الرسالة للشافعي [في العِدَدِ] .
(1/199)
قال الله: " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ
مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (234) " [البقرة] ، وقال: "
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ
قُرُوءٍ (228) " [البقرة] .
وقال: " وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ
نِسَائِكُمْ [ص:200] إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ
ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، وَأُوْلَاتُ
الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (4) "
[الطلاق] .
فقال بعضُ أهلِ العلم: قد أوْجَبَ اللهُ على المُتَوَفَّى
عنْها زوْجُها أربعةَ أشهُرٍ وعشْرًا، وذَكَرَ أن أجَلَ
الحامِلِ أن تَضَعَ، فإذا جَمَعَتْ أنْ تكون حامِلا مُتَوَفَّى
عنها، أتَتْ بالعِدَّتَيْنِ مَعًا، كما أجدها في كلِّ فرضَيْن
جُعِلا عليها أتَتْ بهما معاً.
قال: فلَمَّا قال رسولُ اللهِ "لِسُبَيْعَة بنْتِ الحرثِ"،
ووضَعَتْ بعْدَ وَفَاةِ زوْجِها بأيامٍ: " قَدْ حَلَلْتِ
فَتَزَوَّجِي " (1) ، دلَّ هذا على أنَّ العِدة في الوفاة
والعدةَ في الطلاق بالأقراءِ والشُّهور، إنما أرِيد بِهِ مَن
لا حَمْلَ به من النساء، وأن الحمْلَ إذا كان فالعِدة سِواه
ساقطةٌ.
__________
(1) البخاري: كتاب المغازي/3770؛ مسلم: كتاب الطلاق/1484؛
النسائي: كتاب الطلاق/3451؛ أبو داود: كتاب الطلاق/2306؛ أحمد:
مسند القبائل/26167.
(1/199)
[في محرمات
النساء] .
(1/200)
قال الله: " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ
وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ
وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي
أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ
وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي
حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ
بِهِنَّ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ، وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ
مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ
الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ، إِنَّ اللَّهَ
كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ
النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، كِتَابَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ
ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ
غَيْرَ مُسَافِحِينَ، فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ
مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً، وَلَا
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ
الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)
" [النساء] .
فاحتملت الآية مَعْنَيَيْن: أحدُهما: أنَّ ما سَمَّى اللهُ
مِن النِّساء مَحْرَمًا مُحَرَّمٌ، وَما سَكَتَ عنه حَلالٌ
بالصَّمْت عنه، وبقول الله: [ص:202] " وَأُحِلَّ لَكُمْ
مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ "، وكان هذا المعنى هو الظاهرَ مِن
الآيَة.
وكان بَيِّناً في الآية تحريمُ الجمْع بمعنىً غيرِ تحريم
الأمَّهات، فكان ما سَمَّى حَلالاً حَلالٌ، وما سمى حراماً
حرامٌ، وما نهى عن الجمع بَيْنه مِن الأخْتَيْنِ كما نهى
عنه.
وكان في نهيه عن الجمع بينهما دليلٌ على أنه إنما حرَّم
الجمعَ، وأنَّ كلَّ واحدة منهما على الانفراد حلالٌ في
الأصْلِ، [ص:203] وما سِواهُنَّ مِن الأُمَّهاتِ والبَنَات
والعَمَّات والخالاتِ: مُحَرَّمَاتٌ في الأصل.
وكان معنى قوله: " وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ
"، مَنْ سَمَّى تَحْريمَه في الأصْل، ومَنْ هو في مِثْلِ
حالِه بالرَّضَاعِ: أنْ يَنْكِحوهنَّ بِالوَجْه الذي حَلّ
به النِّكاحُ.
(1/201)
|