المعونة في الجدل فصل فِي اسْتِصْحَاب الْحَال
واما اسْتِصْحَاب الْحَال فضربان
اسْتِصْحَاب حَال الْعقل فِي بَرَاءَة الذِّمَّة كَقَوْلِنَا
فِي اسقاط دِيَة الْمُسلم اذا قتل فِي دَار الْحَرْب اَوْ فِي
اسقاط مَا زَاد على ثلث الدِّيَة فِي قتل الْيَهُودِيّ ان
الاصل بَرَاءَة الذِّمَّة وفراغ الساحة وَطَرِيق اشتغالها
بِالشَّرْعِ وَلم نجد فِي الشَّرْع مَا يدل على الِاشْتِغَال
فِي قتل الْمُسلم فِي دَار الْحَرْب وَلَا على الِاشْتِغَال
فِيمَا زَاد على الثُّلُث فِي قتل الْيَهُود فَبَقيَ على الاصل
فَهَذَا دَلِيل يفزع اليه الْمُجْتَهد عِنْد عدم الادلة
وَالثَّانِي اسْتِصْحَاب حَال الاجماع وَذَلِكَ مثل ان يَقُول
فِي الْمُتَيَمم اذا رأى المَاء فِي صلَاته انه يمْضِي فِي
صلَاته انْعَقَدت بالاجماع فَلَا يَزُول عَن ذَلِك الا
بِدَلِيل
فَهَذَا فِيهِ وَجْهَان
من اصحابنا من قَالَ هُوَ دَلِيل
وَمِنْهُم من قَالَ لَيْسَ بِدَلِيل وَهُوَ الاصح
(1/39)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بَاب وُجُوه الْكَلَام على الِاسْتِدْلَال بِالْكتاب - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَذَلِكَ من ثَمَانِيَة اوجه
احدهما ان يسْتَدلّ مِنْهُ بطرِيق من الاصول لَا يَقُول بِهِ
وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي اسقاط الْمُتْعَة
للمدخول بهَا بقوله تَعَالَى {لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن
طلّقْتُم النِّسَاء مَا لم تمَسُّوهُنَّ أَو تفرضوا لَهُنَّ
فَرِيضَة ومتعوهن} فَشرط فِي ايجاب الْمُتْعَة ان لَا يكون قد
مَسهَا
فَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا اسْتِدْلَال بِدَلِيل الْخطاب وانت
لَا تَقول بِهِ
فَالْجَوَاب ان يَقُول ان هَذَا بِلَفْظ الشَّرْط لانه قَالَ
{إِن طلّقْتُم النِّسَاء} وان من امهات حُرُوف الشَّرْط وانا
اقول بِدَلِيل الْخطاب اذا كَانَ بِلَفْظ الشَّرْط
اَوْ يَقُول ان هَذَا من مسَائِل الاصول وانا مِمَّن يَقُول
بِهِ
وَالثَّانِي ان لَا يَقُول بِهِ فِي الْموضع الَّذِي تنَاوله
كاستدلال الْحَنَفِيّ فِي شَهَادَة اهل الذِّمَّة بقوله
تَعَالَى {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} أَي من اهل ملتكم
(1/40)
فَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا كَانَ فِي
قصَّة بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار وعندك لَا تقبل شَهَادَة
اهل الذِّمَّة على الْمُسلمين
وتكلف بَعضهم الْجَواب عَنهُ فَقَالَ انه لما قبل شَهَادَتهم
على الْمُسلمين دلّ على ان شَهَادَتهم على الْكفَّار اولى
بِالْقبُولِ ثمَّ دلّ الدَّلِيل على ان شَهَادَتهم لَا تقبل
على الْمُسلمين فَبَقيَ فِي حق الْكفَّار على مَا اقْتَضَاهُ
فَقَالَ الامام رَحمَه الله هَذَا لَيْسَ بِشَيْء لانه تعلق
بفحوى الْخطاب وَقد ذكر ان الْخطاب قد ارْتَفع فَكيف يبْقى حكم
فحواه
والاعتراض الثَّانِي ان يَقُول بموجبها وَذَلِكَ على
ضَرْبَيْنِ
احدهما ان يحْتَج من الْآيَة بِأحد الوضعين فَيَقُول السَّائِل
بِمُوجبِه بَان يحملهُ على الْوَضع الاخر
كاستدلال الْحَنَفِيّ فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة بِالزِّنَا
بقوله تَعَالَى {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم} وَالْمرَاد
لَا تطؤوا مَا وطىء آباؤكم
(1/41)
فَيَقُول الشَّافِعِي النِّكَاح فِي
الشَّرْع هُوَ العقد فَيكون مَعْنَاهُ لَا تتزوجوا من تزوج
بهَا آباؤكم
وَالْجَوَاب ان تسلك طَريقَة من يَقُول ان الاسماء غير منقولة
وان الْخطاب بلغَة الْعَرَب وَالنِّكَاح فِي عرف اللُّغَة هُوَ
الْوَطْء
وَالضَّرْب الثَّانِي ان يَقُول بِمُوجبِه فِي الْموضع الَّذِي
احْتج بِهِ وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي الْعَفو
عَن الْقصاص الى الدِّيَة من غير رضى الْجَانِي بقوله {فَمن
عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء فاتباع بِالْمَعْرُوفِ} وَالْعَفو
هُوَ الصفح وَالتّرْك
فَيَقُول الْحَنَفِيّ بل الْعَفو هَا هُنَا هُوَ الْبَذْل
وَمَعْنَاهُ اذا بذل الْجَانِي للْوَلِيّ الدِّيَة اتبع
الْمَعْرُوف
وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن
احدهما ان يبين ان الْعَفو فِي الصفح وَالتّرْك اظهر فِي
اللُّغَة
وَالثَّانِي ان يبين بِالدَّلِيلِ من سِيَاق الاية اَوْ غَيره
على ان المُرَاد بِهِ الصفح
والاعتراض الثَّالِث ان يدعى اجمال الاية اما فِي الشَّرْع
واما فِي اللُّغَة
فاما فِي الشَّرْع فَمثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي نِيَّة
صَوْم رَمَضَان بقوله تَعَالَى {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر
فليصمه} وَهَذَا قد صَامَ
(1/42)
فَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا مُجمل لَان
المُرَاد صَوْم شَرْعِي وَنحن لَا نسلم ان هَذَا صَوْم شَرْعِي
وَالْجَوَاب عَنهُ ان يبين ان الْخطاب بلغَة الْعَرَب ويسلك
طَريقَة من يَقُول لَيْسَ فِي الاسماء شَيْء مَنْقُول
وَالصَّوْم فِي اللُّغَة هُوَ الامساك فَوَجَبَ ان يجزىء كل
امساك الا مَا خصّه الدَّلِيل
واما فِي اللُّغَة فَهُوَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي ان
الاحرام بِالْحَجِّ لَا يَصح فِي غير اشهره بقوله تَعَالَى
{الْحَج أشهر مَعْلُومَات فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث
وَلَا فسوق}
فَيَقُول الْمُخَالف هَذَا مُجمل لَان الْحَج لَيْسَ باشهر
فَلَا بُد فِي معرفَة المُرَاد مِنْهُ من اضمار وَيجوز ان يكون
مَعْنَاهُ وَقت احرام الْحَج اشهر مَعْلُومَات وَيجوز ان يكون
مَعْنَاهُ وَقت افعال الْحَج اشهر مَعْلُومَات فَوَجَبَ
التَّوَقُّف فِيهِ
وَالْجَوَاب ان يبين بِالدَّلِيلِ ان المُرَاد بِهِ وَقت احرام
الْحَج لَان الافعال لَا تفْتَقر الى اشهر ولانه قَالَ {فَمن
فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث} وَالْفَرْض هُوَ الاحرام
والاعتراض الرَّابِع الْمُشَاركَة فِي الدَّلِيل
كاستدلال الشَّافِعِي فِي النِّكَاح بِغَيْر ولي بقوله
تَعَالَى {فَلَا تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ}
(1/43)
فَلَو لم يكن تَزْوِيجهَا اليه لما صَحَّ
العضل
فَيَقُول الْحَنَفِيّ هَذَا حجَّة لنا لانه قَالَ {أَن ينكحن}
فاضاف النِّكَاح اليهن فَدلَّ على ان لَهُنَّ ان يعقدن
وَالْجَوَاب ان يسْقط دَلِيل السَّائِل ليسلم لَهُ مَا تعلق
بِهِ
والاعتراض الْخَامِس اخْتِلَاف الْقِرَاءَة
وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي ايجاب الْوضُوء من
اللَّمْس بقوله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا
مَاء فَتَيَمَّمُوا}
فَيَقُول الْمُخَالف قد قرىء {أَو لامستم} وَهَذَا يَقْتَضِي
الْجِمَاع
وَالْجَوَاب ان يَقُول القراءتان كالايتين فيستعملهما
والاعتراض السَّادِس النّسخ وَهُوَ من ثَلَاثَة اوجه
احدها ان يفصل النّسخ صَرِيحًا كاستدلال الشَّافِعِي فِي ايجاب
الْفِدْيَة على الْحَامِل بقوله تَعَالَى {وعَلى الَّذين
يطيقُونَهُ فديَة}
(1/44)
فَيَقُول الْحَنَفِيّ قد قَالَ سَلمَة بن
الاكوع انها مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى {فَمن شهد مِنْكُم
الشَّهْر فليصمه}
وَالْجَوَاب ان يبين انها نسخت الا فِي الْحَامِل والمرضع
وَالثَّانِي ان يدعى نسخهَا بِآيَة مُتَأَخِّرَة مثل ان
يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي الْمَنّ وَالْفِدَاء بقوله تَعَالَى
{فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء}
فَيَقُول الْحَنَفِيّ قد نسخ بقوله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا
الْمُشْركين} لانها مُتَأَخِّرَة
وَالْجَوَاب ان يجمع بَين الايتين فيستعمل كل وَاحِدَة فِي
مَوضِع واذا امكن الْجمع لم يجز دَعْوَى النّسخ
وَالثَّالِث ان يدعى نسخهَا بِأَن ذَلِك شرع من قبلنَا
كاستدلال الشَّافِعِي فِي وجوب الْقصاص فِي الطّرف بَين الرجل
وَالْمَرْأَة بقوله تَعَالَى {والجروح قصاص}
(1/45)
// أخرجه البُخَارِيّ فِي الريات وَغَيره
فَيَقُول الْحَنَفِيّ هَذَا اخبار عَن شرع من قبلنَا وَقد نسخ
ذَلِك بشرعنا
فَالْجَوَاب ان شرع من قبلنَا شرع لنا اَوْ يدل على ان ذَلِك
شرع لنا ايضا لَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي
امْرَأَة قلعت سنّ امْرَأَة كتاب الله الْقصاص واراد بِهِ
هَذِه الاية
والاعتراض السَّابِع التَّأْوِيل وَذَلِكَ ضَرْبَان
تَأْوِيل الظَّاهِر كاستدلال الشَّافِعِي فِي ايجاب الابتاء
بقوله تَعَالَى {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا وَآتُوهُمْ من
مَال الله الَّذِي آتَاكُم} فيحمله الْحَنَفِيّ على
الِاسْتِحْبَاب بِدَلِيل
وَالثَّانِي تَخْصِيص الْعُمُوم كاستدلال الشَّافِعِي فِي قتل
شُيُوخ الْمُشْركين بقوله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين}
فيخصصها الْحَنَفِيّ فِي الشُّيُوخ بِدَلِيل
(1/46)
وَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على الدَّلِيل
الَّذِي تَأَول بِهِ اَوْ خص بِهِ ليسلم لَهُ الظَّاهِر
والعموم
والاعتراض الثَّامِن الْمُعَارضَة وَهُوَ ضَرْبَان مُعَارضَة
بالنطق ومعارضة بِالْعِلَّةِ
فالمعارضة بالنطق مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي تَحْرِيم
شعر الْميتَة بقوله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة}
فيعارضه الْحَنَفِيّ بقوله تَعَالَى {وَمن أصوافها وأوبارها
وَأَشْعَارهَا أثاثا ومتاعا إِلَى حِين}
الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْن
احدهما ان يتَكَلَّم على الْمُعَارضَة بِمَا يعْتَرض بِهِ
اَوْ يسْتَدلّ بِهِ ابْتِدَاء ويرجح دَلِيله على الْمُعَارضَة
وان كَانَت الْمُعَارضَة بعلة تكلم عَلَيْهَا بِمَا تكلم على
الْعِلَل ليسلم دَلِيله
(1/47)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بَاب الْكَلَام على الِاسْتِدْلَال بِالسنةِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَذَلِكَ من ثَلَاثَة اوجه
احدها الرَّد
وَالثَّانِي الْكَلَام على الاسناد
وَالثَّالِث الْكَلَام على الْمَتْن
فاما الرَّد فَمن وُجُوه
احدها رد الرافضة وَذَلِكَ ردهم اخبارنا فِي الْمسْح عل
الْخُفَّيْنِ وايجاب غسل الرجلَيْن قَالُوا هَذِه اخبار احاد
وَنحن لَا نقُول بِهِ
فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة اوجه
احدها ان يَقُول اخبار الاحاد اصل من اصول الدّين فان لم
يسلمُوا نقلنا الْكَلَام اليه
وَالثَّانِي ان يُقَال ان هَذَا تَوَاتر من طَرِيق الْمَعْنى
فان الْجَمِيع مُتَّفق على الدّلَالَة على الْمسْح على الْخُف
وايجاب غسل الرجلَيْن وان كَانَ فِي كل
(1/48)
قصَّة مِنْهَا خبر الْوَاحِد فَوَقع الْعلم
بهَا كالاخبار عَن شجاعة عَليّ وسخاء حَاتِم
وَالثَّالِث ان يناقضوا فِيمَا خالفونا فِيهِ فانهم اثبتوها
باخبار الاحاد
وَالثَّانِي رد اصحاب ابي حنيفَة فِيمَا يعم بِهِ الْبلوى
كردهم خبرنَا فِي مس الذّكر قَالُوا مَا يعم بِهِ الْبلوى لَا
يقبل فِيهِ خبر الْوَاحِد
وَالْجَوَاب ان عندنَا يقبل فان لم يسلمُوا دللنا عَلَيْهِ
ولانهم عمِلُوا بِهِ فِي الْمَنْع من بيع دور مَكَّة وايجاب
الْوتر
(1/49)
وَالْمَشْي خلف الْجِنَازَة
وَالثَّالِث رد اصحاب مَالك فِيمَا خَالف الْقيَاس كردهم
خبرنَا فِي طَهَارَة جُلُود الْميتَة فانه مُخَالف للْقِيَاس
فَلَا يقبل
وَالْجَوَاب ان خبر الْوَاحِد عندنَا مقدم على الْقيَاس فان لم
يسلمُوا دللنا عَلَيْهِ اَوْ تناقضوا بِمَا قبلوا فِيهِ خبر
الْوَاحِد وقدموه على الْقيَاس
وَالرَّابِع رد اصحاب ابي حنيفَة فِيمَا خَالف قِيَاس الاصول
كردهم خبرنَا فِي الْمُصراة والقرعة
(1/50)
وَغَيرهمَا
فَالْجَوَاب ان قِيَاس الاصول هُوَ الْقيَاس على مَا ثَبت
بالاصول وَقد بَينا الْجَواب عَنهُ ولانهم ناقضوا فعملوا
بِخَبَر الْوَاحِد فِي نَبِيذ التَّمْر وقهقهة الْمُصَلِّي
واكل النَّاسِي فِي الصَّوْم
وَالْخَامِس رد اصحاب ابي حنيفَة فِيمَا يُوجب زِيَادَة فِي
نَص الْقُرْآن وان ذَلِك نسخ كخبرنا فِي ايجاب التَّغْرِيب
فَقَالُوا هَذَا يُوجب زِيَادَة فِي نَص الْقُرْآن وَذَلِكَ
نسخ وَلَا يقبل فِيهِ خبر الْوَاحِد
(1/51)
وَالْجَوَاب ان ذَلِك لَيْسَ بنسخ عندنَا
لَان النّسخ هُوَ الرّفْع والازالة وَنحن لم نرفع مَا فِي
الاية ولانهم ناقضوا فزادوا النَّبِيذ فِي اية التَّيَمُّم
بِخَبَر الْوَاحِد
واما الاسناد فَالْكَلَام فييه من وَجْهَيْن
احدهما الْمُطَالبَة باثباته فَهَذَا يكون فِي الاخبار الَّتِي
لم توقف فِي السّنَن وَلم تسمع الا من الْمُخَالفين كاستدلال
الْحَنَفِيّ فِي صَدَقَة الْبَقر بِأَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
فِي اربعين مُسِنَّة وَفِيمَا زَاد فبحسابه
وَالْجَوَاب ان يبين اسناده أَو يحيله الى كتاب مُعْتَمد
وَالثَّانِي الْقدح فِي الاسناد وَهُوَ من ثَلَاثَة اوجه
احدها ان يذكر فِي الرَّاوِي سَببا يُوجب الرَّد مثل ان يَقُول
انه كَذَّاب اَوْ مُبْتَدع اَوْ مُغفل
فَالْجَوَاب ان يبين للْحَدِيث طَرِيقا اخر
وَالثَّانِي ان يذكر انه مَجْهُول
فَالْجَوَاب ان يبين للْحَدِيث طَرِيقا اخر اَوْ يزِيل جهالته
بِرِوَايَة
(1/52)
الثِّقَات عَنهُ اَوْ ثَنَاء اصحاب
الحَدِيث عَلَيْهِ
وَالثَّالِث ان يذكر انه مُرْسل
فَالْجَوَاب ان يبين انه مُسْند اَوْ يَقُول الْمُرْسل كالمسند
ان كَانَ مِمَّن يعْتَقد قبُول الْمَرَاسِيل
واضاف اصحاب ابي حنيفَة الى هَذَا وُجُوهًا اخر
مِنْهَا ان يَقُول السّلف ردُّوهُ كَمَا قَالُوا فِي حَدِيث
الْقسَامَة ان عَمْرو بن شُعَيْب قَالَ وَالله مَا كَانَ
الحَدِيث كَمَا حدث سهل // أخرجه البُخَارِيّ
فَالْجَوَاب انه اذا كَانَ الرَّاوِي ثِقَة لم يرد حَدِيثه
بانكار غَيره لَان الْمُنكر يَنْفِي والراوي يثبت والاثبات
مقدم على النَّفْي لَان مَعَ الْمُثبت زِيَادَة علم
وَمِنْهَا ان يَقُول الرَّاوِي انكر الحَدِيث كَمَا قَالُوا
فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/53)
ايما امْرَأَة نكحت بِغَيْر اذن وَليهَا
فنكاحها بَاطِل رَاوِيه الزُّهْرِيّ وَقد قَالَ لَا اعرفه
فَالْجَوَاب ان انكار الرَّاوِي لَا يقْدَح فِي الحَدِيث
لجَوَاز ان يكون نَسيَه
وَمِنْهَا ان يَقُول رَاوِيه لم يعْمل بِهِ كَمَا قَالُوا فِي
حَدِيث الْغسْل من ولوغ الْكَلْب سبعا ان رَاوِيه ابو
هُرَيْرَة وَقد افتى بِثَلَاث مَرَّات // كَمَا أخرجه
الطَّحَاوِيّ
(1/54)
فَالْجَوَاب ان الرَّاوِي يجوز ان يكون قد
نسي فِي حَال الْفتيا اَوْ أَخطَأ فِي تَأْوِيله فَلَا يتْرك
سنة ثَابِتَة بِتَرْكِهِ
وَمِنْهَا ان يَقُول هَذِه الزِّيَادَة لم تنقل نقل الاصل
كَمَا قَالُوا فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِيمَا سقت
السَّمَاء الْعشْر وَفِيمَا سقِِي بنضح اَوْ غرب نصف الْعشْر
اذا بلغ خَمْسَة اوسق
فَقَالُوا هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ جمَاعَة فَلم يذكرُوا الا
وسْقا فَدلَّ على انه لَا اصل لَهَا
وَالْجَوَاب انه يجوز ان يكون قد ذكر هَذِه الزِّيَادَة فِي
وَقت لم يحضر الْجَمَاعَة اَوْ كَانَ هُوَ اقْربْ اليه سمع
الزِّيَادَة وَلم يسمعوا فَلم يجز رد خبر الثِّقَة
واما الْمَتْن فَهُوَ ثَلَاثَة قَول وَفعل واقرار
فاما القَوْل فضربان مُبْتَدأ وخارج على السَّبَب
(1/55)
فالمبتدأ كالكتاب يتَوَجَّه عَلَيْهِ مَا
يتَوَجَّه على الْكتاب وَقد بَيناهُ الا اني أُعِيد القَوْل
فِي السّنة لانه اوضح امثلة وَرُبمَا اتّفق فِيهِ زِيَادَة لم
تذكر فِي الْكتاب
والاعتراض على الْمَتْن من ثَمَانِيَة اوجه
احدها ان يسْتَدلّ بِمَا لَا يَقُول بِهِ وَذَلِكَ من ثَلَاثَة
اوجه
فَمِنْهَا ان يسْتَدلّ بِحَدِيث وَهُوَ مِمَّن لَا يقبل مثل
ذَلِك الحَدِيث كاستدلالهم بِخَبَر الْوَاحِد فِيمَا يعم بِهِ
البلوة اَوْ فِيمَا يُخَالِفهُ الْقيَاس وَمَا اشبه ذَلِك
مِمَّا لَا يقل فِيهِ بِخَبَر الْوَاحِد
وَالْجَوَاب ان يَقُول ان كنت انا لَا اقول بِهِ الا انك تَقول
بِهِ وَهُوَ حجَّة عنْدك فلزمك الْعَمَل بِهِ
وَالثَّانِي ان يسْتَدلّ فِيهِ بطرِيق لَا يَقُول بِهِ مثل ان
يسْتَدلّ بِدَلِيل الْخطاب وَهُوَ لَا يَقُول بِهِ كاستدلاله
فِي ابطال خِيَار الْمجْلس بِمَا رُوِيَ ان النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الطَّعَام حَتَّى يقبض فَدلَّ على
انه // أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَمُسلم غَيرهم
(1/56)
اذا قبض جَازَ بَيْعه وان كَانَ فِي
الْمجْلس
فَيُقَال لَهُ هَذَا اسْتِدْلَال بِدَلِيل الْخطاب وانت لَا
تَقول بِهِ
وَالْجَوَاب ان يَقُول هَذِه طَريقَة لبَعض اصحابنا وانا
مِمَّن اقول بِهِ اَوْ ان يَقُول ان هَذَا بِلَفْظ الْغَايَة
وانا اقول بِهِ فِيمَا علق الحكم فِيهِ على الْغَايَة
وَالثَّالِث ان لَا يَقُول بِهِ فِي الْموضع الَّذِي ورد فِيهِ
كاستدلالهم على ان الْحر يقتل بِالْعَبدِ بقوله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من قتل عَبده قَتَلْنَاهُ // أخرجه سعيد بن
مَنْصُور فِي سنَنه وَأخرجه الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند
وَغَيرهم
فَيُقَال مَا تنَاوله الْخَبَر لَا نقُول بِهِ فَإِنَّهُ لَا
خلاف انه لَا يقتل بِعَبْدِهِ
وَقد تكلّف بَعضهم الْجَواب عَنهُ بِأَنَّهُ لما وَجب الْقَتْل
على الْحر بقتل عَبده دلّ على انه يقتل بِعَبْد غَيره اولا
ثمَّ دلّ الدَّلِيل على انه لَا يقتل بِعَبْدِهِ فَبَقيَ قَتله
بِعَبْد غَيره على مَا اقْتَضَاهُ
والاعتراض الثَّانِي ان يَقُول بِمُوجبِه وَذَلِكَ على
وَجْهَيْن
احدهما ان يحْتَج الْمُسْتَدلّ باحد الوضعين فَيَقُول
السَّائِل بِمُوجبِه
(1/57)
بِالْحملِ على الْوَضع الآخر مثل ان
يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي نِكَاح الْمحرم بقوله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَا ينْكح الْمحرم وَلَا ينْكح // اخرجه
الإِمَام مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَغَيره
فَيَقُول الْحَنَفِيّ النِّكَاح فِي اللُّغَة هُوَ الْوَطْء
فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يطَأ الْمحرم
وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن
احدهما ان يَقُول النِّكَاح فِي عرف الشَّرْع هُوَ العقد وَفِي
عرف اللُّغَة هُوَ وَطْء وَاللَّفْظ اذا كَانَ لَهُ عرفان عرف
فِي اللُّغَة وَعرف فِي الشَّرْع حمل على عرف الشَّرْع وَلَا
يحمل على عرف اللُّغَة الا بِدَلِيل
وَالثَّانِي ان يبين بِالدَّلِيلِ من سِيَاق الْخَبَر اَوْ
غَيره ان المُرَاد بِهِ العقد
وَالضَّرْب الثَّانِي ان يَقُول بِمُوجبِه فِي الْموضع الَّذِي
احْتج بِهِ كاستدلال أَصْحَابنَا فِي خِيَار الْمجْلس بقوله
عَلَيْهِ السَّلَام الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم
يَتَفَرَّقَا // أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب الْبيُوع وَمُسلم
فِي كتاب الْبيُوع وَغَيرهم
فَيَقُول الْمُخَالف الْمُتَبَايعَانِ هما المتشاغلان
بِالْبيعِ قبل الْفَرَاغ وهما بِالْخِيَارِ عِنْدِي
(1/58)
وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن
احدهما ان يبين ان اللَّفْظ فِي اللُّغَة حَقِيقَة فِيمَا
ادَّعَاهُ
وَالثَّانِي ان يبين بِالدَّلِيلِ من سِيَاق الْخَبَر اَوْ
غَيره ان المُرَاد بِهِ مَا قَالَه
والاعتراض الثَّالِث ان يَدعِي الاجمال اما فِي الشَّرْع اَوْ
فِي اللُّغَة
فاما فِي الشَّرْع فَهُوَ مثل ان يحْتَج الْحَنَفِيّ فِي
جَوَاز الصَّلَاة بِغَيْر اعْتِدَال بقوله صلوا خمسكم وَهَذَا
قد صلي // أخرجه أَحْمد فِي الْمسند
فَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا مُجمل لَان المُرَاد بِالصَّلَاةِ
هُوَ الصَّلَاة الشَّرْعِيَّة وَذَلِكَ لَا يعلم من لَفظه بل
يفْتَقر فِي مَعْرفَته الى غَيره فَلم يحْتَج بِهِ الا
بِدَلِيل على ان ذَلِك صَلَاة
وَالْجَوَاب ان يسْلك طَريقَة من يَقُول ان الْخطاب بلغت
الْعَرَب وَالصَّلَاة فِي اللُّغَة هِيَ الدُّعَاء فَوَجَبَ
انه اذا فعل مَا يُسمى صَلَاة فِي اللُّغَة يكون ممتثلا
واما الْمُجْمل فِي اللُّغَة فَمثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ
فِي تضمين الرَّهْن بقوله
(1/59)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّهْن بِمَا
فِيهِ
فَيَقُول لَهُ الشَّافِعِي هَذَا مُجمل لِأَنَّهُ يفْتَقر الى
تَقْدِير مضمن فَيحْتَمل ان يكون مَعْنَاهُ الرَّهْن مَضْمُون
بِمَا فِيهِ وَيحْتَمل ان يكون مَعْنَاهُ مَحْبُوس بِمَا فِيهِ
فَوَجَبَ ان يتَوَقَّف فِيهِ
وَالْجَوَاب ان يدل على ان المُرَاد بِهِ مَا ذَكرُوهُ اما من
جِهَة الْوَضع اَوْ من جِهَة الدَّلِيل
والاعتراض الرَّابِع الْمُشَاركَة فِي الدَّلِيل وَذَلِكَ مثل
ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي مَسْأَلَة الساجة بقوله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَا ضَرَر وَلَا ضرار فِي نقض // أخرجه
الإِمَام أَحْمد وَغَيره دَار الْغَاصِب ورد الساجة اضرار
فَوَجَبَ ان لَا يجوز
فَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا حجَّة لنا لَان فِيهِ اسقاط حق
الْمَالِك من عين مَاله والإحالة على ذمَّة الْغَاصِب اضرارا
بِهِ فَوَجَبَ ان لَا يجوز ذَلِك
وَالْجَوَاب ان يبين الْمُسْتَدلّ انه لَا اضرار على الْمَالِك
فَإِنَّهُ يدْفع اليه
(1/60)
الْقيمَة فيزول عَنهُ الضَّرَر
والاعتراض الْخَامِس باخْتلَاف الرِّوَايَة
مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي جَوَاز الْعَفو عَن الْقصاص
من غير رضَا الْجَانِي بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن قتل
بعد ذَلِك فاهله بَين خيرتين ان // أخرجه الإِمَام أَحْمد فِي
الْمسند وَالْبُخَارِيّ فِي الدِّيات وَغَيرهم احبوا قتلوا وان
احبوا اخذوا الْعقل
فَيَقُول الْمُخَالف قد رُوِيَ ان احبوا فادوا والمناداة
مفاعلة وَلَا يكون // أخرجه النَّسَائِيّ ذَلِك بِالتَّرَاضِي
وَالْخَبَر خبر وَاحِد فَيجب التَّوَقُّف فِيهِ حَتَّى يعلم
اصل الحَدِيث
الْجَواب انه قد رُوِيَ الْجَمِيع وَالظَّاهِر مِنْهُمَا
الصِّحَّة فِيهِ فَيصير كالخبرين فَيجمع بَينهمَا فَنَقُول
يجوز بِالتَّرَاضِي وَبِغير التَّرَاضِي وهم لَا يَقُولُونَ
بِمَا روينَاهُ
الِاعْتِرَاض السَّادِس النّسخ وَذَلِكَ من وُجُوه
احدها ان ينْقل نُسْخَة صَرِيحًا
(1/61)
وَالثَّانِي ان ينْقل مَا يُنَافِيهِ
مُتَأَخِّرًا فيدعي نسخه بِهِ
وَالثَّالِث ان ينْقل عَن الصَّحَابَة الْعَمَل بِخِلَافِهِ
ليدل على نسخه
وَالرَّابِع ان يَدعِي نسخه بِأَنَّهُ شرع من قبلنَا وانه نسخه
شرعنا
فَأَما النّسخ بالتصريح فَهُوَ ان يسْتَدلّ اصحابنا فِي
طَهَارَة جُلُود الْميتَة بالدباغ بقوله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ايما اهاب دبغ فقد طهر // أخرجه الإِمَام أَحْمد وَغَيره
فَيَقُول الْحَنَفِيّ هَذَا مَنْسُوخ بقوله عَلَيْهِ السَّلَام
كنت رخصت لكم فِي جُلُود الْميتَة فاذا اتاكم كتابي هَذَا
فَلَا تنتفعوا من الْميتَة باهاب وَلَا عصب // أخرجه أَبُو
دَاوُد وَغَيره فَهَذَا صَرِيح فِي نسخ كل خبر ورد فِي
طَهَارَة الْجلد بالدباغ
وَالْجَوَاب ان يبين ان هَذَا لم يتَنَاوَل خبرنَا وانما ورد
هَذَا فِي جُلُود الْميتَة قبل الدّباغ لَان الاهاب اسْم للجلد
قبل الدّباغ فاما بعد الدّباغ فَلَا يُسمى اهابا وانما يُسمى
جلدا واديما وافيقا
واما النّسخ بِنَقْل الْمُتَأَخر مثل ان يسْتَدلّ الظَّاهِرِيّ
فِي جلد الثّيّب مَعَ
(1/62)
الرَّجْم بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خُذُوا عني خُذُوا عني قد جعل الله // أخرجه الإِمَام أَحْمد
فِي الْمسند وَغَيره هن سَبِيلا الْبكر بالبكر جلد مائَة
وتغريب عَام وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة وَالرَّجم
فَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا مَنْسُوخ بِمَا رُوِيَ ان النَّبِي
عَلَيْهِ السَّلَام رجم ماعزا وَلم يجلده وَهَذَا مُتَأَخّر
عَن خبركم لَان خبركم ورد فِي اول مَا شرع الْجلد وَالرَّجم
وَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على النَّاسِخ بِمَا يسْقطهُ ليبقى
لَهُ الحَدِيث
واما النّسخ بِعَمَل الصَّحَابَة بِخِلَافِهِ فَمثل
اسْتِدْلَال الْحَنَفِيّ فِي اسْتِئْنَاف الْفَرِيضَة بقوله
عَلَيْهِ السَّلَام فاذا زَادَت الابل على عشْرين وَمِائَة
استؤنفت الْفَرِيضَة فِي كل خمس شِيَاه فَيَقُول الشَّافِعِي
هَذَا الحَدِيث // أخرجه الطَّحَاوِيّ فِي شرح الْآثَار
وَغَيره
(1/63)
مَنْسُوخ لَان ابا بكر وَعمر رَضِي الله
عَنْهُمَا لم يعملا بِهِ وَلم لم يعلمَا نسخه لعملا بِهِ
وَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على عمل الصَّحَابَة بِمَا يسْقطهُ
ليبقى لَهُ الْخَبَر
واما النّسخ لانه شرع من قبلنَا فَمثل اسْتِدْلَال الشَّافِعِي
رَحمَه الله فِي رجم الذِّمِّيّ بَان النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رجم يهوديين زَنَيَا
فَيَقُول الْمُخَالف انما رجمهما بِحكم التَّوْرَاة فَإِنَّهُ
امْر بإحضارهما ثمَّ عمل بذلك وشرعنا قد نسخ ذَلِك
وَالْجَوَاب ان شرع من قبلنَا شرع لنا مَا لم نعلم نسخه
وَلِأَن النَّبِي
(1/64)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمل بِهِ فَدلَّ
على انه شرع لنا
وَألْحق اصحاب ابي حنيفَة بذلك وَجها اخر وَهُوَ النّسخ
بِزَوَال الْعلَّة وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ اصحابنا فِي
تَخْلِيل الْخمر بَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى
ابا طَلْحَة عَن تخليلها // أخرجه البُخَارِيّ وَغَيره
فَقَالُوا هَذَا كَانَ اول مَا حرم الْخمر والفوا شربهَا
ينْهَى عَن تخليلها تَغْلِيظًا وتشديدا وَقد زَالَ هَذَا
الْمَعْنى فَزَالَ الحكم
وَالْجَوَاب ان يبين ان ذَلِك لم يكن لهَذِهِ الْعلَّة بل
كَانَ ذَلِك بَيَانا لحكم الْخَبَر كايجاب الْحَد وَتَحْرِيم
الشّرْب وَالْمَنْع من البيع وَغير ذَلِك
وعَلى ان لَو سلمنَا انه حرم لهَذِهِ الْعلَّة الا انه حرمهَا
بقول مُطلق يَقْتَضِي تَحْرِيمه فِي الازمان كلهَا وَلَا يجوز
نسخه بِزَوَال الْعلَّة كَمَا انه شرع الرمل والاضطباع فِي
الْحَج لاظهار الْجلد للْكفَّار وَقد زَالَ هَذَا الْمَعْنى
وَالْحكم بَاقٍ
والاعتراض السَّابِع التَّأْوِيل وَذَلِكَ ضَرْبَان
(1/65)
تَأْوِيل الظَّاهِر كاستدلال الْمَنْفِيّ
فِي ايجاب غسل الثَّوْب من الْمَنِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ان كَانَ رطبا فاغسليه وان كَانَ يَابسا فحكيه فيحمله
الشَّافِعِي على الِاسْتِحْبَاب بِدَلِيل
وَتَخْصِيص الْعُمُوم مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي قتل
الْمُرْتَدَّة بقوله عَلَيْهِ السَّلَام من بدل دينه
فَاقْتُلُوهُ فيخصه الْحَنَفِيّ بِدَلِيل // أخرجه الإِمَام
أَحْمد فِي الْمسند وَغَيره
وَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على الدَّلِيل الَّذِي تاول بِهِ
اَوْ خص بِهِ ليسلم لَهُ الظَّاهِر والعموم
والاعتراض الثَّامِن الْمُعَارضَة وَهِي ضَرْبَان مُعَارضَة
بالنطق ومعارضة بِالْعِلَّةِ
(1/66)
فالمعارضة بالنطق مثل ان يسْتَدلّ
الشَّافِعِي فِي جَوَاز فعل مَا لَهَا سَبَب فِي اوقات
النَّهْي بقوله عَلَيْهِ السَّلَام
من نَام عَن صَلَاة اونسيها فليصلها اذا ذكرهَا
فيعارضه الْحَنَفِيّ بنهيه عَن الصَّلَاة فِي هَذِه الاوقات //
أخرجه الإِمَام أَحْمد وَغَيره
وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن
احدهما ان يسْقط الْمُعَارضَة بِمَا ذَكرْنَاهُ من وُجُوه
الِاعْتِرَاض
وَالثَّانِي ان يرجح دَلِيل على مُعَارضَة بِمَا نذكرهُ من
وُجُوه الترجيحات
(1/67)
واما الْخَارِج على سَبَب فضربان
احدهما ان يكون اللَّفْظ مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ دون السَّبَب
وَالْكَلَام عَلَيْهِ كَالْكَلَامِ على السّنة المبتدأة
وَزَاد اصحاب مَالك فِي الِاعْتِرَاض عَلَيْهَا ان قَالُوا ان
هَذَا ورد على سَبَب فَوَجَبَ ان يقْتَصر عَلَيْهِ
وَذَلِكَ مثل استدلالنا فِي ايجاب التَّرْتِيب فِي الْوضُوء
بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابدأوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ
فَقَالُوا هَذَا ورد فِي السَّعْي // اخرجه الإِمَام أَحْمد
فِي الْمسند وَغَيره
(1/68)
فَوَجَبَ ان يقْتَصر عَلَيْهِ
وَالْجَوَاب ان اللَّفْظ اذا اسْتَقل بِنَفسِهِ حمل عندنَا على
عُمُومه فان لم يسلم دللنا عَلَيْهِ
وَالضَّرْب الثَّانِي مَا لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ دون السَّبَب
وَالَّذِي يَخُصُّهُ من الِاعْتِرَاض دَعْوَى الاجمال وَذَلِكَ
مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي مَسْأَلَة مد عَجْوَة بِمَا
رُوِيَ ان رجلا اتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ
قلادة وفيهَا خرز وَذهب فَقَالَ ابتعت هَذِه بِتِسْعَة
دَنَانِير فَقَالَ لَا حَتَّى تميز // أخرجه مُسلم وَغَيره
وَهَذَا حَدِيث حسن صَحِيح فَيَقُول الْمُخَالف هَذَا مُجمل
لانه قَضِيَّة فِي عين فَيحْتَمل ان يكون الثّمن مثل الذَّهَب
الَّذِي فِي القلادة فَنهى لذَلِك وَيحْتَمل ان يكون اكثر لما
ذكرْتُمْ فَوَجَبَ التَّوَقُّف حَتَّى يعلم
وَالْجَوَاب عَنهُ من اربعة اوجه
احدها ان يُقَال هَذِه زِيَادَة فِي السَّبَب الْمَنْقُول
وَالْحكم اذا نقل مَعَ
(1/69)
سَبَب لم تجز الزِّيَادَة فِي السَّبَب الا
بِدَلِيل وَالَّذِي نقل من السَّبَب بيع الخرز وَالذَّهَب
بِالذَّهَب وَالْحكم هُوَ النَّهْي فَلم يجز الزِّيَادَة فِي
ذَلِك
وَالثَّانِي ان يبين ان الظَّاهِر بِمَا ادَّعَاهُ من ان
الذَّهَب الَّذِي مَعَ القلادة اقل من الثّمن فان الْغَالِب ان
الْعَاقِل لَا يَبِيع خرزا وَسَبْعَة مَثَاقِيل بسبعة
دَنَانِير
وَالثَّالِث ان يَقُول لَو كَانَ الْمَنْع لما ذكرْتُمْ
بِنَقْل اذا لَا يجوز ان ينْقل مَا لَا يتَعَلَّق الحكم بِهِ
وَيتْرك مَا يتَعَلَّق الحكم بِهِ
وَالرَّابِع انه لم يفصل وَلَو كَانَ لما ذَكرُوهُ لفصل
وَقَالَ لَا ان كَانَ الذَّهَب مثل الثّمن
(1/70)
|