المحصول للرازي الفصل الثالث في
تحديد العلم والظن هذا المقصود إنما
يتحقق ببحثين الأول أن حكم الذهن بأمر على أمر إما أن يكون
جازما أو لا يكون فإن كان جازما فإما أن يكون مطابقا للمحكوم
عليه أو لا يكون فإن كان مطابقا فإما أن يكون لموجب أو لا يكون
فإن كان لموجب فالموجب إما أن يكون حسيا أو عقليا أو مركبا
منهما فإن كان حسيا فهو العلم الحاصل من الحواس الخمسة
(1/83)
ويقرب منه العلم بالأمور الوجدانية كاللذة
والألم وإن كان عقليا فأما أن يكون الموجب مجرد تصور طرفي
القضية أو لا بد من شئ آخر من القضايا فالأول هو البديهيات
والثاني النظريات
وأما إن كان الموجب مركبا من الحس والعقل فإما أن يكون من
السمع والعقل وهو المتواترات أو من سائر الحواس والعقل وهو
التجريبيات والحدسيات وأما الذي لا يكون لموجب فهو اعتقاد
المقلد وأما الجازم غير المطابق فهو الجهل وأما الذي لا يكون
جازما فالتردد بين الطرفين إن كان على السوية فهو الشك وإلا
فالراجح ظن والمرجوح وهم الثاني أنه ليس يجب أن يكون كل تصور
مكتسبا وإلا لزم الدور أو
(1/84)
التسلسل إما في موضوعا ت متناهية أو غير
متناهية وهو يمنع حصول التصور أصلا بل لا بد من تصور غير مكتسب
وأحق الأمور بذلك ما يجده العاقل من نفسه ويدرك التفرقة بينه
وبين غيره بالضرورة ومنها القسم المسمى بالعلم لأن كل أحد يدرك
بالضرورة ألمه ولذته ويدرك بالضرورة كونه عالما بهذه الأمور
ولولا أن العلم بحقيقة العلم ضروري وإلا لامتنع أن يكون علمه
بكونه عالما بهذه الأمور ضروريا لما أن التصديق موقوف على
التصور وكذا القول في الظن ثم العبارة المحررة أن الظن تغليب
لأحد مجوزين ظاهري التجويز وها هنا دقيقة وهي أن التغليب إما
أن يكون في المعتقد أو في الاعتقاد أما الذي يكون في المعتقد
فهو أن يكون الشئ ممكن الوجود والعدم إلا أن
(1/85)
أحد الطرفين به أولى كالغيم الرطب فإن نزول
المطر منه وعدم نزوله ممكنان لكن النزول أولى وأما الذي يكون
في الاعتقاد فهو أن يحصل اعتقاد الوقوع واعتقاد اللا وقوع كل
واحد مع تجويز النقيض لكن اعتقاد الوقوع يكون أظهر عنده من
اعتقاد اللاوقوع فظهر أن اعتقاد رجحان الوقوع مغاير لرجحان
اعتقاد اللاوقوع فهذا الثاني هو الظن فان كان مطابقا للمظنون
كان ظنا صادقا وإلا كان ظنا كاذبا وأما الأول وهو اعتقاد رجحان
الوقوع فإن كان مطابقا للمعتقد كان علما أو تقليدا على التفصيل
المتقدم وإلا كان جهلا والله أعلم
(1/86)
|