الفروق = أنوار البروق في أنواء الفروق [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ
وَقْتُهُ فَيُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَبَعْدَهُ
بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَنَ وَقْتُهُ وَلَا
يُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَلَا بَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ]
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا
تَعَيَّنَ وَقْتُهُ فَيُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَبَعْدَهُ
بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ وَلَا
يُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَلَا بَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ
وَالتَّعَيُّنُ فِي الْقِسْمَيْنِ شَرْعِيٌّ)
اعْلَمْ وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ
أَنَّ تَحْرِيرَ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ
يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ
الْوَاجِبَ قِسْمَانِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْوَاجِبُ
الْمُوَسَّعُ وَهُوَ مَا جَعَلَ الشَّارِعُ لِأَدَائِهِ
وَقَضَائِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَقْتًا حُدِّدَ طَرَفَاهُ
لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ مُعَيَّنًا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ
بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِفُ وَقْتُ أَدَائِهِ وَلَا وَقْتُ
قَضَائِهِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ كَالصَّوْمِ عَيَّنَ
الشَّارِعُ لِأَدَائِهِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ شَهْرَ
رَمَضَانَ فِي كُلِّ مُكَلَّفٍ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ
وَلِقَضَائِهِ مَا بَعْدَهُ إلَى شَعْبَانَ بِالْأَمْرِ
الثَّانِي فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ أَيْضًا بِحَيْثُ لَا
يَخْتَلِفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِاخْتِلَافِ النَّاسِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الْوَاجِبُ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ مَا
جَعَلَ الشَّارِعُ لَهُ مِنْ الْفَوْرِيَّاتِ وَقْتًا
مُرَتَّبًا عَلَى ثُبُوتِ أَمْرٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ
النَّاسِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ كَالْحَجِّ إذَا قُلْنَا:
إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الشَّارِعُ
إلَّا مَا كَانَ عَقِيبَ الِاسْتِطَاعَةِ وَهِيَ تَخْتَلِفُ
بِاخْتِلَافِ النَّاسِ بِحَيْثُ لَوْ
(2/79)
اللُّغَوِيَّةُ مِنْ الْحَوْلِ فَمَتَى
وُجِدَتْ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ حَصَلَ الْوُجُوبُ
عِنْدَهَا لَا بِهَا لَا لِخُصُوصِ ذَلِكَ الْحَوْلِ بَلْ
لِمُطْلَقِ الْحَوْلِ الْمُوجِبِ لِحُصُولِ التَّمَكُّنِ مِنْ
التَّنْمِيَةِ فِي النِّصَابِ فَالْمُحَصِّلُ لِمَقْصُودِ
الشَّرْعِ هُوَ مُطْلَقُ الْحَوْلِ لَا خُصُوصُ هَذَا
الْحَوْلِ فَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمِيعِ هَذِهِ
الْأَحْوَالِ هُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ كَمَا أَنَّ الْقَدْرَ
الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ النُّصُبِ هُوَ الْوَاجِبُ بِهِ
وَثَانِيهَا عَدَمُ الْمَانِعِ نَحْوُ عَدَمِ الدَّيْنِ فِي
الزَّكَاةِ وَالْحَيْضِ فِي الصَّلَاةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ
عِنْدَهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ أَوْ
زَوَالُ الشَّمْسِ فِي الصَّلَاةِ لَا لِعَدَمِ الدَّيْنِ
وَلَا لِعَدَمِ الْحَيْضِ فَعَدَمُ الدَّيْنِ وَالْحَيْضِ
وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَدَمَ
خُصُوصِ دَيْنٍ دُونَ دَيْنٍ وَلَا خُصُوصِ حَيْضٍ دُونَ
حَيْضٍ بَلْ مُطْلَقُ الدَّيْنِ وَمُطْلَقُ الْحَيْضِ فَهَذَا
الْمُشْتَرَكُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ، وَثَالِثُهَا: وُجُوبُ
التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَإِنَّ عَدَمَ الْمَاءِ
يَجِبُ عِنْدَهُ التَّيَمُّمُ وَلَيْسَ هُوَ سَبَبُ
الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ لِلصَّلَاةِ
أَوْقَاتُهَا وَأَسْبَابُ الطَّهَارَاتِ الْأَحْدَاثُ أَمَّا
عَدَمُ الْمَاءِ فَلَيْسَ سَبَبًا لِوُجُوبِ التَّيَمُّمِ بَلْ
الْحَدَثُ اقْتَضَى إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ عَلَى
التَّرْتِيبِ فَإِنْ عُدِمَتْ طَهَارَةُ الْمَاءِ تَعَيَّنَتْ
طَهَارَةُ التُّرَابِ فَعَدَمُ الْمَاءِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ لَا
بِهِ وَلَمْ يُلَاحِظْ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَدَمَ مَاءٍ
مُعَيَّنٍ بَلْ عَدَمُ الْمَاءِ الطَّهُورِ الْكَافِي
لِلطَّهَارَةِ دُونَ خُصُوصِ مَاءٍ فَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ
هَاهُنَا وَاجِبٌ عِنْدَهُ.
وَرَابِعُهَا: وُجُوبُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ عَدَمِ
الطَّعَامِ الْمُبَاحِ إذَا خَافَ الْهَلَاكَ فَيَجِبُ
عَلَيْهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لَا لِأَنَّ السَّبَبَ عَدَمُ
الطَّعَامِ الْمُبَاحِ بَلْ السَّبَبُ إحْيَاءُ النَّفْسِ
وَعَدَمُ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ
إحْيَاءَ النَّفْسِ اقْتَضَى أَحَدَ الْغِذَاءَيْنِ إمَّا
الْمُبَاحَ أَوْ الْمَيْتَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَإِذَا
تَعَذَّرَ الْمُبَاحُ تَعَيَّنَتْ الْمَيْتَةُ كَاقْتِضَاءِ
الْحَدَثِ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ وَلَمْ
يُلَاحِظْ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَدَمَ طَعَامٍ مُبَاحٍ
بِعَيْنِهِ بَلْ مُطْلَقَ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ الَّذِي
يَصْلُحُ لِإِقَامَةِ الْبِنْيَةِ، وَخَامِسُهَا: عَدَمُ
الْخَصْلَةِ الْأُولَى مِنْ الْخِصَالِ الْمُرَتَّبَةِ فِي
الْكَفَّارَةِ نَحْوُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّ تَعَذُّرَ
الْعِتْقِ يُوجِبُ الصِّيَامَ وَعَدَمُ الْعِتْقِ لَيْسَ هُوَ
سَبَبَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هُوَ الظِّهَارُ
وَعَدَمُ الْعِتْقِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ لَا بِهِ وَلَمْ
يُلَاحِظْ الشَّرْعُ عَدَمَ رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ عَدَمُ
مُطْلَقِ الرَّقَبَةِ الصَّالِحَةِ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ
مِنْ الظِّهَارِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ كُلُّهَا كُلِّيٌّ
مُشْتَرَكٌ لَيْسَ بِجُزْئِيٍّ وَالْوُجُوبُ فِيهَا
مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ أَفْرَادِهِ
وَهُوَ كُلُّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ.
الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ الْكُلِّيُّ الْمُشْتَرَكُ
الْوَاجِبُ مِنْهُ وَلَهُ مِثْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَحَدُهَا
الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْإِبِلِ غَنَمًا فِي
الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ الْكُلِّيُّ الْمُشْتَرَكُ
الْوَاجِبُ مِنْهُ إلَى آخَرِ مَا قَالَهُ فِيهَا) قُلْتُ مَا
قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ
مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ
الْكُلِّيُّ وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ
الثَّامِنَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَالْعَاشِرَةِ غَيْرُ مَا
يُشْعِرُ كَلَامُهُ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ بِالْكُلِّيِّ
فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِرَارًا بَلْ
الصَّحِيحُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ
مِمَّا فِيهِ الْمُعَيَّنُ الْمُشْتَرَكُ فَإِنْ عَنَى ذَلِكَ
فَمُرَادُهُ صَحِيحٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
تَأَخَّرَتْ الِاسْتِطَاعَةُ تَأَخَّرَتْ السُّنَّةُ أَوْ
تَقَدَّمَتْ تَقَدَّمَتْ السُّنَّةُ فَصَارَ تَعْيِينُ
الْوَقْتِ تَابِعًا لِلِاسْتِطَاعَةِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ
فَحِينَئِذٍ تَعَيَّنَ أَوْقَاتُ الْعِبَادَاتِ لِمَصَالِحَ
فِيهَا بِحَيْثُ إنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
إنَّمَا عَيَّنَ شَهْرَ رَمَضَانَ لِلصَّوْمِ مَثَلًا
لِمَصْلَحَةٍ يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهِ طَرْدًا
لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ فِي
رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ
عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ فَإِنَّا إذَا لَاحَظْنَا
الشَّرَائِعَ وَجَدْنَاهَا مَصَالِحَ فِي الْأَغْلَبِ
أَدْرَكْنَا ذَلِكَ وَخَفِيَ عَلَيْنَا فِي الْأَقَلِّ
فَقُلْنَا: ذَلِكَ الْأَقَلُّ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْأَكْثَرِ
كَمَا لَوْ جَرَتْ عَادَةُ مَلِكٍ بِأَنْ لَا يَخْلَعَ
الْأَخْضَرَ إلَّا عَلَى الْفُقَهَاءِ فَإِذَا رَأَيْنَا مَنْ
خُلِعَ عَلَيْهِ الْأَخْضَرُ وَلَا نَعْلَمُ قُلْنَا: هُوَ
فَقِيهٌ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ ذَلِكَ الْمَلِكِ.
وَهَكَذَا لَمَّا كَانَتْ قَاعِدَةُ الشَّرْعِ
رِعَايَةَ الْمَصَالِحِ
فِي جَانِبِ الْأَوَامِرِ وَالْمَفَاسِدِ فِي جَانِبِ
النَّوَاهِي عَلَى سَبِيلِ التَّفْضِيلِ لَا عَلَى سَبِيلِ
الْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ
لَزِمَ أَنْ نَعْتَقِدَ فِيمَا لَمْ نَطَّلِعْ فِيهِ عَلَى
مَفْسَدَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ إنْ كَانَ فِي جَانِبِ
الْأَوَامِرِ أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً وَإِنْ كَانَ فِي جَانِبِ
النَّوَاهِي أَنَّ فِيهِ مَفْسَدَةً كَأَنْ نَقُولَ فِي
أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ: إنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَصَالِحَ
لَا نَعْلَمُهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ تَعَبُّدِيٍّ مَعْنَاهُ
أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَا نَعْلَمُهَا.
وَأَمَّا تَعَيُّنُ أَوْقَاتِ الْفَوْرِيَّاتِ كَرَدِّ
الْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ إذَا طُلِبَتْ وَالْأَمْرِ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَقْضِيَةِ
الْحُكَّامِ إذَا نَهَضَتْ الْحِجَاجُ وَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ
وَامْتِثَالِ الْأَمْرِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ
فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
- قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ زَمَانٍ لِلسَّمَاعِ وَزَمَانٍ
لِلتَّأَمُّلِ وَتَعَرُّفِ مَعْنَى الْخِطَابِ وَفِي الزَّمَنِ
الثَّالِثِ يَكُونُ الْفِعْلُ زَمَانِيًّا وَبِالتَّأْخِيرِ
عَنْهُ يُوصَفُ الْمُكَلَّفُ بِالْمُخَالَفَةِ فَلَيْسَ
كَذَلِكَ بَلْ تَبَعٌ لِلْمَأْمُورَاتِ وَطَرَيَانِ
الْأَسْبَابِ فَتَعَيُّنُ وَقْتِ إنْقَاذِ الْغَرِيقِ تَابِعٌ
لِسُقُوطِهِ فِي الْبَحْرِ فَلَوْ تَأَخَّرَ سُقُوطُهُ فِي
الْبَحْرِ تَأَخَّرَ الزَّمَانُ أَوْ تَعَجَّلَ تَعَجَّلَ
الزَّمَانُ.
وَتَعَيُّنُ وَقْتِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ
عَلَى الْفَوْرِ تَابِعٌ لِوُرُودِ الصِّيغَةِ فَإِنْ
تَقَدَّمَتْ تَقَدَّمَ الْوَقْتُ أَوْ تَأَخَّرَتْ تَأَخَّرَ
الْوَقْتُ وَتَعَيُّنُ وَقْتِ أَقْضِيَةِ الْأَحْكَامِ تَابِعٌ
لِنُهُوضِ الْحِجَاجِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ
وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الْبَاقِي.
وَالْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ الْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةَ
وَإِنْ حَدَّ الشَّارِعُ لَهَا زَمَانًا وَهُوَ زَمَانُ
الْوُقُوعِ الَّذِي أَوَّلُهُ أَوَّلُ زَمَانِ التَّكْلِيفِ
وَآخِرُهُ الْفَرَاغُ مِنْهَا بِحَسَبِهَا فِي طُولِهَا
وَقِصَرِهَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَابِعًا لِمَا
يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ
وَلَمْ يَكُنْ مَحْدُودَ الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِ زَمَانِ
الْعِبَادَاتِ لَمْ يُقَلْ
(2/80)
إبِلًا فِيمَا فَوْقَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ
جِنْسٌ كُلِّيٌّ يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ وَلَمْ يُلَاحِظْ
الشَّرْعُ شَاةً مُعَيَّنَةً وَلَا حِقَّةً مُعَيَّنَةً مَعَ
اسْتِوَاءِ الصِّفَاتِ فِي الْجِنْسِ الْمُجْزِئِ بَلْ
الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ الْكُلِّيُّ هُوَ مُتَعَلِّقُ
الْحُكْمِ فَقَطْ وَثَانِيهَا الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ
زَكَاةُ النَّقْدَيْنِ، وَهُوَ النَّقْدَانِ أَيْضًا يَجِبُ
أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُمَا مِقْدَارَ رُبْعِ الْعُشْرِ زَكَاةً
عَمَّا يَمْلِكُهُ وَلَمْ يُلَاحِظْ الشَّرْعُ خُصُوصَ
دِينَارٍ وَلَا دِرْهَمٍ، وَثَالِثُهَا: الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ
مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَهُوَ الْحَبُّ الَّذِي غَالِبُ
قُوتِ أَهْلِ الْبَلَدِ مِنْهُ يَجِبُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْهُ
صَاعٌ عَنْ كُلِّ آدَمِيٍّ إلَّا مَنْ اُسْتُثْنِيَ فِي كُتُبِ
الْفِقْهِ، وَرَابِعُهَا: الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ
الْكَفَّارَاتُ فِي الْإِطْعَامِ وَهُوَ الْجِنْسُ الَّذِي
تُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ بِعَيْنِهِ، وَخَامِسُهَا:
الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ
يَجِبُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِمَّا فِي
الْمِلْكِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ يُحَصِّلَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ
غَيْرِهِ وَيُخْرِجُ مِنْهُ الْعُشْرَ عَمَّا مَلَكَهُ مِنْ
الْحَبِّ أَوَ الثَّمَنِ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ كُلُّهَا
أَجْنَاسٌ كُلِّيَّةٌ لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً يَجِبُ
الْإِخْرَاجُ مِنْهَا وَلَمْ يُلَاحِظْ الشَّارِعُ فِيهَا
مُعَيَّنًا بَلْ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ
مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ تِلْكَ
الْمُعَيَّنَاتِ.
الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ الْوَاجِبُ عَنْهُ وَهُوَ جِنْسُ
الْمُوَلَّى عَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يُخْرَجَ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ
مِنْهُ صَاعٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَلَمْ يُلَاحِظْ
الشَّارِعُ خُصُوصَ شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ بَلْ مَفْهُومُ
الْإِنْسَانِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَاتِ الَّتِي لِأَجْلِهَا
تَجِبُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ كَانَ ذَلِكَ الْمُخْرَجُ
عَنْهُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِوَصِيَّةٍ أَوْ حَاكِمٍ
أَوْ وَلِيٍّ بِقَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ رَقِيقٍ
فَتَعَلُّقُ الْحُكْمِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ
هَذِهِ الْأَجْنَاسِ دُونَ خُصُوصِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ
زَوْجَةٍ مُعَيَّنَةٍ.
الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ الْوَاجِبُ مِثْلُهُ وَلَهُ
مِثَالَانِ: أَحَدُهُمَا جَزَاءُ الصَّيْدِ فِي الْحَجِّ
فَإِنَّهُ يَجِبُ إخْرَاجُ مِثْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فِي
الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ
مُطْلَقُ الْغَزَالِ وَمُطْلَقُ بَقَرِ الْوَحْشِ دُونَ
خُصُوصِ ظَبْيٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بَقَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ
الْوَاجِبُ مَنُوطٌ بِمُطْلَقِ ذَلِكَ الْجِنْسِ الْكُلِّيِّ
وَخُصُوصِ كُلِّ صَيْدٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ سَاقِطٌ عَنْ
الِاعْتِبَارِ فِي الْجَزَاءِ فَهَذَا الْجِنْسُ الْكُلِّيُّ
هُوَ الْوَاجِبُ مِثْلُهُ، وَثَانِيهِمَا: الْمُتْلَفُ
الْمِثْلِيُّ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ تَجِبُ
غَرَامَةُ مِثْلِهِ كَمَنْ أَتْلَفَ قَفِيزَ قَمْحٍ يَجِبُ
عَلَيْهِ غَرَامَةُ قَفِيزٍ مِثْلِهِ أَوْ رِطْلَ زَيْتٍ
يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ رِطْلِ زَيْتٍ مِثْلِهِ مَعَ قَطْعِ
النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِ ذَلِكَ الرِّطْلِ الزَّيْتِ
وَتَعَيُّنِهِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ كَوْنُهُ زَيْتًا مَوْصُوفًا
بِصِفَةٍ هِيَ مُتَعَلِّقُ الْأَغْرَاضِ نَحْوُ كَوْنِهِ
زَيْتًا اتِّفَاقًا وَزَيْتَ بِزْرِ كَتَّانٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ
فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ إخْرَاجِ مِثْلِهِ
حَتَّى إنَّ أَفْرَادَ الْأَرْطَالِ مِنْ الْغَلَّةِ
الْوَاحِدَةِ مِنْ الزَّيْتِ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ
وَالْمُعْتَبَرُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا دُونَ
خُصُوصِ رِطْلٍ دُونَ رِطْلٍ، وَكَذَلِكَ الْمِثْلِيَّاتُ
الْمُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ أَجْنَاسُهَا وَصِفَاتُهَا
الْعَامَّةُ دُونَ خُصُوصِ الْمُعَيَّنَاتِ، فَهَذَا جِنْسٌ
كُلِّيٌّ هُوَ الْوَاجِبُ مِثْلُهُ.
الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ الْوَاجِبُ إلَيْهِ وَلَهُ مِثْلٌ
فِي الشَّرِيعَةِ أَحَدُهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لِلْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةِ إذَا وَقَعَتْ فِي وَقْتِهَا
الْمَحْدُودِ لَهَا شَرْعًا أَدَاءً وَلَا إذَا وَقَعَتْ
بَعْدَهُ قَضَاءً بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ.
وَالْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَدَاءَ هُوَ إيقَاعُ
الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا
لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ بِالْأَمْرِ
الْأَوَّلِ فَقَيْدُ فِي وَقْتِهِ يُخْرِجُ الْقَضَاءَ
وَقَيْدُ الْمَحْدُودِ لَهُ يُخْرِجُ الْوَاجِبَ الْمُغَيَّا
بِجَمِيعِ الْعُمْرِ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى
وَقَيْدُ شَرْعًا يُخْرِجُ الْمَحْدُودَ عُرْفًا وَقَيْدُ
لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ يُخْرِجُ
الْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا؛
لِأَنَّ تَحْدِيدَ وَقْتِهَا شَرْعًا تَابِعٌ لِحُصُولِ أَمْرٍ
لَا لِمَصْلَحَةٍ فِي الْوَقْتِ كَمَا عَلِمْتَ فَلَا يُوصَفُ
الْفِعْلُ بِالْأَدَاءِ إلَّا إذَا وَقَعَ فِي وَقْتِهِ
الْمَحْدُودِ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ فَوَقْتُ الْأَدَاءِ
عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الْكُلُّ لَا جُزْءٌ
مِنْهُ لَا بِعَيْنِهِ يَتَعَيَّنُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ سَوَاءٌ
وَقَعَ فِي الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
هُوَ الْجَزَاءُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْفِعْلُ بِمَعْنَى
أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ جُزْءٌ مِنْ تِلْكَ
الْأَجْزَاءِ لَا بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ
بَيْنَهُمَا يَتَعَيَّنُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ إنْ فُعِلَ فِي
الْوَقْتِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الْآخِرُ
فَالْوُجُوبُ لِلْأَدَاءِ عِنْدَهُمْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ مَعَ
الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ السَّعْدُ
فِي شَرْحِ التَّوْضِيحِ أَفَادَهُ الشِّرْبِينِيُّ عَلَى
حَوَاشِي مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ.
وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ فِعْلُ الشَّيْءِ
كَيْفَ كَانَ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ
الصَّلاةُ} [الجمعة: 10] أَيْ فَإِذَا فُعِلَتْ، وَفِي
الِاصْطِلَاحِ لَهُ أَرْبَعَةُ مَعَانٍ أَحَدُهَا مَا
يُقَابِلُ الْأَدَاءَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ
خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا لِمَصْلَحَةٍ
اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ بِالْأَمْرِ الثَّانِي فَقَيْدُ
خَارِجَ وَقْتِهِ يُخْرِجُ الْأَدَاءَ وَقَيْدُ الْمَحْدُودِ
لَهُ شَرْعًا يُخْرِجُ الْمَحْدُودَ وَقْتُهُ عُرْفًا وَقَيْدُ
لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ يُخْرِجُ
الْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةَ؛ لِأَنَّ تَحْدِيدَ وَقْتِهَا
شَرْعًا تَابِعٌ لِحُصُولِ أَمْرٍ لَا لِمَصْلَحَةٍ كَمَا
عَلِمْتَ فَلَا يُوصَفُ الْفِعْلُ بِالْقَضَاءِ إلَّا إذَا
وَقَعَ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ
وَقَيَّدَ بِالْأَمْرِ الثَّانِي لِدَفْعِ نَقْضٍ وَهُوَ أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِقَضَاءِ رَمَضَانَ جُمْلَةَ
السَّنَةِ كُلِّهَا الَّتِي تَلِي شَهْرَ الْأَدَاءِ فَهُوَ
وَاجِبٌ وَقَعَ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا
وَلَيْسَ أَدَاءً، وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ قَضَاءَ
رَمَضَانَ وَإِنْ دَخَلَ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ بِاعْتِبَارِ
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّنَ لَهُ السَّنَةَ تَعْيِينًا لَا
كَسَنَةِ الْحَجِّ لِخُصُوصِ كَوْنِهَا تَابِعَةً
لِلِاسْتِطَاعَةِ غَيْرَ مَحْدُودَةِ الطَّرَفَيْنِ بَلْ
إنَّمَا عَيَّنَهَا لَهُ مَحْدُودَةَ الطَّرَفَيْنِ
لِمَصْلَحَةٍ
يَخْتَصُّ بِهَا لَا نَعْلَمُهَا لَا لِخُصُوصِ كَوْنِهَا
تَابِعَةً لِتَرْكِ الصَّوْمِ إلَّا أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ
(2/81)
الصَّوْمِ يَجِبُ الصَّوْمُ إلَيْهِ
وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ جِنْسُ الْغُرُوبِ مِنْ كُلِّ
يَوْمٍ أَمَّا كَوْنُهُ غُرُوبَ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَسَاقِطٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي
نَظَرِ الشَّرْعِ بَلْ مَتَى تَحَقَّقَ الْغُرُوبُ فِي أَيِّ
يَوْمٍ كَأَنْ سَقَطَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ
وَانْتَقَلَ الْمُكَلَّفُ إلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ لِوُجُودِ
مَفْهُومِ الْغُرُوبِ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَانَ وَلَا عِبْرَةَ
بِخُصُوصِ الْأَيَّامِ فَهَذَا جِنْسٌ عَامٌّ كُلِّيٌّ يَجِبُ
الْفِعْلُ إلَيْهِ وَهُوَ مُلَابَسَةٌ ضِدُّ الْأَكْلِ
وَالْجِمَاعِ.
وَثَانِيهَا: هِلَالُ شَوَّالٍ يَجِبُ تَتَابُعُ الصَّوْمِ فِي
الْأَيَّامِ إلَيْهِ كَمَا يَجِبُ إيصَالُ الصَّوْمِ فِي كُلِّ
يَوْمٍ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَمُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ هُوَ
كَوْنُهُ هِلَالَ شَوَّالٍ أَمَّا كَوْنُهُ هَذَا الْهِلَالَ
أَوْ ذَلِكَ أَوْ كَوْنُهُ مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ أَوْ مِنْ
سَنَةِ سَبْعِينَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ
بَلْ مُطْلَقُ هِلَالِ شَوَّالٍ كَيْفَ كَانَ مِنْ أَيِّ
سَنَةٍ كَانَ.
وَثَالِثُهَا: أَوَاخِرُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ
وَالْإِحْدَادِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ يَجِبُ إيصَالُ
الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ إلَى تِلْكَ الْغَايَاتِ،
وَكَذَلِكَ الْإِحْدَادُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ
تِلْكَ الْغَايَةِ مِنْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ مُتَعَلِّقُ
الْحُكْمِ كَوْنُهُ كَمَالَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي عِدَّةِ
الطَّلَاقِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِي عِدَّةِ
الْوَفَاةِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَمَا عَدَاهُ لَغْوٌ فِي
هَذَا الْحُكْمِ فَهَذِهِ أَجْنَاسٌ عَشَرَةٌ اشْتَرَكَتْ
كُلُّهَا فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِمَعْنًى كُلِّيٍّ
وَاخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِخُصُوصٍ كَمَا تَقَدَّمَ
كَكَوْنِهِ فِيهِ وَبِهِ وَعَنْهُ وَمِنْهُ وَإِلَيْهِ
وَعَلَيْهِ وَعِنْدَهُ وَبِهِ نُجِيبُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ
إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْأَبْوَابِ كُلِّهَا مُتَعَلِّقًا
بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فَلْيَكُنْ الْكُلُّ وَاجِبًا
مُخَيَّرًا فَلِمَ اخْتَلَفَتْ الْأَسْمَاءُ؟ فَنُجِيبُ أَنَّ
هَذَا الْقَدْرَ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ تَعَلَّقَ بِالْقَدْرِ
الْمُشْتَرَكِ قَدْ حَصَلَ تَحْتَهُ أَيْضًا أَجْنَاسٌ
كُلِّيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ أَفْرَادِهَا وَلِكُلِّ جِنْسٍ
مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ خُصُوصٌ عَامٌّ مُشْتَرَكٌ فِيهِ
بَيْنَ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَالْأَصْلُ إذَا
اخْتَلَفَتْ الْحَقَائِقُ الْكُلِّيَّةُ أَوْ الْجُزْئِيَّةُ
أَنْ تَخْتَلِفَ الْأَسْمَاءُ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا حَتَّى
تَحْصُلَ فَائِدَةُ التَّعْبِيرِ عَنْ خُصُوصِ كُلِّ حَقِيقَةٍ
كَانَتْ جِنْسًا أَوْ شَخْصًا فَهَذَا تَقْرِيرُ هَذَا
الْفَرْقِ بَيْنَ قَوَاعِدِهِ الْعَشَرَةِ.
(الْفَرْقُ السَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ
النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ
قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ
عَنْهَا) هَذَا الْفَرْقُ بَالَغَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي
اعْتِبَارِهِ حَتَّى أَثْبَتَ عُقُودَ الرِّبَا وَإِفَادَتَهَا
الْمِلْكَ فِي أَصْلِ الْمَالِ الرِّبَوِيِّ وَرَدِّ
الزَّائِدِ فَإِذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْجَبَ
الْعَقْدُ دِرْهَمًا مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَيُرَدُّ
الدِّرْهَمُ الزَّائِدُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الرِّبَوِيَّاتِ
وَبَالَغَ قُبَالَتَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إلْغَاءِ
هَذَا الْفَرْقِ حَتَّى أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِالثَّوْبِ
الْمَغْصُوبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (شِهَابُ الدِّينِ الْفَرْقُ السَّبْعُونَ بَيْنَ
قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ
الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ
الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا فِقْهٌ
حَسَنٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ حِكَايَةُ مَذْهَبٍ وَتَقْرِيرُهُ
وَذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ
الْمُرَكَّبَةَ كَمَا تَعْدَمُ لِعَدَمِ كُلِّ أَجْزَائِهَا
تَعْدَمُ بِعَدَمِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ
بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ إذَا عَدِمَ بَعْضَ الْأَجْزَاءُ لَمْ
تَتَرَكَّبْ تِلْكَ الْمَاهِيَّةُ فَلَا يَكُونُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
حَدِّ الْأَدَاءِ بِقَيْدِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ
وَدَخَلَ فِي حَدِّ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ
بِقَيْدِ بِالْأَمْرِ الثَّانِي فِيهِ فَافْهَمْ.
وَثَانِيهَا: إيقَاعُ الْوَاجِبِ تَعْيِينُهُ بِالشُّرُوعِ
وَعَلَيْهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ بِقَضَاءِ مَا
شُرِعَ فِيهِ مِنْ الطَّاعَاتِ وَأَبْطَلَهُ لِوُجُوبِهَا
بِالشُّرُوعِ عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ مَذْكُورٌ
فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ لِلْفَرِيقَيْنِ وَمِنْهُ حِجَّةُ
الْقَضَاءِ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْحِجَّةِ الْفَاسِدَةِ.
وَثَالِثُهَا: مَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ وَضْعِهِ فِي
الشَّرِيعَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَقْتِ
وَالتَّعْيِينِ بِالشُّرُوعِ وَمِنْهُ قَضَاءُ الْمَأْمُومِ
الْمَسْبُوقِ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ
الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَاتَتَاهُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ
الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ جَهْرًا تُسَمَّى قَضَاءً
اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا صُلِّيَتَا جَهْرًا وَقَدْ
صَارَا أَخِيرَيْنِ كَانَا عَلَى خِلَافِ الْوَضْعِ
الشَّرْعِيِّ مِنْ تَقَدُّمِ الْجَهْرِ عَلَى السِّرِّ،
وَقَوْلُهُمْ الْمَأْمُورُ فِيمَا فَاتَهُ هَلْ يَكُونُ
قَاضِيًا أَوْ بَانِيًا إنَّمَا هُوَ خِلَافٌ بَيْنَ
الْعُلَمَاءِ فِي تَعْيِينِ الْقَضَاءِ أَيْ هَلْ حُكْمُ
اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ أَوَّلًا لَا فِي أَنَّهُ يُسَمَّى
قَضَاءً لَوْ وَقَعَ كَذَلِكَ فَافْهَمْ.
وَرَابِعُهَا: إيقَاعُ الْفِعْلِ بَعْدَ تَقَدُّمِ سَبَبِهِ
وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ إنَّ
السُّنَنَ تُقْضَى لِتَقَدُّمِ أَسْبَابِهَا لَا لِلشُّرُوعِ
فِيهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَمَعَانِي لَفْظِ الْقَضَاءِ خَمْسَةٌ
مُخْتَلِفَةٌ أَرْبَعَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَوَاحِدٌ لُغَوِيٌّ
فَلَا يَرِدُ صِدْقُهُ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ مَعَانِيهِ عَلَى
غَيْرِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّنَا لَهُ بِاعْتِبَارِ
مَعْنَاهُ الْآخَرِ لَا نَقْضًا وَلَا سُؤَالًا أَلَا تَرَى
أَنَّا إذَا حَدَّدْنَا الْعَيْنَ بِمَعْنَى الْحَدَقَةِ
بِأَنَّهَا عُضْوٌ يَتَأَتَّى بِهِ الْإِبْصَارُ لَا
نَلْتَفِتُ لِلْقَوْلِ بِنَقْضِهِ بِعَيْنِ الْمَاءِ
وَبِالذَّهَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَعَانِيَ
الْمُخْتَلِفَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ حُدُودُهَا مُخْتَلِفَةً
فَحِينَئِذٍ اسْتَقَامَ مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِّ الْقَضَاءِ
وَحَدِّ الْأَدَاءِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا
تَعَيَّنَ وَقْتُهُ بِتَحْدِيدِ طَرَفَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ
فَيُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا
تَعَيَّنَ وَقْتُهُ بِغَيْرِ تَحْدِيدِ طَرَفَيْهِ
لِانْتِفَاءِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ بَلْ تَعْيِينًا تَابِعًا
لِتَحَقُّقِ أَمْرٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَلَا
يُوصَفُ لَا بِالْأَدَاءِ وَلَا بِالْقَضَاءِ.
وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا مَا غَلَبَ عَلَى
ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ عَاشَ
أَنَّ الْفِعْلَ يَكُونُ مِنْهُ أَدَاءً؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ
الْوَقْتِ لَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ بَلْ تَبَعٌ
لِلظَّنِّ الْكَاذِبِ وَهَلْ هُوَ قَضَاءٌ قَوْلَانِ
لِلْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى
وَسَيَأْتِي عَنْ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ
بِأَنَّهُ قَضَاءٌ دَعْوَى لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا أَلْبَتَّةَ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَاتِ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَافِ
بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ مَا يُوصَفُ بِهِمَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ
الِاصْطِلَاحِيِّ
(2/82)
وَالْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْمَسْرُوقِ
وَالذَّبْحَ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ وَسَوَّى فِيهِ
بَيْنَ مَوَارِدِ النَّهْيِ وَتَوَسَّطَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ فَأَوْجَبَا
الْفَسَادَ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ دُونَ بَعْضٍ، وَأَنَا
أَذْكُرُ حُجَجَ الْفَرِيقَيْنِ ثُمَّ أُذَيِّلُ بِمَسَائِلَ
تُوَضِّحُ الْفَرْقَ.
احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ
النَّهْيَ إذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ كَانَتْ
الْمَفْسَدَةُ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَالْمُتَضَمِّنُ
لِلْمُفْسِدَةِ فَاسِدٌ فَإِنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ
الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ
الْمَصَالِحَ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ
وَالْمَيْتَةِ وَبَيْعِ السَّفِيهِ، وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ
أَرْكَانَ الْعَقْدِ أَرْبَعَةٌ: عِوَضَانِ وَعَاقِدَانِ
فَمَتَى وُجِدَتْ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ
سَالِمَةً عَنْ النَّهْيِ فَقَدْ وُجِدَتْ الْمَاهِيَّةُ
الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا سَالِمَةً عَنْ النَّهْيِ فَيَكُونُ
النَّهْيُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا وَمَتَى
انْخَرَمَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَقَدْ عُدِمَتْ
الْمَاهِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُرَكَّبَةَ كَمَا
تُعْدَمُ لِعَدَمِ كُلِّ أَجْزَائِهَا تُعْدَمُ لِعَدَمِ
بَعْضِ أَجْزَائِهَا فَإِذَا بَاعَ سَفِيهٌ مِنْ سَفِيهٍ
خَمْرًا بِخِنْزِيرٍ فَجَمِيعُ الْأَرْكَانِ مَعْدُومَةٌ
فَالْمَاهِيَّةُ مَعْدُومَةٌ وَالنَّهْيُ وَالْفَسَادُ فِي
نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَإِذَا بَاعَ رَشِيدٌ مِنْ رَشِيدٍ
ثَوْبًا بِخِنْزِيرٍ فَقَدْ فُقِدَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ
وَهُوَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فَتَكُونُ الْمَاهِيَّةُ
مَعْدُومَةً شَرْعًا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ وَاحِدٍ
مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.
فَإِذَا بَاعَ رَشِيدٌ مِنْ رَشِيدٍ فِضَّةً بِفِضَّةٍ
فَالْأَرْكَانُ الْأَرْبَعَةُ مَوْجُودَةٌ سَالِمَةٌ عَنْ
النَّهْيِ الشَّرْعِيِّ فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى الْفِضَّتَيْنِ
أَكْثَرَ فَالْكَثْرَةُ وَصْفٌ حَصَلَ لِأَحَدِ الْعِوَضَيْنِ
فَالْوَصْفُ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ دُونَ الْمَاهِيَّةِ
فَهَذَا هُوَ تَحْرِيرُ كَوْنِ النَّهْيِ فِي الْمَاهِيَّةِ
أَوْ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا وَخَرَجَ عَلَى ذَلِكَ
جَمِيعُ عُقُودِ الرِّبَا وَجَمِيعُ مَا هُوَ مِنْ هَذَا
الضَّابِطِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمِثَالِ فَمَتَى
وُجِدَتْ الْأَرْكَانُ كُلُّهَا وَأَجْزَاءُ الْمَاهِيَّةِ
فَالنَّهْيُ فِي الْخَارِجِ وَمَتَى كَانَ النَّهْيُ فِي
جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ أَوْ فِي جَمِيعِ
أَجْزَائِهَا فَالنَّهْيُ فِي الْمَاهِيَّةِ إذَا تَقَرَّرَ
هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ
عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَالنَّهْيُ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَارِجِ
عَنْهَا فَلَوْ قُلْنَا بِالْفَسَادِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا
بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُتَضَمَّنَةِ لِلْفَسَادِ وَبَيْنَ
السَّالِمَةِ عَنْ الْفَسَادِ، وَلَوْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ
مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ السَّالِمَةِ فِي
ذَاتِهَا وَصِفَاتِهَا وَبَيْنَ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ
فِي صِفَاتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ
بَيْنَ مَوَاطِنِ الْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمِ عَنْ
الْفَسَادِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
ذَلِكَ الْجُزْءُ الْمَعْدُومُ جُزْءًا مِنْهَا إلَّا
بِالتَّوَهُّمِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا فِي غَيْرِ
هَذَا الْفَرْضِ أَمَّا فِي هَذَا فَلَا وَغَيْرُ مَا قَالَهُ
مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي قَرَّرَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
فِقْهٌ حَسَنٌ وَهُوَ قَوْلُهُ.
(قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ
الْمَفْسَدَةِ وَالنَّهْيُ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَارِجِ
عَنْهَا فَلَوْ قُلْنَا بِالْفَسَادِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا
بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ وَبَيْنَ
السَّالِمَةِ عَنْ الْفَسَادِ وَلَوْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ
مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ السَّالِمَةِ فِي
ذَاتِهَا وَصِفَاتِهَا وَبَيْنَ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ
فِي صِفَاتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ
بَيْنَ مَوَاطِنِ الْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمِ عَنْ
الْفَسَادِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَرَمَضَانَ.
وَالثَّانِي: مَا لَا يُوصَفُ بِهِمَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ
الِاصْطِلَاحِيِّ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِهِمَا بِالْمَعْنَى
الثَّانِي الِاصْطِلَاحِيِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ
وَالْأَحْنَافِ أَوْ بِالْمَعْنَى الرَّابِعِ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ كَالنَّوَافِلِ فَافْهَمْ.
وَالثَّالِثُ: مَا يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ بِالْمَعْنَى
الْمُتَقَدِّمِ فَقَطْ كَالْجُمُعَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى أَعْلَمُ
[الْعِبَادَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ]
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ
الْأَدَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ وَبَيْنَ
قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ)
وَذَلِكَ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِّ الْأَدَاءِ وَحَدِّ
الْقَضَاءِ لَمَّا لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِمَا لِأَحْوَالِ
الْمُكَلَّفِ بَلْ لِلْعِبَادَةِ فَقَطْ وَكَانَ حَدُّ
الْأَدَاءِ يَصْدُقُ عَلَى أَنَّ وَقْتَ أَدَاءِ الظُّهْرِ
مِنْ أَوَّلِ الزَّوَالِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ
أَدَاءِ الْمَغْرِبِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ
الْفَجْرِ بِسَبَبِ أَنَّ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ يُدْرِكُونَ
الظُّهْرَيْنِ بِزَوَالِ عُذْرِهِمْ فِي مِقْدَارِ مَا يَسَعُ
خَمْسَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُدْرِكُونَ
صَلَاتَيْ اللَّيْلِ بِزَوَالِهِ فِي مِقْدَارِ مَا يَسَعُ
أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الْإِجْمَاعُ
مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ لَا يَلْزَمُ
أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا
يَلْزَمُهُمْ صَلَاةُ النَّهَارِ إذَا لَمْ يَزُلْ عُذْرُهُمْ
إلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا صَلَاةُ اللَّيْلِ إذَا
لَمْ يَزُلْ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا أَنَّ
الشَّرْعَ لَمَّا مَنَعَ الْمُكَلَّفَ الَّذِي لَا عُذْرَ لَهُ
مِنْ تَأْخِيرِ الْعِبَادَاتِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مُطْلَقًا
وَحَدُّ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ فِي الظُّهْرِ بِآخِرِ
الْقَامَةِ وَفِي الْعَصْرِ بِالِاصْفِرَارِ وَفِي الْمَغْرِبِ
عَلَى زَاوِيَةِ اتِّحَادِهِ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهِيَ الْأَشْهَرُ وَقَالَ فِي
الِاسْتِذْكَارِ الِاتِّحَادُ هُوَ الْمَشْهُورُ بِقَدْرِ مَا
يَسَعُ فِعْلُهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا وَعَلَى رِوَايَةِ
امْتِدَادِهِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ الْقَوْلُ
بِالِامْتِدَادِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي أَحْكَامِهِ
إنَّهُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلُهُ
الَّذِي فِي مُوَطَّئِهِ الَّذِي قَرَأَهُ طُولَ عُمْرِهِ
وَأَمْلَاهُ حَيَاتَهُ اهـ. بِغِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ
كَمَا فِي الْحَطَّابِ عَلَى خَلِيلٍ، وَفِي الْعِشَاءِ أَمَّا
بِثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا بِنِصْفِهِ عَلَى الْخِلَافِ وَحَدُّ وَقْتِ
الِاضْطِرَارِ فِي الظُّهْرِ مِنْ بَعْدِ الْقَامَةِ
وَالْعَصْرِ مِنْ بَعْدِ الِاصْفِرَارِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ
فِيهِمَا وَفِي الْمَغْرِبِ إمَّا مِنْ بَعْدِ مَا يَسَعُهَا
بِشُرُوطِهَا أَوْ مِنْ بَعْدِ غِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ
عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْعِشَاءِ إمَّا مِنْ بَعْدِ
الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فِيهِمَا
بِحَيْثُ إنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ حَجَرَ عَلَى الْمُخْتَارِينَ
مِنْ إيقَاعِ الظُّهْرِ مَثَلًا فِيمَا بَعْدَ الْقَامَةِ إلَى
غُرُوبِ الشَّمْسِ وَمِنْ إيقَاعِ الْمَغْرِبِ مَثَلًا فِيمَا
بَعْدَ مَا يَسَعُهَا بِشُرُوطِهَا أَوْ فِيمَا بَعْدَ غِيَابِ
الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِنْ كَانَ
كُلٌّ مِنْ الْوَقْتَيْنِ
(2/83)
خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَتَعَيَّنَ
حِينَئِذٍ أَنْ يُقَابَلَ الْأَصْلُ بِالْأَصْلِ وَالْوَصْفُ
بِالْوَصْفِ فَنَقُولُ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ
النَّهْيِ.
وَالْأَصْلُ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعُقُودِهِمْ
الصِّحَّةُ حَتَّى يَرِدَ نَهْيٌ فَيَثْبُتُ لِأَصْلِ
الْمَاهِيَّةِ الْأَصْلُ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ وَيَثْبُتُ
لِلْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ
لِلْمَفْسَدَةِ الْوَصْفُ الْعَارِضُ وَهُوَ النَّهْيُ
فَيَفْسُدُ الْوَصْفُ دُونَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ
وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ
الْمَفَاسِدَ وَمَتَى وَرَدَ نَهْيٌ أَبْطَلْنَا ذَلِكَ
الْعَقْدَ وَذَلِكَ التَّصَرُّفَ بِجُمْلَتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ
الْعَقْدَ إنَّمَا اقْتَضَى تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ بِذَلِكَ
الْوَصْفِ أَمَّا بِدُونِهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ
الْمُتَعَاقِدَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ غَيْرَ مَعْقُودٍ
عَلَيْهِ فَيُرَدُّ مِنْ يَدِ قَابِضِهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ،
وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ مَعْدُومٌ
شَرْعًا وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَمَنْ
صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ حِسًّا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ،
فَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ
بَاطِلَةٌ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ
وَالْمَسْرُوقِ وَالذَّبْحُ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ
وَالْمَسْرُوقَةِ فَهِيَ كُلُّهَا مَعْدُومَةٌ شَرْعًا
فَتَكُونُ مَعْدُومَةً حِسًّا وَمَنْ فَرَى الْأَوْدَاجَ
بِغَيْرِ أَدَاةٍ حِسًّا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ فَكَذَلِكَ
ذَبِيحَةُ الذَّابِحِ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبَةٍ وَعَلَى هَذَا
الْمِنْوَالِ.
وَأَمَّا نَحْنُ فَتَوَسَّطْنَا بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ
فَقُلْنَا بِالْفَسَادِ لِأَجْلِ النَّهْيِ عَنْ الْوَصْفِ فِي
مَسَائِلَ دُونَ مَسَائِلَ وَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ
مَسَائِلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَابَلَ
الْأَصْلُ بِالْأَصْلِ وَالْوَصْفُ بِالْوَصْفِ فَنَقُولُ
أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ النَّهْيِ وَالْأَصْلُ فِي
تَصَرُّفَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعُقُودِهِمْ الصِّحَّةُ حَتَّى
يَرِدَ نَهْيٌ فَيُثْبِتَ لِأَصْلِ الْمَاهِيَّةِ الْأَصْلَ
الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ وَيُثْبِتَ لِلْوَصْفِ الَّذِي هُوَ
الزِّيَادَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَفْسَدَةِ الْوَصْفَ
الْعَارِضَ وَهُوَ النَّهْيُ فَيَفْسُدُ الْوَصْفُ دُونَ
الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ) قُلْتُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ
لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْوَصْفَ إذَا نَهَى
عَنْهُ سَرَى النَّهْيُ إلَى الْمَوْصُوفِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ
لَا وُجُودَ لَهُ مُفَارِقًا لِلْمَوْصُوفِ فَيَئُولُ
الْأَمْرُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ يَتَسَلَّطُ عَلَى
الْمَاهِيَّةِ الْمَوْصُوفَةِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَتَكُونُ
الْمَاهِيَّةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَارٍ عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ
فَلَا يَتَسَلَّطُ النَّهْيُ عَلَيْهِ وَمُتَّصِفٌ بِذَلِكَ
الْوَصْفِ فَيَتَسَلَّطُ النَّهْيُ عَلَيْهِ.
قَالَ (وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ
إلَى قَوْلِهِ وَلِنَذْكُرَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ)
قُلْتُ فِيمَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ
الْمَغْصُوبِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَمِنْ تَسْوِيَتِهِ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الرِّبَا نَظَرٌ فَإِنَّ هَذِهِ
الْأُمُورَ لَمْ يَتَسَلَّطْ النَّهْيُ فِيهَا عَلَى
الْمَاهِيَّةِ وَلَا عَلَى وَصْفِهَا بَلْ تَسَلَّطَ عَلَى
الْغَصْبِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضِ لِكَوْنِهِ فِي وُضُوءٍ أَوْ
غَيْرِ وُضُوءٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الرِّبَا فَإِنَّهُ
وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ فِي الْآيَةِ ظَاهِرُهُ التَّسَلُّطُ
عَلَى الرِّبَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِهِ فِي
الْبَيْعِ أَوْ لَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ
بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا
تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمَذْكُورَيْنِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّ الْأَدَاءِ
الْمَارِّ كَانَ إيقَاعُ الْمُخْتَارِينَ الظُّهْرَ بَعْدَ
الْقَامَةِ وَالْعَصْرَ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَالْمَغْرِبَ
بَعْدَ مَا يَسَعُهَا بِشُرُوطِهَا أَوْ بَعْدَ غِيَابِ
الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ وَالْعِشَاءَ بَعْدَ الثُّلُثِ أَوْ
النِّصْفِ أَدَاءً مَعَهُ الْإِثْمُ لِتَعَدِّيهِمْ مَا
حَدَّدَهُ لَهُمْ صَاحِبُ الشَّرْعِ وَإِيقَاعِهِمْ الظُّهْرَ
فِي الْقَامَةِ وَالْمَغْرِبَ فِيمَا يَسَعُهَا بِشُرُوطِهَا
أَدَاءً لَيْسَ مَعَهُ إثْمٌ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِمْ مَا
حَدَّدَهُ لَهُمْ صَاحِبُ الشَّرْعِ إذْ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ
أَنْ يُحَدِّدَ لِلْعِبَادَةِ وَقْتًا وَيَجْعَلَ نِصْفَهُ
الْأَوَّلَ لِطَائِفَةٍ وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِطَائِفَةٍ
أُخْرَى فَتَأْثَمُ الْأُولَى بِتَعَدِّيهَا لِغَيْرِ
وَقْتِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَامَةَ وَقْتُ أَدَاءً بِلَا
خِلَافٍ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَمَعَ
ذَلِكَ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ طَائِفَةٍ أَنَّهَا لَا
تَعِيشُ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ بَلْ لِنِصْفِهَا لَجَعَلَ
صَاحِبُ الشَّرْعِ نِصْفَ الْقَامَةِ وَقْتًا لِهَؤُلَاءِ
خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مِنْ
الْقَامَةِ لَيْسَ وَقْتًا لَهُمْ، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا
جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ وَقْتَ الظُّهْرِ إلَى غُرُوبِ
الشَّمْسِ وَوَقْتَ الْمَغْرِبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ
وَحَجَرَ عَلَى الْمُخْتَارِينَ الْوُصُولَ إلَيْهِ
وَجَعَلَهُمْ بِتَعَدِّي الْقَامَةِ وَغِيَابِ الشَّفَقِ
الْأَحْمَرِ مُؤَدِّينَ آثِمِينَ وَجَعَلَ لِأَرْبَابِ
الْأَعْذَارِ إدْرَاكَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَدَاءً بِلَا
إثْمٍ فِيمَا يَسَعُ خَمْسَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ
وَإِدْرَاكُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَدَاءً بِلَا إثْمٍ
فِيمَا يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ.
فَظَهَرَ بِهَذَا تَحْرِيرُ الْفَرْقِ وَزَالَ مَا
اسْتَشْكَلَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْنَا مِنْ الْجَمْعِ
بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْإِثْمِ عَلَى أَنَّهُمْ قَائِلُونَ
بِهِ فِيمَنْ ظَنَّ مَا ذَكَرَ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ
يَقُولُوا بِهِ فِي الْمُخْتَارِينَ بِالْأَوْلَى هَذَا
خُلَاصَةُ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا
قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ اصْطِلَاحَ
الْفُقَهَاءِ مُوَافِقٌ لِتَحْدِيدِهِ الْأَدَاءَ أَوْ عَلَى
تَسْلِيمِ اصْطِلَاحِهِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ،
وَتَصْحِيحُ تَحْدِيدِهِ إلَّا أَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ صَاحِبَ
الشَّرْعِ جَعَلَ نِصْفَ الْقَامَةِ وَقْتًا لِمَنْ غَلَبَ
عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى نِصْفِهَا بَاطِلَةٌ
بِلَا شَكٍّ وَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ فَهُوَ
مَذْهَبٌ ذَاهِبٌ وَدَعْوَى لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا أَلْبَتَّةَ
فَلَا يَصِحُّ التَّنْظِيرُ بِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ تَحْدِيدَ
وَقْتِ الِاخْتِيَارِ بِالْقَامَةِ مَثَلًا ثَابِتٌ مِنْ
الشَّرْعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَحْدِيدُ الْوَقْتِ
بِالظَّنِّ الْمَذْكُورِ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْ الشَّرْعِ وَلَا
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَا بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَلَا قَطْعِيٍّ
بِوَجْهٍ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ
ذَلِكَ إنْ وَقَعَ الْأَمْرُ لِمَا ظَنَّهُ فَأَمَّا أَنْ
يُوقِعَ الصَّلَاةَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ قَدْ أَوْقَعَ
الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَفَازَ بِأَجْرِهِ.
وَأَمَّا أَنْ لَا يُوقِعَهَا فَلَا يُؤَاخَذُ؛ لِأَنَّهُ
مَاتَ فِي أَثْنَاءِ
(2/84)
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ
الْمَغْصُوبَةِ قُلْنَا نَحْنُ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَفِيَّةُ بِصِحَّتِهَا وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ
بِبُطْلَانِهَا فَنَحْنُ نُلَاحِظُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ
الْأَمْرِ قَدْ وُجِدَ فِيهَا بِكَمَالِهِ مَعَ مُتَعَلِّقِ
النَّهْيِ فَالصَّلَاةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلَاةٌ حَاصِلَةٌ
غَيْرَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ جَنَى عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الدَّارِ
فَالنَّهْيُ فِي الْمُجَاوِرِ وَالْحَنَابِلَةُ مَشَوْا عَلَى
أَصْلِهِمْ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) غَاصِبُ الْخُفِّ إذَا مَسَحَ
عَلَيْهِ عِنْدَنَا صَحَّتْ طَهَارَتُهُ وَصَلَاتُهُ وَعِنْدَ
الْحَنَابِلَةِ تَبْطُلُ وَالْمُدْرَكُ عِنْدَنَا أَنَّهُ
مُحَصِّلٌ لِلطَّهَارَةِ بِكَمَالِهَا عَلَى الْوَجْهِ
الْمَطْلُوبِ شَرْعًا وَإِنَّمَا هُوَ جَانٍ عَلَى حَقِّ
صَاحِبِ الْخُفِّ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ
وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا
الْفَرْعِ وَبَيْنَ الْمُحْرِمِ إذَا مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ
أَنَّ الْمُحْرِمَ مُخَاطَبٌ فِي طَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ
وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَمْ تَحْصُلْ بِهِ حَقِيقَةُ
الْمَأْمُورِ بِهِ بِكَمَالِهِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ حَصَّلَ
حَقِيقَةَ الْمَأْمُورِ بِهِ بِكَمَالِهِ مَعَ حَقِيقَةِ
النَّهْيِ فَكَانَ النَّهْيُ فِي الْمُجَاوِرِ، وَكَثِيرًا مَا
يُسْأَلُ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ
فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأُمُورٍ وَعِبَارَاتٍ لَيْسَ فِيهَا
إبَانَةٌ عَنْ الْمَقْصُودِ وَسِرُّ الْفَرْقِ مَا ذَكَرْتُهُ
لَكَ مِنْ وُجُودِ كَمَالِ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي
الْغَاصِبِ وَعَدَمُ وُجُودِهَا فِي الْمُحْرِمِ فَفِي صُورَةِ
الْغَاصِبِ نَهْيٌ عَنْ مُجَاوِرٍ وَفِي صُورَةِ الْمُحْرِمِ
عَدَمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فَبَقِيَتْ الذِّمَّةُ مَشْغُولَةً
بِالْمَأْمُورِ فَالْبَابَانِ مُخْتَلِفَانِ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا عَاصٍ بِاللُّبْسِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الَّذِي يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ
مَغْصُوبٍ أَوْ يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ يَحُجُّ
بِمَالٍ حَرَامٍ كُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ
فِي الصِّحَّةِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَالْعِلَّةُ وَمَا
تَقَدَّمَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحَجِّ
وَالسُّتْرَةِ وَصُورَةِ التَّطَهُّرِ قَدْ وُجِدَتْ مِنْ
حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِذْنُ الشَّرْعِيُّ
وَإِذَا حَصَلَتْ حَقِيقَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ
الْمَصْلَحَةُ كَانَ النَّهْيُ مُجَاوِرًا وَهِيَ الْجِنَايَةُ
عَلَى الْغَيْرِ كَمَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنْ
قُلْتَ لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ؛
لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَتَكُونُ
السُّتْرَةُ مَعْدُومَةً حِسًّا مَعَ الْعَمْدِ وَذَلِكَ
مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ بِعَيْنِ هَذَا
التَّقْرِيرِ وَلَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَقُولَ ذَلِكَ فِي
الْحَجِّ فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْحَجِّ؛
لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رُكْنًا وَلَا صُرِفَتْ فِي رُكْنٍ بَلْ
نَفَقَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
بِمِثْلٍ» فَسَلَّطَ النَّهْيَ عَلَى الْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ
عَلَى الزِّيَادَةِ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ.
قَالَ لَا تَتَوَضَّأْ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ فَبَيْنَ
الْمَوْضِعَيْنِ فَرْقٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا خَفَاءَ
فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ
الْمَغْصُوبَةِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ لَمْ يَزِدْ عَلَى
حِكَايَةِ الْمَذَاهِبِ وَمُسْتَنِدِهَا وَلَا كَلَامَ فِي
ذَلِكَ.
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ غَاصِبُ الْخُفِّ إذَا
مَسَحَ عَلَيْهِ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ وَصَلَاتُهُ عِنْدَنَا
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَبْطُلُ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ مَا
قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَى مُنْتَهَى الْمَسْأَلَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْوَقْتِ فَلَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا بِوَجْهٍ وَإِنْ لَمْ
يَقَعْ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ فَأَمَّا أَنْ يُوقِعَ
الصَّلَاةَ فِي بَقِيَّةِ الْقَامَةِ فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَ
مَا أُمِرَ بِهِ فَلَا يَلْحَقُهُ مُؤَاخَذَةٌ وَلَا يُعَدُّ
مُفَرِّطًا، وَأَمَّا أَنْ لَا يُوقِعَهَا إلَّا بَعْدَ
الْقَامَةِ فَيَكُونُ مُفَرِّطًا آثِمًا وَأَنَّ مَنْ قَالَ
مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدَاءِ
وَالْإِثْمِ فِي حَقِّ مَنْ ظَنَّ مَا ذَكَرَ إذَا صَلَّى فِي
النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ الْقَامَةِ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ
يَقُولَ بِهِ فِي الْمُخْتَارِينَ بِالْأَوْلَى إلَّا إذَا
قَالَ: إنَّهُ أَدَاءٌ هُوَ إنَّمَا قَالَ أَنَّهُ قَضَاءٌ اهـ
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. |