الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي بَابُ اخْتِيَارِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ
يُتَعَلَّمُ مِنْهُمْ يَنْبَغِي لِلْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَقْصِدَ
مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنِ اشْتُهِرَ بِالدِّيَانَةِ , وَعُرِفَ
بِالسِّتْرِ وَالصِّيَانَةِ
(2/191)
فَقَدْ: أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَرْبِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ
بْنِ الْحَسَنِ النَّجَّادُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ , نا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ , نا مَهْدِيُّ بْنُ
مَيْمُونٍ , قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ , قَالَ:
إِنَّمَا «هَذَا الْعِلْمُ دِينٌ , فَانْظُرُوا عَمَّنْ
تَأْخُذُونَهُ»
(2/191)
وأنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ , أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدُوسِ بْنِ كَامِلٍ , نا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الْمَوْصِلِيُّ , نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ أَيُّوبَ ,
عَنْ مُحَمَّدٍ , قَالَ: إِنَّ " هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ
فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ قَالَ: وَذَكَرَهُ ابْنُ
عَوْنٍ أَيْضًا
(2/191)
أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , أنا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ , نا يَحْيَى بْنُ
أَبِي طَالِبٍ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ , أنا ابْنُ عَوْنٍ
, [ص:192] قَالَ: قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إِنَّ
«هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ»
وَيَكُونُ قَدْ وَسَمَ نَفْسَهُ بِآدَابِ الْعِلْمِ , مِنَ
اسْتِعْمَالِ: الصَّبْرِ وَالْحِلْمِ , وَالتَّوَاضُعِ
لِلطَّالِبِينَ , وَالرِّفْقِ بِالْمُتَعَلِّمِينَ , وَلِينِ
الْجَانِبِ , وَمُدَارَاةِ الصَّاحِبِ , وَقَوْلِ الْحَقِّ ,
وَالنَّصِيحَةِ لِلْخَلْقِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ
الْأَوْصَافِ الْحَمِيدَةِ , وَالنُّعُوتِ الْجَمِيلَةِ
(2/191)
وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ خَبَرٌ جَمَعَ فِيهِ مَا فَصَّلْنَاهُ , وَمَا
أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِمَّا أَجْمَلْنَاهُ: أنا بِهِ أَبُو
الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ , وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْوَاحِدِ الْوَكِيلُ , قَالَا: أنا أَبُو الْحَسَنِ:
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ أنا أَبُو أَحْمَدَ
الْجُلُودِيُّ , عَنِ ابْنِ زَكَوَيْهِ , عَنِ الْعُتْبِيِّ ,
عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: "
يَا طَالِبَ الْعِلْمِ إِنَّ الْعِلْمَ ذُو فَضَائِلَ
كَثِيرَةٍ: فَرَأْسُهُ التَّوَاضُعُ , وَعَيْنُهُ الْبَرَاءَةُ
مِنَ الْحَسَدِ , وَأُذُنُهُ الْفَهْمُ , وَلِسَانُهُ
الصِّدْقُ , وَحِفْظُهُ الْفَحْصُ , وَقَلْبُهُ حُسْنُ
النِّيَّةِ , وَعَقْلُهُ مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ وَالْأُمُورُ
الْوَاجِبَةُ , وَيَدُهُ الرَّحْمَةُ , وَرِجْلُهُ زِيَادَةُ
الْعُلَمَاءِ , وَهِمَّتُهُ السَّلَامَةُ , وَحِكْمَتُهُ
الْوَرَعُ , وَمُسَتَقَرُّهُ النَّجَاةُ , وَقَائِدُهُ
الْعَافِيَةُ , وَمَرْكَبُهُ الْوَفَاءُ , وَسِلَاحُهُ لِينُ
الْكَلِمَةِ , وَسَيْفُهُ الرِّضَا , وَفَرَسُهُ الْمُدَارَاةِ
, وَجَيْشُهُ مُحَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ , وَمَالُهُ الْأَدَبُ
, وَذَخِيرَتُهُ اجْتِنَابُ الذُّنُوبِ , وَزَادُهُ
الْمَعْرُوفُ , وَمَاؤُهُ الْمُوَادَعَةُ , [ص:193]
وَدَلِيلُهُ الْهُدَى , وَرَفِيقُهُ صُحْبَةُ الْأَخْيَارِ "
وَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ فِقْهَهُ مِنْ أَفْوَاهِ الْعُلَمَاءِ ,
لَا مِنَ الصُّحُفِ , فَقَدْ:
(2/192)
أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ
بْنُ سُفْيَانَ , حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ , نا الْوَلِيدُ ,
وَسُوَيْدٌ , عَنْ سَعِيدٍ , عَنْ سُلَيْمَانَ يَعْنِي ابْنَ
مُوسَى , قَالَ: «لَا تَقْرَءُوا الْقُرْآنَ عَلَى
الْمُصَحِّفِينَ , وَلَا تَأْخُذُوا الْعِلْمَ مِنَ
الصَّحَفِيِّينَ» أَبُو سَعِيدٍ هَذَا هُوَ: عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفُ بِدُحَيْمٍ
الدِّمَشْقِيُّ , وَالْوَلِيدُ هُوَ: ابْنُ مُسْلِمٍ ,
وَسُوَيْدُ هُوَ: ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدٌ هُوَ:
ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيُّ
(2/193)
أنا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
مُصْعَبٍ الْأَصْبَهَانِيُّ بِهَا , نا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ , نا
ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ , إِمْلَاءً , نا أَبُو الْتَقِيِّ
هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وأنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ , أنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ , أنا أَحْمَدُ بْنُ [ص:194]
مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْكَاغِدِيُّ , نا أَبُو زُرْعَةَ
الرَّازِيُّ , نا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحِمْصِيُّ
, نا بَقِيَّةُ , قَالَ: سَمِعْتُ ثَوْرَ بْنَ يَزِيدَ ,
يَقُولُ: «لَا يُفْتِي النَّاسَ الصَّحَفِيُّوَنَ» هَذَا
لَفْظُ ابْنِ أَبِي عَاصِمٍ , وَآخِرُ حَدِيثِهِ وَقَالَ أَبُو
زُرْعَةَ: لَا يُفْتِي النَّاسَ صَحَفِيٌّ , وَلَا
يُقْرِئُهُمْ مُصْحَفِيٌّ
(2/193)
أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ
الْمُقْرِئُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُطَبِيُّ ,
قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ,
قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنٍ الرَّجُلِ , تَكُونُ عِنْدَهُ
الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ , فِيهَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ , وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ بَصَرٌ بِالْحَدِيثِ
الضَّعِيفِ الْمَتْرُوكِ , وَلَا بِالْإِسْنَادِ الْقَوِيِّ
مِنَ الضَّعِيفِ , فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا شَاءَ ,
وَيَتَخَيَّرَ مَا أَحَبَّ مِنْهَا , يُفْتِي بِهِ ,
وَيَعْمَلُ بِهِ؟ قَالَ: «لَا يَعْمَلُ حَتَّى يَسْأَلَ مَا
يُؤْخَذُ بِهِ مِنْهَا , فَيَكُونُ يَعْمَلُ عَلَى أَمْرٍ
صَحِيحٍ , يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ أَهْلَ الْعِلْمِ» وَيَكُونُ
حَالُهُ فِي مَعْرِفَتِهِ بِالْفِقْهِ ظَاهِرَةً , وَفِي
الِاعْتِنَاءِ بِهِ وَصَرْفِ الِاهْتِمَامِ إِلَيْهِ
مَعْلُومَةً
(2/194)
فَقَدْ: أنا الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
, أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مِقْسَمٍ الْمُقْرِئُ ,
نا الْفِرْيَابِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ , قَالَ [ص:195]: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ
أَبِي أُوَيْسٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ خَالِيَ: مَالِكَ بْنَ
أَنَسٍ , يَقُولُ: " إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا
عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ , لَقَدْ أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ
مِمَّنْ يَقُولُ: قَالَ فُلَانٌ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْأَسَاطِينِ ,
وَأَشَارَ إِلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ , فَمَا أَخَذْتُ عَنْهُمْ شَيْئًا , وَإِنَّ
أَحَدَهُمْ لَوْ أُؤْتُمِنَ عَلَى مَالٍ لَكَانَ بِهِ أَمِينًا
لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ ,
وَيَقْدِمُ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ فَيُزْدَحَمُ عَلَى
بَابِهِ "
(2/194)
|