التمهيد في تخريج الفروع على الأصول الْفَصْل السَّادِس فِي الْحَقِيقَة
وَالْمجَاز
الْحَقِيقَة هُوَ اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِيمَا وضع لَهُ
وَالْمجَاز هُوَ اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ
لمناسبة بَينهمَا وَتسَمى العلاقة
وَيتَفَرَّع على هَذَا التَّقْسِيم مَا إِذا أَرَادَ
بِاللَّفْظِ مَا لَيْسَ حَقِيقَة فِيهِ وَلَا مجَازًا كَمَا
إِذا حلف مثلا على الْأكل وَأَرَادَ بِهِ المشيء فَإِن ذَلِك
يكون لَغوا لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء أما
الْحَقِيقَة فلصرف اللَّفْظ عَنْهَا وَأما الْمجَاز فَلِأَن
اللَّفْظ لَا إِشْعَار بِهِ الْبَتَّةَ وَبِدُون اللَّفْظ لَا
يُؤثر نعم إِن كَانَ الْحلف بِالطَّلَاق آخذناه فِي الظَّاهِر
فَقَط لمقْتَضى الْمَدْلُول الْحَقِيقِيّ كَذَا ذكره
الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي وَالرُّويَانِيّ فِي الْبَحْر
فِي الْبَاب الثَّانِي من الْبَابَيْنِ المعقودين لجامع
الْأَيْمَان ثمَّ نقل عَن مَالك وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن صَاحب
أبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه يحمل على الْمَعْنى
الَّذِي أَرَادَهُ إِذا اقْترن بِهِ ضرب من الِاحْتِمَال ثمَّ
رد مقالهما
(1/185)
قلت وَالْمُتَّجه حمله على مَا أَرَادَهُ
مُطلقًا إِذا قُلْنَا إِن اللُّغَات اصطلاحية كَمَا تقدم
إيضاحه فِي بَابه وَفِي فَتَاوَى النَّوَوِيّ أَنه لَو حلف أَن
زيدا يعلم أَيْن يسكن إِبْلِيس وَأَرَادَ بذلك الحذق والمعرفة
لم يَحْنَث
فصل
قَالَ فِي الْمَحْصُول وَالَّذِي يحضرنا من أَنْوَاع العلاقات
اثْنَي عشر نوعا وَزَاد الصفي الْهِنْدِيّ فَقَالَ الَّذِي
يحضرنا من أَنْوَاعهَا أحد وَثَلَاثُونَ نوعا ثمَّ عَددهَا
لَكِن الزَّائِد على مَا قَالَه الإِمَام إِمَّا متداخل أَو
مَذْكُور فِي غير هَذَا الْموضع
مَسْأَلَة 1
من مسَائِل الْفَصْل من أَنْوَاع العلاقات الْإِضْمَار
كَقَوْلِه تَعَالَى {واسأل الْقرْيَة}
وَإِطْلَاق الْمصدر على الذَّات كَقَوْلِك رجل عدل وَصَوْم على
تَقْدِير ذِي أَو تَقْدِيره بعادل وصائم فَإِن أردْت
الْمُبَالغَة لم تقدر شَيْئا من هذَيْن كَمَا قَالَه النُّحَاة
فتفطن لذَلِك
(1/186)
إِذا علمت هَذَا فَمن فروعها
1 - إِذا قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق أَو الطَّلَاق أَو طَلْقَة
فَإِنَّهُ يكون كِنَايَة على الصَّحِيح بِأحد التقديرات
السَّابِقَة وَمِنْه قَول الشَّاعِر ... فَأَنت طَلَاق
وَالطَّلَاق عَزِيمَة ... ثَلَاثًا وَمن يبْدَأ أعق وأظلم ...
وَقيل إِن ذَلِك صَرِيح لِأَن طَالِق صَرِيح وَهُوَ فرع
فَالْأَصْل أولى بذلك
وللأصوليين أَيْضا خلاف فِي الأولى من الْإِضْمَار وَالْمجَاز
عِنْد التَّعَارُض وَكَذَلِكَ للنحويين أَيْضا فِي
مَسْأَلَتنَا بخصوصها وَهِي الْوَصْف بِالْمَصْدَرِ
وَلَو قَالَ أَنْت نصف طَلْقَة فَهَل هُوَ صَرِيح أَو كِنَايَة
وَجْهَان قَالَ الْبَغَوِيّ لَو قَالَ أَنْت كل طَلْقَة أَو
نصف طَالِق فصريح كَقَوْلِه نصفك طَالِق كَذَا نقل
الرَّافِعِيّ هَذِه الْمسَائِل ثمَّ قَالَ وَيجوز أَن يَجِيء
فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَي نصف طَالِق الْخلاف
الْمُتَقَدّم فِي نصف طَلْقَة
قلت وَيَجِيء فِي الْمَسْأَلَة الأولى وَهِي كل طَلْقَة مَا
تقدم أَيْضا فِي قَوْله أَنْت طَلْقَة لِأَنَّهُ وصفهَا
بِالْمَصْدَرِ فِي موضِعين وَاعْلَم أَن هَذَا الْعَمَل
يَأْتِي فِي الْعتْق فَاسْتَحْضرهُ
(1/187)
مَسْأَلَة 2
من أَنْوَاعهَا أَيْضا السَّبَبِيَّة وَهِي نَوْعَانِ
أَحدهمَا إِطْلَاق اسْم الْمُسَبّب على السَّبَب أَي
الْمَعْلُول على علته كتسمية الْمَرَض المهلك بِالْمَوْتِ
وَالثَّانِي عَكسه أَي إِطْلَاق اسْم السَّبَب على الْمُسَبّب
ثمَّ إِن السَّبَب على أَرْبَعَة أَقسَام
قابلي ويعبر عَنهُ بالمادي
وصوري
وفاعلي
وغائي
فَكل مَوْجُود لَا بُد لَهُ من هَذِه الْأَرْبَعَة كالسرير
مثلا فَإِن مادته الْخشب
وفاعله النجار
وَصورته التسطيح
وغايته الِاضْطِجَاع عَلَيْهِ وَيُسمى الِاضْطِجَاع عِلّة
لِأَنَّهُ الْبَاعِث عَلَيْهِ
فَالْأول كَقَوْلِك سَالَ الْوَادي أَي المَاء فَعبر بالوادي
لِأَنَّهُ قَابل للسيلان كَذَا مثل بِهِ الْبَيْضَاوِيّ تبعا
لغيره وَفِيه نظر لِأَن المادي جنس مَاهِيَّة الشَّيْء كَمَا
تقدم فِي الْخشب فَالْأَحْسَن التَّمْثِيل بِهِ
(1/188)
وَالثَّانِي وَهُوَ تَسْمِيَة الشَّيْء
باسم سَببه الصُّورِي كإطلاق الْيَد على الْقُدْرَة فِي قَوْله
تَعَالَى {يَد الله فَوق أَيْديهم} أى قدرته فَإِن الْيَد
لَهَا صُورَة خَاصَّة يَتَأَتَّى بهَا الاقتدار على الشَّيْء
وَهُوَ تجويف راحتها وَصغر عظمها وانفصال بَعْضهَا عَن بعض
ليتأتى وضع الشَّيْء فِي الرَّاحَة وتنقبض عَلَيْهِ الْعِظَام
الدقاق الْمُنْفَصِلَة ويتأتى دُخُولهَا فِي المنافذ الضيقة
وَأما الثَّالِث وَهُوَ تَسْمِيَة الشَّيْء باسم سَببه الفاعلي
فكقولهم نزل السَّحَاب يعنون الْمَطَر وَأنْبت الرّبيع البقل
وأنضجت الشَّمْس الثِّمَار فَإِن الْفَاعِل حَقِيقَة هُوَ الرب
سُبْحَانَهُ
وَأما الرَّابِع وَهُوَ تَسْمِيَة الشَّيْء باسم سَببه الغائي
فكقوله تَعَالَى {إِنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا} أَي عنبا فَأطلق
الْخمر على الْعِنَب لِأَنَّهَا عِنْدهم هِيَ الْعلَّة الغائية
مِنْهُ
وَإِذا تعَارض الْأَمر بَين الأول وَهُوَ إِطْلَاق الْمُسَبّب
على السَّبَب وَبَين عَكسه فالعكس أولى لِأَن السَّبَب
الْمعِين يدل على الْمُسَبّب الْمعِين بِخِلَاف الْعَكْس أَلا
ترى أَن الْبَوْل مثلا يدل على انْتِقَاض الْوضُوء وانتقاض
الْوضُوء لَا يدل على الْبَوْل فقد يكون عَن لمس أَو غَيره
(1/189)
ثمَّ إِن النَّوْع الثَّانِي وَهُوَ
إِطْلَاق السَّبَب على الْمُسَبّب قد علمت انقسامه إِلَى
أَرْبَعَة أَقسَام فَإِذا تَعَارَضَت فالعلة الغائية أولى
لِاجْتِمَاع الْأَمريْنِ فِيهَا لِأَنَّهَا عِلّة فِي الذِّهْن
من جِهَة أَن الْخمر مثلا هُوَ الدَّاعِي إِلَى عصر الْعِنَب
ومعلولة فِي الْخَارِج لِأَنَّهَا لَا تُوجد إِلَّا
مُتَأَخِّرَة
إِذا تقرر هَذَا فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي أَن النِّكَاح حَقِيقَة فِي
العقد مجَاز فِي الْوَطْء لِأَنَّهُ لما ورد فِي الْقُرْآن
مرَادا بِهِ العقد فِي قَوْله تَعَالَى {وَأنْكحُوا
الْأَيَامَى مِنْكُم} وَقَوله تَعَالَى {وَلَا تنْكِحُوا مَا
نكح آباؤكم من النِّسَاء} وَغير ذَلِك ومرادا بِهِ الْوَطْء
كَقَوْلِه {فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح
زوجا غَيره} والاشتراك مَرْجُوح بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمجَاز
فَوَجَبَ الْمصير إِلَى كَونه فِي أَحدهمَا مجَازًا وَلَا شكّ
أَن العقد سَبَب الْوَطْء وَهُوَ الْعلَّة الغائية لَهُ
غَالِبا فَإِن جَعَلْنَاهُ حَقِيقَة فِي العقد مجَازًا فِي
الْوَطْء كَانَ ذَلِك الْمجَاز من بَاب إِطْلَاق السَّبَب على
الْمُسَبّب أَي الْعلَّة على الْمَعْلُول وَإِن جَعَلْنَاهُ
بِالْعَكْسِ كَانَ من إِطْلَاق الْمُسَبّب على السَّبَب
وَالْأول هُوَ الرَّاجِح
(1/190)
كَمَا تقدم فَلذَلِك ذهب الشَّافِعِي
وَجُمْهُور أَصْحَابه إِلَى مَا سبق وَهُوَ أَنه حَقِيقَة فِي
العقد مجَاز فِي الْوَطْء خلافًا لمن عكس وَلمن قَالَ
بالاشتراك
2 - وَمن فروع ذَلِك مالو حلف على النِّكَاح وَلم ينْو شَيْئا
فَإِنَّهُ يَجْعَل على العقد لَا على الْوَطْء كَمَا صرح بِهِ
الرَّافِعِيّ فِي آخر تَعْلِيق الطَّلَاق
مَسْأَلَة 3
من أَنْوَاع الْمجَاز أَيْضا إِطْلَاق اسْم الْبَعْض على الْكل
وَعَكسه وَفِي مَعْنَاهُ الْأَخَص مَعَ الْأَعَمّ
إِذا تقرر ذَلِك فللمسألة
فروع
الول إِذا قَالَ أَنْت طَالِق نصف طَلْقَة فَإِنَّهُ يَقع
عَلَيْهِ طَلْقَة كَامِلَة ثمَّ حكى الرَّافِعِيّ وَغَيره
وَجْهَيْن من غير تَصْرِيح بترجيح فِي أَن ذَلِك من بَاب
التَّعْبِير بِالْبَعْضِ عَن الْكل أَو من بَاب السَّرَايَة
أَي وَقع النّصْف ثمَّ سرى إِلَى الْبَاقِي وللخلاف فَوَائِد
وَهَذَا الْكَلَام الَّذِي ذكره الْأَصْحَاب عَجِيب لِأَن
التَّعْبِير بِبَعْض الشَّيْء عَن جَمِيعه من صِفَات
الْمُتَكَلّم ويستدعي قَصده لهَذَا الْمَعْنى بِالضَّرُورَةِ
وَإِلَّا لم يَصح أَن يُقَال عبر بِهِ عَنهُ وَأَيْضًا لَا بُد
فِيهِ من قصد صرف اللَّفْظ عَن الْمَدْلُول الْحَقِيقِيّ
بِشُرُوط أُخْرَى لِأَن
(1/191)
النّصْف قد يُرَاد بِهِ الْمَعْنى
الْحَقِيقِيّ وَقد يُرَاد بِهِ الْمَعْنى الْمجَازِي وَإِذا
تقرر ذَلِك كُله فَنَقُول إِن أَرَادَ الزَّوْج الْمَعْنى
الْمجَازِي وَقع كَذَلِك بِلَا خلاف لِأَن اسْتِعْمَال
الْمجَاز جَائِز بِلَا خلاف وَإِن لم يقْصد ذَلِك فَيحمل على
الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ قطعا إِلَّا أَنه الْتزم إِيقَاع نصف
طَلْقَة وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك إِلَّا بِوُقُوع طَلْقَة
كَامِلَة فأوقعناها لَا أَن ذَلِك من بَاب السَّرَايَة وَلَا
من بَاب التَّعْبِير بِالْبَعْضِ عَن الْكل
فَإِن قيل إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا نصف
طَلْقَة وَقعت الثَّلَاث فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَلم لَا
قُلْتُمْ إِن رفع بعضه كرفع كُله لكَونه لَا يتَجَزَّأ
وَحِينَئِذٍ فَيَقَع عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ فَقَط
قُلْنَا فعلنَا ذَلِك تَغْلِيبًا للإيقاع فِي
الْمَسْأَلَتَيْنِ بِسَبَب الْبَعْض الْبَاقِي فيهمَا
الثَّانِي إِذا قَالَ لله عَليّ صَوْم نصف يَوْم وَقِيَاسه
مِمَّا ذَكرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة أَنه إِذا
أَرَادَ الْمَعْنى الْمجَازِي لزمَه صَوْم الْيَوْم بِلَا نزاع
وَإِن أَرَادَ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ فَيحْتَمل الْبطلَان
لِأَن صَوْم بعض الْيَوْم بَاطِل شرعا وَيحْتَمل الْمَلْزُوم
لإمكانه بالإتيان بِالْبَاقِي وَلم يذكر الرَّافِعِيّ فِيهِ
التَّفْصِيل الَّذِي ذكره فِي نَظِيره من الطَّلَاق فِي
(1/192)
أَنه من بَاب التَّعْبِير بِالْبَعْضِ عَن
الْكل بل حكى فِيهِ وَجْهَيْن موافقين لما ذَكرْنَاهُ من
الِاحْتِمَالَيْنِ وَصحح الْبطلَان
الثَّالِث إِذا نذر رُكُوعًا لزمَه رَكْعَة بِاتِّفَاق الفرعين
كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي كتاب النّذر فِي الْكَلَام على
نذر الصَّوْم قَالَ فَإِن نذر سجودا أَو تشهدا فَكَمَا لَو نذر
أَن يَصُوم بعض الْيَوْم وَفِيمَا قَالَه نظر لِأَن إِطْلَاق
الرَّكْعَة على الرُّكُوع مجَاز بِلَا شكّ فَيكون كَنِصْف
الْيَوْم وَنَحْوه نعم إِن أَرَادَ بِالرُّكُوعِ الرَّكْعَة
الْكَامِلَة فَلَا إِشْكَال
الرَّابِع إِذا حلف لَا يشرب لَهُ مَاء من عَطش وَنوى جَمِيع
الانتفاعات فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث إِلَّا بِمَا تلفظ بِهِ
وَهُوَ المَاء من الْعَطش خَاصَّة وَلَا يتَعَدَّى إِلَى مَا
نَوَاه بِهِ وَإِن كَانَ بَينهمَا مخاصمة أَو امتنان عَلَيْهِ
يَقْتَضِي ذَلِك لِأَن النِّيَّة إِنَّمَا تُؤثر إِذا احْتمل
مَا نوى بِجِهَة يتجوز بهَا فَإِذا لم يحْتَمل اللَّفْظ ذَلِك
لم يبْق إِلَّا النِّيَّة وَهِي وَحدهَا لَا تُؤثر كَذَا ذكره
الرَّافِعِيّ فِي آخر كتاب الْأَيْمَان وَفِيمَا
(1/193)
ذَكرُوهُ نظر لِأَن فِيهِ جِهَة صَحِيحَة
وَهِي اسْم الْبَعْض على الْكل
الْخَامِس إِذا اشار الزَّوْج إِلَى زوجتيه فَقَالَ أَحَدكُمَا
طَالِق ونواهما جَمِيعًا قَالَ الإِمَام فَالْوَجْه عندنَا
أَنَّهُمَا لَا تطلقان وَلَا يَجِيء فِيهِ الْخلاف فِي قَوْله
أَنْت طَالِق وَاحِدَة وَنوى ثَلَاثًا لن حمل إِحْدَى
الْمَرْأَتَيْنِ عَلَيْهِمَا مَعًا لَا وَجه لَهُ وَهُنَاكَ
يتَطَرَّق إِلَى الْكَلَام تَأْوِيل كَذَا نَقله عَنهُ
الرَّافِعِيّ فِي بَاب الشَّك فِي الطَّلَاق وارتضاه وَفِيه
نظر لما أَشَرنَا إِلَيْهِ بل لقَائِل أَن يَقُول مُسَمّى
إِحْدَاهمَا قدر مُشْتَرك وَهُوَ صَادِق عَلَيْهَا وَقد اوقع
الطَّلَاق عَلَيْهِ ونواهما فَتعين وُقُوعه عَلَيْهِمَا بل
كَانَ يَنْبَغِي ذَلِك عِنْد عدم النِّيَّة لما ذَكرْنَاهُ
فَإِن ادّعى أَنه مُشْتَرك بالإشتراك اللَّفْظِيّ فَكَذَلِك
لِأَن اسْتِعْمَاله فيهمَا جَائِز
السَّادِس إِذا قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق يَوْم يقدم زيد
فَقدم لَيْلًا فَلَا يَقع الطَّلَاق على الصَّحِيح لِأَن
الْيَوْم مَا بَين طُلُوع الْفجْر والغروب وَقيل يَقع لِأَن
الْيَوْم قد يسْتَعْمل فِي مُطلق الْوَقْت هَكَذَا علله
الرَّافِعِيّ وَمَعْنَاهُ مَا ذَكرْنَاهُ
وَهَذَا الْخلاف مُشكل لِأَن الزَّوْج إِذا أَرَادَ
اسْتِعْمَاله فِيهِ مجَازًا كَمَا ذَكرْنَاهُ وَقع بِلَا
إِشْكَال وَإِن لم يرد ذَلِك فَتقدم الْحَقِيقَة قطعا نعم إِن
ادّعى مُدع غَلَبَة هَذَا الْمجَاز على الْحَقِيقَة وَسلم لَهُ
مَا ادَّعَاهُ فَيَأْتِي فِيهِ الْخلاف فِي الْحَقِيقَة
المرجوحة وَالْمجَاز الرَّاجِح
(1/194)
السَّابِع إِذا نذر الْإِتْيَان إِلَى
بقْعَة من بقاع الْحرم لزمَه حج اَوْ عمْرَة بِخِلَاف بقاع
الْحل كمسجد مَيْمُونَة وَمر الظهْرَان إِلَّا عَرَفَة
فَإِنَّهُ إِذا نذر إتيانها وَأَرَادَ الْتِزَام الْحَج وَعبر
عَنهُ بِعَرَفَة من بَاب التَّعْبِير بالجزء عَن الْكل
فَإِنَّهُ يلْزمه قَالَ الرَّافِعِيّ وَكَذَلِكَ إِذا نوى أَن
يَأْتِيهَا محرما
الثَّامِن قَالَ إِن شفى الله تَعَالَى مريضي فَللَّه على
رقبتي أَن أحج مَاشِيا لزمَه وَلَو قَالَ على رجْلي فَكَذَلِك
إِلَّا أَن يُرِيد الْتِزَام الرجل خَاصَّة كَذَا جزم بِهِ
الرَّافِعِيّ وَلَا تبعد التَّسْوِيَة
مَسْأَلَة 4
من أَنْوَاع الْمجَاز أَيْضا الْمُجَاورَة كإطلاق اسْم الْمحل
على الْحَال وَذَلِكَ كإطلاق الراوية على الْإِنَاء الْجلد
الَّذِي يحمل فِيهِ المَاء مَعَ أَن الراوية فِي اللُّغَة هُوَ
الْحَيَوَان الْمَحْمُول عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْغَائِط اسْم
للمكان المطمئن من الأَرْض ثمَّ أَطْلقُوهُ مجَازًا على الفضلة
الْخَارِجَة من الْآدَمِيّ فِيهِ فَمن فروعه
1 - مَا إِذا قَالَ أُصَلِّي على الْجِنَازَة وأتى بِالْجِيم
مَكْسُورَة فَإِنَّهُ
(1/195)
لَا يَصح لِأَن المكسور اسْم للنعش وَإِذا
أُرِيد الْمَيِّت فتحت جيمه كَذَا قَالَه القَاضِي الْحُسَيْن
فِي تَعْلِيقه وَمَا ذكره فِي المُرَاد من المفتوح والمكسور
هُوَ الْمَعْرُوف وَهُوَ معنى قَوْلهم الْأَعْلَى للأعلى
والأسفل للأسفل لَكِن الْمُتَّجه هُوَ الصِّحَّة إِذا أَرَادَ
الْمَيِّت وغايته أَنه عبر بِلَفْظ مجازي للعلاقة
الْمَذْكُورَة
مَسْأَلَة 5
وَمن أَنْوَاع الْمجَاز أَيْضا إِطْلَاق الشَّيْء بِاعْتِبَار
مَا كَانَ عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ مشتقا كإطلاق لفظ ضَارب على
من فرغ من الضَّرْب وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الْفَصْل
الثَّالِث فِي الِاشْتِقَاق أَو جَامِدا كإطلاق لفظ العَبْد
على الْعَتِيق
إِذا علمت ذَلِك فيتفرع على الْمَسْأَلَة فروع
(1/196)
1 - مِنْهَا قَالَ إِن كَانَت امْرَأَتي
فِي المأتم فأمتي حرَّة وَإِن كَانَت أمتِي فِي الْحمام
فامرأتي طَالِق وكانتا عِنْد التَّعْلِيق كَمَا ذكر عتقت
الْأمة وَلم تطلق الزَّوْجَة لِأَن الْأمة عتقت عِنْد تَمام
التَّعْلِيق الأول وَخرجت عَن كَونهَا أمته فَلَا يحصل شَرط
الطَّلَاق فَلَو قدم ذكر الْأمة طلقت الزَّوْجَة ثمَّ إِن
كَانَت رَجْعِيَّة عتقت الْأمة أَيْضا وَإِلَّا فَلَا كَذَا
نَقله الرَّافِعِيّ فِي آخر تَعْلِيق الطَّلَاق عَن أبي
الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ لَكِن إِطْلَاق الْأمة على من
كَانَت أمة لَهُ جَائِز والسياق يَقْتَضِي هَذَا فَإِن أَرَادَ
الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ فَوَاضِح وَهَكَذَا الْكَلَام فِي
الْعَكْس
2 - وَمِنْهَا لَو قَالَ أول عبد رَأَيْته من عَبِيدِي فَهُوَ
حر فَرَأى أحدهم مَيتا انْحَلَّت الْيَمين فَإِذا رأى بعده
عبدا حَيا لَا يعْتق كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي أول بَاب
الْعتْق وَهُوَ مُشكل على الْفَرْع السَّابِق لِأَن الرّقّ
يَزُول بِالْمَوْتِ كَمَا صرح بِهِ الرَّافِعِيّ فِي كتاب
الْأَيْمَان وَفِي الْبَاب الثَّانِي الْمَعْقُود
لِلْكَفَّارَةِ وَجزم بِهِ ابْن الرّفْعَة فِي بَاب الْكَفَن
لَكِن رَأَيْت فِي شرح الْفُرُوع للشَّيْخ أبي عَليّ السنجي
الْجَزْم بِأَن الرّقّ لَا يَزُول بِالْمَوْتِ وَقد ذكرت لَفظه
فِي الْمُهِمَّات
(1/197)
مَسْأَلَة 6
الْمجَاز لَا يدْخل فِي الْحُرُوف فَلَا يعبر بِحرف عَن حرف
وَلَا بِحرف عَن اسْم وَلَا بِالْعَكْسِ لِأَن الْحَرْف لَيْسَ
مَقْصُودا فِي نَفسه بل تَابعا لغيره وَلِهَذَا يعرفونه
بِأَنَّهُ الَّذِي يدل على معنى فِي غَيره
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قَالَ لزوجته إِن لم أطلقك فَأَنت طَالِق
فالمنصوص أَنَّهَا لَا تطلق إِلَّا فِي آخر الْعُمر بِخِلَاف
إِذا فَإِن الْمَنْصُوص فِيهَا الْوُقُوع إِذا مضى زمن يُمكن
فِيهِ ذَلِك فَإِن قَالَ أردْت بإذا معنى إِن دين وَيقبل
أَيْضا ظَاهرا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
مَسْأَلَة 7
الْمجَاز على ثَلَاثَة أَقسَام
أَحدهَا أَن يكون فِي الْمُفْرد خَاصَّة كَقَوْلِنَا جَاءَ
الْأسد إِذا كَانَ الجائي رجلا شجاعا فَإِن التَّرْكِيب وَهُوَ
إِسْنَاد الْمَجِيء إِلَى الذَّات حَقِيقَة وَالْمجَاز وَقع
فِي التَّعْبِير عَن تِلْكَ الذَّات بالأسد
الثَّانِي أَن يكون فِي التَّرْكِيب خَاصَّة كَقَوْل الشَّاعِر
وَهُوَ
(1/198)
الصلتان الْعَبْدي
... اشاب الصَّغِير وأفنى الْكَبِير ... كرّ الْغَدَاة وَمر
الْعشي ...
فَإِن الْمُفْردَات حَقِيقَة إِلَّا أَن إِسْنَاد الإشابة
والإفناء إِلَى الزَّمَان مجَاز فَإِن الْفَاعِل لذَلِك
حَقِيقَة هُوَ الله تَعَالَى وتعبيرنا بالتركيب هُوَ الصَّوَاب
وتعبيرهم بالمركب فَاسد لِأَن الْأَلْفَاظ مركبة
الثَّالِث أَن يكون فِي الْإِفْرَاد والتركيب مَعًا
كَقَوْلِهِم أحياني اكتحالي بطلعتك أَي سرتني رؤيتك إِذْ
المحيي حَقِيقَة هُوَ الله تَعَالَى كَمَا قدمْنَاهُ
إِذا علمت ذَلِك
فالمجاز الإفرادي كثير وَقد سبق إيضاحه وَمن فروع الْمجَاز
(1/199)
فِي التَّرْكِيب
1 - وُقُوع جملَة موقع جملَة أُخْرَى كوقوع النَّفْي موقع
الْجُمْلَة الشّرطِيَّة الَّتِي يقْصد بهَا النَّفْي كَقَوْل
الْقَائِل حَلَال الله عَليّ حرَام لَا أفعل كَذَا فَإِنَّهُ
يكون تَعْلِيقا وَإِن لم يكن فِيهِ أَدَاة شَرط كَذَا نَقله
الرَّافِعِيّ فِي آخر تَعْلِيق الطَّلَاق عَن فَتَاوَى الْقفال
وارتضاه
وَمثله مَا يعتاده النَّاس فِي الْعتْق حَيْثُ يَقُولُونَ
الْعتْق يلْزَمنِي لَا أفعل كَذَا وَكَثِيرًا مَا ينطقون بِهِ
مقسمًا بِهِ مجرورا فَيَقُولُونَ وَالْعِتْق وَالطَّلَاق
بِزِيَادَة وَاو الْقسم وَذَلِكَ لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ
شَيْء فَإِن مَدْلُول ذَلِك هُوَ الْقسم بهما فِي حَال لزومهما
لتأمله وهما لَا يصلحان للقسم عِنْد الْإِطْلَاق فضلا عَن
التَّقْيِيد
2 - وَمِنْهَا وُقُوع أَلْفَاظ مَذْكُورَة فِي الْإِقْرَار
تنضم إِلَيْهَا قَرَائِن دَالَّة على الِاسْتِهْزَاء كتحريك
الرَّأْس والضحك الدالين على شدَّة التَّعَجُّب كَقَوْلِه فِي
جَوَاب من ادّعى ألفا وَهِي وازنة مَعْنَاهُ لَيْسَ لَك
عِنْدِي شَيْء
مَسْأَلَة 8
إِذا غلب الِاسْتِعْمَال الْمجَازِي على الِاسْتِعْمَال
الْحَقِيقِيّ ويعبر عَنهُ بِالْحَقِيقَةِ المرجوحة وَالْمجَاز
الرَّاجِح تَسَاويا كَمَا جزم بِهِ الإِمَام فَخر الدّين فِي
المعالم وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيّ لِأَن فِي كل مِنْهُمَا
قُوَّة
(1/200)
لَيست فِي الآخر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ االحقيقة أولى
مُرَاعَاة لأصل الْقَاعِدَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْمجَاز أولى لكَونه غَالِبا
وَقَالَ الْقَرَافِيّ فِي شرح التَّنْقِيح إِنَّه الْحق لِأَن
الظُّهُور هُوَ الْمُكَلف بِهِ
وَمثل فِي المعالم بِالطَّلَاق فَقَالَ إِنَّه حَقِيقَة فِي
اللُّغَة فِي إِزَالَة الْقَيْد سَوَاء كَانَ من نِكَاح أَو
ملك يَمِين أَو غَيرهمَا ثمَّ اخْتصَّ فِي الْعرف بإزالته قيد
النِّكَاح فلأجل ذَلِك إِذا قَالَ الرجل لأمته أَنْت طَالِق
لَا تعْتق إِلَّا بالنيه ثمَّ قَالَ فَإِن قيل فَيلْزم أَلا
يصرف إِلَى الْمجَاز الرَّاجِح وَهُوَ إِزَالَة قيد النِّكَاح
إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِك قَالَ فَالْجَوَاب أَنا
إِنَّمَا لم نحتج إِلَى النِّيَّة لأَنا إِن حملناه على
الْمجَاز الرَّاجِح وَهُوَ الْإِزَالَة عَن النِّكَاح فَلَا
كَلَام وَإِن حملناه على الْحَقِيقَة المرجوحة وَهُوَ
الْإِزَالَة عَن مُسَمّى الْقَيْد من حَيْثُ هُوَ فَيلْزم
زَوَال قيد النِّكَاح أَيْضا بِحُصُول مُسَمّى الْقَيْد فِيهِ
فَلَا جرم
(1/201)
أَن أحد الطَّرفَيْنِ فِي هَذَا الْمِثَال
بِخُصُوصِهِ لم يحْتَج إِلَى النِّيَّة بِخِلَاف الطّرف الآخر
وَمحل الْخلاف أَن يكون الْمجَاز راجحا والحقيقة تتعاهد فِي
بعض الْأَوْقَات كَمَا لَو قَالَ لأشربن من هَذَا النَّهر
فَهُوَ حَقِيقَة فِي الكرع من النَّهر بِفِيهِ وَإِذا اغترف
بالكوز وَشرب فَهُوَ مجَاز لِأَنَّهُ شرب من الْكوز لَا من
النَّهر لكنه الْمجَاز الرَّاجِح الْمُتَبَادر والحقيقة قد
ترَاد لِأَن كثيرا من الرعاء وَغَيرهم يكرع بِفِيهِ
فَأَما إِذا كَانَ الْمجَاز راجحا والحقيقة مماتة لَا ترَاد
فِي الْعرف فَلَا خلاف بَين أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا
الله فِي تَقْدِيم الْمجَاز لِأَنَّهُ إِمَّا حَقِيقَة
شَرْعِيَّة كَالصَّلَاةِ أَو عرفية كالدابة وهما مُقَدمَات على
الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة مِثَاله حلف لَا يَأْكُل من هَذِه
النَّخْلَة فَإِنَّهُ يَحْنَث بثمرها لَا بخشبها وَإِن كَانَ
هُوَ الْحَقِيقَة لِأَنَّهَا قد أميتت
فَإِن غلب اسْتِعْمَال الْمجَاز حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقَة
كَالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُطلق على العقد وَالْوَطْء إطلاقا
وَاحِدًا مَعَ أَنه حَقِيقَة فِي أَحدهمَا فَلَا خلاف أَيْضا
بَينهمَا بل تقدم الْحَقِيقَة كَذَا قَالَه الْقَرَافِيّ
وَهُوَ ظَاهر
(1/202)
وَذكر فِي الْمَحْصُول هَذِه الصُّورَة فِي
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة من الْبَاب التَّاسِع وَجزم
بالمساواة وَقَالَ ابْن التلمساني فِي شرح المعالم هَذِه
الصُّورَة مَحل النزاع
وَفِي الْمَسْأَلَة أُمُور مهمة ذكرتها فِي شرح الْمِنْهَاج
إِذا علمت ذَلِك فللمسألة فروع
1 - مِنْهَا مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي كتاب الْأَيْمَان
فَقَالَ الْمجَاز الْمُتَعَارف مقدم على الْحَقِيقَة
الْبَعِيدَة أَي المهجورة مِثَاله إِذا حلف لَا يَأْكُل هَذِه
الشَّجَرَة فَإِن الْيَمين تحمل على الْأكل من ثَمَرهَا دون
الْوَرق والأغصان كَمَا سبق قَرِيبا بِخِلَاف مالو حلف لَا
يَأْكُل من هَذِه الشَّاة فَإِن الْيَمين تحمل على لبتها وَلحم
وَلَدهَا لِأَن الْحَقِيقَة متعارفة هَذَا كَلَامه
2 - وَمِنْهَا إِذا أوصى بالدابة فَإِنَّهُ يعْطى لَهُ من
الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير دون العصافير والشياه
وَنَحْوهَا
3 - وَمِنْهَا إِذا كَانَت لَهُ زوجتان إِحْدَاهمَا فَاطِمَة
بنت مُحَمَّد وَالْأُخْرَى فَاطِمَة بنت رجل سَمَّاهُ
أَبَوَاهُ مُحَمَّدًا إِلَّا أَنه اشْتهر فِي النَّاس ب زيد
وَلَا يُنَادُونَهُ إِلَّا بذلك فَقَالَ الزَّوْج زَوْجَتي
فَاطِمَة بنت مُحَمَّد طَالِق وَقَالَ أردْت بنت الَّذِي
يَدعُونَهُ زيدا
(1/203)
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْكَلَام على
الْكِنَايَات نقل القَاضِي شُرَيْح الرَّوْيَانِيّ عَن جده
أَنه يقبل لِأَن الِاعْتِبَار بِتَسْمِيَة أَبَوَيْهِ وَقد
يكون للرجل اسمان فَأكْثر وَقيل الِاعْتِبَار بِالِاسْمِ
الْمَشْهُور فِي النَّاس لِأَنَّهُ أبلغ فِي التَّعْرِيف
مَسْأَلَة 9
صِيغ الْعُقُود كبعت واشتريت والفسوخ كفسخت وَطلقت والالتزامات
كَقَوْل القَاضِي حكمت اخبارات فِي أصل اللُّغَة وَقد
تسْتَعْمل فِي الشَّرْع أَيْضا كَذَلِك فَإِن اسْتعْملت لإحداث
حكم كَانَت منقولة إِلَى الْإِنْشَاء عندنَا
وَقَالَت الْحَنَفِيَّة إِنَّهَا إخبارات عَن ثُبُوت
الْأَحْكَام وَبِذَلِك يتقدير وجودهَا قبل التَّلَفُّظ
وَالْفرق بَين الانشاء وَالْخَبَر أَن الْإِنْشَاء لَا يكون
مَعْنَاهُ إِلَّا مُقَارنًا للفظه بِخِلَاف الْخَبَر فقد
يتَقَدَّم وَقد يتَأَخَّر
وَأَيْضًا فالإنشاء لَا يحْتَمل التَّصْدِيق والتكذيب بِخِلَاف
الْخَبَر
(1/204)
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - إِذا قيل للْكَافِرِ آمن بِاللَّه أَو أسلم لله فَقَالَ
أومن أَو أسلم بِصِيغَة الْمُضَارع قَالَ الْحَلِيمِيّ فِي
الْمِنْهَاج على مَا نَقله عَنهُ الرَّافِعِيّ يكون مُؤمنا
كَمَا أَن قَول الْقَائِل أقسم بِاللَّه يَمِين وَلَا يحمل على
الْوَعْد إِلَّا أَن يُريدهُ قَالَ وَلَو أَتَى بالماضي
فَقَالَ آمَنت أَو أسلمت فَيحْتَمل أَن يَجْعَل مُؤمنا وَقد
أسلفنا ذكر هَذَا الْفَرْع
2 - وَمِنْهَا أَن إِقْرَار الإِمَام وَالْحَاكِم بالشَّيْء
إِن كَانَ على جِهَة الحكم كَانَ حكما وَإِن لم يكن بِأَن
كَانَ فِي معرض الحكايات وَالْأَخْبَار عَن الْأُمُور
الْمُتَقَدّمَة لم يكن حكما كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي
أَوَاخِر الْإِقْرَار فِي الْكَلَام على إِلْحَاق النّسَب
بِغَيْرِهِ وَالَّذِي ذكره من الْقَوَاعِد المهمة وَحِينَئِذٍ
فَإِذا شككنا فِي ذَلِك لم يكن حكما لِأَن الأَصْل بَقَاؤُهُ
على الْإِخْبَار وَعدم نَقله وَقد تقدم هَذَا الْفَرْع فِي
أَوَائِل الِاشْتِرَاك
(1/205)
|