التمهيد في تخريج الفروع على الأصول

الْفَصْل الرَّابِع فِي الترادف والتأكيد

مَسْأَلَة 1

هَل يلْزم إِقَامَة كل من المترادفين مقَام الآخر حَيْثُ يَصح النُّطْق بِأَحَدِهِمَا فِي تركيب يلْزم أَن يَصح النُّطْق فِيهِ بِالْآخرِ
فِيهِ مَذَاهِب

(1/161)


أَصَحهَا عِنْد ابْن الْحَاجِب اللُّزُوم لِأَن الْمَقْصُود من التَّرْكِيب إِنَّمَا هُوَ الْمَعْنى دون اللَّفْظ فَإِذا صَحَّ النُّطْق مَعَ أحد اللَّفْظَيْنِ وَجب بِالضَّرُورَةِ أَن يَصح مَعَ اللَّفْظ الآخر لِأَن مَعْنَاهُمَا وَاحِد
وَالثَّانِي لَا يجب مُطلقًا وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاصِل والتحصيل وَقَالَ فِي الْمَحْصُول إِنَّه الْحق لِأَن صِحَة الضَّم قد تكون من عوارض الْأَلْفَاظ أَيْضا لِأَنَّهُ يَصح قَوْلك خرجت من الدَّار مَعَ أَنَّك لَو أبدلت لَفْظَة من وَحدهَا بمرادفها بِالْفَارِسِيَّةِ لم يجز قَالَ وَإِذا عقلنا ذَلِك فِي لغتين لم يمْتَنع وُقُوع مثله فِي اللُّغَة الْوَاحِدَة
وَالثَّالِث وَصَححهُ الْبَيْضَاوِيّ أَنَّهُمَا إِن كَانَا من لُغَة وَاحِدَة وَجب لما قُلْنَاهُ أَولا وَإِن كَانَا من لغتين فَلَا لِأَن إِحْدَى اللغتين بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُخْرَى مُهْملَة فاختلاط اللغتين يسْتَلْزم ضم مهمل إِلَى مُسْتَعْمل
قلت وَالْحق مَا قَالَه الإِمَام لِأَن التَّرْكِيب الْخَاص قد يَقع فِيهِ مَا يمْنَع من اسْتِعْمَال الآخر فِي مَوْضِعه وَبَيَانه من وُجُوه

(1/162)


مِنْهَا أَنه يَصح قَوْلك مَرَرْت بِصَاحِب زيد وَلَا يَصح مَرَرْت بِذِي زيد وَإِن كَانَت ذُو مرادفة لصَاحب لِأَن صِيغَة ذِي لَا تُضَاف إِلَّا إِلَى اسْم جنس ظَاهر وَأَجَازَ بَعضهم إِضَافَته إِلَى الْمُضمر
وَمِنْهَا أَن اسْم الْفِعْل للْغَائِب كهيهات بِمَعْنى بعد بِضَم الْعين فَلَا يَقع فَاعله ضميرا مُنْفَصِلا وَلَا ظَاهرا بعد إِلَّا فَلَا نقُول مَا هَيْهَات إِلَّا زيد وَلَا زيد مَا هَيْهَات إِلَّا هُوَ وَيصِح ذَلِك مَعَ بعد
وَمِنْهَا الَّذِي مَعَ أل الموصولة وَكَذَلِكَ جَاوز مَعَ مر
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - تَكْبِيرَة الْإِحْرَام تصح بِغَيْر الْعَرَبيَّة إِن لم يحسن الْعَرَبيَّة وَإِن أحْسنهَا فَلَا لما فِي الصَّلَاة من التَّعَبُّد بل لَو أَتَى بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَكِن عبر بالرحمن أَو بالرحيم فَإِنَّهُ لَا يَصح أَيْضا على الصَّحِيح
وَأما التَّرْجَمَة فِي النِّكَاح وَالرَّجْعَة وَالسَّلَام فَفِيهَا ثَلَاثَة أوجه أَصَحهَا فِي الْأَوَّلين الصِّحَّة مُطلقًا وَفِي السَّلَام التَّفْصِيل بَين من يحسن الْعَرَبيَّة وَمن لَا يحسنها إِلَّا أَن التَّصْحِيح فِي السَّلَام من زَوَائِد الرَّوْضَة فَإِن صححنا فِي النِّكَاح فَحَمله إِذا فهم كل مِنْهُمَا لفظ الآخر فَإِن لم يفهمهُ وَلَكِن أخبرهُ ثِقَة عَن معنى لَفظه فَفِي الصِّحَّة وَجْهَان
وَيصِح الْخلْع وَالطَّلَاق والبياعات وَغَيرهَا من الْمُعَامَلَات وَيصِح

(1/163)


اللّعان بِغَيْر الْعَرَبيَّة إِن لم يحسن الْعَرَبيَّة فَإِن أحْسنهَا فَكَذَلِك فِي الْأَصَح
وَأما الْإِسْلَام فَيصح مُطلقًا وَفِي بَاب الظِّهَار من زَوَائِد الرَّوْضَة وَجه فِي اشْتِرَاط الْعَرَبيَّة للقادر عَلَيْهَا
2 - وَمِنْهَا مَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي كتاب الدَّعَاوَى أَنه إِذا قَالَ القَاضِي قل وَالله فَقَالَ والرحمن لم يَقع الْموقع حَتَّى لَو صمم عَلَيْهِ كَانَ ناكلا وَلَو أبدل الْحَرْف كَمَا لَو قَالَ قل بِاللَّه فَقَالَ وَالله أَو تالله فَفِي الحكم بِنُكُولِهِ وَجْهَان
3 - وَمِنْهَا رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى للعارف وَفِيه مَذَاهِب أَصَحهَا عِنْد الإِمَام فَخر الدّين والآمدي وَغَيرهمَا الجوازا
وَالثَّانِي الْمَنْع
وَالثَّالِث نَقله الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ كِلَاهُمَا فِي بَاب الْقَضَاء أَنه يجوز للصحابي وَلَا يجوز لغيره بل جزما بِأَنَّهُ لَا يجوز لغير الصَّحَابِيّ وَجعل مَحل الْخلاف فِيهِ
وَالرَّابِع وَهُوَ الَّذِي رأى الْمَاوَرْدِيّ فَقَالَ الَّذِي أرَاهُ أَنه إِن كَانَ يحفظ اللَّفْظ لم يجز أَن يرويهِ بِغَيْرِهِ لِأَن فِي كَلَام الرَّسُول من الفصاحة مَا لَا يُوجد فِي غَيره وَإِن لم يحفظه جَازَ لِأَنَّهُ قد تحمل اللَّفْظ والمعني وَعجز عَن احدهما فَلَزِمَهُ أَدَاء الآخر لَا سِيمَا ان تَركه قد يكون تركا للْأَحْكَام ثمَّ قَالَا أَعنِي الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ إِنَّا إِذا جَوَّزنَا فشرطه أَن يكون مُسَاوِيا لَهُ فِي الْجلاء والخفاء وَإِلَّا فَيمْتَنع كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

(1/164)


لَا طَلَاق فِي إغلاق فَلَا يجوز التَّعْيِين عَنهُ بِالْإِكْرَاهِ وَإِن كَانَ هُوَ مَعْنَاهُ لِأَن الشَّارِع لم يذكرهُ كَذَلِك إِلَّا لمصْلحَة فنكل استنباطه للْعُلَمَاء ثمَّ جعلا مَحل الْخلاف فِي غير الْأَوَامِر والنواهي وجزما بِالْجَوَازِ فيهمَا ومثلا الْأَوَامِر بقوله عَلَيْهِ السَّلَام اقْتُل الأسودين الْحَيَّة وَالْعَقْرَب فَيجوز أَن يُقَال أَمر بِقَتْلِهِمَا وَالنَّهْي بقوله لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء فَيجوز أَن يُقَال نهى عَن كَذَا وَكَذَا لِأَن افْعَل أَمر وَلَا تفعل نهي
قلت وَمَا ذكرَاهُ بَاطِل مَرْدُود لِأَن لفظ افْعَل للْوُجُوب بِخِلَاف لفظ الْأَمر وَلَا تفعل للتَّحْرِيم بِخِلَاف لفظ النَّهْي كَمَا أوضحته فِي شرح منهاج الْأُصُول وستعرفه أَيْضا فِي مَوْضِعه
4 - وَمِنْهَا أَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى

(1/165)


يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَمُقْتَضَاهُ تعْيين هَذَا اللَّفْظ وَلَكِن ذكر الْحَلِيمِيّ فِي الْمِنْهَاج أَنه يقوم مقَامه أَلْفَاظ أُخْرَى ونقلها عَنهُ الرَّافِعِيّ فِي آخر كتاب الرِّدَّة وأقرها وَفِي بَعْضهَا نظر لكَونه لَيْسَ مرادفا حَقِيقَة فَقَالَ وَيحصل الْإِسْلَام بقوله لَا إِلَه غير الله وَلَا إِلَه سوى الله وَمَا عدا الله وَلَا إِلَه إِلَّا الرَّحْمَن أَو الْبَارِي أَو لَا رَحْمَن وَلَا باري إِلَّا الله أَو لَا ملك أَو لَا رَازِق إِلَّا الله وَكَذَا لَو قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الْعَزِيز أَو الْعَظِيم أَو الْحَلِيم أَو الْكَرِيم وبالعكوس وَلَو قَالَ أَحْمد أَبُو الْقَاسِم رَسُول الله فَهُوَ كَقَوْلِه مُحَمَّد هَذَا آخر كَلَام الْحَلِيمِيّ وَذكر النَّوَوِيّ فِي التَّحْقِيق والأذكار وَغَيرهمَا أَنه لَو قَالَ فِي التَّشَهُّد اللَّهُمَّ صل على أَحْمد لم يكف بِخِلَاف النَّبِي وَالرَّسُول وَمُقْتَضى كَلَامهم أَنه لَو عبر فِي التَّشَهُّد أَيْضا بالرسول عوضا عَن النَّبِي الْمَذْكُور فِي أَوَائِله وبالنبي عوضا عَن الرَّسُول الْمَذْكُور فِي آخِره لم يكف
وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما علم الصَّحَابِيّ الذّكر الْمَعْرُوف الَّذِي فِي أَثْنَائِهِ آمَنت بكتابك الَّذِي أنزلت وَنَبِيك الَّذِي

(1/166)


أرْسلت فشرع الصَّحَابِيّ يُعِيد مَا سَمعه ليحفظه فَعبر بقوله وبرسولك الَّذِي أرْسلت فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا قل وَنَبِيك الَّذِي أرْسلت أما إِذا لم يقل أَيهَا النَّبِي بل عبر بمحمدا وَأحمد فَلَا شكّ أَنه لَا يَكْفِي لفَوَات الْإِقْرَار بالرسالة أَو النُّبُوَّة

مَسْأَلَة 2

التوكيد تَقْوِيَة مَدْلُول مَا ذكر بِلَفْظ آخر وَهُوَ إِمَّا معنوي كَقَوْلِك جَاءَ الْقَوْم كلهم أَجْمَعُونَ وَقد يكون لفظيا أَي بِإِعَادَة اللَّفْظ الأول بِعَيْنِه كَقَوْلِك جَاءَ الْقَوْم جَاءَ الْقَوْم أَي بالتكرار وَفِيه مسَائِل
الأولى اتَّفقُوا على أَن التَّأْكِيد على خلاف الأَصْل لِأَن الأَصْل فِي وضع الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ إفهام السَّامع مَا لَيْسَ عِنْده فَإِذا دَار اللَّفْظ بَين التأسيس والتأكيد تعين حمله على التأسيس وفروع الْمَسْأَلَة كَثِيرَة وَاضِحَة وَلَكِن للنَّظَر مجَال فِي مسَائِل
1 - مِنْهَا إِذا كرر الْمُنجز فَقَالَ أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق وَلم ينْو شَيْئا فَفِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا حمله على الِاسْتِئْنَاف وَلَو

(1/167)


كرر طَالقا فَقَط فَقَالَ الْجُمْهُور إِنَّه على الْقَوْلَيْنِ وَالصَّحِيح كَمَا تقدم وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن تقع وَاحِدَة قطعا
2 - وَمِنْهَا إِذا كرر الْجُمْلَة الشّرطِيَّة كلهَا بِأَن قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثمَّ أعَاد اللَّفْظ ثَانِيًا وثالثا فَدخلت قَالَ الرَّافِعِيّ فِي بَاب تعدد الطَّلَاق ينظر إِن قصد التأكد فَوَاحِدَة وَإِن قصد الِاسْتِئْنَاف فَثَلَاث وَإِن أطلق فعلى أَيهمَا يحمل
قَالَ الْبَغَوِيّ
فِيهِ قَولَانِ بِنَاء على مَا لَو حنث فِي أَيْمَان بِفعل وَاحِد هَل تَتَعَدَّد الْكَفَّارَة
وَقَالَ الْمُتَوَلِي يحمل على التَّأْكِيد إِذا لم يحصل فصل أَو حصل وَلَكِن اتَّحد الْمجْلس فَإِن اخْتلف فعلى أَيهمَا يحمل فِيهِ وَجْهَان وَإِذا حمل على التَّأْكِيد فَيَقَع عِنْد الدُّخُول طَلْقَة أم تعدد فِيهِ وَجْهَان بِنَاء على تعدد الْكَفَّارَة وَعدمهَا وَلَا فرق فِي الصُّور كلهَا بَين الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا لأَنا إِذا قُلْنَا بالتعدد فَيَقَع الْجَمِيع دفْعَة وَاحِدَة حَال الدُّخُول وَالَّذِي

(1/168)


نَقله الرَّافِعِيّ عَن التَّتِمَّة فِيهِ غلط نبهت عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّات
3 - وَمِنْهَا إِذا كرر الْجُمْلَة الشّرطِيَّة فَقَط أَي دون الْجَزَاء كَقَوْلِه إِن دخلت الدَّار إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق فَهَل يكون تأسيسا حَتَّى لَا تطلق إِلَّا بِالدُّخُولِ مرَّتَيْنِ وَيصير كَأَنَّهُ قَالَ إِن دخلت بعد أَن دخلت الدَّار كَمَا لَو اخْتلف الشَّرْط فَقَالَ إِن دخلت هَذِه إِن دخلت تِلْكَ أَو تَأْكِيدًا لِأَنَّهُ الْمُتَبَادر فِي مثل ذَلِك وَأَيْضًا فَلِأَن أَصَالَة التأسيس عارضها أَصَالَة بَقَاء الْعدَد فِيهِ نظر وَالْمَنْقُول عَن مُحَمَّد بن الْحسن صَاحب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ هُوَ الثَّانِي وَيَأْتِي هَذَا النّظر أَيْضا فِيمَا إِذا أخر الشَّرْطَيْنِ أَو فرقهما فَقَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق إِن دَخَلتهَا
نعم إِن ادّعى الْمُعَلق أَنه أَرَادَهُ فَيقبل مِنْهُ كَمَا لَو كرر أَنْت طَالِق
4 - وَمِنْهَا إِذا كرر الْمُتَكَلّم مَا النافية فَقَالَ مثلا مَا مَا قَامَ زيد فالمفهوم من كَلَام الْعَرَب كَمَا قَالَه شَيخنَا أَبُو حَيَّان أَن الْكَلَام بَان على النَّفْي وَأَن مَا الثَّانِيَة توكيد لَفْظِي للأولى وَيتَفَرَّع على ذَلِك فروع كَثِيرَة تجْرِي فِي أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة كَقَوْلِه مَا مَاله عِنْدِي شَيْء وَمَا مابعته

(1/169)


هَذِه الْعين وَنَحْو ذَلِك فعلى مَا قَالَه الشَّيْخ لَا يَتَرَتَّب على هَذَا الْكَلَام شَيْء لَكِن ذكر الرَّافِعِيّ فِي آخر الْبَاب الأول من أَبْوَاب الْإِقْرَار أَن نفي النَّفْي إِثْبَات ذكره فِي الْكَلَام على نعم وبلى وَحِينَئِذٍ يصير التَّقْدِير فِي المثالين الْمَذْكُورين لَهُ عِنْدِي شَيْء وبعته هَذَا الْعين وَسَببه أَن التأسيس خير من التَّأْكِيد
نعم إِن ادّعى الْمقر أَنه أَرَادَهُ فَيقبل مِنْهُ كَمَا لَو كرر أَنْت طَالِق
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَنه لَا يجوز الْفَصْل بَين التَّأْكِيد والمؤكد فَمن فروعه
1 - مَا إِذا كرر قَوْله أَنْت طَالِق ثَلَاث مَرَّات فَإِن قصد بالآخرين تَأْكِيد الأول وَقعت وَاحِدَة وَإِن قصد الِاسْتِئْنَاف وَقع الثَّلَاث وَإِن أطلق فَكَذَلِك فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي تقع وَاحِدَة حملا على التوكيد وَلَو قَالَ قصدت بالثالثة تَأْكِيد الثَّانِيَة أَو بِالثَّانِيَةِ تَأْكِيد الأولى وبالثالثة الِاسْتِئْنَاف وَقع طَلْقَتَانِ وَلَو قصد بالثالثة تَأْكِيد الأولى وَقعت الثَّلَاث لِأَن الْفَصْل يمْنَع التَّأْكِيد وَقيل يَقع طَلْقَتَانِ وَلَا يقْدَح هَذَا الْفَصْل لكَونه يَسِيرا وَإِن قصد بِالثَّانِيَةِ الِاسْتِئْنَاف وَلم يقْصد بالثالثة شَيْئا أَو عكس وَقعت الثَّلَاث فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي طَلْقَتَانِ

(1/170)


الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَا يشْتَرط فِي التَّأْكِيد اتِّفَاق الْأَلْفَاظ قتقول مَرَرْت بالقوم كلهم أَجْمَعِينَ فَمن فروعه
1 - مَا إِذا قَالَ لزوجته أَنْت مُطلقَة أَنْت مسرحة أَنْت مُفَارقَة قَالَ الرَّافِعِيّ فِي بَاب تعدد الطَّلَاق فَيكون كَمَا لَو كرر قَوْله أَنْت طَالِق ثَلَاث مَرَّات فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَقد تقدم حكمه وَقيل لَا بل يَقع الثَّلَاث هَهُنَا على كل حَال وَذكر الرَّافِعِيّ فِي أَوَائِل بَاب أَرْكَان الطَّلَاق عَن حِكَايَة القَاضِي شُرَيْح الرَّوْيَانِيّ وَلم يجالفه أَنه إِذا كرر كِنَايَة وَنوى فَإِن كَانَت الْأَلْفَاظ متحدة كَقَوْلِه اعْتدي اعْتدي اعْتدي فَإِن نوى التَّأْكِيد وَقعت وَاحِدَة أَو الِاسْتِئْنَاف فَثَلَاث وَإِن لم ينْو شَيْئا فَقَوْلَانِ وَإِن كَانَت مُخْتَلفَة وَقع بِكُل لفظ طَلْقَة
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة قَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام الْعَرَب لَا تؤكد أَكثر من ثَلَاث مَرَّات
وَيشْهد لما ذكره الحَدِيث أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا كرر كلَاما أَعَادَهُ ثَلَاثًا
وَقد يُقَال إِن قِيَاس ذَلِك أَن من كرر طَلَاقا أَو غَيره أَربع مَرَّات مثلا وَادّعى قصد التَّأْكِيد أَنه لَا يقبل مِنْهُ فِي الرَّابِعَة وَيَقَع عَلَيْهِ بهَا أُخْرَى وَالْمُتَّجه خلاف ذَلِك وَيقبل التَّأْكِيد مُطلقًا كَمَا

(1/171)


أطلقهُ الْأَصْحَاب لِأَن كَلَام الشَّيْخ عز الدّين لَيْسَ صَرِيحًا فِي امْتِنَاعه وبتقديره فالخروج عَن المهيع النَّحْوِيّ لَا أثر لَهُ عندنَا كَمَا أوضحوه فِي الاقرار وَغَيره وَقد أجَاب الْغَزالِيّ فِي فَتَاوِيهِ بحاصل مَا ذكرته وَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة وَالثَّلَاثِينَ بعد المائه

(1/172)