الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي بَابُ الْقَوْلِ فِي الْعُمُومِ
وَالْخُصُوصِ الْعُمُومُ: كُلُّ لَفْظٍ عَمَّ شَيْئَيْنِ
فَصَاعِدًا , وَقَدْ يَكُونُ مُتَنَاوِلًا لِشَيْئَيْنِ ,
كَقَوْلِكَ: عَمَمْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا بِالْعَطَاءِ , وَقَدْ
يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْجِنْسِ كَقَوْلِكَ: عَمَمْتُ النَّاسَ
بِالْعَطَاءِ , فَأَقَلُّهُ مَا يَتَنَاوَلُ شَيْئَيْنِ ,
وَأَكْثَرُهُ مَا يَسْتَغْرِقُ الْجِنْسَ وَلَهُ صِيغَةٌ إِذَا
تَجَرَّدَتِ اقْتَضَتِ الْعُمُومَ وَاسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ
كَدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ اللَّتَيْنِ لِلتَّعْرِيفِ فِي
الْجَمْعِ وَالْجِنْسِ , نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:
5] وَكَالْأَلْفَاظِ الْمُبْهَمَةِ مِثْلِ: (مَنْ) فِي
الْعُقَلَاءِ , وَ (مَا) فِي غَيْرِهِمْ , وَغَيْرِ ذَلِكَ
مِمَّا قَدْ ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ وَذَهَبَ بَعْضُ
الْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنَّ الْعُمُومَ لَا صِيغَةَ لَهُ
فِي لُغَةِ الْعَرَبِ , وَأَنَّ الْأَلْفَاظَ يَجِبُ الْوَقْفُ
فِيهَا إِلَى أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عُمُومِهَا أَوْ
خُصُوصِهَا , فَتَحْمِلُ عَلَيْهِ , وَهَذَا غَلَطٌ ,
وَدَلِيلُنَا مَا:
(1/224)
أنا أَبُو سَعِيدٍ , مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى
الصَّيْرَفِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , نا أَبُو أُمَيَّةَ
الطُّرَسُوسِيُّ , نا مُحَمَّدُ [ص:225] بْنُ الصَّلْتِ , نا
أَبُو كُدَيْنَةَ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] الْآيَةُ قَالَ
الْمُشْرِكُونَ: فَإِنَّ عِيسَى يُعْبَدُ وَعُزَيْرًا
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ
عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] الْآيَةَ: عِيسَى
وَعُزَيْرٌ " فَحَمَلَ الْقَوْمُ لَفْظَةَ: {مَا تَعْبُدُونَ}
[الأنبياء: 98] عَلَى الْعُمُومِ , وَلَهُمْ حُجَّةٌ فِي
اللُّغَةِ , إِلَى أَنْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ
مُرَادَهُ بِالْآيَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ
سَابِقًا بِأَنَّ عِيسَى وَعُزَيْرًا لَا يُعَذَّبَانِ ,
وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَارَضُوا بِهِمَا هُمُ
الَّذِينَ أَغْفَلُوا النَّظَرَ فِي الْبَيَانِ , وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
(1/224)
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا: أنا أَبُو
بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي
الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْدَانَ , حَدَّثَكُمْ جَعْفَرُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ , أنا قُتَيْبَةُ , نا اللَّيْثُ ,
عَنْ عُقَيْلٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ: أَخْبَرَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ
مَسْعُودٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ,
وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ , وَكَفَرَ مَنْ [ص:226]
كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي
بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ , وَقَدْ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ
أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ , فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمَ
مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ , وَحِسَابُهُ
عَلَى اللَّهِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ
لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ,
فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ , وَاللَّهِ لَوْ
مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ
عَلَى مَنْعِهِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَوَاللَّهِ
مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي
بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ فَاحْتَجَّ
عُمَرُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ , بِعُمُومِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ
أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا عَدَلَ إِلَى
الِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ: الزَّكَاةُ مِنْ حَقِّهَا وَلِأَنَّ
الْعُمُومَ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى الْعِبَارَةِ
عَنْهُ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ , فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ
يَكُونُوا قَدْ وَضَعُوا لَهُ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَيْهِ ,
كَمَا وَضَعُوا لِكُلِّ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ
الْأَعْيَانِ وَإِذَا نَزَلَتْ آيَةٌ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ ,
كَانَ حُكْمُهَا عَامًّا كَمَا:
(1/225)
أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ
الْقَطَّانُ , أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ , أنا مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ , أَنَّ سَعِيدَ بْنَ مَنْصُورٍ ,
حَدَّثَهُمْ قَالَ: نا أَبُو [ص:227] عَوَانَةَ , عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَعْقِلٍ , قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ ,
فَجَلَسَ إِلَيْنَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: فِيَّ
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا
أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] قَالَ قُلْتُ:
كَيْفَ كَانَ شَأْنُكَ؟ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمِينَ , فَوَقَعَ
الْقَمْلُ فِي رَأْسِي وَلِحْيَتِي وَشَارِبِي حَتَّى وَقَعَ
فِي حَاجِبَيَّ , فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: " مَا كُنْتُ أَرَى بَلَغَ
مِنْكَ هَذَا: ادْعُوا الْحَالِقَ " فَجَاءَ الْحَالِقُ ,
فَحَلَقَ رَأْسِي , فَقَالَ: «هَلْ تَجِدُ مِنْ نَسِيكَةٍ؟»
قُلْتُ: لَا - وَهِيَ شَاةٌ - قَالَ: «فَصُمْ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ , أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ بَيْنَ سِتَّةِ
مَسَاكِينَ» قَالَ: فَأُنْزِلَتْ فِيَّ خَاصَّةً , وَهِيَ
لِلنَّاسِ عَامَّةً وَأَمَّا التَّخْصِيصُ: فَهُوَ تَمْيِيزُ
بَعْضِ الْجُمْلَةِ بِالْحُكْمِ , وَلِهَذَا نَقُولُ خَصَّ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا
وَكَذَا , وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ هُوَ: بَيَانُ مَا لَمْ
يُرَدْ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ
(1/226)
أنا الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ
الْعَبَّاسِ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ ,
نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ الشَّافِعِيُّ: "
أَبَانَ اللَّهُ تَعَالَى لِخَلْقِهِ , أَنَّهُ أَنْزَلَ
كِتَابَهُ بِلِسَانِ. نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ , وَهُوَ لِسَانُ
(1/227)
قَوْمِهِ الْعَرَبِ , فَخَاطَبَهُمْ عَزَّ
وَجَلَّ بِلِسَانِهِمْ , عَلَى مَا يَعْرِفُونَ مِنْ مَعَانِي
كَلَامِهِمْ , وَكَانُوا يَعْرِفُونَ مِنْ مَعَانِي
كَلَامِهِمْ , أَنَّهُمْ يَلْفِظُونَ بِالشَّيْءِ عَامًّا
يُرِيدُونَ بِهِ الْعَامَّ , وَعَامًّا يُرِيدُونَ بِهِ
الْخَاصَّ , ثُمَّ دَلْهَمْ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ فِي
كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ , وَأَبَانَ لَهُمْ أَنَّ مَا قَبِلُوا عَنْ
نَبِيِّهِ , فَعَنْهُ عَزَّ وَجَلَّ , قَبِلُوا بِمَا فَرَضَ
اللَّهُ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ مِنْهَا: {مَنْ
يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]
وَقَوْلِهِ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] الْآيَةِ
" قَالَ الشَّافِعِيُّ: " مِمَّا نَزَلَ عَامُّ الظَّاهِرِ مَا
دَلَّ الْكِتَابُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِهِ
الْخَاصَّ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ
الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة:
5] إِلَى {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] , وَقَالَ
تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] فَكَانَ
ظَاهِرُ مَخْرَجِ هَذَا عَامًّا عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ ,
وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إِلَى: {صَاغِرُونَ}
[التوبة: 29] , فَدُلَّ أَمْرُ اللَّهِ بِقِتَالِ
الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ , حَتَّى يُعْطُوا
الْجِزْيَةَ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِالْآيَتَيْنِ
اللَّتَيْنِ ذَكَرَ فِيهِمَا قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وُجِدُوا حَتَّى يُقِيمُوا الصَّلَاةَ , وَأَنْ يُقَاتَلُوا
حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ
لِلَّهِ مَنْ خَالَفَ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ,
وَكَذَلِكَ دَلَّتْ سَنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ حَتَّى
يُسْلِمُوا , وَقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا
الْجِزْيَةَ قَالَ: فَهَذَا مِنَ الْعَامِّ
(1/228)
الَّذِي دَلَّ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ
أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ , لَا أَنَّ وَاحِدَةً مِنَ
الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى , لِأَنَّ
لِإِعْمَالِهِمَا مَعًا وَجْهًا , بِأَنْ كَانَ أَهْلُ
الشِّرْكِ صِنْفَيْنِ , صِنْفٌ أَهْلُ كِتَابٍ , وَصِنْفٌ
غَيْرُ أَهْلِ كِتَابٍ , وَلِهَذَا فِي الْقُرْآنِ نَظَائِرُ ,
وَفِي السُّنَنِ مِثْلُ هَذَا "
(1/229)
أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْكَاتِبُ , أنا
أَبُو بَكْرٍ , أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
سَلْمٍ الْخُتَّلِيُّ , أنا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَحْمَدُ بْنُ
مُوسَى الْجَوْهَرِيُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ
الْمُرَادِيُّ , قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا
ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ
الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ
الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73] قَالَ الشَّافِعِيُّ:
«فَخَرَجَ اللَّفْظُ عَامًا عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ ,
وَبَيِّنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ
مِنْهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا يُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْعَامِ
الْمُخْرِجِ بَعْضَ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ , لِأَنَّهُ لَا
يُخَاطَبُ بِهَذَا إِلَّا مَنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ
إِلَهًا , تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا -
لِأَنَّ فِيهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَغْلُوبِينَ عَلَى
عُقُولِهِمْ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ مَنْ لَا يَدْعُو مَعَهُ
إِلَهًا»
(1/229)
أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ
الْمُقْرِئُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ [ص:230]
الْخُطَبِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
, قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الْآيَةِ , إِذَا جَاءَتْ
تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ , عَامَّةً , وَتَحْتَمِلُ أَنْ
تَكُونَ خَاصَّةً , مَا السَّبِيلُ فِيهَا؟ قَالَ: إِذَا كَانَ
لِلْآيَةِ ظَاهِرٌ يُنْظَرُ مَا عَمِلَتْ بِهِ السُّنَّةُ ,
فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى ظَاهِرِهَا وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ
تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء:
11] فَلَوْ كَانَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا , لَزِمَ كُلَّ مَنْ
قَالَ بِالظَّاهِرِ , أَنْ يُوَرِّثَ كُلَّ مَنْ وَقَعَ
عَلَيْهِ اسْمُ وَلَدٍ , وَإِنْ كَانَ قَاتِلًا أَوْ
يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ عَبْدًا فَلَمَّا قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرِثُ
الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ , وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» كَانَ
ذَلِكَ مَعْنَى الْآيَةِ قُلْتُ لِأَبِي: إِذَا لَمْ يَكُنْ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ
شَيْءٌ مشروعٌ , يُخْبَرُ فِيهِ عَنْ خُصُوصٍ أَوْ عُمُومٍ؟
قَالَ أَبِي: يُنْظَرُ مَا عَمِلَ بِهِ أَصْحَابُهُ ,
فَيَكُونُ ذَلِكَ مَعْنَى الْآيَةِ , فَإِنِ اخْتَلَفُوا ,
يُنْظَرُ أَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَشْبَهُ بِقَوْلِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَكُونُ الْعَمَلُ
عَلَيْهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْتُ أَبِي , قُلْتُ:
أَتَقُولُ فِي السُّنَّةِ تَقْضِي عَلَى الْكِتَابِ؟ قَالَ:
قَدْ قَالَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْهُمْ مَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ
[ص:231] أَرَى قُلْتُ لِأَبِي: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ:
أَقُولُ: إِنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْكِتَابِ؟
(1/229)
حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيُّ , أنا
الْخَصِيبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي , أنا أَحْمَدُ بْنُ
جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ الطُّرَسُوسِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ جَابِرٍ الْبَزَّازُ , قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ
مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ نُوحٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بْنَ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ
حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ , يَقُولُ: «إِنَّمَا هُوَ الْكِتَابُ
وَالسُّنَّةُ , وَالْكِتَابُ أَحْوَجُ إِلَى السُّنَّةِ مِنَ
السُّنَّةِ إِلَى الْكِتَابِ» سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ
الْفَيْرُوزَابَادِيَّ , يَقُولُ: وَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ فِي
جَمِيعِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ
وَالْخَبَرِ , وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يَجُوزُ
التَّخْصِيصُ فِي الْخَبَرِ , كَمَا لَا يَجُوزُ النَّسْخُ
فِيهِ , وَهَذَا خَطَأٌ , لَأَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ
التَّخْصِيصَ بَيَانُ مَا لَمْ يَرِدْ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ
وَهَذَا قَدْ يَصِحُّ فِي الْخَبَرِ كَمَا يَصِحُّ فِي
الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ
(1/231)
|