الفروق للكرابيسي

 [كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]
ِ الْوَدِيعَةِ 443 - إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا وَلَا مَكَانًا وَلَا وَقْتًا فَأَعَارَهَا مِنْهُ ثُمَّ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ أَعَارَهَا مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ.
وَلَوْ أَجَّرَهَا ضَمِنَ.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلَمْ يَخُصَّ لَهُ نَوْعًا دُونَ نَوْعٍ، وَإِعَارَتُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ لِأَنَّهُ يُكَافِئُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيَشْكُرُهُ، فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ بِهِ الرَّدَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ انْتَفَعَ بِنَفْسِهِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَجَّرَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ فَقَدْ عَقَدَ عَلَى الْمُسْتَعَارِ عَقْدًا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ، وَيَمْنَعُ الرَّدَّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ صَاحِبِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ عَقْدَ الْمَنْعِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ.
444 - وَإِذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمِ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ مَخْتُومًا ضَمِنَ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ قِيمَتِهَا.
وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا هُوَ فَرَكِبَهَا وَأَرْدَفَ مَعَهُ رَجُلًا أَثْقَلَ مِنْهُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ الثِّقَلُ هَاهُنَا.

(2/26)


وَلَوْ أَذِنَ لِرَجُلٍ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَضَرَبَهُ أَحَدَ عَشَرَ سَوْطًا فَمَاتَ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْحِنْطَةِ التَّلَفُ وَقَعَ بِالثِّقَلِ، وَالْجُزْءُ الْوَاحِدُ لَا يُعَادِلُ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ فِي وُقُوعِ التَّلَفِ بِهِ إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتْلَفَ بِجُزْءٍ، وَيَسْلَمَ مِنْ عَشَرَةٍ، فَصَارَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا جِنَايَتَهُ عَلَى حِدَةٍ، فَقَدْ تَلِفَ النَّفْسُ بِإِحْدَى عَشْرَةَ جِنَايَةً، عَشَرَةٌ مَأْذُونٌ فِيهَا وَوَاحِدٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فَضَمِنَ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الضَّرْبُ؛ لِأَنَّ السَّوْطَ الْوَاحِدَ يُعَادِلُ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ، وَوُقُوعُ التَّلَفِ بِهِ مُمْكِنٌ، لِجَوَازِ أَنْ يَتْلَفَ مِنْ وَاحِدٍ، وَيَسْلَمَ مِنْ عَشَرَةٍ فَصَارَتْ الْعَشَرَةُ كَالْوَاحِدِ، فَكَأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِجِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَأْذُونٌ فِيهَا وَالْأُخْرَى غَيْرُ مَأْذُونٍ فَيَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَتِهِ.
وَأَمَّا الرُّكُوبُ فَنَفْسُ الرُّكُوبِ جِنَايَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَرْكَبَ وَاحِدٌ فَيُفْسِدَ الدَّابَّةَ وَيَقْتُلَهَا بِحَيْثُ لَا يَهْتَدِي إلَى الْفُرُوسِيَّةِ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا، وَآخَرُ يَرْكَبُ الدَّابَّةَ فَيُصْلِحُهَا وَإِنْ كَانَ ثَقِيلًا، كَمَا يَجُوزُ أَنْ تَسْلَمَ مِنْ الْجِرَاحَةِ الْكَبِيرَةِ وَتَتْلَفَ بِالصَّغِيرَةِ، فَقَدْ تَلِفَتْ النَّفْسُ بِجِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَأْذُونٌ فِيهَا وَالْأُخْرَى غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهَا، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لِوَاحِدٍ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ سَوْطًا فَضَرَبَهُ سَوْطَيْنِ،

(2/27)


فَمَاتَ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ، كَذَلِكَ هَذَا.
445 - إذَا أَعَارَهُ دَابَّةً فَجَاءَ مُسْتَحِقٌّ وَاسْتَحَقَّهَا وَضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُعِيرِ بِشَيْءٍ.
وَلَوْ أَجَّرَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ أَوْجَبَ سَلَامَةَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ يَلْحَقُهُ، وَالْإِجَارَةُ عَقْدُ ضَمَانٍ، فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَالْمُعِيرُ لَمْ يَضْمَنْ سَلَامَةَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ وَهَبَ مِنْ إنْسَانٍ شَيْئًا فَاسْتُحِقَّ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، كَذَلِكَ هَذَا.
أَوْ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ يَدٌ لِمَنْ أَجَّرَ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْأُجْرَةَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ فَصَارَ يَدًا لَهُ فَقَدْ ضَمِنَ بِيَدٍ لَهُ، فَصَارَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ بِعَقْدٍ، وَلَوْ ضَمِنَ بِعَقْدٍ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ، كَذَلِكَ إذَا ضَمِنَ بِيَدٍ لَهُ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ يَدٌ لِنَفْسِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَيْهِ، وَسَلِمَتْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ، فَقَدْ ضَمِنَ بِيَدِ نَفْسِهِ، فَلَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ غَصَبَ شَيْئًا مِنْ إنْسَانٍ فَجَاءَهُ إنْسَانٌ

(2/28)


وَاسْتَحَقَّهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِشَيْءٍ، كَذَلِكَ هَذَا.