الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي

بَابُ تَرْتِيبِ اسْتِعْمَالِ الْأَدِلَّةِ وَاسْتِخْرَاجِهَا

(1/532)


أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ , نا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ , وَأَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاعِظُ , أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانُ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَبِيبٍ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ , أَخْبَرَنِي رَوْحُ بْنُ جُنَاحٍ , عَنْ مَنْصُورٍ , عَنْ أَبِي وَائِلٍ , أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , أَنَّهُ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ عَامِلٌ لِعُمَرَ عَلَى الْكُوفَةِ , وَقَدْ حَضَرَ أُنَاسٌ كَثِيرٌ , فَمِنْهُمُ الْمُسْتَفْتِي , وَمِنْهُمُ الْمُخَاصِمُ , فَلَمَّا رَأَى كَثْرَةَ مَنْ حَضَرَهُ , حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ: «قَدْ كُنَّا» - وَفِي حَدِيثِ الْقَطَّانِ: إِنَّا كُنَّا - " وَلَسْنَا بِشَيْءٍ , ثُمَّ بَلَغَ اللَّهُ بِنَا مَا تَرَوْنَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْنَا فِيهِ , فَمَنْ عَرَضَ لَهُ مِنْكُمْ قَضَاءٌ فَلْيَعْرِضْهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ , فَإِنْ كَانَ مِمَّا أَحْكَمَ الْكِتَابُ فَلْيُمْضِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا أَحْكَمَ الْكِتَابُ فَلْيَعْرِضْهُ، وَقَالَ المَادِرَائِيُّ: فَلْيَعْرِضَ القَضَاءَ عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا أَحْكَمَتِ السُّنَّةُ فَلْيَمْضِه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُحْكَمِ الْكِتَابِ وَلَا مَضَتْ فِيهِ سُنَّةُ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ " , - وَقَالَ الْقَطَّانُ: فَمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الرِّضَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ كَانَ مِمَّا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَلْيُمْضِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا [ص:533] اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَلْيَقُلْ بِرَأْيِهِ تَيَمُّمًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَافُ وَلَا أَدْرِي , إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ , وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ , وَشُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلِكَ مَنْ تَوَقَّاهُنَّ كَانَ أَقَرَّ» - وَقَالَ الْقَطَّانُ: كَانَ أَوْفَرَ - «لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ»

(1/532)


أنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ , وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ , قَالَا: أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ , نا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ , قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: «الْأَصْلُ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيَاسٌ عَلَيْهِمَا , وَإِذَا اتَّصَلَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّ الْإِسْنَادُ مِنْهُ فَهُوَ سُنَّةٌ , وَالْإِجْمَاعُ أَكْثَرُ مِنَ الْخَبَرِ الْمُنْفَرِدِ , وَالْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ , وَإِذَا احْتَمَلَ الْمَعَانِيَ , فَمَا أَشْبَهَ مِنْهَا ظَاهِرَهُ أُولَاهَا بِهِ , وَإِذَا تَكَافَأَت الأَحَادِيثُ فَأَصَحُّهَا إِسْنَاداً أَوْلَاهَا , وَلَيْسَ الْمُنْقَطِعُ بِشَيْءٍ , مَا عَدَا مُنْقَطِعَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ»

(1/533)


وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ , نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْمِصْرِيُّ , نَفْسُهُ قَالَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ: «لَا يُقَاسُ أَصْلٌ عَلَى أَصْلٍ , وَلَا يُقَاسُ عَلَى خَاصٍّ , وَلَا يُقَالُ لِأَصْلٍ لِمَ؟ وَكَيْفَ؟» زَادَ أَبِي فِي حَدِيثِهِ عَنْ يُونُسَ , عَنِ الشَّافِعِيِّ [ص:534]: «إِنَّمَا يُقَالُ لِلْفَرْعِ لِمَ؟ , فَإِذَا صَحَّ قِيَاسُهُ عَلَى الْأَصْلِ صَحَّ وَقَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ»

(1/533)


أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ الدَّقَّاقُ , نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْجَوْهَرِيُّ , نا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ , قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ , فِيمَا سَمِعْنَا مِنْهُ , مِنَ الْمَسَائِلِ , «إِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ لَمْ يَأْخُذْ فِيهَا بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ , وَلَا مَنْ بَعْدَهُ خِلَافَهُ , وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلٌ مُخْتَلِفٌ تَخَيَّرَ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ , وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ إِلَى قَوْلِ مَنْ بَعْدَهُمْ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ قَوْلٌ تَخَيَّرَ مِنْ أَقَاوِيلِ التَّابِعِينَ , وَرُبَّمَا كَانَ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ وَفِي إِسْنَادِهِ شَيْءٌ فَيَأْخُذُ بِهِ , إِذَا لَمْ يَجِئْ خِلَافُهُ أَثْبَتَ مِنْهُ , مِثْلُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ , وَمَثَلُ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ , وَرُبَّمَا أَخَذَ بِالْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ , إِذَا لَمْ يَجِئْ خِلَافُهُ» قُلْتُ: الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ أَصْلٌ جَامِعٌ لِاسْتِعْمَالِ أَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ , وَكَيْفَ تُرَتَّبُ طُرُقُهَا , وَتُسْتَنْبَطُ أَحْكَامُهَا , فَيَجِبُ عَلَى الْعَالِمِ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ أَنْ يَطْلُبَ حُكْمَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ , وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَنْظُرَ فِي

(1/534)


مَنْطُوقِ النُّصُوصِ , وَالظَّوَاهِرِ وَمَفْهُومِهَا , وَفِي أَفْعَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِقْرَارِهِ وَلَيْسَ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ وَلَا نَصِّ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَارُضٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] , وَقَالَ مُخْبِرًا عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى , إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] , فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ , وَأَنَّ كَلَامَ نَبِيِّهِ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِهِ , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّهُ مُتَّفِقٌ , وَأَنَّ جَمِيعَهُ مُضَافٌ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ , وَمَبْنِيُّ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ إِمَّا بِعَطْفٍ , أَوِ اسْتِثْنَاءٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ , وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي:

(1/535)


أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاقِدُ , أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ , أَخْبَرَنِي عَمْرٌو , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ , قَالَ: وَجَدَ عُمَرُ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا , فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ , ابْتَعْ هَذِهِ فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَلِلْوَفْدِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» , أَوْ قَالَ: «إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» قَالَ: فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ , ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ , فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ , حَتَّى أَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتُ: إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ ثُمَّ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص:536]: «تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ أَوْ نَحْوَ هَذَا» فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعْلِيمٌ لِاسْتِعْمَالِ السُّنَنِ , وَالْأَخْذِ بِهَا كُلِّهَا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبَاحَ مِلْكَ الْحُلَّةِ مِنَ الْحَرِيرِ وَبَيْعَهَا وَهِبَتَهَا وَكُسْوَتَهَا لِلنِّسَاءِ , وَأَمَرَ عُمَرَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ اللِّبَاسَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ فَقَطْ , وَلَا يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ

(1/535)


قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْأَزْجِيِّ , عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ , قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ , قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى , قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ مَا تَقُولُ فِي الْخَبَرِ الْوَاحِدِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , تَسْتَعْمِلُهُ قَالَ: «نَعَمْ , إِذَا صَحَّ الْخَبَرُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ»

(1/536)


أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ الْوَاسِطِيُّ , وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَرْوَرُوذِيُّ , - قَالَ أَحْمَدُ: نا، وَقَالَ أَبُو الْعَلَاءِ: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ , يَقُولُ: «لَيْسَ لِأَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلٌ إِذَا صَحَّ الْخَبَرُ عَنْهُ»

(1/536)


سَمِعْتُ أَبَا هِشَامٍ الرِّفَاعِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ آدَمَ , يَقُولُ: " لَا يُحْتَاجُ مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْلِ أَحَدٍ , وَإِنَّمَا كَانَ يُقَالُ: سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ , لِيُعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَاتَ عَلَيْهَا " وَيَجِبَ أَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى عُمُومِهِ وَظَاهِرِهِ , إِلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ , فَيَعْدِلُ إِلَى مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ

(1/537)


أنا الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَلَوْ جَازَ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يُحَالَ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَى مَعْنًى بَاطِنٍ يَحْتَمِلُهُ , كَانَ أَكْثَرُ الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ عَدَدًا مِنَ الْمَعَانِي , فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ ذَهَبَ إِلَى مَعْنًى مِنْهَا حُجَّةٌ عَلَى أَحَدٍ ذَهَبَ إِلَى مَعْنًى غَيْرِهِ , وَلَكِنَّ الْحَقَّ فِيهَا وَاحِدٌ: أَنَّهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَعُمُومِهَا إِلَّا بِدَلَالَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا عَلَى خَاصٍّ دُونَ عَامٍّ , أَوْ بَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ , إِذَا كَانَتْ إِذَا صُرِفَتْ إِلَيْهِ عَنْ ظَاهِرِهَا مُحْتَمِلَةً لِلدُّخُولِ فِي مَعْنَاهُ , وَسَمِعْتُ عَدَدًا مِنْ مُقَدَّمِي أَصْحَابِنَا , وَبَلَغَنِي عَنْ عَدَدٍ مِنْ مُقَدَّمِي أَهْلِ الْبُلْدَانِ فِي الْفِقْهِ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَا يُخَالِفُهُ "

(1/537)


قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَكُلَّمَا احْتَمَلَ حَدِيثَانِ أَنْ يُسْتَعْمَلَا مَعًا , اسْتُعْمِلَا مَعًا , وَلَمْ يُعَطِّلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْآخَرَ» قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ صَحِيحٌ , وَأَنَا أَذْكُرُ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُظَنُّ أَنَّهَا مُتَضَادَّةٌ لِتَعَارُضِهَا فِي الظَّاهِرِ وَلَيْسَتْ مُتَضَادَّةً , وَأُبَيِّنُ كَيْفَ وَجْهُ اسْتِعْمَالِ جَمِيعِهَا لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَا عَدَاهُ مِنْ هَذَا الْفَنِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

(1/538)


أنا أَبُو الْحَسَنِ , عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَذَّاءُ الْمُقْرِئُ , وَأَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاعِظُ قَالَا: أنا أَبُو بَحْرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ كَوْثَرٍ الْبَرْبَهَارِيِّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ , نا مُسَدَّدٌ , نا عَبْدُ الْوَارِثِ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَجَدَ فِي النَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ»

(1/538)


وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ , عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئبٍ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ [ص:539]: " أَنَّهُ قَرَأَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّجْمِ , فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا لَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ تَضَادٌّ , وَلَا أَحَدُهُمَا نَاسِخٌ لِلْآخَرِ , وَفِيهِمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ لَيْسَ بِحَتْمٍ , لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي النَّجْمِ تَارَةً وَتَرَكَ السُّجُودَ فِيهَا تَارَةً أُخْرَى , وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُتْرَكَ وَهَذَا اخْتِلَافٌ مِنْ جِهَةِ الْمُبَاحِ ,

(1/538)


وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ: أَنَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ , أنا الرَّبِيعُ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا سُفْيَانُ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى أَنَّ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةُ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ , وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا , وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ

(1/539)


ثُمَّ أنا أَبُو الْحُسَيْنِ , مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَسْنُونَ النَّرْسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي , لِأُمِّي الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السَّامِرِيُّ بِسَامُرَاءَ , أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ , نا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ , عَنْ مَالِكٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ , عَنْ عَمِّهِ , وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إِذَا قَعَدْتَ لِحَاجَتِكَ , فَلَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ , وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ» , فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «لَقَدِ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا , فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ» وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ خِلَافٌ وَلَا نَسْخٌ , أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّهْيِ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الصَّحْرَاءِ , وَكَانَ الْقَوْمُ عُرُبًا يَخْرُجُونَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ إِلَى الصَّحَارِي , وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ ضَرُورَةٌ فِي أَنْ يَنْحَرِفُوا عَنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ شَرْقًا أَوْ غَرْبًا , وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ خَاصٌّ فِي الْمَنَازِلِ , لِأَنَّهَا مُتَضَايِقَةٌ , لَا يُمْكِنُ مِنَ التَّحَرُّفِ فِيهَا مَا يُمْكِنُ فِي الصَّحْرَاءِ , فَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ , وَهُوَ حِينَئِذٍ مُسْتَدْبِرُ الْكَعْبَةَ , دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ مُنْصَرِفٌ إِلَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الصَّحْرَاءِ دُونَ الْمَنَازِلِ , وَسَمِعَ أَبُو أَيُّوبَ النَّهْيَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَعْلَمْ مَا عَلِمَهُ ابْنُ عُمَرَ , [ص:541] فَخَافَ الْمَأْثَمَ فِي أَنْ يَجْلِسَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ فَتَحَرَّفَ عَنْ جِهَتِهَا , وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ شَيْئًا , أَنْ يَعْمَلَ بِهِ , إِذَا لَمْ يَعْرِفْ غَيْرَهُ

(1/540)


أنا الْبُرْقَانِيُّ , قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ بْنِ خَمِيرَوَيْهِ , أَخْبَرَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ نَجْدَةَ , نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ , نا هُشَيْمٌ , أنا حُصَيْنٌ , قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ أَنَا: أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلَاةٍ وَلَكِنِّي لُدِغْتُ قَالَ: فَمَا فَعَلْتَ؟ قُلْتُ: اسْتَرْقَيْتُ قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ الشَّعْبِيُّ قَالَ: وَمَا حَدَّثَكُمُ الشَّعْبِيُّ؟ قُلْتُ: نا الشَّعْبِيُّ , عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ» قَالَ سَعِيدٌ: قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلِمَ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوِ اسْتِدْبَارِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ فِي الْفَضَاءَ دُونَ الْمَنَازِلِ عِنْدَمَا رَأَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

(1/541)


أنا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ , نا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى , عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ , عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ , قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ [ص:542] رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ , ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا , فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: «بَلَى , إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ , فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلَا بَأْسَ»

(1/541)


وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ: أَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَرْبِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ , نا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ , عَنْ مَالِكٍ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ , عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ , أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِوَدَّانَ أَوْ بِالْأَبْوَاءِ حِمَارًا وَحْشِيًّا , فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بِوَجْهِي قَالَ: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَا حُرُمٌ»

(1/542)


وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ , عَنْ مَالِكٍ , عَنْ أَبِي النَّضْرِ , مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ , عَنْ نَافِعٍ , مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ , عَنْ أَبِي قَتَادَةَ , أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ , فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ قَالَ: فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا , فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا , فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ , فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَبَي بَعْضُهُمْ , فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ: «إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» وَلَيْسَ يُخَالِفُ أَحَدُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرُ , أَمَا الْأَوَّلُ فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّ الْحِمَارَ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ , وَأُهْدِيَ إِلَيْهِ , وَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ حَيٍّ فَلِذَلِكَ رَدَّهُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي , فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَ أَبِي قَتَادَةَ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا صَادَهُ وَهُوَ رَفِيقُهُمْ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَمْ يَصِدْهُ لَهُمْ وَلَا بِأَمْرِهِمْ فَحَلَّ لَهُمْ أْكَلُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصٌّ فِي هَذَا

(1/543)


أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ [ص:544] الْأَصَمُّ , قَالَ: أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: أنا الشَّافِعِيُّ , قَالَ: أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو , مَوْلَى الْمُطَّلِبِ , عَنِ الْمُطَّلِبِ , عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَحْمُ الصَّيْدِ لَكُمْ فِي الْإِحْرَامِ حَلَالٌ , مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادَ لَكُمْ» وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَإِذَا تَكَافَأَتِ الْأَحَادِيثُ فَأَصَحُّهَا إِسْنَادًا أُولَاهَا فَمِثَالُ ذَلِكَ:

(1/543)


وَمَا أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ , نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , نا الْحُمَيْدِيُّ , نا سُفْيَانُ , نا الزُّهْرِيُّ , عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ , عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»

(1/544)


وَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسْنُوَيْهِ الْأَصْبَهَانِيُّ , بِهَا , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ مَزْيَدٍ الْخَشَّابُ , نا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سَمَاعَةَ , أنا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَسَنِ - أنا أَبُو حَنِيفَةَ , نا أَبُو الْحَسَنِ , مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلٌ خَلْفَهُ , فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَاهُ عَنِ الْقِرَاءَةِ [ص:545] فِي الصَّلَاةِ قَالَ: فَقَالَ: أَتَنْهَانِي عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَنَازَعَا حَتَّى ذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى خَلْفَ إِمَامٍ , فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» فَإِنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ هُوَ الصَّحِيحُ , وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَتَفَرَّدَ بِوَصْلِ إِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَقِيلَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ كَذَلِكَ , وَالْحَسَنُ ضَعِيفٌ جِدًّا , وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ , وَخَالَفَهُ الثِّقَاتُ الْحُفَّاظُ , مِنْهُمْ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وشُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ , وزَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ , وَأَبُو عَوَانَةَ الْوَضَّاحُ , وَأَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ , وشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , وجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ , وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ , وَوَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ فَرَوَوْهُ , عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ جَابِرًا , وَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ , فَلَا تَثْبُتُ بِالْحَدِيثِ حُجَّةٌ , لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ

(1/544)


أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمُنْكَدِرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ , بنَيْسَابُورَ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَعْبِيُّ , نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ , نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , نا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ , عَنْ هُرَيْمِ بْنِ سُفْيَانَ , عَنْ مُطَرِّفٍ , عَنْ سَوَادَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ , عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ , وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ - قَالَ: «مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ بَصَرُهُ بِالْحَدِيثِ» [ص:546] وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَلَيْسَ الْمُنْقَطِعُ بِشَيْءٍ مَا عَدَا مُنْقَطِعَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ , فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ , أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ مُرْسَلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ حُجَّةً لِأَنَّ مَرَاسِيلَهُ كُلَّهَا اعْتُبِرَتْ فَوُجِدَتْ مُتَّصِلَاتٍ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِهِ , وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ , لِأَنَّ مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ مَا لَمْ يُوجَدْ مُتَّصِلًا مِنْ وَجْهِ بَتِّهِ , وَالَّذِي يَقْتَضِي مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ جَعَلَ لِسَعِيدٍ مُزِيَّةً فِي التَّرْجِيحِ بِمَرَاسِيلِهِ خَاصَّةً , لِأَنَّ أَكْثَرَهَا وُجِدَ مُتَّصِلًا مِنْ غَيْرِ حَدِيثِهِ , لَا أَنَّهُ جَعَلَهَا أَصْلًا يُحْتَجُّ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَفِيهَا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَلَا يُقَاسُ أَصْلٌ عَلَى أَصْلٍ , مِثَالُ أَنَّ فَرْضَ الزَّكَاةِ فِي الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْهَا شَاةٌ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ , فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ , فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ , وَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ , فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حَقَّةٌ , وَفَرْضُ زَكَاةِ الْبَقَرِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِنَّ النِّصَابَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِبُلُوغِهِ ثَلَاثُونَ , فَإِذَا بَلَغَتْهُ وَجَبَ فِيهَا تَبِيعٌ مِنْهَا , وَلَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ , فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ مِنْهَا , وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ أَبَدًا فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْهَا تَبِيعٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ , فَلَا يُقَاسُ الْإِبِلُ عَلَى الْبَقَرِ , لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَلَا يُقَاسُ عَلَى خَاصٍّ مِثَالُهُ مَا:

(1/545)


أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ , أنا الرَّبِيعُ , أنا الشَّافِعِيُّ , أنا سُفْيَانُ , عَنْ أَبِي الزِّنَادِ , عَنِ الْأَعْرَجِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص:547]: " لَا تُصِرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ , فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبُهَا: إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا , وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ " الْمُصَرَّاةُ مِنَ الْإِبِلِ أَوِ الْغَنَمِ: هِيَ الَّتِي قَدْ جُمِعَ لَبَنُهَا فِي خَلْفِهَا أَوْ ضَرْعِهَا , فَمَنِ ابْتَاعَهَا , فَهُوَ مُبْتَاعٌ لَنَاقَةٍ أَوْ شَاةٍ فِيهَا لَبَنٌ ظَاهِرٌ , وَهُوَ غَيْرُهَا كَالثَّمَرَةِ فِي النَّخْلَةِ الَّتِي إِذَا شَاءَ قَطَعَهَا وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ إِذَا شَاءَ حَلَبَهُ , فَإِذَا أَرَادَ رَدَّ الْمُصَرَّاةَ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ , رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ كَثُرَ اللَّبَنُ أَوْ قَلَّ , وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّاعُ قِيمَةَ اللَّبَنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ بِأَنَّ أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مُخْتَلِفَةُ الْمَقَادِيرِ وَالْقِيَمِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُ الصَّاعِ , لِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ , وَهَذَا الْأَصْلُ خَاصٌّ , فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ

(1/546)


أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ , نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ , " حَاكِيًا عَمَّنْ سَأَلَهُ , فَقَالَ: كَيْفَ يَرُدُّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَلَا يَرُدُّ ثَمَنَ اللَّبَنِ؟ قُلْتُ: أَيَثْبُتُ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ , قُلْتُ: مَا ثَبَتَ عَنْهُ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا التَّسْلِيمُ , وَقَوْلُكَ وَقَوْلُ غَيْرِكَ فِيهِ: لِمَ؟ وَكَيْفَ؟ خَطَأٌ , وَكَيْفَ إِنَّمَا يَكُونُ لِأَقَاوِيلِ الْآدَمَيِّينَ الَّذِينَ قَوْلُهُمْ تَبَعٌ لَا مَتْبُوعٌ , وَلَوْ جَازَ فِي الْقَوْلِ اللَّازِمِ

(1/547)


كَيْفَ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى قِيَاسٍ أَوْ فِطْرَةِ عَقْلٍ , لَمْ يَكُنْ لِلْقَوْلِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إِلَيْهَا , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَايَةٌ يَنْتَهِي إِلَيْهَا سَقَطَ الْقِيَاسُ " قُلْتُ: التَّعَبُّدُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: التَّعَبُّدُ فِي الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ لَا لِعِلَّةٍ مَعْقُولَةٍ , فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي: التَّعَبُّدُ لِعِلَلٍ مَقْرُونَةٍ بِهِ , وَهِيَ الْأُصُولُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَامًا لِلْفُقَهَاءِ , فَرَدُّوا إِلَيْهَا مَا حَدَثَ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ , مِمَّا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ بِالتَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ عِنْدَ تُسَاوِي الْعِلَلِ مِنَ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ , وَلَيْسَ يَجِبُ أَنْ يُشَارِكَ الْفَرْعُ الْأَصْلَ فِي جَمِيعِ الْمَعَانِي , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا لَكَانَ الْأَصْلُ هُوَ الْفَرْعُ , وَلَمَّا كَانَ يَتَهَيَّأُ قِيَاسُ شَيْءٍ عَلَى غَيْرِهِ , وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِأَقْرَبَ الْأُصُولِ بِهِ شَبَهًا , أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ فِي الصَّيْدِ بِالْمِثْلِ فِي النَّعْمِ , وَحَكَمُوا فِي النَّعَامَةِ بِالْبَدَنَةِ , وَإِنَّمَا يَتَّفِقَانِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي , وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بِالْقِيَمِ وَالْأَمْثَالِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتْلَفَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِطَابٌ يَتَضَمَّنُ كَلِمَتَيْنِ مَعْنَاهُمَا فِي الظَّاهِرِ وَاحِدٌ , وَأَمْكَنَ حَمْلُ كُلِّ كَلِمَةٍ عَلَى فَائِدَةٍ فُعِلَ ذَلِكَ مِثَالُهُ مَا:

(1/548)


أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ , نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ , نا أَبُو دَاوُدَ , نا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ طَلْحَةَ الْيَامِيِّ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ , عَنِ الْبَرَاءِ , قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ [ص:549]: «لَئِنْ قَصَّرْتَ فِي الْخُطْبَةِ , لَقَدْ عَرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ , أَعْتِقِ النَّسَمَةَ , وَفُكَّ الرَّقَبَةَ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَوَمَا هُمَا سَوَاءٌ؟ قَالَ: «لَا , عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تُفْرَدَ بِهَا , وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ: أَنَّ الْكَلِمَةَ مِنْ خِطَابِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُهَا عَلَى الْإِفَادَةِ لَمْ تُحْمَلْ عَلَى التَّكْرَارِ وَالْإِعَادَةِ , وَلِذَلِكَ طَالَبَهُ الْأَعْرَابِيُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَرَاجَعَهُ الْكَلَامَ فِيهِمَا فَيَنْبَغِي إِنْعَامُ النَّظَرِ فِي الْآثَارِ وَالسُّنَنِ , وَالتَّفْتِيشُ عَنْ مَعَانِيهَا , وَالْفِكْرُ فِي غَوَامِضِهَا , وَاسْتِنْبَاطُ مَا خَفِيَ مِنْهَا , فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ جَدِيرًا بِلَحَاقِ مَنْ سَبَقَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ , وَالتَّبْرِيزِ عَلَى الْمُعَاصِرِينَ لَهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ

(1/548)


أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ , أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَرَّوذِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ , بنَيْسَابُورَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ الْكَرَابِيسِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ خَشْرَمٍ , يَقُولُ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالَ: «يَا أَصْحَابَ الْحَدِيثِ , تَعَلَّمُوا فِقْهَ الْحَدِيثِ , لَا يَقْهَرُكُمْ أَهْلُ [ص:550] الرَّأْيِ , مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ شَيْئًا إِلَّا وَنَحْنُ نَرْوِي فِيهِ حَدِيثًا أَوْ حَدِيثَيْنِ» قَالَ: فَتَرَكُوهُ , وَقَالُوا: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ مَنْ؟

(1/549)


ذِكْرُ الْكَلَامِ فِي النَّظَرِ وَالْجَدَلِ النَّظَرُ ضِرْبَانِ: ضْرِبٌ هُوَ: النَّظَرُ بِالْعَيْنِ , فَهَذَا حَدُّهُ الْإِدْرَاكُ بِالْبَصَرِ وَالثَّانِي: النَّظَرُ بِالْقَلْبِ , فَهَذَا حَدُّهُ الْفِكْرُ فِي حَالِ الْمَنْظُورِ فِيهِ , وَالْمَنْظُورُ فِيهِ هُوَ: الْأَدِلَّةُ وَالْأَمَارَاتُ الْمُوَصِّلَةُ إِلَى الْمَطْلُوبِ وَالْمَنْظُورُ لَهُ هُوَ: الْحُكْمُ , لِأَنَّهُ يُنْظَرُ لِطَلَبِ الْحُكْمِ وَالنَّاظِرُ هُوَ: الْفَاعِلُ لِلْفِكْرِ وَأَمَّا الْجَدَلُ فَهُوَ: تَرَدُّدُ الْكَلَامِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ , إِذَا قَصَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِحْكَامَ قَوْلِهِ , لِيَدْفَعَ بِهِ قَوْلَ صَاحِبِهِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِحْكَامِ , يُقَالُ: دِرْعٌ مَجْدُولَةٌ , إِذَا كَانَتْ مُحْكَمَةَ النَّسْجِ , وَحَبْلٌ مَجْدُولٌ: إِذَا كَانَ مُحْكَمَ الْفَتْلِ , وَالْجِدَالَةُ: وَجْهُ الْأَرْضِ إِذَا كَانَ صُلْبًا , وَلَا يَصِحُّ الْجَدَلُ إِلَّا مِنَ اثْنَيْنِ , وَيَصِحُّ النَّظَرُ مِنْ وَاحِدٍ , وَالْجَدَلُ كُلَّهُ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ , فَالسُّؤَالُ هُوَ الِاسْتِخْبَارُ , وَالْجَوَابُ هُوَ الْإِخْبَارُ وَأَمَّا الرَّأْيُ , فَهُوَ: اسْتِخْرَاجُ صَوَابِ الْعَاقِبَةِ , فَمَنْ وَضَعَ الرَّأْيَ فِي حَقِّهِ , وَاسْتَعْمَلَ النَّظَرَ فِي مَوْضِعِهِ سَدَّدَ إِلَى الْحَقِّ الْمَطْلُوبِ , وَكَمَنْ قَصَدَ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ , فَسَلَكَ طَرِيقَهَ وَلَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ أَدَّاهُ إِلَيْهِ وَأَوْرَدَهُ عَلَيْهِ , وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ قَصُرَتْ عُلُومُهُمْ , وَبَعُدَتْ أَفْهَامُهُمْ إِلَى إِنْكَارِ الْمُنَاظَرَةِ , وَإِبْطَالِ الْمُجَادَلَةِ وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِمَا سَنَذْكُرُهُ وَنُجِيبُ عَنْهُ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ

(1/551)