المحصول لابن العربي

= كتاب التَّقْلِيد =
وَفِيه خَمْسَة فُصُول
الْفَصْل الأول فِي حَقِيقَة التَّقْلِيد

قَالَ قوم هُوَ قبُول القَوْل من غير حجَّة وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ الْقبُول من غير حجَّة فَلَا يَصح لِأَنَّهُ لَوْلَا قيام الْحجَّة على الِالْتِزَام لذَلِك لما لزم وَلَا قبل لِأَن الْأَقْوَال مَعَ عدم الْحجَّة سَوَاء
الْفَصْل الثَّانِي

قَالَ القَاضِي لَا تَقْلِيد بِحَال وَلَا يحل لأحد أَن يُقَلّد أحدا
وَقَالَ سَائِر الْعلمَاء بِصِحَّة التَّقْلِيد لمن عجز عَن النّظر وَلَا يظنّ بِالْقَاضِي لعظم منصبه الْغَفْلَة عَن هَذَا الْمقَال وَإِنَّمَا انتحى أمرا يَأْتِي بَيَانه فِي الْفَصْل الَّذِي بعده وَهُوَ مَا يجب على الْمُقَلّد
الْفَصْل الثَّالِث مَا يجب على الْمُقَلّد

قَالَ عُلَمَاؤُنَا الَّذِي يجب على الْمُقَلّد يرى أَنه إِذا عجز عَن النّظر فِي دَلِيل الْأَحْكَام أَن يسْأَل اعْلَم أهل زَمَانه فَمَا افتاه بِهِ وَجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِهِ وَبِأَيِّ شَيْء يعلم أَنه أعلم

(1/154)


قَالَ الْأُسْتَاذ بالْخبر الْمُتَوَاتر وَهُوَ ضَعِيف وَإِنَّمَا يَكْفِي أَن يعديه عِنْده رجلا ن فَإِذا قَالَ لَهُ هُوَ أَنا عَالم قَالَ بعض النَّاس يعْمل على قَوْله وَالصَّحِيح أَن يعْمل على قَول من يشْتَهر ذَلِك عَلَيْهِ
فَأَما الْبلُوغ إِلَى حد التَّوَاتُر فَلَا يلْزم ذَلِك
الْفَصْل الرَّابِع

لَا يجوز لمن قدر على النّظر أَن يُقَلّد عَالما
وَقَالَ بعض النَّاس يجوز للْعَالم أَن يُقَلّد عَالما كَمَا يقلده فِي الْقبْلَة وَهُوَ ضَعِيف فَإِن الْعَمَل بالقبلة لَيْسَ من بَاب التَّقْلِيد وَإِنَّمَا هُوَ من بَاب سَماع الْخَبَر وقبوله
فَأَما إِن خَافَ الْعَالم الْفَوْت فَهَل يجوز لَهُ أَن يُقَلّد الْعَالم
اخْتلف النَّاس فِيهِ وَهِي مَسْأَلَة اجتهادية وَالصَّحِيح عِنْدِي جَوَازه لِأَن مَا يقتحم فِي التَّقْلِيد من الْخَطَأ أيسر من اقتحام فَوت الْوَقْت
الْفَصْل الْخَامِس

هَل يتَكَرَّر سُؤال الْمُقَلّد على الْعَالم بتكرير النَّازِلَة
الِاخْتِلَاف بَين الْعلمَاء فَمنهمْ من قَالَ يتَكَرَّر لجَوَاز اخْتِلَاف جَوَاب الْعَالم باخْتلَاف اجْتِهَاده وَمِنْهُم من قَالَ لَا يتَكَرَّر وَإِن جَازَ اخْتِلَاف الْجَواب كَمَا كَانَ لَا يلْزم تكْرَار السُّؤَال على النَّبِي وَإِن جَازَ اخْتِلَاف الْجَواب بالنسخ

(1/155)


وَالصَّحِيح وجوب التّكْرَار لِأَن الْعَالم إِذا تغير اجْتِهَاده لَا يلْزمه أَن يَقُول للنَّاس تغير اجتهادي عَمَّا تعلمُونَ وَالنَّبِيّ إِذا طرى عَلَيْهِ النّسخ يلْزمه أَن يَقُول تغير من حكم الله تَعَالَى كَذَا وَالله أعلم وَأحكم
تمّ كتاب الْمَحْصُول فِي الْأُصُول تأليف الشَّيْخ الْفَقِيه الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ رَضِي الله عَنهُ وَرَضي عَن جمَاعَة عُلَمَاء الْأمة وَغفر لمن اجْتهد فِي اتِّبَاع سبيلهم آمين وَصلى الله مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل وَفرغ مِنْهُ بمحروسة مصر فِي الْعشْر الْأَخير من جُمَادَى الأول سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة 1 1

(1/156)