التمهيد في تخريج الفروع على الأصول الْفَصْل الثَّانِي فِي الْخُصُوص
مَسْأَلَة 1
الْقَابِل للتخصيص هُوَ الحكم الثَّابِت لمتعدد من جِهَة
اللَّفْظ كَقَوْلِه تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين} أَو من
جِهَة الْمَعْنى كتخصيص الْعلَّة وَمَفْهُوم الْمُوَافقَة
وَمَفْهُوم الْمُخَالفَة
الْمَسْأَلَة الأولى
تَخْصِيص الْعلَّة جوزه بَعضهم وَمنعه الشَّافِعِي وَجُمْهُور
الْمُحَقِّقين كَمَا قَالَه فِي الْمَحْصُول فِي الْكَلَام على
الِاسْتِحْسَان قَالَ وَهَذَا الْخلاف هُوَ الْخلاف الْآتِي
فِي الْقيَاس فِي أَن النَّقْض هَل يقْدَح فِي الْعلَّة أم لَا
وَالْمُخْتَار أَنه إِن كَانَ النَّقْض لمَانع لم يقْدَح
وَإِلَّا قدح
(1/368)
إِذا تقرر ذَلِك كُله فَمن فروع
الْمَسْأَلَة
1 - جَوَاز الْعَرَايَا وَهُوَ بيع الرطب على رُؤُوس النّخل
بِالتَّمْرِ على وَجه الأَرْض فَإِن الشَّارِع نهى عَن بيع
الرطب بِالتَّمْرِ وَعلله بِالنُّقْصَانِ عِنْد الْجَفَاف
وَذَلِكَ بِعَيْنِه مَوْجُود فِي الْعَرَايَا مَعَ الِاتِّفَاق
على جَوَازه إِلَّا ان ذَلِك كالمستثنى من الْقَاعِدَة
فَلذَلِك اتَّفقُوا على جَوَازهَا مَعَ بَقَاء التَّعْلِيل
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة
مَفْهُوم الْمُوَافقَة كَقَوْلِه تَعَالَى {فَلَا تقل لَهما
أُفٍّ} يدل بمنطوقه على تَحْرِيم التأفيف وبمفهومه على
تَحْرِيم الضَّرْب وَسَائِر أَنْوَاع الْأَذَى فَيجوز
تَخْصِيصه لِأَنَّهُ دَلِيل عَام
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - جَوَاز حبس الْوَالِد لحق الْوَلَد وَفِيه ثَلَاثَة أوجه
حَكَاهَا الرَّافِعِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات وَقَالَ إِن
أَصَحهَا عدم الْحَبْس وَالثَّانِي يحبس وَالثَّالِث إِن كَانَ
دين نَفَقَة عَلَيْهِ حبس فِيهِ وَإِن كَانَ غَيره فَلَا وَحكى
فِي الْفلس وَجْهَيْن من غير تَصْرِيح بترجيح وَاخْتَارَ صَاحب
الْحَاوِي الصَّغِير حَبسه مُطلقًا
وَلَو ورد دَلِيل يدل على إِخْرَاج الملفوظ بِهِ وَهُوَ
التأفيف فِي مثالنا فَإِنَّهُ لَا يكون تَخْصِيصًا بل نسخا
لَهُ وللمفهوم أَيْضا لِأَن رفع الأَصْل يسْتَلْزم رفع
الْفَرْع
(1/369)
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة
مَفْهُوم الْمُخَالفَة كَقَوْلِه إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ
لم يحمل خبثا أَي لم يَتَنَجَّس فَإِنَّهُ يدل مَفْهُومه على
ان مَا دون الْقلَّتَيْنِ يَتَنَجَّس بِمُجَرَّد ملاقاة
النَّجَاسَة فَيجوز تَخْصِيصه لما سبق من كَونه دَلِيلا عَاما
إِذا تقرر ذَلِك فللمسألة وَهِي تَخْصِيص الْمَفْهُوم
الْمَذْكُور فروع مُتَعَلقَة بِهَذَا الْمِثَال الْمَذْكُور
فِي المَاء وجميعها يَقْتَضِي عدم التَّنْجِيس
احدها مَا لَا نفس لَهُ سائله على الصَّحِيح كالزنبور والذباب
للْحَدِيث الصَّحِيح فِي الْأَمر بغمس الذُّبَاب
الثَّانِي مَا لَا يُدْرِكهُ الطّرف على مَا صَححهُ
النَّوَوِيّ لمَشَقَّة الِاحْتِرَاز
وَالثَّالِث الْهِرَّة إِذا أكلت فَأْرَة اَوْ غَيرهَا من
النَّجَاسَات ثمَّ غَابَتْ وَاحْتمل ولوغها فِي مَاء كثير فِي
أصح الْأَوْجه
وَهَذِه الثَّلَاثَة قد استثناها فِي الرَّوْضَة عِنْد ذكر
الْمَسْأَلَة وَلم يذكر هُنَاكَ غَيرهَا واستثناء الْهِرَّة
يدل على أَن فمها بَاقٍ على
(1/370)
الحكم بتنجيسه وَإِلَّا لم يَصح
اسْتِثْنَاؤُهُ وتخصيصه لما سبق وَحِينَئِذٍ فَيكون
الْأَصْحَاب قد أخذُوا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَي
بَقَاء طَهَارَة المَاء وَبَقَاء نَجَاسَة الْفَم وَلَيْسَ فِي
الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة مَا يُخَالف هَذَا فاعتمده
فَإِنَّهُ أَمر مُهِمّ منقاس قد غفل عَنهُ من غفل
الرَّابِع الْيَسِير من الشّعْر الْمَحْكُوم بِنَجَاسَتِهِ لَا
ينجس المَاء الْقَلِيل كَمَا صرح بِهِ فِي الرَّوْضَة من
زوائده فِي بَاب الْأَوَانِي وَنَقله عَن الْأَصْحَاب قَالَ
وَلَا يخْتَص الِاسْتِثْنَاء بِشعر الْآدَمِيّ فِي الْأَصَح
ثمَّ قَالَ إِن الْيَسِير يعرف بِالْعرْفِ وَقَالَ إِمَام
الْحَرَمَيْنِ لَعَلَّه الَّذِي يغلب انتتافه وَقَالَ فِي
الْمُهَذّب يُعْفَى عَن الشعرة والشعرتين وَفِي تَحْرِير
الْجِرْجَانِيّ يُعْفَى عَن الثَّلَاث
الْخَامِس الْقَلِيل من دُخان النَّجَاسَة إِذا حكمنَا بتنجيسه
فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنهُ كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ فِي آخر
صَلَاة الْخَوْف لكنه لم ينص على المَاء بِخُصُوصِهِ
وَإِنَّمَا أطلق الْعَفو وَمُقْتَضَاهُ أَنه لَا فرق وَهُوَ
أَيْضا مُتَّجه ووراء ذَلِك وَجْهَان آخرَانِ حَكَاهُمَا ابْن
الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة أَحدهمَا الْعَفو قَلِيلا كَانَ أَو
كثيرا وَالثَّانِي التَّنْجِيس مُطلقًا
السَّادِس الْحَيَوَان إِذا كَانَ على منفذه نَجَاسَة ثمَّ
وَقع فِي المَاء فَإِنَّهُ لَا يُنجسهُ على أصح الْوَجْهَيْنِ
كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي شُرُوط الصَّلَاة وَعلله
بالمشقة فِي صونه عَنهُ وَلِهَذَا لَو كَانَ مستجمرا فَإِنَّهُ
يُنجسهُ كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَادّعى النَّوَوِيّ فِي
شرح الْمُهَذّب أَنه
(1/371)
لَا خلاف فِيهِ لكنه حكى فِي التَّحْقِيق
وَجها بِخِلَافِهِ
السَّابِع الصَّبِي إِذا أكل شَيْئا نجسا ثمَّ غَابَ وَاحْتمل
طَهَارَة فَمه فَإِنَّهُ كالهرة فِي عدم التَّنْجِيس كَذَا
ذكره ابْن الصّلاح فِي فَتَاوِيهِ وَهِي مهمة نفيسة وَلِهَذَا
قَالَ الْغَزالِيّ إِن هَذَا الْخلاف لَا يجْرِي فِي حَيَوَان
لَا يعم اخْتِلَاطه بِالنَّاسِ وَخَالف الْمُتَوَلِي فحكاه
فِيمَا إِذا اكل السَّبع جيفة ثمَّ غَابَ
وَاعْلَم أَن صَاحب الْحَاصِل شَرط فِي الدَّلِيل الْمُخَصّص
لمَفْهُوم الْمُخَالفَة أَن يكون راجحا على الْمَفْهُوم
وَتَبعهُ عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيّ فِي الْمِنْهَاج لِأَنَّهُ
إِن كَانَ مُسَاوِيا كَانَ تَرْجِيحا بِلَا مُرَجّح وَإِن
كَانَ مرجوحا كَانَ الْعَمَل بِهِ مُمْتَنعا وَلم يذكر
الإِمَام فِي الْمَحْصُول هَذَا الْقَيْد وَهُوَ الصَّوَاب
لِأَن الْمُخَصّص لَا يشْتَرط فِيهِ الرجحان وَلِهَذَا جوزوا
تَخْصِيص عُمُوم الْكتاب بأخبار الْآحَاد وَالْقِيَاس
مَسْأَلَة 2
إِطْلَاق الْأُصُولِيِّينَ يَقْتَضِي أَنه لَا فرق فِي جَوَاز
تَخْصِيص الْعَام بَين أَن يكون الحكم مؤكدا بِكُل وَنَحْوهَا
ام لَا وَبِه صرح الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ فِي الْبَحْر
كِلَاهُمَا فِي كتاب الْقَضَاء وَهُوَ قريب من قَوْلهم يجوز
نسخ الحكم سَوَاء اقْترن الْمَنْسُوخ بقوله أبدا أم لَا وَحكى
الرَّوْيَانِيّ وَجْهَيْن لِأَصْحَابِنَا فِي جَوَاز نسخ
المقترن بالأبدية وَمَا فِي مَعْنَاهُ كنسخ الْمُقَيد بِوَقْت
قبل انْقِضَاء وقته
(1/372)
وَقِيَاس ذَلِك اجراؤهما فِي تَخْصِيص
الْمُؤَكّد بِكُل وأجمعين وَنَحْوهمَا وَقد نَص الْقَرَافِيّ
فِي شرح الْمَحْصُول فِي الْكَلَام على التلأويلات الْبَعِيدَة
عَن الْمَازرِيّ فِي شرح الْبُرْهَان أَنه يمْتَنع التَّخْصِيص
وَعَن غَيره أَنه رد ذَلِك وَفِي الْمَسْأَلَة زيادات ذكرتها
فِي الْكَوْكَب الدُّرِّي فَرَاجعهَا
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - إِذا قَالَ طلقتكن كلكن أَو اعتقتكم جميعكم وَنوى إِخْرَاج
بَعضهم فَإِنَّهُ لَا يَقع على الْمخْرج طَلَاق وَلَا عتاق
كَمَا سبق نَقله عَن الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ
مَسْأَلَة 3
يجوز أَن يستنبط من النَّص معنى يزِيد على مَا دلّ عَلَيْهِ
وَهَذَا هُوَ الْقيَاس الْمَعْرُوف
وَيجوز ان يستنبط مِنْهُ معنى يُسَاوِيه وَهُوَ الْعلَّة
القاصرة وَمعنى يخصصه كَمَا سَيَأْتِي بعد هَذَا إِن شَاءَ
الله وَلَا يجوز أَن يستنبط مِنْهُ معنى يكر على أَصله
بِالْبُطْلَانِ خلافًا للحنفية
(1/373)
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
الْأَخِيرَة ان قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي
اربعين شَاة وشَاة وَنَحْو ذَلِك لَا يجوز أَن يُقَال فِيهِ
إِن الْمَعْنى فِي إِيجَاب الشَّاة هُوَ إغناء الْفَقِير
وإغناؤه بِالنَّقْدِ أتم وَحِينَئِذٍ فَيجوز إِخْرَاج الْقيمَة
لِأَن استنباط ذَلِك من وجوب الشَّاة يودي إِلَى عدم وُجُوبهَا
لجَوَاز الِانْتِقَال إِلَى الْقيمَة على هَذَا التَّقْدِير
وللقاعدة فروع مشكلة عَلَيْهَا مِنْهَا
1 - التَّحْرِيم بِالرّضَاعِ استنبطوا مِنْهُ معنى وَهُوَ
وُصُول اللَّبن إِلَى الْجوف وعدوه إِلَى مَا لَا يصدق
عَلَيْهِ اسْم الرضَاعَة كالإسعاط وَأكل الْجُبْن الْمَعْمُول
من لبن الْمَرْأَة
2 - وَمِنْهَا جَوَاز الِاسْتِنْجَاء بِكُل جامد طَاهِر قالع
غير مُحْتَرم استنبطوه من قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام وليستنج
بِثَلَاثَة احجار
3 - وَمِنْهَا جَوَاز الْحَط عَن الْمكَاتب بَدَلا عَن الإيتاء
الْمَأْمُور بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ من مَال
الله} قَالُوا لِأَن الْمَعْنى فِي الإيتاء إِنَّمَا هُوَ
الرِّفْق والرفق فِي الْحَط أَكثر من تَكْلِيف إِعْطَائِهِ
ثمَّ رده عَلَيْهِ حَتَّى اخْتلفُوا أهل الأَصْل الْحَط أَو
الْبَدَل
(1/374)
مَسْأَلَة 4
الْمَشْهُور من قَول الْأُصُولِيِّينَ وَمن قَول الشَّافِعِي
أَيْضا أَنه يجوز أَن يستنبط من النَّص معنى يخصصه فَمن فروع
ذَلِك
1 - عدم النَّقْض بلمس الْمَحَارِم فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
وَإِن كَانَت دَاخِلَة فِي عُمُوم قَوْله تَعَالَى {أَو لامستم
النِّسَاء} لِأَن الْعلَّة فِي النَّقْض إِنَّمَا هُوَ ثوران
الشَّهْوَة المفضية إِلَى خُرُوج الْمَذْي مِنْهُ وَهُوَ لَا
يعلم وَذَلِكَ مَفْقُود فِي الْمَحَارِم فَلذَلِك قُلْنَا إِن
الْمحرم لَا ينْقض وَفِي قَول ينْقض مُطلقًا وَقيل ينْقض محرم
الرَّضَاع والمصاهرة دون النّسَب
2 - وَمِنْهَا أَن الْوَلِيّ الْمُجبر هَل يجب عَلَيْهِ
اسْتِئْذَان من زَالَت بَكَارَتهَا بِغَيْر وَطْء كالوثبة
وَنَحْوهَا فِيهِ وَجْهَان اصحهما لَا بل حكمهَا حكم
الْأَبْكَار وَإِن كَانَت دَاخِلَة فِي عُمُوم قَوْله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا وَالْبكْر تستأذن
وإذنها صماتها فَإِن الْمُقْتَضِي للتفرقة بَين الْبكر
وَالثَّيِّب إِنَّمَا هُوَ الِاخْتِلَاط بِالرِّجَالِ ومعرفتها
بالأمور وَزَوَال مَا عِنْد الْبكر من الْحيَاء وَذَلِكَ
مَفْقُود فِيمَن زَالَت بَكَارَتهَا بِغَيْر الْوَطْء لَكِن
إِذا وطِئت الْمَذْكُورَة فِي دبرهَا فَإِن حكمهَا حكم
الْأَبْكَار على الصَّحِيح وَإِن وجد الِاخْتِلَاط على وَجه
هُوَ أفحش من
(1/375)
مُخَالطَة الْمَوْطُوءَة فِي الْقبل إِلَّا
ان النّظر إِلَى ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال مَا علق
عَلَيْهِ الشَّارِع من الْبكارَة والثيابة
3 - وَمِنْهَا تَخْصِيص الحَدِيث الصَّحِيح وَهُوَ من صَامَ
الْيَوْم الَّذِي يشك فِيهِ فقد عصى أَبَا الْقَاسِم بِحَالَة
إِفْرَاده وَعدم اعتياده فَإِن ضم إِلَيْهِ يَوْمًا قبله أَو
اعْتَادَ صَوْم يَوْم الِاثْنَيْنِ مثلا فَوَافَقَ يَوْم
الشَّك يَوْمًا قبله لم يحرم لِأَن الْحِكْمَة فِيهِ إِيهَام
أَنه من رَمَضَان وَذَلِكَ يَزُول بِمَا ذَكرْنَاهُ وَهَذَا
إِذا لم نقل بِالْوَجْهِ الَّذِي صَححهُ النَّوَوِيّ وَهُوَ
تَحْرِيم الصَّوْم بعد انتصاف شعْبَان فَإِن قُلْنَا بِهِ لم
يفد الانضمام شَيْئا
وَمَا ذَكرْنَاهُ أَيْضا من تَحْرِيم الْيَوْم الْمَذْكُور
هُوَ مَا صَححهُ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَلَكِن نَص
الشَّافِعِي وحمهور الْأَصْحَاب على الْجَوَاز كَمَا أوضحته
فِي الْمُهِمَّات
مَسْأَلَة 5
اخْتلفُوا فِي الْمِقْدَار الَّذِي يشْتَرط بَقَاؤُهُ بعد
تَخْصِيص الْعَام على اقوال
أَحدهمَا وَإِلَيْهِ ذهب الْأَكْثَرُونَ كَمَا قَالَه
الْآمِدِيّ وَابْن
(1/376)
الْحَاجِب وَاخْتَارَهُ الإِمَام فَخر
الدّين وَأَتْبَاعه أَنه لَا بُد من بَقَاء جمع كثير سَوَاء
كَانَ الْعَام جمعا كالرجال أَو غير جمع ك من وَمَا وَأَيْنَ
إِلَّا أَن يسْتَعْمل ذَلِك الْعَام فِي الْوَاحِد تَعْظِيمًا
لَهُ وإعلاما بِأَنَّهُ يجْرِي مجْرى الْكثير كَقَوْلِه
تَعَالَى {فقدرنا فَنعم القادرون}
وَاخْتلفُوا فِي تَفْسِير ذَلِك الْكثير
ففسره ابْن الْحَاجِب بِأَنَّهُ الَّذِي يقرب من مَدْلُوله قبل
التَّخْصِيص وَمُقْتَضى هَذَا أَن يكون أَكثر من النّصْف
وَفَسرهُ الْبَيْضَاوِيّ بِأَن يكون غير مَحْصُور
وَالثَّانِي قَالَه الْقفال الشَّاشِي يجوز التَّخْصِيص إِلَى
أَن ينتهى إِلَى أقل الْمَرَاتِب الَّتِي ينْطَلق عَلَيْهَا
ذَلِك اللَّفْظ الْمَخْصُوص مُرَاعَاة لمدلول الصِّيغَة فعلى
هَذَا يجوز التَّخْصِيص فِي الْجمع كالرجال وَنَحْوه إِلَى
ثَلَاثَة لِأَنَّهَا أقل مَرَاتِب الْجمع على الصَّحِيح وَفِي
غير الْجمع ك من وَمَا إِلَى الْوَاحِد فَيَقُول من يكرمني
اكرمه وَيُرِيد بِهِ شخصا وَاحِدًا
وَالثَّالِث يجوز إِلَى الْوَاحِد مُطلقًا جمعا كَانَ أَو
غَيره كَقَوْلِه تَعَالَى {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس}
وَالْمرَاد بِهِ نعيم ابْن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ
(1/377)
وَاخْتَارَ ابْن الْحَاجِب تَفْصِيلًا لَا
يعرف لغيره
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب الثَّانِي الْمَعْقُود
لأركان الطَّلَاق أَنه إِذا قَالَ نسَائِي طَوَالِق ثمَّ قَالَ
كنت أخرجت ثَلَاثًا لم يقبل لِأَن اسْم النِّسَاء لَا يَقع على
الْوَاحِدَة وَلَو قَالَ عزلت وَاحِدَة بنيتي قبل وَذكر
تَفْرِيعا على هَذَا فِيمَا لَو عزل اثْنَيْنِ
وَاعْلَم أَن مَا نَقله الرَّافِعِيّ من عدم الْقبُول فِي
الثَّلَاث قد أسْقطه من الرَّوْضَة
2 - وَمِنْهَا مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي آخر الْأَيْمَان
فَإِنَّهُ قَالَ واما تَخْصِيص الْعَام فقد يكون بِالنِّيَّةِ
كَمَا إِذا قَالَ وَالله لَا أكلم أحدا أَو لَا آكل طَعَاما
وَنوى طَعَاما معينا هَذَا كَلَامه وَهُوَ
(1/378)
جازم بِجَوَاز التَّخْصِيص إِلَى الْوَاحِد
وَمَا ذكره الرَّافِعِيّ من الِاخْتِصَاص مَحَله فِي الْبَاطِن
وَأما الْقبُول ظَاهرا فَفِيهِ تَفْصِيل فَإِنَّهُ ذكر عِنْد
هَذَا الْموضع الْمَذْكُور أَنه إِذا حلف لَا يدْخل الدَّار
ثمَّ قَالَ أردْت شهرا أَو يَوْمًا أَنه إِن كَانَت الْيَمين
بِطَلَاق أَو عتاق أَو بِاللَّه تَعَالَى وَلَكِن تعلق بهَا حق
آدَمِيّ لم يقبل فِي الحكم ويدين وَإِن كَانَت بِاللَّه
تَعَالَى وَلم يتَعَلَّق بهَا حق آدَمِيّ قبل ظَاهرا وَبَاطنا
انْتهى كَلَامه وَتَقْيِيد الْمُطلق كتخصيص الْعَام
(1/379)
|