الفروق = أنوار البروق في أنواء الفروق [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ
مِنْ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ
قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْهُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ]
(الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا
يُرَدُّ مِنْ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ
وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْهُ إلَى أُجْرَةِ
الْمِثْلِ)
الْقِرَاضُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ تَمْكِينُ مَالٍ لِمَنْ
يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ لَا بِلَفْظِ إجَارَةٍ
قَالَ ابْنُ عَاصِمٍ:
وَالنَّقْدُ وَالْحُضُورُ وَالتَّعْيِينُ ... مِنْ شَرْطِهِ
وَيُمْنَعُ التَّضْمِينُ
وَلَا يَسُوغُ جَعْلُهُ إلَى أَجَلٍ ... وَفَسْخُهُ
مُسْتَوْجِبٌ إذَا نَزَلَ
وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ شَيْءٍ يَنْفَرِدُ ... بِهِ مِنْ
الرِّبْحِ وَإِنْ يَقَعْ يُرَدَّ
قَالَ التَّسَوُّلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ ذَكَرَ
النَّاظِمُ مِنْ شُرُوطِ الْقِرَاضِ ثَلَاثَةً النَّقْدَ
وَالْحُضُورَ وَالتَّعْيِينَ، وَمِنْ الْمَوَانِعِ ثَلَاثَةً
الضَّمَانَ وَالْأَجَلَ وَاشْتِرَاطَ شَيْءٍ يَنْفَرِدُ بِهِ
أَحَدُهُمَا، وَالشَّرْطُ مَا يُطْلَبُ وُجُودُهُ،
وَالْمَانِعُ مَا يُطْلَبُ عَدَمُهُ.
وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شُرُوطٌ أُخَرُ، وَمَوَانِعُ أُخَرُ
اُنْظُرْهَا فِي خَلِيلٍ، وَغَيْرِهِ اهـ.
وَالْأَصْلُ فِي فَاسِدِهِ الرَّدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ
كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَلِأَنَّهُ الْعَمَلُ الَّذِي
دَخَلَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْقَبَسِ حَكَى فِيهِ
خَمْسَةَ أَقْوَالٍ
(الْأَوَّلُ) عَنْ مَالِكٍ الرَّدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ
مُطْلَقًا جَرْيًا عَلَى
(4/33)
وَفَرْضِ الْأَعْيَانِ، وَالْفَرْقُ
بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مَا لَا تَتَكَرَّرُ
مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ
فَتَكْرِيرُ فِعْلِ النُّزُولِ بَعْدَ شَيْلِ الْغَرِيقِ لَا
يُحَصِّلُ مَصْلَحَةً بَعْدَ ذَلِكَ، وَفَرْضُ الْأَعْيَانِ
هُوَ مَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ
كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مَصْلَحَتُهَا الْإِجْلَالُ
وَالتَّعْظِيمُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ يَتَكَرَّرُ
حُصُولُهُ بِتَكَرُّرِ الصَّلَاةِ، وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّ
أَخْذَ اللُّقَطَةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْوُجُوبِ
وَالنَّدْبِ كَمَا قَالَ بِهِمَا مَالِكٌ قِيَاسًا عَلَى
الْوَدِيعَةِ بِجَامِعِ حِفْظِ الْمَالِ فَيَلْزَمُ النَّدْبُ
أَوْ قِيَاسًا عَلَى إنْقَاذِ الْمَالِ الْهَالِكِ فَيَلْزَمُ
الْوُجُوبُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَخْذُهَا مَنْدُوبٌ
إلَّا عِنْدَ خَوْفِ الضَّيَاعِ فَيَجِبُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْكَرَاهَةُ لِمَا
فِي الِالْتِقَاطِ مِنْ تَعْرِيضِ نَفْسِهِ لِأَكْلِ
الْحَرَامِ، وَتَضْيِيعِ الْوَاجِبِ مِنْ التَّعْرِيفِ فَكَانَ
تَرْكُهُ أَوْلَى كَتَوَلِّي مَالِ الْيَتِيمِ وَتَخْلِيلِ
الْخَمْرِ، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى الدُّخُولَ فِي
التَّكَالِيفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا
الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ
فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا}
[الأحزاب: 72] أَيْ ظَلُومًا لِنَفْسِهِ بِتَوْرِيطِهَا
وَتَعْرِيضِهَا لِلْعِقَابِ وَجَهُولًا بِالْعَوَاقِبِ
وَالْحَزْمِ فِيهَا، وَالْأَمَانَةُ قَالَ الْعُلَمَاءُ هِيَ
هَا هُنَا التَّكَالِيفُ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا فَصَّلَ
وَقَسَّمَ أَخْذَ اللُّقَطَةِ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ
إلَّا أَصْحَابَنَا بَلْ كُلُّهُمْ أَطْلَقُوا.
(الْفَرْقُ الْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا
يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا
يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ)
قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ
الْمَصَالِحَ
إمَّا فِي مَحَلِّ الضَّرُورِيَّاتِ أَوْ فِي مَحَلِّ
الْحَاجِيَّاتِ أَوْ فِي مَحَلِّ التَّتِمَّاتِ، وَإِمَّا
مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ إمَّا لِعَدَمِ
اعْتِبَارِهِ، وَإِمَّا لِقِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ،
وَالْفَرْقُ هَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ
فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الْعَدَالَةِ فِي التَّصَرُّفَاتِ
مَصْلَحَةٌ لِحُصُولِ الضَّبْطِ بِهَا وَعَدَمِ الِانْضِبَاطِ
مَعَ الْفَسَقَةِ، وَمَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ فَاشْتِرَاطُ
الْعَدَالَةِ إمَّا فِي مَحَلِّ الضَّرُورَاتِ كَالشَّهَادَاتِ
فَإِنَّ الضَّرُورَةَ تَدْعُو لِحِفْظِ دِمَاءِ النَّاسِ
وَأَمْوَالِهِمْ وَأَبْضَاعِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ عَنْ
الضَّيَاعِ فَلَوْ قُبِلَ فِيهَا قَوْلُ الْفَسَقَةِ، وَمَنْ
لَا يُوثَقُ بِهِ لَضَاعَتْ.
وَكَذَلِكَ الْوِلَايَاتُ كَالْإِمَامَةِ وَالْقَضَاءِ
وَأَمَانَةِ الْحُكْمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوِلَايَاتِ
مِمَّا فِي مَعْنَى هَذِهِ لَوْ فُوِّضَتْ لِمَنْ لَا يُوثَقُ
بِهِ لَحَكَمَ بِالْجَوْرِ، وَانْتَشَرَ الظُّلْمُ، وَضَاعَتْ
الْمَصَالِحُ، وَكَثُرَتْ الْمَفَاسِدُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ
بَعْضُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى الْعَدَالَةَ
لِغَلَبَةِ الْفُسُوقِ عَلَى وُلَاتِهَا فَلَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ
(الثَّانِي) عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَعَبْدِ
الْمَلِكِ الرَّدُّ إلَى الْأُجْرَةِ مُطْلَقًا نَظَرًا
لِاسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ صَحِيحٍ، وَإِلْغَاءِ
الْفَاسِدِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَالثَّالِثُ) عَنْ ابْنِ
الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي الْعَقْدِ فَقِرَاضُ
الْمِثْلِ أَوْ لِزِيَادَةٍ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ (الرَّابِعُ)
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ الْأَقَلُّ مِنْ قِرَاضِ
الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى. (وَالْخَامِسُ) تَفْصِيلُ ابْنِ
الْقَاسِمِ الَّذِي ذَكَرَهُ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ
حَيْثُ قَالَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْفَاسِدَ مِنْ
الْقِرَاضِ يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَّا فِي تِسْعِ
مَسَائِلَ الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ، وَإِلَى أَجَلٍ، وَعَلَى
الضَّمَانِ، وَالْمُبْهَمُ، وَبِدَيْنٍ يَقْتَضِيهِ مِنْ
أَجْنَبِيٍّ، وَعَلَى شِرْكٍ فِي الْمَالِ، وَعَلَى أَنَّهُ
لَا يَشْتَرِي إلَّا بِالدَّيْنِ فَاشْتَرَى بِالنَّقْدِ،
وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا سِلْعَةً مُعَيَّنَةً
لِمَا لَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ فَاشْتَرَى غَيْرَهَا، وَعَلَى
أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ فُلَانٍ بِمَالِ الْقِرَاضِ ثُمَّ
يَبِيعَهُ، وَيَتَّجِرَ بِثَمَنِهِ قَالَ الْأَصْلُ، وَلَحِقَ
بِالتِّسْعَةِ عَاشِرَةٌ مِنْ غَيْرِ الْفَاسِدِ فَفِي
الْكِتَابِ أَيْ الْمُدَوَّنَةِ إذَا اخْتَلَفَا أَيْ فِي
الرِّبْحِ، وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ لَهُ قِرَاضُ
الْمِثْلِ، وَالضَّابِطُ كُلُّ مَنْفَعَةٍ اشْتَرَطَهَا
أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَيْسَتْ خَارِجَةً عَنْ
الْمَالِ، وَلَا خَالَفَتْهُ فَهِيَ لِمُشْتَرِطِهَا، وَمَتَى
كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمَالِ أَوْ كَانَتْ غَرَرًا
حَرَامًا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فَعَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ
الثَّلَاثَةِ تَدُورُ الْمَسَائِلُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ
الْأَصْحَابِ، وَضَابِطُهَا كُلُّ مَا يَشْتَرِطُ فِيهِ رَبُّ
الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَمْرًا قَصَرَهُ بِهِ عَلَى
نَظَرِهِ أَوْ يَشْتَرِطُ زِيَادَةً لِنَفْسِهِ أَوْ شَرَطَهَا
الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِلَّا
فَقِرَاضُ الْمِثْلِ.
وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَمْرَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ
الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ الْعُقُودِ إذَا فَسَدَتْ هَلْ
تُرَدُّ إلَى صَحِيحِ أَنْفُسِهَا، وَهُوَ الْأَصْلُ كَفَاسِدِ
الْبَيْعِ أَوْ إلَى صَحِيحِ أَصْلِهَا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى
إنَّمَا اُسْتُثْنِيَ لِأَجْلِ مَصْلَحَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ
الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَإِذَا لَمْ
تُوجَدْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَمْ
يَبْقَ إلَّا الْأَصْلُ فَيُرَدُّ إلَيْهِ، وَالشَّرْعُ لَمْ
يَسْتَثْنِ الْفَاسِدَ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَدَمِ،
وَلَهُ أَصْلٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ آخَرُ
يَرْجِعُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ (الْأَمْرُ الثَّانِي)
أَنَّ أَسْبَابَ الْفَسَادِ إذَا تَأَكَّدَتْ فِي الْقِرَاضِ
أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَتْ حَقِيقَةُ الْمُسْتَثْنَى
بِالْكُلِّيَّةِ فَتَتَعَيَّنُ الْإِجَارَةُ، وَإِذَا لَمْ
تَتَأَكَّدْ اعْتَبَرْنَا الْقِرَاضَ ثُمَّ بَقِيَ النَّظَرُ
بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمُفْسِدِ هَلْ هُوَ مُتَأَكِّدٌ أَمْ لَا
نَظَرًا فِي تَحْقِيقِ الْمُنَاطِ قَالَ.
وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ مَسَائِلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ
(4/34)
اُشْتُرِطَتْ لَتَعَطَّلَتْ
التَّصَرُّفَاتُ الْمُوَافِقَةُ لِلْحَقِّ فِي تَوْلِيَةِ مَنْ
يُوثَقُ بِهِ مِنْ الْقُضَاةِ وَالسُّعَاةِ، وَأَخْذِ مَا
يَأْخُذُونَهُ، وَبَذْلِ مَا يَبْذُلُونَهُ، وَفِي هَذَا
ضَرَرٌ عَظِيمٌ أَقْبَحُ مِنْ فَوَاتِ عَدَالَةِ السُّلْطَانِ،
وَلَمَّا كَانَ تَصَرُّفُ الْقُضَاةِ أَعَمَّ مِنْ تَصَرُّفِ
الْأَوْصِيَاءِ، وَأَخَصَّ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَئِمَّةِ
اُخْتُلِفَ فِي إلْحَاقِهِمْ بِهِمْ أَوْ بِالْأَوْصِيَاءِ
عَلَى الْخِلَافِ فِي عَدَالَةِ الْوَصِيِّ، وَإِذَا نُفِّذَتْ
تَصَرُّفَاتُ الْبُغَاةِ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ الْقَطْعِ
بِعَدَمِ وِلَايَتِهِمْ فَأَوْلَى نُفُوذُ تَصَرُّفَاتِ
الْوُلَاةِ وَالْأَئِمَّةِ مَعَ غَلَبَةِ الْفُجُورِ
عَلَيْهِمْ مَعَ قُدْرَةِ الْبُغَاةِ وَعُمُومِ الضَّرُورَةِ
لِلْوُلَاةِ، وَأَمَّا مَحَلُّ الْحَاجَاتِ كَإِمَامَةِ
الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ شُفَعَاءُ.
وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ لِإِصْلَاحِ حَالِ الشَّفِيعِ عِنْدَ
الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ، وَإِلَّا لَا تُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ
فَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْعَدَالَةُ، وَكَذَلِكَ
الْمُؤَذِّنُونَ الَّذِينَ يُعْتَمَدُ عَلَى أَقْوَالِهِمْ فِي
دُخُولِ الْأَوْقَاتِ وَإِيقَاعِ الصَّلَوَاتِ أَمَّا مَنْ
يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَى
قَوْلِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَالَةٌ كَسَائِرِ
الْأَذْكَارِ، وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فَيَصِحُّ جَمِيعُ
ذَلِكَ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ
الْعَدَالَةُ لِأَجْلِ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ فَقَطْ،
وَلَمْ أَرَ فِي هَذَا الْقِسْمِ خِلَافًا بِخِلَافِ
الْإِمَامَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ
الْعَدَالَةِ فِيهَا فَاشْتَرَطَهَا مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ
مَعَهُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، وَالصَّلَاةُ مَقْصِدٌ وَالْأَذَانُ وَسِيلَةٌ
وَالْعِنَايَةُ بِالْمَقَاصِدِ أَوْلَى مِنْ الْوَسَائِلِ
غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ عِنْدَهُ أَنَّ الْفَاسِقَ تَصِحُّ
صَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ إجْمَاعًا، وَكُلُّ مُصَلٍّ يُصَلِّي
لِنَفْسِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَمْ تَدْعُهُ حَاجَةٌ
لِصَلَاحِ حَالِ الْإِمَامِ وَمَالِكٌ يَرَى أَنَّ صَلَاةَ
الْمَأْمُومِ مُرْتَبِطَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَأَنَّ
فِسْقَهُ يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الرَّبْطِ فَهَذَا مَنْشَأُ
الْخِلَافِ.
وَأَمَّا الْأَذَانُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ
الْمُؤَذِّنِ غَيْرَ مَوْثُوقٍ بِهِ حَتَّى يُؤَذِّنَ قَبْلَ
الْوَقْتِ تَعَدَّى خَلَلُهُ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ
قَبْلَ وَقْتِهَا بَاطِلَةٌ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ
الْفَاسِقُ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ أَوْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ بَاطِنٍ
لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ لَمْ يَقْدَحْ عِنْدَهُ
فِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ حَصَّلَ ذَلِكَ
الشَّرْطَ فَلَا يَقْدَحُ عِنْدَهُ تَضْيِيعُ غَيْرِهِ لَهُ.
وَإِنْ أَخَلَّ بِرُكْنٍ ظَاهِرٍ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ،
وَنَحْوِهِمَا فَالِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ ضَرُورِيٌّ فَلَا
يَحْتَاجُ إلَى الْعَدَالَةِ فِيهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ
الظَّاهِرَ نَابَ عَنْ الْعَدَالَةِ فِي ضَبْطِ الْمَصْلَحَةِ
فَاسْتَغْنَى عَنْهَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِمَامَةِ
وَالْأَذَانِ، وَأَمَّا مَحَلُّ التَّتِمَّاتِ
فَكَالْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهَا تَتِمَّةٌ،
وَلَيْسَتْ بِحَاجِيَّةٍ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَازِعَ
الطَّبِيعِيَّ فِي الشَّفَقَةِ عَلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهَا
يَمْنَعُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْعَارِ، وَالسَّعْيِ فِي
الْإِضْرَارِ فَقَرَّبَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ
كَالْإِقْرَارَاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْقِرَاضِ تَعَيَّنَتْ ... سِوَى
تِسْعَةٍ قَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ حُكْمُهُ
قِرَاضٌ عُرُوضٌ وَاشْتِرَاطُ ضَمَانِهِ ... وَتَحْدِيدُ
وَقْتٍ وَالْتِبَاسٌ يَعُمُّهُ
وَأَنْ شَرَطَا فِي الْمَالِ شِرْكًا لِعَامِلٍ ... وَأَنْ
يَشْتَرِي بِالدَّيْنِ فَاخْتَلَّ رَسْمُهُ
وَأَنْ يَشْتَرِي غَيْرَ الْمُعَيَّنِ لِلشِّرَا ... وَأَعْطِ
قِرَاضَ الْمِثْلِ مِنْ حَالِ غُرْمِهِ
وَأَنْ يَقْتَضِي الدَّيْنُ الَّذِي عِنْدَ غَيْرِهِ ...
وَيَتَّجِرَ فِيهِ عَامِلًا لَا يَذُمُّهُ
وَأَنْ يَشْتَرِي عَبْدًا لِزَيْدٍ يَبِيعُهُ ... وَيَتَّجِرَ
فِيمَا ابْتَاعَهُ وَيَلُمُّهُ
اهـ.
كَلَامُ الْأَصْلِ قَالَ التَّاوَدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى
الْعَاصِمِيَّةِ، وَفِيمَا يَجِبُ لِعَامِلِ الْقِرَاضِ عِنْدَ
فَسَادِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ
مَالِكٍ فَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّ الْوَاجِبَ قِرَاضُ
الْمِثْلِ، وَرَوَى غَيْرُهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَالْفَرْقُ
بَيْنَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَقِرَاضِ الْمِثْلِ مِنْ
جِهَتَيْنِ الْأُولَى أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ،
وَقِرَاضُ الْمِثْلِ فِي الرِّبْحِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا
شَيْءَ، وَالثَّانِيَةُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ يُحَاصِصُ بِهَا
الْغُرَمَاءَ، وَقِرَاضُ الْمِثْلِ يُقَدَّمُ فِيهِ
عَلَيْهِمْ، وَالثَّالِثَةُ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ مَا يُرَدُّ
لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَمَا يُرَدُّ لِقِرَاضِ الْمِثْلِ بِهِ
ثُمَّ اُخْتُلِفَ فَقِيلَ التَّفْصِيلُ بِالْحَدِّ، وَقِيلَ
بِالْعَدِّ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ،
وَفِي الْقِرَاضِ بِالْعُرُوضِ أَوْ مَنْ وَكَّلَ عَلَى دَيْنٍ
أَوْ لِيَصْرِفَ ثُمَّ يَعْمَلَ فَأُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي
تَوَلِّيهِ ثُمَّ قِرَاضُ مِثْلِهِ فِي رِبْحِهِ كَلَكَ
شِرْكٌ، وَلَا عَادَةَ أَوْ مُبْهَمٌ أَوْ أَجَلٌ أَوْ اشْتَرِ
سِلْعَةَ فُلَانٍ ثُمَّ اتَّجِرْ فِي ثَمَنِهَا أَوْ بِدَيْنٍ
أَوْ مَا يَقِلُّ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الرِّبْحِ،
وَادَّعَيَا مَا لَا يُشْبِهُ، وَفِيمَا فَسَدَ غَيْرُهُ
أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ، وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ
فَقَالَ:
لِكُلِّ قِرَاضٍ فَاسِدٍ أَجْرُ مِثْلِهِ ... سِوَى تِسْعَةٍ
قَدْ فُصِّلَتْ بِبَيَانِ
قِرَاضٌ بِدَيْنٍ أَوْ بِعَرْضٍ وَمُبْهَمٍ ... وَبِالشِّرْكِ
وَالتَّأْجِيلِ أَوْ بِضَمَانِ
وَلَا يَشْتَرِي إلَّا بِدَيْنٍ فَيَشْتَرِي ... بِنَقْدٍ
وَأَنْ يَبْتَاعَ عَقْدَ فُلَانِ
وَيَتَّجِرَ فِي أَثْمَانِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ ... فَهَذِي إنْ
عُدْت تَمَامُ ثَمَانِ
وَلَا يَشْتَرِي مَا لَا يَقِلُّ وُجُودُهُ ... فَيَشْرِي
سِوَاهُ اسْمَعْ لِحُسْنِ بَيَانِ
كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَإِنَّهُ ... خَبِيرٌ بِمَا
يَرْوِي فَصِيحُ لِسَانِ
، وَزِيدَتْ عَاشِرَةٌ فَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ:
وَالْحَقُّ بِهَا تَرْكُ الشِّرَاءِ لِبَلْدَةٍ ... بِقَيْدٍ
بِهِ أَضْحَى مِقْوَدَ جَرَّانِ
(4/35)
لِقِيَامِ الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ فِيهَا
غَيْرَ أَنَّ الْفَاسِقَ قَدْ يُوَالِي أَهْلَ شِيعَتِهِ
فَيُؤْثِرُهُمْ بِوِلَايَتِهِ كَأُخْتِهِ وَابْنَتِهِ،
وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَحْصُلُ لَهَا الْمَفْسَدَةُ الْعَظِيمَةُ
فَاشْتُرِطَتْ الْعَدَالَةُ، وَكَانَ اشْتِرَاطُهَا تَتِمَّةً
لِأَجْلِ تَعَارُضِ هَاتَيْنِ الشَّائِبَتَيْنِ، وَهَذَا
التَّعَارُضُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الشَّائِبَتَيْنِ هُوَ سَبَبُ
الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ
فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَهَلْ تَصِحُّ وِلَايَةُ
الْفَاسِقِ أَمْ لَا، وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَانِ،
وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الْأَوْصِيَاءِ
تَتِمَّةٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنَّهُ لَا
يُوصِي عَلَى ذُرِّيَّتِهِ إلَّا مَنْ يَثِقُ بِشَفَقَتِهِ
فَوَازِعُهُ الطَّبِيعِيُّ يُحَصِّلُ مَصْلَحَةَ الْوَصِيَّةِ
غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يُوَالِي أَهْلَ شِيعَتِهِ مِنْ
الْفَسَقَةِ فَتَحْصُلُ الْمَفَاسِدُ مِنْ وِلَايَتِهِمْ فِي
الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّزْوِيجِ فَكَانَ الِاشْتِرَاطُ
تَتِمَّةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ،
وَتَعَارُضُ الشَّائِبَتَيْنِ هُوَ سَبَبُ الْخِلَافِ بَيْنَ
الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْأَوْصِيَاءِ.
وَأَمَّا مَا خَرَجَ عَنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ
الضَّرُورَةُ وَالْحَاجَةُ وَالتَّتِمَّةُ فَالْإِقْرَارُ
يَصِحُّ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَالْمُسْلِمِ
وَالْكَافِرِ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى خِلَافِ
الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقِرُّ عَلَى
نَفْسِهِ فِي مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ أَعْضَائِهِ وَنَحْوِ
ذَلِكَ، وَالطَّبْعُ يَمْنَعُ مِنْ الْمُسَامَحَةِ بِذَلِكَ
مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ بَلْ هُوَ مَعَ السَّبَبِ
الْمُقْتَضِي لَهُ شَأْنُ الطِّبَاعِ جَحْدُهُ فَلَا يُعَارِضُ
الطَّبْعَ هُنَا احْتِمَالُ مُوَالَاتِهِ لِأَهْلِ شِيعَةٍ
فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَطْبُوعٌ عَلَى تَقْدِيمِ نَفْسِهِ
عَلَى غَيْرِهِ كَانَ مِنْ أَهْلِ شِيعَتِهِ وَأَصْدِقَائِهِ
أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ
وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْوَصِيَّةُ
أَنَّ الْوَالِيَ وَالْوَصِيَّ يَتَصَرَّفَانِ لِغَيْرِهِمَا
فَأَمْكَنَ مُرَاعَاةُ الْأَصْدِقَاءِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ
تَرْجِيحٌ لِأَحَدِ الْغِيَرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَأَمَّا
هَا هُنَا فَهُوَ يَنْصَرِفُ فِي الْإِقْرَارِ لِنَفْسِهِ
فَلَا يُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَهُوَ سَبَبُ انْعِقَادِ
الْإِجْمَاعِ فِي الْإِقْرَارِ دُونَهُمَا، وَمِنْ هَذَا
الْقِسْمِ الدَّعَاوَى تَصِحُّ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ
وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَفْقِ
الطَّبْعِ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ إنَّمَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ
فَدَعْوَاهُ عَلَى وَفْقِ طَبْعِهِ عَكْسُ الْأَقَارِيرِ
غَيْرَ أَنَّ هَا هُنَا فِي الدَّعَاوَى مَا يُغْنِي عَنْ
الْعَدَالَةِ، وَيَقُومُ مَقَامَهَا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي،
وَهُوَ إلْزَامُهُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ أَوْ الْيَمِينِ
مَعَ شَاهِدٍ أَوْ مَعَ نُكُولٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ
الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَالنُّكُولِ
لِأَنَّهُمَا يُبْعِدَانِ التُّهْمَةَ مِنْ الدَّعْوَى،
وَبِقُرْبَانِهَا مِنْ الصِّحَّةِ فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ
الْعَدَالَةِ لِرُجْحَانِ الصِّدْقِ عَلَى الْكَذِبِ حِينَئِذٍ
كَمَا تُرَجَّحُ بِالْعَدَالَةِ.
وَقِسْ عَلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ
الْأَرْبَعَةِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فَيَحْصُلُ لَك
الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَبَيْنَ
مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يُشِيرُ بِهِ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيُعْطِيهِ
الْمَالَ، وَيَقُودُ كَمَا يَقُودُ الْبَعِيرَ اهـ.
كَلَامُ التَّاوَدِيِّ بِبَعْضِ تَصَرُّفٍ، وَيَتَحَصَّلُ مِنْ
كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْأَصْلِ أُمُورٌ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ
الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الَّذِي حَكَاهُ فِي الْقَبَسِ عَنْ
مَالِكٍ هُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْهُ، وَالثَّانِي الَّذِي
حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَعَبْدِ
الْمَلِكِ هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، وَأَنَّ
الثَّالِثَ وَالْخَامِسَ هُمَا رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ
عَنْ مَالِكٍ التَّفْصِيلُ، وَإِمَّا بِالْحَدِّ أَوْ
بِالْعَدِّ، وَأَنَّ الرُّبْعَ لَمْ يُرْوَ عَنْ مَالِكٍ بَلْ
حَكَاهُ فِي الْقَبَسِ عَنْ مُحَمَّدٍ (الْأَمْرُ الثَّانِي)
أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ الْأَقْوَالِ
الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ
عَنْ مَالِكٍ التَّفْصِيلُ لَكِنْ بِخُصُوصِ الْعَدِّ
لِأَنَّهُ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ فِي
مُخْتَصَرِهِ، وَسَلَّمَهُ مَنْ كَتَبَ عَلَيْهِ مِنْ
الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنْ اقْتَصَرَ ابْنُ عَاصِمٍ عَلَى
الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ حَيْثُ قَالَ:
وَأَجْرُ مِثْلٍ أَوْ قِرَاضُ مِثْلٍ ... لِعَامِلٍ عِنْدَ
فَسَادِ الْأَصْلِ
(الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْعَاشِرَةَ
الَّتِي أَلْحَقَهَا الْأَصْلُ بِالتِّسْعَةِ غَيْرُ
الْعَاشِرَةِ الَّتِي أَلْحَقَهَا ابْنُ غَازِيٍّ بِهَا
فَإِنَّ عَاشِرَةَ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ الْفَاسِدِ، وَهِيَ
مَا فِي قَوْلِ خَلِيلٍ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الرِّبْحِ،
وَادَّعَيَا مَا لَا يُشْبِهُ، وَعَاشِرُ ابْنُ غَازِيٍّ مِنْ
الْفَاسِدِ، وَعَلَيْهِ فَالْمُلْحَقُ مَسْأَلَتَانِ،
وَجُمْلَةُ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا لِلْعَامِلِ
قِرَاضُ الْمِثْلِ إحْدَى عَشْرَةً، وَمَا عَدَاهَا يَجِبُ
فِيهِ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
وَقَدْ نَظَمْت عَاشِرَةَ الْأَصْلِ بِقَوْلِي (:
وَالْحَقُّ بِهَذِي الِاخْتِلَافُ بِرِبْحِهِ ... وَمَا
ادَّعَيَا شَبَهًا جَرَى بِزَمَانِ)
(وَفِي شَرْحِ) التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ نَصُّهُ
مَا ذَكَرَ ابْنُ مُغِيثٍ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ
الْعَمَلَ جَرَى بِقِرَاضِ الْمِثْلِ فِي أَرْبَعَةٍ فَقَطْ،
وَهِيَ الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ أَوْ بِالْجُزْءِ الْمُبْهَمِ
أَوْ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِضَمَانٍ، وَيَجْمَعُهَا قَوْلُك
ضَمِنَ الْعُرُوضَ إلَى أَجَلٍ مُبْهَمٍ، وَمَا عَدَا هَذِهِ
لِأَرْبَعٍ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ
عَنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ كُلَّ مَا يَرْجِعُ لِقِرَاضِ
الْمِثْلِ يَفْسَخُ مَا لَمْ يُشْرَعْ فِي الْعَمَلِ
فَيَمْضِي، وَكَذَا الْمُسَاقَاةُ، وَكُلُّ مَا يَرْجِعُ إلَى
أَجْرِ الْمِثْلِ بِفَسْخٍ أَبَدًا اهـ.
بِلَفْظِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاتِ
الْمِثْلِ فِي الْمَسَاقَاتِ وَبَيْنَ مَا يُرَدُّ إلَى
أُجْرَةِ الْمِثْلِ]
(الْفَرْقُ الْحَادِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ
مَا يُرَدُّ مِنْ الْمُسَاقَاةِ الْفَاسِدَةِ إلَى قِرَاضِ
الْمِثْلِ وَبَيْنَ مَا يُرَدُّ مِنْهَا إلَى أُجْرَةِ
الْمِثْلِ) الْمُسَاقَاةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هِيَ عَقْدٌ
عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ النَّبَاتِ بِقَدْرٍ لَا غَيْرِ
غَلَّتِهِ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ
فَيَدْخُلُ قَوْلُهَا لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّ
كُلَّ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ وَمُسَاقَاةُ الْبَعْلِ اهـ.
وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْمُخَابَرَةِ أَيْ كِرَاءِ
الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا عِيَاضٌ، وَلَا تَنْعَقِدُ
عِنْدَ
(4/36)
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ
وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ
اجْتِمَاعُ الشُّرُوطِ وَالْأَسْبَابِ وَانْتِفَاءِ
الْمَوَانِعِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ
مُقَارَنَةُ شُرُوطِهِ وَأَسْبَابِهِ وَانْتِفَاءِ
مَوَانِعِهِ) :
اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْشَاءَاتِ كُلَّهَا كَالْبِيَاعَاتِ
وَالْإِجَارَاتِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ فَجَمِيعُ مَا يَنْشَأُ مِنْ ذَلِكَ
يُشْتَرَطُ فِيهِ حَالَةُ إنْشَائِهِنَّ مُقَارَنَةُ مَا هُوَ
مُعْتَبَرٌ فِيهِ حَالَةَ الْإِنْشَاءِ فَهَذِهِ شَأْنُ
الْإِنْشَاءَاتِ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارَاتِ لَا
يُشْتَرَطُ فِيهَا حُضُورُ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي المقربة
حَالَةَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ سَبَبًا فِي
نَفْسِهِ بَلْ هُوَ دَلِيلُ السَّبَبِ لِاسْتِحْقَاقِ المقربة
فِي زَمَنٍ سَابِقٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ مَعَ مَا
هُوَ مُعْتَبَرٌ فِيهِ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى الْوَجْهِ
الْمُعْتَبَرِ الشَّرْعِيِّ فَمَنْ قَالَ هُوَ يَسْتَحِقُّ
عَلَيَّ دِينَارًا مِنْ ثَمَنِ دَابَّةٍ حَمَلْنَا هَذَا
الْإِقْرَارَ عَلَى تَقَدُّمِ بَيْعٍ صَحِيحٍ عَلَى
الْأَوْضَاعِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَاتٍ تَقْبَلُ الْبَيْعَ لَا
خَمْرٍ، وَلَا خِنْزِيرٍ عَلَى مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي
الْبَيْعِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - لَا إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ، وَفِي الْبَلَدِ
نُقُودٌ مُخْتَلِفَةُ السِّكَّةِ تَعَيَّنَ الْغَالِبُ مِنْهَا
هُنَا لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ،
وَلَوْ أَقَرَّ بِدِينَارٍ فِي بَلَدٍ، وَفِيهَا نَقْدٌ
غَالِبٌ لَا يَتَعَيَّنُ الْغَالِبُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ
دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ السَّبَبِ لِاسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ
فَلَعَلَّ السَّبَبَ وَقَعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَزَمَانٍ
مُتَقَدِّمٍ تَقَدُّمًا كَثِيرًا يَكُونُ الْوَاقِعُ حِينَئِذٍ
سِكَّةً غَيْرَ هَذَا الْغَالِبِ، وَتَكُونُ هِيَ الْغَالِبَةُ
فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَفِي ذَلِكَ الْبَلَدِ،
وَالِاسْتِحْقَاقُ يَتْبَعُ زَمَنَ وُقُوعِ السَّبَبِ لَا
زَمَنَ الْإِقْرَارِ بِهِ.
وَيَكُونُ هَذَا الْغَالِبُ مُتَجَدِّدًا بَعْدَ تَجَدُّدِ
ذَلِكَ الْغَالِبِ، وَنَاسِخًا لَهُ فَمَا تَعَيَّنَ هَذَا
الْغَالِبُ الْحَاضِرُ الْآنَ فَيُحْمَلُ الْإِقْرَارُ
عَلَيْهِ كَمَا تَعَيَّنَ الْغَالِبُ الْمَوْجُودُ حَالَةَ
الْإِقْرَارِ فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ فِي إقْرَارِهِ بِأَيِّ
سِكَّةٍ ذَلِكَ الدِّينَارُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ
الْمَجْنُونُ الْآنَ أَوْ سَكْرَانُ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ
بِدِينَارٍ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ قَبْلَ إقْرَارِهِ، وَحُمِلَ
عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ وَقَعَ مِنْ الْمَجْنُونِ
حَالَةَ عَقْلِهِ، وَمِنْ السَّكْرَانِ حَالَةَ صَحْوِهِ،
وَمِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حَالَةَ إفَاقَتِهِ، وَأَنَّ
شُرُوطَ الْبَيْعِ الْآنَ مَفْقُودَةٌ فِي حَقِّهِمْ،
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ ثَمَنَ
بَيْعِ هَذِهِ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ الْآنَ صَحَّ
إقْرَارُهُ، وَحُمِلَ عَلَى حَالَةٍ تَكُونُ فِيهَا هَذِهِ
الدَّارُ طَلْقًا، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ هَذِهِ النَّظَائِرِ
الَّتِي تَكُونُ الشُّرُوطُ فِيهَا فَائِتَةً حَالَةَ
الْإِقْرَارِ، وَيُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا فِي الزَّمَنِ
الْمَاضِي أَمَّا لَوْ عُلِمَ التَّعَذُّرُ فِي الْمَاضِي،
وَالْحَاضِرِ بَطَلَ الْإِقْرَارُ كَمَا لَوْ قَالَ مِنْ
ثَمَنِ هَذَا الْخِنْزِيرِ فَإِنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَكُونُ
فِي الْمَاضِي غَيْرَ خِنْزِيرٍ، وَالْوَقْفُ يُمْكِنُ أَنْ
يَكُونَ طَلْقًا، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا بِلَفْظِهَا خَلِيلٌ بِسَاقَيْتُكَ
سَحْنُونٍ بِمَا يَدُلُّ اهـ.
تَاوَدِيٌّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَفِي التَّسَوُّلِيِّ
عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُسَاقَاةُ
تَجُوزُ بِثَمَانِيَةِ شُرُوطٍ (أَوَّلُهَا) أَنَّهَا لَا
تَصِحُّ إلَّا فِي أَصْلٍ بِثَمَرٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ
مِنْ ذَوَاتِ الْأَزْهَارِ وَالْأَوْرَاقِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا
كَالْوَرْدِ وَالْآسِ يَعْنِي الرَّيْحَانَ (ثَانِيهَا) أَنْ
تَكُونَ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ وَجَوَازِ بَيْعِهَا
(وَثَالِثُهَا) أَنْ تَكُونَ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ مَا
لَمْ تَطُلْ جِدًّا أَوْ إلَى الْجَذَاذِ إذَا لَمْ يُؤَجَّلَا
(رَابِعُهَا) أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّ
الرُّخَصَ تَفْتَقِرُ إلَى أَلْفَاظٍ تَخْتَصُّ بِهَا
(خَامِسُهَا) أَنْ تَكُونَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ لَا عَلَى عَدَدٍ
مِنْ آصُعٍ أَوْ أَوْسُقٍ (سَادِسُهَا) أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ
كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ (سَابِعُهَا) أَنْ لَا يَشْتَرِطَ
أَحَدُهُمَا مِنْ الثَّمَرَةِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا شَيْئًا
مُعَيَّنًا خَاصًّا بِنَفْسِهِ (ثَامِنُهَا) أَنْ لَا
يُشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَشْيَاءُ خَارِجَةٌ عَنْ
الثِّمَارِ أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِالثَّمَرَةِ، وَلَكِنْ
تَبْقَى بَعْدَ الثَّمَرَةِ مِمَّا لَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ اهـ.
وَزَادَ بَعْضُهُمْ تَاسِعًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ
مِمَّا لَا يُخَلَّفُ اهـ.
، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ التَّاوَدِيِّ مَا فِي الشَّرْطِ
الرَّابِعِ مِنْ الْخِلَافِ، وَالْأَصْلُ فِي فَاسِدِهَا
الرَّدُّ إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ كَمَا مَرَّ فِي
الْقِرَاضِ إلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوا هَذَا الْأَصْلَ
بِمَسَائِلَ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فِي كِتَابِ النَّظَائِرِ
يُرَدُّ الْعَامِلُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَّا فِي خَمْسِ
مَسَائِلَ فَلَهُ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ إذَا سَاقَاهُ عَلَى
حَائِطٍ فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ أَطْعَمَ، وَإِذَا شُرِطَ الْعَمَلُ
مَعَهُ، وَاجْتِمَاعُهَا مَعَ الْبَيْعِ، وَمُسَاقَاةِ
سَنَتَيْنِ عَلَى جُزْأَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَإِذَا
اخْتَلَفَا وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَحَلَفَا عَلَى
دَعْوَاهُمَا أَوْ نَكَلَا، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ
فَقَالَ:
وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْمُسَاقَاةِ عُيِّنَتْ ... سِوَى
خَمْسَةٍ قَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ حُكْمُهَا
مُسَاقَاةٌ إبَّانَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا ... وَجُزْءَانِ فِي
عَامَيْنِ شَرْطٌ يَعُمُّهَا
وَإِنْ شَرَطَ السَّاقِي عَلَى مَالِكٍ لَهُ ... مُسَاعَدَةً
وَالْبَيْعُ مَعَهَا يَضُمُّهَا
وَإِنْ حَلَفَا فِي الْخُلْفِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ ... أَوْ
اجْتَنَبَا الْأَيْمَانَ وَالْجَزْمَ ذَمُّهَا
كَمَا فِي الْأَصْلِ، وَنَصُّ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ
وَفُسِخَتْ فَاسِدَةً بِلَا عَمَلٍ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ
بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ،
وَبَعْدَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ خَرَجَا عَنْهَا كَأَنْ
ازْدَادَ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا، وَإِلَّا فَمُسَاقَاةُ
الْمِثْلِ اهـ.
يَعْنِي أَنَّ الْمُسَاقَاةَ إذَا وَقَعَتْ فَاسِدَةً لِأَجْلِ
خَلَلٍ بِرُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ فَإِنْ
عَثَرَ عَلَيْهَا قَبْلَ شُرُوعِ الْعَامِلِ فِي الْعَمَلِ
وَجَبَ فَسْخُهَا مُطْلَقًا، وَإِنْ عَثَرَ عَلَيْهَا فِي
أَثْنَاءِ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ مِنْهَا
فَإِنَّهَا تُفْسَخُ، وَيَكُونُ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ
الْمِثْلِ فِيمَا عَمِلَ أَيْ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ
كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ إنْ وَجَبَتْ
(4/37)
تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ،
وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ
تُشْتَرَطَ الْمُقَارَنَةُ إذَا أَوْصَى لِجَنِينٍ أَوْ
مَلَّكَهُ، وَيُشْتَرَطُ التَّقَدُّمُ فِيمَا إذَا أَقَرَّ
لَهُ لِتَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى الْإِقْرَارِ فَإِنْ حَصَلَ
الشَّكُّ فِي تَقَدُّمِ الْجَنِينِ لَمْ يَلْزَمْ الْإِقْرَارُ
لِأَنَّا شَكَكْنَا فِي الْمَحَلِّ الْقَابِلِ لِلْمِلْكِ،
وَهُوَ شَرْطٌ، وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ يَمْنَعُ تَرَتُّبَ
الْمَشْرُوطِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفُرُوقِ.
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ
قَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ الَّذِي يَقْبَلُ الرُّجُوعَ عَنْهُ
وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ
الرُّجُوعَ عَنْهُ) :
الْأَصْلُ فِي الْإِقْرَارِ اللُّزُومُ مِنْ الْبَرِّ
وَالْفَاجِرِ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الطَّبْعِ كَمَا
تَقَدَّمَ فَضَابِطُ مَا لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ مِنْ
الْإِقْرَارِ هُوَ الرُّجُوعُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِيهِ
عُذْرٌ عَادِيٌّ، وَضَابِطُ مَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ
أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الرُّجُوعِ عَنْهُ عُذْرٌ عَادِيٌّ،
وَفِي الْفَرْقِ مَسَائِلُ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ
لِلْوَرَثَةِ أَنَّ مَا تَرَكَهُ أَبُوهُ مِيرَاثٌ بَيْنَهُمْ
عَلَى مَا عُهِدَ فِي الشَّرِيعَةِ، وَمَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ
الدِّيَانَةُ ثُمَّ جَاءَ شُهُودٌ أَخْبَرُوهُ أَنَّ أَبَاهُ
أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فِي صِغَرِهِ
بِهَذِهِ الدَّارِ، وَحَازَهَا لَهُ أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ
مَلَّكَهَا عَلَيْهِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّهُ إذَا رَجَعَ
عَنْ إقْرَارِهِ بِأَنَّ التَّرِكَةَ مُوَرَّثَةٌ إلَّا هَذِهِ
الدَّارَ الْمَشْهُودَ بِهَا لَهُ دُونَ الْوَرَثَةِ،
وَاعْتَذَرَ بِإِخْبَارِ الْبَيِّنَةِ لَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ
يَكُنْ عَالِمًا بِذَلِكَ بَلْ أَقَرَّ بِنَاءً عَلَى
الْعَادَةِ، وَمُقْتَضَى ظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ
يُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَعُذْرُهُ، وَيُقِيمُ بَيِّنَتَهُ، وَلَا
يَكُونُ إقْرَارُهُ السَّابِقُ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ،
وَقَادِحًا فِيهَا لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ عَادِيٌّ تُسْمَعُ
مِثْلُهُ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي الْجَوَاهِرِ إذَا قَالَ
لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إنْ حَلَفَ أَوْ حَتَّى
يَحْلِفَ أَوْ مَعَ يَمِينِهِ فَحَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ
فَنَكَلَ الْمُقِرُّ، وَقَالَ مَا ظَنَنْت أَنَّهُ يَحْلِفُ
لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ
هَذَا الِاشْتِرَاطَ يَقْضِي عَدَمَ اعْتِقَادِ لُزُومِ مَا
أَقَرَّ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ
مِائَةٌ إنْ حَلَفَ أَوْ ادَّعَاهَا أَوْ مَهْمَا حَلَفَ
بِالْعِتْقِ أَوْ إنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ أَوْ إنْ كَانَ
يَعْلَمُ أَنَّهَا لَهُ أَوْ إنْ أَعَارَنِي دَارِهِ
فَأَعَارَهُ أَوْ إنْ شَهِدَ عَلَيْهَا فُلَانٌ فَشَهِدَ
عَلَيْهِ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ فِي هَذَا كُلِّهِ شَيْءٌ
لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ
بِإِقْرَارٍ فَإِنْ قَالَ إنْ حَكَمَ بِهَا عَلَى فُلَانٍ
فَحَكَمَ بِهَا عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ سَبَبٌ
فَيَلْزَمُهُ عِنْدَ سَبَبِهَا، وَالْأَوَّلُ كُلُّهُ شُرُوطٌ
لَا أَسْبَابٌ بَلْ اسْتِبْعَادَاتٌ مَحْضَةٌ مُخِلَّةٌ
بِالْإِقْرَارِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا أَقَرَّ فَقَالَ لَهُ
عِنْدِي مِائَةٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ مَيْتَةٍ، لَمْ
يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَمَّا إنْ وَجَبَ لَهُ مُسَاقَاةُ
الْمِثْلِ فَإِنَّمَا يُفْسَخُ مَا لَمْ يَعْمَلْ فَإِذَا
فَاتَ بِابْتِدَاءِ الْعَمَلِ بِمَا لَهُ بَالٌ لَمْ تُفْسَخْ
الْمُسَاقَاةُ إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِهَا، وَكَانَ فِيمَا
بَقِيَ مِنْ الْأَعْوَامِ عَلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ
لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ لِلْعَامِلِ نَصِيبَهُ
إلَّا مِنْ الثَّمَرَةِ فَلَوْ فُسِخَتْ لَزِمَ أَنْ لَا
يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُسَاقَاةَ
كَالْجُعْلِ لَا تُسْتَحَقُّ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ
(وَإِنْ) اطَّلَعَ عَلَى فَسَادِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ
الْعَمَلِ (فَإِنْ) خَرَجَا عَنْ الْمُسَاقَاةِ إلَى
الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ
قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا كَأَنْ زَادَ رَبُّ الْحَائِطِ
عَيْنًا أَوْ عَرْضًا مِنْ عِنْدِهِ وَجَبَ لِلْعَامِلِ
أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا عَنْهَا إلَى
ذَلِكَ وَجَبَ لَهُ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ ثُمَّ ذَكَرَ خَلِيلٌ
الْمَسَائِلَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا لَهُ مُسَاقَاةُ
الْمِثْلِ، وَعَدَّهَا تِسْعًا فَقَالَ كَمُسَاقَاةٍ مَعَ
ثَمَرٍ أَطْعَمَ أَوْ مَعَ بَيْعٍ أَوْ اُشْتُرِطَ عَمَلُ
رَبِّهِ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ غُلَامٍ، وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ
حَمَلَهُ لِمَنْزِلِهِ أَوْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةُ آخَرَ أَوْ
اخْتَلَفَ الْجُزْءُ بِسِنِينَ أَوْ حَوَائِطَ اهـ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى حَائِطَيْنِ
أَحَدُهُمَا قَدْ أَطْعَمَ ثَمَرُهُ، وَالْآخَرُ لَمْ يَطْعَمْ
أَوْ يُسَاقِيهِ عَلَى حَائِطٍ وَاحِدٍ فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ
أَطْعَمَ، وَفِيهِ ثَمَرٌ لَمْ يَطْعَمْ، وَلَيْسَ تَبَعًا
لِأَنَّهُ بَيْعُ ثَمَرٍ مَجْهُولٍ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ لَا
يُقَالُ أَصْلُ الْمُسَاقَاةِ كَذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ
خَرَجَتْ مِنْ أَصْلٍ فَاسِدٍ لَا يَتَنَاوَلُ هَذَا فَبَقِيَ
عَلَى أَصْلِهِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ تَجْتَمِعَ مَعَ بَيْعٍ
كَأَنْ يَبِيعَهُ سِلْعَةً مَعَ الْمُسَاقَاةِ، وَمِثْلُ
الْبَيْعِ الْإِجَارَةُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا
يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْمُسَاقَاةِ قَالَهُ
بَعْضُهُمْ بِلَفْظٍ يَنْبَغِي.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى
رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ فِي الْحَائِطِ
لِجَوَلَانِ يَدِهِ عَلَى حَائِطِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ
الْمُشْتَرِطُ رَبَّ الْحَائِطِ فَفِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ
عَمَلَ دَابَّةِ رَبِّ الْحَائِطِ، وَالْحَالُ أَنَّ
الْحَائِطَ صَغِيرٌ
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ
عَمَلَ غُلَامِ رَبِّ الْحَائِطِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحَائِطَ
صَغِيرٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ زِيَادَةٌ عَلَى رَبِّ
الْحَائِطِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَائِطُ كَبِيرًا،
وَفِي شَرْحِ الشَّبْرَخِيتِيِّ، وَالظَّاهِرُ الْفَسَادُ فِي
الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ، وَلَوْ أُسْقِطَ الشَّرْطُ
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) إذَا اشْتَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ
عَلَى الْعَامِلِ عِنْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ أَنْ يَحْمِلَ
مَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَرَةِ مِنْ الْأَنْدَرِ إلَى
مَنْزِلِهِ لِلْعِلَّةِ السَّابِقَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ
فِيهِ بُعْدٌ وَمَشَقَّةٌ وَإِلَّا جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ
اشْتَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَحْمِلَ
مَا يَخُصُّهُ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ اشْتَرَطَ رَبُّ
الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ مُسَاقَاةُ
مِثْلِهِ مَا لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي
شُرِطَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الشَّرْطُ لِلْمُسَاقَى بِفَتْحِ
الْقَافِ أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لِلْمُسَاقِي
بِكَسْرِ الْقَافِ كَمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ
(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا اشْتَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ
عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ حَائِطٍ آخَرَ
بِأَنْ يَعْمَلَ نَفْسُهُ
(4/38)
الْكَلَامَ بِآخِرِهِ، وَالْقَاعِدَةُ
أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ إذَا اتَّصَلَ
بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ
مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَا
يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ الْأَوَّلُ الْمُسْتَقِلُّ
غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ، وَكَذَلِكَ الصِّفَةُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ
وَالْغَايَةُ وَالشُّرُوطُ وَنَحْوُهَا
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ
قَاعِدَةِ مَا يُنَفَّذُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْوُلَاةِ
وَالْقُضَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُنَفَّذُ مِنْ
ذَلِكَ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ)
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا لَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْوِلَايَةُ
بِالْأَصَالَةِ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةَ
الْخِلَافَةِ فَمَا دُونَهَا إلَى الْوَصِيَّةِ لَا يَحِلُّ
لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا بِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءِ
مَفْسَدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ
الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152]
وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ وَلِيَ مِنْ
أُمُورِ أُمَّتِي شَيْئًا ثُمَّ لَمْ يَجْتَهِدْ لَهُمْ،
وَلَمْ يَنْصَحْ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» فَيَكُونُ
الْأَئِمَّةُ وَالْوُلَاةُ مَعْزُولِينَ عَمَّا لَيْسَ فِيهِ
بَذْلُ الْجَهْدِ، وَالْمَرْجُوحُ أَبَدًا لَيْسَ
بِالْأَحْسَنِ بَلْ الْأَحْسَنُ ضِدُّهُ، وَلَيْسَ الْأَخْذُ
بِهِ بَذْلًا لِلِاجْتِهَادِ بَلْ الْأَخْذُ بِضِدِّهِ فَقَدْ
حَجَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْأَوْصِيَاءِ التَّصَرُّفَ
فِيمَا هُوَ لَيْسَ بِأَحْسَنَ مَعَ قِلَّةِ الْفَائِتِ مِنْ
الْمَصْلَحَةِ فِي وِلَايَتِهِمْ لِخِسَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ
إلَى الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ فَأَوْلَى أَنْ يَحْجُرَ عَلَى
الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ فِي ذَلِكَ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ
النُّصُوصِ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ مَعْزُولِينَ عَنْ
الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمَرْجُوحَةِ
وَالْمُسَاوِيَةِ، وَمَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَلَا
مَصْلَحَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ
لَيْسَتْ مِنْ بَابِ مَا هُوَ أَحْسَنُ، وَتَكُونُ
الْوِلَايَةُ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ جَلْبَ الْمَصْلَحَةِ
الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ، وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ
الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ فَأَرْبَعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ،
وَأَرْبَعَةٌ سَاقِطَةٌ، وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَبِيعُ
الْوَصِيُّ صَاعًا بِصَاعٍ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي
ذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُ الْخَلِيفَةُ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِ
الْمُسْلِمِينَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ عَزْلُ الْحَاكِمِ إذَا
ارْتَابَ فِيهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الرِّيبَةِ عَنْ
الْمُسْلِمِينَ.
وَيُعْزَلُ الْمَرْجُوحُ عِنْدَ وُجُودِ الرَّاجِحِ
تَحْصِيلًا
لِمَزِيدِ الْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَاخْتُلِفَ فِي
عَزْلِ أَحَدِ الْمُسَاوِيَيْنِ بِالْآخَرِ فَقِيلَ يَمْتَنِعُ
لِأَنَّهُ لَيْسَ أَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّهُ
يُؤْذِي الْمَعْزُولَ بِالْعَزْلِ وَالتُّهَمِ مِنْ النَّاسِ،
وَلِأَنَّ تَرْكَ الْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ تَحْصِيلِ
الصَّلَاحِ لِلْمُتَوَلَّى.
وَأَمَّا الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ
فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ حَصَلَتْ مَصْلَحَةٌ أَمْ لَا
فَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَبِيعَ صَاعًا بِصَاعٍ، وَمَا يُسَاوِي
أَلْفًا بِمِائَةٍ فَإِنْ قُلْت تَجْوِيزُ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ
يَلْتَبِسَ مَنْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِمَنْ لَا يُحْجَرُ
عَلَيْهِ، وَيَلْتَبِسُ الرَّشِيدُ بِالسَّفِيهِ لِأَنَّ
السَّفِيهَ هُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ بِكِرَاءٍ فَإِنْ وَقَعَ، وَفَاتَ
بِالْعَمَلِ فَلِلْعَامِلِ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ، وَفِي
الْحَائِطِ الْآخَرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَائِطٍ
وَاحِدٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً سَنَةً عَلَى النِّصْفِ وَسَنَةً
عَلَى الثُّلُثِ، وَسَنَةً عَلَى الرُّبْعِ، وَلَعَلَّ
الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ مَا زَادَ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ
(الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَوَائِطَ
صَفْقَةً وَاحِدَةً حَائِطٌ عَلَى النِّصْفِ، وَآخَرُ عَلَى
الثُّلُثِ مَثَلًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُثْمِرَ أَحَدُهُمَا
دُونَ الْآخَرِ، وَأَمَّا فِي صَفَقَاتٍ فَتَجُوزُ
الْمُسَاقَاةُ، وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الْجُزْءِ، وَلَعَلَّ
الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ ثُمَّ أَلْحَقَ
بِالتِّسْعَةِ عَاشِرَةً الْمُسَاقَاةُ فِيهَا صَحِيحَةٌ
مُشَبِّهًا لَهَا فِي الرُّجُوعِ إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ
فَقَالَ كَاخْتِلَافِهِمَا، وَلَمْ يُشْبِهَا اهـ.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ فِي
الْجُزْءِ الْمُشْتَرَطِ لِلْعَامِلِ فَقَالَ دَخَلْنَا عَلَى
النِّصْفِ مَثَلًا وَقَالَ رَبُّ الْحَائِطِ بَلْ عَلَى
الرُّبْعِ مَثَلًا، وَالْحَالُ أَنَّهُمَا لَمْ يُشْبِهْ
وَاحِدٌ مِنْهُمَا
فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ أَيْ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى مَا
يَدَّعِيهِ مَعَ نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَيُرَدُّ
الْعَامِلُ لِمُسَاقَاةِ مِثْلِهِ وَمِثْلُهُ إذَا نَكَلَا،
وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ فَإِنْ أَشْبَهَا
مَعًا فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ
انْفَرَدَ رَبُّ الْحَائِطِ بِالشَّبَهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ
مَعَ يَمِينِهِ، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا قَبْلُ فَإِنَّهُمَا
يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَلَا يُنْظَرُ لِشَبَهٍ
وَلَا عَدَمِهِ، وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهَا، وَهَذَا
بِخِلَافِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ لَا تَحَالُفَ فِيهِ بَلْ
الْعَامِلُ يَرُدُّ الْمَالَ لِأَنَّ الْقِرَاضَ عَقْدٌ
جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ اهـ.
خَرَشِيٌّ بِتَلْخِيصٍ، وَزِيَادَةٍ مِنْ الْعَدَوِيِّ
عَلَيْهِ، وَقَدْ نَظَمْت الْمَسَائِلَ التِّسْعَ وَأَلْحَقْت
الْعَاشِرَةَ بِهَا فَقُلْت:
وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْمُسَاقَاةِ إنْ عَرَا ... فَسَادٌ
سِوَى تِسْعٍ فَفِيهَا تَقَرَّرَا
مُسَاقَاةُ مِثْلٍ إنْ مَعَ الْبَيْعِ أَوْ ثَمَرٍ ... غَدَا
مَطْعَمًا عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ قَرَّرَا
وَإِنْ يَكُ شَرْطًا صُنْعُ رَبٍّ بِحَائِطٍ ... كَذَا مِنْ
غُلَامٍ فِي صَغِيرٍ تَحَرَّرَا
كَذَلِكَ إنْ مِنْ دَابَّةٍ فِي صَغِيرَةٍ ... غَدَا الشَّرْطُ
أَوْ حِمْلًا لِمَنْزِلِهِ جَرَى
كَذَا إنْ غَدَا شَرْطًا كِفَايَةُ آخَرَ ... أَوْ الْخُلْفُ
فِي جُزْءٍ بِعَامَيْنِ صَوَّرَا
كَذَا إنْ جَرَى فِي حَائِطَيْنِ بِصَفْقَةٍ ... وَالْحَقُّ
بِذِي أَنْ يَحْلِفَا عِنْدَمَا انْبَرَا
بِلَا شُبْهَةِ خُلْفٍ بِجُزْءٍ لِعَامِلٍ ... أَوْ اجْتَنَبَا
الْأَيْمَانَ فِي ذَا بِلَا مِرَا
قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَسِرُّ الْفَرْقِ أَيْ بَيْنَ مَا
يُرَدُّ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَمَا يُرَدُّ لِمُسَاقَاةِ
الْمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقِرَاضِ أَيْ مِنْ
الضَّابِطَيْنِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ
عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَمِنْ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ
ذَكَرَهُمَا فِي مَنْشَأِ الْخِلَافِ قَالَ وَالْقَوَاعِدُ
وَاحِدَةٌ بَيْنَهُمَا
(4/39)
الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ قُلْت لَا
نُسَلِّمُ أَنَّا نَحْجُرُ عَلَى مَنْ يُفَوِّتُ الْمَصْلَحَةَ
كَيْفَ كَانَتْ بَلْ ضَابِطُ مَا يُحْجَرُ بِهِ أَنَّ كُلَّ
تَصَرُّفٍ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، وَلَمْ يَسْتَجْلِبْ بِهِ
حَمْدًا شَرْعِيًّا، وَقَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ
يُحْجَرُ بِهِ، وَالْقَيْدُ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ
اسْتِجْلَابِ حَمْدِ الشُّرَّابِ وَالْمَسَاخِرِ، وَالثَّالِثُ
احْتِرَازٌ عَنْ رَمْيِ دِرْهَمٍ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ لَا
يُحْجَرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ
تَكَرُّرًا يَدُلُّ عَلَى سَفَهِهِ وَعَدَمِ اكْتِرَائِهِ
بِالْمَالِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا الْقِسْمُ الَّذِي لَا
يَنْفُذُ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْوِلَايَةِ لَهُ فَيَلْحَقُ
بِهِ الْقَضَاءُ مِنْ الْقَاضِي بِغَيْرِ عَمَلِهِ فَإِنَّهُ
لَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ
إنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ عَقْدِ الْوِلَايَةِ، وَعَقْدُ
الْوِلَايَةِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَنْصِبًا مُعَيَّنًا،
وَبَلَدًا مُعَيَّنًا فَكَانَ مَعْزُولًا عَمَّا عَدَاهُ لَا
يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُهُ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -.
وَمَا عَلِمْت فِيهِ خِلَافًا، وَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ شَافَهَ
قَاضٍ قَاضِيًا لَمْ يَكْفِ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ
لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِغَيْرِ عَمَلِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ
إسْمَاعُهُ وَسَمَاعُهُ إلَّا إذَا كَانَا قَاضِيَيْنِ
بِبَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تَجَاذَبَا فِي ذَلِكَ فِي طَرَفَيْ
وِلَايَتِهِمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ
عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي فَيُعْتَمَدُ، وَفِي هَذَا الْقِسْمِ
فُرُوعٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا تَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ لَكِنْ
حَكَمَ فِيهِ بِمُسْتَنَدٍ بَاطِلٍ فَهَذَا يُنْقَضُ لِفَسَادِ
الْمُدْرَكِ لَا لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فِيهِ، وَهُوَ
الْحُكْمُ الَّذِي خَالَفَ أَحَدَ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ إذَا
حَكَمَ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ أَوْ
خِلَافِ النَّصِّ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ أَوْ
الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ أَوْ
قَاعِدَةٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ،
وَلَا بُدَّ فِي الْجَمِيعِ مِنْ اشْتِرَاطِ السَّلَامَةِ عَنْ
الْمُعَارِضِ أَيْ الْمُعَارِضِ وَالرَّاجِحِ فَإِنَّهُ لَوْ
قُضِيَ فِي عَقْدِ الرِّبَا بِالْفَسْخِ لَمْ يُنْقَضْ
قَضَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَى خِلَافِ قَوْله
تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]
لِأَنَّهُ عُورِضَ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ
الرِّبَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قُضِيَ فِي لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ
بِالثَّمَنِ لَمْ يُنْقَضْ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى
خِلَافِ قَاعِدَةِ إتْلَافِ الْمِثْلِيَّاتِ أَنْ يَجِبَ
جِنْسُهَا لِأَجْلِ وُرُودِ النَّصِّ فِي ذَلِكَ نَعَمْ لَوْ
قَضَى بِصِحَّةِ نِكَاحٍ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَسَخْنَاهُ
لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
«أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ
وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» ، وَلَوْ
قَضَى بِاسْتِمْرَارِ عِصْمَةِ مَنْ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ
بِنَاءً عَلَى الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ نَقَضْنَاهُ
لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ أَنَّ الشَّرْطَ
قَاعِدَتُهُ صِحَّةُ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الْمَشْرُوطِ، وَشَرْطُ
السُّرَيْجِيَّةِ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ مَشْرُوطِهِ أَبَدًا
فَإِنْ تَقَدَّمَ الثَّلَاثِ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ لُزُومِ
الطَّلَاقِ بَعْدَهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ
حَكَمَ حَدْسًا، وَتَخْمِينًا مِنْ غَيْرِ مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ
يُنْقَضُ إجْمَاعًا، وَهُوَ فِسْقٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ قَالَهُ
ابْنُ مُحْرِزٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَيْ بَيْنَ الْفَرْضِ أَوْ الْمُسَاقَاةِ فَافْهَمْ،
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَهْوِيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا
تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ]
الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ
الْأَهْوِيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ)
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الشَّاطِّ مَا
خُلَاصَتُهُ إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ
الْأَمْرَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ (مِنْهَا)
مَا هُوَ مَعْلُومٌ لَا شَكَّ فِيهِ مِنْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ
مَوْضِعًا لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ، وَيَرْفَعَ فِيهِ
الْبِنَاءَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ، وَأَنَّ
لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِيهِ مَا شَاءَ، وَيُعَمِّقَ مَا شَاءَ
إنْ لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَتْ الْقَاعِدَةُ
الشَّرْعِيَّةُ أَنْ لَا يَمْلِكَ إلَّا مَا فِيهِ الْحَاجَةُ
فَإِنْ قِيلَ لَا حَاجَةَ فِيمَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ
تُخُومِ الْأَرْضِ فَلَا يُشْرَعُ فِيهِ الْمِلْكُ قُلْنَا
أَيُّ حَاجَةٍ فِي الْبُلُوغِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَإِنْ
قِيلَ إنَّ الْبُلُوغَ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ مِمَّا فِيهِ
الْحَاجَةُ فَيُمْلَكُ بِخِلَافِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ
مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ فَإِنَّ الدَّوَاعِيَ لَا تَتَوَفَّرُ
فِيهِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْبِنَاءُ مِنْ
الْأَسَاسَاتِ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا مَا أَلْجَأَتْ
الضَّرُورَةُ إلَيْهِ قُلْنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَيْفَ.
وَقَدْ تَوَفَّرَتْ دَوَاعِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ عَلَى
أَكْثَرَ مِمَّا ذُكِرَ كَحَفْرِ الْأَرْضِ لِلْجُبُوبِ
وَالْمَصَانِعِ وَالْآبَارِ الْعَمِيقَةِ فَمَا الْمَانِعُ
مِنْ مِلْكِ مَا تَحْتَ الْبِنَاءِ لِنَحْوِ مَا ذُكِرَ مِنْ
حَفْرِ بِئْرٍ يُعَمِّقُهَا حَافِرُهَا مَا شَاءَ (وَمِنْهَا)
أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ مَطْمُورَةً تَحْتَ مِلْكِ
غَيْرِهِ يَتَوَصَّلُ إلَيْهَا مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ يُمْنَعُ
مِنْ ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ وَلَا خِلَافَ فَلَوْ كَانَ مَا
تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْأَبْنِيَةِ بَلْ
هُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ قَبُولِهِ لِلْإِحْيَاءِ لَمَا مُنِعَ
مِنْ ذَلِكَ (وَمِنْهَا) أَنَّ فِيمَا وَرَدَ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ
«مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ
أَرَضِينَ» بِلَا رَيْبٍ إشْعَارًا بِمِلْكِ مَا تَحْتَ
الشِّبْرِ مِنْ الْأَرْضِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ
أَنَّ الْعُقُوبَةَ تَكُونُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ، وَمَا
قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِهِ أَنْ
يَكُونَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدْفَعُ
ذَلِكَ الْإِشْعَارَ نَعَمْ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَا
تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ الَّذِي هُوَ عَكْسُ الْأَهْوِيَةِ إلَى
جِهَةِ السُّفْلِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ أَمَّا
أَوَّلًا فَلِأَنَّ صَاحِبَ الطِّرَازِ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ
الْمَسْجِدَ إذَا حُفِرَ تَحْتَهُ مَطْمُورَةٍ يَجُوزُ أَنْ
يَعْبُرَهُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ، وَقَالَ لَوْ أَجَزْنَا
الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ، وَعَلَى ظَهْرِهَا لَمْ نُجِزْهَا
فِي مَطْمُورَةٍ تَحْتَهَا اهـ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَلَكَ
أَرْضًا هَلْ يَمْلِكُ مَا فِيهَا، وَمَا تَحْتَهَا أَمْ لَا،
وَأَمَّا الْأَهْوِيَةُ فَقَدْ اتَّفَقُوا فِيهَا عَلَى
قَاعِدَةِ أَنَّ حُكْمَهَا تَابِعٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ
فَهَوَاءُ الْوَقْفِ وَقْفٌ وَهَوَاءُ الطَّلْقِ طَلْقٌ،
وَهَوَاءُ الْمَوَاتِ مَوَاتٌ، وَهَوَاءُ الْمَمْلُوكِ
مَمْلُوكٌ، وَهَوَاءُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ
فَلَا يَقْرَبُهُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ
يَخْتَلِفُوا فِي مِلْكِ مَا فَوْقَ الْبِنَاءِ مِنْ
الْهَوَاءِ اخْتِلَافَهُمْ فِي مِلْكِ مَا تَحْتَهُ مِنْ
تُخُومِ الْأَرْضِ بَلْ قَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى بَيْعِ
الْهَوَاءِ لِمَنْ يَنْتَفِعُ
(4/40)
مِنْ أَصْحَابِنَا.
وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ قَالَ
يُنْتَقَضُ عِنْدَ مَالِكٍ قَضَاءُ الْقَاضِي لِمُخَالَفَةِ
السُّنَّةِ كَالْقَضَاءِ بِاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ لِعِتْقِ
بَعْضِهِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِأَنَّهُ لَا
يُسْتَسْعَى، وَكَالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ
يُقْسَمْ» أَوْ يُحْكَمُ بِشَهَادَةِ النَّصْرَانِيِّ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 106]
أَوْ بِمِيرَاثِ الْعَمَّةِ، وَالْخَالَةِ، وَالْمَوْلَى
الْأَسْفَلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَلْحِقُوا
الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ
فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ» ، وَكُلُّ مَا هُوَ عَلَى
خِلَافِ عَمَلِ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا
شُذُوذُ الْعُلَمَاءِ، وَخَالَفَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ.
وَقَالَ لَا تُنْقَضُ شُفْعَةُ الْجَارِ، وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ
مِنْ الْفُرُوعِ لِضَعْفِ مُوجِبِ النَّقْصِ عِنْدَهُ،
وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ، وَفِي النَّوَادِرِ
لِأَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ مُحَمَّدٌ مِمَّا يُنْقَضُ نَقَضُ مَا
لَا يُنْقَضُ فَإِذَا قَضَى قَاضٍ بِأَنْ يُنْقَضَ حُكْمُ
الْأَوَّلِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْقَضُ نَقَضَ الثَّالِثُ
حُكْمَ الثَّانِي لِأَنَّ نَقْضَهُ خَطَأٌ، وَيُقِرُّ
الْأَوَّلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ السَّفِيهُ الَّذِي
تَحْتَ حَجْرِ الْقَاضِي بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ
وَغَيْرِهِمَا فَرَدَّهُ فَجَاءَ قَاضٍ ثَانٍ فَأَنْفَذَهُ
نَقَضَ الثَّالِثُ هَذَا التَّنْفِيذَ، وَأَقَرَّ الْأَوَّلَ،
وَكَذَلِكَ لَوْ فَسَخَ الثَّانِي الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ،
وَالْيَمِينِ رَدَّهُ الثَّالِثُ لِأَنَّ النَّقْضَ فِي
مَوَاطِنِ الِاجْتِهَادِ خَطَأٌ، وَنَقْضُ الْخَطَأِ
مُتَعَيِّنٌ.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا حَكَمَ بِهِ عَلَى خِلَافِ
السَّبَبِ:
وَالْقِسْمُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ، وَقَدْ
تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَسْبَابِ، وَالْأَدِلَّةِ
وَالْحِجَاجِ، وَأَنَّ الْقُضَاةَ يَعْتَمِدُونَ الْحِجَاجَ،
وَالْمُجْتَهِدِينَ يَعْتَمِدُونَ الْأَدِلَّةَ، وَأَنَّ
الْمُكَلَّفِينَ يَعْتَمِدُونَ الْأَسْبَابَ فَإِذَا قَضَى
الْقَاضِي بِالْقَتْلِ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْتُلْ أَوْ
لِلْبَيْعِ عَلَى مَنْ لَمْ يَبِعْ أَوْ الطَّلَاقِ عَلَى مَنْ
لَمْ يُطَلِّقْ أَوْ الدَّيْنِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَدِنْ
فَهَذَا قَضَاءٌ عَلَى خِلَافِ الْأَسْبَابِ فَإِذَا اطَّلَعَ
عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ نَقْضُهُ عِنْدَ الْكُلِّ إلَّا قِسْمًا
مِنْهُ خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-، وَهُوَ مَا كَانَ فِيهِ عَقْدٌ، وَفُسِخَ فَيُجْعَلُ حُكْمُ
الْحَاكِمِ كَالْعَقْدِ فِيمَا لَا عَقْدَ فِيهِ أَوْ
كَالْفَسْخِ فِيمَا لَا فَسْخَ فِيهِ فَإِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ
شَاهِدَا زُورٍ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ فَحَكَمَ بِطَلَاقِهَا
جَازَ لِذَلِكَ الشَّاهِدِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَعَ عِلْمِهِ
بِكَذِبِ نَفْسِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فَسْخٌ لِذَلِكَ
النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ إذَا شُهِدَ عِنْدَهُ بِبَيْعِ
جَارِيَةٍ فَحَكَمَ بِبَيْعِهَا جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ
تِلْكَ الْبَيِّنَةِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِمَّنْ حَكَمَ لَهُ
بِهَا، وَيَطَأَهَا هَذَا الشَّاهِدُ مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ
نَفْسِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ تَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ
الْبَيْعِ لِمَنْ حُكِمَ لَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فِيهِ
عَقْدٌ أَوْ فَسْخٌ.
وَأَمَّا الدُّيُونُ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا مِمَّا لَا
عَقْدَ فِيهِ، وَلَا فَسْخَ فَيُوَافِقُنَا فِيهِ، وَأَنَّهُ
بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَهَذَا
هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ،
وَالْحَنَابِلَةِ حُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا،
وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا فِي نَفْسٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِهِ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ يُمْنَعَ بَيْعُ
هَوَاءِ الْمَسْجِدِ وَالْأَوْقَافِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ
لِمَنْ أَرَادَ غَرْزَ خَشَبٍ حَوْلَهَا لِيَجْعَلَ عَلَى
رُءُوسِ الْخَشَبِ سَقْفًا عَلَيْهِ بِنَاءٌ، وَأَنْ يُمْنَعَ
إخْرَاجُ الرَّوَاشِنِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى
طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَّةً إلَّا
أَنْ يَرْضَى أَهْلُهَا كُلُّهُمْ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا
تُلْجِئُ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَالْمُحَكَّمُ فِي ذَلِكَ
الْعَادَةُ فَيَكُونُ قَوْلُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ يَجُوزُ
إخْرَاجُ الرَّوَاشِنِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى
طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَّةً فَإِذَا
كَانَتْ مُسْتَدَّةً امْتَنَعَ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهَا
كُلُّهُمْ اهـ.
مَوْضِعُ نَظَرٍ فَهَذَا كُلُّهُ لَا شَكَّ تَصْرِيحٌ
بِمُخَالَفَةِ الْأَهْوِيَةِ لِمَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ،
وَأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا إلَّا أَنَّ سِرَّهُ الَّذِي
ذَكَرَهُ الشِّهَابُ لَمْ يَظْهَرْ بَلْ بَقِيَ سِرًّا كَمَا
كَانَ اهـ.
فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ لَعَلَّك تَظْفَرُ بِسِرِّهِ،
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. |