الغيث الهامع شرح جمع الجوامع

الغيث الهامع
للحافظ ولي الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي
المتوفى 826هـ

شرح
جمع الجوامع
للإمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي
المتوفى 771هـ

تحقيق
محمد تامر حجازي

دار الكتب العلمية

(1/1)


بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
قال سيدنا ومولانا الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام، بقية المجتهدين، ولي الدين أبو زرعة أحمد العراقي الشافعي، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته.
أما بعد حمد الله، والصلاة على رسوله، فهذا تعليق وجيز على (جمع الجوامع) لشيخنا قاضي القضاة تاج الدين بن السبكي ـ رحمه الله ـ أقتصر فيه على حل اللفظ وإيضاح العبارة غالباً تنحلت أكثره من شرح صحابنا العلامة بدر الدين الزركشي ـ رحمه الله تعالى ـ سميته (الغيث الهامع في شرح جمع الجوامع) وأسأل الله النفع به، وأن يرزقنا فهم المشتبه.
ص: نحمدك اللهم على نعم يؤذن الحمد بازديادها.
ش: افتتح بالجملة الفعلية لدلالة الفعل على التجدد والحدوث، وبهذا انفصل المصنف عن سؤال ترك التأسي بالتنزيل بالجملة الاسمية، فإنه قديم، وهذا التصنيف نعمة جديدة.
وافتتح الفعل المضارع بالنون للمشاركة لا لتعظيم نفسه، فإن الحمد على هذه النعمة يعم كل منتفع به.
وقوله: (اللهم) مثل قولك: يألله، زيدت الميم في آخره عوضاً من حرف النداء، هذا هو الصحيح، وقول البصريين.
والتنكير في قوله: (على نعم) للتعظيم بدليل الوصف.
وقوله: (يؤذن) أي: يعلم، والازدياد أبلغ من الزيادة كالاكتساب

(1/17)


والكسب، والدال بدل عن التاء، وأصله ازتياد، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم}.
قلت: وقد تبين أن المراد بالحمد هنا أحد قسميه، وهو ما كان منه على نعمة، ولو أطلقه كما في التنزيل لتناول القسم الآخر، وهو ما كان على غير نعمة، والله أعلم.
ص: ونصلي على نبيك محمد هادي الأمة لرشادها.
ش: قوله: (ونصلي) لفظه خبر، ومعناه الطلب، ليكون امتثالاً لقوله تعالى: {صلوا عليه} فهو من عطف الإنشاء على الإنشاء، وعطف الخبر على الإنشاء ممتنع عند علماء البيان، والصلاة من الله تعالى بمعنى الرحمة، أو المغفرة، أو الإحسان، أو القدر المشترك بينها، وهو الاعتناء بالمصلى عليه، ومن الخلق الدعاء.
والنبي، قيل: مشتق من النبوة، وهي المرتفع من الأرض، وقيل: من النبأ، وهو الخبر، والرسول أخص منه، لأنه إنما يؤمر بالتبليغ، وفضل ابن عبد السلام/ (1ب/ م) النبوة على الرسالة، والراجح خلافه،
وكان ينبغي قرن الصلاة بالتسليم.
وقوله: (هادي الأمة) مأخوذ من قوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} وهو بمعنى بيان الطريق كما في قوله تعالى: {وأما ثمود فهديناهم} وإما بمعنى الخلق، لقوله تعالى: {من يهد الله فهو المهتدي} فهو خاص بالله تعالى، والرشاد ضد الغي.

(1/18)


ص: وآله/ (1/ب/د) وأصحابه، ما قامت الطروس والسطور لعيون الألفاظ مقام بياضها وسوادها.
ش: آل النبي صلى الله عليه وسلم بنو هاشم وبنو المطلب، وأصحابه كل من لقيه مسلماً، ولو أضاف الآل إلى الظاهر لكان أولى، للخروج من خلاف من منع إضافته إلى ضمير، وقدم الآل على الأصحاب للأمر بالصلاة على الآل، ولهذا وجبت في التشهد على قول، وهم أشرف نسباً، وإن كان في الصحابة من هو أفضل من الآل كأبي بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما،
و (ما) هنا مصدرية ظرفية، أي مدة قيام الطروس، وهي جمع طرس، بكسر الطاء، وأراد بها هنا الصحيفة، وبها فسر الجوهري، ثم قال: ويقال: هي التي محيت ثم كتبت، وعليه اقتصر في (المحكم).
وفي قوله: (عيون الألفاظ) استعارة مرشحة بالبياض والسواد، فإنهما من لوازم العيون، وفيه لف ونشر مرتب، فالبياض للطروس، والسواد للسطور،

(1/19)


وبين الطروس والسطور جناس القلب، لاختلافهما في/ ترتيب الحروف، والمراد بهذا تأبيد الصلاة لدوام العلم، وهو مأخوذ من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: ((لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله)).
ص: ونضرع إليك في منع الموانع عن إكمال جمع الجوامع، الآتي من فن الأصول بالقواعد القواطع، البالغ من الإحاطة بالأصلين مبلغ ذوي الجد والتشمير، الوارد من زهاء مائة مصنف، منهلا يروي ويمير، المحيط بزبدة ما في شرحي على المختصر والمنهاج مع مزيد كثير.
ش: قوله: (نضرع) أي: نخضع ونذل، وهو أبلغ من السؤال، وأصله نتضرع، فحذفت التاء تسهيلاً.
وقوله: (في منع) متعلق به، (وعن) متعلق بـ (منع) و (جمع الجوامع) علم على هذا الكتاب، وسأل انتفاء الموانع، لأن المقتضيات موجودة.
ثم وصفه بأنه أتى، أي: جاء، من فن الأصول، أي: أصول الفقه والدين، (بالقواعد) أي: الأدلة القواطع، وفي هاتين اللفظتين الجناس اللاحق، لاتفاقهما في عدد الحروف والهيئات، واختلافهما في الآخر، وبأنه بلغ من الإحاطة بهما مبلغ ذوي الجد، وهو بالكسر الاجتهاد، (وزهاء) بالمد،

(1/20)


كما اقتضاه كلام الأخفش/ (2أ/ م)، وعليه اقتصر في (المشارق)، أو بالقصر كما دل عليه ذكر الجوهري له في المعتل، أي: قدر.
وقوله: (يروي) بالضم من الري، وقوله: (يمير) بفتح أوله ويجوز ضمها، يقال: مار، وأمار، أي: حمل الميرة، وهو الطعام، والمراد مختصر ابن الحاجب.
ومنهاج البيضاوي، وإنما شرح المصنف من (المنهاج) من قوله: (وجوب الشيء مطلقاً) وما قبل ذلك من كلام والده

(1/21)


رحمه الله ـ
ص: وينحصر في مقدمات وسبعة كتب.
ش: إن أراد انحصار هذا التصنيف ورد عليه أن فيه زيادة/ (2أ/د) على ذلك علم أصول الدين، وخاتمة التصوف، وإن أراد انحصار أصول الفقه المدلول عليه بذكر شرحي (المختصر) و (المنهاج) فإنه ليس فيهما غير أصول الفقه، ورد عليه أن من المقدمات حد أصول الفقه، وغيره من قواعد المنطق، وليس من أصول الفقه، وقد يعد منها لتوقفه عليها.
وفي المقدمة لغتان: الكسر وهو أشهر، والفتح، وهي عند المناطقة: القضية المجعولة جزء دليل، وعند الأصوليين: ما يتوقف عليه حصول أمر آخر وهو المراد هنا، فالمقدمات لبيان السوابق، والكتب لبيان المقاصد.

(1/22)


تعريف أصول الفقه
ص: الكلام في المقدمات، أصول الفقه: دلائل الفقه الإجمالية، وقيل: معرفتها.
ش: هذا تعريف لأصول الفقه باعتبار مدلوله اللقبي، وهل هو دلائل الفقه الإجمالية أو معرفة دلائل الفقه الإجمالية؟ فيه خلاف، ذهب إلى الأول القاضي أبو بكر، وإمام الحرمين، والرازي،

(1/23)


والآمدي، واختاره ابن دقيق العيد، لأن الأدلة إذا لم تعلم لم تخرج عن كونها أصلاً، ومشى على الثاني البيضاوي وابن الحاجب، إلا أنه عبر بالعلم، ولكل وجه، لأن الفقه كما هو متفرع عن أدلته هو متفرع عن العلم بأدلته، وقيدت الدلائل بالإجمالية لإخراج التفصيلية، فإن النظر فيها وظيفة الفقيه، لأنه يتكلم على أن الأمر في قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} للوجوب, والنهي في قوله تعالى: {ولا تقربوا الزنى} للتحريم، بخلاف الأصولي فإنه يتكلم على مقتضى الأمر والنهي، من غير نظر إلى مثال خاص.
والدلائل تتناول الكتاب والسنة والإجماع والقياس، والأشبه ـ كما قال السبكي ـ: أن الإجمال قيد للمعرفة، فإن أدلة الفقه/ (2/ب/م) لها جهتان/، فالأصولي

(1/24)


يعرفها من إحداهما، وهو الإجمال، والفقيه يعرفها من الجهة الأخرى وهو التفصيل، وليست الأدلة منقسمة إلى ما هو إجمالي غير تفصيلي، وتفصيلي غير إجمالي، ووجه جعلها قيداً للأدلة أن لها نسبتين، فهي باعتبار إحداهما غيرها باعتبار الأخرى.
وقد أورد على المصنف أنه هلا قال: أصول الفقه: دلائله الإجمالية؟ ‍وأجاب بأجوبة أحسنها: أن الفقه في قولنا: (دلائل الفقه) غير الفقه في (أصول الفقه) لأنه في أصول الفقه أحد جزئي لقب مركب من متضايفين، وفي قولنا: (دلائل الفقه) العلم المعروف.
ص: والأصولي: العارف بها، وبطرق استفادتها ومستفيدها.
ش: لا يكفي في صدق اسم الأصولي معرفة الأصول حتى يعرف مع ذلك أمرين.
أحدهما: طرق استفادتها وذلك يرجع إلى التراجيح، أي ترتيب الأدلة، كتقديم الخاص على العام والظاهر على المؤول.

(1/25)


ثانيهما: أن يعرف مستفيدها، وهو المجتهد، فإنه الذي يستفيد من الأدلة بخلاف المقلد، فإنه إنما يستفيد من المجتهد، ويدخل في ذلك المقلد أيضاً إن سمينا علمه فقهاً، واعتبار هذين الأمرين في الأصولي/ (2/ب/د) دون الأصول ـ انفرد به المصنف، واعتبر غيره في مدلول الأصول الأمور الثلاثة.
واعترف المصنف بذلك فقال: جعل المعرفة بطرق استفادتها جزءاً من مدلول الأصولي دون الأصول، لم يسبقني إليه أحد، ووجهه: أن الأصول لما كانت عندنا نفس الأدلة لا معرفتها، لزم من ذلك أن يكون الأصولي هو المتصف به، لأن الأصولي نسبة إلى الأصول، وهو من قام به الأصول، وقيام الأصول به، معناه معرفته إياه، ومعرفته إياه متوقفة على معرفة طرق الاستفادة، فإن من لا يعرف الطريق إلى الشيء محال أن يعرف الشيء، انتهى.
وقد يقال: يكتفى في صدق اسم الأصولي بمعرفة الأدلة، لأن المراد معرفتها على وجه به يحصل استفادة الأحكام منها، فيستغنى بذلك عن التصريح باشتراط معرفته طرق استفادتها، لأن المراد معرفة خاصة كما قدمته.
وقال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد: لو اقتصر في تعريف أصول الفقه على الدلائل وكيفية الاستفادة منها لكفى، ويكون حال المستفيد كالتابع/ (3/أ/م) والتتمة، لكن جرت العادة بإدخاله في أصول الفقه، وضعاً فأدخل فيه جزءاً.