الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي بَابٌ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ
(2/138)
أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ
الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ ,
أنا أَبُو جَعْفَرٍ: أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ ,
نا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ , نا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ ,
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ التُّجِيبِيِّ , عَنْ
أَبِي حَفْصٍ , حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ
, يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَرْضِ , كَمَثَلِ نُجُومِ
السَّمَاءِ يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبِرِّ
وَالْبَحْرِ , فَإِذَا انْطَمَسَتِ النُّجُومُ , يُوشِكُ أَنْ
يَضِلَّ الْهُدَاةُ»
(2/138)
أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ
, أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الْمَرْزَبَانِيُّ
, نا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى
الْمَكِّيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَلَّادٍ ,
قَالَ: يُقَالُ: «الْعَقْلُ دَلِيلُ الْخَيْرِ , وَالْعِلْمُ
مِصْبَاحُ الْعَقْلِ , وَهُوَ جِلَاءُ الْقَلْبِ مِنْ
(2/138)
صَدَى الْجَهْلِ , وَهُوَ أَقْنَعُ جَلِيسٍ
, وَأَسَرُّ عَشِيرٍ , وَأَفْضَلُ صَاحِبٍ وَقَرِينٍ ,
وَأَزْكَى عُقْدَةٍ , وَأَرْبَحُ تِجَارَةٍ , وَأَنْفَعُ
مَكْسَبٍ , وَأَحْصَنُ كَهْفٍ , وَأَفْضَلُ مَا اقْتُنِيَ
لِلدُّنْيَا , وَاسْتُطْهِرَ بِهِ لِلْآخِرَةِ , وَاعْتُصِمَ
بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ , وَسَكَنَتْ إِلَيْهِ الْقُلُوبُ ,
يَزِيدُ فِي شَرَفِ الشَّرِيفِ , وَرِفْعَةِ الرَّفِيعِ ,
وَقَدْرِ الْوَضِيعِ , أُنْسٌ فِي الْوَحْشَةِ , وَأَمْنٌ
عِنْدَ الشِّدَّةِ , وَدَالٌّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى
, وَحَدَّثَنَاهُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ , وَقَائِدٌ إِلَى
رِضْوَانِهِ , وَوَسِيلَةٌ إِلَى رَحْمَتِهِ» قُلْتُ: وَقَدْ
جَعَلَ اللَّهُ الْعِلْمَ وَسَائِلَ أَوْلِيَائِهِ , وَعَصَمَ
بِهِ مَنَ اخْتَارَهُ مِنْ أَصْفِيَائِهِ , فَحَقِيقٌ عَلَى
الْمُتَوَسِّمِ بِهِ اسْتِفْرَاغُ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِهِ ,
وَأَهْلُ الْعِلْمِ فِي حِفْظِهِ مُتَقَارِبُونَ , وَفِي
اسْتِنْبَاطِ فِقْهِهِ مُتَبَايِنُونَ , وَلِهَذَا قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا:
(2/139)
أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْمُعَدِّلُ , أنا أَبُو
بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ , نا مُحَمَّدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ
, نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , نا شُعْبَةُ , قَالَ: حَدَّثَنِي
عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ
عُثْمَانَ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ
مِنْ عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَرِيبًا , أَوْ نَحْوًا
مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ , قَالَ: فَقُلْتُ مَا يَخْرُجُ هَذِهِ
السَّاعَةَ إِلَّا قَدْ سَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ , قَالَ:
فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ , فَقَالَ: سَأَلْنَا عَنْ
أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ
مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ ,
فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ , وَرُبَّ حَامِلٍ
إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» فَأَخْبَرَ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ يَحْمِلُ الْحَدِيثَ مَنْ
يَكُونُ لَهُ حَافِظًا , وَلَا يَكُونُ فِيهِ فَقِيهًا ,
وَأَكْثَرُ كَتَبَةِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَعِيدٌ
مِنْ حِفْظِهِ , خَالٍ مِنْ مَعْرِفَةِ فِقْهِهِ , لَا
يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مُعَلِّلٍ وَصَحِيحٍ , وَلَا يُمَيِّزُونَ
بَيْنَ مُعَدَّلٍ مِنَ الرُّوَاةِ وَمَجْرُوحٍ , وَلَا
يَسْأَلُونَ عَنْ لَفْظٍ أَشْكَلً عَلَيْهِمْ رَسْمُهُ , وَلَا
يَبْحَثُونَ عَنْ مَعْنًى خَفِيٍّ عَنْهُمْ عِلْمُهُ , مَعَ
أَنَّهُمْ قَدِ أَذْهَبُوا فِي كُتُبِهِ أَعْمَارَهُمْ ,
وَبَعُدَتْ فِي الرِّحْلَةِ لِسَمَاعِهِ أَسْفَارُهُمْ ,
فَجَعَلُوا لِأَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ ,
وَلِمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الرَّأْيُ مِنَ الْمُتَفَقِّهِينَ
طَرِيقًا إِلَى الطَّعْنِ عَلَى أَهْلِ الْآثَارِ , وَمَنْ
شَغَلَ وَقْتَهُ بِسَمَاعِ الْأَحَادِيثِ وَالْأَخْبَارِ ,
حَتَّى وَصَفُوهُمْ بِضُرُوبٍ الْجَهَالَاتِ , وَنَبَرُوهُمْ
بِأَسْوَإِ الْمَقَالَاتِ , وَأَطْلَقُوا أَلْسِنَتَهُمْ
بِسَبِّهِمْ , وَتَظَاهَرُوا بِعَيْبِ الْمُتَقَدِّمِينَ
وَثَلْبِهِمْ , وَضَرَبُوا لَهُمُ الْمَثَلَ , بِقَوْلِ
الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]
زَوَامِلُ لِلْأَسْفَارِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ ...
بِجَيِّدِهَا إِلَّا كَعِلْمِ الْأَبَاعِرِ
لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي الْمَطِيُّ إِذَا غَدَا ...
بِأَحْمَالِهِ أَوْ رَاحَ مَا فِي الْغَرَائِرِ
[ص:141]
كُلُّ ذَلِكَ لِقِلَّةِ بَصِيرَةِ أَهْلِ زَمَانِنَا بِمَا
جَمَعُوهُ , وَعَدَمِ فِقْهِهِمْ بِمَا كَتَبُوهُ وَسَمَعُوهُ
, وَمَنْعِهِمْ نُفُوسَهُمْ عَنْ مُحَاضَرَةِ الْفُقَهَاءِ ,
وَذَمِّهِمْ مُسْتَعْمِلِي الْقِيَاسِ مِنَ الْعُلَمَاءِ ,
لِسَمَاعِهِمُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا أَهْلُ
الظَّاهِرِ فِي ذَمِّ الرَّأْيِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ ,
وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ , وَأَنَّهُمْ لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ
مَحْمُودِ الرَّأْيِ وَمَذْمُومِهِ , بَلْ سَبَقَ إِلَى
نُفُوسِهِمْ أَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَى عُمُومِهِ , ثُمَّ
قَلَّدُوا مُسْتَعْمِلِي الرَّأْيِ فِي نَوَازِلِهِمْ ,
وَعَوَّلُوا فِيهَا عَلَى أَقْوَالِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ ,
فَنَقَضُوا بِذَلِكَ مَا أَصَّلُوهُ وَاسْتَحَلُّوا مَا
كَانُوا حَرَّمُوهُ , وَحَقَّ لِمَنْ كَانَتْ حَالُهُ هَذِهِ
أَنْ يُطْلَقَ فِيهِ الْقَوْلُ الْفَظِيعُ , وَيُشَنَّعُ
عَلَيْهِ بِضُرُوبِ التَّشْنِيعِ , فَأَبْلَغَ مِنِّي مَا
ذَكَرْتُهُ اغْتِمَامًا , وَأَثَّرَ فِي مَعْرِفَتِي بِهِ
اهْتِمَامَا لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَصْدُ مَنْ ذَكَرْتُ
بِكِبَرِ الْوَقِيعَةِ , مُتَقَدِّمِي أَئِمَّةِ أَهْلِ
الْحَدِيثِ , الْقَائِمِينَ بِحِفْظِ الشَّرِيعَةِ ,
لِأَنَّهُمْ رَأْسُ مَالِي , وَإِلَى عِلْمِهِمْ مَآلِي ,
وَبِهِمْ فَخْرِي وَجَمَالِي , نَحْوَ: مَالِكٌ
وَالْأَوْزَاعِيٌّ , وشُعْبَةُ , وَالثَّوْرِيُّ , وَيَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ , وَابْنُ مَهْدِيٍّ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ , وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ الْأَمِينُ ,
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَابْنُ مَعِينٍ , وَمَنْ
خَلَفَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ , عَلَى مُضِيِّ
الْأَوْقَاتِ وَكُرُورِ الْأَيَّامِ , فَبِهِمْ فِي عِلْمِ
الْحَدِيثِ أَكْبَرُ الْفَخْرِ , لَا بِنَاقِلِيهِ
وَحَامِلِيهِ فِي هَذَا الْعَصْرِ كَمَا أَنْشَدَنِي أَبُو
عَبْدُ اللَّهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّورِيُّ , قَالَ:
أَنْشَدَنِي أَبُو يَعْلَى: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ
الْبَصْرِيُّ لِنَفْسِهِ:
[البحر الكامل]
أَهْلُ التَّصَوُّفِ أَهْلِي وَهُمْ جَمَالِي وَنُبْلِي ...
وَلَسْتُ أَعْنِي بِهَذَا إِلَّا لِمَنْ كَانَ قَبْلِي
[ص:142]
وَالْأَمْرُ الْآخَرُ: ازْدِرَاؤُهُمْ بِمَنْ فِي وَقْتِنَا ,
وَالْمُتَوَسِّمِينَ بِالْحَدِيثِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا ,
فَإِنَّ لَهُمْ حُرْمَةً تُرْعَى , وَحَقًّا يَجِبُ أَنْ
يُؤَدَّى لِتَحَرُّمِهِمْ بِسَمَاعِهِ وَاكْتِتَابِهِ ,
وَتَشَبُّهِهِمْ بِأَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ , وَقَدْ دَلَّتْنَا
الشَّرِيعَةُ عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُمْ , وَأَذِنَتْ لَنَا
فِي الْأَخْذِ عَنْهُمْ , وَوَرَدَ بِذَلِكَ مَأْثُورُ
الْأَثَرِ عَنْ سَيِّدِ الْبَشَرِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ , وَأَقَرَّ بِالزُّلْفَةِ عَيْنَيْهِ فِي قَوْلِهِ
نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ
حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ إِلَى آخِرِ الْكَلَامِ الَّذِي
أَوْرَدْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ
(2/140)
ونا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ إِمْلَاءً , وأنا
الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , قِرَاءَةً عَلَيْهِ , قَالَا:
أنا أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ
, نا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الْوَشَّاءُ , نا أَبُو النَّضْرِ ,
نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ , نا
حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ , عَنْ أَبِي مُنِيبٍ الْجُرَشِيِّ ,
عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ
بِالسَّيْفِ , حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ
لَهُ , وَجَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي , وَجَعَلَ
الذُّلَّ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي , وَمَنْ
تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ [ص:144] فَهُوَ مِنْهُمْ» قَالَ الْحَافِظُ
أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنَّا:
ثُمَّ إِنِّي نَظَرْتُ فِي حَالِ مَنْ طَعَنَ عَلَى أَهْلِ
الْحَدِيثِ , فَوَجَدْتُهُ أَحَدَ رَجُلَيْنِ: إِمَّا
عَامِّيٌّ جَاهِلٌ , أَوْ خَاصِّيٌّ مُتَحَامِلٌ فَأَمَّا
الْجَاهِلُ , فَمَعْذُورٌ فِي اغْتِيَابِهِ وَطَعْنِهِ عَلَى
أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَرْبَابِهِ
(2/142)
أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْخَيَّاطُ , نا أَبُو بَكْرٍ
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُفِيدُ , نا الْحَسَنُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ الرَّبْعِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ الْفِهْرِيُّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ , أَنَّهُ قَالَ: «الْعِلْمُ
عِنْدَ أَهْلِ الْجَهْلِ قَبِيحٌ , كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ
عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبِيحٌ»
(2/149)
قَالَ: وقَالَ الزُّهْرِيُّ: «الْعِلْمُ
ذِكْرٌ لَا يُحِبُّهُ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا مَذْكُرُوهُمْ ,
وَلَا يَبْغَضُهُ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مُؤْنِثُوهُمْ»
(2/149)
وأنا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ
بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَامِينَ الْإِسْتَرَا
بَاذِيُّ , نا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجُرْجَانِيُّ , أَخْبَرَنِي أَبُو
عَمْرٍو الْعَاصِمِيُّ , قَالَ: حَكَى الْمُزَنِيُّ , عَنِ
الشَّافِعِيِّ , قَالَ [ص:150]: «الْعِلْمُ جَهْلٌ عِنْدَ
أَهْلِ الْجَهْلِ , كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ جَهْلٌ عِنْدَ
أَهْلِ الْعِلْمِ» , وَأَنْشَدَ فِيهِ: «
[البحر الوافر]
وَمَنْزِلَةُ السَّفِيهِ مِنَ الْفَقِيهِ ... كَمَنْزِلَةِ
الْفَقِيهِ مِنَ السَّفِيهِ
فَهَذَا زَاهِدٌ فِي قُرْبِ هَذَا ... وَهَذَا فِيهِ أَزْهَدُ
مِنْهُ فِيهِ»
(2/149)
أنا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
الْفَوَارِسٍ الْحَافِظُ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ
, قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: «الْعَالِمُ
يَعْرِفُ الْجَاهِلُ , لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ جَاهِلًا ,
وَالْجَاهِلُ لَا يَعْرِفُ الْعَالِمَ , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
عَالِمًا» وَقَدْ قِيلَ: الْمَرْءُ عَدُوُّ مَا جَهِلَ وَجَاءَ
هَذَا الْكَلَامُ بِلَفْظٍ آخَرَ وَهُوَ: مَنْ جَهِلَ شَيْئًا
عَادَاهُ وَنَظَمَ هَذَا الْكَلَامَ فِي أَبْيَاتٍ تُعْزَى
إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ
, وَهِيَ:
[البحر البسيط]
النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّمْثِيلِ أَكْفَاءُ ... أَبُوهُمْ
آدَمٌ , وَالْأُمُّ حَوَّاءُ
فَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَا نَسَبٌ ... يُفَاخِرُونَ
بِهِ , فَالطِّينُ وَالْمَاءُ
مَا الْفَخْرُ إِلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ , إِنَّهُمْ ...
عَلَى الْهُدَى لِمَنْ اسْتَهْدَى أَدِلَّاءُ
وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ ...
وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ
(2/150)
فَعِشْ بِعِلْمٍ , وَلَا تَبْغِي بِهِ
بَدَلًا ... فَالنَّاسُ مَوْتَى , وَأَهْلُ الْعِلْمِ
أَحْيَاءُ
وَهَذَا الْمَعْنَى مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ
سُبْحَانَهُ: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا
بِعِلْمِهِ} [يونس: 39] وَأَمَّا طَعْنُ الْمُتَخَصِّصِينَ
مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ , فَأَنَا
أُبَيِّنُ السَّبَبَ فِيهِ لِيَعْرِفَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ
يَدْرِيهِ أَمَّا أَهْلُ الرَّأْيِ فَجُلُّ مَا يَحْتَجُّونَ
بِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَاهِيَةُ الْأَصْلِ , ضَعِيفَةٌ
عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِالنَّقْلِ , فَإِذَا سُئِلُوا عَنْهَا
بَيَّنُوا حَالَهَا , وَأَظْهَرُوا فَسَادَهَا , فَشَقَّ
عَلَيْهِمْ إِنْكَارُهُمْ إِيَّاهُمْ , وَمَا قَالُوهُ فِي
مَعْنَاهَا , وَهُمْ قَدْ جَعَلُوهَا عُمْدَتَهُمْ ,
وَاتَّخَذُوهَا عِدَّتَهُمْ , وَكَانَ فِيهَا أَكْثَرُ
النُّصْرَةِ لِمَذَاهِبِهِمْ , وَأَعْظَمُ الْعَوْنِ عَلَى
مَقَاصِدِهِمْ وَمَآرِبِهِمْ , فَغَيْرُ مُسْتَنْكَرٌ
طَعْنُهُمْ عَلَيْهِمْ , وَإِضَافَتُهُمْ أَسْبَابَ النَّقْصِ
إِلَيْهِمْ , وَتَرْكُ قَبُولِ نَصِيحَتِهِمْ فِي
تَعْلِيلِهِمْ , وَرَفْضِ مَا بَيَّنُوهُ مِنْ جَرْحِهِمْ ,
وَتَعْدِيلِهِمْ , لِأَنَّهُمْ قَدْ هَدَمُوا مَا شَيَّدُوهُ
وَأَبْطَلُوا مَا أَمُّوهُ مِنْهُ وَقَصَدُوهُ , وَعَلَّلُوا
مَا ظَنُّوا صِحَّتَهُ وَاعْتَقَدُوهُ وَأَمَّا
الْمُتَكَلِّمُونَ: فَهُمْ مَعْذُورُونَ فِيمَا يُظْهِرُونَهْ
مِنَ الْإِزْدِرَاءِ بِهِمْ , وَالْعَيْبِ لَهُمْ , لِمَا
بَيَّنَهُمْ مِنَ التَّبَايُنِ الْبَاعِثِ عَلَى الْبَغْضَاءِ
وَالتَّشَاحُنِ , وَاعِتَقَادِهِمْ فِي جُلِّ مَا
يَنْقُلُونَهُ , وَعِظَمِ مَا يَرْوُونَهُ وَيَتَدَاوَلُونَهُ
, إِبْطَالَهُ , وَإِكْفَارَ الَّذِينَ يُصَحِّحُونَهُ
وَإِعْظَامِهِمْ عَلَيْهِمُ الْفِرْيَةَ
(2/151)
وَتَسْمِيَتِهِمْ لَهُمُ الْحَشْوِيَّةَ ,
وَاعْتِقَادُ الْمُحَدِّثِينَ فِي الْمُتَكَلِّمِينَ غَيْرُ
خَافٍ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ , فَهُمَا كَمَا
قَالَ الْأَوَّلُ:
اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّا لَا نُحِبُّكُمُ ... وَلَا
نَلُومُكُمْ إِذْ لَا تُحِبُّونَا
فَقَدْ ذَكَرْتُ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِتَنَافِي هَذَيْنِ
الْفَرِيقَيْنِ , وَتَبَاعُدِ مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ
الطَّائِفَتَيْنِ وَرَسَمْتُ فِي هَذَا الْكِتَابِ لِصَاحِبِ
الْحَدِيثِ خَاصَّةً , وَلِغَيْرِهِ عَامَّةً مَا أَقُولُهُ
نَصِيحَةً مِنِّي لَهُ , وَغَيْرِهِ عَلَيْهِ , وَهُوَ أَنَّ
يَتَمَيَّزَ عَمَّنْ رَضِيَ لِنَفْسِهِ بِالْجَهْلِ , وَلَمْ
يَكُنْ فِيهِ مَعْنًى يُلْحِقُهُ بِأَهْلِ الْفَضْلِ ,
وَيَنْظُرَ فِيمَا أَذْهَبَ فِيهِ مُعْظَمَ وَقْتِهِ ,
وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرَ عُمُرِهِ مِنْ كُتُبِ حَدِيثِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمْعِهِ ,
وَيَبْحَثُ عَنْ عِلْمِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ
حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ , وَخَاصِّهِ وَعَامِّهِ , وَفَرْضِهِ
وَنَدْبِهِ , وَإِبَاحَتِهِ وَحَظْرِهِ , وَنَاسِخِهِ
وَمَنْسُوخِهِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ عُلُومِهِ
قَبْلَ فَوَاتِ إِدْرَاكِ ذَلِكَ فِيهِ
(2/152)
وَقَدْ أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السَّرَخْسِيُّ , نا مُحَمَّدُ
بْنُ الْمُنْذِرِ الْهَرَوِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَامِرٍ
النَّصِيبِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ ,
يَقُولُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «تَفَقَّهْ قَبْلَ أَنْ
تَرْأَسَ , فَإِذَا تَرَأَّسْتَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى
التَّفَقُّهِ»
(2/152)
وأنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي
الْفَتْحِ الْفَارِسِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
عُثْمَانَ الْوَاعِظُ , نا مُوسَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
يَحْيَى , قَالَ [ص:153]: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَبِي سَعْدٍ , حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ ,
قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «إِنَّمَا تُقْبَلُ الطِّينَةُ
الْخَاتَمَ مَا دَامَتْ رَطْبَةً» أَيْ: إِنَّ الْعِلْمَ
يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَبَ فِي طَرَاةِ السِّنِّ وَجَاءَ عَنْ
أَمِيرِ الْمُؤْمِنَينَ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ:
تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا
(2/152)
أَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , ثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ , ثَنَا
وَكِيعٌ , عَنِ ابْنِ عَوْنٍ , وأنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ رِزْقٍ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ ,
ثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , ثَنَا بَكَّارُ بْنُ
مُحَمَّدٍ , ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ , وأنا
الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا أَبُو سَهْلٍ: أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ
, ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ حَرْبٍ , وأنا أَبُو
الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الجَصَّاصُ ,
أنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنُ خَلَّادٍ الْعَطَّارُ , نا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْخَزَّازُ , قَالَا: ثَنَا
هَوْذَةُ , نا ابْنُ عَوْنٍ , وأنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي
بَكْرٍ , نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ الْآدَمَيُّ الْقَارِئُ , ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْقَاسِمِ , مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ , ثَنَا أَزْهَرُ , عَنِ
ابْنِ عَوْنٍ , عَنْ مُحَمَّدٍ , عَنِ الْأَحْنَفِ , وَفِي
حَدِيثِ وَكِيعٍ [ص:154] وَبَكَّارٍ , عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ,
عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ: «تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا ,»
(2/153)
أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا
أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ نَيْخَابٍ الطِّيبِيُّ , ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْقُرَشِيُّ , ثَنَا أَزْهَرُ ,
حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ , عَنِ الْحَسَنِ , عَنِ الْأَحْنَفِ
بْنِ قَيْسٍ , قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ:
«تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا» كَذَا قَالَ: عَنِ
الْحَسَنِ وَالصَّوَابُ: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ كَمَا
ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(2/154)
أنا أَبُو الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْبَادَا , أنا دَعْلَجُ بْنُ
أَحْمَدَ , حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ,
قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي حَدِيثِ عُمَرَ: تَفَقَّهُوا
قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا يَقُولُ: «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مَا
دُمْتُمْ صِغَارًا قَبْلَ أَنْ تَصِيرُوا سَادَةً رُؤَسَاءَ
مَنْظُورًا إِلَيْكُمْ , فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا قَبْلَ ذَلِكَ
اسْتَحْيَيْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا بَعْدَ الْكِبَرِ فَبَقِيتُمْ
جُهَّالًا لَا تَأْخُذُونَهُ مِنَ الْأَصَاغِرِ فَيَزْرِي
ذَلِكَ بِكُمْ» [ص:155] وَهَذَا شَبِيهٌ بِحَدِيثِ عَبْدِ
اللَّهِ: لَنْ يَزَالَ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَخَذُوا
الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ , فَإِذَا أَتَاهُمْ مِنْ
أَصَاغِرِهِمْ فَقَدْ هَلَكُوا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَفِي
الْأَصَاغِرِ تَفْسِيرٌ آخَرُ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ
الْمُبَارَكِ: أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ بِالْأَصَاغِرِ إِلَى
أَهْلِ الْبِدَعِ , وَلَا يَذْهَبُ إِلَى السِّنِّ
(2/154)
أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ
عَبْدِ اللَّهِ الْوَاعِظُ , أنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
أَحْمَدَ الْجُمَحِيُّ , حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ
الْمَوْصِلِيُّ , حَدَّثَنَا عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ , عَنِ
ابْنِ لَهِيعَةَ , عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ , عَنْ أَبِي
أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ , قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ , قَالَ:
«إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِهَا أَنْ يُلْتَمَسَ الْعِلْمُ عِنْدَ
الْأَصَاغِرِ»
(2/155)
وقَالَ عَلِيٌّ: نا مُسْلِمُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ , نا شُعْبَةُ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ
سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: «لَا
يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْ
أَكَابِرِهِمْ وَعَنْ أُمَنَائِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ , فَإِذَا
أَخَذُوهُ مِنْ صِغَارِهِمْ وَشِرَارِهِمْ هَلَكُوا»
(2/155)
أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ , نا أَبُو عُمَرَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ , أنا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّكَّرِيُّ , عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ ,
قَالَ: سَأَلْتُ عَنْ قَوْلِهِ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ
مَا أَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ يُرِيدُ: «لَا
يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ عُلَمَاؤُهُمُ
الْمَشَايِخَ , وَلَمْ يَكُنْ عُلَمَاؤُهُمُ الْأَحْدَاثَ ,
لِأَنَّ الشَّيْخَ قَدْ زَالَتْ عَنْهُ مَيْعَةُ الشَّبَابِ
وَحِدَّتُهُ وَعَجَلَتُهُ وَسَفَهُهُ وَاسْتَصْحَبَ
التَّجْرِبَةَ وَالْخِبْرَةَ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي
عِلْمِهِ الشُّبْهَةُ , وَلَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْهَوَى ,
وَلَا يَمِيلُ بِهِ الطَّمَعُ , وَلَا يَسْتَزِلَّهُ
الشَّيْطَانُ اسْتِزْلَالَ الْحَدَثِ وَمَعَ السِّنِّ
الْوَقَارُ , وَالْجَلَّالَةُ وَالْهَيْبَةُ , وَالْحَدَثُ
قَدْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأُمُورُ , الَّتِي أُمِنَتْ
عَلَى الشَّيْخِ , فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ , وَأَفْتَى ,
هَلَكَ وَأَهْلَكَ» وَلَا يَقْتَنِعُ بِأَنْ يَكُونَ رَاوِيًا
حَسْبَ , وَمُحَدِّثًا قَطُّ , فَقَدْ:
(2/156)
أنا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ , نا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلِ , نا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ ومَوْلِدُهُ , بِأَصْبَهَانَ ,
نا أَبُو الصَّلْتٍ الْهَرَوِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى
الرِّضَا , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ , عَنْ آبَائِهِ ,
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«كُونُوا دُرَاةً , وَلَا تَكُونُوا رُوَاةً، حَدِيثٌ
تَعْرِفُونَ فِقْهَهُ خَيْرٌ [ص:157] مِنْ أَلْفٍ تَرْوُونَهُ»
(2/156)
أنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ
الْقَطِيعِيُّ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
الْبَرْذَعِيُّ , نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ ,
قَالَ: فِي كِتَابِي عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ , قَالَ
سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ , وَذَكَرَ , مَنْ يَحْمِلُ الْعِلْمَ
جِزَافًا فَقَالَ: «هَذَا مِثْلُ حَاطِبِ لَيْلٍ يَقْطَعُ
حُزْمَةَ حَطَبٍ فَيَحْمِلُهَا , وَلَعَلَّ فِيهَا أَفْعَى
تَلْدَغُهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي» قَالَ الرَّبِيعُ: يَعْنِي:
الَّذِينَ لَا يَسْأَلُونَ عَنِ الْحُجَّةِ مِنْ أَيْنَ
(2/157)
أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعُتَيْقِيُّ , أنا أَبُو مُسْلِمٍ
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْكَاتِبُ بِمِصْرَ ,
نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ دُرَيْدٍ ,
قَالَ: سُئِلَ بَعْضُهُمْ مَتَى يَكُونُ الْأَدَبُ ضَارًّا؟
قَالَ: «إِذَا نَقَصَتِ الْقَرِيحَةُ , وَكَثُرَتِ
الرِّوَايَةُ»
(2/157)
أنا الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ: مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ , أنا أَبُو الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ
بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ الْكُوفِيُّ , قَالَ: قَالَ لَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ يَوْمًا , وَقَدْ سَأَلَهُ
رَجُلٌ عَنْ حَدِيثٍ , فَقَالَ: «أَقِلُّوا مِنْ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ , فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِمَنْ عَلِمَ
تَأْوِيلَهَا»
(2/158)
فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ ,
عَنِ ابْنِ وَهْبٍ , قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا , يَقُولُ:
«كَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ضَلَالَةٌ , لَقَدْ
خَرَجَتْ مِنِّي أَحَادِيثُ لَوَدِدْتُ أَنِّي ضُرِبْتُ
بِكُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا سَوْطَيْنِ , وَإِنِّي لَمْ أُحَدِّثْ
بِهِ» وَلَعَلَّهُ يَطُولُ عُمُرُهُ: فَتَنْزِلُ بِهِ
نَازِلَةٌ فِي دِينِهِ يَحْتَاجُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا
فَقِيهَ وَقْتِهِ , وَعَسَى أَنْ يَكُونَ الْفَقِيهُ حَدِيثَ
السِّنِّ فَيَسْتَحِي , أَوْ يَأْنَفُ مِنْ مَسْأَلَتِهِ ,
وَيَضِيعُ أَمْرُ اللَّهِ فِي تَرْكِهِ تَعَرُّفَ حُكْمِ
نَازِلَتِهِ
(2/158)
أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُمَحِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ , نا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ,
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَوْسٍ الْعَبْسِيِّ الْكَاتِبِ , عَنْ
بِلَالِ بْنِ يَحْيَى: أَنَّ عُمَرَ , قَالَ: " قَدْ عَلِمْتُ
مَتَى صَلَاحُ النَّاسِ , وَمَتَى فَسَادُهُمْ: إِذَا جَاءَ
الْفِقْهُ مِنْ قِبَلِ الصَّغِيرِ اسْتَعْصَى عَلَيْهِ
الْكَبِيرُ , وَإِذَا جَاءَ الْفِقْهُ مِنْ قِبَلِ الْكَبِيرِ
تَابَعَهُ الصَّغِيرُ فَاهْتَدَيَا " وَإِنْ أَدْرَكَهُ
التَّوْفِيقُ مِنَ اللَّهِ وَسَأَلَ الْفَقِيهَ لَمْ يَأْمَنْ
أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَزْرِي بِهِ وَيَلُومُهُ
عَلَى عَجْزِهِ فِي مُقْتَبَلِ عُمُرِهِ , إِذْ فَرَّطَ فِي
التَّعْلِيمِ , [ص:159] فَيَنْقَلِبُ حِينَئِذٍ وَاجِمًا ,
وَعَلَى مَا أَسْلَفَ مِنْ تَفْرِيطِهِ نَادِمًا
(2/158)
حَدَّثَنِي أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْأُشْنَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ
إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ مَعْدَانَ , نا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ ,
قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدٍ , يَقُولُ: جَاءَ
رَجُلٌ وَافِرُ اللِّحْيَةِ إِلَى الْأَعْمَشِ فَسَأَلَهُ عَنْ
مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الصِّبْيَانِ , يَحْفَظُهَا
الصِّبْيَانُ , فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا الْأَعْمَشُ , فَقَالَ:
«انْظُرُوا إِلَى لِحْيَةٍ تَحْتَمِلُ حِفْظَ أَرْبَعَةِ
أَلْفِ حَدِيثٍ , وَمَسْأَلَتُهُ مَسْأَلَةُ الصِّبْيَانِ»
وَلْيَعْلَمَ أَنَّ الْإِكْثَارَ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ
وَرِوَايَتِهِ لَا يَصِيرُ بِهِ الرَّجُلُ فَقِيهًا ,
وَإِنَّمَا يَتَفَقَّهُ بِاسْتِنْبَاطِ مَعَانِيهِ ,
وَإِنْعَامِ التَّفْكِيرِ فِيهِ
(2/159)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
الْأُشْنَانِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ
النَّهَاوَنْدِيُّ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ,
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُهَيْلٍ الْفَقِيهُ
, نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْأَصْبَهَانِيُّ , بِمَكَّةَ , نا مُعْصَبُ الزُّبَيْرِيُّ ,
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ , قَالَ لِابْنَيْ
أُخْتِهِ: أَبِي بَكْرٍ وَإِسْمَاعِيلَ ابْنَيْ أَبِي
أُوَيْسٍ: «أُرَاكُمَا تُحِبَّانِ هَذَا الشَّأْنَ
وَتَطْلُبَانِهِ؟» قَالَا: نَعَمْ , قَالَ: «إِنْ
أَحْبَبْتُمَا أَنْ تَنْتَفِعَا بِهِ , وَيَنْفَعَ اللَّهُ
بِكُمَا , فَأَقِلَّا مِنْهُ , وَتَفَقَّهَا»
(2/159)
أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ
الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ السَّرِيِّ , نا
سَهْلُ بْنُ زَنْجَلَةَ , نا سُفْيَانُ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ أُمَيَّةَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , قَالَ: لَمَّا سَمِعْتُ
الْحَدِيثَ , قُلْتُ: «لَوْ جَلَسْتُ إِلَى سَارِيَةٍ أُفْتِي
النَّاسَ» , قَالَ: «فَجَلَسْتُ إِلَى سَارِيَةٍ فَكَانَ
أَوَّلُ مَا سَأَلُونِي عَنْهُ , لَمْ أَدْرِ مَا هُوَ»
(2/160)
أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ
الدَّقَّاقُ , نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ ,
نا ابْنُ خَلَّادٍ , نا أَبُو عُمَرَ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ سُهَيْلٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ , ذَكَرَهُ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ , قَالَ ابْنُ خَلَّادٍ: وَأُنْسِيتُ أَنَا
اسْمُهُ , قَالَ: وَقَفَتِ امْرَأَةٌ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ
يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ , وأَبُوخَيْثَمَةَ , وَخَلَفُ بْنُ
سَالِمٍ , فِي جَمَاعَةٍ يَتَذَاكَرُونَ الْحَدِيثَ ,
فَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَرَوَاهُ فُلَانٌ , وَمَا حَدَّثَ
بِهِ غَيْرُ فُلَانٍ , فَسَأَلْتُهُمْ عَنِ الْحَائِضِ
تُغَسِّلُ الْمَوْتَى وَكَانَتْ غَاسِلَةً؟ فَلَمْ يُجِبْهَا
أَحَدٌ مِنْهُمْ وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ ,
فَأَقْبَلَ أَبُو ثَوْرٍ , فَقَالُوا لَهَا: عَلَيْكَ
بِالْمُقْبِلِ , فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ وَقَدْ دَنَا مِنْهَا
, فَسَأَلْتُهُ؟ فَقَالَ: " نَعَمْ , تُغَسِّلُ الْمَيِّتَ ,
لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ , عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: أَمَا إِنَّ
حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ وَلِقَوْلِهَا: كُنْتُ
أَفْرُقُ رَأْسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْمَاءِ , وَأَنَا حَائِضٌ " قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: «فَإِذَا
فَرَقَتْ رَأْسَ الْحَيِّ فَالْمَيِّتِ أَوْلَى بِهِ» [ص:161]
فَقَالُوا: نَعَمْ , رَوَاهُ فُلَانُ , وَحَدَّثَنَاهُ فُلَانٌ
, وَيَعْرِفُونَهُ مِنْ طَرِيقِ كَذَا وَخَاضُوا فِي الطُّرُقِ
, فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: فَأَيْنَ كُنْتُمْ إِلَى الْآنَ
وَإِنَّمَا أَسْرَعَتْ أَلْسِنَةُ الْمُخَالِفِينَ إِلَى
الطَّعْنِ عَنِ الْمُحَدِّثِينَ لِحَمْلِهِمْ أُصُولَ
الْفِقْهِ , وَأَدِلَّتِهِ فِي ضِمْنِ السُّنَنِ , مَعَ عَدَمِ
مَعْرِفَتِهِمْ بِمَوَاضِعِهَا , فَإِذَا عُرِفَ صَاحِبُ
الْحَدِيثِ بِالتَّفَقُّهِ خَرِسَتْ عَنْهُ الْأَلْسُنُ ,
وَعَظُمَ مَحِلُّهُ فِي الصُّدُورِ وَالْأَعْيُنِ , وَخَسِئَ
مَنْ كَانَ عَلَيْهِ يَطْعُنُ
(2/160)
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ الْحِنَّائِيُّ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَابِرٍ
الطُّرَسُوسِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِيِّ
الْعَسْكَرِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ مُسْلِمًا الْجَرْمِيَّ ,
قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعًا , يَقُولُ: لَقِيَنِي أَبُو
حَنِيفَةَ , فَقَالَ لِي: لَوْ تَرَكْتَ كِتَابَةَ الْحَدِيثِ
وَتَفَقَّهْتَ , أَلَيْسَ كَانَ خَيْرًا؟ قُلْتُ: أَفَلَيْسَ
الْحَدِيثُ يَجْمَعُ الْفِقْهَ كُلَّهُ؟ قَالَ: مَا تَقُولُ
فِي امْرَأَةٍ ادَّعَتِ الْحَمْلَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ؟
فَقُلْتُ لَهُ: حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ , عَنْ
عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَاعَنَ بِالْحَمْلِ , فَتَرَكَنِي
, فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا رَآنِي فِي طَرِيقٍ يَأْخُذُ
فِي طَرِيقٍ آخَرَ»
(2/161)
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْحَسَنِ الْخَلَّالُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ
الْخَزَّازُ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ , نا
عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ , [ص:162] قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعًا ,
غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ: «يَا فَتَيَانُ تَفَهَّمُوا فِقْهَ
الْحَدِيثِ , فَإِنَّكُمْ إِنْ تَفَهَّمْتُمْ فِقْهَ
الْحَدِيثِ لَمْ يَقْهَرْكُمْ أَهْلُ الرَّأْيِ»
(2/161)
أنا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ
الْعَبَّاسِ النِّعَالِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ الْخُتَّلِيُّ , نا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ , نا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ
الْمَرْوَزِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعًا , يَقُولُ
لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَفَقَّهْتُمُ
الْحَدِيثَ وَتَعَلَّمْتُمُوهُ مَا غَلَبَكُمْ أَصْحَابُ
الرَّأْيِ , مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي» شَيْءٍ يُحْتَاجُ
إِلَيْهِ إِلَّا وَنَحْنُ نَرْوِي فِيهِ بَابًا وَلَا بُدَّ
لِلْمُتَفَقِّهِ مِنْ أُسْتَاذٍ يَدْرُسُ عَلَيْهِ ,
وَيَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ مَا أَشْكَلَ إِلَيْهِ ,
وَيَتَعَرَّفُ مِنْهُ طُرُقَ الِاجْتِهَادِ , وَمَا يُفَرِّقُ
بِهِ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ
(2/162)
وَقَدْ أنا أَبُو الْفَتْحِ: عَبْدُ
الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ
الْمَحَامِلِيُّ , قَالَ: نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
عُثْمَانَ الْمَرْوَرُذِيُّ , نا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ صَدَقَةَ , نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ ,
أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ [ص:163] بْنُ أَبِي شَيْخٍ , قَالَ:
أَخْبَرَنِي بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ , قَالَ: قِيلَ لِأَبِي
حَنِيفَةَ: فِي الْمَسْجِدِ حَلَقَةٌ يَنْظُرُونَ فِي
الْفِقْهِ فَقَالَ: «لَهُمْ رَأْسٌ؟» قَالُوا: لَا , قَالَ:
«لَا يَفْقُهُ هَؤُلَاءِ أَبَدًا»
(2/162)
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
, أنا عَلِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْحَرِيرِيُّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ
مُحَمَّدِ بْنِ كَاسٍ النَّخَعِيَّ , حَدَّثَهُمْ قَالَ: نا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الزُّهْرِيُّ , نا أَبُو نُعَيْمٍ
, قَالَ: كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى زُفَرٍ , وَهُوَ مُحْتَبٍ
بِثَوْبِهِ فِي كِنْدَةَ , فَيَقُولُ: «يَا أَحْوَلَ تَعَالَ
حَتَّى أُغَرْبِلَ لَكَ أَحَادِيثَكَ» فَأُرِيهِ مَا قَدْ
سَمِعْتُ فَيَقُولَ: «هَذَا يُؤْخَذُ بِهِ وَهَذَا لَا
يُؤْخَذُ بِهِ , وَهَذَا نَاسِخٌ وَهَذَا مَنْسُوخٌ»
(2/163)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ
الصُّورِيُّ , إِمْلَاءً , أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ
الْمِصْرِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ وَرْدَانَ الْعَامِرِيُّ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
أَبِي دَاوُدَ , قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ , نا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو , قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
الْأَعْمَشِ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ , وأَبُو حَنِيفَةَ
جَالِسٌ , فَقَالَ الْأَعْمَشٌ: يَا نُعْمَانُ قُلْ فِيهَا
فَأَجَابَهُ , فَقَالَ الْأَعْمَشُ: «مِنْ أَيْنَ قُلْتَ
هَذَا؟» فَقَالَ: مِنْ حَدِيثِكَ الَّذِي حَدَّثْتَنَاهُ ,
قَالَ: «نَحْنُ صَيَادِلَةٌ وَأَنْتُمْ أَطِبَّاءُ»
(2/163)
أنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:
الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْمَرِيُّ , أنا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّاهِدُ , نا مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ , نا
أَحْمَدُ بْنُ عَطِيَّةَ , وأنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
الْجَوْهَرِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ
, نا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ
النَّيْسَابُورِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ
الْمُزَنِيَّ , قَالَا: نا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ , نا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو , قَالَ [ص:164]: كُنَّا عِنْدَ
الْأَعْمَشِ وَهُوَ يَسْأَلُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ مَسَائِلَ ,
وَيُجِيبُهُ أَبُو حَنِيفَةَ , فَيَقُولُ لَهُ الْأَعْمَشُ:
مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ حَدَّثْتَنَا عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بِكَذَا , وَحَدَّثْتَنَا عَنِ الشَّعْبِيِّ
بِكَذَا , قَالَ: فَكَانَ الْأَعْمَشُ عِنْدَ ذَلِكَ ,
يَقُولُ: «يَا مَعْشَرَ الْفُقَهَاءِ أَنْتُمُ الْأَطِبَّاءُ
وَنَحْنُ الصَّيَادِلَةُ» وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ
الصَّيْمَرِيِّ
(2/163)
أنا أَبُو مُسْلِمٍ جَعْفَرُ بْنُ بَايَ
الْفَقِيهُ الْجِيلِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُقْرِئِ بِأَصْبَهَانَ , نا مُحَمَّدُ
بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْبَرْذَعِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ
عَطِيَّةَ بْنَ بَقِيَّةَ , يَقُولُ: قَالَ لِي أَبِي: كُنْتُ
عِنْدَ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ , إِذْ قَالَ لِي «يَا أَبَا
يَحْمَدُ، إِذَا جَاءَتْكُمْ مَسْأَلَةٌ مُعْضِلَةٌ مَنْ
تُسْأَلُونَ عَنْهَا؟» قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا
رَجُلٌ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ , قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا
بِسْطَامٍ نُوَجِّهُ إِلَيْكَ وَإِلَى أَصْحَابِكَ حَتَّى
تَفْتُونَا , قَالَ: فَمَا كَانَ إِلَّا هُنَيْهَةً إِذْ
جَاءَهُ رَجُلٌ , فَقَالَ: يَا أَبَا بِسْطَامٍ , رَجُلٌ
ضَرَبَ رَجُلًا عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ , فَادَّعَى الْمَضْرُوبُ
أَنَّهُ انْقَطَعَ شَمُّهُ , قَالَ: فَجَعَلَ شُعْبَةُ
يَتَشَاغَلُ عَنْهُ يَمِينًا وَشِمَالًا , فَأَوْمَأْتُ إِلَى
الرَّجُلِ أَنْ أَلِحَّ عَلَيْهِ , فَالْتَفَتَ إِلَيَّ
فَقَالَ: «يَا أَبَا يَحْمَدَ مَا أَشَدَّ الْبَغْيَ عَلَى
أَهْلِهِ , لَا وَاللَّهِ مَا عِنْدِي فِيهِ شَيْءٌ , وَلَكِنْ
أَفْتِهِ أَنْتَ» , قَالَ: قُلْتُ: يَسْأَلُكَ وَأَفْتِيهِ
أَنَا؟ قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَأَلْتُكَ , قَالَ: قُلْتُ:
سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ وَالزُّبَيْرِيَّ يَقُولَانِ:
يُدَقُّ الْخَرْدَلُ دَقًّا بَالِغًا ثُمَّ يُشَمُّ فَإِنْ
عَطَسَ كَذَبَ , وَإِنْ لَمْ يَعْطِسْ صَدَقَ , قَالَ: «جِئْتَ
بِهَا يَا بَقِيَّةُ , وَاللَّهِ مَا يَعْطِسُ رَجُلٌ
انْقَطَعَ شَمُّهُ أَبَدًا»
(2/164)
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: دَرْسُ الْفِقْهِ
إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَدَاثَةِ وَزَمَانِ الشَّبِيبَةِ ,
لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْمُلَازَمَةِ , وَشِدَّةِ
الصَّبْرِ عَلَيْهِ , وَالْمُدَاوَمَةِ , وَلَا يَقْدِرُ عَلَى
ذَلِكَ مَنْ عَلَتْ سِنُّهُ , وَلَا يَطْمَعُ فِيهِ مَنْ مَضَى
أَكْثَرُ عُمُرِهِ قِيلَ: لَيْسَ مِمَّا ذَكَرْتُ بِمَانِعٍ
مِنْ طَلَبِهِ , وَلَأَنْ يَلْقَى اللَّهَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ
خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ تَارِكًا لَهُ , زَاهِدًا فِيهِ
رَاغِبًا عَنْهُ
(2/165)
وَقَدْ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
أَبِي الْحَسَنِ الْقِرْمِيسِينِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ الْمُفِيدُ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ
, نا الْعَبَّاسُ بْنُ بَكَّارٍ الضَّبِّيُّ , نا مُحَمَّدُ
بْنُ الْجَعْدِ الْقُرَشِيُّ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , وَعَلِيِّ
بْنِ زَيْدٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ , قَالَ: «مَنْ جَاءَهُ أَجَلُهُ وَهُوَ يَطْلُبُ
الْعِلْمَ لَقِيَنِي وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
النَّبِيِّينَ إِلَّا دَرَجَةُ النُّبُوَّةِ»
(2/165)
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي
طَاهِرٍ الدِّمَشْقِيُّ , أنا تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الرَّازِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَرْفَجَةَ
الْقُرَشِيُّ , نا يَزِيدُ بْنُ [ص:166] مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الصَّمَدِ , نا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ , نا يَزِيدُ بْنُ
رَبِيعَةَ , عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ واثِلَةَ بْنِ
الْأَسْقَعِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَأَدْرَكَهُ ,
كَانَ لَهُ كِفْلَانِ مِنَ الْأَجْرِ , وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ
كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنَ الْأَجْرِ» وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
طَاهِرُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ يَحْيَى الْمَخْزُومِيُّ
الْبَصْرِيُّ سَاكِنُ الرَّيِّ: صِلِ السَّعْيَ فِيمَا
تَبْتَغِيهِ مُثَابِرًا لَعَلَّ الَّذِي اسْتَبْعَدْتَ مِنْهُ
قَرِيبُ وَعَاوِدْهُ إِنْ أَكْدَى بِكَ السَّعْيُ مَرَّةً
فَبَيْنَ السِّهَامِ الْمُخْطِئَاتِ مُصِيبُ
(2/165)
أنبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الْكَاتِبُ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ
الدِّمَشْقِيُّ , نا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ , قَالَ
[ص:167]: دَخَلَ يَوْمًا مَنْصُورُ بْنُ الْمَهْدِيِّ عَلَى
الْمَأْمُونِ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ يَتَكَلَّمُونَ فِي
الْفِقْهِ , فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ فِيمَا يَقُولَ هَؤُلَاءِ؟
قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَغْفَلُونَا فِي
الْحَدَاثَةِ , وَأَشْغَلَنَا الطَّلَبُ عِنْدَ الْكِبَرِ عَنِ
اكْتِسَابِ الْأَدَبِ قَالَ: «لِمَ لَا تَطْلُبُهُ الْيَوْمَ ,
وَأَنْتَ فِي كِفَايَةٍ؟» قَالَ: أَوَ يَحْسُنُ بِمِثْلِي
طَلَبُ الْعِلْمِ؟ قَالَ: «وَاللَّهِ , لِأَنْ تَمُوتَ
طَالِبًا لِلْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَعِيشَ قَانِعًا
بِالْجَهْلِ» قَالَ: وَإِلَى مَتَى يَحْسُنُ؟ قَالَ: «مَا
حَسُنَتْ بِكَ الْحَيَاةُ»
(2/166)
أنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ
الْقَطِيعِيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْعَسْكَرِيُّ , نا أَبُو مُحَمَّدِ
بْنُ خَلَّادٍ الْأَرْقَطُ , قَالَ: قِيلَ لِأَبِي عَمْرِو
بْنِ الْعَلَاءِ: أَيَحْسُنُ بِالشَّيْخِ أَنْ يَتَعَلَّمَ ,
قَالَ: «إِنْ حَسُنَ بِالشَّيْخِ أَنْ يَعِيشَ , فَإِنَّهُ
يَحْسُنُ بِهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ»
(2/167)
قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ الْفَضْلِ
الْقَطَّانِ , عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّقَّاشِ , قَالَ: نا
الْحُسَيْنُ بْنُ خَرْمٍ , بِهَرَاةَ , نا الرَّبِيعٌ , قَالَ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: «مَا رَأَيْتُ شَيْخًا لَهُ جِدَةٌ لَا
يَطْلُبُ الْعِلْمَ إِلَّا رَحْمَتُهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ»
(2/167)
أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ وَيُعْرَفُ بِابْنِ
الرُّوبِجِ , نا أَبُو الْعَلَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ
مُحَمَّدٍ حَكَّامٌ التَّمَّارُ بِالْبَصْرَةِ , نا أَبُو
إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ قُرَيْشٍ الْعَنْبَرِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ
سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ، نا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ
قَالَ: سَمِعْتُ بَقِيَّةَ , يَذْكُرُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ,
قَالَ: «إِنِّي لَأُحِبُّ الشَّيْخَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ»
(2/168)
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: نا أَحْمَدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ , نا يَحْيَى الْعَبْدِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ
حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ , يَقُولُ: «كَانَ أَيُّوبُ يَطْلُبُ
الْعِلْمَ حَتَّى مَاتَ»
(2/168)
أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْعُتَيْقِيُّ , أنا أَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
الْكَاتِبُ , نا أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ , قَالَ: نَظَرَ
سُقْرَاطُ إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّ النَّظَرَ فِي الْفَلْسَفَةِ ,
وَيَسْتَحِي فَقَالَ لَهُ: «يَا هَذَا , تَسْتَحِي أَنْ
تَصِيرَ فِي آخِرِ عُمُرِكَ أَفْضَلَ مِمَّا كُنْتَ فِي
أَوَّلِهِ» وَأَنَا أَذْكُرُ كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
أَخْذُ الْمُتَفَقِّهِ الْفِقْهَ , وَتَلَقِّيهِ عَنِ
الْمُدَرِّسِ وَالْمُذَاكَرَةِ بِهِ , وَالْحِفْظُ لَهُ ,
وَمِقْدَارُ مَا يمْكِنُهُ حِفْظُهُ , وَرِيَاضَتُهُ نَفْسَهُ
, وَإِجْمَامُهَا خَوْفَ السَّآمَةِ عَلَيْهَا ,
وَاسْتِعْمَالُهُ حُسْنَ [ص:169] الْأَدَبِ بِحَضْرَةِ
الْفَقِيهِ وَأَصْحَابِهِ , وَأَخْلَاقِ الْفَقِيهِ فِي
تَدْرِيسِهِ , وَمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ , وَيُكْرَهُ مِنْهُ ,
وَأُرَتِّبُ ذَلِكَ تَرْتِيبًا إِذَا اعْتَمَدَهُ طَالِبُ
الْعِلْمِ سَهَّلَ عَلَيْهِ مَنَالَهُ , وَكَانَ عَلَى مَا
يَقْصِدُهُ وَيَبْغِيهِ عَوْنًا لَهُ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى
(2/168)
|