الفروق = أنوار البروق في أنواء الفروق [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ
الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ
الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَاتِ]
الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ
قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ
الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَاتِ)
وَذَلِكَ أَنَّ الْبَابَيْنِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي صِحَّةِ
الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا أَنَّهُمَا افْتَرَقَا فِي أَنَّ
الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الذَّوَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى
فِيهِ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ
الْكُلِّ بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ الْمُسْتَثْنَى لِلْمُسْتَثْنَى
مِنْهُ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ
يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى فِيهِ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَى
اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فِي الظَّاهِرِ وَذَلِكَ
أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الصِّفَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛
لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقَعَ فِي جُمْلَةِ الصِّفَةِ كَأَنْ
تَقُولَ مَرَرْت بِالسَّاكِنِ إلَّا السَّاكِنَ أَوْ مَرَرْت
بِالْمُتَحَرِّكِ إلَّا الْمُتَحَرِّكَ فَتَسْتَثْنِي
الصِّفَةَ مِنْ الصِّفَةِ وَهُوَ السُّكُونُ فَقَطْ فِي
الْأَوَّلِ وَالْحَرَكَةُ فَقَطْ فِي الثَّانِي وَتَتْرُكُ
الْمَوْصُوفَ فَتَتَعَيَّنُ لَهُ الْحَرَكَةُ فِي الْأَوَّلِ،
فَيَكُونُ مُرُورُك بِالْمُتَحَرِّكِ وَيَتَعَيَّنُ السُّكُونُ
فِي الثَّانِي، فَيَكُونُ مُرُورُك بِالسَّاكِنِ وَإِمَّا أَنْ
يَقَعَ أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الصِّفَةِ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ - إِلا
مَوْتَتَنَا الأُولَى} [الصافات: 58 - 59] فَقَوْلُهُ
بِمَيِّتِينَ لَفْظٌ يَشْمَلُهُمْ بِصِفَةِ الْمَوْتِ وَلَمْ
يَسْتَثْنُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَحَدًا، بَلْ بَعْضَ
أَنْوَاعِ الصِّفَةِ.
وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ فِي بَعْضِ
مُتَعَلِّقَاتِ الصِّفَةِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
قَاتَلَ ابْنَ الْبَتُولِ إلَّا عَلِيًّا
فَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الْأُدَبَاءُ قَاتَلَ ابْنَ فَاطِمَة
الْبَتُول أَيْ الْمُنْقَطِعَةِ عَنْ الْأَزْوَاجِ إلَّا عَنْ
عَلِيٍّ فَاسْتَثْنَى مِنْ صِفَتِهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا
غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ جُمْلَةَ الصِّفَةِ وَلَا
نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِهَا، بَلْ اسْتَثْنَى مُتَعَلِّقًا مِنْ
مُتَعَلِّقَاتِهَا فَإِنَّ التَّبَتُّلَ الَّذِي هُوَ
الِانْقِطَاعُ قَالَ تَعَالَى {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ
تَبْتِيلا} [المزمل: 8] أَيْ انْقَطِعْ عَلَيْهَا انْقِطَاعًا
لَمَّا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ الْأَزْوَاجِ
كُلِّهَا اسْتَثْنَى مِنْ مُتَعَلِّقِ التَّبَتُّلِ عَلِيًّا -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مَا
قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ
صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مِنْ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ أَنْتِ
طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَ
مُسْتَفْتِيًا، وَقَالَ نَوَيْت ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ
وَفِي مَوْضِعٍ لَوْ سَكَتَ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ
طَلَاقٌ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ
فَيُخْتَلَفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ آتٍ بِمَا لَا يُشْبِهُ كَمَا
لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ وَيَخْتَلِفُ إذَا قَالَ
أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
مُسْتَثْنِيًا لِلْأَوَّلِ وَإِنْ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً
وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَأَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى
الْوَاحِدَةِ يَقَعُ عَلَيْهِ اثْنَانِ.
وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً
وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ أَيْضًا إنْ
أَعَادَهُ عَلَى طَلْقَةٍ وَثَلَاثٌ إنْ أَعَادَهُ عَلَى
الْوَاحِدَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ
الْمَسَائِلِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَتَقْرِيرُهَا
وَإِيضَاحُهَا أَنْ تَقُولَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً
مَعْنَاهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَالطَّلَاقُ مَصْدَرٌ قَدْ
وَصَفَهُ بِالْوَحْدَةِ فَصَارَ فِي كَلَامِهِ حِينَئِذٍ
صِفَةٌ وَمَوْصُوفٌ فَإِذَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ إلَّا
وَاحِدَةً كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمِلًا سِتَّ حَالَاتٍ
(الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً
الصِّفَةَ وَالْمَوْصُوفَ مَعًا، ثُمَّ يَقْصِدَ رَفْعَ
الصِّفَةِ دُونَ الْمَوْصُوفِ، فَيَكُونُ قَدْ رَفَعَ مَصْدَرَ
الطَّلَاقِ الْوَحْدَةِ فَيَتَعَيَّنُ ضِدُّهَا وَهُوَ
الْكَثْرَةُ إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَالْقَاعِدَةُ
الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ كُلَّ ضِدَّيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا
إذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ ثُبُوتُ الْآخَرِ أَلَا
تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا الْعَدَدُ لَيْسَ بِزَوْجٍ
فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فَرْدًا أَوْ لَيْسَ
(3/203)
إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا وَالِاسْتِبْرَاءُ
لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَا يَجْرِي
الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ الْبَيْعِ إلَّا فِيمَنْ كَانَتْ
تَحْتَ يَدِهِ لِلِاسْتِبْرَاءِ أَوْ وَدِيعَةً
وَسَيِّدُهَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَوْ اشْتَرَاهَا
مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الَّذِي فِي
عِيَالِهِ وَسَكَنِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ سَيِّدِهَا
عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ الْغَيْبَةِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ
إلَيْهِ أَوْ خَرَجَتْ حَائِضًا أَوْ الشَّرِيكُ يَشْتَرِي
مِنْ شَرِيكِهِ وَهِيَ تَحْتَ يَدَيْ الْمُشْتَرِي.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كُلُّ مَنْ
أُمِنَ عَلَيْهَا الْحَمْلُ فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِيهَا،
وَمَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ حَمْلُهَا أَوْ شُكَّ فِيهَا
اُسْتُبْرِئَتْ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَرَاءَتُهَا
مَعَ جَوَازِ الْحَمْلِ فَقَوْلَانِ كَالصَّغِيرَةِ
وَالْآيِسَةِ تُسْتَبْرَآنِ لِسُوءِ الظَّنِّ وَالْوَخْشِ
مِنْ الرَّقِيقِ، وَمَنْ بَاعَهَا مَجْبُوبٌ أَوْ
امْرَأَةٌ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا وَالْمَشْهُورُ
إيجَابُهُ وَأَشْهَبُ يَنْفِيهِ وَيَجُوزُ اتِّفَاقُ
الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى اسْتِبْرَاءٍ وَاحِدٍ
لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ فَهَذِهِ فُرُوعٌ فِي
الِاسْتِبْرَاءِ لَا يَجُوزُ فِي الْعِدَدِ مِثْلُهَا
فَلَوْ عُلِمَتْ بَرَاءَةُ الْمُعْتَدَّةِ قَبْلَ
الْإِطْلَاقِ أَوْ الْوَفَاءِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ
الْعِدَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ
الْعِدَّةَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ
مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْقُولَةَ
الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ
لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ
فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هِيَ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى
وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ فِي الْوَفَاةِ
عَلَى بِنْتِ الْمَهْدِ وَتَجِبُ فِي الطَّلَاقِ
وَالْوَفَاةِ عَلَى الْكَبِيرَةِ الْمَعْلُومِ
بَرَاءَتُهَا بِسَبَبِ الْغَيْبَةِ وَغَيْرِهَا هَذِهِ
شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعِدَّةِ
شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ وَجَبَ فِعْلُهَا بَعْدَ سَبَبِهَا
مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عُلِمَتْ الْبَرَاءَةُ
أَمْ لَا تَوْفِيَةً لِشَائِبَةِ التَّعَبُّدِ
وَالِاسْتِبْرَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِفَرْدٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا؛ لِأَنَّهُ
لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ وَأَقَلُّ
مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ اثْنَانِ فَيَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ؛
لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ
(الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ
وَاحِدَةً قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ الصِّفَةَ وَحْدَهَا،
ثُمَّ يَسْتَثْنِيهَا فَاسْتِثْنَاؤُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ
رَفَعَ جُمْلَةَ مَا وَضَعَهُ أَوَّلًا
(الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ
وَاحِدَةً نَفْسَ الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ طَلَاقٌ
وَلَا يَأْخُذُهُ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ وَلَا بِقَيْدِ
الْكَثْرَةِ، ثُمَّ يُورِدَ الِاسْتِثْنَاءَ أَيْضًا عَلَى
هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ
الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ عَيْنَ مَا وَضَعَهُ
(الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ
أَوَّلًا الْمَصْدَرَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ
وَيَقْصِدَ بِقَوْلِهِ إلَّا وَاحِدَةً الطَّلَاقَ
الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ فَلَا يَنْفَعُهُ أَيْضًا
اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ جُمْلَةَ مَا وَضَعَهُ
(الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ) أَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِ
الْأَوَّلِ الطَّلَاقَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ
وَيَقْصِدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَوْصُوفَ وَهُوَ
مَفْهُومُ الطَّلَاقِ دُونَ الْوَحْدَةِ فَهَذَا
مُسْتَثْنًى لِبَعْضِ مَا نَطَقَ بِهِ مُطَابَقَةً غَيْرَ
أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ أَصْلِ الطَّلَاقِ نَفْيُ
صِفَاتِهِ مِنْ الْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ فَتَنْتَفِي
الصِّفَةُ أَيْضًا مَعَ الْمَوْصُوفِ فَيَبْطُلُ
اسْتِثْنَاؤُهُ وَيَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَبْقَ شَيْءٌ بِالْمُطَابَقَةِ وَالِالْتِزَامِ
(الْحَالَةُ السَّادِسَةُ) أَنْ يَسْتَعْمِلَ قَوْلَهُ
أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي الطَّلَاقِ بِوَصْفِ
الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إطْلَاقُ الْجِنْسِ
وَإِرَادَةُ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُ فَإِذَا قَالَ بَعْدَ
ذَلِكَ إلَّا وَاحِدَةً يُرِيدُ بِهَا بَعْضَ ذَلِكَ
الْعَدَدِ الَّذِي كَانَ يَقْصِدُهُ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ
وَهُمَا اللَّتَانِ بَقِيَتَا مِنْ الثَّلَاثِ الَّتِي
أَرَادَهَا بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ بَعْدَ إخْرَاجِ
وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ فَظَهَرَ بِهَذَا
التَّقْرِيرِ كَيْفَ تَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ بِقَوْلِهِ
أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ
إذَا قَالَ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا
وَاحِدَةً إنْ أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ إحْدَى هَذِهِ
الثَّلَاثِ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ وَإِنْ أَرَادَ
اسْتِثْنَاءَ الصِّفَةِ وَهِيَ الْوَحْدَةُ عَنْ طَلْقَةٍ
مِنْ هَذِهِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ
فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَلْزَمَهُ أَرْبَعُ
تَطْلِيقَاتٍ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ صِفَةَ الْوَحْدَةِ عَنْ
طَلْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَيَقَعُ فِيهَا الْكَثْرَةُ
فَتَصِيرُ تِلْكَ الطَّلْقَةُ طَلْقَتَيْنِ كَمَا
تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ
إلَى لُزُومِ أَرْبَعٍ بِالْإِجْمَاعِ اقْتَصَرْنَا عَلَى
ثَلَاثٍ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعَ
تَطْلِيقَاتٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ
قَالَ، وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ
الِاسْتِغْنَاءِ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ
مُجَلَّدٌ كَبِيرٌ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ بَابًا
وَأَرْبَعُمِائَةِ مَسْأَلَةٍ لَيْسَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ
إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الصِّفَةِ
مِنْ أَغْرَبِ أَبْوَابِهِ، وَقَدْ بَسَطْته لَك هَا هُنَا
بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَظَهَرَ لَك مَعْنَى هَذِهِ
الْمَسَائِلِ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِهِ، وَلَوْلَاهُ لَمْ
يُفْهَمْ أَصْلًا أَلْبَتَّةَ فَنَفَائِسُ الْقَوَاعِدِ
لِنَوَادِرِ الْمَسَائِلِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ
اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ هَدَانَا اللَّهُ سَوَاءَ
السَّبِيلِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ اهـ بِلَفْظِهِ
قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ هَذَا الْفَرْقُ يَحْتَاجُ إلَى
تَأَمُّلٍ اهـ بِلَفْظِهِ.
وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ الَّتِي
بَنَى هَذَا الْفَرْقَ عَلَيْهَا نَظِيرُ مَا نَقَلَهُ
الْقَرَافِيُّ عَنْ الْمَدْخَلِ لِابْنِ طَلْحَةَ
الْمَالِكِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ
ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ
طَلَاقٌ كَمَا فِي مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي
اعْتِبَارِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ، وَقَدْ قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَنَقَلَ هَذَا الْقَوْلَ
الْقَرَافِيُّ وَأَنْكَرَهُ فَقَالَ الْأَقْرَبُ أَنَّ
هَذَا الْخِلَافَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ
بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى
جَمْعِ الْجَوَامِعِ يَعْنِي الْإِجْمَاعَ الَّذِي حَكَاهُ
الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ
كَالْقَرَافِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ فِي الْحُكْمِ
لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ مُطْلَقًا كَانَ فِي
الصِّفَاتِ أَوْ فِي الذَّوَاتِ فَلَوْ قَالَ لَهُ
عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً لَزِمَهُ عَشَرَةٌ، وَلَوْ قَالَ
لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا
وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إلَّا أَنْ
(3/204)
لَمْ تَرِدْ فِيهِ هَذِهِ الشَّائِبَةُ،
بَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ
وَعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ فَلِذَلِكَ حَيْثُ
حَصَلَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْبَرَاءَةُ سَقَطَتْ
الْوَسِيلَةُ إلَيْهِ وَهِيَ الِاسْتِبْرَاءُ لِحُصُولِ
الْمَقْصُودِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ وَهُوَ الْمُوجِبُ
لِخُرُوجِ تِلْكَ الصُّوَرِ عَنْ الْحَاجَةِ
لِلِاسْتِبْرَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِثْلُهَا فِي قَاعِدَةِ
الْعِدَدِ.
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ
قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْأَقْرَاءِ يَكْفِي قُرْءٌ
وَاحِدٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالشُّهُورِ
لَا يَكْفِي شَهْرٌ) مَعَ أَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ
يَحْصُلُ لَهُنَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ قُرْءٌ كَأَنْ
يُكْتَفَى بِشَهْرٍ كَمَا اُكْتُفِيَ بِقُرْءٍ،
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الْقُرْءَ
الْوَاحِدَ وَهُوَ الْحَيْضُ دَالٌّ عَادَةً عَلَى
بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَإِنَّ الْحَيْضَ لَا يَجْتَمِعُ
مَعَ الْحَمْلِ غَالِبًا فَكَانَ الْقُرْءُ الْوَاحِدُ
مِنْ الْحَيْضِ دَالًّا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ
وَعَدَمِ الْحَمْلِ، وَالشَّهْرُ الْوَاحِدُ وَإِنْ كَانَ
يَحْصُلُ قُرْءًا وَاحِدًا فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ
لَكِنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا يَحْصُلُ بِهِ
بَرَاءَةُ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الْمَنِيَّ يَمْكُثُ
مَنِيًّا فِي الرَّحِمِ نَحْوَ الشَّهْرِ، ثُمَّ يَصِيرُ
مُضْغَةً بَعْدَ أَنْ صَارَ عَلَقَةً فَلَا يَظْهَرُ
الْحَمْلُ فِي الْغَالِبِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ
فَتُكْبِرُ الْجَوْفَ وَتَحْصُلُ مَبَادِئُ الْحَرَكَةِ
أَمَّا الشَّهْرُ الْوَاحِدُ فَجَوْفُ الْحَامِلِ فِيهِ
مُسَاوٍ فِي الظَّاهِرِ لِغَيْرِ الْحَامِلِ فَلِذَلِكَ
لَمْ يُعْتَبَرْ الشَّهْرُ الْوَاحِدُ وَاعْتُبِرَ
الْقُرْءُ الْوَاحِدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يُعَقِّبَ بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ
نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً إلَّا
أَرْبَعَةً فَفِي جَوَازِهِ وَأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي
الْحُكْمِ إمَّا اعْتِبَارُ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي
مِنْ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعَةٌ وَإِمَّا
اعْتِبَارُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ
سِتَّةٌ وَعَدَمُ جَوَازِهِ وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ
فَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي
خِلَافٌ كَمَا فِي مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ نَعَمْ
صَرَّحَ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ
بِأَنَّ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ أَثَرًا فِي الْحُكْمِ
وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنْهَا فَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ
بِعَشَرَةٍ إلَّا عَشَرَةً كَانَ رُجُوعًا عَنْ
الْوَصِيَّةِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى
مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ
الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْوَحَدَاتِ
مِنْ الطَّلَاقِ]
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ
قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَبَيْنَ
قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْوَحَدَاتِ مِنْ الطَّلَاقِ)
قَاعِدَةُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا جُعِلَ
لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ مُعَرَّضًا لِلنِّسْيَانِ
فَيَنْدَرِجُ فِي الْكَلَامِ سَهْوًا فَيَخْرُجُ
بِالِاسْتِثْنَاءِ تَقْتَضِي أَنَّ الْعَطْفَ فِي
الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ظَاهِرٌ فِي مَنْعِ الِاسْتِثْنَاءِ
مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ خُصُوصُ الْمَعْطُوفِ مَقْصُودًا
لِلْعُقَلَاءِ نَحْوُ قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَخَالِدٌ
إلَّا خَالِدًا أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ لِلْعُقَلَاءِ
نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً
إلَّا وَاحِدَةً وَنَحْوُ لِلَّهِ عَلَيَّ دِرْهَمٌ
وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا ضَرُورَةَ
اشْتِرَاكِهِمَا فِي مُطْلَقِ الْقَصْدِ إلَى شَيْءٍ فِي
الْمَعْطُوفِ، وَإِذَا قَصَدَ إلَى شَيْءٍ فِي
الْمَعْطُوفِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛
لِأَنَّهُ مِثْلُ الْكَلَامِ الْمُسْتَقِلِّ الْمَقْصُودِ
غَيْرَ أَنَّ الْأَصْحَابَ جَوَّزُوا أَنْتِ طَالِقٌ
وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً قَالَ
الْأَصْلُ وَمَا عَلِمْت فِيهِ خِلَافًا وَعَلَّلُوهُ
بِأَنَّ الثَّلَاثَ لَهَا عِبَارَتَانِ أَنْتِ طَالِقٌ
ثَلَاثًا وَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً
وَوَاحِدَةً فَكَمَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ
الثَّلَاثِ يَصِحُّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْأُخْرَى
وَالْفَرْضُ أَيْضًا أَنَّ خُصُوصَ الْوَحَدَاتِ لَيْسَ
مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ بِخِلَافِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو
فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خُصُوصًا لَيْسَ
لِلْآخَرِ، وَالْوَحَدَاتُ مُسْتَوِيَةٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ
وَحَدَاتٌ فَصَارَ إجْمَالُهَا وَتَفْصِيلُهَا سَوَاءً
لَكِنْ كَانَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ أَنَّ الْعِلَّةَ
تَدُورُ مَعَ الْمَعْلُولِ وُجُودًا وَعَدَمًا أَنْ
يَقُولُوا بِجَوَازِ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ
وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا وَأَنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ
لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ
وَالدَّنَانِيرَ عِنْدَهُمْ لَا تَتَعَيَّنُ وَإِنْ
عُيِّنَتْ فَإِنَّ خُصُوصَ دِرْهَمٍ لَا مَزِيَّةَ لَهُ
عَلَى خُصُوصِ دِرْهَمٍ آخَرَ قَالَ الْأَصْلُ وَلَمْ أَرَ
لَهُمْ فِي هَذَا أَيْ الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ
نَقْلًا، بَلْ حَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ
الْمَنْعَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. اهـ.
فَمِنْ هُنَا قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ هَذَا
الْفَرْقُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ اهـ وَفِي
حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ
قَالَ الْقَرَافِيُّ، قُلْت يَوْمًا لِلشَّيْخِ عِزِّ
الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْفُقَهَاءَ
الْتَزَمُوا فِي الْأُصُولِ قَاعِدَةَ أَنَّ
الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ
الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَخَالَفُوهَا فِي الْفُرُوعِ حَيْثُ
قَالُوا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا إلَّا
الْكَتَّانَ فَقَعَدَ عُرْيَانًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ
مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ
حَلَفَ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَا الْكَتَّانَ وَعَلَى لُبْسِ
الْكَتَّانِ وَمَا لَبِسَ الْكَتَّانَ فَيَحْنَثُ فَقَالَ
- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَبَبُ الْمُخَالَفَةِ
أَنَّ الْأَيْمَانَ تَتْبَعُ الْمَنْقُولَاتِ
الْعُرْفِيَّةَ دُونَ الْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ إذَا
تَعَارَضَا، وَقَدْ انْتَقَلَ إلَّا فِي الْحَلِفِ
لِمَعْنَى الصِّفَةِ مِثْلُ سِوَى وَغَيْرِ فَمَعْنَى
حَلِفِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا سِوَى
الْكَتَّانِ أَوْ غَيْرَ الْكَتَّانِ فَالْمَحْلُوفُ
عَلَيْهِ هُوَ الْمُغَايِرُ لِلْكَتَّانِ وَالْكَتَّانُ
لَيْسَ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ لُبْسُهُ وَلَا
تَرْكُهُ، ثُمَّ تُوَفِّيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَاتَّفَقَ الْبَحْثُ مَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ
الدِّينِ فَالْتَزَمَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا قَعَدَ
عُرْيَانًا وَأَنَّ إلَّا عَلَى بَابِهَا
وَالِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ
النَّفْيِ إثْبَاتٌ
(3/205)
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ
قَاعِدَةِ الْحَضَانَةِ يُقَدَّمُ فِيهَا النِّسَاءُ عَلَى
الرِّجَالِ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْوِلَايَاتِ يُقَدَّمُ
فِيهَا الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ) وَهُوَ أَنَّ
قَاعِدَةَ الشَّرْعِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ
وَكُلِّ وِلَايَةِ مَنْ هُوَ
أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا
فَيُقَدَّمُ فِي وِلَايَةِ الْحَرْبِ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ
بِمَصَالِحِ الْحُرُوبِ مِنْ سِيَاسَةِ الْجُيُوشِ
وَمَكَائِدِ الْعَدُوِّ وَيُقَدَّمُ فِي الْقَضَاءِ مَنْ
هُوَ أَكْثَرُ تَفَطُّنًا لِحِجَاجِ الْخُصُومِ
وَقَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ وَوُجُوهِ الْخُدَعِ مِنْ
النَّاسِ وَيُقَدَّمُ فِي الْفَتْوَى مَنْ هُوَ أَنْقَلُ
لِلْأَحْكَامِ وَأَشْفَقُ عَلَى الْأُمَّةِ وَأَحْرَصُهُمْ
عَلَى إرْشَادِهَا لِحُدُودِ الشَّرِيعَةِ وَيُقَدَّمُ فِي
سِعَايَةِ الْمَاشِيَةِ وَجِبَايَةِ الزَّكَاةِ
وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِنَصْبِ
الزَّكَوَاتِ وَمَقَادِيرِ الْوَاجِبِ فِيهَا وَأَحْكَامِ
اخْتِلَاطِهَا وَافْتِرَاقِهَا وَضَمِّ أَجْنَاسِهَا
وَيُقَدَّمُ فِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ
بِمَقَادِيرِ النَّفَقَاتِ وَأَهْلِيَّاتِ الْكَفَالَاتِ
وَتَنْمِيَةِ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْمُنَاضَلَةِ
عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْوِلَايَاتِ وَيُقَدَّمُ
فِي الْخِلَافَةِ مَنْ هُوَ كَامِلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ
وَافِرُ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ قَوِيُّ النَّفْسِ شَدِيدُ
الشَّجَاعَةِ عَارِفٌ بِأَهْلِيَّاتِ الْوِلَايَاتِ
حَرِيصٌ عَلَى مَصَالِحِ الْأُمَّةِ قُرَشِيٌّ مِنْ
قَبِيلَةِ النُّبُوَّةِ الْمُعَظَّمَةِ كَامِلُ
الْحُرْمَةِ وَالْهَيْبَةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَلَمَّا
كَانَتْ الْحَضَانَةُ تَفْتَقِرُ إلَى وُفُورِ الصَّبْرِ
عَلَى الْأَطْفَالِ فِي كَثْرَةِ الْبُكَاءِ
وَالتَّضَجُّرِ مِنْ الْهَيْئَاتِ الْعَارِضَةِ
لِلصِّبْيَانِ وَمَزِيدِ الشَّفَقَةِ وَالرِّقَّةِ
الْبَاعِثَةِ عَلَى الرِّفْقِ بِالضُّعَفَاءِ وَالرِّفْقِ
بِهِمْ، وَكَانَتْ النِّسْوَةُ أَتَمَّ مِنْ الرِّجَالِ
فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَدْ مَنَّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ
أَنَفَاتِ الرِّجَالِ وَإِبَاءَةَ نُفُوسِهِمْ وَعُلُوَّ
هِمَمِهِمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَأَرَانَا نَقْلًا فِي ذَلِكَ اهـ كَلَامُ الْقَرَافِيِّ.
قَالَ سم مَا قَالَهُ تَاجُ الدِّينِ مِنْ جِهَةِ
الْحُكْمِ مَمْنُوعٌ مَعَ أَنَّا نُبْقِي إلَّا عَلَى
بَابِهَا وَنَلْتَزِمُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِهَا فِي
الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ إثْبَاتٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ
وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَنْعُ مَا ذَكَرَهُ وَذَلِكَ؛
لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ بِحَسَبِ الْمَقْصُودِ مِنْ
النَّفْيِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا مِنْ النَّفْيِ هُوَ
مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ، فَيَكُونُ
الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِثْبَاتِ هُوَ إبَاحَةُ لُبْسِ
الْكَتَّانِ لَا الْتِزَامُ لُبْسِهِ فَلَا يَحْنَثُ
بِالتَّرْكِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ حَسَنٌ دَقِيقٌ
تَرَكَهُ الشَّيْخُ لَنَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي بَعْضِ
حَوَاشِي التَّلْوِيحِ مَا يُوَافِقُ هَذَا الْجَوَابَ
فَلِلَّهِ الْحَمْدُ اهـ قَالَ الْعَطَّارُ وَفِي
التَّمْهِيد لِلْإِسْنَوِيِّ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا
أُعْطِيك إلَّا دِرْهَمًا أَوْ لَا آكُلُ إلَّا هَذَا
الرَّغِيفَ أَوْ لَا أَطَأُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً
وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ بِالْكُلِّيَّةِ فَفِي
حِنْثِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ
الْإِيلَاءِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، أَحَدُهُمَا نَعَمْ
لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ ذَلِكَ وَهُوَ كَوْنُ
الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا؛ وَالثَّانِي
لَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَنْعُ الزِّيَادَةِ وَقِيَاسُ
مَذْهَبِنَا هُوَ الْأَوَّلُ لَكِنْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ
مِنْ زَوَائِدِهِ الثَّانِيَ اهـ.
وَقَدْ سَنَحَ لِي مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ
سَبَبُ الْمُخَالَفَةِ إلَخْ أَنَّهُ لَا مَانِعَ هُنَا
مِنْ أَنْ يُقَالَ سَبَبُ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةِ
الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فِي الْحَلِفِ دُونَ
الِالْتِزَامِ أَنَّ الْأَيْمَانَ لَمَّا كَانَتْ تَتْبَعُ
الْمَنْقُولَاتِ الْعُرْفِيَّةَ دُونَ الْأَوْضَاعِ
اللُّغَوِيَّةِ إذَا تَعَارَضَا، وَقَدْ نَقَلَ الْعُرْفُ
الْمَعْطُوفَانِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً
وَوَاحِدَةً إلَى مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا
خَالَفُوا فِيهَا الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ
فَأَعْطَوْهَا حُكْمَهُ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ
وَأَنَّهُ إذَا قَالَ بَعْدَهَا إلَّا وَاحِدَةً
يَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ
أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَالِالْتِزَامَاتُ لَمَّا
كَانَتْ تَتْبَعُ الْأَوْضَاعَ اللُّغَوِيَّةَ لَمْ
يُخَالِفُوا فِيهَا الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ فَلَمْ
يُعْطُوا لِلَّهِ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ
حُكْمَ لِلَّهِ عَلَيَّ دَرَاهِمُ مِنْ جَوَازِ
الِاسْتِثْنَاءِ وَأَنَّهُ إذَا قَالَ بَعْدَهُ إلَّا
دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ فَتَأَمَّلْ
بِإِنْصَافٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
|