المحصول لابن العربي

= كتاب التَّرْجِيح =
التَّرْجِيح فِي اللُّغَة عبارَة عَن وَفَاء أحد المتقابلين من أَي معنى كَانَا وَبِأَيِّ وَجه توازنا وَذَلِكَ فِي الشَّرِيعَة عبارَة عَن وَفَاء أحد الظنين على الآخر وَهُوَ على قسمَيْنِ
رُجْحَان الْأَلْفَاظ ورجحان الْمعَانِي
فَأَما رُجْحَان الْأَلْفَاظ فَأن يتعارض نصان أَو ظاهران أَو عمومان أَو دَلِيلا خطاب وَذَلِكَ بَين خمسين مِثَالا قد عددناها وبيناها فِي التمحيص وَذكرنَا قَول من زَاد عَلَيْهَا عشْرين فبلغها سبعين ورأينا من نَيف بهَا على الْمِائَة وَلَكنَّا فِي هَذِه العجالة رَأينَا أَن وجوهها سِتَّة عشر وَجها مِنْهَا عشرَة الَّتِي فِي النَّص وَمِنْهَا سِتَّة فِي الْعُمُوم
أما الْعشْرَة فِي النَّص فَذَلِك فِي
الأول أَن يتَبَيَّن على أَحدهمَا مخاييل التَّأْخِير إِمَّا فِي الزَّمَان وَإِمَّا فِي الْمَكَان وَإِمَّا فِي الْحَال فَهَذِهِ ثَلَاثَة أوجه لَا رَابِع لَهَا
الثَّانِي أَن يكون أحد الراويين أوثق
الثَّالِث أَن يكون أحد الأثرين أَكثر رُوَاة
الرَّابِع أَن يكون أحد الْخَبَرَيْنِ أَكثر الروَاة وَالْآخر أقل مِنْهُ لكِنهمْ أوثق قدم الأوثق فِي الْوَجْهَيْنِ وَقد الْأَكْثَر فِي

(1/149)


الْخَامِس أَن يكون أحد الْخَبَرَيْنِ يعتضد بِعَمَل الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم فَيكون اولى وَفِي ذَلِك تَفْضِيل
السُّدس أَن يعضد أحد الْخَبَرَيْنِ بِعَمَل الرَّاوِي وَيتْرك الآخر الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الَّذِي روى فَيكون المعتضد بِالْعَمَلِ أولى
السَّابِع أَن يكون أحد الْخَبَرَيْنِ يعضده ظَاهر من كتاب أَو سنة فَيكون الحكم بِهِ أولى
الثَّامِن أَن يكون أحد الْخَبَرَيْنِ يعضده قِيَاس الْأُصُول وَالْآخر يُخَالِفهُ فَيكون الأول أولى
التَّاسِع أَن يكون أَحدهمَا يَقْتَضِي احْتِيَاطًا وَالْآخر أستر فَيكون الَّذِي يَقْتَضِي الِاحْتِيَاط أولى
الْعَاشِر أَن يتَضَمَّن أحد الْخَبَرَيْنِ إِثْبَاتًا ويتضمن الآخر نفيا فَيكون الَّذِي يتَضَمَّن الْإِثْبَات أولى وَلذَلِك كُله أَمْثِلَة ونظائر كَثِيرَة
أما السِّتَّة الَّتِي فِي الْعُمُوم
فَأن يكون أحد العمومين أَكثر رُوَاة لم يخصص
وَالثَّانِي أَن يكون أحد العمومين لم يخصص
وَالثَّالِث أَن يكون أحد العمومين مُطلقًا وَالْآخر ورد على سَبَب
وَالْخَامِس أَن يكون أَحدهمَا لَا يُعَارضهُ دَلِيل الْخطاب
وَالسَّادِس أَن يكون أحد العمومين مَعْمُولا بِهِ فَيقدم الْأَكْثَر رُوَاة وَالَّذِي لم يخصص وَالَّذِي يظْهر فِيهِ الْقَصْد وَالَّذِي لم يرد على

(1/150)


سَبَب وَالَّذِي لم يُعَارضهُ دَلِيل وَالَّذِي اتَّصل بِهِ الْعَمَل على الَّذِي لم يتَّصل بِهِ الْعَمَل
وَأما الْمُعَارضَة فِي الْمعَانِي فَهِيَ لَا تحصى عدَّة وَقد جمعهَا عُلَمَاؤُنَا إِلَى أَكثر من مائَة كَالْأولِ
وَلَكنَّا نشِير لكم مِنْهَا إِلَى نبذ يسيرَة هِيَ كالأصول تكون مفتاحا لبَقيَّة الْفُصُول فَنَقُول
إِن الْعِلَل إِذا تَعَارَضَت وَالَّذِي يضْبط الرجحان فِيهَا تأصيلا يدل على التَّفْصِيل ويغني عَنهُ ثَلَاث أَشْيَاء
أَحدهَا أَن يعتضد بِنَصّ أَو بِوَجْه من وُجُوه الترجيحات الَّتِي قدمناها
الثَّانِي أَن تسلم من الاعتراضات أَو تكون أقل اعتراضا من معارضها
الثَّالِث أَن تكون إِحْدَاهمَا متعدية وَالْأُخْرَى واقفة فَتكون المتعدية أقوى وَمعنى الواقفة الَّتِي لَيْسَ لَهَا فروع

(1/151)