الفصل الأول في
تفسير أصول الفقه (اعلم أن) المركب
لا يمكن أن يعلم إلا بعد العلم بمفرداته لا من كل وجه بل
من الوجه الذي لأجله يصح أن يقع التركيب فيه فيجب علينا
تعريف الأصل والفقه ثم تعريف أصول الفقه أما الأصل فهو
المحتاج إليه وأما الفقه فهو في أصل اللغة عبارة عن فهم
غرض المتكلم من كلامه وفي اصطلاح العلماء عبارة عن العلم
بالأحكام الشرعية العملية والمستدل على أعيانها بحيث لا
يعلم كونها من الدين ضرورة
فإن قلت الفقه من باب الظنون فكيف جعلته علما قلت المجتهد
إذا غلب على ظنه مشاركة صورة لصورة في مناط
(1/78)
الحكم قطع بوجوب العمل بما أدى إليه ظنه
فالحكم معلوم قطعا والظن واقع في طريقه وقولنا العلم
بالأحكام احتراز عن العلم بالذوات والصفات الحقيقية وقولنا
الشرعية احتراز عن العلم بالأحكام العقلية كالتماثل
والاختلاف والعلم بقبح الظلم وحسن الصدق عند من يقول
بكونهما عقليين وقولنا العملية احتراز عن العلم بكون
الإجماع وخبر الواحد والقياس حجة فان كل ذلك أحكام شرعية
مع أن العلم بها ليس من الفقه لأن العلم بها ليس علما
بكيفية عمل وقولنا المستدل على أعيانها احتراز عما للمقلد
من العلوم الكثيرة المتعلقة بالأحكام الشرعية العملية لأنه
إذا علم أن المفتي أفتى بهذا الحكم وعلم أن ما أفتى به
المفتي هو حكم الله تعالى في حقه فهذان العلمان يستلزمان
العلم بأن حكم الله تعالى في حقه ذلك مع أن تلك العلوم لا
تسمى فقها لما لم يكن مستدلا على أعيانها
(1/79)
وقولنا بحيث لا يعلم كونها من الدين ضرورة
احتراز عن العلم بوجوب الصلاة والصوم فان ذلك لا يسمى فقها
لأن العلم الضروري حاصل بكونهما من دين محمد صلى الله عليه
وسلم وأما أصول الفقه فاعلم أن إضافة اسم المعنى
تفيد اختصاص المضاف بالمضاف إليه في المعنى الذي عينت له
لفظة المضاف يقال هذا مكتوب زيد والمفهوم ما ذكرناه وعند
هذا نقول أصول الفقه عبارة عن مجموع طرق الفقه على سبيل
الإجمال وكيفية الاستدلال بها وكيفية حال المستدل بها (ف)
فقولنا مجموع احتراز عن الباب الواحد من أصول الفقه فإنه
وان كان من أصول الفقه لكنه ليس أصول الفقه لأن بعض الشئ
لا يكون نفس ذلك الشئ وقولنا طرق الفقه يتناول الأدلة
والأمارات
(1/80)
وقولنا على طريق الإجمال أردنا به بيان كون
تلك الأدلة أدلة ألا ترى أنا إنما نتكلم في أصول الفقه في
بيان أن الإجماع دليل فأما أنه وجد الإجماع في هذه المسألة
فذلك لا يذكر في أصول الفقه وقولنا وكيفية الاستدلال بها
أردنا به الشرائط التي معها يصح الاستدلال بتلك الطرق
وقولنا وكيفية حال المستدل بها أردنا به أن الطالب لحكم
الله تعالى إن كان عاميا وجب أن يستفتي وان كان عالما وجب
أن يجتهد فلا جرم وجب في أصول الفقه أن يبحث عن حال الفتوى
والاجتهاد وأن كل مجتهد هل هو مصيب أم لا
(1/81)