الفروق للكرابيسي [كِتَابُ الشَّرِكَةِ]
449 - إذَا اشْتَرَكَا بِعَيْنِ مَالٍ عَلَى أَنَّ مَا
اشْتَرَيَا مِنْ شَيْءٍ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ
وَلِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ثُلُثَا الرِّبْحِ وَلِلْآخَرِ
ثُلُثُهُ كَانَتْ الشَّرِكَةُ جَائِزَةً وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.
وَلَوْ دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً
وَشَرَطَ أَنْ يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُ الرِّبْحِ
وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ
جَائِزٌ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا سَلَّطَ صَاحِبَهُ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ
وَلِنَفْسِهِ فَصَارَ وَكِيلًا لَهُ، وَالْوَكَالَةُ لَا
يُبْطِلُهَا الشَّرْطُ الْفَاسِدُ، فَوَقَعَ الشِّرَاءُ
بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِذَا شُرِطَ ثُلُثَا الرِّبْحِ
لِأَحَدِهِمَا فَقَدْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بَعْضَ
بَدَلِ مِلْكِهِ، وَهُوَ عِوَضٌ فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ
قَالَ: " بِعْ هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَنَّ نِصْفَ ثَمَنِهِ
لَك " فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الشَّرْطُ، وَلَهُ أَنْ
يَبِيعَهُ، كَذَلِكَ هَاهُنَا.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ مِنْ جِهَةِ رَبِّ
الْمَالِ الدَّرَاهِمَ، فَإِذَا شُرِطَ لِلْمُضَارَبَةِ
ثُلُثَا الرِّبْحِ فَقَدْ شَرَطَ بَعْضَ بَدَلِ دَرَاهِمَ
لَهُ، وَلَوْ شَرَطَ جَمِيعَ بَدَلِ دَرَاهِمِهِ لَهُ بِأَنْ
يُقْرِضَهُ إيَّاهُ جَازَ، كَذَلِكَ هَاهُنَا.
فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ لَهُ
(2/32)
عَمَلٌ فِي مَالِ صَاحِبِهِ يَجُوزُ أَنْ
يَسْتَحِقَّ زِيَادَةَ رِبْحٍ كَشَرِكَةِ الْعَنَانِ إذَا
شَرَطَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ زِيَادَةَ رِبْحٍ.
قُلْنَا: " إنْ شَرَطَ الْعَمَلَ فِي مَالٍ مُعَيَّنٍ يَجُوزُ
أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهِ رِبْحًا كَالْمُضَارَبَةِ
وَالشَّرِكَةِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ
فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ بِإِزَاءِ الْعَمَلِ رِبْحًا
كَمَا لَوْ قَالَ: أَنَا أَدْفَعُ إلَيْك أَلْفَ دِرْهَمٍ
مُضَارَبَةً بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَنَا وَلَمْ
يَدْفَعْ الْمَالَ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ تَجُزْ
الْمُضَارَبَةُ.
450 - إذَا أَبْضَعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بِضَاعَةً
عِنْدَ رَجُلٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا
شَيْئًا، ثُمَّ تَفَرَّقَ الْمُتَفَاوِضَانِ، ثُمَّ اشْتَرَى
بِالْبِضَاعَةِ شَيْئًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِفُرْقَتِهِمَا
فَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ وَعَلَى شَرِيكِهِ.
وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَالًا
وَتَفَرَّقَا وَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى اشْتَرَى كَانَ مَا
اشْتَرَى لِلْآمِرِ خَاصَّةً.
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اقْتَرَنَ
بِالْعَقْدِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شِرَاءَهُ وَقَعَ لَهُمَا
جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ ذَلِكَ الْمَالَ فِي عَقْدٍ
عَقَدَهُ لَا يَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ الْآمِرِ شَيْئًا،
وَتَسْلِيمُ مَالِ الْغَيْرِ فِي الْعَقْدِ إذَا لَمْ يُوجِبْ
ضَمَانًا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الْعَقْدِ لَهُ،
فَصَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهُ بِالْعَقْدِ، ثُمَّ افْتَرَقَا
فَاشْتَرَى، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُمَا،
كَذَلِكَ هَذَا.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا سَلَّمَ الْمَالَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ يَقْتَرِنْ بِعَقْدِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شِرَاءَهُ
وَقَعَ لَهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ امْتِنَاعُ وُجُوبِ الضَّمَانِ
بِتَسْلِيمِ مَالِ الْغَيْرِ فَلَمْ يَقَعْ لَهُمَا
(2/33)
بِالْأَمْرِ، فَصَارَ وُقُوعُهُ لَهُمَا
بِالْمُفَاوَضَةِ، وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْمُفَاوَضَةُ،
فَوَقَعَ لِلْآمِرِ خَاصَّةً، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ الْآنَ
بِأَنْ يَشْتَرِيَ.
451 - وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَالْمَالُ فِي
يَدِ الْبَاقِي فَادَّعَى وَرَثَةُ الْمَيِّتِ الْمُفَاوَضَةَ
وَجَحَدَ ذَلِكَ الْحَيُّ، فَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى
الْمُفَاوَضَةِ، وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي
يَدَيْهِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا، أَوْ أَنَّ الَّذِي فِي يَدَيْهِ
كَانَ فِي يَدِهِ يَوْمَ مَاتَ، فَلَا يَكُونُ هَذَا الشَّيْءُ
مُشْتَرَكًا.
وَلَوْ كَانَا حَيَّيْنِ وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ
عَلَى الْمُفَاوَضَةِ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ مَا
فِي يَدَيْهِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا كَانَ مُشْتَرَكًا
بَيْنَهُمَا.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ تَثْبُتْ
الْمُفَاوَضَةُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يُوجِبُ
بُطْلَانَ الْمُفَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْمُفَاوَضَةُ
حَالَ الْحَيَاةِ، وَثُبُوتُ الْمُفَاوَضَةِ يَقْتَضِي
اسْتِوَاءَهَا فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ بَقَاءِ
الشَّرِكَةِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ كَانَ فِي
يَدِهِ وَقْتَ بَقَاءِ الشَّرِكَةِ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ
وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ مِنْ بَعْدُ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ
الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَا حَيَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ
بِالْبَيِّنَةِ تَثْبُتُ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا فِي
الْحَالِ، وَالْمُفَاوَضَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُسَاوَاةِ،
وَلَا يَكُونَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا
(2/34)
فِي يَدَيْهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا،
فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا.
452 - وَإِذَا اسْتَعَارَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ
دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ مِنْ
شَرِكَتِهِمَا لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ اسْتَعَارَهَا الْأَوَّلُ
لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً لِنَفْسِهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا
لِشَرِيكِهِ خَاصَّةً كَانَ ضَامِنًا.
وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ اسْتَعَارَ دَابَّةً
لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً لِنَفْسِهِ أَوْ مِنْ
الشَّرِكَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا شَرِيكُهُ مِنْ الشَّرِكَةِ
أَوْ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً لَمْ يَضْمَنْ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُمَا
فِي أَحْكَامِ عُقُودِ التِّجَارَاتِ، وَالِاسْتِعَارَةُ مِنْ
عَمَلِ التِّجَارَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ
يُعِيرَ اسْتِحْسَانًا، وَيَجُوزُ عَلَيْهِمَا، فَكَذَلِكَ
تَقَعُ اسْتِعَارَتُهُ لَهُ، فَكَأَنَّهُمَا جَمِيعًا
اسْتَعَارَا، ثُمَّ وَضَعَ أَحَدُهُمَا حِنْطَةً لِنَفْسِهِ
أَوْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَجَازَ، كَذَلِكَ هَاهُنَا.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ شَرِكَةُ الْعَنَانِ؛ لِأَنَّهَا لَا
تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي أَحْكَامِ عُقُودِ التِّجَارَات
فَلَمْ تَجُزْ اسْتِعَارَتُهُ عَلَيْهِمَا، فَجَازَ عَلَى
الْمُسْتَعِيرِ خَاصَّةً، إلَّا أَنَّهُ فِي الْحُكْمِ
كَالْمَأْذُونِ وَالْمُسَلَّطِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ فِيمَا
عَمِلَ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ، فَكَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِيهِ
صَرِيحًا فَجَازَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ.
وَإِنْ تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ وَبِأَجِيرِهِ فِي الشَّيْءِ
الْمُسْتَعَارِ، فَلَا يَضْمَنُ، وَلَيْسَ بِمَأْذُونٍ
وَمُسَلَّطٍ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ فِيمَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ
لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهِ،
فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ أَجْنَبِيٍّ، وَمَنْ
(2/35)
اسْتَعَارَ دَابَّةً مِنْ إنْسَانٍ فَجَاءَ
أَجْنَبِيٌّ وَحَمَلَ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ
إذْنِ الْمُسْتَعِيرِ ضَمِنَ، كَذَلِكَ هَاهُنَا.
453 - وَلِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُكَاتِبَ وَلَيْسَ
لَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَلَى مَالِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ ثَبَتَ لَهُ
وِلَايَةٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ
فَصَارَ كَالْأَبِ، وَلِلْأَبِ أَنْ يُكَاتِبَ، وَلَيْسَ لَهُ
أَنْ يُعْتِقَ عَلَى مَالٍ، كَذَا هَذَا، وَلِأَنَّ فِي
الْكِتَابَةِ تَنْمِيَةَ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ أَمْنِ
الضَّرَرِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُ رَقَبَةَ الْعَبْدِ
مِنْ مِلْكِهِ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ بِدَلِهِ فِي مِلْكِهِ،
فَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَلَوْ بَاعَ جَازَ، كَذَلِكَ هَاهُنَا.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ لِأَنَّهُ لَا
يُؤْمَنُ مِنْ الضَّرَرِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَجَّلُ خُرُوجَ
الرَّقَبَةِ عَنْ مِلْكِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ
الْبَدَلُ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِأَنْ يَمُوتَ قَبْلَ
الْأَدَاءِ، أَوْ يَعِيشَ فَلَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ عَلَيْهِ،
كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ بَدَلٍ.
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ
لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا؛
لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَنْ الضَّرَرُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ
رَقَبَتَهُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ، وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ
الْأَمَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمِنَ الضَّرَرَ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ
النَّفَقَةَ وَإِمْسَاكَهَا عَنْ نَفْسِهِ وَيَسْتَفِيدُ
الْمَهْرَ فَجَازَ عَلَيْهِ.
454 - وَإِذَا أَجَّرَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ نَفْسَهُ فِي
خِيَاطَةٍ وَنَقْلِ شَيْءٍ
(2/36)
فَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَكَى أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ
لِيَخْدُمَ إنْسَانًا شَهْرًا لَا تَكُونُ الْأُجْرَةُ
بَيْنَهُمَا.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ
عَلَى صَاحِبِهِ مَا يَلْزَمُهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ مِمَّا
يَصِحُّ الضَّمَانُ فِيهِ، وَضَمَانُ الْخِيَاطَةِ عَنْ
شَرِيكِهِ، وَضَمَانُ النَّقْلِ جَائِزٌ، فَصَارَ مَضْمُونًا
عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِذَا كَانَ مَضْمُونًا
عَلَى شَرِيكِهِ جَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ بَدَلَهُ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخِدْمَةُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ
عَلَى الْمُدَّةِ، وَالْخِدْمَةُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا
عَلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى شَرِيكِهِ، فَجَازَ
أَلَّا يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ مَعَ عَدَمِ الضَّمَانِ.
فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ
نَفْسَهُ لِحِفْظِ شَيْءٍ أَوْ نَقْلِهِ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا
بِأَجْرٍ أَوْ كَسَبَ كَسْبًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَحِفْظُ
شَيْءٍ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ
يَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ فَيَجِبُ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَهُمَا
[كَمَا] قُلْنَا.
455 - إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِامْرَأَتِهِ
بَعْدَمَا طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بِدَيْنٍ لَمْ
يَلْزَمْ شَرِيكَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ.
وَلَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ
وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا.
وَالْفَرْقُ أَنَّ حُكْمَ الْفِرَاشِ بَاقٍ مَا دَامَتْ فِي
الْعِدَّةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا
وَسُكْنَاهَا، وَيَبْقَى لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ
وَالتَّسْلِيطِ فِي مَالِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ
(2/37)
لَمْ يُطَلِّقْهَا، فَصَارَ بِإِقْرَارِهِ
مُوجِبًا لِنَفْسِهِ حَقَّ التَّسْلِيطِ وَالتَّصَرُّفِ،
فَلَحِقَتْهُ التُّهْمَةُ فَلَمْ يَجُزْ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِدَّةَ
لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْفِرَاشِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ
بِغَيْرِ الْفِرَاشِ، وَهُوَ الْوَطْءُ بِالشُّبْهَةِ،
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَ
مَوْلَاهَا إذَا مَاتَ عَنْهَا بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ
وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا حُكْمُ فِرَاشٍ صَارَتْ
أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ فَجَازَ إقْرَارُهُ لَهَا.
456 - إذَا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا ثُمَّ
تَفَرَّقَا ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بَعْد الْفُرْقَةِ
لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ إلَّا الْبَائِعُ.
وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَقَدْ كَانَ
نَقَدَ الثَّمَنَ قَبْلَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ
بِالثَّمَنِ أَيَّهُمَا شَاءَ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنَّمَا
يَجِبُ الثَّمَنُ عَلَى الْبَائِعِ بِالرَّدِّ وَالرَّدُّ
وَقَعَ بَعْدَ الْفُرْقَةِ، فَصَارَ هَذَا دَيْنًا لَزِمَهُ
بَعْدَ الْفُرْقَةِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى شَرِيكِهِ، كَمَا لَوْ
اشْتَرَى شَيْئًا بَعْدَ الْفُرْقَةِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ؛ لِأَنَّهُ
بِالِاسْتِحْقَاقِ نَقَضَ قَبْضَهُ فِيهِ مِنْ حِينِ
الْقَبْضِ، فَصَارَ الثَّمَنُ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ
مِنْ حِينِ الْقَبْضِ، وَالْقَبْضُ كَانَ قَبْلَ الْفُرْقَةِ،
فَصَارَ هَذَا دَيْنًا لَزِمَهُ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ، فَكَانَ
لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ بِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى قَبْلَ
التَّفْرِقَةِ.
(2/38)
457 - إذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ
جِنَايَتَيْنِ فَقَتَلَ قَتِيلَيْنِ وَقَدْ أَخَذَ أَحَدُ
الْوَلِيَّيْنِ نِصْفَ الْقِيمَةِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ
يُشَارِكَهُ فِيهِ.
وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلَيْنِ فَسَوَاءٌ قَضَى
بِالْقِيمَةِ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا فَإِنَّهُ لَا
يُشَارِكُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ لَا تُوجِبُ
الْحَقَّ فِي رَقَبَتِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى
الدَّفْعُ فِيهِ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى النَّقْلِ مِنْ
الرَّقَبَةِ إلَى الْقِيمَةِ، فَلَمْ يُرَاعِ الْمَنْقُولَ،
وَهُوَ حَقُّ وَلِيِّ الْقَتِيلَيْنِ، إذْ لَوْ رَاعَيْنَا
الْمَنْقُولَ لَرَاعَيْنَاهُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى النَّقْلِ،
وَهَذَا لَا يَجُوزُ، فَبَقِيَ الْوُجُوبُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ،
وَهُوَ حَقُّ الْوَلِيِّ فِي ذِمَّةٍ وَاحِدَةٍ عَنْ أَصْلٍ
مُشْتَرَكٍ، فَكَانَ مُشْتَرَكًا كَمَا لَوْ كَانَ
الْمَقْتُولُ وَاحِدًا، وَلَهُ وَلِيَّانِ.
وَأَمَّا الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ فَجِنَايَتُهُ تُوجِبُ
الْحَقَّ فِي رَقَبَتِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ
قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ خُوطِبَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ،
وَبِالْقَضَاءِ يُنْقَلُ الْحَقُّ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى
الْقِيمَةِ، وَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى النَّقْلِ رُوعِيَ
الْمَنْقُولُ، وَالْمَنْقُولُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا
حَقَّ لِهَذَا فِي دَمِ ذَاكَ، وَلَا لِذَاكَ فِي دَمِ هَذَا،
وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَنْقُولُ لَمْ يُشَارِكْ أَحَدُهُمَا
صَاحِبَهُ، كَمَا نَقُولُ فِي عَبْدَيْنِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ
بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى أَوْ فِي
صَفْقَةٍ ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا لَمْ يُشَارِكْ
أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي ثَمَنِ عَبْدِهِ، كَذَلِكَ هَذَا.
(2/39)
458 - رَجُلٌ أَمَرَ رَجُلَيْنِ أَنْ
يَقْضِيَا عَنْهُ غَرَامَةَ كَذَا دِرْهَمًا فَأَدَّيَاهُ مِنْ
مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا
شَيْئًا مِنْهُ فَلِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي
الْمَقْبُوضِ.
وَلَوْ أَمَرَ رَجُلَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَا لَهُ جَارِيَةً
بِأَلْفٍ فَاشْتَرَيَاهَا، وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالٍ
فِيهِ شَرِيكَانِ أَوْ غَيْرُ شَرِيكَيْنِ، ثُمَّ إنَّ
أَحَدَهُمَا قَبَضَ مِنْ الْآخَرِ حِصَّتَهُ الَّتِي أَدَّاهَا
وَهِيَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ
يُشَارِكَهُ فِي شَيْءٍ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وُجُوبُ
الرُّجُوعِ بِالْأَدَاءِ لَا بِالْمِلْكِ، بِدَلِيلِ
أَنَّهُمَا لَوْ أَرَادَا أَنْ يَرْجِعَا قَبْلَ الْأَدَاءِ
لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ
مَلَكَا ذَلِكَ الْمَالَ بِالْهِبَةِ فَإِنَّهُمَا لَا
يَرْجِعَانِ عَلَى الْآمِرِ وَإِذَا كَانَ الْمُؤَدَّى
مُشْتَرَكًا كَانَ الْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكًا، كَمَا لَوْ
غَصَبَ مِنْ رَجُلَيْنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُشْتَرَكًا
بَيْنَهُمَا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْغَاصِبِ شَيْئًا
فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْآمِرُ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ
الرُّجُوعِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا وَقَعَ لَهُ مِنْ
الْعَقْدِ لَا بِالْأَدَاءِ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ
يَرْجِعَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَمَا وَقَعَ لِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدِ غَيْرُ مَا وَقَعَ لِلْآخَرِ،
بِدَلِيلِ أَنَّ حُقُوقَ عَقْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ دُونَ صَاحِبِهِ، وَلَا يُطَالَبُ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ، وَلَا
يُسَلَّمُ إلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْمَبِيعِ، فَلَمْ
(2/40)
يَشْتَرِكَا فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ
لِلرُّجُوعِ، فَلَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَالِ الَّذِي
رَجَعَا، كَمَا لَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنًا
مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ
لَا يَشْرَكُهُ صَاحِبُهُ فِيهِ كَذَا هَذَا.
459 - رَجُلَانِ غَصَبَا عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ وَبَاعَاهُ،
فَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى ضَمَّنَ
أَحَدَ الْغَاصِبَيْنِ نِصْفَ الْقِيمَةِ، فَأَخَذَ هُوَ مِنْ
الْمُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى ضَمَّنَ
الْغَاصِبَ الثَّانِي نِصْفَ الْقِيمَةِ الْبَاقِيَةِ، فَإِنَّ
الْغَاصِبَ الثَّانِي لَا يُشَارِكُ الْأَوَّلَ فِيمَا قَبَضَ.
وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْغَاصِبُ الَّذِي ضُمِّنَ أَوَّلًا
نِصْفَ الثَّمَنِ حَتَّى ضَمَّنَ الْمَوْلَى الْغَاصِبَ
الثَّانِي نِصْفَ الْقِيمَةِ أَيْضًا ثُمَّ قَبَضَ الْأَوَّلُ
شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ يُشَارِكُهُ صَاحِبُهُ فِيمَا قَبَضَ.
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا
جَمِيعَهُ، وَأَجَازَ الْبَيْعَ فِي نِصْفِهِ وَقَبَضَ نِصْفَ
الثَّمَنِ فَأَجَازَ صَاحِبُهُ الْبَيْعَ بَعْدَ ذَلِكَ،
فَلِلَّذِي أَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ
مَا قَبَضَ، وَقَبْضُهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ أَوْ بَعْدَهُ
سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَاهُنَا الْإِجَازَةُ تَسْتَنِدُ إلَى ذِي
الْعَقْدِ، وَذُو الْعَقْدِ أَوْجَبَ قَبْضَ جَمِيعِ الثَّمَنِ
لِلْبَائِعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ بِرِضَا
الشَّرِيكِ لَكَانَ حَقُّ قَبْضِ جَمِيعِ الثَّمَنِ لَهُ،
وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ
مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ،
(2/41)
وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ أَوْجَبَ قَبْضَ
جَمِيعِ الثَّمَنِ لَهُ كَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ
الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ
لَمْ يُوجِبْ قَبْضَ جَمِيعِ الثَّمَنِ، بِدَلِيلِ أَنَّ
الْمَوْلَى لَوْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَيْنِ لَمْ يَكُنْ
لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْبِضَ جَمِيعَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ
الْعَاقِدَ اثْنَانِ، فَلَمْ يَكُنْ قَبْضُهُ مُسْتَنِدًا إلَى
الْعَقْدِ، فَصَارَ فِيهِ مُسْتَنِدًا إلَى وُجُوبِ الْحَقِّ
لَهُ، فَإِذَا قَبَضَ أَوَّلًا نِصْفَهُ قَبْلَ أَنْ يُضَمِّنَ
الْمَوْلَى الْغَاصِبَ الثَّانِي، فَلَمْ يَجْتَمِعْ
حَقُّهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ حَقَّ
الثَّانِي لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي إلَّا
بَعْدَ وُقُوعِ فَرَاغِ ذِمَّتِهِ عَنْ حَقِّ الْأَوَّلِ،
وَإِذَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَلَا
يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَقْبُوضِ.
وَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ حَتَّى ضَمَّنَ الْمَوْلَى الْغَاصِبَ
الثَّانِي فَقَدْ اجْتَمَعَ الْحَقَّانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ؛
لِأَنَّهُ بِالتَّضْمِينِ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِمَا
بِمَعْنًى مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْبَيْعِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ
بَاعَا مِلْكَ أَنْفُسِهِمَا، وَالْمِلْكُ يَحْصُلُ
لِلْمُشْتَرِي بِذَلِكَ الْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ وَقَعَ
مُجْتَمِعًا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَتَأَخَّرَتْ الْإِجَازَةُ
فِي الْغَصْبِ، فَلَا تُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ،
كَرَجُلَيْنِ بَاعَا عَبْدًا صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى
أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَأَسْقَطَ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ
فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي فِي الْيَوْمِ
الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يُجْعَلُ الْعَقْدُ بِتَفْرِيقِ
الْإِجَازَةِ صَفْقَتَيْنِ، كَذَلِكَ هَذَا، فَقَدْ اجْتَمَعَ
الْحَقَّانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ
فَاشْتَرَكَا فِي الْمَقْبُوضِ، كَمَا لَوْ بَاعَا مِلْكَ
أَنْفُسِهِمَا.
460 - إذَا قَالَ لِآخَرَ: مَا اشْتَرَيْت مِنْ شَيْءٍ
الْيَوْمَ أَوْ غَدًا بِكَذَا
(2/42)
دِرْهَمًا أَوْ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ مِنْ
الْحِنْطَةِ فَبَيْنِي وَبَيْنَك، فَقَالَ: نَعَمْ، فَهَذَا
جَائِزٌ.
وَلَوْ قَالَ: مَا اشْتَرَيْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنِي
وَبَيْنَك وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا وَلَا ثَمَنًا وَلَا وَقْتًا
لَمْ يَجُزْ.
وَلَوْ قَالَ: مَا اشْتَرَيْنَا أَوْ مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُنَا
مِنْ تِجَارَتِهِ فَبَيْنَنَا فَهَذَا جَائِزٌ. وَالْفَرْقُ
أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشِّرَاءَ دُونَ الْبَيْعِ وَلَمْ
يَذْكُرْ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ شَرِكَةَ الْعُقُودِ
عُلِمَ أَنَّهَا وَكَالَةٌ، وَفِي التَّوْكِيلِ إذَا لَمْ
يَذْكُرْ أَحَدُهُمَا فِي الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ لَا
تَصِحُّ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ الْكَثِيرَةِ وَعَدِمَ
التَّخْصِيصِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَقَعُ عَامَّةً،
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَكَّلْتُك لَمْ يَصِحَّ لَهُ
الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي مَالِهِ، فَإِذَا لَمْ يَخُصَّ
لَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ شَيْئًا.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ؛ لِأَنَّ
الْجَهَالَةَ تَقِلُّ، وَقَلِيلُ الْجَهَالَةِ مَعْفُوٌّ
عَنْهُ فِي الْوَكَالَةِ.
وَأَمَّا إذَا قَالَ: مَا اشْتَرَى بَيْنَنَا أَوْ مَا
اشْتَرَاهُ أَحَدُنَا فَقَدْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا دَلَّ عَلَى
أَنَّهُمَا قَصَدَا عَقْدَ الشَّرِكَةِ، إذْ الْعَادَةُ لَمْ
تَجْرِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يُوَكِّلُ الْمُوَكَّلَ، فَعُلِمَ
أَنَّهَا شَرِكَةٌ وَالشَّرِكَةُ تَقَعُ عَامَّةً فَلَا
تَحْتَاجُ إلَى
(2/43)
التَّخْصِيصِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ
قَالَ شَارَكْتُك مُفَاوَضَةً أَوْ عِنَانًا صَحَّ، فَعَدَمُ
ذِكْرِهِ الْجِنْسَ لَا يُبْطِلُهَا.
461 - وَلَوْ كَانَ كُرُّ حِنْطَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَسَأَلَ
رَجُلٌ أَحَدَهُمَا فَقَالَ أَشْرِكْنِي فِيهِ فَفَعَلَ،
فَلَمْ يُجِزْهُ شَرِيكُهُ، فَلِهَذَا الْمُشْتَرَكِ نِصْفُ
النِّصْفِ.
وَلَوْ قَالَ: بِعْنِي نِصْفَهُ، فَبَاعَهُ، فَلَمْ يُجِزْهُ
شَرِيكُهُ، فَلِلْمُشْتَرِي النِّصْفَ الَّذِي كَانَ
لِلْبَائِعِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ الِاشْتِرَاكَ فَلَوْ
قُلْنَا أَنَّهُ يُسَلِّمُ جَمِيعَ نَصِيبِهِ إلَيْهِ صَارَ
مُفْرِدًا لَهُ بِمِلْكِهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَشْرَكَهُ فَيَجِبُ
تَنْقِيصُ شَيْءٍ، لِيَكُونَ مُشْتَرِكًا إيَّاهُ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْبَيْعِ لَا
يَقْتَضِي بَقَاءَ حَقِّهِ فِيهِ فَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى
أَنْ يَبْقَى لَهُ حَقٌّ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يُجِزْ شَرِيكُهُ
فِي حِصَّتِهِ نَفَذَ فِي نَصِيبِ الْبَائِعِ الَّذِي يَقْدِرُ
عَلَى تَسْلِيمِهِ.
(2/44)
|