التمهيد في تخريج الفروع على الأصول الْفَصْل الْخَامِس فِي الِاشْتِرَاك
لنقدم عَلَيْهِ مُقَدّمَة نافعة وَهِي الْفرق بَين الْوَضع
والاستعمال وَالْحمل
فالوضع هُوَ جعل اللَّفْظ دَلِيلا على الْمَعْنى
والاستعمال هُوَ إِطْلَاق اللَّفْظ وإراده الْمَعْنى وَهُوَ من
صِفَات الْمُتَكَلّم
وَالْحمل اعْتِقَاد السَّامع مُرَاد الْمُتَكَلّم أَو مَا
اشْتَمَل عَلَيْهِ مُرَاده وَذَلِكَ من صِفَات السَّامع
إِذا تقرر هَذَا فَفِي الْفَصْل مسَائِل
الأولى
إِذا امْتنع الْجمع بَين مدلولي الْمُشْتَرك لم يجز
اسْتِعْمَاله فيهمَا مَعًا وَذَلِكَ كاستعمال لفظ افْعَل فِي
الْأَمر بالشَّيْء والتهديد عَلَيْهِ إِذا جَعَلْنَاهُ
مُشْتَركا بَينهمَا لِأَن الْأَمر يَقْتَضِي التَّحْصِيل
والتهديد يَقْتَضِي
(1/173)
التّرْك وَعبر فِي الْمِنْهَاج عَن ذَلِك
بالمعاني المتضادة وَهُوَ تَعْبِير غير مُسْتَقِيم
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قَالَ لغيره أَنْت تعلم أَن العَبْد الَّذِي فِي
يَدي حر فَإنَّا نحكم بِعِتْقِهِ لِأَنَّهُ قد اعْترف
بِعِلْمِهِ وَلَو لم يكن حرا لم يكن الْمَقُول لَهُ عَالما
بحريَّته
وَلَو قَالَ أَنْت تظن أَنه حر لم يحكم بِعِتْقِهِ لِأَنَّهُ
قد يكون مخطئا فِي ظَنّه
فَلَو قَالَ أَنْت ترى فَيحْتَمل الْعتْق وَعَدَمه لِأَن
الرُّؤْيَة تطلق على الْعلم وعَلى الظَّن كَذَا نَقله
الرَّافِعِيّ قبيل كتاب التَّدْبِير عَن الرَّوْيَانِيّ
وَأقرهُ وَقَالَ النَّوَوِيّ الصَّوَاب عدم الْوُقُوع
وَالَّذِي قَالَه وَاضح لَكِن الْقيَاس أَنه يُرَاجع إِن أمكنت
مُرَاجعَته
نعم قَالُوا فِي الْإِقْرَار إِن قَول الْمقر عَبدِي لزيد
بَاطِل وَقِيَاسه بطلَان هَذَا أَيْضا وَلَو قيل يَصح فِي
الْجَمِيع حملا للفظ على الْمجَاز وَأَنه كَانَ قبل ذَلِك لَهُ
لم يكن بَعيدا
2 - وَمِنْهَا إِذا أسلم على أَكثر من أَربع نسْوَة وخيرناه
فَقَالَ لوَاحِدَة مِنْهُنَّ فارقتك فَقَالَ القَاضِي أَبُو
الطّيب يكون ذَلِك اخْتِيَارا
(1/174)
للزوجية ثمَّ تطلق لِأَنَّهُ صَرِيح فِي
الطَّلَاق وَالطَّلَاق يسْتَلْزم الزَّوْجِيَّة فَأشبه مَا لَو
قَالَ طَلقتك وَالأَصَح كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ أَنه فسخ
للنِّكَاح كَقَوْلِه اخْتَرْت قطع نكاحك وَلَيْسَ بِطَلَاق
قَالَ ابْن الصّباغ فَيكون حَقِيقَة فيهمَا وَلَكِن يخصص
بالموضع الَّذِي يَقع فِيهِ
قلت وَالْأَمر كَمَا قَالَه ابْن الصّباغ من كَونه على هَذَا
التَّقْدِير مُشْتَركا وَلَكِن بَين مَعْنيين متضادين فَإِن
أَحدهمَا يَقْتَضِي اخْتِيَارهَا للنِّكَاح وَالْآخر يَقْتَضِي
خِلَافه فَلَا يَصح الإعمال فيهمَا وَلَا الْحمل عَلَيْهِمَا
لِأَنَّهُمَا متنافيان فَيَنْبَغِي أَن لَا يحمل على أَحدهمَا
إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَدَعوى ابْن الصّباغ أَنه يخصص بالموضع
ضَعِيف لِأَن الْموضع هُنَا صَالح لَهما فالحمل على الْفَسْخ
تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح
هَذَا هُوَ مُقْتَضى الْقَوَاعِد فَيَنْبَغِي حمل كَلَام
الرَّافِعِيّ عَلَيْهِ ثمَّ إِن لفظ الْفِرَاق حَقِيقَة فِي
بَابه وَهُوَ الطَّلَاق وَوجد نفاذا فِي مَوْضُوعه فَلَا
يَنْبَغِي أَن يقبل صرفه إِلَى غَيره بِالنِّيَّةِ
3 - وَمِنْهَا شرى يسْتَعْمل حَقِيقَة بِمَعْنى اشْترى
وَبِمَعْنى بَاعَ كقرله تَعَالَى إِخْبَارًا عَن إخْوَة يُوسُف
عَلَيْهِ السَّلَام {وشروه بِثمن بخس} أَي باعوه والتحصيل
والإزالة مَعْنيانِ متضادان ويتضح تَصْوِيره فِي رجل وكل
وكيلين بِبيع سلْعَة فخاطب أَحدهمَا صَاحبه بِهَذَا اللَّفْظ
فَيحْتَمل أَن يكون لقصد الشِّرَاء مِنْهُ وَأَن يكون لقصد
البيع فيتميز بِالنِّيَّةِ
(1/175)
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة
إِذا لم يمْتَنع الْجمع بَين مدلولي الْمُشْتَرك فَهَل يجوز
اسْتِعْمَاله فيهمَا
فِيهِ مذهبان
3 - الصَّحِيح وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي
وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب يجوز وَاخْتَارَ الإِمَام فَخر
الدّين أَنه لَا يجوز
وَقيل يمْتَنع فِي اللَّفْظ الْمُفْرد وَيجوز فِي التَّثْنِيَة
وَالْجمع لتعدده
وَفِي الإحكام للآمدي عَن ابي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ أَنه
يجوز فِي
(1/176)
النَّفْي دون الْإِثْبَات لِأَن السَّلب
يُفِيد الْعُمُوم فيتعدد بِخِلَاف الْإِثْبَات وَحَكَاهُ
الْبَيْضَاوِيّ أَيْضا وَهُوَ غَرِيب
وَتوقف الْآمِدِيّ فَلم يخْتَر شَيْئا
إِذا علمت ذَلِك فَهَل يجب حمل اللَّفْظ الصَّالح للمعنيين
عَلَيْهِمَا مَعًا إِذا لم تقم قرينَة على شَيْء
فِيهِ مذهبان
مَذْهَب الشَّافِعِي أَنه يجب احْتِيَاطًا فِي تَحْصِيل مُرَاد
الْمُتَكَلّم لأَنا إِن لم نحمله على وَاحِد مِنْهُمَا لزم
التعطيل أَو حملناه على وَاحِد لزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح
وَفِي الْبُرْهَان لإِمَام الْحَرَمَيْنِ أَن الشَّافِعِي
يُوجب حمل اللَّفْظ على حَقِيقَته ومجازه أَيْضا قَالَ وَلَقَد
اشْتَدَّ نَكِير القَاضِي على الْقَائِل بِهِ
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قَالَ لزوجته أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي خَمْسَة
اشهر مثلا إِذا صححنا الظِّهَار الْمُؤَقت وَهُوَ الصَّحِيح
فَإِنَّهُ يكون أَيْضا موليا على الصَّحِيح وَقيل لَا بل يحمل
على الظِّهَار خَاصَّة لِأَنَّهُ لَيْسَ بحالف
2 - وَمِنْهَا قَوْلهم إِن الْكِتَابَة لَا تسْتَحب إِلَّا فِي
عبد عرف كَسبه وأمانته لقَوْله تَعَالَى {فكاتبوهم إِن علمْتُم
فيهم خيرا} وَالْخَيْر يُطلق على الْعَمَل الصَّالح كَقَوْلِه
تَعَالَى {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل
مِثْقَال ذرة شرا يره} وعَلى المَال لقَوْله تَعَالَى
{وَإنَّهُ لحب الْخَيْر لشديد}
(1/177)
وَقَوله تَعَالَى {إِن ترك خيرا} الْآيَة
وَيصِح أَن يُقَال حملناه عَلَيْهِمَا لِأَن الْخَيْر نكرَة
وَقعت فِي سِيَاق الشَّرْط فعمت
3 - وَمِنْهَا مَا قَالَه أَصْحَابنَا فِي عُمُوم قَوْله
تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلا} أَنه شَامِل للمستطيع بِنَفسِهِ
وَبِغَيْرِهِ وَهُوَ المعضوب إِذا وجد من يحجّ عَنهُ
وَاسْتَدَلُّوا بِهِ على وُجُوبه عَلَيْهِ مَعَ أَن إِقَامَة
فعل الْغَيْر مقَام فعل الشَّخْص مجَاز وَهَذَا الَّذِي
ذَكرْنَاهُ مَبْنِيّ على إِعْرَاب الْآيَة وللنحاة فِيهَا
ثَلَاثَة أَقْوَال حَكَاهَا ابْن عُصْفُور وَغَيره
أَحدهَا أَن الْمصدر وَهُوَ حج مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول وَمن
هُوَ الْفَاعِل وَالتَّقْدِير أَن يحجّ المستطيع الْبَيْت
وَالثَّانِي كَذَلِك إِلَّا أَن من شَرْطِيَّة وجزاؤها
مَحْذُوف وَالتَّقْدِير من اسْتَطَاعَ اليه سَبِيلا فَلْيفْعَل
وَالثَّالِث أَن من بدل من النَّاس على أَنه بدل بعض من كل
التَّقْدِير وَللَّه على المستطيع من النَّاس حج الْبَيْت
فعلى الأول يكون ذَلِك جمعا بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز
وعَلى الثَّانِي وَالثَّالِث لَا يكون جمعا بَينهمَا لِأَن
قَوْله {حج الْبَيْت} صَادِق
(1/178)
على الْحَج بِنَفسِهِ وَبِغَيْرِهِ
4 - وَمِنْهَا أَن الشَّفق يُطلق على الْأَحْمَر والأصفر وَقد
ورد أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صلى الْعشَاء حِين
غَابَ الشَّفق
فَإِن كَانَ الشَّفق مُشْتَركا فَيَنْبَغِي حمله عَلَيْهِمَا
حَتَّى لَا يدْخل إِلَّا بِالثَّانِي وَإِن كَانَ متواطئا فقد
دخلت عَلَيْهِ أل وَهِي للْعُمُوم عندنَا فَلَا بُد مِنْهُ
إِلَّا أَن يُقَال صدنَا عَن ذَلِك كُله مَفْهُوم قَوْله
عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام وَقت الْمغرب مَا لم يسْقط ثَوْر
الشَّفق فَإِن الثور بالثاء الْمُثَلَّثَة الْمَفْتُوحَة هُوَ
الثوران وَرُوِيَ بِالْفَاءِ أَيْضا وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وهما
يدلان على أَن المُرَاد هم الْأَحْمَر
5 - وَمِنْهَا اخْتلَافهمْ فِي المُرَاد من قَوْله عَلَيْهِ
السَّلَام فَلْيقل إِنِّي صَائِم وَقد تقدم إيضاحه فِي أول
الْكتاب الأول
6 - وَمِنْهَا إِذا قَالَ السَّيِّد لعَبْدِهِ إِن رَأَيْت
عينا فَأَنت حر فَإِنَّهُ
(1/179)
يعْتق بِمَا يرَاهُ من الْعُيُون وَلَا
يشْتَرط رُؤْيَة الْجَمِيع كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي كتاب
التَّدْبِير ثمَّ قَالَ عقبه إِن الْأَشْبَه أَن الْمُشْتَرك
لَا يحمل على جَمِيع مَعَانِيه
7 - وَمِنْهَا إِذا وقف على الموَالِي وَله موَالِي من أَعلَى
وموالي من أَسْفَل فوجوه
أَصَحهَا كَمَا قَالَه فِي الرَّوْضَة والمنهاج أَنه يقسم
بَينهمَا وَقيل يصرف إِلَى الموَالِي من أَعلَى لقرينه
مكافأتهم وَقيل من أَسْفَل لجَرَيَان الْعَادة بذلك لأجل
احتياجهم غَالِبا وَقيل لَا يَصح بِالْكُلِّيَّةِ وَفِي قَول
حكاء الرَّافِعِيّ فِي كتاب الْوَصِيَّة عَن رِوَايَة حَكَاهَا
الْبُوَيْطِيّ أَنه يُوقف إِلَى الصُّلْح وَحَكَاهُ فِي
الرَّوْضَة من زوائده فِي كتاب الْوَقْف وَجها عَن حِكَايَة
الدَّارمِيّ ثمَّ قَالَ إِنَّه لَيْسَ بِشَيْء فتفطن لذَلِك
فَلَو لم يعبر الْوَاقِف بِالْجمعِ بل عبر بالمفرد فَقَالَ على
الْمولى فَكَذَلِك عِنْد القَاضِي أبي الطّيب وَابْن الصّباغ
فَإِنَّهُمَا ذكرا الْخلاف فِي حَالَة الْإِفْرَاد وَقَالَ
إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَة لَا يتَّجه الِاشْتِرَاك
وتنقدح مُرَاجعَة الْوَاقِف
قلت وَسَببه أَن الأَصْل أَن من كَانَ القَوْل قَوْله فِي
شَيْء كَانَ القَوْل قَوْله فِي صفة ذَلِك الشَّيْء كَمَا لَو
قَالَ هَذِه الدَّار بَينهمَا أَو اخْتلفُوا فِي شَرط
الْوَاقِف وَهُوَ مَوْجُود وَقد سبق فِي أول الْمَسْأَلَة أَن
جمَاعَة منعُوهُ فِي حَال الْإِفْرَاد دون مَا عداهُ وَهُوَ
هَذَا الْخلاف
(1/180)
وَاعْلَم أَن الشَّافِعِي نَص فِي
الْبُوَيْطِيّ على فرع حسن وَنَقله عَنهُ صَاحب الْبَحْر
فَقَالَ وَتدْخل أَوْلَاد الموَالِي فِي الموَالِي وَلَا يدْخل
موَالِي الموَالِي أَي عتقاؤهم لِأَن وَلَاء مواليهم لَهُم
دونه وَوَلَاء أَوْلَادهم لَهُ دونهم
8 - وَمِنْهَا إِذا ذكر القَاضِي فِي مجْلِس حكمه كلَاما
يحْتَمل الحكم وَغَيره كَقَوْلِه لزيد على عَمْرو كَذَا
وَفُلَان طلق زَوجته فَإِنَّهُ يحْتَمل الحكم والإخبار فَإِن
ذكره فِي معرض الحكم فَهُوَ حكم وَإِن لم يذكرهُ فِي معرض
الحكم وَلم يكن حكما بل يكون فِيهِ كآحاد النَّاس كَذَا ذكره
الرَّافِعِيّ فِي أَوَاخِر الْإِقْرَار بِالنّسَبِ فليتفطن
لَهُ فَإِنَّهُ من الْقَوَاعِد المهمة فَإِن قَالَ بعد ذَلِك
أردْت الحكم فَيتَّجه الرُّجُوع فِيهِ إِلَيْهِ وَإِن قَالَ
أردْت الْأَمريْنِ فَيتَّجه بِنَاؤُه على مَا سبق
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة
اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي حَقِيقَته ومجازه وَفِي مجازيه حكمه
حكم اسْتِعْمَال الْمُشْتَرك فِي حقيقتيه كَمَا قَالَه
الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهمَا
(1/181)
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - إِذا نذر اعْتِكَاف يَوْم وَأَرَادَ بليلته لزمَه الْيَوْم
وَاللَّيْلَة كَذَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ فِي بَاب
الِاعْتِكَاف
2 - وَمِنْهَا وَهُوَ مُخَالف لما صححوه فِي الْقَاعِدَة إِذا
قَالَ أَنْت طَالِق وَأَرَادَ بِهِ الطَّلَاق وَالظِّهَار
فَإِنَّهُ لَا يحمل عَلَيْهَا بل على الطَّلَاق فَقَط كَمَا
ذكره الرَّافِعِيّ فِي كتاب الطَّلَاق وَالظِّهَار
3 - وَمِنْهَا إِذا قَالَ أَنْت عَليّ حرَام أَو مُحرمَة أَو
حرمتك فَإِن أطلق وَلم ينْو شَيْئا بِالْكُلِّيَّةِ وَجَبت
الْكَفَّارَة وَفِي قَول لَا شَيْء وَإِن نوى الطَّلَاق أَو
الظِّهَار فَلَا كَلَام وَإِن نواهما مَعًا لم يحمل
عَلَيْهِمَا وَبِه قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَقيل يكون طَلَاقا
وَقيل ظِهَارًا وَإِذا اخْتَار الطَّلَاق فِي مَسْأَلَتنَا
فَهَل تكون الْعدة من حِين التَّلَفُّظ أَو من حِين
التَّعْيِين يحْتَمل تَخْرِيجه على طَلَاق احداهما وَيحْتَمل
الْقطع بِأَنَّهُ من حِين التَّعْيِين لِأَنَّهُ جزم هُنَاكَ
بايقاع الطَّلَاق والتردد إِنَّمَا هُوَ فِي الْمحل بِخِلَاف
مَا نَحن فِيهِ فَإِن اللَّفْظ مُتَرَدّد بَين الطَّلَاق
وَعَدَمه
وَمن أَقسَام الْمَسْأَلَة مَا إِذا نوى بذلك تَحْرِيم ذَاتهَا
أَو وَطئهَا أَو فرجهَا فَإِنَّهَا لَا تحرم عَلَيْهِ بل
تلْزمهُ كَفَّارَة يَمِين فِي الْحَال كَمَا لَو قَالَ لأمته
وَقيل لَا يحب إِلَّا عِنْد الْوَطْء
وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ علل عدم الْحمل عَلَيْهِمَا مَعًا
عِنْد نيتهما بقوله لِأَن الطَّلَاق يزِيل النِّكَاح
وَالظِّهَار يَسْتَدْعِي بَقَاءَهُ وَفِيه إِشَارَة الى
تضادهما فَإِن صحت هَذِه الْعلَّة كَانَ الْفَرْع من أَمْثِلَة
الْمَسْأَلَة الْمُتَقَدّمَة
(1/182)
4 - وَمِنْهَا إِذا تزوج أمة وَقَالَ
السَّيِّد للزَّوْج أعتق أمتِي فَلهُ حالان
أَحدهمَا أَن يَأْتِي الزَّوْج بِلَفْظ الْإِعْتَاق فَينْظر
إِن نوى خلوص الرَّقَبَة من الرّقّ أَو أطلق فَلَا كَلَام فِي
حُصُول الْعتْق وَإِن نوى الْعتْق وَالطَّلَاق فَيتَّجه
تَخْرِيجه على اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي حقيقتيه مَعًا اَوْ
فِي حَقِيقَته ومجازه وَيحْتَمل ان لَا يَقع طَلَاق لما
سَيَأْتِي وَهُوَ أَن مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابه وَوجد
نفاذا فِي مَوْضُوعه لَا يكون كِنَايَة فِي غَيره إِلَّا أَن
يُقَال المُرَاد بِكَوْنِهِ لَا يكون كِنَايَة أَنه لَا
ينْصَرف عَن الْمَعْنى الصريحي إِلَى غَيره بالنيه وَأما
الْجمع فَلِأَنَّهُ حصل الْأَصْلِيّ وَزِيَادَة وَإِن نوى بِهِ
الطَّلَاق فَيحْتَمل وُقُوع الْعتْق وَحده لِأَنَّهُ صَرِيح
فِي بَابه وَوجد نفاذا فِي مَوْضُوعه لِأَن الصّرْف عَن
الْمَدْلُول الْحَقِيقِيّ يمْنَع النَّفاذ فِيهِ وَلِهَذَا
قَالُوا يشْتَرط قصد لفظ الطَّلَاق لِمَعْنى الطَّلَاق
وَهَكَذَا كل صَرِيح والمتكلم قد صرف اللَّفْظ عَن مَدْلُوله
إِلَى مَدْلُول آخر فصح اسْتِعْمَاله فِيهِ لِأَن صرائح
الطَّلَاق وكناياته كنايات فِي الْعتْق وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ
وَيحْتَمل احْتِمَالا ثَالِثا وَهُوَ وقوعهما جَمِيعًا
ومدركهما وَاضح
(1/183)
الْحَال الثَّانِي أَن يَأْتِي بِلَفْظ
الطَّلَاق فتأتي فِي الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة وَلَا يخفى
حكمهَا مِمَّا ذَكرْنَاهُ وَإِن قَالَ الزَّوْج للسَّيِّد طلق
زَوْجَتي فَلهُ أَيْضا حالان لَا يخفى حكمهمَا مِمَّا سبق
وَيحصل مِنْهُ ثَمَانِيَة مسَائِل أُخْرَى وَبِذَلِك يتَحَصَّل
فِي هَذَا الْفَرْع على سِتَّة عشر مَسْأَلَة
(1/184)
|