المنخول من تعليقات الأصول
كتاب الفتوى
وفيه بابان أحدهما في الاجتهاد واحكامه والثاني في احكام
المقلد
الباب الأول في الاجتهاد
وفيه اربعة فصول
الفصل الاول في صفات المجتهدين
فليعلم اولا ان الفتوى ركن عظيم في الشريعة لا ينكره منكر
وعليه عول الصحابة بعد ان استأثر الله برسوله وتابعهم عليه
التابعون إلى زماننا هذا ولا يستقل به كل احد ولكن لا بد
من اوصاف وشرائط ولنا في ضبطها مسالك
(1/571)
المسلك الاول
على الاجمال ان نقول المفتي هو المستقل بأحكام الشرع نصا
واستنباطا واشرنا بالنص إلى الكتاب والسنة وبالاستنباط إلى
الاقيسة والمعاني المسلك الثاني ان نفصل الشرائط فنقول لا
بد من العقل والبلوغ إذ الصبي لا يقبل قوله وروايته والرق
لا يقدح وكذا الانوثة ولا بد من الورع فلا يصدق الفاسق ولا
يجوز التعويل على قوله ولا بد من علم اللغة فإن مآخذ الشرع
الفاظ عربية وينبغي ان يستقل بفهم كلام العرب ولا يكفيه
الرجوع إلى الكتب فإنها لا تدل إلا على معاني الالفاظ فأما
العاني المفهومة من سياقها وترتيبها لا تفهم إلا يستقل بها
والتعمق في غرائب اللغة لا يشترط ولا بد من علم النحو فمنه
يثور معظم اشكالات القران
ولا بد من علم الاحاديث المتعلقة بالاحكام
(1/572)
ومعرفة الناسخ
والمنسوخ وعلم التواريخ ليتبن المتقدم عن المتأخر والعلم
بالسقيم والصحيح من الاحاديث وسير الصحابة ومذاهب الائمة
لكيلا يخرق اجماعا ولا بد من اصول الفقه فلا استقلال للنظر
دونه وفقه النفس لا بد منه وهو غريزة لا تتعلق بالاكتساب
ولا بد من معرفة احكام الشرع
(1/573)
المسلك الثالث
وهو المختار وهو الحاوي لجملة هذه التفاصيل ان يكون على
صفة يسهل عليه درك احكام الشريعة بعد الورع والبلوغ ليقبل
قوله ولا يتمكن منه إلا بجملة ما فصلناه نعم لا نؤاخذه
بحفظ الاحكام فإن أئمة الاحاديث بوبوا احاديث الاحكام
وميزوا الصحيح عن الفاسد والتعويل فيه على الكتب جائز كما
ذكرناه في كتاب الأخبار فليراجع إذا مست الحاجة إليه
(1/574)
الفصل الثاني في كيفية سرد الاجتهاد ومراعاة تربيته
قال الشافعي رضي الله عنه إذا رفعت إليه واقعة فليعرضها
على نصوص الكتاب فان اعوزه فعلى الأخبار المتواترة فان
اعوزة إذا فعلى الآحاد فان اعوزه لم يخص في القياس بل
يلتفت إلى ظاهر القرآن فان وجد ظاهرا نظر في المخصصات من
قياس وخبر فان لم يجد مخصصا حكم به وان لم يعثر على لفظ من
كتاب ولا سنة نظر إلى المذاهب فان وجدها مجمعا عليها اتبع
الإجماع وان لم يجد اجماعا خاض في القياس
(1/575)
ويلاحظ القواعد
الكلية اولا ويقدمها على الجزئيات كما في القتل بالمثقل
يقدم قاعدة الردع على مراعاة الاله فان عدم قاعدة كلية نظر
في النصوص ومواقع الإجماع فان وجدها في معنى واحد الحق به
وألا انحدر إلى قياس مخيل فان اعوزه تمسك بالشبه ولا يعول
على طرد ان كان يؤمن بالله العزيز ويعرف مآخذ الشرع هذا
تدريج النظر على ما قاله الشافعي رضي الله عنه ولقد أخر
الإجماع عن الأخبار وذاك تأخير مرتبة لا تأخير عمل إذ
العمل به مقدم ولكن الخبر يتقدم في المرتبة عليه فان
مستنده قبول الإجماع
(1/576)
الفصل الثالث في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان
يجتهد
قال قائلون كان لا يجتهد لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى
وقال آخرون كان عليه السلام يجتهد إذ لم يكن ينتظر الوحي
في كل واقعة ترفع إلى مجلسه والمختار انا لا نظن به
استبدادا بالاجتهاد ولا يبعد ان يوحي إليه ويسوغ له
الاجتهاد فهذا حكم العقل جوازا واما وقوعا فالغالب على
الظن انه كان لا يجتهد في القواعد وكان يجتهد في الفروع
كما روي انه عليه السلام قال أرأيت لو تمضمضت فان قيل وهل
اجتهد الصحابة في حال حياته قط
(1/577)
قلنا انقسم
الناس فيه على تناقض ولعل الظاهر انهم كانوا لا يجتهدون
بحضرته والقرب من منزله ومن كان يبعد منه بفرسخ وفراسخ كان
يجتهد وحديث معاذ نص في الباب
(1/578)
الفصل الرابع في التخصيص على مشاهير المجتهدين من الصحابة
والتابعين وغيرهم
ولا خفاء بأمر الخلفاء الراشدين إذ لا يصلح للامامة إلا
مفتي وكذا كل من أفتى في زمانهم كالعبادلة وزيد بن ثابت
ومعاوية قلدة فقال الشافعي في مسألة واصحاب الشورى قيل
انهم كانوا مفتين لان عمر رضي الله عنه اجمل الأمر فيما
بينهم فدل على صلاح كل واحد له قال القاضي وهذا فيه نظر إذ
ما من واحد إلا وشبب عمر فيه بشئ لما أن عرض عليه فقال في
طلحة صاحب ختروانة أي واستكبار وفي الزبير صاحب المد
والصاع وفي سعد إنه صاحب مقنب
(1/579)
وفي علي إنه
صاحب دعابة وفي عثمان إنه كلف بأقاربه فلا يتلقى حكم
اجتهادهم من هذه المآخذ وأبو هريرة لم يكن مفتيا فيما قاله
القاضي وكان من الرواة والضابط عندنا فيه أن كل من علمنا
قطعا أنه تصدى للفتوى في أعصارهم ولم يمنع عنه فهو من
المجتهدين ومن لم يتصد له قطعا فلا ومن ترددنا في ذلك في
حقه ترددنا في صفته وقد انقسمت الصحابة إلى متنسكين لا
يعتنون بالعلم وألى معتنين به فأصحاب العمل منهم لم يكن
لهم مرتبة الفتوى والذين علموا وأفتوا فهم المفتون ومطمع
في عد أحادهم بعد ذكر
الضابط وهو الضابط أيضا في التابعين وللشافعي في الحسن
البصري كلام
(1/580)
وأما مالك فكان
من المجتهدين نعم له زلل في الاسترسال على المصالح وتقديم
عمل علماء المدينة وله وجه كما ذكرناه من قبل وأما أبو
حنيفة فلم يكن مجتهدا لأنه كان لا يعرف اللغة وعليه يدل
قوله ولو رماه بأبو قبيس وكان لا يعرف الأحاديث ولهذا ضري
بقبول الأحاديث الضعيفة ورد الصحيح منها ولم يكن فقيه
النفس بل كان يتكايس لا في محله على مناقضة مآخذ الأصول
ويتبين ذلك باستثمار ثنا مذاهبه فيما سنعقد فيه بابا في
آخر الكتاب الله أعلم
(1/581)
الباب الثاني في أحكام التقليد
وهو ثمانية فصول
الفصل الأول في حقيقة التقليد
قال قائلون إنه قبول قول بلا حجة فعلى هذا قبول قول رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليس بتقليد فإنه حجة وكذا قول
الصحابي إن رأيناه حجة وقال آخرون هو قبول قول من لا يدري
من أين يقول فعلى هذا قبول قول الكل تقليد سوى قول رسول
الله صلى الله عليه وسلم على قولنا إنه لا يجتهد وقال
القاضي لا معنى للتقليد ويجب على العامي قبول قول المفتي
وعلينا قبول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول
الصحابي إن رأيناه حجة في حق من يجب قبوله
(1/582)
والمختار عندنا
أن جملة أصحاب الملل لم يتحصلوا به من أعمالهم وعقائدهم
إلا على تقليد خلاف ما قاله القاضي فمن صدق رسول الله صلى
الله عليه وسلم فهو مقلد إذ لا يدرك صدقه ضرورة وكيف يعلم
صدقه ولا يعلم بقوله وجود مرسله نعم لو ترتب الناظر وافتتح
أولا نظره في حدوث العالم وإثبات الصانع وانحدر إلى إثبات
النبوات وتصديق النبي فهو عارف وليس بمقلد ويندر من يوفق
له ومعظم الناس تلتزم الشرع من نفس الشرع فهي مقلدة الشرع
ولكن يراعى أدب الشرع في الإطلاق فيسمى قوله عليه السلام
حجة ويسمى اتباع المجتهد تقليدا وإن كنا نعلم حقيقة الحال
على ما ذكرناه
(1/583)
الفصل الثاني في أن الصحابي هل يجب تقليده
وقد اختلفوا فيه فقال قائلون لا يجب لأنهم لا يعصمون وهذا
يبطل بالراوي وتمسكوا أيضا بأنهم كانوا يختلفون ولم يوجب
بعضهم على البعض الاتباع والتوافق وهذا ينقضه قول المفتي
منا فإنه حجة في حق العامي وإن لم يكن حجة في حق المفتي
فلا يبعد تبعيض الأمر أيضا في حقهم وتمسكوا بأنهم سوغوا
الخلاف فإيجاب الاتباع رفع لما توافقوا عليه من جواز
الخلاف وتمسك الموجبون للتقليد بقوله عليه السلام أصحابي
كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وبقوله عليه السلام خير
القرون قرني
(1/584)
وهو ظاهر محمول
على السيرة بدليل قوله عليه السلام اقتدوا بالذين من بعدي
أبي بكر وعمر ولا يتعين اتباعهما من بين سائر الصحابة وقد
قال بتعيينهما قائلون والمختار ما خالف القياس من مذاهبهم
متبع لأنا لا نظن بهم التحكم فنعلم أنهم استندوا إلى نص
وإن وافق القياس فلا
(1/585)
ويطرد ذلك في
التابعي إذا لم يعرف له مستند باطل ولا يتبع مذهب مالك في
خيار المتابعين لعلمنا بفساد مستنده ولا مذهب أبي حنيفة في
شهود الزوايا وإن خالف القياس لعلمنا بأنه بناه على
الاستحسان الفاسد ولم نتبع ابن مسعود في حطه قيمة العبد عن
الحر ولا ابن عباس في تقدير أجره الآبق بأربعين لما ذكرناه
في باب الاستحسان والله أعلم
(1/586)
الفصل الثالث في أن المجتهد هل يقلد المجتهد في القبلة
وغيرها
وهو ممنوع عند الأستاذ والقاضي والشافعي تمسكان هذا من
القاضي بأن قول الرسول عليه السلام حجة لدلالة المعجزة على
صدقه وقول العالم حجة على المقلد لدليل قاطع ولا قاطع على
جواز قبول العالم قول العالم وما لا قاطع في قبوله فهو
مقطوع ببطلانه وهذا أصل للقاضي ذكرناه في كتاب الأخبار
والقياس ونحن لا نرى ذلك والأستاذ تمسك بأن المجتهد يجب
عليه مراعاة ترتيب الأدلة فلا يقدم قياسا على نص والتقليد
بالنسبة إلى الاجتهاد فرعه
فيقال له هذا تحكم في ترتيب ما لا دليل عليه
(1/587)
والمختار أن
المسألة في مظنة الاجتهاد ولا قاطع على قبوله ورده وقد
اتفقوا على جواز التقليد عند ضيق الوقت وعسر الوصول إلى
الحكم بالاجتهاد والنظر
(1/588)
الفصل الرابع فيما يجب على المقلد أن يرعاه ليستبين كون
المفتي مجتهدا
والمختار يكفيه أن يتعرف عدالته بقول عدلين ويسمع عنه قوله
إني مفتي لأن اعتبار تلقفه المشكلات من كل فن وامتحانه به
تكليف شطط ويعلم أن أصحاب البوادي من عصر الصحابة كانوا لا
يفعلون ذلك وإن ذكره القاضي في التقدير واشتراط تواتر
الخبر بكونه مجتهدا كما قاله الأستاذ غير سديد لأن التواتر
يفيد في المحسوسات وهذا ليس من فنه وقال القاضي مرة يكفيه
أن يخبره عدلان بأنه مفتي والله أعلم
(1/589)
الفصل الخامس في وجوب تقليد الأفضل
وقد أوجبه جماعة لأنه أعلم وعلل آخرون بوجوب تقديم الأفضل
في الإمامة وذلك مسلم في الإمامة لأن مبناه على المصلحة
وهو الأصلح حتى لو عارضته شوكة واتفق عقده للمفضول وكان في
منازعته خصام دائم يقضي بانعقاده ولا يجب تقديم الأفضل في
الفتوى لعلمنا بأن العبادلة الأربعة كانوا يراجعون في زمن
الخلفاء الراشدين
(1/590)
الفصل السادس في ذكر ما يجب على المقلد مراعاته بعد موت
مقلده
وقد قال الفقهاء يقلده وإن مات لأن مذهبه لم يرتفع بموته
وأجمع علماء الأصول على أنه لا يفعل ذلك ولو اتبع الآن
عامي مذهب أبي بكر معرضا عن سائر المذاهب لا يجوز له ذلك
فإن الصحابة كانوا لا يعتنون بنخل المسائل وتهذيبها وإنما
اعتنى به المتأخرون وكان أعظم شغل الأولين تقعيد القواعد
فلا يفي مذهبهم بجملة الوقائع فإن وجد مجتهد عاصره وجب
عليه أن يقلده وإن لم يجد قال قائلون يتبع آخر مجتهد مات
وهذا فاسد
(1/591)
فيتبع أعظمهم
نخلا لجميع المسائل وأسدهم طريقا ثم يستبين مذهبه بقول
ناقل ورع فقيه النفس متهد إلى نصوص صاحبه وليس يشترط أن
يكون متعمقا في الأصول فإنه لو كان كذلك لكان مجتهدا ولكنه
كالمجتهد في نصوص صاحبه كما أن صاحبه مجتهد في نصوص الشارع
قال القاضي يجوز له أن يقيس على نصوص غيره فينقل من مذهبه
كما يقاس على نص الشارع
(1/592)
الفصل السابع في أنه هل يجب تكرير مراجعة المفتي
وقد أوجبه قوم لاحتمال تغير الاجتهاد ومنعه الآخرون لأن
احتماله كاحتمال النسخ في زمان رسول الله صلى عليه وسلم
وكانوا لا يكررون المراجعة والمختار أن المسافة بينهما إن
كانت شاسعة والواقعة كانت تكرر في كل يوم كالصلاة والكفارة
فلا يراجع قطعا لعلمه بأن المقلدة في زمان رسول الله صلى
الله عليه وسلم كانوا لا يفعلون ذلك وإن كانت الواقعة لا
يكثر تكررها فالظاهر أيضا أنه لا يراجع لأنا
نستدل بعدم مراجعتهم في تلك الصور مثله في هذه الصورة ثم
يخرج على هذا الاختلاف وجوب الإخبار على المفتي إذا تغير
اجتهاده
(1/593)
الفصل الثامن في المسألة إذا ترددت بين مفتيين على التناقض
ولم يمكن الجمع بين قوليهما مثل القصر في حق العاصي بسفره
واجب عند أبي حنيفة والإتمام واجب عند الشافعي فيجب على
المستفتي مراعاة الأفضل واتباعه وإنما لم نوجب عليه اتباع
الأفضل حيث لم يظهر الخلاف لما عهد من الصحابة من مراجعة
الكل ونعلم أنهم كانوا يقدمون قول أبي بكر رضي الله عنه
على قول غيره عند التناقض ثم الأفقه مقدم على الأورع وإن
تساويا من كل وجه قال قائلون يتخير وقال الآخرون يأخذ
بالأشد وقال آخرون يأخذ بالأثقل عليه ويراجع نفسه فيه
(1/594)
والمختار لا
يتبين إلا بتقديم مقدمتين إحداهما أن الشريعة هل يجوز
فتورها
وقد أجمعوا على تجويز ذلك في شريعة من قبلنا سوى الكعبي
بناء على وجوب مراعاة الأصلح على الله وهو ينازع في هذه
القاعدة ثم لا يسلم عن دعوى الصلاح في نقيض ما قاله
والمختار أن شرعنا كشرع من قبلنا في هذا المعنى وفرق
فارقون ثم بأن هذه الشريعة خاتمة الشرائع ولو فترت لبقيت
إلى يوم القيامة وهذا فاسد إذ ليس في العقل ما يحيله
والذين فترت عليهم الشرائع وقد ماتوا قد قامت قيامتهم إذا
لم يلحقهم تدارك نبي آخر
(1/595)
وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم سيأتي عليكم زمان يختلف رجلان في فريضة
فلا يجدان من يقسمها بينهما وقوله تعالى إنا نحن نزلنا
الذكر وإنا له لحافظون ظاهر معرض للتأويل ويمكن تخصيصه
بالقرآن دون سائر أحكام الشرع وهذا كلام في الجواز العقلي
واما الوقوع فالغالب على الظن ان القيامة ان قامت عن قرب
فلا تفتر الشريعة وان امتدت إلى خمس مائة سنة مثلا لأن
الدواعي متوفرة على نقلها في الحال فلا تضعف إلا على تدريج
ولو تطاول الزمن فالغالب فتوره إذ الهمم إلى التراجع مصيرة
ثم إذا فترت ارتفع التكليف وهي كالاحكام قبل ورود الشرائع
وزعم الاستاذ أبو اسحق انهم يكلفون الرجوع إلى محاسن
العقول وهذا لا يليق بمذهبنا فإنا لا نقول بتحسين العقل
وتقبيحه المقدمة الثانية في تقدير خلو واقعة عن حكم الله
مع بقاء الشريعة على نظامها وقد جوزه القاضي حتى كان يوجبه
وقال المآخذ محصورة والوقائع لا نهاية لها فلا تستوفيها
مسالك محصورة وهذا قد تكلمنا عليه في الاستدلال من كتاب
القياس
(1/596)
والمختار عندنا
احالة ذلك وقوعا في الشرع لا جوازا في العقل لعلمنا بأن
الصحابة على طول الاعصار ما انحجزوا عن واقعة ما اعتقدوا
خلوها عن حكم الله بل كانوا يهجمون عليها هجوم من لا يرى
لها حصرا رجعنا إلى المقصود فلا مبالاة بمذهب المخيرة لأن
حاصله اباحة وتردد بين الحل والحرمة والاباحة لا بد لها من
مستند ولا دليل في الشرع على هذه الاباحة نعم ان كان
يتلقاه من تصويب المجتهدين فهذا يلزمه في بدء الأمر ولهذا
ارتكبه المصوبة واما التخيير بينهما فهو اباحة وتكليف
الرجوع إلى الاغلظ أو تحكيم العقل في الاثقل تحكم ايضا لا
مستند له وربما يثقل عليه مالا يأمر الشرع به ويأمر بنقيضه
إذ الصلاة على
الحائض اثقل من تركها وكذا الصوم والمختار عندنا ان يتخذ
هذه واقعة جديدة فيراجعهما رسول فيقول بأيهما آخذ
(1/597)
وربما يومئآن
ولا به إلى احدها ويفرض لهم في ذلك مستندات فإن كان في
نجاسة فيستندون إلى أصل الطهارة أو إلى اصل الحقن والى
نكاح مستمر في الإبضاع ولسنا نضبط مستندهم ولكن فائدة ذلك
لا تخفى وان امره كل واحد باتباع عقده استفتى ثالثا إن
وجده أفضل منهما وان كان مثلهما وفيه تصوير المسألة وطابق
أحدهما فهل يقدم قول اثنين على قول واحد هذا ما بناه
اصحابنا على أن مذهب أكثر الصحابة هل يقدم على مذهب أقلهم
إذا رأيناه حجة والمختار أنه لا يبالي بالكثرة ولكنه
يراجعهم فيقول هل أقدم قول اثنين منكم على قول واحد فإن
رأوه فذاك وان تعارضت اقاويلهم فيه ايضا فهذا شخص خفي عليه
حكم الشريعة كمن هو في جزيرة ولم يبلغه خبر الدعوة فلا شئ
عليه فيه فإن قيل هلا تلقيتموه من خلو واقعة عن حكم الله
قلنا لانا لا تجوز وقوع ذلك في الشرع كما بيناه
(1/598)
فإن قيل فما
قولكم في الساقط من سطح على مصروع ان تحول عنه إلى غيره
قتله وان مكث عليه قتله فماذا يفعل وقد قضيتم بأن لا حكم
لله فيه قلنا حكم الله ان لا حكم فيه فهذا ايضا حكم وهو
نفي الحكم هذا ما قاله الامام رحمه الله فيه ولم أفهمه بعد
وقد كررته عليه مرارا ولو جاز ان يقال نفي الحكم حكم لجاز
ذلك قبل ورود الشرائع وبعد فتورها وعلى الجملة جعل نفي
الحكم حكما تناقض فإنه جمع بين النفي والاثبات ان كان لا
يعني به تخيير المكلف بين الفعل وتركه وان عناه فهو اباحة
محققة لا مستند له في الشرع
(1/599)
هذا تمام ما
أردناه من ذكر كتاب الفتوى وختمه بباب في بيان سبب تقديم
مذهب الشافعي رضي الله عنه على سائر المذاهب ولنا في اثبات
الغرض منه بعد التنبيه على مقدمتين ثلاث مسالك المقدمة
الاولى ان العوام والفقهاء وكل من لم يبلغ منصب المجتهدين
لا غنى بهم عن
(1/600)
تقليد امام
واتباع قدوة إذ تحكيم العقول القاصرة الذاهلة عن مآخذ
الشرع محال
(1/601)
[...]
(1/602)
[...]
(1/603)
[...]
(1/604)
[...]
(1/605)
وتخير اطيب
المذاهب وأسهل المطالب بالتقاط الاخف والاهون حدثنا من
مذهب كل ذي مذهب محال لأمرين أحدهما ان ذلك قريب من التمني
والتشهي وسيتسع ابن الخرق على الراقع فينسل قوله عن معظم
مضايق الشرع بآحاد التوسعات التي اتفقت الائمة في آحاد
القواعد عليها
(1/606)
والآخر ان
اتباع الافضل متحتم وإذا اعتقد تقدم واحد تعين عليه اتباعه
وترك ما عداه وتخير المذاهب يجر لا محالة إلى اتباع الفاضل
تارة والمفضول اخرى ولا مبالاة بقول من أثبت الخيرة في
الاحكام تلقيا من تصويب المجتهدين
على ما ذكرنا فساده المقدمة الثانية ان من وجب عليه تقليد
امام لم يتعين عليه تقليد واحد من الصحابة كأبي بكر وعمر
رضي الله عنهما بل لا يسوغ له ذلك إذ الوقائع شتى وهي
لكثرتها لا ضبط لها والمنقول عن هذه الائمة مذهبا وقائع
محصورة لا تفي بجميع الوقائع وذلك يحوج المقلد إلى اتباع
امام آخر فيقلد مجتهدا باحثا ناحلا لاصول الشريعة منبها
على فروعها واما الصحابة لم يكثر بحثهم ولم يطل في الفروع
نظرهم وليس هذا منا طعنا فيهم ولا تشبيبا بالطعن فإنهم
اشتغلوا بتقعيد له القواعد وضبط اركان الشريعة وتأسيس
كلياتها ولم يصوروا المسائل تقديرا ولم يبوبوا ذلك الابواب
تطويلا وتكثيرا ولكنهم كانوا يجيبون عن الوقائع مكتفين بها
(1/607)
ثم انقلبت
الامور إذ تكررت العصور وتقاصرت الهمم وتبدلت السير والشيم
فافتقر الائمة إلى تقدير المسائل وتصوير الوقائع قبل
وقوعها ليسهل على الطالبين اخذها عن قرب من غير معاناة تعب
هذه مقدمة الباب المسلك الاول من المسالك الموعودة في
تقديم مذهب الشافعي رضي الله عنه على مذهب سائر الناحلين
محمد من الائمة كأبي حنيفة ومالك ومن عداهم ان الشافعي رضي
الله عنه تأخر عنهم وتصرف في مذاهبهم بعد ان
نظموها ورتبوا صورها وهذبوها وأبو حنيفة نزف جمام ذهنه في
تصوير المسائل وتقعيد إلى المذاهب فكثر خبطه لذلك وكذلك
يقع ابتداء الامور ولذلك استكنف كان أبو يوسف ومحمد من
اتباعه في ثلثي مذهبه لما رأوا فيه من كثرة الخبط والتخليط
والتورط في المناقضات وصرف الشافعي رضي الله عنه ذهنه إلى
انتخاب المذاهب وتقديم الاظهر
(1/608)
فالاظهر وأقدم
عليه بقريحة وقادة وفطنة منقادة وعقل ثابت ورأي صائب بعد
الاستظهار بعلم الاصول والاستمداد من جملة اركان النظر في
المعقول والمنقول فيستبان على القطع انه ابعد عن الزلل
والخطأ ممن اشتغل بالتمهيد وتشوش الأمر عليه في روم
التأسيس التقعيد أبو وعلى الجملة إذا قدم مذهب ابي حنيفة
على مذهب ابي بكر رضي الله عنه لتأخره وشدة اعتنائه بالنخل
فاعتبار التأخير في نسبة الشافعي رضي الله عنه إلى ابي
حنيفة رحمه الله ومن قبله أبين وأوضح فان قيل فلو تبين
بعده ناحل فعينوا اتباعه إذ جعلتم للتأخير اثرا ظاهرا قلنا
هذا ما نعتقده ولا مداجاة في علم الاصول عند استثمار مسالك
العقول إلا انه بعد لم يتفق من يساويه في منصب الاجتهاد أو
يقرب منه فان قيل فما قولكم في ابن سريج ومن بعده كالقفال
وغيره من الائمة
(1/609)
قلنا هؤلاء
كثرة تصرفاتهم في مذهب الشافعي رضي الله عنه استنباطا
وتخريجا وقلت اختياراتهم ثم لم يستمدوا من علم الاصول وكان
الشافعي رضي الله عنه أعرف الخليقة به فلا يقدم مذهبهم على
مذهبه المسلك الثاني ان نقول انما يؤتى الناظر إذا فسد
نظره لأحد أمرين أما اختلال اصل من الاصول أو لاساءة أو
نظر في التفريغ ولا خلل في أصول مذهب الشافعي وقد كان أعرف
الناس بعلم الاصول وهو أول من صنف في هذا العلم وقد حافظ
على اصول الشريعة كلها فقبل الإجماع ولم يفعل كالنظام إذا
انكره وقبل الأخبار الآحاد ولم يفعل كالروافض إذ ردوها
وقبل القياس وخالف اصحاب الظواهر وهذه اصول مآخذ الشريعة
ثم أحسن نظره في ترتيب الادلة فقدم النصوص على المقاييس
وأخبار الآحاد عليها وقدم معظم
(1/610)
الظواهر التي
ظهر فيها مقصد العموم وسلك فيها نهجا مستقيما ومسلكا قويما
اعترف له كل اصولي بالسبق والفضل ثم أحسن نظره في الفرع
وتنبه لامرين عظيمين أحدهما تقديم القواعد الكلية على
الاقيسة الجزئية ولذلك أوجب
القتل بالمثقل خيفة انتهاضه ذريعة إلى اهدار الدماء في
نفيه ابطال قاعدة القصاص والثاني ان انحجز عن القياس في
مظان التعبدات وأثبت فنا من القياس وهو الحاق ما في معناه
له كالحاق الأمة بالعبد في حكم السراية وعليه بني تعيين
لفظة التكبير والمنع من العدول إلى ترجمة الفاتحة عند
العجز لبطلان خاصية الاعجاز ولم يفعل ذلك في التكبير عند
العجز إذ لا اعجاز فيه وعين لفظ التزويج والانكاح في
النكاح لكثرة التعبدات والحق بهما ترجمتهما لكل لسان لانها
كانت في معناهما وانضم إلى حسن نظره ذكاء فهمه ونقاء
قريحته وما خص به من فطنته التي لا تجحد ولا يتمارى فيها
حتى كان يحفظ القرآن في اسبوع والموطأ في ثلاث ليال وسرد
جامع محمد بن الحسن بين يدي هارون
(1/611)
الرشيد ولسنا
للاطناب في نظريته ولا للتنبيه على حسن مذهبه في آحاد
المسائل ولكنا اومأنا إلى الكليات ليستبان به بعده عن
الزلل فإن قيل ادعيتم انه اجرى القياس في مظانه فما باله
حسم القياس في ازالة النجاسة واخراج القيم في الزكوات وهي
من مظان المعقولات قلنا التفت في ازالة النجاسة على سير
الصحابة علما منه بأنهم قط على تفنن احوالهم ما استعملوا
مائعا في الازالة سوى الماء واستنادا منه إلى ان الماء
القليل إذا لاقى النجاسة نجس فهو خارج عن القياس من هذا
الوجه ومسلكه في مسألة الابدال ذكرناه في كتاب التأويل وهو
ما يرتضيه كل محصل
ولسنا للخوص) في آحاد المسائل فذاك من الفقه ولسنا ندعي
عصمة الشافعي ولكنا نرجح مذهبه لأنه أبعد عن الزلل من غيره
المسلك الثالث ان نستثمر عبد مذاهب الائمة لنتبين تقدم
الشافعي على القطع فأما مالك رحمه الله فقد استرسل على
المصالح استرسالا جره إلى قتل ثلث الأمة لاستصلاح ثلثيها
والى القتل في التعزير
(1/612)
والضرب بمجرد
التهم إلى غيره مما أومأنا إليه في أثناء الكتاب ورأى أيضا
تقديم عمل اهل المدينة على احاديث الرسول عليه السلام وقد
نبهنا عليه وأما أبو حنيفة رحمه الله فقد قلب الشريعة ظهرا
لبطن وشوش مسلكها وغير نظامها فإنا نعلم ان جملة ما ينطوي
عليه الشرع ينقسم إلى استحثاث على مكارم الاخلاق وزجر عن
الفواحش والكبائر واباحة تغني عن الجرائر وتعين على امتثال
الاوامر وهي بمجموعها تنقسم إلى تعبدات ومعاملات وعقوبات
فلينظر العاقل المنصف في مسلكه فيها
فأما العبادات فأركانها الصلاة والزكاة والصوم والحج ولا
يخفى فساد مذهبه في تفاصيل الصلاة والقول في تفاصيله يطول
وثمرة خبطه بين فيما عاد إليه اقل الصلاة عنده وإذا عرض
اقل صلاته على كل عامي جلف كاع وامتنع عن اتباعه
(1/613)
فإن من انغمس
في مستنقع نبيذ فخرج في جلد كلب مدبوغ ولم ينو ويحرم
بالصلاة مبدلا صيغة التكبير بترجمته تركيا أو هنديا ويقتصر
من قراءة القرآن على ترجمة قوله تعالى مدهامتان ثم يترك
الركوع وينقر نقرتين ولا قعود بينهما ولا يقرأ التشهد ثم
يحدث عمدا في آخر صلاته بدل التسليم ولو انفلتت منه بأنه
سبقه الحدث يعيد الوضوء في اثناء صلاته ويحدث بعده عمدا
فإنه لم يكن قاصدا في حدثه الاول تحلل عن صلاته على الصحة
والذي ينبغي ان يقطع به كل ذي دين ان مثل هذه الصلاة لا
يبعث الله لها نبيا وما بعث محمد بن عبد الله صلى الله
عليه وسلم لدعاء الناس إليها وهي قطب الإسلام وعماد الدين
وقد زعم ان هذا القدر أقل الواجب فهي الصلاة التي بعث لها
النبي وما عداها آداب وسنن وأما الصوم فقد استأصل ركنه حيث
رده إلى نصفه ولم يشترط تقدم النية عليه واما الزكاة فقد
قضي فيها بانها على التراخي فيجوز التأخير وان كانت الحاجة
ماسة وأعين المساكين ممتدة ثم قال لو مات قبل أدائها تسقط
بموته وكان قد جاز له التأخير
وهل هذا إلا ابطال غرض الشرع من مراعاة غرض المساكين
(1/614)
ثم عكس هذا في
الحج الذي لا ترتبط به حاجة مسلم وزعم انه على الفور فهذا
صنيعه في العبادات فأما العقوبات فقد أبطل مقاصدها وخرم
اصولها وقواعدها فإن ما رام الشرع عصمته الدماء والفروج
والاموال وقد هدم قاعدة القصاص بالقتل بالمثقل فمهد
التخنيق والتغريق والقتل بأنواع المثقلات ذريعة إلى درء
القصاص ثم زاد عليه حتى ناكر الحس والبديهة وقال لم يقصد
قتله وهو شبه عمد وليت شعري كيف يجد العاقل من نفسه ان
يعتقد مثل ذلك تقليدا لولا فرط الغباوة وشدة الخذلان واما
الفروج فإنه مهد ذرائع اسقاط الحد بها مثل الاجارة ونكاح
الامهات وزعم انها دارئة للحد ومن يبغي البغاء بمومسة عليه
كيف يعجز عن استئجارها ومن عذيرنا ممن يفعل ذلك ثم يدقق
نظره فيوجب الحد في مسألة شهود الزوايا زاعما أني تفطنت
لدقيقة وهي انزحافهم أبي في زينة واحدة على الزوايا ثم قال
لو شهد أربعة عدول عليه بالزنا وأقر مرة واحدة سقط الحد
عنه وأوجب الحد في الوطء بالشبهة إذا صادف أجنبية على
فراشه ظنها
(1/615)
حليلته القديمة
وأقل مراتب موجبات العقوبات ما تمحض تحريمها والذاهل
المخطئ لا يوصف فعله بالتحريم واما الاموال فإنه زعم ان
الغصب فيها مع أدنى تغيير مملك فليغصب (الحنطة وليطحنها ما
فيملكها وأخذ يتكابس لا فرقا بين غاصب المنديل يشقه طولا
أو عرضا ودرأ حد السرقة في الاموال الرطبة وفيما ينضم
إليها وان لم تكن رطبة حتى قال لو سرق اناء من ذهب وفيه
رطوبة نقطة من الماء فلا حد عليه ومن لم يشهد عليه جسه على
الضرورة ان الصحابة رضي الله عنهم لو رفعت إليهم هذه
الواقعة لكانوا لا يدرأون الحد بسبب قطرة من الماء تفرض في
الاناء فليأيس أن من حسه وعقله هذا صنيعه في العقوبات ثم
دقق نظره منعكسا على الاحتياط زاعما أنه لو شهد على السارق
بأنه سرق بقرة بيضاء وشهد آخر بأنه سرق بقرة سوداء قال
اقطع به لاحتمال ان البقرة كانت مبرقشة على اللون من سواء
وبياض في نصفيها فالناظر في محل البياض ظنها بيضاء بجملتها
ثم أردف جميع قواعد الشريعة بأصل هدم به شرع محمد صلى الله
عليه وسلم قطعا حيث
(1/616)
قال شهود الزور
إذا شهدوا كاذبين على نكاح زوجة الغير وقضى به القاضي
مخطئا حلت الزوجة للمشهود له وان كان عالما بالتزوير وحرمت
على الاول بينه وبين الله هذا ترتيب مذهبه وانما ذكرنا هذا
المسلك لان ما قبله من المسالك
يعسر على العوام دركها وهذا مما يفهم كل غر غبي وكل بالغ
وصبي فلولا شدة الغباوة وقلة الدراية وتدرب القلوب على
اتباع التقليد والمألوف لما اتبع مثل هذا المتصرف في الشرع
من سلم حسه فضلا من ان يستد نظره وعقله ومن هذا اشتد
المطعن والمغمز من سلف الأئمة فيه إذ اتهموه برومه خرم
الشرع وهو الذي ألحق به القاضي قوله في مسألة المثقل وقال
من زعم ان القاتل لم يتعمد القتل به وان لم يعلم نقيضه
فليس من العقلاء وان علمه فقد رام خرم الدين واما الشافعي
رضي الله عنه فقد رد عليه في هذه القواعد واحسن ترتيب
النظر في الاصول على وجه لا ينكره إلا معاند ولعل الناظر
في هذا الفصل يظننا نتعصب للشافعي متغيظين الله على ابي
حنيفة لتطويلنا قال النفس في تقرير هذا الفصل وهيهات فلسنا
فيه إلا منصفين ومقتصدين عن مقتصرين على اليسير من
(1/617)
الكثير وحق كل
متمار من فيه ان ينصف ويراجع عقله وينقض شوائب الألف
والتقليد عن قلبه ويستوفق في الله تعالى في نظره ويتأمل
هذه القواعد تأمل من يجوز الخطأ على ابي حنيفة نازلا عن
غلوائه في التعصب له ليتضح له على قرب ما ادعيناه ان استد
نظره ووقر الدين في صدره وعرف مذاق الشرع وصدره وما اعتنى
الشارع به في تفاصيل احواله هذا تمام القول في الكتاب وهو
تمام المنخول من تعليق الاصول بعد حذف الفضول وتحقيق كل
مسألة بماهية العقول مع الاقلاع عن التطويل والتزام ما فيه
شفاء الغليل والاقتصار على ما ذكره امام الحرمين رحمه الله
في
يستد نظره وعقله ومن هذا اشتد المطعن والمغمز من سلف
الأئمة فيه إذ اتهموه برومه خرم الشرع وهو الذي ألحق به
القاضي قوله في مسألة المثقل وقال من زعم ان القاتل لم
يتعمد القتل به وان لم يعلم نقيضه فليس من العقلاء وان
علمه فقد رام خرم الدين واما الشافعي رضي الله عنه فقد رد
عليه في هذه القواعد واحسن ترتيب النظر في الاصول على وجه
لا ينكره إلا معاند ولعل الناظر في هذا الفصل يظننا نتعصب
للشافعي متغيظين الله على ابي حنيفة لتطويلنا قال النفس في
تقرير هذا الفصل وهيهات فلسنا فيه إلا منصفين ومقتصدين عن
مقتصرين على اليسير من
(1/618)
الكثير وحق كل
متمار من فيه ان ينصف ويراجع عقله وينقض شوائب الألف
والتقليد عن قلبه ويستوفق في الله تعالى في نظره ويتأمل
هذه القواعد تأمل من يجوز الخطأ على ابي حنيفة نازلا عن
غلوائه في التعصب له ليتضح له على قرب ما ادعيناه ان استد
نظره ووقر الدين في صدره وعرف مذاق الشرع وصدره وما اعتنى
الشارع به في تفاصيل احواله هذا تمام القول في الكتاب وهو
تمام المنخول من تعليق الاصول بعد حذف الفضول وتحقيق كل
مسألة بماهية العقول مع الاقلاع عن التطويل والتزام ما فيه
شفاء الغليل والاقتصار على ما ذكره امام الحرمين رحمه الله
في تعاليقه من غير تبديل وتزييد في المعنى وتعليل سوى تكلف
في تهذيب كل كتاب بتقسيم فصول وتبويب ابواب روما لتسهيل
المطالعة عند مسيس الحاجة إلى المراجعة والله أعلم
بالصواب.
(1/618)
|