الموافقات ج / 3 ص -305-
النظر الثاني: في عوارض الأدلة
[فينحصر
القول فيه في خمسة فصول]1
الفصل الأول: في
الإحكام والتشابه
وله مسائل:
[المسألة الأولى]2
المحكم يطلق بإطلاقين: عام، وخاص، فأما الخاص؛ فالذي يراد
به خلاف المنسوخ، وهي عبارة علماء الناسخ والمنسوخ، سواء
علينا أكان ذلك الحكم ناسخا أم لا؛ فيقولون: هذه الآية
محكمة، وهذه الآية منسوخة، وأما العام؛ فالذي يعني به
البين الواضح الذي لا يفتقر في بيان معناه إلى غيره3؛
فالمتشابه بالإطلاق الأول هو المنسوخ، وبالإطلاق الثاني
الذي لا يتبين المراد به من لفظه، كان مما يدرك مثله
بالبحث والنظر أم لا، وعلى هذا الثاني مدارك كلام المفسرين
في بيان معنى قول الله تعالى:
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ
مُحْكَمَاتٌ [هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ]} [آل عمران: 7].
ويدخل تحت المتشابه والمحكم بالمعنى [الثاني]4 ما نبه عليه
الحديث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مكانه بياض في الأصل.
2 مكانه بياض في الأصل.
3 فهو كالمفسر في أحد استعماليه عند الأصوليين. انظر:
"الحدود" "ص46، 47"، للباجي، و"تفسير القرطبي" "4/ 11"،
و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "3/ 59-63 و13/ 143، 274، 275
و17/ 307 وما بعدها".
4 ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
ج / 3 ص -306-
من قول
النبي صلى الله عليه وسلم:
"الحلال بين،
والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات"1؛
فالبين هو المحكم، وإن كانت وجوه التشابه تختلف2 بحسب
الآية والحديث؛ فالمعنى واحد لأن ذلك راجع إلى فهم3
المخاطب، وإذا تؤمل هذا الإطلاق وجد المنسوخ والمجمل
والظاهر والعام والمطلق قبل معرفة مبيناتها داخلة تحت معنى
المتشابه، كما أن الناسخ وما ثبت حكمه والمبين والمؤول
والمخصص والمقيد داخلة4 تحت معنى المحكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الإيمان، باب فضل من
استبرأ لدينه، 1/ 126/ رقم 52، وكتاب البيوع، باب الحلال
بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات، 4/ 290/ رقم 2051"،
ومسلم في "الصحيح" "كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك
الشبهات، 3/ 1219-1220/ رقم 1599" عن النعمان بن بشير رضي
الله عنه.
2 سيأتي أن الآية في التشابه الحقيقي صراحة، وظاهر أن
الحديث في التشابه الإضافي، وقد يندرج فيه أيضا التشابه
الواقع في المناط. "د".
3 أي: فكل منهما لا يتبين المراد به من لفظه عند المخاطب.
"د".
4 أي: بعد معرفة أنه الناسخ... إلخ، فإنه صار واضحا لا
يفتقر في بيان معناه إلى غيره. "د".
ج / 3 ص -307-
المسألة الثانية1:
التشابه قد علم أنه واقع في الشرعيات، لكن النظر في مقدار
الواقع منه: [هل هو]2 قليل أم كثير؟ والثابت من ذلك القلة
لا الكثرة؛ لأمور:
أحدها:
النص الصريح، وذلك قوله تعالى:
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ
مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]؛ فقوله في المحكمات:
{هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} يدل أنها المعظم والجمهور، وأم الشيء معظمه وعامه، كما قالوا: "أم
الطريق" بمعنى معظمه، و"أم الدماغ" بمعنى الجلدة الحاوية
له الجامعة لأجزائه ونواحيه، و"الأم" أيضا الأصل، ولذلك
قيل لمكة: "أم القرى"؛ لأن الأرض دُحيت من تحتها، والمعنى
يرجع3 إلى الأول، فإذا كان كذلك؛ فقوله تعالى:
{وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}
[آل عمران: 7] إنما يراد بها القليل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لهذه المسألة والتي تليها فوائد كثيرة؛ فالغاية منها
اطمئنان القلب بالقرآن، وحينئذ تسد أبواب الاحتمالات
الباطلة المتناقضة حوله؛ فللمفسر أن يرد الكلام إلى أصله
الأول، ويبين حكمه صرفه عن الأصل، وعليه أن يعلم الأصول
الراسخة ولا يعول على غيرها، ويذكرها بقدر الحاجة، وكذلك
ربما يكون التأويل الواضح الصحيح خفيا بعيدا عن الناس؛ إما
لتمكن خطأ منهم، أو لعدم علمهم ببعض ما يتوقف عليه
التأويل؛ فيضطر المفسر إلى دفع هذه الأمور وهو كاره، فإنه
يشمئز عن ذكر الحماقات، ولكنه إن تركها لم يحسم جراثيم
الباطل! مع أن ذلك متعب ومضيع للوقت؛ فإن أبواب الجهل
والكذب لا تحصى.
2 ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
3 لا يظهر رجوعه للأول الذي هو المعظم؛ لأن المعنى الثاني
يرجع إلى أنه المنشأ الذي تفرع عليه غيره كما يؤخذ من
التمثيل بأم القرى، وتعليلها بأن الأرض دحيت من تحتها، ولا
يخفى أن الفرع قد يكون أكثر من الأصل، ولو قال: "والأم
أيضا الأصل والعماد" كما في "القاموس"؛ لظهر رجوعه للأول،
فإن الذي عليه المعتمد والمعول هو معظم الشيء وجمهوره،
والنادر لا حكم له. "د".
ج / 3 ص -308-
والثاني:
أن المتشابه لو كان كثيرا لكان الالتباس والإشكال كثيرا،
وعند ذلك لا يطلق على القرآن أنه بيان وهدى؛ كقوله تعالى:
{هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 138].
وقوله تعالى:
{هُدًى لِلْمُتَّقِين}
[البقرة: 2].
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ1 لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
وإنما نزل القرآن ليرفع الاختلاف الواقع بين الناس،
والمشكل الملتبس إنما هو إشكال2 وحيرة لا بيان وهدى، لكن
الشريعة إنما هي بيان وهدى؛ فدل على أنه ليس بكثير، ولولا
أن الدليل أثبت أن فيه متشابها؛ لم يصح القول به، لكن ما
جاء فيه من ذلك فلم يتعلق3 بالمكلفين حكم من جهته زائد على
الإيمان به وإقراره كما جاء، وهذا واضح.
والثالث:
الاستقراء؛ فإن المجتهد إذا نظر في أدلة الشريعة جرت له
على قانون النظر، واتسقت أحكامها، وانتظمت أطرافها على وجه
واحد؛ كما قال تعالى:
{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ
خَبِيرٍ} [هود:
1].
وقال تعالى: {تِلْكَ
آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ}
[يونس: 1].
وقال تعالى:
{اللَّهُ
نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا}
[الزمر: 23]، يعني: يشبه بضعه بعضا، ويصدق أوله آخره وآخره أوله،
أعني: أوله وآخره في النزول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يقتضي الاستدلال أن معنى "لتبين"؛ أي: به، فيكون بينا،
ويؤكد أن غرضه ذلك سابق الكلام ولاحقه، وهو خلاف ما فسرت
به الآية من أنه بيان السنة للقرآن. "د".
2 في "ف": "إشكالا"، قال: "المناسب إنما هو إشكال وخيرة لا
بيان وهدى، أو إنما هو ورد إشكالا... إلخ".
3 لعله: "لم يتعلق"، والجملة خبر، والمبتدأ قبله. "ف".
ج / 3 ص -309-
فإن
قيل: كيف يكون المتشابه قليلا؟ وهو كثير جدا على الوجه
الذي فسر به آنفا؛ فإنه قد دخل فيه من المنسوخ والمجمل
والعام والمطلق والمؤول1 كثير، وكل نوع من هذه الأنواع
يحتوي على تفاصيل كثيرة، ويكفيك من ذلك الخبر المنقول عن
ابن عباس حيث قال: "لا عام إلا مخصص؛ إلا قوله تعالى:
{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}
[البقرة: 282]"2.
وإذا نظر المتأمل إلى أدلة الشرع على التفصيل مع قواعدها
الكلية ألفيت لا تجري على معهود الاطراد؛ فالواجبات من
الضروريات أوجبت على حكم الإطلاق والعموم في الظاهر، ثم
جاءت الحاجيات والتكميليات والتحسينيات فقيدتها على وجوه
شتى وأنحاء لا تنحصر، وهكذا سائر ما ذكر مع العام.
ثم إنك لا تجد المسائل المتفق عليها من الشريعة بالنسبة
إلى ما اختلف فيه إلا القليل، ومعلوم أن المتفق عليه واضح،
وأن المختلف فيه غير واضح؛ لأن مثار الاختلاف إنما هو
التشابه يقع في مناطه، وإلى هذا؛ فإن الشريعة مبناها في
التكليف على الأمر والنهي، وقد اختلف فيه أولا في معناه3،
ثم في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: قبل معرفة ما يقتضي تأويله، وإلا؛ فبعدها يكون
محكما. "د".
وقال "ف": "سبق إدخاله في المحكم؛ فتأمل".
2 لم أظفر به، وهو من كلام الأصوليين، وليس بمسلم لهم؛ كما
تراه في "إجابة السائل" "ص309 وما بعدها"، بل قال عنه ابن
تيمية في "مجموع الفتاوى" "6/ 442": "من أكذب الكلام
وأفسده"، وفي "6/ 444": "في غاية الجهل، وإما في غاية
التقصير في العبارة"، ولذا شكك المصنف في ثبوت هذا الأثر
عن ابن عباس، انظر "ص312، 4/ 48".
3 أي: هل هو اقتضاء فعل غير كف على جهة الاستعلاء، أم هو
القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به؟ وقوله: "في
صيغته"؛ أي: هل له صيغة تخصه أم لا؟ وقوله: "فيما تقتضيه"؛
أي: الوجوب، أم الندب، أم الأمر المشترك، وهل تقتضي
التكرار أم لا تقتضيه، وهل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن
ضده، والنهي عنه يقتضي الأمر بضده أم لا؟ "د".
ج / 3 ص -310-
صيغته،
ثم إذا تعينت له صيغة "افعل" أو "لا تفعل" فاختلف في ماذا
تقتضيه على أقوال مختلفة؛ فكل ما ينبني على هذا الأصل من
فرع متفق عليه أو مختلف فيه مختلف1 فيه أيضا، إلا أن يثبت
فيه تعينه2 إلى جهة بإجماع، وما أعز ذلك؟
وأيضا؛ فإن الأدلة التي يتلقى معناها من الألفاظ لا تتخلص
إلا أن تسلم [من]3 القوادح العشرة المذكورة في أول الكتاب،
وذلك عسير جدا، وأما الإجماع؛ فمتنازع فيه أولا، ثم إذا
ثبت؛ ففي ثبوت كونه حجة باتفاق شروط4 كثيرة جدا، إذا تخلف
منها شرط لم يكن حجة أو اختلف فيه، ثم إن العموم مختلف فيه
ابتداء؛ هل له صيغة5 موجودة أم لا؟ وإذا قلنا بوجودها؛ فلا
يعمل منها ما يعمل إلا بشروط تشترط، وأوصاف تعتبر، وإلا؛
لم يعتبر، أو اختلف في اعتباره، وكذلك المطلق مع مقيده،
وأيضا، فإذا كان معظم الأدلة غير نصوص بل محتملة للتأويل؛
لم يستقر منها للناظر دليل يسلم بإطلاق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: حقيقة أو حكما، حيث بنى على مختلف فيه. "د".
قلت: في الأصل: "مختلفا".
2 كذا في "ط"، وفي غيره: "إلى أن يثبت تعيينه".
3 ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
4 فاشترط بعضهم فيه انقراض العصر، وبعضهم أن يكون المجمعون
عدد التواتر، وهل لا بد له من مستند أم لا، وهل يجوز أن
يكون مستنده القياس أم لا؟ وهكذا. "د".
قلت: انظر ذلك في مبحث الإجماع في كتب الأصول، منها:
"المحصول" "4/ 17 وما بعدها"، و"البحر المحيط" "4/ 511 وما
بعدها" للزركشي، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "7/ 38-39، 19/
167-168"، و"المسودة في أصول الفقه" "ص316، 320 وما
بعدها"، و"روضة الناظر" "2/ 450- ط الرشد"، و"المستصفى"
"1/ 182"، و"الإحكام" "1/ 226" للآمدي، و"شرح تنقيح
الفصول" "241".
5 أي: هل الألفاظ والصيغ التي قيل إنها للعموم؛ كمن،
والذي، والنكرة في سياق النفي، وهكذا؛ هل هي موضوعة
للعموم، أم هي للخصوص، أم نقول بالوقف؟
ج / 3 ص -311-
ثم
أخبار الآحاد هي عمدة الشريعة، وهي أكثر الأدلة، ويتطرق
إليها من جهة الأسانيد ضعف؛ حتى إنها مختلف في كونها حجة
أم لا، وإذا كانت حجة؛ فلها شروط أيضا إن اختلت لم تعمل أو
اختلف في إعمالها، ومن جملة ما يقتنص1 منه الأحكام
"المفهوم"، وكله مختلف فيه؛ فلا مسألة تتفرع عنه متفقا2
عليه.
ثم إذا رجعنا إلى القياس أتى الوادي بطمه3 على القرى بسبب
اختلافهم فيه أولا، ثم في أصنافه، ثم في مسالك علله، ثم في
شروط صحته، ولا بد مع ذلك أن يسلم عن4 خمسة وعشرين
اعتراضا، وما أبعد هذا من التخلص حتى يصير مقتضاه حكما
ظاهرا جليا.
وأيضا؛ فإن كل استدلال شرعي مبني على مقدمتين:
إحداهما شرعية، وفيها من النظر ما فيها.
ومقدمة نظرية تتعلق بتحقيق المناط، وليس كل مناط معلوما
بالضرورة، وبل الغالب أنه نظري؛ فقد صار غالب أدلة الشرع
نظرية، وقد زعم ابن الجويني أن المسائل النظرية العقلية لا
يمكن الاتفاق فيها عادة، وهو رأي القاضي أيضا، والنظرية
غير العقلية المحضة أولى أن لا يقع الاتفاق فيها؛ فهذا كله
مما يبين لك أن المتشابهات في الشريعة كثيرة جدا، بخلاف ما
تقدم الاستدلال عليه.
فالجواب أن هذا كله5 لا دليل فيه، أما المتشابه بحسب
التفسير المذكور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف "ط": "يقتص".
2 كذا في "ط"، وفي غيره: "منه متفق".
3 يقال: طم السيل القرى؛ علاها وغلب عليها. "ف".
4 في "د": "من".
5 الوجوه التي ذكرها ترجع إلى وجهين فقط، فصل ثانيهما
بثمانية مسالك للاختلاف، وقوله: "بحسب التفسير المذكور"؛
أي: وهو الذي لا يتبين معناه من لفظه، بل يحتاج إلى غيره،
يعني: وأما على ما سيأتي في المسألة الثالثة في معنى
المتشابه الحقيقي؛ فلا تدخل تلك الأنواع، وهذا الجواب خاص
بالوجه الأول من وجهي الإشكال، وسيأتي جواب الثاني في
المسألة التالية حيث يقول: "وأما مسائل الخلاف وإن كثرت...
إلخ". "د".
ج / 3 ص -312-
وإن
دخل فيه تلك الأنواع كلها التي مدار الأدلة عليها؛ فلا
تشابه فيها بحسب الواقع إذ هي قد فسرت، فالعموم1 المراد به
الخصوص قد نصب الدليل على تخصيصه، وبين المراد به، وعلى
ذلك يدل قول ابن عباس: "لا عام إلا مخصص"2؛ فأي تشابه فيه
وقد حصل بيانه؟ ومثله سائر الأنواع، وإنما يكون متشابها
عند عدم بيانه، والبرهان قائم على البيان وأن الدين قد كمل
قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك لا يقتصر ذو
الاجتهاد على التمسك بالعام مثلا حتى يبحث عن مخصصه، وعلى
المطلق حتى ينظر هل له مقيد أم لا؛ إذ كان حقيقة البيان3
مع الجمع بينهما؛ فالعام مع خاصه هو الدليل، فإن فقد
الخاص؛ صار العام مع إرادة4 الخصوص فيه من قبيل المتشابه،
وصار ارتفاعه5 زيغا وانحرافا عن الصواب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في "ط"، وفي غيره: "بالعموم".
2 في صحته عن ابن عباس نظر، ولم أظفر به مسندا عنه، وانظر
ما علقناه على "ص309".
3 الأنسب حذف كلمة مع "ف".
4 أي: وهذا غير موجود في الشريعة؛ فلا عام أريد به الخصوص
وفقد فيه مخصصه، بل لا بد من قيام دليل الخصوص. "د".
5 أي: إهمال المخصص وعدم الأخذ به مع وجوده في الشريعة؛
لأن الدليل الشرعي هو مجموع العام ومخصصه؛ فالأخذ بالعام
وحده زيغ. "د".
قلت: قال المصنف في "الاعتصام" "1/ 245-246": "من اتباع
المتشابهات الأخذ بالمطلقات قبل النظر في مقيداتها،
وبالعمومات من غير تأمل: هل لها مخصصات أم لا؟ وكذلك
العكس، بأن يكون النص مقيدا فيطلق، أو خاصا فيعم بالرأي من
غير دليل سواه؛ فإن هذا المسلك رمي في عماية، واتباع للهوى
في الدليل، وذلك أن المطلق المنصوص على تقييده مشتبه إذا
لم يقيد، فإذا قيد؛ صار واضحا".
ج / 3 ص -313-
ولأجل
ذلك عدت المعتزلة من أهل الزيغ؛ حيث اتبعوا نحو قوله
تعالى:
{اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} [فصلت: 40].
وقوله:
{فَمَنْ
شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}
[الكهف: 29].
وتركوا مبينه وهو1 [قوله:
{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: 29]، واتبع الخوارج نحو قوله تعالى:
{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّه} [يوسف: 40]، وتركوا مبينه وهو] قوله:
{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا} [المائدة: 95].
وقوله:
{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ
أَهْلِهَا} [النساء: 35].
واتبع الجبرية نحو قوله:
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}
[الصافات: 96],
وتركوا بيانه وهو قوله:
{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
[التوبة: 82 و95] وما أشبهه.
وهكذا سائر من اتبع هذه الأطراف من غير نظر فيما وراءها،
ولو جمعوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 غير مفهوم أن تكون الآيتان في التحكيم بيانا لآيتي نسبة
الفعل للخلق مربوطا بمشيئتهم، وفي "الاعتصام [1/ 303 - ط
ابن عفان] في نفس هذا الموضوع أن الآيتين في التحكيم يردان
على الخوارج في إنكارهم التحكيم على علي رضي الله عنه،
استدلالا منهم بآية:
{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّه}،
أما آيتا نسبة الفعل؛ ففي تهذيب الكلام أن مما يرد على
المعتزلة في ذلك آية: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، وعليه؛ فيتعين أن يكون قد سقط من الكلام.
1- الآية التي بينت آيتي نسبة الفعل. و2- رأي الخوارج، و3-
استدلالهم بآية
{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّه}.
فتكون آيتا التحكيم المذكورتان في الكتاب مبينتين لما في
هذه الآية الأخيرة، وسيأتي في المسألة الثامنة من الطرف
الثاني من الأدلة ما يؤيد ما كتبناه هنا، وسيأتي أيضا في
المسألة الثالثة من فصل الأحكام والنسخ ما لو انضم إلى هذا
عين الجمل الساقطة هنا، وانظر قوله في المسألة بعد هذه:
"ومن أمثلة هذا القسم ما تقدم آنفا للمعتزلة الخوارج
وغيرهم"، مع أن النسخة هنا ليس فيها ذكر الخوارج. "د".
قلت: وانفردت "ط" بذكرهم، وما بين المعقوفتين منها فقط.
ج / 3 ص -314-
بين
ذلك ووصلوا ما أمر الله به أن يوصل؛ لوصلوا إلى المقصود،
فإذا ثبت هذا؛ فالبيان مقترن بالمبين، فإذا أخذ المبين من
غير بيان؛ صار متشابها وليس بمتشابه في نفسه شرعا، بل
الزائغون أدخلوا فيه التشابه على أنفسهم؛ فضلوا عن الصراط
المستقيم، وبيان هذا المعنى يتقرر بفرض قاعدة، وهي:
ج / 3 ص -315-
المسألة الثالثة:
وهي أن
المتشابه الواقع في الشريعة على ضربين1:
أحدهما حقيقي.
والآخر إضافي.
وهذا فيما يختص بها نفسها، وثم ضرب آخر راجع إلى المناط
الذي تتنزل2 عليه الأحكام.
فالأول هو المراد بالآية، ومعناه راجع إلى أنه لم يجعل لنا
سبيل إلى فهم معناه، ولا نصب لنا دليل على المراد منه،
فإذا نظر المجتهد في أصول الشريعة وتقصاها وجمع أطرافها؛
لم يجد فيها ما يُحكم له معناه، ولا ما يدل على مقصوده
ومغزاه، ولا شك في أنه قليل لا كثير، وعلى ذلك دلت الأدلة
السابقة في أول المسألة، ولا يكون إلا فيما لا يتعلق به
تكليف سوى مجرد الإيمان به، وهذا مذكور في فصل البيان
والإجمال، وفي نحو من هذا نزلت آية آل عمران:
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ
مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل
عمران: 7]، حين قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه
وسلم3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في هذا: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "13/ 143-147 و17/
307-308، 372-373، 380، 418-426"، و"الاعتصام" "1/ 221"،
و"إيثار الحق" "ص93-101"، و"الفقيه والمتفقه" "1/ 62-63"،
و"التكميل في أصول التأويل" للفراهي "ص23-29"، و"التيسير
في قواعد علم التفسير" "ص195 وما بعدها" للكافيجي.
2 في "ط": "تنزل".
3 أخرجه ابن جرير في "التفسير" "3/ 177" بإسناد ضعيف،
وضعفه ابن حجر في "الفتح" "8/ 210"؛ إذ ذكر قولا آخر في
سبب نزولها ورجحه.
وأورد الزمخشري في "الكشاف" نحوه، وقال الزيلعي في
"تخريجه" "1/ 369": "عزاه الواحدي في "أسباب النزول"
للكلبي". وانظر ما مضى "ص211".
وانظر الثابت عنه -صلى الله عليه وسلم- في وفد نجران في
"تاريخ المدينة" لابن شبة "2/ 580 وما بعدها". وما بين
المعقوفتين سقط من "ط".
ج / 3 ص -316-
قال
ابن إسحاق1 بعد ما ذكر منهم جملة ووصف من شأنهم، وهم من
النصرانية على دين الملك مع اختلاف من أمرهم -يريد في شأن
عيسى-: "يقولون: هو الله؛ لأنه كان يحيي الموتى، ويبرئ
الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم
ينفخ فيه فيكون طيرا، ويقولون: هو ولد الله؛ لأنه لم يكن
له أب يعلم، وقد تكلم في المهد بشيء لم يصنعه ولد2 آدم
قبله، ويقولون: هو ثالث ثلاثة؛ لقول الله فعلنا، وأمرنا،
وخلقنا، وقضينا، ولو3 كان واحدا؛ لما قال إلا فعلتُ وقضيتُ
وأمرتُ وخلقتُ، ولكنه هو وعيسى ومريم".
قال: "ففي كل ذلك من أمرهم4 قد نزل القرآن، يعني صدر سورة
آل عمران إلى قوله:
{فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]؛ ففي الحكاية مما نحن فيه أنهم5 ما قدروا الله حق
قدره إذ قاسوه بالعبيد؛ فنسبوا له الصاحبة والولد، وأثبتوا
للمخلوق ما لا يصلح إلا للخالق، ونفوا عن الخالق القدرة
على خلق إنسان من غير أب، وكان الواجب عليهم الإيمان بآيات
الله وتنزيهه عما لا يليق به فيم يفعلوا، بل حكموا على
الأمور الإلهية بمقتضى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "سيرته" "2/ 164 - مع "سيرة ابن هشام - ط دار الخير".
2 في "سيرة ابن هشام": "... يصنعه أحد من ولد...".
3 في "ط": "فيقولون: لو...".
4 في "سيرة ابن هشام": "من قولهم".
5 أي: فليس الفرض أن ما تكلموا فيه من المتشابه؛ لأن
المباحث المذكورة عنهم في عيسى، إنما هي من المحكم في
آياتها التي وردت فيها؛ لا يوجد فيها اشتباه، ولكن في
الموضوع اتباع أهوائهم مبررين لها بهذه الخيالات الفاسدة،
وهي أشبه بما يصنعه الذين يتبعون أهواءهم في تفسير الآيات
المتشابهة، ولذلك قال: "وفي نحو من هذا نزلت آية... إلخ"،
ولم يقل: وفيه نزلت. "د".
ج / 3 ص -317-
آرائهم، فزاغوا عن الصراط المستقيم.
والثاني: وهو الإضافي ليس بداخل في صريح الآية، وإن كان في
المعنى داخلا فيه لأنه لم يصر متشابها من حيث وضع في
الشريعة1 من جهة أنه قد حصل بيانه في نفس الأمر، ولكن
الناظر قصر في الاجتهاد أو زاغ عن طريق البيان اتباعا
للهوى؛ فلا يصح أن ينسب الاشتباه إلى الأدلة2، وإنما ينسب
إلى الناظرين التقصير أو الجهل بمواقع الأدلة؛ فيطلق عليهم
أنهم متبعون للمتشابه لأنه إذا كانوا على ذلك مع حصول
البيان؛ فما ظنك بهم مع عدمه؟ فلهذا قيل إنهم داخلون
بالمعنى في حكم الآية.
ومن أمثلة هذا القسم ما تقدم آنفا للمعتزلة والخوارج
وغيرهم، ومثله ما خرجه مسلم عن سفيان؛ قال: "سمعت رجلا
يسأل جابر بن يزيد الجعفي عن قوله: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ
اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يوسف: 80]؛ فقال جابر: لم يجئ تأويل هذه الآية. قال سفيان: وكذب.
قال الحميدي: فقلنا لسفيان: ما أراد بهذا؟ فقال: إن
الرافضة تقول: إن عليا في السحاب؛ فلا يخرج -يعني مع من
خرج من ولده- حتى ينادي منادٍ من السماء -يريد3 عليًا أنه
ينادي-: اخرجوا مع فلان! يقول جابر: فذا تأويل هذه الآية،
وكذب، كانت في إخوة يوسف"4.
فهذه الآية أمرها واضح، ومعناه ظاهر يدل عليه ما قبل الآية
وما بعدها، كما دل الخاص على معنى العام، ودل المقيد على
معنى المطلق، فلما قطع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "ط": "الشرع".
2 وإن كان الاشتباه حصل فيها بأحد هذين السببين، بخلاف
القسم الثالث؛ فالدليل فيه مفهوم لا أثر للاشتباه فيه،
وإنما الاشتباه في التطبيق. "د".
3 في الأصول كلها و"ط": "تريد"، وما أثبتناه من مصدر
تخريجه.
4 أخرجه مسلم في "مقدمة صحيحه" "1/ 20-21".
ج / 3 ص -318-
جابر
الآية عما قبلها ما بعدها، كما قطع غيره الخاص عن العام
والمقيد عن المطلق؛ صار الموضع بالنسبة إليه من المتشابه؛
فكان من حقه التوقف، لكنه اتبع فيه هواه فزاغ عن معنى
الآية.
وأما الثالث؛ فالتشابه فيه ليس بعائد على الأدلة، وإنما هو
عائد على مناط الأدلة؛ فالنهي عن أكل الميتة واضح، والإذن
في أكل الذكية كذلك، فإذا اختلطت الميتة بالذكية؛ حصل
الاشتباه في المأكول لا في الدليل على تحليله أو تحريمه،
لكن جاء الدليل المقتضي لحكمه في اشتباهه، وهو الاتقاء حتى
يتبين الأمر، وهو أيضا واضح لا تشابه فيه، وهكذا سائر ما
دخل في هذا النوع، مما يكون محل الاشتباه فيه المناط لا
نفس الدليل؛ فلا مدخل له في المسألة1.
فصل
فإذا ثبت هذا؛ فلنرجع إلى الجواب عن باقي2 السؤال،
فنقول:
قد ظهر مما تقدم أن التشابه باعتبار وقوع الأدلة مع ما
يعارضها كالعام والخاص وما ذكر معه قليل، وأن ما عد منه
غير معدود منه، وإنما يعد منه التشابه الحقيقي خاصة.
وأما مسائل الخلاف وإن كثرت؛ فليست من المتشابهات بإطلاق،
بل فيها ما هو منها وهو نادر؛ كالخلاف الواقع فيما أمسك
عنه السلف الصالح فلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسختي "ف" و"م" زيادة: "أ. هـ"! ولم يسبق أن المصنف
أشار إلى نقل حتى تثبت إشارة الانتهاء، وفي "ط": "مقتضي
حكمه في اشتباهه...".
2 وهو الخاص بمسائل الخلاف، وقوله: "ظهر مما تقدم" هذا
كتمهيد لربط أطراف المقام بعضها ببعض، وكفذلكته على الجواب
عن الشق الأول من السؤال لإحضار المقام كله لدى السامع.
"د".
ج / 3 ص -319-
يتكلموا فيه بغير التسليم له والإيمان بغيبه المحجوب أمره
عن العباد؛ كمسائل الاستواء، والنزول، والضحك، واليد،
والقدم، والوجه، وأشباه ذلك.
وحين سلك الأولون فيها مسلك التسليم وترك الخوض في
معانيها1؛ دل على أن ذلك هو الحكم عندهم فيها، وهو ظاهر
القرآن؛ لأن الكلام فيما لا يحاط به جهل، ولا تكليف يتعلق
بمعناها، وما سواها من مسائل الخلاف ليس من أجل تشابه
أدلتها؛ فإن البرهان قد دل على خلاف ذلك، بل من جهة نظر
المجتهد في مخارجها2 ومناطاتها، والمجتهد لا تجب إصابته
لما في نفس الأمر3، بل عليه الاجتهاد بمقدار وسعه،
والأنظار تختلف باختلاف القرائح والتبحر في علم الشريعة؛
فلكل مأخذ يجري عليه، وطريق يسلكه بحسبه لا بحسب4 ما في
نفس الأمر؛ فخرج المنصوص5 من الأدلة عن أن يكون متشابها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بل أثبتوا معانيها، وتركوا الخوض في كيفياتها، وانظر
لزاما: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "3/ 54-59 و6/ 35 و16/
390-401"، و"الرسالة التدمرية" "2/ 144 وما بعدها - مع
التحفة المهدية"، و"اجتماع الجيوش الإسلامية" "ص77"،
وكتابنا "الردود والتعقبات" "ص67 وما بعدها".
نعم، من أطلق التشابه عليها مريدا بذلك حقائقها وكيفياتها؛
فهذا قد يسوغ لأن ذلك لا يعلمه إلا الله، انظر: "منهج
ودراسات لآيات الصفات" "ص23، 24" للشنقيطي، وتعليقنا
المتقدم "2/ 195، 257"، والآتي على "ص323-326".
2 أي: فيما يخرج عليه الدليل ويحمل عليه معناه؛ فعطف
المناطات عليه مغاير ليصح قوله: "وإنما قصاراه... إلخ"،
ويكون قوله: "إلى التشابه الإضافي وهو الثاني" راجعا إلى
قوله مخارجها، وقوله: "أو إلى التشابه الثالث" راجعا إلى
قوله ومناطاتها. "د".
3 أي: إن قلنا: إن لله حكما في نفس الأمر في كل مسألة، وهو
رأي المخطئة، فإن قلنا: إن حكم الله في كل مسالة هو ما وصل
إليه المجتهد بعد بذل وسعه؛ فيكون الأمر أظهر. "د".
4 في الأصل: "لا في حسب".
5 قد يفهم من التقييد أن هذا الجواب إنما يفيد في أدلة
الكتاب والسنة وقد يلحق بهما الإجماع الناشئ عنهما، أما
القياس وما ينشأ عنه من إجماع؛ فلا يخرج عن التشابه، وربما
أيد ذلك قوله فيما سبق: "ثم إذا رجعنا إلى القياس أتى
الوادي بطمه على القرى... إلخ"، ولكنا لا نأخذ بهذا الفهم؛
لأنه مهما كانت إشكالات القياس لا تزيد عن أن تصير إلى
التشابه الإضافي أو الضر الثالث كغيره من الأدلة الشرعية.
"د".
ج / 3 ص -320-
بهذا
الاعتبار، وإنما قصاراه أن يصير إلى التشابه الإضافي وهو
الثاني، أو إلى التشابه الثالث.
ويدل على ذلك أنك تأخذ كل عالم في نفسه وما حصل له من علم
الشريعة؛ فلا تجد عنده من الأدلة المتشابهة والنصوص
المجملة إلا النادر القليل1 لأنه أخذ الشريعة مأخذا اطردت
له فيه، واستمرت أدلتها على استقامة، ولو كان وقوع الخلاف
في المسائل يستلزم تشابه أدلتها؛ لتشابهت على أكثر الناس،
ولم يتخلص منها بالبيان إلا القليل، والأمر على ضد ذلك،
وما من مجتهد إلا وهو مقر بوضوح أدلة الشرع وإن وقع الخلاف
في مسائلها، ومعترف بأن قوله تعالى:
{مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ}
[آل عمران: 7] على ظاهره من غير شك فيه؛ فيستقرئ من هذا
إجماع على أن المتشابه في الشريعة قليل؛ وإن اعترفوا بكثرة
الخلاف.
وأيضا؛ فإن كل خلاف واقع لا يستمر أن يعد في الخلاف، أما
أولا فلما تقدم من أن الفرق الخارجة عن السنة حين لم تجمع2
بين أطراف الأدلة تشابهت عليها المآخذ فضلت، وما ضلت إلا
وهي غير معتبرة القول فيما ضلت فيه؛ فخلافها لا يعد خلاف،
وهكذا ما جرى مجراها في الخروج عن الجادة، وإلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فهذا النوع من المتشابه نسبي؛ فقد يتشابه عند هذا ما لا
يتشابه عند غيره، كما أن الملائكة يعلمون من أخبار الغيب
ما يكون متشابها عند بني آدم، أفاده ابن تيمية في "مجموع
الفتاوى" "17/ 380".
2 في "ط": "تجتمع".
ج / 3 ص -321-
ذلك؛
فإن من الخلاف ما هو راجع في المعنى إلى الوفاق، وهذا
مذكور1 في كتاب الاجتهاد؛ فيسقط2 بسببه كثير مما يعد في
الخلاف، وإذا روجع ما هنالك تبين منه هذا المقصد، ووجه
آخر، وهو أن كثيرا مما ليس بمحتاج إليه في علم3 الشريعة قد
أدخل4 فيها وصار من مسائلها، ولو فرض رفعه من الوجود رأسا؛
لما اختل مما يحتاج إليه في الشريعة شيء بدليل ما كان عليه
السلف الصالح في فهمها -دع العرب المحفوظة اللسان كالصحابة
ومن يليهم من غيرهم-، وبل من ولد بعد ما فسد اللسان فأحتاج
إلى علم كلام العرب؛ كمالك، والشافعي، وأبي حنيفة، ومن
قبلهم أو بعدهم من أمثالهم5؛ فلما دخلت تلك الأمور وقع
الخلاف بسببها، ولو لم تدخل فيها لم يقع ذلك الخلاف6.
ومن استقرأ مسائل الشريعة وجد منها في كلام المتأخرين عن
تلك الطبقة كثيرا، وقد مر في المقدمات تنبيه على هذا
المعنى، وفي كتاب الاجتهاد معرفة ما يحتاج إليه المجتهد من
العلوم المعينة له على اجتهاده، فإذا جمعت هذه الأطراف؛
تبين منها أن المتشابه قليل، وأن المحكم هو الأمر العام
الغالب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سيأتي في المسألة الحادية عشرة وما بعدها مباحث ذاخرة
بالفوائد في هذا الموضوع. "د".
2 كذا في "ط"، وفي غيره: "فسقط".
3 في "ط": "علوم".
4 أي: قد أدخل في علم الشريعة -بعدما احتاج إليه هؤلاء
المجتهدون وأمثالهم- شيء كثير وقع فيه خلاف، لا حاجة إلى
علم الشريعة به، وقد حسب عليها وعد من الخلاف فيها، وأنت
إذا رجعت لمسالك الخلاف الثمانية التي أشار إليها سابقا
تحققت صحة ما يقول. "د".
5 كذا في "ط"، وفي غيره: "وأمثالهم".
6 قال الشافعي: "ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان
العرب وميلهم إلى لسان أرسطاطاليس"، نقله السيوطي في "صون
المنطق" "ص15"، وقال "ص22": "وقد وجدت السلف قبل الشافعي
أشاروا إلى ما أشار إليه من أن سبب الابتداع الجهل بلسان
العرب".
قلت: "من ذلك قول الحسن البصري في بعض المبتدعة: "أهلكتهم
العجمة" كما في "التاريخ الكبير" "5/ 93" للبخاري.
ج / 3 ص -322-
المسألة الرابعة:
التشابه1 لا يقع في القواعد الكلية، وإنما يقع في الفروع
الجزئية، والدليل على ذلك من وجهين:
أحدهما: الاستقراء أن الأمر كذلك2.
والثاني: أن الأصول لو دخلها التشابه؛ لكان أكثر الشريعة
من المتشابه، وهذا باطل.
وبيان ذلك أن الفرع مبني على أصله؛ يصح بصحته، ويفسد
بفساده، ويتضح باتضاحه، ويخفى بخفائه، وبالجملة؛ فكل وصف
في الأصل مثبت3 في الفرع؛ إذ كل فرع فيه ما في الأصل، وذلك
يقتضي أن الفروع المبنية على الأصول المتشابهة متشابهة،
ومعلوم أن الأصول منوط بعضها4 ببعض في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: الحقيقي الذي ظهر من تحقيقه في المسألة قبلها أنه
قليل، وكما سيشير إليه في آخر المسألة، وعلى كل حال؛ هذا
بحث آخر غير تشابه نفس الآيات. "د".
2 قال "ف": "الأنسب: استقراء أن الأمر كذلك".
3 هكذا في "د"، وفي الأصل وفي "ف": "مثبوت"، وفي "ط":
مبثوث".
4 أي: فكثيرا ما يتوقف التفريع على أصل على ملاحظة أصل
آخر، فإذا كان في هذه الأصول متشابه؛ فكل ما تفرع عليه
مباشرة أو بتوقف أصل عليه؛ فإنه يكون متشابها، فيسري
التشابه إلى الفروع التي انبنت على المتشابه أو إلى الأصول
الأخرى التي ترتبط بهذا الأصل المتشابه، ومعلوم أن هذا
كثير جدا؛ فيكون أكثر الفروع متشابها، فقوله: "لزم سريانه
في جميعها"؛ أي: جميع فروع الأصول التي نيط التفريع عليها
بهذا الأصل المتشابه، وليس المراد جميع فروع الشريعة؛
لأنه:
أولا: لا يوافق مدعاه من أن الأكثر يكون متشابهًا.
وثانيًا: لأنه ليس من المسلم أن جميع الفروع يلزم أن تبنى
على أصل متشابه مباشرة أو بالواسطة. "د".
ج / 3 ص -323-
التفريع عليها، فلو وقع في أصل من الأصول اشتباه؛ لزم
سريانه في سائرها1؛ فلا يكون المحكم أم الكتاب، لكنه كذلك؛
فدل2 على أن المتشابه لا يكون في شيء من أمهات الكتاب.
فإن قيل: فقد وقع في الأصول أيضا؛ فإن أكثر الزائغين عن
الحق إنما زاغوا في الأصول لا في الفروع، ولو كان زيغهم في
الفروع؛ لكان الأمر أسهل عليهم.
فالجواب أن المراد بالأصول القواعد الكلية، كانت في أصول
الدين أو في أصول الفقه، أو في غير ذلك من معاني الشريعة
الكلية لا الجزئية، وعند ذلك لا نسلم أن التشابه وقع فيها
ألبتة، وإنما [وقع]3 في فروعها؛ فالآيات الموهمة للتشبيه
والأحاديث التي جاءت مثلها4 فروع عن أصل التنزيه الذي هو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في "ط"، وفي غيره: "جميعها".
2 لا يخفى ما في هذا البيان من الخطابة. "ف".
3 ما بين المعقوفتين سقط من "د".
4 دندن المصنف على المتشابه، ثم تكلم على الصفات، ثم ألمح
في قوله هذا أن آيات وأحاديث الصفات من المتشابه.
وصرح الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" "16/ 218" أن
الصفات من باب المتشابه، ونقل ذلك عن الغزالي في
"المستصفى، وأقره عليه؛ فقال في مبحث المتشابه: "ويطلق على
ما ورد في صفات الله تعالى مما يوهم ظاهره الجهة والتشبيه،
ويحتاج إلى تأويل".
وهذا هو القول بتفويض المعنى الذي جنح إليه، بل صرح به
النووي في "شرحه" أكثر من مرة، وسبق أن أشرنا إلى أن السلف
الصالح كفوا عن الخوض في البحث في كيفية الصفة الواردة في
الآية القرآنية أو الحديث النبوي، وقالوا كلمات في معانيها
لها معان مفهومة وصحيحة، ولا يليق أن يكون مذهبهم فيها أن
تكون آيات الصفات بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم أحد
معناه؛ فإنهم رحمهم الله تكلموا في جميع آيات الصفات،
وفسروها بما يوافق معناها ودلالتها، ولم يسكتوا عن بيان
معنى آية ما، سواء في ذلك المحكم والمتشابه.
وهنا لا بد لنا من كلمة عن المحكم والمتشابه، وهل الراسخون
في العلم يعلمون معنى =
ج / 3 ص -324-
...............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المتشابه أم يفوضون العلم فيه إلى الله؟ وبمعنى آخر: هل
الوقوف على لفظ الجلالة في قوله تعالى:
{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:
7] لازم، وما معنى التأويل فيها؟
يرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى الوقف على لفظ
الجلالة؛ لأن التأويل المذكور في الآية هو معرفة الأمور
الغيبية التي استأثر الله بعلمها، ورأى آخرون أن التأويل
الوارد فيها بمعنى المآل والعاقبة، وشاركوا شيخ الإسلام في
القول بالوقف المذكور؛ لأن الراسخين في العلم لا يعلمون
مآل أخبار القرآن وعواقب أمره على سبيل التفصيل والتحديد
والكنه والحقيقة، وهذا قريب من قول شيخ الإسلام؛ إذ هذه
الأمور من الغيب الذي استأثر الله به، بينما رأى فريق ثالث
أن التأويل مستعمل عند السلف بمعنى التفسير والبيان؛ فقال
هؤلاء بالوقف على:
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، وكلا الفريقين مصيب فيما ذهب إليه؛ لأن أصحاب القول بالوقف على
لفظ الجلالة يستبعدون أن يكون هناك بشر يشارك الله في علم
غيوبه، وأصحاب القول بالوقف على:
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}
يستبعدون أن يكون تفسير القرآن وبيان معناه لا يعلمه إلا
الله، في الوقت الذي أنزل فيه ليفهم ويتدبر.
ولم يقف فريق آخر من علماء الكلام والفقه والتفسير على
مأخذ كل رأي من الآراء المذكورة، وعلى الأصل الذي بنوا
عليه رأيهم، ووجدوا بين أيديهم روايات مختلفة عن السلف، كل
يختار رأيًا في الوقف؛ فصوروا أن في المسألة نزاعًا
وخلافًا بين السلف، وليس الأمر على التحقيق كذلك، وكان
عليهم أن يمعنوا النظر أكثر وأكثر؛ فإن المسألة ليست محل
نزاع لو عرف مأخذ كل رأي وأصل كل قول؛ فإن جميع الأقوال
التي رويت على أن الوقف على لفظ الجلالة محمولة على أن
المراد بالتأويل في الآية عواقب أخبار القرآن ومصائرها،
وجميع ما روي على أن الوقف على
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} محمول على أن التأويل المذكور هو التفسير والبيان.
وبهذا يزول الإشكال والاشتباه الذي نشأ بين المتأخرين لعدم
تفرقتهم بين معنى الآية وبين تأويلها، وعدم إدراكهم ما قد
يترتب على إهمال التفرقة بين المعنيين من آراء ربما قد
احتجموا عنها لو تنبهوا إلى ذلك.
تعرض السلفيون -وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله تعالى- لهذه المشكلة التي فرقت كلمة العلماء، ووضعوا
أيديهم على بدايتها متعمقين في أسبابها، باحثين عن
نتائجها، =
ج / 3 ص -325-
............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= متسائلين: هل يجوز عقلا أن يتكلم الله بكلام لا معنى له
عند المخاطب، وهل يجوز كذلك أن يقول الرسول لأمته: إن ربكم
قد خاطبكم بكلام لا يعلم معناه إلا هو، وهل يجوز أن يقول
لهم: إن القرآن أنزل ليتدبر في الوقت الذي لا يعلم معناه
إلا الله؟
إن المشكلة تزداد خطورة خصوصًا في نظر شيخ الإسلام ابن
تيمية حين يرى أن وظيفة الرسول هي البلاغ الموصوف بأنه
{بَلاغٌ مُبِينٌ}، وأن
وظيفة القرآن أنه أنزل:
{تِبْيَانًا
لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً}،
ثم يكون الرسول نفسه لا يفهم معنى ما تكلم به بدعوى أنه لا
يعلم تأويله إلا الله، وبدعوى أن الصفات من المتشابه.
لعل هذه المشكلة كانت سببًا في أن ابن تيمية قد خصص حياته
لخدمتها من قريب ومن بعيد؛ فهو إن خاض غمار الفلسفة أو علم
الكلام، أو ناقش الفقهاء والصوفية؛ فسلاحه في كل ميدان هو
آيات الكتاب، أو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيح؛
لأنه ليس هناك آية لا معنى لها، أو مصروفة عن ظاهرها، بل
كل آيات القرآن واضحة في معناها، وليس هناك لبس ولا خفاء،
ولقد تتبع ابن تيمية أقوال السلف تتبع الخبير بمصادرها،
واضعًا أدلة هؤلاء وهؤلاء أمام النصوص؛ فظهر له الغث من
السمين، والصحيح من الخطأ، والسليم من السقيم.
وفي القول السابق ادعاء أنه يوجد في ظاهر النصوص ما يوهم
التشبيه، وهذا ليس بصحيح،
والخلاصة أنه ما من قول يدعي أن هذه الآية أو تلك من
المتشابه الذي لا يعلم معناه إلا الله؛ إلا وقد تكلم السلف
في بيان معناها، حتى من أطلق المتشابه على نصوص الصفات
مريدا بذلك حقائقها وكيفياتها التي هي عليها، فهذا يسوغ أن
يسمى متشابها؛ لأن حقائق الصفات وما هي عليه من الكيفيات
لا يعلمه إلا الله، وهذا هو تفويض الكيفية الذي يقول به
السلف؛ إلا أننا على الرغم من ذلك نعلم معنى الاسم والصفة؛
فنعلم معنى سميع وبصير وعليم، ومعنى السمع والبصر والعلم،
ونعلم معنى أن له يدين ووجها، كل هذا ونحوه نعلم معناه
بمقتضى لغة التخاطب، ولا يقتضي علمنا بمعاني هذه النصوص أن
تكون مثل ما في الشاهد من سمع المخلوق وبصره وعلمه ويديه
ووجهه، ومع هذا كله؛ فلا ينبغي إطلاق لفظ المتشابه على
الصفات لأجل هذا إلا به، ولهذا لم يؤثر عن السلف إطلاقه
عليها.
وكذا إذا تتبعنا أقوال العلماء في معنى المتشابه؛ فلا نجد
رأيًا إلا وقد بين السلف معناه ووضحوه، فإذا جعلنا
المتشابه هو المنسوخ كما روي عن ابن مسعود وابن عباس
وقتادة والسدي =
ج / 3 ص -326-
قاعدة
من قواعد العلم الإلهي، كما أن فواتح السور وتشابهها واقع
ذلك في بعض فروع من علوم القرآن، بل الأمر كذلك أيضا في
التشابه الراجع إلى المناط؛ فإن الإشكال الحاصل في الذكية
المختلطة بالميتة من بعض فروع أصل التحليل والتحريم في
المناطات البينة، وهي الأكثر، فإذا اعتبر هذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وغيرهم؛ علمنا يقينا أن العلماء يعلمون معنى المتشابه
لأنهم يعلمون معنى المنسوخ، سواء كان منسوخا لفظه أو لفظه
ومعناه، وهذا يدل على كذب من قال عن ابن عباس وابن مسعود
أن الراسخين في العلم لا يعلمون معنى المتشابه.
وإذا جعلنا المتشابه أخبار القيامة وما فيها؛ فمعلوم بين
المسلمين أن وقت قيام الساعة وحقيقة أمرها لا يعلمه إلا
الله، لكن ذلك لا يدل على أننا لم نفهم معنى الخطاب الذي
خوطبنا به في ذلك، والفرق واضح بين معرفة الخبر وبين حقيقة
المخبر عنه.
وإذا جعلنا المتشابهات أوائل السور المفتتحة بحروف المعجم؛
فهذه الحروف ليست كلاما تاما مكونا من الجمل الاسمية
والفعلية، ولهذا؛ فلا تعرف لأن الإعراب جزء من المعنى، بل
ينطق بها موقوفة كما يقال: أ ب ت، ولهذا تكتب في صورة
الحروف المقطعة لا بصورة اسم الحرف.
يقول ابن تيمية: "فإذا كان على هذا كل ما سوى هذه محكمًا
حصل المقصود؛ فإنه ليس المقصود إلا معرفة كلام الله وكلام
رسوله.
وانظر موقف شيخ الإسلام من المتشابه ورده على مفوضة المعنى
في: "تفسير سورة الإخلاص" "ص143 وما بعدها"، و"الحموية"
"160-163"، "مجموعة الرسائل "1/ 189"، و"مجموع الفتاوى"
"3/ 54-67 و5/ 35-37، 234، 347-439 و10/ 560 و13/ 279-280،
374-375، 384-385 و16/ 173، 407-422"، و"الإمام ابن تيمية
وموقفه من التأويل" "ص164 وما بعدها"، وقد أخطأ رشيد رضا
في "تفسير المنار" "3/ 165" عندما نقل عن ابن تيمية أن
المتشابه عنده آيات الصفات خاصة، ومثلها أحاديث الصفات.
وانظر في المسألة: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة "ص62،
73"، و"منهج ودراسات" "ص23-24" للشنقيطي، و"منهج الاستدلال
على مسائل الاعتقاد" "2/ 472-500"، وكتابنا "الردود
والتعقبات" "ص77-82"، و"التيسير في قواعد علم التفسير"
"ص188 وما بعده" للكافيجي.
ج / 3 ص -327-
المعنى؛ لم يوجد التشابه في قاعدة كلية ولا في أصل عام،
اللهم إلا أن يؤخذ التشابه على أنه الإضافي؛ فعند ذلك
[لا]1 فرق بين الأصول والفروع في ذلك، ومن تلك الجهة حصل
في العقائد الزيغ والضلال، وليس هو المقصود2 ههنا، ولا هو
مقصود صريح باللفظ وإن كان مقصودا بالمعنى، والله أعلم؛
لأنه تعالى قال:
{مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} الآية [آل عمران: 7]؛ فأثبت فيه متشابها، وما هو راجع لغلط3 الناظر
لا ينسب إلى الكتاب حقيقة، وإن نسب إليه؛ فبالمجاز.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقطت إلا من "ط"، ولذا قال "د": "لعله سقط منه لفظ "لا"؛
أي: فعند ملاحظة التشابه الإضافي لا يوجد فرق بين الأصول
والفروع، وقوله: "ومن تلك الجهة"؛ أي: وبسبب التشابه
الإضافي في الأصول جاء الزيغ في العقائد؛ كما تقدم له
أمثلته". ونحوه عند "م".
2 أي: إنما المقصود بنفيه عن الأصول هو التشابه الحقيقي،
وليس الإضافي مقصودا في هذا المبحث، كما أنه ليس مقصودا
بلفظ الآية وإن كان داخلا فيها بالمعنى كما ذكره سابقا.
"د".
3 الناشئ من عدم ضمه لأطراف الأدلة بعضها إلى بعض كما سبق؛
فليس في نفس الأدلة اشتباه، إنما هو من تقصيره أو اتباع
هواه. "د".
ج / 3 ص -328-
المسألة الخامسة1:
تسليط التأويل على المتشابه فيه تفصيل فيا يخلو أن يكون من
المتشابه الحقيقي أو من الإضافي، فإن كان من الإضافي؛ فلا
بد منه إذا تعين بالدليل كما بيّن العام بالخاص، والمطلق
بالمقيد، والضروري بالحاجي، وما أشبه ذلك؛ لأن مجموعهما هو
المحكم، وقد مر بيانه، وأما إن كان من الحقيقي؛ فغير لازم
تأويله؛ إذ قد تبين في باب الإجمال والبيان أن المجمل لا
يتعلق به تكليف إن كان موجودا2 لأنه3 إما أن يقع بيانه
بالقرآن الصريح أو بالحديث الصحيح، أو بالإجماع القاطع، أو
لا، فإن وقع بيانه بأحد هذه؛ فهو من قبيل الضرب الأول من
التشابه، وهو الإضافي، وإن لم يقع بشيء من ذلك؛ فالكلام في
مراد الله تعالى من غير هذه الوجوه تسور على ما لا يعلم،
وهو غير محمود.
وأيضا؛ فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم
من المقتدين بهم لم يعرضوا4 لهذه الأشياء، ولا تكلموا فيها
بما يقتضي تعيين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر: "الاعتصام" "1/ 221"، و"مجموع فتاوى ابن تيمية"
"13/ 145، 275-276 و17/ 378 و389-390".
2 كذا في "ط"، وفي غيره: "موحدا"، وعلق "د": "راجع المسألة
الثانية عشرة في باب البيان والإجمال تجد في أولها أنه؛
إما لا يتعلق بالمجمل تكليف، وإما أنه لا وجود له، أي: إذا
وقفنا على
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، وعليه؛ فلعل الأصل هنا إن كان "موجودا"؛ أي: على فرض وجود المجمل
بمعنى المتشابه الحقيقي".
3 الضمير للحال والشأن كما يعلم بالتأمل؛ لأن هذا التشقيق
لا يجيء في المجمل الحقيقي الذي يقول فيه: "إن كان
موجودا"، وكذا الضمير في "بيانه" للمجمل مطلقا. "د".
قلت: قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" "17/ 386": "وقد
قال كثير من السلف: إن المحكم ما يعمل به، والمتشابه ما
يؤمن به ولا يعمل به"، وانظر الآثار الواردة في ذلك عند
ابن جرير في "التفسير" "3/ 185-186".
4 أي: لم يتعرضوا ويتصدوا له في باب ضرب، من قولهم: عرض له
أشد العرض واعترض له؛ قابله بنفسه كما في "شرح القاموس".
"د".
قلت: انظر الموقف السليم من المتشابه: "القواعد الحسان
لتفسير القرآن" "ص70-71" للسعدي، و"إعلام الموقعين" "2/
294-295، 304".
ج / 3 ص -329-
تأويل
من غير دليل، وهم الأسوة والقدوة، وإلى ذلك؛ فالأية مشيرة
إلى ذلك بقوله تعالى:
{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا
تَشَابَهَ مِنْه}
الآية [آل عمران: 7].
ثم قال:
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ
كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].
وقد ذهب جملة من متأخري الأمة إلى تسليط التأويل عليها
أيضًا رجوعًا إلى ما يفهم من اتساع العرب في كلامها، من
جهة الكناية والاستعارة والتمثيل وغيرها من أنواع الاتساع؛
تأنيسًا للطالبين، وبناء على استبعاد الخطاب بما لا يفهم،
مع إمكان الوقوف على قوله:
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}،
وهو أحد1 القولين للمفسرين؛ منهم مجاهد، وهي مسألة
اجتهادية، ولكن الصواب من ذلك ما كان عليه السلف، وقد
استدل الغزالي على صحة هذا المذهب بأمور ذكرها في كتابه
المسمى بـ"إلجام العوام"2؛ فطالعه من هنالك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وعليه؛ فلا يوجد المتشابه بالمعنى الحقيقي. "د".
قلت: انظر تعليقنا على "ص323-326".
2 "ص34".
ج / 3 ص -330-
المسألة السادسة:
إذا تسلط التأويل على المتشابه؛ فيراعى في المؤول به أوصاف
ثلاثة: أن يرجع إلى معنى صحيح في الاعتبار، متفق1 عليه في
الجملة بين المختلفين، ويكون اللفظ المؤول قابلًا له، وذلك
أن الاحتمال المؤول به إما أن يقبله اللفظ أو لا2، فإن لم
يقبله؛ فاللفظ نص لا احتمال فيه، فلا يقبل التأويل، وإن
قبله اللفظ؛ فإما أن يجري على مقتضى العلم3 أو لا، فإن جرى
على ذلك؛ فلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا هو الوصف الثاني، ولم يبن عليه شيئًا في بيانه
الآتي، وكأنه لازم للوصف الأول، وهو صحة المعنى في
الاعتبار؛ لأنه لا يكون كذلك إلا حيث يتفق عليه في الجملة
وإن خولف في التفصيل؛ فرجع الأمر إلى شرطين:
الأول: صحة المعنى في الاعتبار بأن يكون متفقًا مع الواقع
المعترف به إجمالًا ممن يعتد بهم.
والثاني: أن يكون وضع اللفظ قابلًا له لغة بوجه من وجوه
الدلالة حقيقة أو مجازًا أو كناية، جاريًا في ذلك على سنن
اللغة العربية. "د".
قلت: مما ينبغي التنبه له في الأول: معرفة مراد المتكلم
بكلامه، لا معرفة ما يحتمله اللفظ من المعاني من جهة اللغة
فحسب، وفي الثاني أن يعلم أن ورود اللفظ بمعنى لا يلزم منه
أن يكون هذا المعنى ملازمًا له في جميع النصوص الأخرى، وإن
اختلف السياق، وكذا الاستدلال على أحد المعاني الداخلة في
معنى الآية بكونه هو الغالب في النصوص؛ فغلبته فيه دليل
على عدم خروجه عن معنى النص؛ فالحمل على الأغلب أولى من
الحمل على غيره، انظر في هذا كله ومع التمثيل عليه: "مجموع
فتاوى ابن تيميه" "6/ 13، 14، 366 و7/ 286"، و"الصواعق
المرسلة" "1/ 192، 193"، و"إرشاد الفحول" "ص176"، و"أضواء
البيان" "1/ 328"، و"منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد"
"2/ 552-555". وفي "د" "إذ تسلط..".
2 في الأصل و"ف": "أم لا".
3 يعني أن اللفظ إذا كان قابلًا بحسب اللغة للمعنى المؤول
به ينظر: هل معنى التركيب بعد اعتبار هذا التأويل يجري على
مقتضى ما نعلمه في هذه القضية من الخارج، أم لا يجري بل
يخالف الواقع المعلوم لنا من طريق غير هذا الخبر؟ فإن جرى
على ذلك؛ فلا يصح طرحه لأن =
ج / 3 ص -331-
إشكال
في اعتباره؛ لأن اللفظ قابل له، والمعنى المقصود من اللفظ
لا يأباه؛ فاطراحه إهمال لما هو ممكن الاعتبار قصدًا، وذلك
غير صحيح ما لم يقم دليل آخر على إهماله أو مرجوحيته، وأما
إن لم يجر على مقتضى العلم؛ فلا يصح أن يحمله اللفظ على
حال1، والدليل على ذلك أنه لو صح لكان الرجوع إليه مع ترك
اللفظ الظاهر2 رجوعًا إلى العمى، ورميًا في جهالة؛ فهو ترك
للدليل لغير شيء، وما كان كذلك؛ فباطل.
هذا وجه.
ووجه ثان، وهو أن التأويل إنما يسلط على الدليل لمعارضة ما
هو أقوى منه؛ فالناظر3 بين أمرين إما أن يبطل المرجوح جملة
اعتمادًا على الراجح، ولا يلزم نفسه الجمع، وهذا نظر يرجع
إلى مثله عند التعارض على الجملة، وإما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الشرطين قد تحققا؛ فاللفظ قابل، والمعنى المقصود من
التركيب لا يأباه، أي: لا يأبى اعتبار هذا التأويل في مفرد
من مفرداته؛ لأن المعنى المقصود من التركيب مع اعتبار هذا
التأويل في مفرد من مفرداته يرجع إلى معنى صحيح في الواقع
لا يخالف المعلوم لنا من قبل، وبهذا يتبين أن اللفظ في
قوله: "والمعنى المقصود من اللفظ" ليس هو اللفظ المفرد
الذي فيه التأويل، وإلا؛ لكان حاصله أن المعنى المقصود من
اللفظ المؤول لا يأبى المعنى المؤول به اللفظ؛ فيتحد الآبي
والمأبي، بل اللفظ هو اللفظ الخبري، والمعنى المقصود منه
هو المعنى التركيبي. "د".
1 أي: ولو قبله اللفظ. "د". قلت: في "ط": "حال الدليل"
بدون "و".
2 وهو اللفظ المتشابه الظاهر في معناه الوضعي، أي: تركه
إلى معنى لا يجري على اعتبار صحيح في مقتضى العلم يكون
رجوعًا إلى عدم صرف، وقوله: "ترك الدليل"؛ أي: وهو اللفظ
الظاهر المتشابه. "د".
قلت: انظر في هذا "مجموع فتاوى ابن تيمية" "4/ 191".
3 أي: أن الناظر في أمر تعارض عليه دليلان، أحدهما راجح
والآخر مرجوح، له طريقان في التخلص من المعارضة؛ إما أن
يهدر المرجوح بما يقتضي إهداره، وإما أن يحمله على معنى
يكون صحيحًا متفقًا عليه، ولا يعارض دليله الراجح، أما أنه
يحمل المرجوح على وجه آخر لا يعارض الراجح، ولكنه لا يكون
صحيحًا في ذاته أو لا يوافقه عليه الخصم؛ فعمل باطل حقيقة
أو صناعة. "د".
ج / 3 ص -332-
أن لا
يبطله ويعتمد القول به على وجه، فذلك الوجه إن صح واتفق1
عليه؛ فذاك، وإن لم يصح؛ فهو نقض الغرض لأنه رام تصحيح
دليله المرجوح بشيء2 لا يصح؛ فقد أراد تصحيح الدليل بأمر
باطل، وذلك يقتضي بطلانه عندما رام أن يكون صحيحًا، هذا
خلف.
ووجه ثالث3، وهو أن تأويل الدليل معناه أن يحمل على وجه
يصح كونه دليلًا في الجملة؛ فرده إلى ما لا يصح رجوع إلى
أنه دليل لا يصح على وجه، وهو جمع بين النقيضين، ومثاله
تأويل4 من تأول لفظ الخليل في قوله تعالى:
{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125] بالفقير؛ فإن ذلك يصيّر المعنى القرآني غير صحيح5،
وكذلك تأويل من تأول غوى من قوله: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: حتى يسلم الخصم صحة المعنى في ذاته؛ فيتأتى له دعوى
حمل المرجوح عليه. "د".
2 كذا في "ط"، وفي غيره: "لشيء".
3 لا يبعد عما قبله. "د".
4 انظر طائفة من الأمثلة القرآنية أولت تأويلًا فاسدًا في
"التحبير" للسيوطي "باب غرائب التفسير، النوع الثاني
والتسعون، ص335-336"؛ ففيه أمثلة أظهر، وفيه: "هذا النوع
من زياداتي".
قال أبو عبيدة: وفي كُنَّاشاتي "قصاصاتي المنثورة" أمثلة
كثيرة، وكذا في تأويلات خاطئة لأحاديث نبوية، عسى أن أنشط
لجمعها في تأليف مستقل، يسر الله ذلك بمنه وكرمه، وسيذكر
المصنف في "4/ 225 وما بعدها" أمثلة على هذا الموضوع.
5 لأن إبراهيم الذي يقدم العجل السمين المشوي لضيوفه من
عند أهله لا يصح أن يعد فقيرًا؛ فهذا غير صحيح في
الاعتبار، لم يجر على مقتضى العلم، وما بعده تخلف فيه شرط
قبول اللفظ المؤول له، ومثال بيان تخلف فيه الجميع؛ لأن
اللفظ لا يقبله، لا من الإشارة في "هذا"، ولا من العطف في
قوله: "وهدى... إلخ"، ولا يجري على مقتضى العلم. "د".
ج / 3 ص -333-
فَغَوَى} [طه: 121] أنه من غَوِيَ1 الفصيل لعدم صحة غَوَى بمعنى غوي2؛ فهذا
لا يصح فيه التأويل من جهة اللفظ، والأول لا يصح فيه من
جهة المعنى، ومثال ما تخلفت فيه الأوصاف تأويل بيان3 بن
سمعان في قوله تعالى:
{هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاس} [آل عمران: 138].
فصل
وهذا المعنى لا يختص بباب التأويل، بل هو جارٍ في باب
التعارض والترجيح؛ فإن الاحتمالين4 قد يتواردان على موضوع
واحد، فيفتقر إلى الترجيح فيهما؛ فذلك ثانٍ عن قبول المحل
لهما، وصحتهما في أنفسهما، والدليل في الموضعين واحد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بالكسر: إذا بَشِم من شرب اللبن؛ أي: فالتأويل فاسد لأن
ما في القرآن بالفتح، وسيأتي له هذا في المسألة التاسعة من
الطرف الثاني من الأدلة. "د"، ونحوه في "م".
قلت: كتب في هامش الأصل ما نصه: "في المصباح": غوى غيًا من
باب ضرب؛ انهمك في الجهل، وهو خلاف الرشد، وغوي الفصيل،
غوي من باب تعب؛ فسد جوفه من شرب اللبن، وفساد هذا التأويل
ظاهر".
2 انظر: "الاعتصام" "1/ 301 - ط ابن عفان" للمصنف.
3 يأتي للمؤلف في المسألة التاسعة المشار إليها آنفًا بيان
عن بيان هذا. انظر "4/ 225، 226".
وقال "ف": "هو بيان بن سمعان التميمي الهندي اليمني
الشيعي، وله شرذمة تنسب إليه تسمى البيانية، تنتحل نحلًا
باطلة".
قلت: انظر عن حاله وكفره "الفصل" "4/ 185" لابن حزم،
و"الملل والنحل" "152"، و"الفرق بين الفرق" "236"، و"لسان
الميزان" "2/ 69".
4 لعل الأصل: "الدليلين"، وسيأتي بسطه في مبحث التعارض من
كتاب الاجتهاد. "د".
قلت: قال ابن القيم في "الصواعق المرسلة" "1/ 187":
"وبالجملة؛ فالتأويل الذي يوافق ما دلت عليه النصوص وجاءت
به السنة ويطابقها هو التأويل الصحيح، والتأويل الذي يخالف
ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة هو التأويل الفاسد، ولا
فرق بين باب الخبر والأمر في ذلك". |