تخريج الفروع على الأصول كتاب الْجراح
مَسْأَلَة 1
نفي الْمُسَاوَاة بَين شَيْئَيْنِ يَقْتَضِي الْعُمُوم عِنْد
الشَّافِعِي رض حَتَّى تنفى الْمُسَاوَاة من كل وَجه فِي كل
حكم
وَاحْتج بِأَن النَّفْي لَا يَقْتَضِي الِاخْتِصَاص بِوَجْه من
وُجُوه الْمُسَاوَاة دون وَجه فَيعم ضَرُورَة إِذْ لَيْسَ
تَخْصِيصه بِبَعْض الْوُجُوه دون الْبَعْض أولى من الْعَكْس
وَلِهَذَا قُلْنَا إِن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تعم
وَقَالَ الْحَنَفِيَّة لَا يَقْتَضِي الْعُمُوم لَان
الْمُسَاوَاة الْمُطلقَة تَقْتَضِي الْمُسَاوَاة من كل
الْوُجُوه إِذْ لَوْلَا ذَلِك لوَجَبَ إِطْلَاق لفظ المتساويين
على جَمِيع الْأَشْيَاء إِذْ لَوْلَا ذَلِك لوَجَبَ إِطْلَاق
لفظ المتساويين على جَمِيع الْأَشْيَاء إِذْ كل شَيْئَيْنِ لَا
بُد أَن يستويا فِي بعض الْأُمُور من كَونهمَا معلومين
ومذكورين وموجودين وَفِي سلب مَا عداهما عَنْهُمَا
(1/303)
وَإِذا ثَبت أَن الْمُعْتَبر فِي طرف
الْإِثْبَات الْمُسَاوَاة من كل الْوُجُوه كفى فِي طرف
النَّفْي نفي الاسْتوَاء من بعض الْوُجُوه لِأَن نقيض
الْكُلِّي هُوَ الجزئي
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل
مِنْهَا إِن الْمُسلم لَا يقتل بالكافر عندنَا لِأَن جَرَيَان
الْقصاص بَينهمَا يَقْتَضِي الاسْتوَاء وَالله تَعَالَى قد
نَفَاهُ بقوله {لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب
الْجنَّة}
وَعِنْدهم يقتل لِأَن نفي الْمُسَاوَاة قد حصل بِحكم آخر
فالتسوية بَينهمَا فِي هَذَا الحكم لَا تمنع مَدْلُول النَّص
وَمِنْهَا أَن دِيَة الذِّمِّيّ والمستأمن لَا تبلغ دِيَة
الْمُسلم عندنَا
وَعِنْدهم تَسَاوِي دِيَة الْمُسلم
(1/304)
ثمَّ يتَفَرَّع عَن نفي الْمُسَاوَاة
الْعَامَّة بَين الْمُسلم وَالْكَافِر أَن لَا يقتل حر بِعَبْد
عندنَا لقِيَام شُبْهَة مَا أوجب نفي الْمُسَاوَاة بَين
الْمُسلم وَالْكَافِر وَهُوَ الْكفْر فَإِن الرّقّ من آثَار
الْمُبِيح فَيعْمل فِي الشُّبْهَة عمل أَصله
وَعِنْدهم يقتل بِهِ لإنكارهم عُمُوم نفي الْمُسَاوَاة
(1/305)
مَسْأَلَة 2
ذهب أَصْحَابنَا إِلَى أَن مَقْدُورًا وَاحِدًا بَين قَادِرين
غير قديمين مُتَصَوّر وعنوا بِالْوَاحِدِ مَا لَا يتَجَزَّأ
وَلَا يَتَبَعَّض تفريغا على إِثْبَات الْجَوْهَر الْفَرد
وَذَهَبت الْقَدَرِيَّة وَالْحَنَفِيَّة إِلَى أَن ذَلِك مَا
لَا يتَصَوَّر
وَأعلم أَن الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة يَنْبَنِي على أصل
عَظِيم الشَّأْن فِي أصُول الديانَات وَهُوَ أَن الْقُدْرَة
الْحَادِثَة لَا تَأْثِير لَهَا فِي إِيجَاد الْمَقْدُور عِنْد
عُلَمَائِنَا بل المقدورات الْحَادِثَة بأسرها وَاقعَة بقدرة
الله تَعَالَى عِنْد تعلق قدرَة العَبْد بهَا
وَعِنْدهم أَن مقدورات الْعباد بأسرها وَاقعَة بقدرتهم حَتَّى
قَالُوا بِخلق الْأَعْمَال وَانْقِطَاع قدرَة الله تَعَالَى
عَن مقدورات الْعباد
وَاحْتج عُلَمَاؤُنَا بِأَن قَالُوا أجمعنا على أَن المرادات
مُشْتَركَة بَين المريدين وَكَذَلِكَ المكروهات مُشْتَركَة
بَين الكارهين والمظنونات بَين الظانين والمعتقدات بَين
المعتقدين والمعلومات بَين الْعَالمين
فَكَذَلِك المقدورات بَين القادرين وَجب أَن تكون مُشْتَركَة
(1/306)
وَاحْتج المخالفون بِأَن قَالُوا كَون
مَقْدُورًا وَاحِد بَين قَادِرين يُفْضِي إِلَى محَال وَمَا
أفْضى إِلَى الْمحَال كَانَ محالا
أما إفضاؤه إِلَى الْمحَال فَلِأَن كل وَاحِد مِنْهُم لَو
بَاشر فعل مقدوره فِي مَحل آخر أَو فِي جِهَة أُخْرَى لزم أَن
يكون شَيْء وَاحِد مَوْجُودا فِي محلين أَو جِهَتَيْنِ
مختلفتين وَهَذَا محَال وَمن شكّ فِي استحالته دلّ على
نُقْصَان فِي عقله
وَأما إِن يُفْضِي إِلَى الْمحَال كَانَ محالا فَلِأَن إفضاء
المفضيات وتأثير المؤثرات من الْأُمُور اللَّازِمَة
وَالصِّفَات الذاتية للْفِعْل والمؤثر ويستحيل إِن يُوجد
الْمُؤثر وَلَا يكون لَهُ تَأْثِير وإفضاء إِلَى حكمه وَإِذا
اسْتَحَالَ وجود حكمه اسْتَحَالَ وجوده لَا محَالة
وَيظْهر ذَلِك بالحركة مَعَ السّكُون فَإِنَّهُ لما اسْتَحَالَ
إِن يكون الْمحل الْوَاحِد سَاكِنا متحركا وأسود أَبيض فِي
حَالَة وَاحِدَة اسْتَحَالَ وجود الْحَرَكَة مَعَ السّكُون
والسواد مَعَ الْبيَاض فِي مَحل وَاحِد فِي وَقت وَاحِد لِأَن
الْحَرَكَة عِلّة للتحركية والسكون عِلّة للساكنية
كَذَلِك فِيمَا نَحن فِيهِ إِذا اسْتَحَالَ وجود مَقْدُور
وَاحِد فِي جِهَتَيْنِ مُخْتَلفين اسْتَحَالَ كَونه مَقْدُورًا
لقادرين لِأَنَّهُ هُوَ المفضي إِلَى ذَلِك
(1/307)
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل
أَن الْأَيْدِي تقطع بيد وَاحِدَة عندنَا لِأَن قطعات
الْأَجْزَاء من الْيَد الْمُشْتَركَة بَين الْكل فَيكون كل
وَاحِد مِنْهُم قَاطعا على سَبِيل الْكَلَام لِأَنَّهُ مَا من
جُزْء من الْفِعْل إِلَّا وكل وَاحِد مِنْهُم فَاعله
وَعِنْدهم لَا تقطع لِأَن كل وَاحِد من الفاعلين فَاعل
مَقْدُور نَفسه فَيخْتَص كل مِنْهُم بِالْقطعِ الَّذِي
مَقْدُور نَفسه دون مَقْدُور صَاحبه وَكَانَ قطع كل جُزْء قطعا
على سَبِيل الِانْفِرَاد
(1/308)
مَسْأَلَة 3
لَا مَانع من إِجْرَاء الْقيَاس فِي أَسبَاب الحكم عِنْد
الشَّافِعِي رض
وَذهب الْحَنَفِيَّة وَطَائِفَة من أَصْحَاب الشَّافِعِي إِلَى
منع ذَلِك وَدَلِيل الْجَوَاز وشبهة الْخُصُوم مَا أسلفناه فِي
مسَائِل الصّيام
وَالَّذِي يخص هَذِه الْمَسْأَلَة الْقيَاس فِي الْأَسْبَاب
مَا يُؤَدِّي إثْبَاته إِلَى نَفْيه كَانَ سَاقِطا
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لأَنا إِذا قسنا اللواط على الزِّنَا
فِي إِيجَاب الْحَد مثلا فإمَّا أَن نقُول الزِّنَا كَانَ
سَببا لأجل وصف مُشْتَرك فِيهِ بَينه وَبَين اللواط أَو لَا
نقُول ذَلِك
فَإِن كَانَ الْمُوجب هُوَ الْمُشْتَرك خرج الزِّنَا واللواط
عَن كَونهمَا سببين موجبين للحد لِأَن التَّعْلِيل بِالْقدرِ
الْمُشْتَرك يمْنَع التَّعْلِيل بِخُصُوص كل وَاحِد مِنْهُمَا
وَإِن قُلْنَا لَيْسَ الْمُوجب هُوَ الْقدر الْمُشْتَرك بَينه
وَبَين اللواط أمتنع الْقيَاس عَلَيْهِ إِذْ لَا بُد من
الْقيَاس من جَامع
(1/309)
وَهَذَا بِخِلَاف الْقيَاس فِي الْأَحْكَام
فَإِن ثُبُوت الحكم فِي الأَصْل لَا يُنَافِي كَونه مُعَللا
بِالْقدرِ الْمُشْتَرك بَينه وَبَين الْفَرْع
وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن هَذَا يبطل عَلَيْهِم قياسهم الْأكل على
الْجِمَاع فِي كَفَّارَة الْفطر مَعَ أَن الْأكل لَا يُسمى
وقاعا
فان قَالُوا لَيْسَ ذَلِك قِيَاسا بل عرفنَا بالبحث والتنقيح
أَن الْكَفَّارَة لَيست كَفَّارَة الْجِمَاع بل كَفَّارَة
الْإِفْطَار
قُلْنَا وَنحن أَيْضا عرفنَا بالبحث والتنقيح أَن الْحَد
لَيْسَ هُوَ حد الزِّنَا بل حد الْقدر الْمُشْتَرك بَينه
وَبَين اللواط
وَالثَّانِي أَنا نستدل على جَوَاز ذَلِك بِإِجْمَاع
الصَّحَابَة رضوَان الله
(1/310)
عَلَيْهِم حَيْثُ ألْحقُوا الشّرْب
بِالْقَذْفِ فِي أيجاب الثَّمَانِينَ وهما سببان مُخْتَلِفَانِ
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مَسْأَلَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَن السَّيِّد يملك إِقَامَة الْحَد على مَمْلُوكه
إِلْحَاقًا لولاية السِّيَادَة الْخَاصَّة بِولَايَة
الْإِمَامَة الْعَامَّة نظرا إِلَى إِيجَاد الْمَقْصُود وان
اخْتلف السببان صُورَة
(1/311)
الثَّانِيَة أَن شُهُود الْقصاص إِذا
رجعُوا وَقَالُوا تعمدنا وَقتل الْمَشْهُود عَلَيْهِ يجب
الْقصاص عندنَا قِيَاسا للشَّهَادَة الْبَاطِلَة على
الْإِكْرَاه بِجَامِع السَّبَب
وَعِنْدهم لَا يجب لِأَنَّهُمَا سببان مُخْتَلِفَانِ وَفِي
إِلْحَاق أَحدهمَا بِالْآخرِ إبِْطَال خُصُوص كل وَاحِد
مِنْهُمَا على مَا سبق
(1/312)
مَسْأَلَة 4
ذهب الشَّافِعِي رض وَمن تَابعه من عُلَمَاء الْأُصُول إِلَى
أَن اللَّفْظ الْمُشْتَرك يحمل على جَمِيع مَعَانِيه
وأحتج فِي ذَلِك بأمرين
أَحدهمَا أَن اللَّفْظ اسْتَوَت نسبته إِلَى كل وَاحِد من
المسميات فَلَيْسَ تعين الْبَعْض مِنْهَا بِأولى من الْبَعْض
فَيحمل على الْجَمِيع احْتِيَاطًا
الثَّانِي أَنه دلّ على جَوَازه وُقُوعه قَالَ الله تَعَالَى
{إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} وَالصَّلَاة من
الله رَحْمَة وَمن الْمَلَائِكَة اسْتِغْفَار وَأَرَادَ الله
تَعَالَى بِاللَّفْظِ الْوَاحِد الْمَعْنيين جَمِيعًا
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء}
(1/313)
فَإِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحيض وَالطُّهْر
فَمن أدّى اجْتِهَاده إِلَى الْحيض أَخذ بِهِ وَمن أُدي
اجْتِهَاده إِلَى الطُّهْر أَخذ بِهِ
وَذهب الْقَدَرِيَّة وَالْحَنَفِيَّة إِلَى منع ذَلِك
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن أَرْبَاب الْوَضع إِنَّمَا
وضعُوا هَذَا الِاسْم لكل وَاحِد من المسميات على سَبِيل
الْبَدَل لَا على سَبِيل الْجمع فَإِذا حمل على الْجَمِيع
كَانَ اسْتِعْمَالا لَهُ فِي ضد مَا وضع لَهُ وَعكس مَا قصد
بِهِ
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل
أَن مُوجب الْعمد التَّخْيِير بَين الْقصاص وَالدية عِنْد
الشَّافِعِي رض مستفادا من قَوْله تَعَالَى {وَمن قتل
مَظْلُوما فقد جعلنَا لوَلِيِّه سُلْطَانا}
(1/314)
فَإِن السُّلْطَان يحْتَمل الدِّيَة
وَالْقصاص
فَلَا جرم خير الشَّافِعِي رض بَينهمَا وَأثبت وصف الْوُجُوب
لكل وَاحِد مِنْهُمَا
وَعِنْدهم لَا يُخَيّر بل يحمل على الْقصاص عينا
(1/315)
مسالة
5
مُعْتَقد الشَّافِعِي رض أَن معنى الْقصاص مُقَابلَة مَحل
الْجِنَايَة بِالْمحل الْفَائِت بِالْجِنَايَةِ جبرا أَي من
الْجَانِي بِالْمحل الْفَائِت من الْمَجْنِي عَلَيْهِ
بِالْجِنَايَةِ
وَاحْتج فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا
أَن النَّفس بِالنَّفسِ} أَي أَن النَّفس فِي مُقَابلَة
النَّفس
وَلِأَنَّهُ ثَبت حَقًا لوَلِيّ الْقَتِيل وَأَن يكون لفائدة
يخْتَص بهَا حَتَّى يظْهر معنى الِاسْتِحْقَاق فِي حَقه
وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَن معنى الْقصاص مُقَابلَة
الْفِعْل بِالْفِعْلِ جُزْءا وزجرا
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى {وَلكم فِي الْقصاص
حَيَاة} قَالُوا مَعْنَاهُ أَن الزّجر يحصل بِهِ فَيبقى
الْجَانِي والمجني عَلَيْهِ فِي الْأَحْيَاء
(1/316)
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل
مِنْهَا أَن الْوَاحِد إِذا قتل جمَاعَة يقتل بِوَاحِد عندنَا
وللباقين الدِّيَة لتعذر الِاسْتِحْقَاق بِاعْتِبَار تعذر
الْمحَال
عِنْدهم يقتل بهم اكْتِفَاء بِمُقَابلَة الْفِعْل بِالْفِعْلِ
وَمِنْهَا أَنه إِذا قطع يَمِيني رجلَيْنِ قطع بِالْأولِ
وَللْآخر الدِّيَة بَدَلا عَن الْمحل الْفَائِت
وَعِنْدهم يقطع بهما اكْتِفَاء
وَمِنْهَا أَن شريك الْأَب يلْزمه الْقصاص عندنَا تَحْقِيقا
لمقابلة
(1/317)
الْمحل بِالْمحل كَمَا فِي شريك
الْأَجْنَبِيّ
وَعِنْدهم لَا قصاص عَلَيْهِ لِأَن الْقصاص مُقَابلَة الْفِعْل
بِالْفِعْلِ وَفعل الشَّرِيك مِنْهَا قَاصِر من حَيْثُ إِنَّه
شَارك من لَا قَود عَلَيْهِ كشريك الخاطيء
وَمِنْهَا أَنه إِذا مَاتَ من وَجب عَلَيْهِ الْقصاص أخذت
الدِّيَة من مَاله عندنَا بَدَلا عَن الْمحل
وَعِنْدهم لَا تُؤْخَذ لِأَن الْمُسْتَحق لَهُ فعل الْقَتْل
وَقد فَاتَ
وَمِنْهَا أَنه إِذا قتل إِنْسَان فوارثه الْكَبِير لَا
ينْفَرد ياستيفاء الْقصاص عندنَا بل ينْتَظر بُلُوغ الصَّبِي
لِأَن الثَّابِت للْوَرَثَة اسْتِحْقَاق الْمحل وَالْوَرَثَة
يستحقونه إِرْثا وَالصَّبِيّ لَا يَتَأَتَّى اسْتِحْقَاقه
بِدَلِيل مَا لَو كَانَ مُنْفَردا
(1/318)
وَعِنْدهم يستبد الْكَبِير باستيفائه فِي
الْمحل لِأَن الْقصاص اسْتِحْقَاق فعل الْقَتْل جَزَاء
وَالصَّغِير لَيْسَ أَهلا لاستحقاقه
وَمِنْهَا أَن مُسْتَحقّ الْقصاص فِي النَّفس إِذا قطع الْيَد
وَعَفا عَن النَّفس لم يلْزمه أرش الْيَد عندنَا سَوَاء وقف
الْقطع أَو سرى لِأَن اسْتِحْقَاق الْمحل أَعنِي جملَة نفس
الْقَاتِل يُوجب إهدار الْأَطْرَاف فِي حق الْمُسْتَحق من
حَيْثُ أَنه وَسِيلَة إِلَى اسْتِيفَاء حَقه
إِذْ لَا يُمكنهُ الِاسْتِيفَاء إِلَّا بِقطع جُزْء من أَجزَاء
البنية وتضمينه مِمَّا يمْنَع الِاسْتِيفَاء فَوَجَبَ إهداره
كَمَا قُلْنَا فِي سرَايَة الْقُيُود
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض إِن وقف ضمن وَإِن سرى لم يضمن
لِأَن الثَّابِت لَهُ اسْتِحْقَاق فعل الْقَتْل وَهُوَ
تَفْوِيت الرّوح دون الْأَطْرَاف
(1/319)
مَسْأَلَة 6
ذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن التَّمَسُّك بالمصالح المستندة
إِلَى كلي الشَّرْع وان لم تكن مستندة إِلَى الجزئيات
الْخَاصَّة الْمعينَة جَائِز
مِثَال ذَلِك مَا ثَبت وتقرر من إِجْمَاع الْأمة إِن الْعَمَل
الْقَلِيل لَا يبطل الصَّلَاة وَالْعَمَل الْكثير يُبْطِلهَا
قَالَ الشَّافِعِي رض حد الْعَمَل الْكثير مَا إِذا فعله
الْمُصَلِّي اعتقده النَّاظر إِلَيْهِ متحللا عَن الصَّلَاة
وخارجا عَنْهَا كَمَا لَو اشْتغل بالخياطة وَالْكِتَابَة وَغير
ذَلِك
وَالْعَمَل الْقَلِيل مَا لَا يعْتَقد النَّاظر مرتكبه خَارِجا
عَن الصَّلَاة كتسوية رِدَائه وَمسح شعره
وَلَيْسَ لهَذَا التَّقْدِير أصل خَاص يسْتَند إِلَيْهِ
وَإِنَّمَا اسْتندَ إِلَى أصل كلي وَهُوَ أَنه
قد تقرر فِي كليات الشَّرْع أَن الصَّلَاة مَشْرُوعَة للخشوع
(1/320)
والخضوع فَمَا دَامَ الْإِنْسَان على
هَيْئَة الْخُشُوع يعد مُصَليا وَإِذا انخرم ذَلِك لَا يعد
مُصَليا
وَقتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ من هَذَا الْقَبِيل عِنْد
الشَّافِعِي رض فَإِنَّهُ عدوان وحيف فِي صورته من حَيْثُ إِن
الله تَعَالَى قيد الْجَزَاء بِالْمثلِ فَقَالَ {وَإِن
عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}
ثمَّ عدل أهل الْإِجْمَاع عَن الأَصْل الْمُتَّفق عَلَيْهِ
لحكمة كُلية ومصلحة معقولة
وَذَاكَ أَن الْمُمَاثلَة لَو روعيت هَهُنَا لأفضى الْأَمر
إِلَى سفك الدِّمَاء المفضي إِلَى الفناء إِذْ الْغَالِب
وُقُوع الْقَتْل بِصفة الشّركَة فَإِن الْوَاحِد يُقَاوم
الْوَاحِد غَالِبا
(1/321)
فَعِنْدَ ذَلِك يصير الحيف فِي هَذَا
الْقَتْل عدلا عِنْد مُلَاحظَة الْعدْل المتوقع مِنْهُ
وَالْعدْل فِيهِ جور عِنْد النّظر إِلَى الْجور المتوقع مِنْهُ
فَقُلْنَا بِوُجُوب الْقَتْل دفعا لأعظم الظلمين بأيسرهما
وَهَذِه مصلحَة لم يشْهد لَهَا أصل معِين فِي الشَّرْع وَلَا
دلّ عَلَيْهَا نَص كتاب وَلَا سنة
بل هِيَ مستندة إِلَى كلي الشَّرْع وَهُوَ حفظ قانونه فِي حقن
الدِّمَاء مُبَالغَة فِي حسم مواد الْقَتْل واستبقاء جنس
الْإِنْس
وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الوقائع الْجُزْئِيَّة لَا نِهَايَة
لَهَا وَكَذَلِكَ أَحْكَام الوقائع لَا حصر لَهَا وَالْأُصُول
الْجُزْئِيَّة الَّتِي تقتبس مِنْهَا الْمعَانِي والعلل محصورة
متناهية المتناهي لَا يَفِي بِغَيْر المتناهي
فَلَا بُد إِذا من طَرِيق آخر يتَوَصَّل بهَا إِلَى إِثْبَات
الْأَحْكَام الْجُزْئِيَّة وَهِي التَّمَسُّك بالمصالح
المستندة إِلَى أوضاع الشَّرْع ومقاصده على نَحْو كلي وَإِن لم
يسْتَند إِلَى أصل جزئي
(1/322)
وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة وَالْقَاضِي من
أَصْحَابنَا إِلَى منع الِاسْتِدْلَال بِجِنْس هَذِه الْمصلحَة
(1/323)
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن الأَصْل أَن
لَا يعْمل بِالظَّنِّ لما فِيهِ من خطر فَوَات الْحق إِذْ
الْإِنْسَان قد يظنّ الشَّيْء مفْسدَة وَهُوَ مصلحَة وَقد
يَظُنّهُ مصلحَة وَهُوَ مفْسدَة غير أَنا صرنا إِلَى الْعَمَل
بِهِ عِنْد الِاسْتِنَاد إِلَى أصل خَاص وَهُوَ الْإِجْمَاع
وَبَقينَا فِيمَا عدا ذَلِك على مُقْتَضى الأَصْل
فتفرع عَن هَذَا الأَصْل
أَن الْقَتْل بالمثقل يُوجب الْقصاص عِنْد الشَّافِعِي رض
فَإِنَّهُ بَاب لَو فتح لأتخذ طَرِيقا إِلَى سفك الدِّمَاء
وَقد رَأينَا الشَّرْع قتل الْألف بِوَاحِد حسما لمواد
الْقَتْل فَوَجَبَ أَن يقتل بالمثقل
(1/324)
حسما لمواد الْقَتْل
ولهذه الْحِكْمَة وَجب الْقصاص على الْمُكْره المتسبب فِي
الْقَتْل فَجعل الشَّافِعِي رض قتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ
أصلا ثمَّ ألحق بِهِ المثقل ثمَّ ألحق بِهِ الْمُكْره على
الْقَتْل ثمَّ تدرج من الْإِكْرَاه إِلَى شُهُود الْقصاص كل
ذَلِك مُبَالغَة فِي حقن الدِّمَاء
(1/325)
مَسْأَلَة 7
ذهب الشَّافِعِي رَحمَه الله إِلَى أَن للْعُمُوم صِيغَة ولفظا
يدل عَلَيْهِ لَكِن مَعَ الِاحْتِمَال لَا قطعا ويقينا فَيُوجب
الْعَمَل دون الْعلم
وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن من قَالَ مَا من صِيغَة من صِيغ
الْعُمُوم إِلَّا وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده الْمُتَكَلّم
مِنْهَا الْخُصُوص فَيمكن فِيهِ شُبْهَة عدم الْعُمُوم
مُقَارنًا لوروده وَإِذا تطرق الِاحْتِمَال ذهب الْيَقِين
وَدَلِيل الِاحْتِمَال أَمْرَانِ
أَحدهمَا أَن اللَّفْظ الْعَام قَابل للتَّأْكِيد كَقَوْلِه
جَاءَنِي الرِّجَال كلهم أَجْمَعُونَ وَلَوْلَا أَن فِيهِ
احْتِمَالا لَكَانَ التَّأْكِيد زِيَادَة عريه عَن الْفَائِدَة
الثَّانِي أَن قَول الْقَائِل جَاءَنَا الرِّجَال كلهم يَقِين
فِي الثَّلَاثَة
(1/326)
مَشْكُوك فِي الزِّيَادَة فَلَا يحمل على
الْمَشْكُوك فِيهِ قطعا ويقينا وَإِنَّمَا يحمل عَلَيْهِ مَعَ
الِاحْتِمَال
ثمَّ دَلِيل الْجَوَاز من كتاب الله تَعَالَى قَالَ الله
تَعَالَى {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا
لكم فَاخْشَوْهُمْ} وَأَرَادَ بِهِ الْبَعْض
وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَن الْعُمُوم ألفاظا شَرْعِيَّة
وأوضاعا مَعْلُومَة لَا يدخلهَا التَّخْصِيص قطعا ويقينا
احْتَجُّوا فِي ذَلِك بِإِجْمَاع الصَّحَابَة رضوَان الله
عَلَيْهِم وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن عمر رض أَنه قَالَ لأبي بكر
رض لما هم بِقِتَال مانعي الزَّكَاة أَلَيْسَ قَالَ ر سَوَّلَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى
يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله
فاحتج بِعُمُوم لفظ النَّاس على أبي بكر وَلم يُنكر عَلَيْهِ
أَبُو بكر وَلَا غَيره هَذَا الِاحْتِجَاج بل عدل أَبُو بكر
إِلَى الِاسْتِثْنَاء وَقَالَ
(1/327)
ألم يقل إِلَّا بِحَقِّهَا وَكَذَلِكَ
عُثْمَان رض لما سمع قَول الشَّاعِر ... وكل نعيم لَا محَالة
زائل ...
قَالَ كذب الشَّاعِر فَإِن نعيم أهل الْجنَّة لَا يَزُول فلولا
أَن كلمة كل للْعُمُوم لما أنكر عُثْمَان ذَلِك
وَأعلم أَن الِاسْتِدْلَال بِالْإِجْمَاع من إِثْبَات هَذَا
الْمَقْصُود مِمَّا لَا سَبِيل لَهَا فان إِنَّمَا عرفنَا كَون
الْإِجْمَاع حجَّة الْأَلْفَاظ عَامَّة كَقَوْلِه تَعَالَى
{وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع
غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى} الْآيَة وَكَذَلِكَ
قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَجْتَمِع أمتِي على
الضَّلَالَة وَكَذَلِكَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا
استحسنه الْمُسلمُونَ فَهُوَ
(1/328)
عِنْد الله حسن وَمن منع الأَصْل منع
الْفَرْع وَإِذا عرفت هَذَا الأَصْل فَأعْلم أَنه مَبْنِيّ على
هَذَا الْخلاف
(1/329)
مَسْأَلَة 8
تَخْصِيص عُمُوم الْكتاب بِالْقِيَاسِ جَائِز عِنْد
الشَّافِعِي رض
وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الْقيَاس دَلِيل شَرْعِي مَعْمُول
بِهِ فَوَجَبَ أَن يجوز التَّخْصِيص قِيَاسا على خبر الْوَاحِد
وَالْكتاب ولأنا إِذا خصصنا الْعُمُوم بِالْقِيَاسِ فقد
عَملنَا بالدليلين جَمِيعًا أما إِذا عرضنَا عَن الْقيَاس
وجرينا على مُقْتَضى عُمُوم الْكتاب وَالسّنة أدّى ذَلِك إِلَى
الْعَمَل بِأحد الدَّلِيلَيْنِ وتعطيل الآخر
وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى إِنْكَار ذَلِك وَاحْتَجُّوا
فِيهِ بِأَن التَّخْصِيص نَازل منزلَة النّسخ من حَيْثُ إِن كل
وَاحِد مِنْهُمَا إِسْقَاط لموجب
(1/330)
اللَّفْظ غير إِن النّسخ إِسْقَاط مُوجب
اللَّفْظ الْعَام فِي بعض الْأَزْمَان والتخصيص إِسْقَاط لموجب
اللَّفْظ فِي بعض الْأَعْيَان
وَهَذَا ضَعِيف فَإِن النّسخ إِسْقَاط والتخصيص بَيَان وإيضاح
وَلِهَذَا لَا يجوز اقتران النَّاسِخ بالمنسوخ وَيجوز اقتران
الدَّلِيل الْمُخَصّص بِاللَّفْظِ الْعَام
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل
أَن مُبَاح الدَّم إِذا التجأ إِلَى الْحرم لَا يعصمه الالتجاء
عِنْد الشَّافِعِي رض طردا للْقِيَاس الْجَلِيّ
وَعِنْدهم يعصمه ذَلِك لعُمُوم قَول الله تَعَالَى {وَمن دخله
كَانَ آمنا}
فالشافعي رض خصص عُمُوم هَذَا النَّص بِالْقِيَاسِ لقِيَام
مُوجب الِاسْتِيفَاء وَبعد احْتِمَال الْمَانِع
(1/331)
إِذْ لَا مُنَاسبَة بَين اللياذ إِلَى
الْحرم وَإِسْقَاط حُقُوق الْآدَمِيّين المبنية على الشُّح
والضنة والمضايقة
كَيفَ وَقد ظهر إلغاؤه فِيمَا إِذا أنشأ الْقَتْل فِي الْحرم
وَفِي قطع الطّرق
وَأَبُو حنيفَة رض لم يجوز تَخْصِيص هَذَا الْعُمُوم
بِالْقِيَاسِ وان كَانَ جليا
(1/332)
مَسْأَلَة 9
مُعْتَقد الشَّافِعِي رض أَن الْحَاصِل مَفْعُولا بِإِذن
الشَّرْع كالحاصل بِإِذن من لَهُ الْحق من الْعباد
وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الله تَعَالَى خَالق الْخلق ومالكهم
على الْحَقِيقَة وَإِنَّمَا تثبت الْحُقُوق المضافة إِلَى
الْعباد بِإِثْبَات الله تَعَالَى إِيَّاهَا لَهُم {أَلا لَهُ
الْخلق وَالْأَمر} فَكَانَ الْمَأْذُون فِي فعله من قبل الله
تَعَالَى كالمأذون فِي فعله بِإِذن الْمُسْتَحق
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض الْمَفْعُول بِإِذن الشَّرْع
يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ
إِلَى مَا يُكَلف الْمُسْتَوْفى فعله وَيُؤمر بِهِ
والى مَا يُخَيّر فِيهِ بَين فعله وَتَركه
فَمَا كلف المستوفي فعله ينزل منزلَة المستوفي بِإِذن حق
الْمُسْتَحق حَتَّى لَا يشْتَرط فِيهِ سَلامَة الْعَاقِبَة
كَالْإِمَامِ إِذا قطع يَد السَّارِق
(1/333)
وَمَا خير فِيهِ المستوفي بَين فعله
وَتَركه لَا ينزل منزلَة الْمَأْذُون من قبل الْمُسْتَحق
وَالْفرق بَينهمَا إِن تَكْلِيف الْفِعْل يَنْفِي اشْتِرَاط
السَّلامَة فِيمَا يتَوَلَّد مِنْهُ لِأَن الِاحْتِرَاز عَنهُ
غير مُمكن
وَأما التَّخْيِير بَين فعل الشَّيْء وَتَركه لَا يَنْفِي
اشْتِرَاط السَّلامَة لِأَن الِاحْتِرَاز عَنهُ مُمكن
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَن سرَايَة الْقصاص غير
مَضْمُونَة عِنْد الشَّافِعِي رض
وَصورتهَا مَا إِذا وَجب الْقصاص على رجل فِي يَده أَو رجله
فَقطعت قصاصا فَمَاتَ الْمُقْتَص مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يضمن
عندنَا
لِأَن الشَّرْع أذن لَهُ فِي قطع يَده من غير قَضَاء القَاضِي
فَصَارَ كَأَن الْجَانِي أذن لَهُ بِنَفسِهِ
وَلَو أذن لَهُ فِي الْقطع ثمَّ سرى إِلَى النَّفس فَإِنَّهُ
لَا يضمن وفَاقا
(1/334)
وَعند أبي حنيفَة رض يضمن لِأَن الشَّرْع
أذن لَهُ فِي الْقطع بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَهُوَ
مُخَيّر فِيهِ
بِخِلَاف الإِمَام إِذا قطع يَد السَّارِق فسرى إِلَى نَفسه
فَإِنَّهُ لَا يضمن لكَونه مُكَلّفا فعله
(1/335)
مَسْأَلَة 10
كلمة من إِذا وَقعت شرطا عَمت الذُّكُور وَالْإِنَاث عِنْد
الشَّافِعِي رض
وَاحْتج فِي ذَلِك بإشعارها بِالْعُمُومِ عِنْد الْإِبْهَام
فِي بَاب الشَّرْط واتفاق الشَّرْع والوضع على الْقَضَاء بذلك
فَإِن من قَالَ من أَتَانِي أكرمته لم يخْتَص وجوب إكرامه
بالذكور دون الْإِنَاث وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ من دخل دَاري من
أرقائي فَهُوَ حر اندرج فِي حكم التَّعْلِيق العبيد
وَالْإِمَاء
وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَنَّهَا تخص الذُّكُور دون
الْإِنَاث
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن من قَالَ بالتسوية بَينهمَا فقد
أبطل تَقْسِيم الْعَرَب فِيمَا ورد فِي لغتها فَإِنَّهُم
قَالُوا فِي الذُّكُور من ومنان ومنون وَفِي الْإِنَاث مِنْهُ
ومنتان ومنات قَالَ شَاعِرهمْ
(1/336)
.. أَتَوا نَارِي فَقلت منون أَنْتُم ...
فَقَالُوا الْجِنّ قلت عموا ظلاما ...
غير أَن هَذَا ضَعِيف فَإِنَّهُ من شواذ اللُّغَة والقانون
الْأَصْلِيّ فِي بَابهَا التَّعْمِيم كَمَا ذكرنَا
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل
أَن الْمُرْتَدَّة تقتل عِنْد الشَّافِعِي رض تمسكا بقوله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم من بدل دينه فأقتلوه
وَعِنْدهم لَا تقتل لقُصُور اللَّفْظ عَن تنَاولهَا
(1/337)
|