المحصول لابن العربي

= كتاب التَّأْوِيل =
قد تقدم بَيَان أَقسَام الْأَلْفَاظ فِي الْبَيَان فَأَما النَّص فَلَا يسْقط إِلَّا بأزيد مِنْهُ وَأقوى
وَأما الظَّاهِر فَيسْقط بِمثلِهِ وَأما الْمُجْمل فَلَا اعْتِبَار بِهِ وَأما الْعُمُوم إِذا ثَبت فَهَل يَخُصُّهُ مَا هُوَ أدنى مِنْهُ أم لَا
اخْتلف النَّاس فِي ذَلِك على أَقْوَال كَثِيرَة وَسَيَأْتِي بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى ونكشف قناع التَّأْوِيل بِالْإِشَارَةِ حَتَّى يَقع غَايَة الوضوح نِهَايَة الْعبارَة فِي عشْرين مَسْأَلَة
الْمَسْأَلَة الأولى فِي بَيَان الْمُحكم والمتشابه

وَقد اخْتلف النَّاس فِي ذَلِك على أَقْوَال كَثِيرَة بيناها فِي كتاب المشكلين
فَمنهمْ من قَالَ إِنَّهَا آيَات الْوَعيد وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّهَا آيَات الْقِيَامَة وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّهَا أَوَائِل السُّور وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّهَا الْآيَات الَّتِي تمْتَنع بظاهرها على الله تَعَالَى كآية الْمَجِيء والإتيان وَغَيرهَا
وَالصَّحِيح إِن الْمُحكم مَا اسْتَقل بِنَفسِهِ والمتشابه مَا افْتقر إِلَى غَيره مِمَّا فِيهِ شُبْهَة مِنْهُ أَو من سواهُ إِلَى الْمُحكم لِأَنَّهُ الْأُم الَّتِي إِذا رد إِلَيْهَا الْوَلَد علم نفس
قَالَ الله تَعَالَى (مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشبهات فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ فيتبعون مَا تشبه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة وابتغاء تَأْوِيله وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله

(1/86)


والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا وَمَا يذكر إِلَّا أولُوا الْأَلْبَاب)
وَقدم الله تَعَالَى من يُرِيد أَن يتبع الْمُتَشَابه بِنَفسِهِ طلبا لفهمه حَتَّى لَو رده إِلَى الْأُم وَهُوَ الْمُحكم لوجد مَعْنَاهُ فِيهِ وَكَانَ مَحْمُودًا وَبِذَلِك يكون فِي جملَة الراسخين فِي الْعلم الَّذين يُؤمنُونَ بِهِ أَولا عِنْد سَمَاعه ويعرفونه آخر عِنْد التَّذْكِرَة برده إِلَى أم الْكتاب
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة آيَة الاسْتوَاء

آيَة الاسْتوَاء اخْتلف الْعلمَاء فِيهَا على ثَلَاثَة أَقْوَال
وَمِنْهُم من قَالَ تمر كَمَا جَاءَت وَلَا يتَكَلَّم فِيهَا
وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّه يتَكَلَّم فِيهِ
وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّه يتَكَلَّم فِيهَا مَعَ من يتَحَقَّق حسن معتقده وَطلب إرشاده
ويروى ذَلِك عَن مَالك بن أنس لِأَنَّهُ قَالَ لرجل سَأَلَهُ عَن الاسْتوَاء الاسْتوَاء مَعْلُوم والكيفية مَجْهُولَة وأراك بدعيا
وَمِنْهُم من أطلق القَوْل فِيهِ قصدا الْبَيَان مِنْهُم سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ وَقد سُئِلَ عَن قَوْله (الرحمان على الْعَرْش اسْتَوَى) لهَذِهِ الْآيَة وَقَوله تَعَالَى (ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وهى دُخان) سَوَاء.

(1/87)


وَقد جَمعنَا من أَقْوَال الْعلمَاء فِي هَذِه الْمَسْأَلَة خَمْسَة عشرَة قولا أشبههَا بكم الْآن أَن معنى الْعَرْش الْمَخْلُوقَات بجملتها أَو يكون مَعْنَاهُ أَنه يكون مَعَه على الْعَرْش شَيْء مَوْجُود آخر
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

اخْتلف النَّاس فِي جَوَاز تَخْصِيص عُمُوم الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد فمنعت مِنْهُ الْمُعْتَزلَة لِأَن الْقُرْآن مَقْطُوع بِهِ وَخبر الْوَاحِد مظنون وَقَالَ القَاضِي أَنا أتوقف فِيهِ وَمَال الْفُقَهَاء بأجمعهم إِلَى جَوَاز تَخْصِيصه بِهِ
أما الْمُعْتَزلَة فَقَالُوا لما كَانَ الْقُرْآن مَقْطُوعًا بِهِ وَخبر الْوَاحِد مظنون لم يجز أَن يخصص المظنون وَهَذَا لَا يَصح فَإِن الْقُرْآن وَإِن كَانَ مَقْطُوعًا بِأَصْلِهِ فَإِن فحواه مظنون كَخَبَر الْوَاحِد فيتساويان
وَأما القَاضِي فَقَالَ إِن خبر الْوَاحِد مظنون أَصله مَقْطُوع بفحواه وَالْقُرْآن مَقْطُوع أَصله مظنون فحواه فتعارضا فَوَجَبَ التَّوَقُّف وَهَذَا لَا يَصح فَإِن خبر الْوَاحِد مَقْطُوع على وجوب الْعلم بِهِ مَقْطُوع على فحواه

(1/88)


يَصح فِي التَّخْصِيص فَيرجع على عُمُوم الْقُرْآن وَالَّذِي يُؤَكد ذَلِك مَا روى من قبُول الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم لتخصيص عُمُوم آيَة الْمَوَارِيث بِحَدِيث أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فِي حق النَّبِي حِين قَالَ سمعته يَقُول لَا يُورث مَا تركت بعد نَفَقَته عيالي مَعُونَة عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَة
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

إِذا روى الرَّاوِي حَدِيثا ثمَّ تَأَوَّلَه على خلاف ظَاهره وَجب الرُّجُوع إِلَيْهِ لِأَنَّهُ افهم بالمقال وأقعد بِالْحَال
فَإِن أفتى بِخِلَاف مَا روى أَو رد الحَدِيث أصلا قَالَ بو حنيفَة وَالْقَاضِي وَأحد قولي مَالك يسْقط الحَدِيث لِأَن 1 لَك تُهْمَة فِيهِ وَاحْتِمَال أَن يكون قد سمع ناسخة إِذْ لَا يظنّ بِهِ غير ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك الحَدِيث مقدم على فتواه وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح مِثَاله مَا روى ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي إِنَّه قَالَ من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ ثمَّ أفتى بِأَن الْمُرْتَدَّة لَا تقل فَخص الحَدِيث فِي فتواه
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن الحَدِيث إِذا كَانَ عرضة للتأويل وَغَيره ذَلِك سَوَاء وَإِنَّمَا يتفاضلون بِصِحَّة السماع وجودة القريحة وَذَلِكَ مِمَّا لَا يقْدَح فِي النّظر وَلَا يُؤثر فِي طَرِيق الِاجْتِهَاد

(1/89)


الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

قَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة رَحمَه الله الزِّيَادَة على النَّص نسخ وَقَالُوا إِن الله تَعَالَى شَرط الْإِيمَان فِي كَفَّارَة الْقَتْل وَأطلق القَوْل فِي كَفَّارَة الظِّهَار فَلَو حملناه عَلَيْهِ لكَانَتْ زَائِدَة فِي النَّص وَذَلِكَ نسخ فَوَجَبَ أَن يحمل هَذَا على إِطْلَاقه ويخلى ذَلِك تَقْيِيده
وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا الزِّيَادَة على النَّص لَا تكون نسخا وَنحل وَبَعض الْمُتَأَخِّرين وَهُوَ القَاضِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ
إِن غيرت الزِّيَادَة حكم الأَصْل كَانَت نسخا فَإِن أبقته على حَالَة وأفادت غَيره لم يكن نسخا احْتَجُّوا بِأَن قَالُوا إِن الحكم كَانَ يَجْزِي قبل الزِّيَادَة فَإِذا جَاءَت الزِّيَادَة فمنعت من الْأَجْزَاء كَانَت تبديلا وَذَلِكَ هُوَ النّسخ
الْجَواب أَن نقُول هَذَا أَن صَحَّ يلْزم النَّبِي أَن يبين الشَّرَائِع دفْعَة وَاحِدَة وَذَلِكَ سَاقِط إِجْمَاعًا
على أَنهم قد نقضوا هَذَا فَإِنَّهُم قَالُوا لَا تجزى الْأَخْرَس فِي الظِّهَار وَذَلِكَ زِيَادَة فِي النَّص وشرطوا السَّلامَة من الْعُيُوب المنقصة المجحفة وَذَلِكَ زِيَادَة فِي النَّص وَقَالُوا بِجَوَاز إِعْتَاق الْمكَاتب فِي كَفَّارَة الظِّهَار وَذَلِكَ نُقْصَان من النَّص فَمَا راعوا اللَّفْظ فِي طرق الزِّيَادَة وَلَا فِي طرق النُّقْصَان
وَفِي هَذِه المسالة بِعَينهَا يدْخل أصل آخر من أصُول الْفِقْه وَهُوَ حمل الْمُطلق على الْمُقَيد وَسَيَأْتِي بعد نجاز هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(1/90)


الْمَسْأَلَة السَّادِسَة

قَالَ رَسُول الله لَا صِيَام لمن لم يؤرض الْقيام من اللَّيْل فَحمل أَبُو حنيفَة هَذَا الحَدِيث على الْقَضَاء وَحده وَقَالَ إِن التَّطَوُّع وَالْفَرْض يجزه بِصَوْم نِيَّة من النَّهَار
وَهَذَا من أفسد التأويلات فَإِن اللَّفْظ خرج مخرج الْعُمُوم والاستغراق بِحرف النَّفْي الْمُتَّصِل بالنكرة الْمُقْتَضِي للْعُمُوم لُغَة فَلَو أخرج مِنْهُ بِالْقِيَاسِ صَوْم لجَاز أَو كَاد أَن يجوز فَأَما أَن يهدم مثل هَذَا اللَّفْظ وَيسْقط جَمِيع متناولاته إِلَّا وَاحِدًا فَهَذَا لَا يجوز فِي كَلَام حَكِيم وَمن هَذَا القبيلِ
المسالة السَّابِعَة

قَالَ رَسُول الله أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل فنكاحها بَاطِل فنكاحها بَاطِل فَإِن مَسهَا فلهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا فَإِن اشتجروا فالسلطان ولي من لَا ولي لَهُ
قَالَ أَبُو حنيفَة المُرَاد بِهَذَا الحَدِيث الْأمة لِأَن الْحرَّة عِنْده تنْكح نَفسهَا وَلَيْسَ لأحد فِي ذَلِك كَلَام فَإِنَّمَا أفسد عَلَيْهِ هَذَا بِأَن لفظ أَي مَوْصُول بِمَا بموضوع للْعُمُوم وَإنَّهُ إِذا اتَّصل بنكرة كَقَوْلِك امْرَأَة تَأَكد الْعُمُوم فَكيف يظنّ بالشارع أَنه جَاءَ بِهَذِهِ الْقَاعِدَة الْعَامَّة المستغرقة

(1/91)


وَيُقَال قصد بذلك بَيَان حكم الْأمة إِذا استبدت بإنكاح نَفسهَا دون مَوْلَاهَا
وَحين حس بِهَذِهِ المضايقة قَالَ المُرَاد بذلك الْمُكَاتبَة فَبَيْنَمَا كَانَ حَامِلا للْحَدِيث على أقل الْجِنْس وَهِي الْأمة حمله على أقل الْقَلِيل وَهِي الْمُكَاتبَة من جنس الْإِمَاء وَهَذِه كلهَا مُنَازعَة فَاسِدَة التَّأْوِيل يجب عَلَيْكُم أَن تحذروها
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة

قَوْله تَعَالَى (وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه) الْآيَة إِلَى آخرهَا وَهَذِه الْآيَة من أُمَّهَات الْكتاب وَقد بَينا تَأْوِيلهَا وتفصيلها فِي كتاب الْأَحْكَام بيد أَن أَبَا حنيفَة جَاءَ فِيهَا ببيضة الْعقر فَقَالَ إِن سهم ذَوي الْقُرْبَى لَا يحصل لَهُم إِلَّا بعد اتصافهم بِالْحَاجةِ وَوصف الْحَاجة قد جَاءَ مفصلا مُفَسرًا بالمساكين وَقَالَ مَالك يجوز أَن يُعْطي الْخمس لَغَنِيّ وَاحِد وَيسْقط مِنْهُ السِّتَّة الْأَصْنَاف الَّتِي سَمَّاهَا الله فِيهِ فَأَما مَا ذهب إِلَيْهِ مَالك من إساقط الْأمة رَأْسا فَلَيْسَ من كتاب التَّأْوِيل الَّذِي نَحن فِيهِ وَإِنَّمَا بَيناهُ فِي الْأَحْكَام وَأما أَبُو حنيفَة الَّذِي شَرط مَعَ الْقَرَابَة الْحَاجة فَهَذَا من بَاب التَّأْوِيل الَّذِي نَحن فِيهِ وَلَكِن يفْسد مذْهبه بِمَا تقدم من أَصله الَّذِي مهده بِزَعْمِهِ وَهُوَ أَن الزِّيَادَة على النَّص نسخ فَكيف زَاد هُوَ هَاهُنَا الْحَاجة على الْقَرَابَة وَنقص أَصله وَلَا عذر لَهُ فِي هَذَا هَا هُنَا

(1/92)


الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة

قَالَ الله تَعَالَى فِي كَفَّارَة الظِّهَار (فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا)
قَالَ أَبُو حنيفَة إِن أطْعم مِسْكينا وَاحِدًا قوت سِتِّينَ مِسْكينا أَجزَأَهُ فأسقط الْعدَد رأٍ سا وَقد وَقع الْبَيَان لَهُ نصا قَالَ وَتَقْدِير الْآيَة فإطعام طَعَام سِتِّينَ مِسْكينا لِأَن أطْعم من الْأَفْعَال الَّتِي يتَعَدَّى إِلَى مفعولين تَقول أطعمت زيدا طَعَاما وَلَا يَصح أَن يكون تَقْدِير الْآيَة هَكَذَا لَكَانَ الحكم محملًا لِأَن الطَّعَام غير مُبين فَجَاءَت الْآيَة للْبَيَان فَوَجَبَ تقديرها كَمَا قُلْنَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا الْمَقْصُود بِالْآيَةِ بَيَان مِقْدَار الطَّعَام بأعداد الْمَسَاكِين فَأَما تَقْدِير الطَّعَام فموكول للْعُرْف وَهُوَ أحد أَدِلَّة الشَّرْع أَو إِلَى الْبَيَان الْوَاقِع فِي آيَة كَفَّارَة الْيَمين وَالْأول أولى
الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة

قَالَ أَبُو حنيفَة تُؤْخَذ الزَّكَاة من الخضروات والمقاصب والنابتات انتزاعا من قَوْله فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر وَفِيمَا سقِِي بنضح أود إِلَيْهِ نصف الْعشْر
قَالَ عُلَمَاؤُنَا هَذَا الْخَبَر لم يقْصد بِهِ عُمُوم الْجِنْس وَإِنَّمَا قصد بِهِ تَقْسِيم التَّفْصِيل بَين مَا فِيهِ مُؤنَة كَثِيرَة وَبَين مَا فِيهِ مُؤنَة قَليلَة والعموم معترض عَنهُ فَكيف يَصح أَن يُؤْخَذ مِنْهُ وَلَو جَاءَ الحَدِيث مُطلقًا فِيمَا

(1/93)


سقت السَّمَاء الْعشْر لَكَانَ لَهُم فِيهِ مُتَعَلق وَأما وَقد نوع وَقسم فقد انْكَشَفَ الغطاء لِأَن الْعُمُوم لَيْسَ فِيهِ خطّ

الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة

قَالَ النَّبِي فِي سَائِمَة الْغنم الزَّكَاة
فاستقرأ الشَّافِعِي من مَفْهُومه سُقُوط الزَّكَاة عَن المعلوفة والدواجن المستخدمة لِأَن النَّبِي لما ذكر الْحُبُوب والنقود ذكرهَا مُطلقَة وَلما ذكر الْغنم ذكرهَا مُقَيّدَة بالسوم وَمَا قَيده النَّبِي لَا يَصح إلغاؤه
وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا إِن هَذَا استقراء حسن واستدلال صَحِيح وَلَكِن عَارضه قَول النَّبِي فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة شَاة مُطلقًا فتعارض الْعُمُوم وَالْمَفْهُوم فَنَشَأَتْ هَاهُنَا عضلة من التَّرْجِيح فرجح الشَّافِعِي الْمَفْهُوم وَرجح مَالك الْعُمُوم وترجيح مَالك بِرَأْي الْفُقَهَاء الَّذين يَقُولُونَ بِالْعُمُومِ أولى لِأَن الدَّلِيل اللَّفْظِيّ مقدم على الْمَعْنَوِيّ اتِّفَاقًا وَبَقِيَّة الْمَسْأَلَة فِي كتاب التَّرْجِيح

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عشر

قَالَ النَّبِي فِي خمس من الْإِبِل شَاة

(1/94)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة يقوم الْمَالِك الشَّاة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ بتقويم الْوسط فيخرجه عَنْهَا فتحريه اعْتِمَادًا على مَا فهم من أَن الْمَقْصُود فِي الزَّكَاة سد الْخلَّة وَرفع الْحَاجة فَكل مَا أجزي فِيهَا جَازَ عَنْهَا
قَالَ عُلَمَاؤُنَا هَذَا بَاطِل من ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَن أَبَا حنيفَة أجْرى الْقيَاس فِي هَذِه الْعِبَادَة ونطاق الْقيَاس فِي الْعِبَادَات ضيق وَإِنَّمَا ميدانه الْمُعَامَلَات والمناكحات وَسَائِر أَحْكَام الشرعيات والعبادات مَوْقُوفَة على النَّص
الثَّانِي أَن هَذَا التَّعْلِيل الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ يسْقط الأَصْل وَمَتى أسقط التَّعْلِيل أَصله الَّذِي ينشأ عَنهُ سقط فِي نَفسه وَهَذِه نُكْتَة يجب شدّ الْيَد عَلَيْهَا
الثَّالِث أَن هَذَا التَّعْلِيل الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ يُعَارضهُ تَعْلِيل آخر أولى مِنْهُ وَأقوى وَهُوَ أَنا وَإِن سلمنَا أَن الْغَرَض من الزَّكَاة سد الْخلَّة إِلَّا أَن مِنْهَا مَعَ سد الْخلَّة غَرضا آخر وَهُوَ مُشَاركَة الْغَنِيّ الْفَقِير فِيمَا بِهِ يكون غَنِيا حَتَّى يَسْتَوِي الْحَال وَيحصل فِي أَيدي الْأَغْنِيَاء من ذهب وَحب الْحَيَوَان وعَلى مَذْهَبهم يَقع الاستئثار بالأجناس كلهَا وَهَذَا بَين لمن انصف

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشر

قَالَ الله تَعَالَى (فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ)

(1/95)


فقرأها نَافِع رَحمَه الله وأرجلكم بِرَفْع اللَّام وَرُوِيَ عَنهُ فِي الْمَشْهُور أَنه قَرَأَهَا بِفَتْح اللَّام كَغَيْرِهِ من الْجَمَاعَة
وقرئت أَيْضا وأرجلكم بالخفض
فَهِيَ ثَلَاثَة صور فِي ثَلَاثَة لُغَات لَا يُمكن سواهَا
فَأَما الرّفْع وَالنّصب فباب التَّأْوِيل فِيهِ مفتتح ومنهجه متضح وَأما خفض اللَّام فسلك فِيهِ الإِمَام مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ خلاف مسلكه من فهم التَّنْزِيل وَتَحْقِيق التَّأْوِيل وَقَالَ أَنه مَحْمُول على الرَّأْس لفظا وَمعنى لقَولهم فِي الْأَمْثَال هَذَا حجر ضَب خرب
وكقول أبي كَبْشَة
(كَأَن كثيرا فِي عرانين وبلة ... كثير أنَاس فِي بجاد مزمل)
وَهَذَا من التَّأْوِيل الركيك وَقد بَينا منتحاه فِي الْكتاب المنحي والعمدة فِيهِ أَن الْخَفْض على الْجوَار فَاسد وعَلى فَسَاده إِنَّمَا يجْرِي فِي الْأَوْصَاف لَا فِي الْمَعْطُوف
وَإِمَّا الْبَاب الْعَطف فالغرض مِنْهُ التَّشْرِيك فِي الْخَبَرَيْنِ من أخبر بِهِ عَنهُ فَيجوز أَن يبْقى لفظا فِي ذَلِك التَّشْرِيك وَإِن اخْتلفَا معنى فِي حَال ذَلِك التَّشْرِيك كَقَوْلِهِم شراب ألبان وتمر وأقط وَلَا يشرب إِلَّا اللَّبن وَقَوْلهمْ وَرَأَيْت زَوجك فِي الوغى مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا وَإِنَّمَا يتقلد السَّيْف وَحده

(1/96)


وَلَو لم تتظافر السّنة فِي الأرجل لحكم بِمَا اقتضته الْآيَة بِقِرَاءَة الْجَرّ على أَن بعض عُلَمَائِنَا قَالَ إِن آيَة الْجَرّ مفيدة حكم الْمسْح على الْخُفَّيْنِ وَقِرَاءَة النصب وَالرَّفْع مفيدة حكم غسل الرجلَيْن وَهَذِه الْأَوْجه أقوى فِي الدَّلِيل وَأولى فِي التَّأْوِيل

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشر

قَالَ رَسُول الله من اشْترى مصراة فَهُوَ بِخَير النظرين بعد أَن يحلبها ثَلَاثًا إِن رضيها أمْسكهَا وَإِن سخطها ردهَا ورد مَعهَا صَاعا من تمر
وَاخْتلف النَّاس فِي هَذَا الحَدِيث على ثَلَاثَة أَقْوَال
فَمنهمْ من قضى بِهِ على ظَاهره وَأمره على لَفظه
وَمِنْهُم من رد بعضه وَهُوَ أَشهب
وَمِنْهُم من رد جَمِيعه وَهُوَ أَبُو حنيفَة
وَلَا عذر لأَشْهَب فِي رده لِأَنَّهُ قَالَ إِن ردهَا لم يرد مَعهَا شَيْئا لِأَن النَّبِي الْخراج بِالضَّمَانِ وَالْخَرَاج بِالضَّمَانِ حَدِيث صَحِيح ثَابت من طَرِيق عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَحَدِيث الْمُصراة ثَابت من طَرِيق أبي

(1/97)


هُرَيْرَة وَابْن عمر لَكِن حَدِيث الْخراج بِالضَّمَانِ عَام وَحَدِيث الْمُصراة خَاص وَلَا يَصح لذِي لب الْقَضَاء بِالْعَام على الْخَاص وَلَا قَالَ بِهِ أحد
وَأما أَبُو حنيفَة فَقَالَ إِنَّمَا رددت جَمِيعه لِأَنَّهُ يُخَالف الْأُصُول وَوجه مُخَالفَته الْأُصُول إِنَّه أثبت الرَّد من غير عيب وَلَا شَرط وَالرَّدّ فِي الْمَبِيع إِنَّمَا يكون شَرط البَائِع أَو عيب يطلع عَلَيْهِ الْمُبْتَاع وَهَذَا لم يشْتَرط لبونا وَلَا فقد كَثْرَة اللَّبن عيب لِأَن فقد أَصله لَيْسَ بِعَيْب ففقد وَصفه أولى أَن لَا يكون عَيْبا
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قدر الْخِيَار بِثَلَاثَة أَيَّام وَخيَار الرَّد بِالْعَيْبِ لَا يتَقَدَّر بِوَقْت وَأَيْضًا فَإِنَّهُ ضمن اللَّبن بِالطَّعَامِ وَالشَّيْء إِنَّمَا يضمن بِمثلِهِ أَو بِقِيمَتِه من النَّقْد فَإِذا خَالف الْأُصُول كَيفَ يجوز أَن يقبل
وَعند عُلَمَائِنَا إِذا جَاءَ الْخَبَر مُخَالفا لِلْأُصُولِ كَانَ أصلا بِنَفسِهِ مُسْتَثْنى من غَيره وَأَبُو حنيفَة يَقُول بالاستحسان وَهُوَ دَلِيل مستنبط يُخَالف الْأَدِلَّة فخبر مَنْصُوص يُخَالف الْأَدِلَّة أولى أَن يتبع على أَنا نقُول إِن هَذَا الحَدِيث لَا يُخَالف الْأُصُول بل هُوَ مُسْتَمر عَلَيْهَا حسب مَا بَيناهُ فِي كتاب الْإِنْصَاف

الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشر

إِذا قيل للمالكي هَل تزوج الْمَرْأَة نَفسهَا فَقَالَ لَا فَقيل لَهُ مَا الدَّلِيل على ذَلِك فَقَالَ قَول النَّبِي أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل الحَدِيث

(1/98)


فَيَقُول لَهُ الْحَنَفِيّ هَذَا الحَدِيث حجَّة عَلَيْك لِأَن النَّبِي قَالَ بِغَيْر إِذن وَليهَا وَأَنت لَا تجوز لَهَا النِّكَاح وان أذن لَهَا وَليهَا فَحِينَئِذٍ يتَرَدَّد جَوَاب الْمَالِكِي الْمُسْتَدلّ بَين الجدل والمفاقهة
فَأَما الجدل فَيَقُول هَذَا الَّذِي اعترضت بِهِ هُوَ إِلْزَام دَلِيل الْخطاب وَأَنت لَا تَقول بِهِ وَأَنا أَقُول بِهِ مالم يُعَارضهُ ماهو أقوى عِنْدِي مِنْهُ فَيسْقط
وَأما المفاقهة فَهُوَ أَن يَقُول الْعلمَاء إِنَّمَا اخْتلفُوا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا إِن الْمَرْأَة تزوج نَفسهَا من غير ولي
وَالثَّانِي عَن الْوَلِيّ يتَوَلَّى زواجها بِإِذْنِهَا فَأبْطل النَّبِي الْقسمَيْنِ وَهُوَ استقلالها بِالنِّكَاحِ فتعينت صِحَة الْقسم الآخر والتنويع والتقسيم الَّذِي ألزمتم لم يقل بِهِ أحد وَلَا يُقَال فَلَا فَائِدَة للتعلق بِهِ

الْمَسْأَلَة السَّادِسَة عشر

حكم رَسُول الله كَحكم كَلَام الْبَارِي تَعَالَى فِي أَنه مَحْمُول على الْحَقِيقَة فِي الأَصْل وَلَا يحمل على الْمجَاز إِلَّا بِدَلِيل
وَالْمجَاز على قسمَيْنِ مِنْهُ مُسْتَعْمل غَالب وَمِنْه غَرِيب نَادِر فَأَما الْمُسْتَعْمل الْغَالِب
فَهُوَ الَّذِي تحمل عَلَيْهِ آيَات الْأَحْكَام وأخبارها
وَأما الْغَرِيب النَّادِر
فَإِنَّمَا يحمل عَلَيْهِ آيَات المواعظ والتذكير والتخويف والتهديد وَهَذَا أصل بديع فِي التَّأْوِيل فتقلدوه واستعملوه

(1/99)


الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشر

فَقَالَ النَّبِي أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر
فَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله إِن جلد الْخِنْزِير يطهر بالدباغ أخذا من هَذَا الْعُمُوم وَهَذِه زلَّة قدم لكثير من المتأولين فَإِن الْعُمُوم وَإِن نَفَاهُ قوم وَقَالَ بِهِ آخَرُونَ أَو قَامَ الدَّلِيل على وجوب تعميمه فالقائل بِالْعُمُومِ والعموم الْمَدْلُول عَلَيْهِ إِنَّمَا يحمل على مَا يسْتَعْمل شَائِعا ويجرى عَادَة وينصرف كثيرا
وَأما مَا لَا يخْطر فِي بَال المعمم وَلَا ببال السَّامع الْمُبين لَهُ لَا يَصح لحكيم أَن يَقُول أَنه دَاخل تَحت الْعُمُوم وَهَذَا لَا يخْتَص بِهِ كَلَام الشَّارِع بل هُوَ جَار فِي كل كَلَام عَرَبِيّ مُحكم على هَذَا السَّبِيل

الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة

قَالَ النَّبِي الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ وَيسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُم وَيرد عَلَيْهِم أَقْصَاهُم وَهُوَ يَد على من سواهُم أَلا وَيقتل مُسلم كَافِرًا وَلَا ذُو عهد فِي عَهده فَلَمَّا سمع الْكُوفِيُّونَ هَذَا الحَدِيث أساؤوا فِيهِ التَّأْوِيل فَقَالُوا إِن الْمُسلم إِذا قتل ذمِّي قتل بِهِ قصاصا فَقيل لَهُم فَمَا فَائِدَة الحَدِيث فَاخْتَلَفُوا على قَوْلَيْنِ

(1/100)


فَمنهمْ من قَالَ إِنَّمَا لَا يقتل الْمُسلم بالمستأمن وَأما الذِّمِّيّ الَّذِي صَار من أهل الدَّار وَثبتت لَهُ عصمَة الذِّمَّة على التَّأْبِيد فَهُوَ متساو للْمُسلمِ فِي الْعِصْمَة
فَمنهمْ من قَالَ يقتل بالمستأمن كَمَا يقتل بالذمي وَهُوَ الْأَقَل مِنْهُم وَأما الَّذِي يقتل بِهِ هُوَ الْكَافِر الْحَرْبِيّ وَهَذَا من رَكِيك التَّأْوِيل
وَأما من قَالَ مِنْهُم إِنَّمَا لَا يقتل بالحربي فَهُوَ تلاعب بالشريعة فَإِن الْحَرْبِيّ مَأْمُور بقتْله وَكَيف يَأْمر الله تَعَالَى بقتْله وَيحْتَاج إِلَى بَيَان فِي نفي الْقصاص عَنهُ
وَأما من حمله على الْمُسْتَأْمن فَهُوَ من قبيل تَأْوِيل الْمَسْأَلَة الَّتِي قبلهَا فَإِن أهل الذِّمَّة هم المخاطبون وَهُوَ المقصودون وَهُوَ المنافسون فِي الدَّار والمتوقع مِنْهُم إِرَاقَة الدِّمَاء وَأخذ الْأَمْوَال ففيهم وَقع الْبَيَان
وَأما الْمُسْتَأْمن الَّذِي يُقيم يَوْمًا أَو شهرا أَو أقل فَلَا مُنَافَسَة مَعَه بل رُبمَا لَا يخْطر بالبال فَكيف أَن يَجْعَل مَقْصُودا فِي تَأْوِيل حَدِيث ورد قَاعِدَة

الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة عشر

روى عُلَمَاؤُنَا أَن النَّبِي قضى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد فَقَالَ أَبُو حنيفَة هَذَا الحَدِيث بَاطِل وَلَو صَحَّ لما قُلْنَا بِهِ لِأَن الله تَعَالَى قد أحكم الْفَصْل بَين المتنازعين قُرْآنًا وَسنة
أما الْقُرْآن فَقَوله تَعَالَى (فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى) فَاسْتَوَى الْبَيَان

(1/101)


وَالتَّعْلِيل وَقَالَ النَّبِي ممهدا لقاعدة الْأَحْكَام لَو أعطي النَّاس بدعاويهم لادعى قوم دِمَاء قوم وَأَمْوَالهمْ لَكِن النِّيَّة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر وَفسّر رَسُول الله للأشعث فِي خصامه فَقَالَ شَاهِدَاك أَو يَمِينه فَهَذَا مُنْتَهى معتمدهم وَهُوَ قوي جدا لكم إِمَام دَار الْهِجْرَة اهتبل بِهِ لقُوته وخف بِالرَّدِّ عَلَيْهِم من جَمِيع جوانبه وَفَارق عَادَته فِي تَعْلِيل الْكَلَام فأطنب فِي الرَّد عَلَيْهِ فِي نَحْو ورقتين ومعتمد مَا قَالَ أَن يُقَال لَهُ إِن الله تبَارك مهد سَبِيل الْأَحْكَام كَمَا قلت وأوضحها وَهِي الْبَيِّنَة أَو الْيَمين وهما الشَّاهِدَانِ أَو الْحلف فَأَنت أولى من هَدمه حِين قلت إِن الْمُنكر إِذا نكل عَن الْيَمين قضى عَلَيْهِ الْغرم بِغَيْر كتاب وَلَا سنة وَفِي أَي دَلِيل وجد هَذَا الْعَزْم بَدَلا عَن الْيَمين وَالشَّاهِد وَالْيَمِين إِلَى الشَّاهِدين أقرب من الْعَدَم إِلَى الْيَمين هَذَا لباب كَلَامه رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ الْغَايَة فِي الْبَاب

الْمَسْأَلَة الموفية عشْرين

روى عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي نهى عَن الْغرَر وَفِي بعض أَلْفَاظه عَن بيع الْغرَر فَاخْتلف الْعلمَاء فِي بيع الْغرَر المنهى عَنهُ اخْتِلَافا متباينا وَهُوَ أصل كتاب الْبيُوع الْأَرْبَعَة والتطويل الْمُبين يجتمله هَذَا الْموضع وَلَكنَّا نشِير إِلَى نُكْتَة تكشف سَبِيل التَّأْوِيل فِي هَذَا

(1/102)


الْغَرَض فَنَقُول إِذا قَالَ الرجل لصَاحبه بِعْتُك الثَّوْب الَّذِي فِي كمي فَقَالَ مَال وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز لِأَنَّهُ غرر وَالْغرر مِمَّا تعبدنا بنفيه فِي البيع وَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ جَائِز وَإِذا رَآهُ ثَبت لَهُ الْخِيَار حكما من غير شَرط وَوهم عبد الْوَهَّاب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وهما بَيناهُ عَلَيْهِ فِي كتاب الْإِنْصَاف نكتته أَن مَالِكًا يَقُول فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِنَّهَا جَائِز بِشَرْط الْخِيَار فراعى الشَّافِعِي تَنْزِيه العقد عَن الْغرَر وراعى مَالك رَحمَه الله تَنْزِيه اللُّزُوم عَن الْغرَر وَأسْقط أَبُو حنيفَة المراعاة كلهَا لكنه ادّعى أَن الله تبَارك وَتَعَالَى أثبت لَهُ الْخِيَار من غير شَرط اعْتِمَادًا لقَوْله من اشْترى شَيْئا لم يره فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا رَآهُ قَالَ عُلَمَاؤُنَا هَذَا الحَدِيث يرويهِ عمر بن إِبْرَاهِيم الْكرْدِي وَهُوَ يضع الحَدِيث ويكذب وَقد خرجه الدَّارَقُطْنِيّ رَحمَه الله وأبطله وَإِذ قد نجز الْمَوْعُود بِهِ من كتاب التَّأْوِيل فقد تعين الْأَخْذ فِي كتاب الْمَفْهُوم

(1/103)