرِهِ
قُلْنَا لَا يمْتَنع أَن لَا يجوز النّسخ وَيجوز التَّخْصِيص
أَلا ترى أَن نسخ الْكتاب لَا يجوز بِخَبَر الْوَاحِد وَيجوز
التَّخْصِيص بِهِ وَلِأَن النّسخ إِسْقَاط اللَّفْظ وَهَذَا
جمع بَينه وَبَين غَيره فَافْتَرقَا
(1/142)
مَسْأَلَة 11
يجوز تَخْصِيص الْخَبَر كَمَا يجوز تَخْصِيص الْأَمر
وَالنَّهْي
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تَخْصِيص الْخَبَر لَا يجوز
لنا هُوَ أَنه يجوز أَن يكون المُرَاد بعض مَا تنَاوله
الْعُمُوم كَمَا يجوز ذَلِك فِي الْأَمر وَالنَّهْي فَإِذا
جَازَ التَّخْصِيص هُنَاكَ جَازَ هَهُنَا
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ أحد نَوْعي التَّخْصِيص فَلم يجز فِي
الْخَبَر كالنسخ
قُلْنَا النّسخ يسْقط جَمِيع مُقْتَضى اللَّفْظ فَلَو دخل فِي
الْخَبَر صَار كذبا والتخصيص لَا يسْقط جَمِيع مَا اقْتَضَاهُ
وَإِنَّمَا يبين مَا يُرَاد بِهِ فَافْتَرقَا
(1/143)
مَسْأَلَة 12
إِذا ورد الْعَام على سَبَب خَاص وَاللَّفْظ مُسْتَقل
بِنَفسِهِ حمل
(1/144)
على عُمُومه وَلم يقْتَصر على سَببه
وَقَالَ مَالك يقْتَصر على السَّبَب وَهُوَ قَول الْمُزنِيّ
وَأبي ثَوْر وَأبي بكر الْقفال والدقاق
لنا هُوَ أَن الدَّلِيل قَول صَاحب الشَّرِيعَة فَاعْتبر
عُمُومه كَمَا لَو تجرد عَن السَّبَب
(1/145)
وَلِأَن كل لفظ لَو تجرد عَن سُؤال خَاص
حمل على عُمُومه فَكَذَلِك إِذا تقدمه سُؤال خَاص
الدَّلِيل عَلَيْهِ إِذا قَالَت الْمَرْأَة لزَوجهَا طَلقنِي
فَقَالَ كل امْرَأَة لي طَالِق وَيدل عَلَيْهِ هُوَ أَن الحكم
يتَعَلَّق بِجَوَاب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا أَن
الطَّلَاق يتَعَلَّق بقول الزَّوْج ثمَّ الِاعْتِبَار بِعُمُوم
كَلَام الزَّوْج دون خُصُوص السُّؤَال فَكَذَلِك يجب أَن يكون
الِاعْتِبَار بِعُمُوم كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَا بِخُصُوص السُّؤَال
وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ السُّؤَال عَاما وَالْجَوَاب خَاصّا
اعْتبر خُصُوص الْجَواب دون عُمُوم السُّؤَال فَكَذَلِك إِذا
كَانَ السُّؤَال خَاصّا وَالْجَوَاب عَاما وَجب أَن يعْتَبر
عُمُوم الْجَواب
وَلِأَنَّهُ لَو وَقع السُّؤَال عَن جَوَاز شَيْء فَخرج
الْجَواب بإيجابه اعْتبر الْجَواب فَكَذَلِك إِذا كَانَ
السُّؤَال خَاصّا وَالْجَوَاب عَاما وَجب أَن يعْتَبر عُمُوم
الْجَواب
وَلِأَن قَول السَّائِل لَيْسَ بِحجَّة فَلَا يجوز أَن يخص
بِهِ عُمُوم السّنة كَقَوْل غَيره
وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ الِاعْتِبَار بِخُصُوص السُّؤَال
لوَجَبَ أَن يخْتَص السَّائِل بِالْجَوَابِ حَتَّى لَا يدْخل
غَيره فِيهِ وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على عُمُوم آيَة الْقَذْف
وَإِن كَانَت نزلت فِي شَأْن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
خَاصَّة وَعُمُوم آيَة اللّعان وَإِن كَانَت نزلت فِي شان
هِلَال بن أُميَّة وَامْرَأَته وَعُمُوم آيَة الظِّهَار وَإِن
كَانَت نزلت فِي شَأْن رجل بِعَيْنِه فَدلَّ على أَنه لَا
اعْتِبَار بِالسَّبَبِ
وَاحْتَجُّوا بِأَن السُّؤَال مَعَ الْجَواب كالجملة
الْوَاحِدَة بِدَلِيل أَن السُّؤَال هُوَ الْمُقْتَضِي للجواب
وبدليل أَن الْجَواب إِذا كَانَ مُبْهما أُحِيل فِي بَيَانه
على السُّؤَال فَإِذا ثَبت أَنَّهُمَا كالجملة الْوَاحِدَة
وَجب أَن يصير السُّؤَال مُقَدرا فِي الْجَواب فيخص الحكم
(1/146)
قُلْنَا لَا نسلم أَنَّهُمَا كالجملة
الْوَاحِدَة بل هما جملتان متفرقتان واستدلالهم عَلَيْهِ بِأَن
الْجَواب مُقْتَضى السُّؤَال لَا يسلم فَكيف يكون الْجَواب
مُقْتَضى السُّؤَال وَهُوَ أَعم مِنْهُ
وَإِن سلمنَا لَهُم فَالْجَوَاب عَنهُ وَإِن كَانَ مُقْتَضَاهُ
فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون زَائِدا عَلَيْهِ فيجيب بِمَا هُوَ
أَعم مِنْهُ وَرُبمَا اشْتَمَل الْجَواب عَمَّا لم يَقع
السُّؤَال عَنهُ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا تِلْكَ
بيمينك يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عصاي أتوكأ عَلَيْهَا وأهش بهَا
على غنمي ولي فِيهَا مآرب أُخْرَى} فَأجَاب عَمَّا سُئِلَ
وَزَاد كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام وَقد سُئِلَ عَن مَاء
فَقَالَ هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته
وَقَوْلهمْ إِنَّه يجوز أَن يكون الْجَواب محالا على السَّبَب
فِي الْبَيَان يبطل بِالْكتاب مَعَ السّنة فَإِنَّهُ يجوز أَن
يُحَال بِأَحَدِهِمَا على الآخر فِي الْبَيَان ثمَّ هما جملتان
مُخْتَلِفَتَانِ وعَلى أَن خلافنا فِي جَوَاب مُسْتَقل
بِنَفسِهِ غير مفتقر إِلَى السُّؤَال فِي الْبَيَان فَلَا يجوز
أَن يَجْعَل ذَلِك مَعَ السُّؤَال جملَة وَاحِدَة ثمَّ هَذَا
يبطل بِمَا ذَكرْنَاهُ من مَسْأَلَة الطَّلَاق فَإِن السُّؤَال
هُوَ الْمُقْتَضِي للطَّلَاق وَيجوز أَن يكون الْجَواب محالا
على السُّؤَال فِي الْبَيَان ثمَّ لَا يَجْعَل السُّؤَال مَعَ
الْجَواب كالجملة الْوَاحِدَة
قَالُوا وَلِأَنَّهُ جَوَاب خرج على سُؤال خَاص فَكَانَ
مَقْصُورا عَلَيْهِ كَمَا لَو لم يسْتَقلّ إِلَّا بِالسَّبَبِ
قُلْنَا الْمَعْنى هُنَاكَ أَن اللَّفْظ لم يتَنَاوَل غير مَا
وَقع عَنهُ السُّؤَال وَلَيْسَ كَذَلِك هَاهُنَا فَإِن
اللَّفْظ عَام مِمَّا وَقع عَنهُ السُّؤَال وَغَيره فَحمل على
عُمُومه
قَالُوا وَلما ورد الْخطاب فِيهِ على السَّبَب دلّ على انه
بَيَان لحكمه خَاصّا إِذْ لَو كَانَ بَيَانا لغيره لبينه قبل
السُّؤَال
(1/147)
قُلْنَا يجوز أَن يرد السُّؤَال عَلَيْهِ
وَيبين حكمه وَحكم غَيره كَمَا سُئِلَ عَن مَاء الْبَحْر
خَاصَّة فَبين حكمه وَحكم ميتَته ثمَّ هَذَا يُعَارضهُ أَنه
لَو كَانَ بَيَانا لحكم السَّبَب خَاصَّة لخصه بِالْجَوَابِ
وَلما أطلق وَعم دلّ على أَنه قصد بَيَانه وَبَيَان غَيره
قَالُوا السَّبَب هُوَ الَّذِي أثار الحكم فيعلق بِهِ كالعلة
قُلْنَا الْعلَّة مقتضية للْحكم فوزانها من السَّبَب أَن يكون
مقتضيا للْحكم فَيتَعَلَّق بِهِ الحكم وَلَيْسَ كَذَلِك
هَاهُنَا لِأَن السَّبَب غير مُقْتَض لَهُ لِأَنَّهُ لَا يجوز
أَن يكون مقتضيا لَهُ وَهُوَ أَعم مِنْهُ فَلم يجز تَعْلِيقه
عَلَيْهِ
(1/148)
مَسْأَلَة 13
تَخْصِيص الْعُمُوم بقول الرَّاوِي ومذهبه لَا يجوز وَلَا يجوز
أَيْضا ترك شَيْء من الظَّوَاهِر بقوله
وَقَالَ بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة يجوز
لنا هُوَ أَن الرَّاوِي محجوج بالْخبر فَلَا يجوز التَّخْصِيص
بقوله كَغَيْرِهِ
وَلِأَن تَخْصِيصه الْخَبَر يجوز أَن يكون بِخَبَر آخر
وَيحْتَمل أَن يكون بِضَرْب من الرَّأْي اعْتقد صِحَّته وَهُوَ
فَاسد فَلَا يجوز ترك الظَّاهِر بِالشَّكِّ
وَلِأَن هَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَن يصير قَول الرَّاوِي حجَّة
وَيخرج قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكون حجَّة
وَذَلِكَ محَال
وَاحْتَجُّوا بِأَن الظَّاهِر أَن الرَّاوِي لَا يتْرك مَا
رَوَاهُ إِلَّا وَقد عرف من جِهَة الرَّسُول عَلَيْهِ
السَّلَام مَا يُوجب التَّخْصِيص
قُلْنَا الظَّاهِر أَنه لم يخصصه من جِهَة النَّقْل
وَالرِّوَايَة لِأَنَّهُ لَو كَانَ مَعَه نقل
(1/149)
لذكره فِي وَقت من الْأَوْقَات وعَلى أَنه
يحْتَمل مَا ذَكرُوهُ وَيحْتَمل أَن يكون قد ذهب إِلَى رَأْي
بَاطِل واستدلال فَاسد فَلَا يجوز ترك الظَّاهِر
قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون خصّه بِخَبَر
أَو قِيَاس وبأيهما كَانَ وَجب الْمصير إِلَيْهِ
قُلْنَا إِنَّمَا يجب ذَلِك إِذا عرفنَا الْمُخَصّص فَأَما
إِذا لم نعلمهُ لم يجز لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون قد خصّه
بِقِيَاس فَاسد وَطَرِيق بَاطِل فَلَا يجوز ترك الْخَبَر
قَالُوا إِذا قبلتم قَوْله أمرنَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَو نَهَانَا وَغير ذَلِك من الْأَلْفَاظ وَجب
أَن تقبلُوا قَوْله فِيمَا يُوجب التَّخْصِيص
قُلْنَا هَذِه الْأَلْفَاظ رِوَايَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَنقل عَنهُ فوزانه من مَسْأَلَتنَا أَن ينْقل
إِلَيْنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يُوجب
تَخْصِيصه فافترقنا
(1/150)
مَسْأَلَة 14
إِذا تعَارض لفظان خَاص وعام بنى الْعَام على الْخَاص
وَقَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين لَا يقْضى على الْعَام بالخاص بل
يتعارض الْخَاص وَمَا قابله من الْعَام وَهُوَ اخْتِيَار أبي
بكر الْأَشْعَرِيّ وَأبي بكر الدقاق
لنا هُوَ أَنه دَلِيل عَام قابله دَلِيل خَاص وَلَيْسَ فِي
تَخْصِيصه إبِْطَال لَهُ فَوَجَبَ تَخْصِيصه بِهِ كَخَبَر
الْوَاحِد إِذا ورد مُخَالفا لدَلِيل الْعقل فَإِنَّهُ يخص
بِدَلِيل الْعقل
وَلِأَن الْخَاص أقوى من الْعَام لِأَن الْخَاص يتَنَاوَل
الحكم بِخُصُوصِهِ على وَجه لَا احْتِمَال فِيهِ وَالْعَام
يتَنَاوَل الحكم على وَجه مُحْتَمل لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون
المُرَاد بِهِ غير مَا تنَاوله الْخَاص بِخُصُوصِهِ فَوَجَبَ
أَن يقدم الْخَاص عَلَيْهِ
وَلِأَن الْأَدِلَّة إِنَّمَا وَردت للاستعمال فَكَانَ الْجمع
بَينهمَا أولى من إِسْقَاط بَعْضهَا والتوقف فِيهَا
(1/151)
وَلِأَن مَا تفرق من أَلْفَاظ صَاحب
الشَّرْع بِمَنْزِلَة الْمَجْمُوع موضعا وَاحِدًا وَلَو جمع
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بَين اللَّفْظَيْنِ لجمع بَينهمَا
ورتب أَحدهمَا على الآخر فَكَذَلِك إِذا تفرق
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَيْسَ الْخَاص فِيمَا تنَاوله بِأولى
مِمَّا عَارضه من الْعَام فَوَجَبَ التَّوَقُّف فِيهِ
قُلْنَا قد بَينا بِأَن الْخَاص فِيمَا تنَاوله أولى من
الْعَام لِأَن الْخَاص يَقْتَضِي الحكم بصريحه على وَجه لَا
احْتِمَال فِيهِ وَالْعَام يتَنَاوَلهُ بِظَاهِرِهِ وعمومه على
وَجه يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ غير ظَاهره فَوَجَبَ
تَقْدِيم الْأَقْوَى مِنْهُمَا كَمَا قدمنَا دَلِيل الْعقل على
عُمُوم خبر الْوَاحِد
وَلِأَن فِيمَا قُلْنَاهُ اسْتِعْمَال دَلِيلين وَفِيمَا
قُلْتُمْ إِسْقَاط أَحدهمَا فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أولى
(1/152)
مَسْأَلَة 15
إِذا تعَارض عَام وخاص بني الْعَام على الْخَاص وَإِن كَانَ
الْخَاص مُتَقَدما على الْعَام
وَقَالَ بعض الْمُعْتَزلَة وَبَعض أَصْحَاب أبي حنيفَة مَتى
تقدم الْخَاص نسخه الْعَام وَلم يبن أَحدهمَا على الآخر وَإِن
تقدم تاريخهما بني الْعَام على الْخَاص فِي قَول بَعضهم
وَقَالَ عِيسَى بن أبان والكرخي والبصري إِذا عدم تاريخهما
رَجَعَ بِالْأَخْذِ بِأَحَدِهِمَا إِلَى دَلِيل كالعمومين إِذا
تَعَارضا بِأَحَدِهِمَا
لنا بِأَنَّهُ تعَارض دليلان عَام وخاص فَبنِي الْعَام على
الْخَاص كَمَا لَو لم يتَقَدَّم الْخَاص وَلِأَنَّهُ يُمكن
الْجمع بَين الدَّلِيلَيْنِ فَلم يجز إِسْقَاط أَحدهمَا
بِالْآخرِ كَمَا لَو لم يتَقَدَّم الْخَاص
وَلِأَنَّهُ إِذا لم يتَقَدَّم الْخَاص قضي بِهِ على الْعَام
لِأَنَّهُ يتَنَاوَل الحكم بصريحه من غير احْتِمَال والعموم
يتَنَاوَلهُ مَعَ الِاحْتِمَال وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود
فِيهِ وَإِن تقدم الْخَاص فَوَجَبَ أَن يقْضِي بِهِ
(1/153)
وَلِأَن مَا أوجب تَخْصِيص الْعُمُوم لَا
فرق بَين أَن يتَأَخَّر أَو يتَقَدَّم كالقياس لَا فرق بَين
أَن يكون مستنبطا من أصل مُتَقَدم أَو أصل مُتَأَخّر فَكَذَلِك
هَاهُنَا
وَلِأَن الْخَبَر الْخَاص أقوى من الْقيَاس فَإِذا جَازَ
تَخْصِيص الْعُمُوم بِقِيَاس مستنبط من أصل مُتَقَدم وُرُوده
على الْعُمُوم فَلِأَن يجوز بالْخبر الْخَاص أولى
وَلِأَنَّهُ لَا خلاف أَن تَخْصِيص الْعُمُوم بأدلة الْعقل
جَائِز وَإِن كَانَت مُتَقَدّمَة عَلَيْهِ فَكَذَلِك هَاهُنَا
فَإِن قيل أَدِلَّة الْعقل لَا يُمكن نسخهَا فقضي بهَا على
الْعُمُوم وَالْخَاص يَصح نسخه فنسخ بِهِ
وَالْجَوَاب أَنه إِن كَانَ لَا ينْسَخ دَلِيل الْعقل فَلَا
ينْسَخ الْخَاص أَيْضا إِلَّا بِمثلِهِ وَالْعَام لَيْسَ مثل
الْخَاص فِي الْقُوَّة فَلَا يجب أَن ينْسَخ بِهِ
وَلِأَن الْخَاص الْمُتَقَدّم مُتَيَقن ونسخه بِمَا ورد من
اللَّفْظ الْعَام غير مُتَيَقن فَلَا يجوز نسخ الْمُتَيَقن
بِغَيْر مُتَيَقن
وَلِأَنَّهُ لَا فرق فِي اللُّغَة بَين قَوْله لَا تعط فلَانا
حَقه وَأعْطِ النَّاس حُقُوقهم وَبَين قَوْله أعْط النَّاس
حُقُوقهم وَلَا تعط فلَانا حَقه
فَإِنَّهُ يعقل من الْكَلَامَيْنِ تَخْصِيص الْعَام مِنْهُمَا
وَبنى أحد اللَّفْظَيْنِ على الآخر فَوَجَبَ أَن يَكُونَا
فِيمَا اخْتلفَا فِيهِ مثله
وَاحْتَجُّوا فِيمَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ
أَنه قَالَ كُنَّا نَأْخُذ من أوَامِر رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بالأحدث فالأحدث
وَالْجَوَاب هُوَ أَنا نَأْخُذ بالأحدث فالأحدث على حسب مَا
يَقْتَضِيهِ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ هُوَ الْقدر الَّذِي يبْقى
مَعَه التَّخْصِيص على أَنه يُعَارضهُ قَوْله عز وَجل
{وَيَقُولُونَ نؤمن بِبَعْض ونكفر بِبَعْض} فذم من عمل
بِالْبَعْضِ دون الْبَعْض وهم
(1/154)
يَأْخُذُونَ بالمتأخير ويتركون
الْمُتَقَدّم ثمَّ يحمل مَا رَوَاهُ على لفظين لَا يُمكن
استعمالهما فَيُؤْخَذ بالأحدث مِنْهُمَا
قَالُوا وَلِأَنَّهُمَا لفظان متعارضان فنسخ الأول مِنْهُمَا
بِالثَّانِي كالنصين
قُلْنَا الْمَعْنى فِي النصين أَنه لَا يُمكن الْجمع بَينهمَا
فنسخ الأول مِنْهُمَا بِالثَّانِي وَفِي مَسْأَلَتنَا يُمكن
الْجمع بَينهمَا فَلَا يجوز إِسْقَاط أَحدهمَا بِالْآخرِ
قَالُوا وَلِأَن الْعَام إِذا تنَاول الْجِنْس لعمومه كَانَ
كعدة أَلْفَاظ يتَنَاوَل كل وَاحِد مِنْهُمَا وَاحِدًا من
الْجِنْس ثمَّ ثَبت أَن مَا ورد اللَّفْظ بِهِ خَاصّا فِي كل
وَاحِد مِنْهُمَا إِذا تقدم ثمَّ ورد مَا يُخَالِفهُ
بِأَلْفَاظ خَاصَّة نسخه كَذَلِك إِذا ورد اللَّفْظ الْخَاص
ثمَّ ورد عَام يُخَالِفهُ وَجب أَن ينسخه
قُلْنَا لَو كَانَ جمع الْجِنْس بِلَفْظ وَاحِد كإفراد كل
وَاحِد مِنْهُ بِلَفْظ يَخُصُّهُ كَانَ جمعه بِلَفْظ كإفراد كل
وَاحِد مِنْهُمَا بِلَفْظ فِي الْمَنْع من التَّخْصِيص
بِالْقِيَاسِ وَلما بَطل هَذَا بِإِجْمَاع بَطل مَا قَالُوهُ
وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ جمع الْجِنْس بِلَفْظ عَام كإفراد كل
وَاحِد مِنْهُ بِلَفْظ خَاص لَكَانَ لَا يجوز وُرُود لفظ عَام
مُخَالفا لدَلِيل الْعقل كَمَا لَا يجوز أَن يرد لفظ خَاص
يُخَالف دَلِيل الْعقل
وَلِأَنَّهُ إِذا وَردت بِهِ أَلْفَاظ مُفْردَة لم يكن الْجمع
بَينهَا وَبَين مَا يعارضها فَوَجَبَ نسخ الْمُتَقَدّم
بالمتأخر وَلَيْسَ كَذَلِك هَاهُنَا فَإِنَّهُ إِذا ورد
اللَّفْظ عَاما أمكن الْجمع بَينه وَبَين مَا يُعَارضهُ فَبنِي
أَحدهمَا على الآخر
قَالُوا وَلِأَنَّهُ الْخَاص إِذا تقدم على الْعَام كَانَ
ذَلِك بَيَانا للعام بعده على قَوْلكُم وَالْبَيَان لَا يجوز
أَن يتَقَدَّم على الْمُبين كَمَا لَا يجوز أَن يتَقَدَّم
التَّفْسِير على الْمُفَسّر وَالِاسْتِثْنَاء على الْجُمْلَة
قُلْنَا لَا يمْتَنع أَن يكون بَيَانا ويتقدم على الْمُبين
كَمَا نقُول فِي أَدِلَّة الْعقل يخص بهَا الْعُمُوم وَيبين
بهَا وَإِن كَانَت مُتَقَدّمَة عَلَيْهِ
على أَنه يجوز أَن يَجْعَل الشَّيْء بَيَانا لما يرد بعده من
الْأَلْفَاظ أَلا ترى أَنه
(1/155)
يجوز أَن يَقُول الرجل لغيره إِذا قلت لَك
أعْط فلَانا عشرَة دَنَانِير فأعطه عشرَة دَرَاهِم فَيجْعَل
هَذَا دلَالَة وبيانا لما يرد بعده من الْكَلَام
قَالُوا وَلِأَن الْخَاص وَالْعَام متضادان كتضاد الْحَرَكَة
والسكون وَالْعلم وَالْجهل وَسَائِر الْمعَانِي ثمَّ كل وَاحِد
من هَذِه الْمعَانِي يبطل مَا ورد بعده من أضداده فَكَذَلِك
الْخُصُوص يبطل بِمَا يُوجد بعده من الْعُمُوم
قُلْنَا لَو كَانَ هَذَا صَحِيحا لوَجَبَ أَن يكون مَا يرد من
الْعُمُوم يُوجب إبِْطَال مَا يَقْتَضِيهِ التَّخْصِيص من
أَدِلَّة الْعقل اعْتِبَارا بِمَا ذكرْتُمْ على أَن الْحَرَكَة
والسكون وَالْعلم وَالْجهل معَان متضادة فنافى كل وَاحِد
مِنْهَا ضِدّه فأبطله وَلَيْسَ كَذَلِك هَاهُنَا فَإِنَّهَا
أَلْفَاظ عَامَّة وأدلة خَاصَّة وَلَيْسَ من الْأَلْفَاظ
الْعَامَّة والأدلة الْخَاصَّة تناف وَلِهَذَا يَصح وجودهما
فِي النَّقْل وَالرِّوَايَة فَلم يجز إبِْطَال الأول مِنْهُمَا
بِالثَّانِي كالعموم مَعَ أَدِلَّة الْعقل
(1/156)
مَسْأَلَة 16
يجب بِنَاء الْعَام على الْخَاص وَإِن كَانَ الْعَام مُتَّفقا
على اسْتِعْمَاله وَالْخَاص مُخْتَلفا فِيهِ
وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة الْعَام الْمُتَّفق على
اسْتِعْمَاله يقدم على الْخَاص الْمُخْتَلف فِيهِ
لنا هُوَ أَنه تعَارض دليلان عَام وخاص فَبنِي الْعَام على
الْخَاص دَلِيله إِذا اتّفق على استعمالهما
وَلِأَن فِيمَا ذَكرْنَاهُ جمعا بَين دَلِيلين فَكَانَ أولى من
إِسْقَاط أَحدهمَا كَمَا لَو كَانَا مُتَّفقا عَلَيْهِمَا
وَلِأَن الْخَاص يتَنَاوَل الحكم بصريحه على وَجه لَا
احْتِمَال فِيهِ وَالْعَام يتَنَاوَلهُ بِعُمُومِهِ لَا يجوز
أَن يكون المُرَاد بِهِ غير مَا تنَاوله الْخَاص فَوَجَبَ أَن
يقْضى بِمَا لَا يحْتَمل على الْمُحْتَمل
وَاحْتَجُّوا بِأَن الْعَام الْمُتَّفق على اسْتِعْمَاله أقوى
من الْخَاص الْمُخْتَلف فِيهِ فَوَجَبَ تَقْدِيمه عَلَيْهِ
قُلْنَا لَا نسلم أَنه مُتَّفق على اسْتِعْمَاله فِي الْقدر
الَّذِي تنَاوله الْخَاص مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَّفق على
اسْتِعْمَاله فِيمَا لَا يتَنَاوَلهُ الْخَاص بِخُصُوصِهِ
وَهَذَا لَا يمْنَع من جَوَاز تَخْصِيصه أَلا ترى أَن
اسْتِصْحَاب الْحَال فِي بَرَاءَة الذِّمَّة مُتَّفق عَلَيْهِ
فِي الْجُمْلَة
(1/157)
فِيمَا يتَنَاوَلهُ دَلِيل شَرْعِي ثمَّ
إِذا ورد دَلِيل شَرْعِي نقل عَنهُ وَإِن كَانَ الدَّلِيل
مُخْتَلفا فِيهِ
وَلِأَنَّهُم ناقضوا فِي هَذَا فَإِنَّهُم قضوا بِالنَّهْي فِي
أكل السّمك الطافي وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ على قَوْله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ وَإِن
كَانَ مجمعا عَلَيْهِ
(1/158)
مَسْأَلَة 17
إِذا تعَارض خبران وَأمكن استعمالهما بني أَحدهمَا على الآخر
وَقَالَ أهل الظَّاهِر إِذا تعَارض خبران سقطا
لنا هُوَ أَنَّهُمَا لفظان عَام وخاص يُمكن استعمالهما
فَوَجَبَ استعمالهما وَبِنَاء أَحدهمَا على الآخر
دَلِيله الْآيَتَانِ وَذَلِكَ مثل قَوْله تَعَالَى
{فَيَوْمئِذٍ لَا يسْأَل عَن ذَنبه إنس وَلَا جَان} وَقَوله
تَعَالَى {فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا
يعْملُونَ} فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ يسْأَلُون
فِي مَوضِع وَلَا يسْأَلُون فِي مَوضِع آخر
وَلِأَنَّهُمَا دليلان يُمكن بِنَاء أَحدهمَا على الآخر
فَوَجَبَ استعمالهما وَلَا يجوز إسقاطهما
دَلِيله عُمُوم خبر الْوَاحِد إِذا ورد مُخَالفا لدَلِيل
الْعقل
فَإِن قيل أَدِلَّة الْعقل لَا تحْتَمل التَّأْوِيل
وَالظَّاهِر يحْتَمل التَّأْوِيل فرتب وَفِي مَسْأَلَتنَا
تَأْوِيل كل وَاحِد من اللَّفْظَيْنِ كتأويل الآخر فَلم يكن
أَحدهمَا بِأولى من الآخر
(1/159)
قُلْنَا هَذَا يبطل بالآيتين فَإِنَّهُمَا
مستعملتان وَإِن كَانَ تَأْوِيل أَحدهمَا كتأويل الْأُخْرَى
وَيدل عَلَيْهِ أَن مَا زَاد من الْعُمُوم على الْخُصُوص لَا
يُعَارضهُ مثله وَلَا مَا هُوَ أقوى مِنْهُ فَوَجَبَ أَن لَا
يتَوَقَّف فِيهِ كَمَا لَو رُوِيَ فِي أحد الْخَبَرَيْنِ مَا
فِي الآخر وَزِيَادَة حكم
وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله
لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} وَهَذَا التَّعَارُض اخْتِلَاف
فَدلَّ على أَنه لَيْسَ من عِنْد الله
قُلْنَا لَا نسلم أَن بَينهمَا اخْتِلَافا بل هما متفقان عِنْد
الْبناء وَالتَّرْتِيب
وعَلى أَنه لَو كَانَ هَذَا الِاخْتِلَاف يُوجب أَن لَا يكون
ذَلِك من عِنْد الله لوَجَبَ أَن يُقَال مثل ذَلِك فِي
الْآيَات إِذا تَعَارَضَت وَلما أجمعنا على أَن ذَلِك لَا يعد
اخْتِلَافا فِي الْآيَات لِإِمْكَان الْبناء كَذَلِك فِي
الْإِخْبَار
قَالُوا وَلِأَنَّهُ إِذا تعَارض لفظان وَأمكن فِيهِ وَجْهَان
من الِاسْتِعْمَال كنهيه عَن الصَّلَاة فِي أَوْقَات النَّهْي
وَأمره فِي الْقَضَاء لمن نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا لم
يكن أحد الْوَجْهَيْنِ فِي الِاسْتِعْمَال بِأولى من الآخر
فَوَجَبَ إِسْقَاط الْجَمِيع
قُلْنَا نَحن إِنَّمَا نستعملهما إِذا أمكن وَجها وَاحِدًا فِي
الِاسْتِعْمَال فَأَما إِذا أمكن وَجْهَان لم يقدم أحد
الْوَجْهَيْنِ على الآخر إِلَّا بِضَرْب من التَّرْجِيح
قَالُوا لِأَن الْبناء وَالْجمع إِنَّمَا يكون بِنَفس اللَّفْظ
وَاللَّفْظ لَا يدل عَلَيْهِ أَو بِدَلِيل آخر وَلَيْسَ
مَعكُمْ فِي الْجمع دَلِيل فَوَجَبَ التَّوَقُّف فِيهِ
قُلْنَا هَذَا يبطل بِبِنَاء أحد الْآيَتَيْنِ على الآخر
فَإِنَّهُ يجوز وَإِن لم يدل عَلَيْهِ اللَّفْظ وَلَا دَلِيل
آخر يَقْتَضِي الْجمع بَينهمَا
(1/160)
وعَلى أَن الدَّلِيل اقْتضى الْجمع
بَينهمَا قد دلّ على وجوب الْعَمَل بِكُل وَاحِد من
الدَّلِيلَيْنِ وَكَلَام صَاحب الشَّرْع لَا يتناقض فَلم يبْق
إِلَّا الْجمع وَالتَّرْتِيب
قَالُوا وَلِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون أَحدهمَا مَنْسُوخا
بِالْآخرِ وَيحْتَمل أَن يكون مُرَتبا عَلَيْهِ فَلَا يجوز
تَقْدِيم أَحدهمَا على الآخر كَمَا لَو احْتمل وَجْهَيْن من
التَّرْتِيب لَا مزية لأَحَدهمَا على الآخر
قُلْنَا هَذَا يبطل بالآيتين فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن تكون
إِحْدَاهمَا مَنْسُوخَة بِالْأُخْرَى وَيحْتَمل أَن تكون
مرتبَة عَلَيْهَا ثمَّ قدمنَا الِاسْتِعْمَال وَالْبناء على
النّسخ وَلم يَجْعَل ذَلِك بِمَنْزِلَة آيَتَيْنِ تعَارض
فيهمَا ترتيبان مُخْتَلِفَانِ
وَلِأَنَّهُ وَإِن احْتمل النّسخ إِلَّا أَن التَّرْتِيب
وَالْبناء أظهر لِأَن فِيهِ اسْتِعْمَال دَلِيل والنسخ
إِسْقَاط دَلِيل والاستعمال أولى لِأَن الْخَبَر إِنَّمَا ورد
للاستعمال وَالظَّاهِر بَقَاء حكمه
قَالُوا وَلِأَن أَدِلَّة الشَّرْع فروع لأدلة الْعقل ثمَّ
التَّعَارُض فِي أَدِلَّة الْعقل لَا يَقْتَضِي التَّرْتِيب
فَكَذَلِك التَّعَارُض فِي أَدِلَّة الشَّرْع
قُلْنَا التَّرْتِيب فِي أَدِلَّة الْعقل لَا يُمكن لِأَنَّهَا
لَا تحْتَمل التَّأْوِيل فَهِيَ بِمَنْزِلَة نصين تَعَارضا
وَفِي مَسْأَلَتنَا يحْتَمل أحد اللَّفْظَيْنِ التَّأْوِيل
وَأَن يكون المُرَاد بِهِ بعض مَا تنَاوله الآخر فَجَاز فِيهِ
الْبناء وَالتَّرْتِيب وَلِهَذَا الْمَعْنى جَوَّزنَا
التَّرْتِيب فِي الْآيَتَيْنِ وَلم يجز ذَلِك فِي أَدِلَّة
الْعقل
قَالُوا وَلِأَن الشَّهَادَتَيْنِ إِذا تَعَارَضَتَا سقطتا
فَكَذَلِك الخبران
قُلْنَا إِن أمكن اسْتِعْمَال الشَّهَادَتَيْنِ استعملناهما
وَهِي إِذا شهد شَاهِدَانِ بِمِائَة وَشهد آخرَانِ بِقَضَاء
خمسين مِنْهَا فَيجمع بَينهمَا كَمَا يجمع بَين الْخَبَرَيْنِ
وَإِن لم يُمكن سقطتا كالخبرين إِذْ لم يُمكن استعمالهما
(1/161)
|