المعونة في الجدل

فصل مَا يتَوَجَّه على الْفِعْل من الِاعْتِرَاض

واما الْفِعْل فَإِنَّهُ يتَوَجَّه عَلَيْهِ مَا يتَوَجَّه على القَوْل من الِاعْتِرَاض
فاول ذَلِك الِاعْتِرَاض بِأَن الْمُسْتَدلّ لَا يَقُول بِهِ وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي قتل الْمُسلم بالكافر بَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتل مُسلما بِكَافِر وَقَالَ انا احق من وفى بِذِمَّتِهِ // أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ والطَّحَاوِي وَغَيرهم
فَيَقُول الشَّافِعِي هُنَا لَا تَقول بِهِ فان الَّذِي قَتله بِهِ كَانَ رَسُولا وَعند ابي حنيفَة لَا يقتل الْمُسلم بالرسول
وَالْجَوَاب ان يَقُول انه لما قتل الْمُسلم بالرسول دلّ على انه بالذمي اولى ان يقتل ثمَّ نسخ ذَلِك فِي الرَّسُول وَبَقِي فِي الذِّمِّيّ على مَا اقْتَضَاهُ
والاعتراض الثَّانِي ان ينازعه فِي مُقْتَضَاهُ وَهَذَا النَّوْع يتَوَجَّه على الْفِعْل

(1/71)


من طَرِيقين
احدهما ان ينازعه فِيمَا فعل
وَالثَّانِي ان ينازعه فِي مُقْتَضى الْفِعْل
فاما الاول فَمثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي تكْرَار مسح الرَّأْس بِمَا روى ان النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام توضا ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ هَذَا وضوئي ووضوء الانبياء قبلي ووضوء خليلي ابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام // أخرجه ابْن مَاجَه
فَيَقُول الْحَنَفِيّ قَوْله تَوَضَّأ ثَلَاثًا مَعْنَاهُ غسل لَان الْوضُوء فِي اللُّغَة هُوَ النَّظَافَة وَذَلِكَ انما يحصل بِالْغسْلِ وَلَا يدْخل فِيهِ الْمسْح
وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن
احدهما ان يبين ان الْوضُوء فِي عرف الشَّرْع هُوَ الْغسْل وَالْمسح فِي اللُّغَة عبارَة عَن الْغسْل فَوَجَبَ ان يحمل على عرف الشَّرْع
وَالثَّانِي ان يبين بِالدَّلِيلِ من جِهَة السِّيَاق اَوْ غَيره ان المُرَاد بِهِ الْغسْل وَالْمسح

(1/72)


وَالطَّرِيق الثَّانِي مَا فعله عَلَيْهِ السَّلَام وَلكنه ينازعه فِي مُقْتَضى فعله وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي وجوب الِاعْتِدَال فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود بَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل ذَلِك // أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم غَيرهم
فَيَقُول الْمُخَالف فعله لَا يَقْتَضِي الْوُجُوب
وَالْجَوَاب عَنهُ من ثَلَاثَة اوجه
احدها ان يَقُول فعله عِنْدِي يَقْتَضِي الْوُجُوب وان لم تسلم دللت عَلَيْهِ
وَالثَّانِي ان يَقُول هَذَا بَيَان لمجمل وَاجِب فِي الْقُرْآن وَبَيَان الْوَاجِب وَاجِب
وَالثَّالِث ان يَقُول قد اقْترن بِهِ امْر وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي اصلي والامر يَقْتَضِي الْوُجُوب // أخرجه الشَّافِعِي
والاعتراض الثَّالِث دَعْوَى الاجمال وَهُوَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي

(1/73)


فِي طَهَارَة الْمَنِيّ لَان عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت افرك الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي وَلَو كَانَ نجسا لقطع الصَّلَاة // أخرجه البُخَارِيّ وَغَيره
فَيَقُول الْحَنَفِيّ هَذَا مُجمل لانه قَضِيَّة فِي عين فَيحْتَمل انه كَانَ قَلِيلا وَيحْتَمل انه كَانَ كثيرا فَوَجَبَ التَّوَقُّف فِيهِ
وَالْجَوَاب ان يبين بِالدَّلِيلِ انه كَانَ كثيرا لَان عَائِشَة احتجت بِهَذَا الْخَبَر على طَهَارَته فَلَا يجوز ان يحْتَج بِمَا يُعْفَى عَنهُ ولانها اخبرت عَن دوَام الْفِعْل وتكراره وَيبعد مَعَ التّكْرَار ان يكون ذَلِك قَلِيلا مَعَ الْكَثْرَة
والاعتراض الرَّابِع الْمُشَاركَة فِي الدَّلِيل مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ جَوَاز ترك قسْمَة اراضي المغنومة بَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك قسْمَة بعض حنين
فَيَقُول الشَّافِعِي هَذِه حجَّة لي لانه قسم بعضه وَفعله يَقْتَضِي الْوُجُوب
وَالْجَوَاب ان يتَأَوَّل الْفِعْل ليجمع بَينه وَبَين التّرْك

(1/74)


والاعتراض الْخَامِس اخْتِلَاف الرِّوَايَة وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي جَوَاز نِكَاح الْمحرم بَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم // أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم غَيرهم
فَيَقُول الشَّافِعِي رُوِيَ انه تزَوجهَا وهما حلالان // اخرجه مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالْإِمَام أَحْمد فِي الْمسند وَغَيرهم
وَالْجَوَاب عَن ذَلِك امران
احدهما ان يجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ ان امكنه
وَالثَّانِي ان يرجح رِوَايَته على رِوَايَة الْمُخَالف
والاعتراض السَّادِس دَعْوَى النّسخ وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي سُجُود السَّهْو ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد بعد السَّلَام

(1/75)


فَيَقُول لَهُ الشَّافِعِي هَذَا مَنْسُوخ بِمَا روى الزُّهْرِيّ قَالَ كَانَ اخر الامرين من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل السَّلَام
وَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على النَّاسِخ بِمَا يسْقطهُ اَوْ يجمع بَينهمَا بالتأويل
والاعتراض السَّابِع التَّأْوِيل وَهُوَ مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ بَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم
فَيَقُول الشَّافِعِي يحْتَمل انه اراد محرم بِالْحرم بالأحرام فَيحمل على ذَلِك بِدَلِيل
وَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على الدَّلِيل بِمَا يسْقطهُ ليسلم لَهُ الظَّاهِر
والاعتراض الثَّامِن الْمُعَارضَة وَذَلِكَ قد يكون بِظَاهِر وَقد يكون بعلة
فاما الظَّاهِر فَمثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي رفع الْيَد حَذْو الْمنْكب بِمَا

(1/76)


روى ابو حميد السَّاعِدِيّ ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه // أخرجه البُخَارِيّ مُسلم
فيعارضه الْحَنَفِيّ بِمَا روى ابْن حجر ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع يَدَيْهِ حِيَال اذنيه // أخرجه مُسلم وَغَيره
وَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على الْمُعَارضَة بِمَا ذَكرْنَاهُ من وُجُوه الاعتراضات اَوْ يرجح دَلِيله على مَا عورض بِهِ بِمَا نذكرهُ فِي بَاب الترجيحات ان شَاءَ الله
وان كَانَت الْمُعَارضَة بِالْعِلَّةِ فَالْجَوَاب عَنهُ ان يتَكَلَّم عَلَيْهَا بِمَا يتَكَلَّم على الْعِلَل

(1/77)