المحصول للرازي

ـ[المحصول]ـ
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)
دراسة وتحقيق: الدكتور طه جابر فياض العلواني
الناشر: مؤسسة الرسالة
الطبعة: الثالثة، 1418 هـ - 1997 م
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
__________
طبع محققا على ست نسخ لأول مرة منذ أن فرغ مؤلفه من كتابته سنة 575 هـ

(1/2)


بسم الله الرحمن الرحيم

(1/4)


عنوان الكتاب من نسخة دار الكتب المصرية المرموز لها ب (ل)

(1/5)


الصفحة الاولى من نسخة دار الكتب المصرية المرموز لها ب (ل)

(1/6)


الصفحة الثانية من نسخة دار الكتب المصرية المرموز لها ب (ل)

(1/7)


الصفحة الاخيرة من الجزء الاول من نسخة دار الكتب المصرية المرموز لها ب (ل)

(1/8)


عنوان الكتاب من نسخة أحمد الثالث - استنابول والمرموز لها ب (آ)

(1/9)


الورقة الاولى من نسخة أحمد الثالث - استنابول المرموز لها ب (آ)

(1/10)


الورقة الاولى من نسخة أحمد الثالث - استنابول المرموز لها ب (آ)

(1/11)


الورقة الاخيرة من الجزء الاول من نسخة أحمد الثالث - استنابول المرموز لها ب (آ)

(1/12)


عنوان الكتاب من نسخة دار الكتب المصرية المرموز لها ب (ي)

(1/13)


الصفحة الاولى من نسخة دار الكتب المصرية المرموز لها ب (ي)

(1/14)


الصفحة الاولى من نسخة دار الكتب المصرية المرموز لها ب (ي)

(1/15)


الصفحة الاخيرة من الجزء الاول من نسخة دار الكتب المصرية المرموز لها ب (ي) الجزء الاول

(1/16)


نموذج من النسخة اليمنية المرموز لها ب " ص "

(1/17)


نموذج من النسخة اليمنية المرموز لها ب " ص)

(1/18)


آخر النسخة اليمنية المرموز لها ب " ص "

(1/19)


عنوان الكتاب من نسخة دار الكتب المصرية المرموز لها ب (ن)

(1/20)


الصفحة الاولى من نسخة دار الكتب المصرية المرموز لها ب (ن)

(1/21)


الصفحة الثانية من نسخة دار الكتب المصرية المرموز لها ب (ن)

(1/22)


الورقة الاولى من نسخة الاحمدية - حلب المرموز لها ب (ح)

(1/23)


الصفحة الثانية من نسخة الاحمدية - حلب المرموز لها ب (ح)

(1/24)


الورقة الاخيرة من نسخة الاحمدية - حلب المرموز لها ب (ح)

(1/25)


بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون.
أحمده حمدا ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
وأستعينه استعانة من لا حول له ولا قوة إلا به..وأستهديه بهداه الذي لا يضل من أنعم به عليه، وأستغفره لما قدمت وأخرت استغفار من أقر بعبوديته، وعلم أنه لا يغفر ذنبه ولا ينجيه منه إلا هو سبحانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله أنقذنا الله - تعالى - به من الهلكة، وأنجانا من الضلال، وجعلنا في خير أمة أخرجت للناس.
فصلى الله - تعالى - عليه في الاولين والاخرين أفضل وأكثر وأزكى ما صلى على أحد من خلقه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعه، ودعا بدعوته إلى يوم لقاه.
أما بعد: فإن من أهم العلوم الموصلة إلى معرفة أحكام الله - تعالى - في كتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - علم " أصول الفقه "، فهو " العلم الذي ازدوج فيه العقل والسمع، واصطحب فيه الرأي والشرع، فأخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل، فلا هو تصرف بمحض العقول - الذي لا يتلقاه الشرع بالقبول - ولا هو مبني على محض التقليد الذي لا يشهد له القعل بالتسديد والتأييد ".
كما يقول اللامام الغزالي.
وإن من أهم ماكتب في هذا العلم - بعد رسالة الامام الشافعي - رحمه الله - كتاب " البرهان " لامام الحرمين الجويني " والمستصفى " لحجة الاسلام

(1/27)


الغزالي - من أهل السنة - و " العهد " للقاضي عبد الجبار الهمداني " والمعتمد "
لأبي الحسين البصري - من المعتزلة فإن هذه الكتب الاربعة قد ضمت جملة المباحث الاصولية، فتناولت جميع مسائل هذا العلم - الخطير الشأن - بعد تكامله حتى أصبحت هذه الكتب الاربعة - مراجع هذا العلم ومنابع قواعده.
ولما اتصفت به هذه الكتب الاربعة من صفات - قد تحد من مجال الاستفادة منها، وتقلل من عدد المنتفعين بها من طلاب علوم الشريعة - ظهرت الحاجة إلى كتاب جامع لمزاياها، محيط بمباحثها مجرد عما أخذ عليها.
فتصدي لهذه المهمة الامام فخر الدين الرازي فألف كتابه " المحصول في علم أصول الفقه " ليكون الجامع لما في هذه الامهات الاربعة من مسائل الاصول، المجرد عن جميع المآخذ التي أخذت عليها، وأضاف إلى ذلك من علمه الغزير ودقته في التعبير وحسن الاسلوب، وسلاسة العبارة ما جعل " المحصول " مطم آمال طلاب " أصول الفقه " ومعقد رجائهم، فأقبلوا عليه، واستغنوا به عما سبقه.
فمن هو الامام فخر الدين الرازي وما هو كتابه " المحصول "؟ ! هذا ما سنوضحه في السطور التالية:
1 - عصر الامام الرازي: لقد عاش الامام " فخر الدين الرازي " النصف الثاني من القرن السادس الهجري كله مع ست أو سبع سنين من النصف الاول منه - هي سنوات طفولته - كما عاش السنين الست الاولى من القرن السابع.
وقد كانت هذه الحقبة من الزمن من أحرج الفتران في حياة الامة الاسلامية: فالحملات الصليبية التي بدأت سنة " 494 هـ) كانت متتالية منذ ذلك التاريخ إلى أن توقف بعدما يقرب من مائتي عام منه.
وكانت بلاد الاسلام خلالها هدفا لمختلف ضروب التوحش والهمجية التي جاء بها الغزاة.
وفي الوقت ذاته كان على التخوم الشرقية لديار الاسلام أعداء أكثر توحشا وهمجية يعدون أيام الضعف والتدهور التي
يعيشها المسلمون يوما يوما لينقضوا عليهم في أنسب فرصة تساعدهم على استئصال

(1/28)


شأفة المسلمين وتدمير كيانهم.
وأما في داخل ديار الاسلام: فقد كانت الخلافة العباسية قد بلغت دور الشيخوخة، ووصل ضعفها إلى مداه، ولم يعد للخليفة من سلطان إلا في بعض المظاهر التي تضعف وتقوى تبعا لضعف شخصية الخليفة وقوتها.
أما السلطان الحقيقي، والتصرف الفعلي بمقاليد الامور: فقد استبد به قادة عسكريون، أو رؤساء قبائل كانوا ينصبون أنفسهم ملوكا وسلاطين وشاهات على ما تت أيديهم.
بدأ ذلك بالسلاجقة ثم الخوارز مشاهية والغورية، وكان هؤلاء الملوك متناحرين على السلطان، هدفهم تحقيق مأربهم السياسية، وبسط سلطانهم على ما تحت يد الاخرين من أبناء ملتهم، غافلين أو متغافلين عما يدور حولهم، وما يدبر لهم جميعا، وكل منهم يظن أنه الاصلح للبلاد والعباد من سواه.
وإذا كانت الاحوال السياسية للمسلمين في هذا الدرك الهابط، فإن الاحوال الاجتماعية والاقتصادية لم تكن تقل عنها سواء.
ولا نريد الدخول في تفصيل ما حدث في ذلك العصر لانه يبعدنا عن موضوعنا، ولانه وصف بإسهاب في مختلف الكتب التاريخية القديمة، والحديثة، ولكن الامر يختلف تمام الاختلاف من الناحية الفكرية والثقافية فلقد كانت العناية في العلوم، والثقافات، والفكر كبيرة.
يقول ابن خلدون - وهو يتحدث عن العلوم العقلية وأصنافها والامم التي اعتنت بها أو أهملتها -: " ويبلغنا عن أهل المشرق أن بضائع هذه العلوم لم تزل عندهم موفورة وخصوصا في عراق العجم وما بعده فيما وراء النهر، وأنهم على (ثبج من العلوم العقلية لتوفر عمرانهم، واستحكام الحضارة فيهم ".
كما عقد فصلا خاصا لبيان - أن حملة العلم في الاسلام أكثرهم من

(1/29)


العجم - وبعد أن قرر هذا قال: " وإن كان منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته ومرباه ومشيخته ".
ويقول ول ديورانت في كتابه " قصة الحضارة " - بعد أن تحدث عن الكثيرين من الحكام المسلمين وخصائصهم، وقارنهم بأمثالهم من حكام الافرنج: " وجرى هؤلاء الحكام المسلمون جميعهم، بل وصغار الملوك أنفسهم على سنة الخلفاء العباسيين: في مناصرة الاداب والفنون ... ثم ذكر حواضر الاسلام كبغداد ودمشق، والري، وهراة وسواها، وبين ازهار العلوم فيها، وقرر أنها كانت أكثر مدن العالم ثقافة وجمالا، وقصارى القول: إن هذا العصر كان عصر اضمحلال متلالئا ساطعا ".
وأما " الري " المحيط الصغير للفخر - الذي ولد فيه وترعرع: - فالناظر في تاريخا يجدها مسرحا لمختلف الاراء والافكار والمذاهب حتى ليخيل إليه أن هذه المدينة معرض واسع، يشتمل على نماذج من كل ما كان في البيئة الاسلامية الكبرى من الاراء والمذاهب إضافة إلى العلوم المختلفة وكلها تتعايش في هذه البيئة الصغيرة بشكل يدعو إلى العجب.
ولا شئ يوضح هذه الحقيقة مثل موقف الامام ابن فارس اللغوي: أبى الحسين الرازي الفقيه الشافعي الذي تحول إلى مذهب الامام مالك - رضي الله عنهما - وقوله في سبب تحوله هذا: " دخلتني الحمية لهذا الامام المقبول على جميع الالسنة، أن يخلو مثل هذا البلد عن مذهبه، فعمرت مشهد الانتساب إليه، حتى يكمل لهذا البلد فخره وفإن الري أجمع البلاد للمقالات والاختلافات في المذاهب على تضادها وكثرتها.

(1/30)


ولعله قد اتضح الان أن الحركة الفكرية والثقافية في عصر الفخر كانت قوية ونشطة، وأن الحياة العلمية كانت على جانب كبير من الازدهار لعوامل كثيرة من أهمها: تنافس الامراء والحكام في تشجيع العلماء وبناء المدارس، واقتناء المدارس، واقتناء التآليف.
2 - اسمه ونسبه: هو: محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي، الملقب بفخر الدين والمكنى بأبي عبد الله الرازي المولد الطبرستاني، القرشي.

(1/31)


التيمي البكري.
3 - مولده: ولد الامام الرازي في شهر رمضان من سنة أربع وأربعين وخمسمائة - على أصح القولين في تاريخ مولده، فقد بلغ - رحمه الله - في سنة هـ إحدى وستمائة سبعة وخمسين عاما، حيث قال - في تفسيره لسورة يوسف، وهو يتحدث عن التوكل على الله تعالى: " فهذه التجربة قد استمرت لي من أول عمري إلى هذا الوقت الذي بلغت فيه إلى السابع والخمسين ".

(1/32)


وقد نص - رحمه الله - على أنه قد فرغ من تفسير السورة سنة إحدى وستمائة هـ.
4 - نشأته: نشأ الرازي في بيت علم، فقد كان والده الامام ضياء الدين عمر أحد كبار
علماء الشافعية، وكان خطيب الري وعالمها، وله مؤلفات في الفقه والكلام من أهمها " غاية المرام في علم الكلام " ذكره ابن السبكي وقال: " إنه من أنفس كتب أهل السنة وأشدها تحقيقا ".
وقال عن مؤلفه الامام ضياء الدين - والد الامام الفخر: "..كان فصيح اللسان، قوي الجنان، فقيها أصوليا، خطيبا محدثا أديبا، له نثر في غاية الحسن تكاد تحكي ألفاظه مقامات الحريري من حسنه وحلاوته ورشاقة سجعه ".
وقد نشأ الفخر في حجر والده الامام ضياء الدين عمر فكان له الوالد والاستاذ - الذي كفاه عن طلب العلم على يد سواه - حتى انتقل إلى جوار به سنة تسع وخمسين وخمسائة هـ وكان الفخر يقر لوالده بالفضل في الكثير من علومه، ويطلق عليه في كتبه " الشيخ الوالد، والاستاذ الوالد، والامام السعيد ".
وينص على تتلمذه عليه خاصة في علم الاصول - ويذكر - بكل اعتزاز - السلسلة العلمية التي تلقى والده علومه بها.

(1/33)


ولذلك شغف الفخر بالعلم، وأكب على التحصيل، وحرص على أن لا يضيع من حياته أي وقت في غير التعلم والتعليم، فكان يتمنى لو استطاع أن يستغني عن كثير من الحاجات الطبيعية ليجعل وقته - المصروف فيها - في طلب العلم، فيقول: " والله إنني لا تأسف في الفوات عن الاشتغال في طلب العلم في وقت الاكل، فإن الوقت والزمان عزيز ".
ولقد أمده الله - تعالى - بالاضافة إلى بيته وبيئته ورغبته - بذاكرة عجيبة، وذهن وقاد، وذكاء خارق، واستعداد للتعلم قل أن تيسر مثله - في عصره - لسواه، ولذلك استطاع في فترة وجيز) ة استيعاب الكثير من كتب
المتقدمين: " كالشامل " في علم الكلام لامام الحرمين و " المستطفى " للغزالي و " المعتمد " لأبي الحسين البصري.
ولذلك 4 ال: " ما أذن لي في تدريس علم الكلام حتى حفظت اثنتي عشر ألف ورقة ".
5 - نظرته للعلوم المختلفة: كان الامام الرازي يرى: أن تعلم العلوم - جميعها - فرض من الفرائض الشرعية ولذلك أحب العلوم وأقبل عليها بدون تفريق إلا ما يكون من فرق بين الفاضل والمفضول، فالعلوم - في نظره - لا تخرج عن كونها واجبا، أو مما لا يتم الواجب إلا به، أو مما لابد منه لتحقيق مصلحة من المصالح الدنيوية، أو مما لابد من تعلمه لمعرفة أضراره وأخطاره، والدعوة إلى اجتنابها.

(1/34)


ولم يكن في شغفه بالعلم مجرد هاو يتصفح الكتب، أو يأخذ من العلم ما يناسب رغبته وهواه، أو يكتفي بتعرف عنوين المسائل ورؤوس المواضيع، ولكنه كان مثالا للباحث المدقق، والعالم المحقق يغوص وراء دقائق المسائل، ومعضلات الامور، يستجلي الغامض ويستكشف المجهول، يساعده على ذلك جلد عجيب على التتبع، وصبر لا يجارى فيه على البحث.
ولذلك اتسعت معارفه، وتنوعت علومه - فكان أصلويا من كبار الاصوليين، وفقيها من الفقهاء، ومتكلما من فحول المتكلمين، ومفسرا من أئمة المفسرين، وفيلسوفا ولغويا ونحويا وشاعرا وخطيبا ومربيا.
ولذلك لقبه أصحابه الشافعية والاشاعرة " بالامام " في سائر كتبهم الاصولية والفقهية والكلامية، فإذا أطلق لقب " الامام " في هذه الكتب فالمراد به الامام فخر الدين الرازي.
وكان يدعى في " هراة " ب " شيخ الاسلام ".
وقد جمع الله - تعالى - له خمسة أشياء ما جمعها الله لغيره في عصره: سعة العبارة في القدرة على الكلام، وصحة الذهن، والاطلاع الذي لا مزيد عليه، والحافظة المستوعبة التي تعينه على ما يريد من تقرير الادلة والبراهين.
ولقد ترك الامام الرازي في كل علم من العلوم - المعروفة في زمانه - مؤلفات

(1/35)


وآثارا تشهد له بذلك، تؤيد أن نيله لتلك المكانة العلمية كان عن جدارة واستحقاق.
ولا نريد أن نتاول - بالتفصيل - جميع جوانب حياته العلمية في هذه العجالة فلذلك دراسة أخرى، ولكن ما نريده - هو الاشارة إلى فضل الرجل وطول باعه في علم الاصول والفقه خاصة ليكون ذلك تمهيدا مناسبا بين يدي آثاره الاصولية وفي مقدمتها " المحصول ".
فالرازي أصولي - على طريقة المتكلمين ن، وفقيه شافي، وأصحابه يعرفون له قدره، ويضعونه في مقدمة أهل التحقيق من الاصوليين، ويخصونه بلقب " الامام ".
كما مر.
ولقد استوعب - وهو لا يزال في مقتبل العمر - أهم الكتب الاصولية لسابقيه، فدرس " البرهان " لامام الحرمين " و " العهد " للقاضي عبد الجبار، وحفظ المستصفى للغزالي و " المعتمد " لأبي الحسين البصري.
ولكنه حين أخذ يكتب في الاصول لم يسر وراء من سبقوه سير مقلد يجمع ما قالوا، ثم يلخصه ويقرره، كما قد يتصور البعض، ولكنه نظر فيما جاء في تلك الكتب نظرة الفاحص المدقق، والناقد البصثر وملاحظاته على سابقيته تدل على ذلك.
ولعل هذه أهم مزاياه - التي امتاز بها على صنوه الامديي صاحب " إحكام
الاحكام " - الذي لخص فيه الكتب الاصولية الاربعة.
فإنه - رحمه الله كثيرا ما يستدرك على إمام الحرمين والغزالي وأبي الحسن والقاضي عبد الجبار وغيرهم ويتعقب أقوالهم ويختار منها، وأحيانا يستدرك عليهم جميعا ليختار هو ما يراه الانسب أو الاقوى وسنلاحظ ذلك في كثير من المسائل في " المحصول " وأحيانا يتعجب من الاصوليين - عامة - ويستغرب بعض مواقفهم، فيقول " والعجب من الأصوليين: أنهم أقاموا الدلالة على خبر الواحد أنه حجة في الشرع ولم يقيموا الدلالة على ذلك في اللغة وكان هذا أولى لأن اثبات اللغة كالأصل

(1/36)


للتمسك بخبر الواحد..".
6 - مصنفاته وآثاره: الحديث عن مصنفات أبي عبد الله - رحمه الله - يطول، فقد حظيت مؤلفاته باهتمام بالغ لم تحظ به كتب أحد من معاصريه، فلقد أقبل الناس عليها واشتغلوا بها ورفضوا كتب الاقدمين ولقد بلغ من إقبال الناس عليها أن الكتاب الواحد كان يباع أحيانا بخمسمائة أو بألف دينار ذهبي.
وبقدر ما كان - رحمه الله - مشغوفا بالعلم والتعليم كان مشغوفا بالتأليف حتى كتب في كل علم تعلمه كتابا أو أكثر،.
وكلها مراجع في العلوم التي كتبت فيها.
ولقد أذت كتبه في جميع مراجع ترجمته مكانا بارزا حتى لم يكد يخلو كتاب من الكتب التي ترجمت له من ذكر مجموعة منها وكان المؤرخون بين مقل ومكثر، فمنهم من ذهب إلى أنها مائتا نصف أو تزيد، ومنهم من اكتفى بذكر مجموعة منها مع الاشارة إلى كثرتها.
وفي القسم الدراسي - الذي كتبه عن حياة الفخر وآثاره - تناولت كل ما نسب إليه من الكتب والرسائل في سائر العلوم، ثم بينت صحيح النسبة إليه، وما
نسب إليه خطأ، مع بيان الموجود منها وأماكن وجوده، وذكر المفقود، وذكر كل ما أمكنني معرفته عن تلك المصنفات.
ولا أريد أن أعيد ما ذكرته - هناك - فالمهم

(1/37)


هنا هو التعريف بكتبه الاصولية وبخاصة " المحصول في علم أصول الفقه " الذي نقدمه.
7 - مصنفات الفخر الأصولية عدا المحصول: أ - إبطال القياس: ذكره القفطي وقال عنه: كتاب إبطال القسا لم يتم، ص، وابن أبي أصيبعة (22 / 29) ، والصفدي (4 / 255) .
وفي كتابه " المعالم في أصول الفقه " ما يشعر بإكماله حيث قال - بعد عرض حجج نفاة القياس - والرد عليهم: " ولنا كتاب مفرد في مسألة القياس، فمن أراد الاستقصاء في القياس رجع إليه ".
كما أن في هذه الاحالة ما يشعر بأن عنوانه الذي نقله المؤرخون قد يكون غير العنوان الذي وضعه هو له.
ولقد أوهم عنوان هذا الكتاب كاتبا من المحدثين بأن الفخر من نفاة حجية القياس - فقال: " الرازي ممن ينفون القياس، ولا يقولون به مصدرا من مصادر التشريع فإن له رسالة في إبطال القياس "، قلت: والانكى من هذا أنه أضاف قوله: " كما يطهر في مواضع من تفسيره إنكاره للقياس ".
ولو أن هذا الباحث الفاضل اطلع على ما كتبه الفخر في المحصول عن القياس - لرأى أن الامام عرض لمذاهب العلماء في القياس وأوضح حجج كل فريق، ثم عقب عليها بما نصه: " والذي نذهب إليه وهو قول الجمهور من علماء الصحابة والتابعين: أن القياس حجة في الشرع ".
وإذا كان الرجوع إلى " المحصول " فيه شئ من المشقة عليه، لانه كان مخطوطا

(1/38)


فماذا عليه لو رجع إلى التفسر رجوع الدارسين قبل أن يرمي إماما من أئمة القائلين بحجية القياس بالقول بنفي هذه الحجية؟ ! ! إن الكاتب المذكور ادعى لتأييد برأيه: أن إنكار الفخر للقياس يظهر في مواضع من ت فسيره، وضرب مثالا على ذلك ما جاء في تفسيره لقوله تعالى: (وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله) .
حيث ذكر حجج نفاة القياس، ثم أورد اعتراضا على ججتهم وذكر ما يمكن أن يجيبوا به عن ذلك الاعتراض، ثم أنهى المعركة من عغير أن يجيب عن جوابهم، ويديم الاخذ والرد إلى أن يرضى عنه الباحث الكريم.
ولذلك عقب هذا ابلباحث - بعد أن نقل ما في التفسير - بقوله: وربما قيل: إنه يحكي هنا حجة نفاة القياس، وهذا لا يدل على أنه يرى رأيهم - والجواب والكلام للباحث الفاضل -: أن هذه ليست عادة الرازي في مناقشة الاراء فهو يبتني دائما بما يؤيد رأيه، وإذ لم يناقش هذه الحجة: علمنا أنها توافق رأيه، ولو كان له رأى مخالف لقوى الاعتراض الاخير، ووهن الرد عليه..وهكذا أكمل الباحث الكريم نطقه بالحكم على الفخر بأنه من نفاة حجية القياس.
وقد فات الباحث وهوا لذي أكثر من الحديث عن تفسير الرازي ومنهجه في التفسير، والعلوم التي تطرق إليها في التفسير وغير ذلك مما حاول أن يوحي به أنه درس التفسير وصاحبه، أقول: لقد فاته أن الرازي قد بحث موضوع القياس في التفسير بشكل مسهب وبين حجج القائلين به وقواها، وذكر حجج نفاته وأوهنها في
مواضع عديدة في مقدماتها: ما قاله في تفسير قوله تعالى: (يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنزعتم في شئ فردوه إلى الله

(1/39)


والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر، ذلك خير وأحسن تأويلا) .
- ونصه: المسألة الثانية: اعلم أن هذه الاية آية شريفة مشتملة على أكثر علم " أصول الفقه "، وذلك لان الفقهاء زعموا أن أصول الشريعة أربع: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس.
وهذه الاية مشتملة على تقرير هذه الاصول الاربعة بهذا الترتيب.
أما الكتاب والسنة - فقد وقعت الاشارة إليهما بقوله: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) وبعد أن بين دلالة الآية على الاحتجاج بالكتاب والسنة والاجماع.
قال: المسألة الرابعة: أعلم أن قوله: (فإن تنزعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) يدل - عندنا - على أن القياس حجة، ثم أفاض في بيان دلالة الآية على المراد، وذكر ما لنفاة القياس من إيرادات وأجاب عنها، ثم بين مرتبة القياس، وأنه رابع أدلة الفقه معللا لذلك، وبعد أن فرغ من بحث ذلك كله تحدث في المسألة الثانية عشرة عن مسائل من فروع القول بالقياس - فقال: ذكرنا أن قوله: (فإن تنزعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) يدل على صحة الفعل بالقياس -: كما أن هذه الاية دلت على هذا الأصل فكذلك دلت على مسائل كثيرة من فروع القول بالقياس ونحن نذكر بعضها "، وذكر ست مسائل من أهم المسائل المتعلقة بالقياس، وختم بحثه الطويل هذا بقوله: " فهذه المسائل الاصولية استنبطناها من هذه الآية في أقل من ساعتين، ولعل الانسان، إذا استعمل الفكر على الاستقصاء أمكنه استنباط أكثر مسائل أصول الفقه من هذه الاية ".
أفلم يلحظ الباحث الكريم التشابه الكبير بين قول الله - تعالى -: (فإن تنزعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) .

(1/40)


وقوله جل شأنه: (وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله) ، وأن الفخر ما دام قد بحث الموضوع بشكل كامل في الآية الأولى فإنه يكفيه أن يذكر شيئا يسيرا في تفسير الاية الاخرى لمجرد التذكير بأن دلالة هذا النص على موضوع معين كدلالة ذلك! ! ولم يقتصر على هذا لا في التفسير ولا في كتبه الاصولية، بل ظل يتعقب أقوال نفاة حجية القياس ويد حضها في سائر المواضع ذات العلاقة به، شأنه في ذلك شأنه في بحث سائر الامور تخالف عقيدته الاشعرية أو مذهبه الشافعي.
وكيف فات هذا الكتاب - وهو فيما يبدو من كلامه يعرف القائلين بحجية القياس، والنافين له - أن أهم ما تمسك به جمهور أهل السنة في الاستدلال لقولهم بحجية القياس من القرآن الكريم قوله تعالى: (فاعتبروا يأولى الابصر) ، وهذه الاية من سورة الحشر، أي من السور التى ادعى أنه أثبت كونها من تفسير الفخر.
والامام الفخر حينما وصل إلى تفسير هذه الاية قال: " اعلم أنا قد تمسكنا بهذه الآية في كتاب " المحصول من أصول الفقه " على أن القياس حجة فلا نذكره ها هنا ".
وفي مواضع متعددة من التفسير كان يفعل كما فعل في تفسيره لاية الشورى فيذكر أن نفاة حجية القياس استندوا إليها فيما ذهبوا إليه، ويبين وجه استدلالهم لا لانه يرى رأيهم، بل لمحاولة استقراء كل ما يمكن أن يؤخذ من الاية من قبل علماء أية فرقة أو مذهب.
وكذلك يفعل في سائر المواضيع سواء أكانت أصولية، أو كلامية أو
فقهية أو سواها.

(1/41)


هذا: ولعل فيما أوردنا ما يكفي لاقناع هذا الباحث ونحوه بخطأ ما ذهب إليه، ولعلنا نتعظ ونتروى فلا نتجنى على العلم وأهله نتيجة قله الاطلاع، أو قصورهم الفهم، أو بدافع من الرغبة في شهرة زائفة زائلة.
بقي شئ في هذه المسألة أود التنبيه عليه - وهو: أن الفخر - رحمه الله - كان يرى أن المعاصرين له من علماء بلاده يتمسكون بالقياس على غير الطريقة المذكورة في كتب المتقدمين، وكان يرى إن كثيرا من هؤلاء العلماء لا يعرفون أن حجية القياس محل نزاع، وكل ما يعرفونه ويؤكدونه أن القياس حجة.
وحين يطلب منهم الاستدلال على حجيته فإنهم يحتجون بأمور ضعيفة.
ولما كان هؤلاء بمكانة قد لا تسمح لهم بالتتلمذ عليه - فإنه كان يرى في المناظرة أسلوبا لتعليمهم من غير أن يشعرهم بذلك، يدرك ذلك من يقرأ مناظراته، ومن المسائل الستة عشر التي اشتملت عليها مناظراته كان نصيب القياس منها اثنتين هما السابعة والثامنة.
فلعله حين رأى هذه الحالة ألف كتابا خاصا يبحث موضوع القياس أسهب فيه في بيان أدلة القائلين بعدم حجيته، ثم رد عليهم، ليستفيد من هذا الكتاب معاصروه فاشتهر - " إبطال القياس " وإلا فإنه قد ثبت بما لا يدع مجالا لادنى شك أن الامام واحد من أئمة القائلين بحجية القياس.
ب - إحكام الاحكام: ذكره القفطي في أخبار الحكماء، وابن أبي أصيبعة في عيون الانباء (2 / 30) والصفدي في الوافي (4 / 255) ، والبغدادي في هدية العارفين (2 / 107) ، ولم نجد - فيما اطلعنا عليه من مؤلفاته - إشارة إليه، كما لم تشر إليه
كتب الاصول التي اطلعنا عليها، فلعله من كتبه المفقودة.

(1/42)


ج - الجدل: ذكر القفطي كتاب " مباحث الجدل " ص، وذكره كذلك بن أبي أصيبعة (2 / 30) ، وفي فهرس كوبريلي في استامبول (519 / 3) كتاب " الجدل والكاشف عن أصول الدلائل وفصول العلل ".
وفيها أيضا نسخة أخرى بعنوان - " الجدل " - وفي معهد مخطوطات الجامعة العربية فيلمان لهاتين النسختين.
د - رد الجدل: ذكره جميل العظم في ص، منفردا بذكره.
هـ - الطريقة في الجدل: هكذا ذكرها القفطي ص، وفي وفيات الاعيان: وله طريقة في الخلاف (1 / 676) وكذلك اليافعي (4 / 8) ، ومثله في طبقات ابن السبكي (5 / 35) ، وكذلك في مفتاح السعادة (2 / 118) ، وفي كشف الظنون: " الطريقة في الخلاف والجدل " لفخر الدين محمد بن عمر الرازي (2 / 113) .
والطريقة العلائية في الخلاف: ذكرها ابن أبي أصيبعة، وقال: " الطريقة العلائية في الخلاف أربع مجلدات " (2 / 29) ، ولم يذكر سابقتها، وذكرها القفطي وقال: " كتاب " الطريقة العلائية في الخلاف " أربع مجلدات " وذكر سابقتها ص، وذكرها الصفدي ولم يذكر سابقتها (4؟ 255) ، وأغفلها ابن السبكي، وذكر السابقة، وذكرها البغدادي (2 / 108) وجميل العظيم ص.
ومع أننا لا نستكثر عن الفخر أن يؤلف في هذا العلم أكثر من كتابين أو ثلاثة
كشأنه في بقية العلوم إلا أن في النفس شكا في صحة نسبة السابقة إليه، وإن كان القفطي قد ذكرها وذكر هذه أيضا - فإني أميل - والله أعلم - إلى أن المقصود أن

(1/43)


له أسلوبا متميزا في الخلاف، وذلك بعد أن قرأت عبارة ابن خلكان وابن السبكي، واليافعي، وطاش كبري زاده، وهي كما قال ابن خلكان: " وله مؤخذات على النحاة وله طريقة في الخلاف ".
فكما أن قوله: وله مؤخذات على النحاة، لم يعن به أن له كتابا بهذا العنوان، فكذلك قوله: وله طريقة في الخلاف.
ولعل العنوان الكامل للطريقة العلائية هو: " الطريقة العلائية في الخلاف والجدل "، وتكون كتابا واحدا هو هذا واختلفت المصادر بنقل عنوانه.
ز - عشرة آلاف نكتة في الجدل: انفرد بذكره فهرس جوتا.
ح - المحصل في أصول الفقه: انفرد بذكره البغدادي في هدية العارفين (2 / 108) ولعله وهم منه، أو أن الامام المصنف كان في نيته أن يكتب كتابه (محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين) بقسمين: قسم في علم الكلام، وهو المطبوع بالقاهرة سنة، وقسم في أصول الفقه - كما فعل بكتابه (المعالم أو المعالمين) فلم يتمكن من ذلك، أو لم يعثر على غير القسم الكلامي منه.
ط - المعالم في أصول الفقه: ذكر القفطي كتاب " المعالم في الاصلين " ص، وقال ان خلكان: " وفي أصول الفقه، المحصول والمعالم " (1 / 676) ، كما ذكره الذهبي في تاريخ المرآة (4 / 7) ، وابن العماد في الشذرات (5 / 21) ، والصفدي في الوافي (4 / 55) ، وابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية - وابن أبي أصيبعة ذكر أن

(1/44)


الصاحب نجم الدين أبا زكريا يحيى بن شمس الدين محمد بن عبدان اللبودي اختصر كتاب " المعلمين في الاصولين ".
انظر (2 / 189) ، وهو يعني المعالم في أصول الدين، والمعالم في أصول الفقه، وإن كان حين ذكر مصنفات الفخر ذكر " المعالم " بالافراد مطلقا لم يحدد ما إذا كانت في أصول الدين أو أصول الفقه.
انظر: (2 / 29) .
كما ذكره طاش كبري في المفتاح (2 / 599) ، وحاجي خليفة في الكشف قال: " وشرحه علي بن الحسين الارموي المتوفى سنة (757 هـ "، ومن الذين شرحوا المعالم أيضا شرف الدين بن إبراهيم بن إسحاق المناوي المتوفى سنة هـ، وشرف الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي الفهري المعروف بابن التلمساني والمتوفى سنة هـ.
انظر (2 / 1726 - 1727) .
ولشر ابن التلمساني نسخة في أحمد الثالث 1353، ولها صورة في معهد المخطوطات.
وللمعالم نسخ خطية في الازهر وفيها نقص / أصول، وفي ظاهرية دمشق (39، 55، 58، 62) ، وفي استامبول جار الله (1262 / 2) وأحمد الثالث، ولاله لي وفي القرويين، وبانكپور (10 / 57) .
ي - المنتخب أو منتخب المحصول: ذكره منسوبا إلى الفخر الصفدي في الوافي (4 / 255) ، وابن العماد في الشذرات (5 / 21) ، وابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية " الطبقة الخامسة عشرة " والخوانساري في روضاته، وحاجي خليفة في كشف الظنون (2 / 1616) والبغدادي في هدية العارفين (2 / 108) ، والعظم في عقود الجوهر.
وله نسخة خطية في فات، ولها فيلم في معهد المخطوطات
طبعنا عنه نسخة.
ونسخة ثانية في ظاهرية دمشق - ف.

(1/45)


وأوله بعد الديباجة -: هذا مختصر في أصول الفقه انتخبته من كتاب " المحصول " وسميته ب " حاصل المحصول " ورتبته على مقدمة وفصول..إلخ.
وعلى الورقة الاولى كتب عنوانه بلفظ " كتاب " منتخب المحصول في الاصول، وعلى طرفها كتب " حاصل محصول ".
ويبدو أن في نسبة الكتاب إلى الفخر شكا قديما.
وقد نقل ابن السبكي عن ابن الرفعة أنه قال - في " المطلب " في الجراح فيما إذا كان الشاج أكبر - وفي المنتخب المعزى لابن الخطيب: أنها للمشتري وقد نوقش فيه انتهى (قلت) : وقد أجاد في قوله: المعزو لابن الخطيب - لأن كثيرا من الناس ذكروا أنه لبعض تلامذة الامام لا للامام.
اه كلام ابن السبكي.
ولعل هذا الشك قد تسرب إلى نحو ابن السبكي مما قاله القرافي في النفائس.
فإنه قد نقل عنه تلميذ الامام - شمس الدين الخسر وشاهي: أنه أكمله ضياء الدين حسين، فلما كمل وجد عبارته تخالف الكراسين الاولين، فغيرهما بعبارته وهذا هو " المنتخب " وعقب عليه بقوله: فالمنتخب لضياء الدين حسين، لا للامام فخر الدين.
ويوجد في بعض النسخ: قال محمد بن عمر، اشارة للامام فخر الدين - وهو وهم، وليس للامام فخر الدين في اختصاره شئ اه.
فإذا صح ما قاله القرافي - لزم أن يقال: إن الامام وقد ثبت أنه قد بدأ في المنتخب لم يتمه، وإنما عمل القدر الذي أشار إليه الخسرو شاهي.
وإلا فإن الاحالات على المنتخب - منسوبا إلى الفخر أكثر من الكثرة في الكتب الاصولية المختلفة.
وأما اشتهاره باسم " المنتخب " مع أن ما نقلناه من مقدمته ظاهر في أنه سماه ب " حاصل المحصول " - فلعل ذلك لورود كلمة انتخبته " في مقدمته.
وعلى هذا فيمكن القول بأن المنتخب كتابان: كتاب استقل بتأليفه ضياء الدين حسين، وكتاب آخر ابتدأ الفخر به ولكنه لم يكمله، وأكمله ضياء الدين حسين

(1/46)


وتكون النسخ التى ورد فيها قوله: فهذا مختصر انتخبته من كتابي المحصول هي من منتخب الامام الذي لم يكمل، لا كما ذكر القرافي: بأنه وهم.
وأما النسخ التي لم ترد فيها مثل هذه العبارة فهي مما استقل بتأليفه، وانتخابه ضياء الدين حسين.
هذا وممن شرح " المنتخب " القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي المتوفى سنة، أو (685 هـ) ..
ويقوم - الان - بتحقيق " المنتخب " أخونا الاستاذ عبد المعز حريز لتقديمه إلى كلية الشريعة بجامعة الامام لنيل درجة الدكتوراه.
ك - النهاية البهائية في المباحث القياسية: ذكره الصفدي في الوافي (4 / 255) .
ولعله هو المعني بقول الفخر في المعالم - ص -: " ولنا كتاب مفرد في مسألة القياس، فمن أراد الاستقصاء في القياس رجع إليه.
وقد أكثر شارح " المحصول " الاصفهاني من ذكرها والاشارة إليها.
انظر: - على سبيل المثال - (3 / 202 أ، 203 أ، 209 أ، 211 ب، 251 أو 265 أ، 315 أ) ، وغيرها.
وبهذا ينتهى القسم الاول من البحث في كتب الفخر الاصولية، وبه نكون قد أتينا على كل ما ذكرته المصادر - التى تيسر لنا الاطلاع عليها قديمة كانت أو حديثة - من كتب الفخر ورسائله الاصولية - ولم يبق منها
إلا - الكتاب - موضوع تحقيقنا وهو " المحصول في علم أصول الفقه ".
8 - الكلام عن المحصول: ل - المحصول في علم أصول الفقه: المحصول هو: أهم كتب الامام فخر الدين الاصولية، ولعل كل ما كتبه قبله - في هذا العلم - قد أدرج فيه، وما كتبه بعده منتخب منه وعائد إليه.

(1/47)


وليس هذا فقط، بل هو أهم كتاب - في أصول الفقه - ظهر منذ أن فرغ الامام من تأليفه سنة هـ إلى يومنا هذا، ذلك لان فيه حصيلة أهم كتب الاصول - التى كتبت قبل الفخر - بأفصح أساليب التعبير، وأجود طرائق الترتيب والتهذيب، مضافا إليها من آرائه، وفوائد فكره، وحسن إيراداته الكثير.
تسميته: عنوان كتابنا هذا في أربع نسخ من النسخ - التى حققناه عليها - هو: " المحصول في أصول الفقه ".
وفي النسختين الاخريين كان عنوانه: " المحصول في علم الاصول ".
وفي معظم المراجع التى ورد ذكره فيها، ذكر بالعنوان الاول، كما استعمل البعض العنوان الثاني: اعتمادا على اشتهار الكتاب بأنه في " أصول الفقه " أما الاحالات عليه فقد كان الغالب فيها الاقتصار على كلمة " المحصول " وحدها.
وأول ما لفت نظري دلى وجوب تحقيق اسم الكتاب - هو الاشكال الذي أورده القرافي في النفائس على تسميته - حيث قال: " ... تسمية الكتاب بالمحصول مشكل، لان الفعل ان كان " حصل " فهو قاصر ليس له مفعول، فلا يقال " محصول " وإن كان حصل بالتشديد: فاسم المفعول منه محصل.
نحو كسرته فهو مكسر ... فمحصول لا يتأتى منه، وليس للعرب ها هنا إلا حصل، وحصل.
فعلى هذا لفظ " محصول
ممتنع ".
ثم شرع بالجواب عن هذا الاشكال، ولم يقنعه ما ذكره من جواب فأورد عليه اشكالات، وأجاب عنها وأطال.
وإيرادات القرافي تؤكد أن عنوان الكتاب - في النسخ التي اطلع عليها - هو:

(1/48)


" المحصول " فقط.
وأما عبارة " في أصول الفقه " أو غيرها فهي ليست من صلب العنوان، وإنما هي عبارة أضيفت لايضا العنوان.
قد يكون الذي أضافها هو الامام المصنف نفسه، وقد يكون سواه.
وقد رأينا من الواجب قبل أن نناقش ما أورده القرافي - من حيث صحة التسمية - لغة: أن نحاول العثور على العنوان الصحيح الذي وضعه الامام المصنف للكتاب.
وهذا ما لا يتحقق إلا بأحد أمرين: الأول: العثور لعى نسخة بخطه يذكر فيها عنوان الكتاب الكامل.
والثاني: تتبع إحالات الامام عليه في كتبه الاخرى.
ولما لم نوفق للحصول على نسخة بخط الامام فإنه لم يبق أمامنا إلا تتبع إحالات الامام عليه في كتبه الاخرى.
وقد أحال الامام عليه في تفسيره الكبير في ثلاثة مواضع سماه في الاول منها " المحصول في أصول الفقه ".
وسماه في الثاني: " المحصول في علم الاصول ".
وفي الموضع الثالث سماه " المحصول من أصول الفقه ".
كما أحال عليه في كتابه - الاربعيه - مرتين سماه في الاولى " المحصول في علم الاصول ".
وسماه في الثانية " المحصول في الاصول ".
وحين ذكره في مقدمة المنتخب اقتصر على كلمة " المحصول " فقط.
كما أشار إليه في نهاية العقول والمعالم في أصول الفقه باسم " المحصول في أصول ".
والذي أميل إليه من كل هذه النقول: أن اسم الكتاب - الذي قد يكون وضعه الفخر له: هو " المحصول في أصول الفقه " ذلك لأن من المستبعد أن يطلق عليه

(1/49)


اسم المحصول فقط من غير أن يضيف إلى العنوان ما يشير إلى العلم الذي ألف الكتاب فيه، فإنه لو أطلق الاسم هنا - لكان الاولى به أن يطلقه في عنوان " المحصل " المسهب.
وكذلك في عناوين كتبه الاخرى.
وبهذا يتضح أنه لابد أن يكون قد أطلق عليه أحد العناوين التي تقدمت، وأقربها - من حيث اللغة - والمعنى - قوله: " المحصول في علم أصول الفقه " فكأنه أراد أن هذا الكتاب هو محصول أصول الفقه، وحاصله: أي: خلاصته المستخرجة منه.
وفي المصباح عن ابن فارس: أصل التحصيلل، استخراج الذهب من حجر المعدن، وحاصل الشئ ومحصوله واحد.
وعلى هذا فلا وجه لما أورده القرافي.
كما أن الامام المصنف قد ذكر أن المصادر تجئ على المفعول: نحو المعقود والميسور - بمعنى العقد واليسر - يقال: ليس له معقود رأي، أي عقد رأي.
وعلى هذا فإن اسم الكتاب لا إشكال عليه حتى لو سلمنا أنه اسمه " المحصول " فقط.
من غير ذكر عبارة " في أصول الفقه " باعتباره مصدرا.
المؤرخون الذين ذكروه: لاهمية " المحصول " لم يكد يغفل ذكره أحد ممن ترجموا للرازي، وذكروا مؤلفاته.
فمن الذين ذكروه: القفطي في أخبار الحكماء، وابن أبي اصيبعة في عيون الانباء (2 / 29) ، وابن خلكان في الوفيات (1 / 676) ، والذهبي في تاريخ الاسلام (27 / 643) ، وابن السبكي في الطبقات (5 / 35) ، واليافعي في المرآة (4 / 7) ، وابن كثير في البداية (13 / 55) ، والصفدي في الوافي (4 / 255) ، وابن العماد في الشذرات (5 / 21) ، وابن حجر في اللسان (4 / 427) ، وابن

(1/50)


قاضي شهبة - في طبقات النحاة - 1 / 48) ، وقال عنه: " وهو من أجل الكتب " كما ذكره في طبقات الشافعية الطبقة الخامسة عشرة، والعيني في عقد الجمان (17 / 2 / 322) ، وأبو شامة في الذيل، وابن خلدون في المقدمة (3 / 1165) ، والانصاري في إرشاد القاصد ص، والقلقشندي في الصبح (1 / 472) ، وطاش كبرى زاده في المفتاح (2 / 118) ، وأبو عذبة في الروضة ص، والخوانساري في الروضات، وحاجي خليفة في الكشف، وذكر شروحه ومختصراته، وأشار إلى مصادره - انظر (2 / 1615 - 1616) ، والبغدادي في هدية العارفين (2 / 108) ، وبروكلمان في تاريخ الادب العربي (1 / 667) وجميل العظم في عقود الجوهر ص.
المصادر التي استمد منها الفخر المحصول: اتفق الكاتبون في تاريخ علم " أصول الفقه " على أن أهم ما كتب في علم أصول الفقه بعد ما كتبه الامام الشافعي - رضي الله عنه - هذه الكتب الاربعة: أ - " البرهان " لامام الحرمين.
ب - " المستصفى " للامام الغزالي.
ج - " العهد " للقاضي عبد الجبار.
وشرحه العمدة لابي الحسين.
د - " المعتمد " لابي الحسن البصري - الذي هو مختصر شرحه للعهد.
فهذه الكتب الاربعة احتوت مسائل ومباحث هذا العلم - على طريقة المتكلمين - وبذلك أصبحت قواعد هذا العلم وأركانه.
وقد كان الامام الرازي - رحمه الله - يحفظ - عن ظهر قلب - من هذه الكتب الاربعة كتابين هما: " المستصفى " لحجة الاسلام الغزالي و " المعتمد " لأبي الحسين البصري.
إضافة إلى اطلاعه على كتب الاصول الاخرى.
لذلك فقد اتجه - رحمه الله - لوضع كتاب شامل في علم الاصول يهذب فيه

(1/51)


مسائله، ويمهد قواعده، ويتناول ما تناولته الكتب الاربعة من مباحثه: فكان " المحصول من أصول الفقه " في هذا الكتاب، مع مزاياه يندر توافرها في غير كتب الفخر: من جودة الترتيب، وفصاحة العبارة، وعمق التدقيق، والاستقصاء في البحث.
شروحه: ما إن ظهر " المحصول " حتى أقبل طلاب الاصول عليه، واستغنوا عن كتب المتقدمين، ورأوا فيه كل ما يبتغيه طلاب الاصول منه.
فأقبل عليه الاصوليون ما بين دارس، وشارح، ومعلق، ومختصر..وممن شرحه: - شمس الدين محمد بن محمود بن محمد الاصبهاني المتوفى سنة هـ.
وهو شرح حافل، رجع مؤلفه إلى معظم الكتب الاصولية التي استطاع الرجوع إليها، وفي مقدمتها: أصول المحصول الاربعة، ومختصراته وسماه ب " الكاشف عن المحصول ".
ومن أهم مزايا هذا الشرح: دقة العبارات التي نقلها من كتب الاصوليين لشرح ما ورد في المحصول بألفاظها لا بمعانيها، ولذلك يجد القارئ فيه الكثير من عبارات
كتب أصولية مفقودة، وكتب أخرى من العسير الرجوع إليها.
ولكن هذا الشرح ناقص، توفي مؤلفه قبل أن يتمه، والنسخ التي استطعنا الحصول على صورة عنها تنتهي بنهاية كتاب الاجماع.
وهي في ثلاثة مجلدات كبار، تشتمل على ما يقرب من صفحة.
وله نسخة خطية في دار الكتب المصرية تحت رقم أصول.

(1/52)


- وشهاب الدين، أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي المتوفى سنة هـ وقد ذكر القرافي في مقدمة شرحه الذي سماه " نفائس الاصول في شرح المحصول " أنه جمع لكتابة شرحه هذا نحو ثلاثين تصنيفا في الاصول للمتقدمين والمتأخرين: من أهل السنة والمعتزلة، وأرباب المذاهب الاربعة.
كما ألزم نفسه ببيان مشكله، وتقييد مهمله، وتحرير ما اختل من فهرسة مسائله، والاسئلة الواردة على متنه.
والحق: أن في هذا الشرح كثيرا من الفوائد الاصولية العاملة، ولكنه كثيرا ما يفوته مراد الامام وقصده فيكثر من إيراد ما لا يرد عليه، ويحمل كلامه على غير محمله، وسنتعرض لبعض ذلك في تعليقاتنا على المحصول.
وهو شرح كبير يقع في ثلاثة مجلدات كبار تبلغ ما يقارب صفحة.
وله نسخة خطية في دار الكتب المصرية تحت رقم، وعنها أخذنا الصورة التي استعنا بها في التحقيق.
- ذكر القرافي للنقشواني شرا على المحصول، لكنني لم أستطع الاهتداء إليه.
المعلقون عليه: ذكر حاجي خليفة أن لاحمد بن عثمان بن صبيح الجوزجاني المتوفى سنة
هـ تعليقة عليه.
وكذلك عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المدايني المعتزلي المتوفى سنة هـ.
كما نسب القرافي لابن يونس الموصلي تعليقة عليه.
مختصراته:

(1/53)


ومن أهم مختصراته: أ - المنتخب وقد تقدم الكلام عنه.
ب - الحاصل من المحصول: وهو لتاج الدين أبي عبد الله محمد بن الحسين الارموي المتوفى سنة هـ وقد أتم تاج الدين مختصره هذا في شهر ذي الحجة سنة هـ، وهو يقع في صفحة من القطع المعتاد.
وله نسخة خطية في دار الكتب المصريقة رقم أصول دار الكتب كتبت سنة هـ، وعنها أخذنا صورة للاستفادة منها في التحقيق.
وقد قام زميل لنا بتحقيقه من عهد قريب ونال على ذلك درجة الدكتوراه من الازهر.
والحاصل هو مأخذ " منهاج الوصول " المشهور للقاضي البيضاوي.
ج - الحاصل من المحصول: لضياء الدين حسين، الذي ذكر القرافي أنه أكمل منتخب الامام.
د - التحصيل وهو لسراج الدين، أبي الثناء، محمود بن أبي بكر الارموي المتوفى سنة هـ وعليه شرح موجز باسم (حل عقد التحصى) لبدر الدين التستري المتوفى سنة، والتحصيل مع شرحه هذا يقعان في حوالي صفحة من القطع المعتاد.
وقد قام أحد الباحثين بتحقيقه رسالة لنيل درجة الدكتوراه من الازهر وقد نوقش منذ عهد قريب.

(1/54)


وله نسخة خطية في دار الكتب برقم أصول الفقه م.
وعنها أخذنا صورة للاستفادة منها في التحقيق.
وله نسخة خطية ممتازة في مكتبة الحرم المدني الشريف بخط عربي قديم تاريخ نسخها سنة هـ.
هـ تنقيح الفصول في اختصار المحصول: وهو للشارع القرافي، كما شرح مختصره هذا، وهذا المختصر مع شرحه مطبوع في القاهرة بالمطبعة الخيرية سنة هـ.
وتنقى المحصول: وهو لامين الدين مظفر بن محمد التبريزي المتوفى سنة هـ.
ولهذا المختصر نسخة خطية في أحمد الثالث (1236، 168) ، ولها صورة في معهد المخطوطات في الجامعة العربية.
وقد تم تحقيقه في الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة.
هذه أهم مختصراته المعروفة.
وقد ذكرنا حاجي خليفة أن له مختصرات أخرى - منها: مختصر تاج الدين، عبد الرحيم بن محمد الموصلي - المتوفى سنة هـ ومختصر محي الدين سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي - المتوفى سنة هـ، ومختصر الباجي، علاء الدين، علي بن محمد خطاب المغربي ثم المصري الشافعي المتوفى سنة هـ.

(1/55)


كما ذكر: أن شمس الدين محمد بن يوسف المتوفى سنة هـ.
كتب أجوبة من المسائل عليه.
قلت لعله يريد أجوبة عما قد يكون أورد على بعض مسائله.
ونسب الخوانساري إلى مجد الدين بن دقيق العيد القشيري المالكي مختصرا جيدا للمحصول.
نسخ المحصول الموجودة في مختلف الخزانات: للمحصول نسخ خطية كثيرة منها: - نسخة كاملة في دار الكتب المصرية رقمها م.
- ونسخة أخرى برقم وعنها أخذت نسخة المكتبة الازهرية.
- والجزء الثاني فقط من نسخة أقرى برقم.
- وقطعة من الجزء الاول فيها نقص من الاخر برقم.
وفي سوهاج الجزء الثاني فقط.
برقم أصول.
- ونسخة كاملة في حلب - الاحمدية - برقم.
- ونسخة كاملة أخرى في استنامبول - أحمد الثالث - برقم.
- وراغب.
- وعاطف.
- وفي باريس.
- وفاس - القرويين -.
- ودمشق - الظاهرية - عام، وف (82 - 83) .
- وبيشاور ب.
- وبنكپور (19، 1560) .

(1/56)


- وبودليانا (1 / 267) .
- المتحف البريطاني - الملحق -.
- والمكتب الهندي (292، 1445) .
- وفي طهران - خزانة فخر الدين النصيري - عن مجلة معهد المخطوطات 3 ج 1 مايو 1957.
وقد بحثت عن هذه الخزانة في طهران فلم أعثر عليها.
فلعلها أدمجت في خزانة أخرى بعد هذا التاريخ ونسي اسمها.
- وفي صنعاء - الجامع الكبير - نسخة كاملة، في دار الكتب المصرية (ما يكرو فيلم) أخذ عنها برقم.
- وداماد زادة.
- ومشهد (6، 26، 87) .
- باتنا (1، 74، 755) .
هذه هي جملة النسخ التى تحتفظ بها هذه الخزانات العالمية للكتب.
وأشارت إليها فهارسها.
منها الكاملة، ومنها الناقصة، ومنها ما كتب بخط ناسخ واحد، ومنها الملفق، من نسختين، ومنها ما فصل الجزء الاول من الكتاب فيه عن الجزء الثاني، ومنها ما أدمج فيه المجلدان من غير فاصل.
النسخ التى اخترناها للتحقيق: حينما شرعت في اختيار النسخ التى كان علي أن اعتمد عليها لتحقيق الكتاب، وضعت في اعتباري الامور التالية: - أن أقدم النسخ الكاملة على النسخ الناقصة.
- وأقدم من النسخ الكاملة - الواضحة على غيرها، وأعني بالوضوح وضوح الخط والقرب إلى المعنى.
- وأقدم من النسخ الكاملة الواضحة - القديمة على الحديثة.

(1/57)


وبناء على هذا فقد اخترت النسخ التالية: أولا - نسخة دار الكتب المصرية رقم أصول.
ثانيا - نسخة دار الكتب المصرية رقم أصول.
ثالثا - نسخة أحمد الثالث في استامبول رقم أصول.
رابعا - نسخة حلب - الاحمدية - رقم أصول.
خامسا - نسخة صنعاء - الجامع الكبير - (ما يكر وفلم) دار الكتب أصول دار الكتب.
سادسا - قطعة من الجزء الاول تنتهي في مباحث (الاستثناء) رقم أصول.
وقد قمت بتصوير هذه النسخ الست، وصورت معها شرحي المحصول (الكاشف) للاصفهاني، (والنفائس) للقرافي، ومختصرات المحصول (المنتخب) ، و (الحاصل) و (التحصيل) مع شرحه (حل عقد التحصيل) ، ونسخة سوهاج - الجزء الثاني أصول.
أما نسخة دار الكتب المصرية رقم أصول فهي نسخة كاملة بمجلدين كبيرين فرغ من نسخها في 11 شعبان سنة سبعين وستمائة هـ.
ناسخها: محمد بن حمزة بن محاسن، لم أستطع الترجمة له، كتبت بخط نسخ حسن.
يقع الجزء الاول منها ب صفحة، ومسطرتها، ومعدل كلمات السطر كلمة.
وعلى أعلى الصفحة الاولى بعض التملكات.
كتب على الصفحة الاولى منها: الجزء الاول من كتاب " المحصول في أصول
الفقه "، تصنيف فخر الدين محمد بن عمر الرازي - قدس سره روحه - وتحته عبارة تنص على أن هذه النسخة أوقفت على طلبة العلم.
ويظهر أن هذه النسخة كانت قبل أن تنقل إلى دار الكتب في خزانة " السلطان حسين " حيث كتب في الطرف الايمن من الصفحة الاولى -: " أصول الفقه " " السلطان حسين ".

(1/58)


وهذه النسخة مقابلة بنسخة أخرى رمز لها الناسخ ب (خ) ، وعليها تصحيحات بخط الناسخ نفسه، وقد رمزت لهذه النسخة بحرف (ل) .
وأما النسخة الثانية من نسخ دار الكتب أصول فهي - أيضا - نسخة كاملة، ولكننا لم نستطع معرفة اسم ناسخها ولا تاريخ النسخ.
وقد أدمج الناسخ الجزئين ولم يفصل بينهما.
وكتب الجزء الاول منهما في صفحة بخط دقيق.
مسطرتها سطرا، ومعدل كلمات السطر يتراوح بين وكلمة.
وقد كتبت بخط دقيق وحسن، وعليها بعض التصحيحات.
وعلى الورقة الاولى منها: " المحصول في أصول الفقه " للشيخ فخر الدين ابن الخطيب الرازي - رحمه الله - آمين.
وعليها تملكات غير واضحة لاصابة الورقة بالماء.
وعليها تملكات غير واضحة لاصابة الورقة بالماء.
وقد رمزت إليها بحرف (ي) .
وأما نسخة أحمد الثالث في - استامبول - فهي نسخة كاملة في مجلدين مقاس (5، 17 - 5، 25) .
ناسخها: محمد بن عثمان بن سلامة.
وتاريخ نسخها: سبع عشرة وستمائة.
ومكان نسخها: المدرسة النظامية ببغداد.
مسطرتها سطرا.
ومعدل كلمات السطر (14 - 17) وعدد صفحات الجزء الاول منها: صفحة.
كتب على الصفة الاولى منها: الجزء الاول من كتاب " المحصول في علم الاصول "، تأليف الشيخ الامام العالم الاوحد فخر الدين، ركن الاسلام، أبي الفضل محمد بن عمر الخطيب الرازي، قدس الله روحه، ونور ضريحه، آمين بالعظيم المنان.
محمد بن عثمان.
وفي هذه النسخة سقط كثير، منه ما تلافاه الناسخ بعد المقابلة، وأثبته على

(1/59)


هوامش الصفحات، ومنه ما بقي ساقطا.
وقد رمزت إليها بحرف (أ) .
وأما نسخة حلب - الاحمدية) رقم فهي أحسن النسخ التي اطلع عليها خطا، ولكن بها نقصا فقد طمست منها صفة الغلاف وسقطت الصفحتان الاخيرتان من الجزء الاول، وصفحتان من وسط الجزء.
وفي صفحاتها الاولى تآكل ابتدأ من الصفحة الاولى إلى الصفحة الرابعة والستين.
وقد أدى هذا التآكل إلى سقوط كلمات من أواخر الاسطر الخامس والسادس والسابع من كل صفحة من الصفحات المذكورة تقريبا.
ولم أستطع معرفة اسم ناسخها، ولا مكان النسخ.
مقاسها: (23 / 13) سم.
مسطرتها سطرا.
ومعدل كلمات السطر كلمة.
وتقع في صفحة.
وقد ضبطت معظم كلماتها بالشكل.
وعلى هوامشها معارضة بنسخة أخرى، وتصحيحات.
وقد وجدتها أقرب النسخ إلى الصواب.
بعد النسخة اليمنية.
وقد رمزت إليها بحرف (ح) .
وأما النسخة الخامسة فهي نسخة الجامع الكبير في صنعاء.
يقول ناسخها: إنه استنسخها عن نسخة نسخت من نسخة كتبت على زمان المصنف بمدينة " نيسابور " ب " خراسان " سنة هـ.
وفرغ من نسخ نسخته التي بين أيدينا - سنة هـ.
ومسطرتها: ما بين (42 - 45) سطرا في الصفحة الواحدة.
ومعدل كلمات السطر: ما بين (18 - 24) كلمة.
وقد كتبت بخط يمني معتاد.
ومع كل ما يعانيه قارئها من صعوبات في القراءة، فإنها أقرب النسخ التى اطلعت عليها إلى الصواب - من حيث المعنى ولانها كتبت بخط في غاية الدقة فإن الجزء

(1/60)


الاول قد وقع في صفحة.
وقد كتب على الصفحة الاولى منها: كتاب " المحصول في أصول الفقه "، تصنيف الشيخ الصدر، الامام، الاجل، الافضل، الاكمل، الاشرف، فخر الدين، ناصر الاسلام، ملك العلماء، سلطان المحققين، استاذ الورى، علم الهدى، أبي عبد الله محمد بن عمر بن الحسين الرازي.
قدس الله روحه ونور ضريحه.
وعليها تملكات كثيرة عليها شطب، والذى استطعت قراءته منها: " ملك العبد
الفقير إلى الله سنبل بنى سرور الصنعاني ".
وكتب تحت عنوان الكتاب بعض الابيات الشعرية، وأضيفت عند التجليد ورقة بعد ورقة العنوان غريبة عن الكتاب فيها بعض الابيات الشعرية نسبها الناسخ للامام أبي حنيفة - رحمه الله - وأتبعها ببعض أبيات المتنبي، وكلام نقله عن الامام الهادي يحيى بن الحسن، قال: إنه قاله لاهل صنعاء.
ويبدو أن الناسخ ذا عناية بالطلاسم والعزائم فقد ألحق خمس صفحات بآخر الكتاب كتب فيها جملة من الطلاسم والعزائم لاغراض مختلفة، كما كتب بعض وصايا ورسائل نسبها لبعض أئمة الزيدية.
ورمزت لهذه النسخة بحرف (ص) .
وأما النسخة السادسة فهي قطعة من الجزء الاول تنتهي بالمسألة السابعة في الاستثناء المذكور عقيب الجمل - وهي محفوظة بدار الكتب المصرية برقم أصول.
وقد أهديت إلى دار الكتب من قبل السيد حسين الحسيني وكانت قبل ذلك ملك والده: أحمد الحسيني بن السيد أحمد بن السيد يوسف الحسيني.
وخطها، حديث، أظنها كتبت بعد الالف.
مسطرتها: سطرا، ومعدل كلمات السطر.
وتقع في صفحة.
وقد رمزت إليها بحرف (ن) .

(1/61)


هذا وصف مجمل للنسخ الست التى اعتمدت عليها في تحقيق الكتاب.
9 - أهمية التحقيق: والتحقيق علم من أهم العلوم له قواعده، وأصوله، وأهدافه، وغاياته، وهذه القواعد والاصول هي أقرب ما تكون إلى علمي الحديث " دراية ورواية "، تساهل
السلف فيه لانتشار العدالة، وعلو شأن الامانة في النقل، وقدرتهم الفائقة على ضبط المنقول مشافهة أو نسخا، وقلة التحريف والتصحيف عندهم.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم - أول من سن قاعدة " المقابلة " بما كان يقابل القرآن على ناقله إليه جبريل - عليه السلام - ولقد ظن القوم - وبعض الظن إثم - أن التحقيق علم من العلوم التى استأثر الغربيون بفضيلة تأسيسها، وأنه بدأ يظهر مع بدء النهضة الاوربية في القرن التاسع عشر الميلادي.
وأن على أيديهم قواعده وأصوله، وذلك جهل في تراث هذه الامة لا يليق بباحث.
وأنه إذا كان لهؤلاء الغربيين، والمستشرقين منهم فضل في هذا العلم، فإنما هو كفضلهم في سائر ما أخذوه عنا من تراث السلف، وأضاعه الخلف، فتلقفه هؤلاء، وبنوا على أصوله وأبروزه، فإن موقفهم في الكثير مما أخذوه عن سلفنا كموقف شركائهم في الاستيلاء على خامات بلادنا، وتصنيعها وإعادتها إلى أسواقنا باعتبارها صناعتهم، وايجادهم.
ولقد برزت الحاجة إلى التحقيق بروزا ظاهرا بعد أن نشطت حركة التأليف، واتسعت الحركة العلمية اتساعا كبيرا، في القرن الرابع الهجري، وما بعده من قرون.
واشتدت الحاجة إليه أكثر بعد أن أصبحت المصنفات تعتمد في انتشارها على نساخ، حرفتهم نسخ الكتب لحساب طالبيها، وهؤلاء النساخ أصناف: منهم من

(1/62)


أوتي من العلم حظا ساعده على اتقان حرفته، ومنهم من لا يختلف عن منضد الحروف في المطبعة الحديثة في كونه لا يعرف غير صورة الحرف، وشكل الكلمة.
وأخذت الكتب تنتشر على أيدي هؤلاء، وهم ينسخون من الكتب ما كتب في
علوم لهم إلمام بها، أو في علوم يجهلونها.
وكثيرا ما تغلب الرغبة في الربح على صاحبها فتحمله على السرعة في السنخ، وقلة التثبت، وعلى التصرف في العبارة في بعض الاحيان فربما أضاف ناسخ تعليقة إلى المتن لعدم تثبته، وربما استدل عبارة أخرى من عنده لظنه أنها أخصر.
وإن كانت سيطرة الاسلام على حياة الناس وسيادة شريعته ويقظة ضمائر المسلمين العامرة بالايمان قد حالت دون كثرة هذه الامور، وجعلتها في كتبنا أقل بكثير مما هي في كتب غيرنا من الامم وفي مقدماتها كتب تلك الامم السابقة.
والحاجة إلى التحقيق تتضح أكثر -: حين ندرك أنه بغير التحقيق يصعب علينا إثبات نسب الكتاب لصاحبه، كما يصعب علينا التأكد من أن هذا الكتاب هو على حقيقته حين كتبه مؤلفه، وقبل التأكد من كل هذا فإن عملية النقل عن الكتاب، والاحتجاج بما فيه تكون من أصعب الامور.
ولهذا فإن من الممكن القول بأن أهمية تحقيق كتاب ما تحقيقا علميا أمينا لا تقل أهمية عن قيمة الكتاب ذاته.
10 - حاجة المحصول إلى التحقيق: " المحصول " من كتب الفخر التي حفل بها هو كثيرا قبل أن يحفل به سواه فقد حاول أن يضم بين صفحاته كل ما استفاده من علم الاصول.
وفرغ من تأليفه بعد اكتمال نضجه العلمي على أيدي أساتذته وذلك سنة هـ.
وله من العمر آنذاك عاما.
وأقبل عليه طلاب العلم، واستغنوا به عن أصوله ومنابعه، وكثرت نسخه، ومع ذلك فإن شارحه شمس الدين الاصفهاني المتوفى سنة

(1/63)


هـ يقول معقبا على زيادة ناسخ: " ليس من هذا الكتاب نسخة صحيحة أصلا ".
وحين يكن التصحيف والتحريم، والزيادة، أو النقص من الامور البينة فإن الخطب يهون، ولكن حين يخفى الكثير منه على إمام كالقرافي: أحمد بن إدريس - رحمه الله - وهو الذي درس المحصول وشرحه بشر ضخم، واختصره وشرح المختصر أيضا، واطلع على نسخ بخط تلامذة الامام والتقى ببعضهم - فإننا نتبين - آنذاك - مدى حاجة هذا الكتاب إلى التحقيق.
ولعل من المفيد أن نذكر بعض الامثلة من هذه التحريفات التى خفيت على القرافي ونحوه - فمنها: أن الامام - رحمه الله - ذكر في المسألة " تكليف ما لا يطاق " قول المعترض - وهو: " إن العلم إما أن يكون سببا للوجوب أو لا يكون " - فأجاب بقوله: " نختار أنه ليس سببا للوجب، ولكن نقول: إنه يكشف عن الوجوب ".
وقصد الامام المصنف واضح بأنه في مقام الجواب عن الاعتراض، قال: نختار، أي: واحدا من هذين القسمين المتقابلين.
فوردت هذه الكلمة في بعض النسخ ومنها نسخ القرافي بلفظ " المختار " فظن القرافي أن اختيار الامام - في علم الله - أنه كاشف عن الوجوب، وليس سببا له، وهنا أورد ما شاء من المناقشات على محض وهم، نجم عن تصحيف ناسخ.
وفي موضع آخر وردت كلمة " المتنافين "، ويبدو أن بعض الناسخين استبدلها بكلمة " الضدين "، وبدلا من توجيه الاتهام إلى الناسخ بأنه سها أو بدل، أو حرف اتهم القرافي الامام المصنف بأنه أخطأ في إطلاق اسم الضدين على متنافيين.
ومن الطريف أن هذه الكلمة وردت في نسختا الست بلفظ " المتنافيين " لا بلفظ " الضدين ".

(1/64)


وأحيانا يتلطف القرافي بالامام فيتعسف للكلمة المصحفة تأويلا بعيدا.
كما فعل في قوله عن لفظ الجلالة " الله ": بأنها " سريانية "، فقد صحفت في بعض النسخ إلى " سوربينية "، وفي بعض آخر إلى " سورية " فاختار أولا: أن الاقرب كونها " سورية " ثم نقض اختياره هذا حين نفي وجود من قال بأنها " سورية " في غير المصول.
وبعد ذلك تأول كلمة " سوربينية " بقوله: لعل أصلها " سوربان "، وهذه هي النسبة إليها، ومعلوم أنها لا سور ولا بان، وأنه مجرد تأويل متكلف لتصحيف ناسخ.
وفي مسألة " عصمة الانبياء " - قال الامام المصنف - بعد أن ذكر المذاهب في المسألة -: " وقد سبقت هذه المسألة في علم الكلام " ويبدو أن بعض النساخ زاد من عنده عبارة " من هذا الكتاب ".
فقال القرافى - رحمه الله - تعقيبا عليها: هذا سهو من المصنف، ثم حاول أن يعتذر للامام عن هذا السهو المتوهم فقال: لعله كان في تقديره أن يكتب الكتاب على قسمين: قسم في أصول الدين، والثاني في أصول الفقه ولم يتمكن من كتابة غير الثاني.
ولقد وقعت في نسخة الاصفهاني زيادة في تعريف " الامر " - المنقول عن القاضي - رحمه الله - حيث ورد هذا الحد في نسخته بصيغة: " هو القول المقتضي - بنفسه - طاعة المأمور بفعل المأمور به "، وكلمة " بنفسه " زيادة لم ترد في نسخنا الست، كما لم ترد في المستصفى - حيث ارتضى الامام الغزالي هذا التعريف، ونقله عن القاضي بلفظه.
ووردها في نسخة الاصفهاني جعله يعتبر هذا الحد حدا للامر النفساني، وأنه لا يمكن أن يكون حدا للامر اللساني إلا إذا أسقطنا هذه الزيادة، وهي ساقطة

(1/65)


بنفسها، ولعل الناسخ الذي أضافها كان من المتكليمين، أو كان يحفظ حدا للامر " النفساني وظن أنه " الامر " المراد تحديده، وليس الامر " اللساني " فأضافها.
وفى حديث الامام المصنف عن الامور التي يعرف بها كون فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم - للوجوب، ورد قوله: " ورابعها: أن يكون جزاء لشرط موجب: كفعل ما وجب بالنذر ".
فصحف قوله: " بالنذر " في بعض النسخ إلى: " نذره "، فأصبحت العبارة: " كفعل ما وجب نذره ".
وقد عقب القرافي على هذا التصحيف بقوله: " كشفت نسخا كثيرة، فوجدت هذه العبارة فيها، ولم أجد غيرها، وهي مشكلة من جهة أن النذر لا يجب، بل يجب فيه، فكان المتجه أن يقول: " ما وجب بالنذر ".
وقد وجدنا - والحمد لله - العبارة الصحيحة التى تمنى القرافي أن يعبر الامام المصنف بها في نسختين من نسخنا الست.

(1/66)


11 - وصيته حين مرض الفخر - رحمه الله - وأحسن بدنو الاجل أملى وهو في شدة مرضه على تلميذه إبراهيم بن أبي بكر بن علي الاصفهاني وصيته وذلك في يوم الاحد الحادي والعشرين من شهر محرم سنة هـ وامتد مرضه بعدها إلى أن توفي.
وقد رأينا أن نذكر هذه الوصية كما ذكرها ابن أبي أصيبعة، لما فيها من العبرة والموعظة..ولاهتمام الكثيرين - من العلماء والمؤرخين - بروايتها وتحليلها وهذا نصها: بسم الله الرحمن الرحيم يقول العبد الراجي رحمة ربه، الواثق بكرم مولاه، محمد بن عمر بن الحسين الرازي، وهو في آخر عهدة بالدنيا، وأول عهده بالاخرة، وهو الوقف الذي يلين فيه كل قاس، ويتوجه إلى مولاه كل آبق: إني أحمد الله - تعالى - بالمحامد التي ذكرها أعظم ملائكته في أشرف أوقات
معارجهم، ونطق بها أعظم أنبيائه في أكمل أوقات مشاهداتهم، بل أقول كل ذلك من نتائج الحدوث والامكان فأحمده بالمحامد التى تستحقها ألوهيته، ويستوجبها كمال ربوبيته، عرفتها أو لم أعرفها، لأنه لا مناسبة للتراب، مع جلال رب الارباب.
وأصلي على الملائكة المقربين، والانبياء المرسلين، وجميع عباد الله الصالحين.
ثم أقول - بعد ذلك -: اعلموا إخواني في الدين، وإخواني في طلب اليقين أن الناس يقولون: الانسان إذا مات انقطع تعلقه عن الخق، وهذا العام مخصوص من وجهين: الأول: أنه إن بقي منه عمل صالح صار ذلك سببا للدعاء، والدعاء له أثر عند الله.
والثاني: ما يتعلق بمصال الاطفال، والاولاد، والعورات، وأداء المظالم والجنايات.
أما الاول: فاعلموا أني كنت رجلا محبا للعلم، فكنت أكتب في كل شئ شيئا لا أقف على كمية وكيفية، سواء كان حقا أو باطلا أو غثا أو سمينا، إلا أن الذي

(1/67)


نظرته في الكتب المعتبرة لي: أن هذا العالم المحسوس تحت تدبير مدبر تنزه عن مماثلة المتحيزات والاعراض، وموصوف بكمال القدرة والعلم والرحمة.
ولقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة، التي وجدتها في القرآن العظيم، لانه يسعى في تسليم العظمة والجلال بالكلية لله - تعالى - ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات وما ذاك إلا العلم بأن العقول البشرية تتلاشى وتضمحل في تلك المضايق العميقة، والمناهج الخفية.
فلهذا أقول كل ما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته وبراءته عن الشركاء في القدم والازلية، والتدبير والفعالية فذاك هو الذي أقول به، وألقى الله تعالى
به.
وأما ما انتهى الامر فيه إلى الدقة والغموض فكل ما ورد في القرآن والاخبار الصحيحة المتفقعليها بين الائمة المتبعين للمعنى الواحد فهو كما هو والذي لم يكن كذلك، أقول: يا إله العالمين إني أرى الخلق مطبقين على أنك أكرم الاكرمين، وأرحم الارحمين، فكل ما مر به قلمي، أو خطر ببالي، فأستشهد علمك وأقول: إن علمت مني أني أردت به تحقيق باطل، أو إبطال حق فافعل بى ما أنا أهله، وإن علمت مني أني ما سعيت إلا في تقرير ما اعتقدت أنه هو الق، وتصورت أنه الصدق، فلتكن رحمتك مع قصدي لا مع حاصلي، فذاك جهد المقل، وأنت أكرم من أن تضايق الضعيف الواقع في الزلة فأغثني، وارحمني، واستر زلتي، وامح حوبتي، يا من لا يزيد ملكه عرفان العارفين ولا ينتقص بخطأ المجرمين.
وأقول: ديني متابعة محمد سيد المرسلين، وكتابي هو القرآن العظيم وتعويلي في طلب الدين عليهما.
اللهم يا سامع الاصوات، ويا مجيب الدعوات، ويا مقيل العثرات، ويا راحم العبرات ويا قيام المحدثات والممكنات، أنا كنت حسن الظن بك، عظيم

(1/68)


الرجاء في رحمتك، وأنت قلت " أنا عند ظن عبدي بى " وأنت قلت: (أمن يجب المضطر إذا دعاه ") وأنت قلت: (وإذا سألك عبادي عنى فإنى قريب) ، فهب: أني ما جئت بشئ فأنت الغني الكريم، وأنا المحتاج اللئيم.
وأعلم: أنه ليس لى أحد سواك، ولا أجد محسنا سواك، وأنا معترف بالزلة والقصور، والعيب والفتور فلا تخيب رجائي، ولا ترد دعائي واجعلني آمنا من عذابك قبل الموت، وعند الموت، وبعد الموت.
وسهل علي سكرات الموت
وخفف عني نزول الموت، ولا تضيق علي بسبب الالام والاسقام فأنت أرحم الراحمين.
وأما الكتب العلمية التي صنفتها، أو استكثرت في إيراد السؤالات على المتقدمين فيها، فمن نظر في شئ منها، فإن طابت له تلك السؤالت فليذكرني في صالح دعائه على سبيل التفضل والانعام، وإلا فليحذف القول بالسئ فإني ما أردت إلا تكثير البحث، وتشحيذ الخاطر، والاعتماد في الكل على الله تعالى.
وأما المهم الثاني وهو: إصلاح أمر الاطفال والعورات، فألاعتماد فيه على الله - تعالى - ثم على نائب الله " محمد " - اللهم اجعله قرين محمد الاكبر في الدين والعلو، إلا أن السلطان الاعظم لا يمكنه أن يشتغل بإصلاح مهمات الاطفال فرأيت الاولى: أن أفوض وصاية أولادي إلى فلان، وأمرته بتقوى الله - تعالى - (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) .

(1/69)


قال ابن أبي أصيبعة: وسرد الوصية إلى آخرها.
ثم قال: (وأوصيه، ثم أوصيه ثم أوصيه: بأن يبالغ في تربية ولدي " أبي بكر " فإن آثار الذكاء والفطنة ظاهرة عليه، ولعل الله - تعالى - يوصله إلى خير.
وأمرته وأمرت كل تلامذتي، وكل من لي عليه حق أني إذا مت يبالغون في إخفاء موتي، ولا يخبون أحدا به، ويكفنوني، ويدفنوني على شرط الشرع، ويحملونني إلى الجبل المصاقب لقرية " مزداخان " ويدفنوني هناك، وإذا وضعوني في اللحد قرأوا علي ما قدروا من إلهيات القرآن، ثم ينثرون التراب علي وبعد التمام يقولون: يا كريم جاءك الفقير المحتاج فأحسن إليه.
وهذا منتهى وصيتي في هذا الباب والله - تعالى - الفعال لما يشاء، وهو على ما يشاء قدير، وبالاحسان جدير) .
12 - وفاته: بعد أن لاقى - رحمه الله - في حياته الحافلة ما لاقى من أذى الخصوم - حط عصا الترحال في " هراة "، وسكن الدار التي كان قد أهداها له السلطان " خوارزم شاه " ولم يتركه خصومه يخلد إلى الراحة، بل استمروا يعملون للنيل منه حتى بلغ من فجور بعضهم في الخصومة: أنهم كانوا يرفعون إليه الرقع في مجالس درسه ووعظه وفيها: " أن ابنه يفسق ويزني، وأن امرأته كذلك ".
وكان - رحمه الله - يقابل ذلك بصبر العلماء، وحلم الحكماء، وجلد الاتقياء، ويجيب عن تلك الرقع بنحو قوله: " إن هذه الرقعة تتضمن أن ابني يفسق ويزني..وذلك مظنة الشباب فإنه شعبة من الجنون، ونرجو من الله - تعالى - اصلاحه والتوبة، وأما امرأتي فهذا شأن النساء

(1/70)


إلا من عصمها الله، وأنا شيخ ما في للنساء مستمتع، هذا كله ممكن وقوعه، ولكني - والله - ما قلت: إن الباري جسم، ولا أن له شبيها ولا ابني يقول ذلك ولا زوجتي تعتقده ولا غلامي، فأي الفريقين أهدى سبيلا "؟ !.
وكان يكثر من ترديد قوله: والمرء مادام حيا يستهان به ويعظم الرزء فيه حين يفتقد وقد اشتد عداء خصومه الكرامية له حتى ذكر بعض المؤرخين أنهم سموه أو دسوا له من سمه.
وقد اتفقت مصادر ترجمة على أن وفاته كانت سنة ست وستمائة هـ وإن اختلفت في تحديد الشهر واليوم الذي توفي فيه اختلافا كبيرا، فرحمه الله رحمة واسعة.
13 - منهجي في التحقيق: لقد سرت في تحقيق الكتاب على النحو التالى: -
بعد أن تكونت لدي الفكرة على أجود النسخ الموجودة التى تيسر لي الحصول عليها: قمت بطبع صور عنها، كما صورت شرحيه " الكاشف عن المحصول " للاصفهاني، و " نفائس الاصول " للقرافي، وكذلك صورت مختصراته - المخطوطة - " المنتخب " و " الحاصل " و " التحصيل " بشرحه " حل عقد التحصيل " للتستري.
قمت بكتابة نسخة من الكتاب عن نسخة (ل) وعرضتها عليها، وعلى النسخ الخمس الاخرى، وأثبت الفروق، ولم أترك من هذه الفروق إلا بعض ما يرجعع إلى قواعد الاملاء وطريقته.
فقد وجدت في بعض النسخ كلمات " لان " بشراء " و " استثناء " " يرى "، " سواء " مرسومة هكذا: " لئن "، " بشرى، " استثنى "، " يرا ".
فكتبت هذه الكلمات، ونظائرها وفق القواعد الاملائية

(1/71)


المعروفة اليوم، ولم أنبه على هذه الفروق لعدم ضرورة التنبيه عليها.
وكذلك وجدت بعض النسخ تذكر بعد ورود اسم إمام أو صحابي: " رضي الله عنه "، أو " رحمه الله "، وبعض النسخ الاخرى تغفل هذه الزيادة، فجريت على إثبات هذه الصيغ وعدم التنبيه - أيضا - على النسخة التى لم تذكرها، وأما عبارات " الصلاة على رسول الله " - صلى الله عليه وسلم - فقد كنت أكملها، من غير تنبيه - أيضا - على النسخ التى ذكرت ما يقابلها.
ثم عدت أقرأ نص الكتاب بتأمل وتدبر، فإذا عرضت لي كلمة أو عبارة اختلفت النسخ فيها: دققت النظر فيها، وراجعت الشرحين " الكاشف " و " النفائس " وكذلك المختصرات " المنتخب " و " الحاصل " و " التحصيل " و " المنهاج " وكثيرا ما رجعت إلى " المعتمد " و " المستصفى "، فتخيرت ما هو الاصوب أو الانسب أو الاحسن، فوضعته في صلب الكتاب، ووضعت ما يقابله
من النسخ الاخرى في الحاشية ولم ألتزم بلفظ نسخة بعينها.
صححت ألفاظا وردت في النص مخالفة لقواعد النحو والرسم.
أحلت المسائل الاصولية الواردة في الكتاب على أهم المصادر الاصولية التي تناولت هذه المسائل، وعنيت عناية خاصة بربط الكتاب بعضه ببعض، وربطه " بالمعتمد والمستصفى " باعتبارهما أهم مصادره، وكذلك بذلت جهدي في ربط مختصراته به.
ذكرت آراء الفقهاء في مسائل الخلاف والفروع التي أشار الامام المصنف إليها، وبنيت مواضع بحثها في كتب الفقه المختلفة.
وردت في الكتاب بعض النصوص المنقولة عن الائمة فدللت على الصفحات التي ذكرت تلك النصوص فيها من كتبهم.
خرجت شواهد الكتاب: من آيات، وأحاديث وأبيات شعرية وأمثال.
ترجمت لجميع الاعلام الذين ذكروا في الكتاب ترجمة مختصرة، مع الاحالة على بعض المصادر التي تناولت الترجمة، كما عرفت بالفرق التي ذكرت فيه، والاماكن.

(1/72)


عرفت بالكتب التي وردت أسماؤها في الكتاب وذكرت أماكن وجودها بذلت جهدي في إيضاح بعض ما غمض من عباراته مستفيدا مما قاله شارحاه الاصفهاني والقرافي، أو مما قاله الامام المصنف في كتبه الاخرى: كالتفسير وغيره، أو ما ورد في كتب الاصول الاخرى.
كتبت بعض التلخيصات في أعقاب بعض المسائل الهامة زيادة في إيضاح تلك المسائل، وتحريرا لما ورد فيها وربطا لها بالكتب الاصولية الاخرى.
شرحت بعض الالفاظ الغامضة في الكتاب شرحا لغويا.
وضعت هذه العلامة (*) - للدلالة على نهاية كل ورقة أو لوحة من أوراق النسخ الست.
د. طه جابر العلواني المحصول في علم أصول الفقه

(1/73)