المحصول لابن العربي

= كتاب الِاجْتِهَاد =
فِيهِ ثَلَاث فُصُول
الْفَصْل الأول فِي حَقِيقَته

وَهِي بذل الْجهد واستنفاذ الوسع فِي طلب الصَّوَاب افتعال من الْجهد كَمَا تَقول استداد من السداد وَنَحْوه
الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمَطْلُوب بِهِ

اخْتلف النَّاس فِيهِ فَمنهمْ من قَالَ الْمَطْلُوب حكم الله وَمِنْهُم من قَالَ حكم الله يُمكن الْوُصُول إِلَيْهِ فالمطلوب هُوَ الْأَشْبَه من الْأَصْلَيْنِ وَمِنْهُم من قَالَ الْمَطْلُوب رُجْحَان الظَّن وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح لِأَن حكم الله يعثر عَلَيْهِ وَالْأَشْبَه قد لَا يُوصل إِلَيْهِ الْعَوَائِق فِي النّظر
فَأَما الِانْتِهَاء إِلَى دَرَجَة تغلب على الظَّن فِيهَا الْمَطْلُوب فَهُوَ مُمكن
الْفَصْل الثَّالِث فِي تصويب الْمُجْتَهدين

وَقد اخْتلف النَّاس فِيهِ اخْتِلَافا متبابنا عمدته أَن قوما قَالُوا إِن كل مُجْتَهد فِي الْفُرُوع مُصِيب وَهُوَ قَول الْعلمَاء وَمِنْهُم من قَالَ الْحق فِي قَول بَعضهم وَإِلَيْهِ يمِيل الضُّعَفَاء بجهلهم بالطريقة وَالصَّحِيح كل مُجْتَهد مُصِيب
وَاحْتج من قَالَ الْحق فِي قَول أَحدهمَا بِأَن النَّازِلَة إِذا وَقعت وَقَالَ أحد الْمُجْتَهدين هِيَ حَلَال وَقَالَ الآخر هِيَ حرَام فَلَا يجوز أَن يَكُونَا مصيبين

(1/152)


لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى محَال وَهُوَ اجْتِمَاع التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم فِي عين وَاحِدَة وَهَذِه عمدتهم الَّتِي يعتمدون قوتها وَهِي لَا تَسَاوِي أَن تسمع
وَالْجَوَاب عَنْهَا
أَن نقُول الدَّلِيل فِي الْمَسْأَلَة مَا قدمْنَاهُ فِي أول الْكتاب أَن التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم ليسَا بِصِفَات للمحللات وَلَا للمحرمات وَإِنَّمَا هِيَ عِبَارَات عَن قَول الشَّارِع فِيمَا شرع وَعَن قَول الْمُفْتِي فِيمَا أفتى وَذَلِكَ كالنبوة لَيست بِصفة ذاتية للنَّبِي وَإِنَّمَا هِيَ عبارَة عَن مكاشفته بِالْوَحْي فَإِذا أدّى النَّاظر النّظر إِلَى تَحْلِيل عين لم يتَعَلَّق بِالْعينِ من ذَلِك وصف وه مَطْلُوب بِالْعَمَلِ بِاجْتِهَاد وَبِمَا أدّى إِلَيْهِ نظره
وَإِن نظر آخر فأداه نظره إِلَى التَّحْرِيم عمل أَيْضا على مُقْتَضى اجْتِهَاده وَلم يتَعَلَّق بِالْعينِ من قَوْله شَيْء
فَإِن قيل كَيفَ يصنع الْمُقَلّد وَقد اخْتلفَا عَلَيْهِ قُلْنَا سَيَأْتِي الْجَواب عَن ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(1/153)