تخريج الفروع على الأصول

= كتاب الْحُدُود =
ومسائل حد الزِّنَا

مَسْأَلَة 1

الْكَافِر يدْخل تَحت الْخطاب الْعَام الصَّالح لتنَاوله وَتَنَاول غَيره عِنْد الشَّافِعِي رض لما بَينا من أَن خطابه بِفُرُوع الْإِسْلَام مُمكن وَإِنَّمَا يخرج عَن بَعْضهَا بِدَلِيل كخروج الْحَائِض وَالنُّفَسَاء وَالْمُسَافر وَالْمَرِيض عَن بعض العمومات بِدَلِيل
وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَنه لَا يدْخل تَفْرِيعا على أَنهم غير مخاطبين بالفروع

(1/338)


وَهَذَا بَاطِل لما قَرَّرْنَاهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل
أَن الذِّمِّيّ الثّيّب إِذا زنا يرْجم عندنَا ولعموم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثّيّب بِالثَّيِّبِ رجما بِالْحِجَارَةِ
وَعِنْدهم لَا يرْجم لما ذَكرْنَاهُ

(1/339)


مَسْأَلَة 2

لَا يُمكن دَعْوَى الْعُمُوم فِي وَاقعَة لشخص معِين قضى فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحكم وَذكر علته أَيْضا إِذا أمكن اخْتِصَاص الْعلَّة بِصَاحِب الْوَاقِعَة عِنْد الشَّافِعِي رض
وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الصِّيغَة عرية عَن أَوْقَات الْعُمُوم فَالْحكم بِالْعُمُومِ مَعَ انْتِفَاء مَا يدل على الْعُمُوم حكم بوهم الْعُمُوم لَا بِلَفْظِهِ
وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى وجوب تعميمه إِذا كَانَ من عداهُ فِي مَعْنَاهُ
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل
سُقُوط اعْتِبَار التّكْرَار فِي الْإِقْرَار بِالزِّنَا عِنْد الشَّافِعِي رض سلوكا لجادة الْقيَاس كَمَا فِي سَائِر الأقارير
وَأَشْتَرِط التّكْرَار أَربع مَرَّات فِي أَرْبَعَة مجَالِس عِنْد أبي حنيفَة

(1/340)


رَضِي الله عَنهُ تمسكا بقضية مَاعِز أَنه حَيْثُ جَاءَ وَأقر أَرْبعا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْآن حِين أَقرَرت أَرْبعا فبمن وَهَذَا تَعْلِيل
وَالشَّافِعِيّ رض يَقُول لَا بل كَانَ توقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكَونه شكّ فِي سَلامَة عقله إِذْ قَالَ أبك جُنُون ثمَّ قَالَ أَتَدْرِي مَا الزِّنَا فَقَالَ نعم أتيت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرجل من امْرَأَته حَلَالا فَأمر برجمه وَهَذَا يخص وَلَا يعم إِذْ لَا صِيغَة لعمومه

(1/341)


مَسْأَلَة 3

أسم الزِّنَى حَقِيقَة فِي الزَّانِي والزانية عندنَا ومسمى اللَّفْظ مُتحد والتعدد فِي محاله بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا} واتحاد الِاسْم يدل على اتِّحَاد الْمُسَمّى ظَاهرا وغالبا وَلذَلِك اسْتَويَا فِي اسْتِحْقَاق الْعقُوبَة
وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَن الِاسْم يُطلق على الرجل حَقِيقَة وعَلى الْمَرْأَة مجَازًا وَوجه الْمجَاز أَنَّهَا نسبت إِلَى فعل الزِّنَا فسميت زَانِيَة وَلِأَن الزِّنَا عبارَة عَن فعل وَلَا فعل لَهَا وَإِنَّمَا هِيَ مَحل الْفِعْل وممكنة مِنْهُ
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل
أَن الْعَاقِلَة الْبَالِغَة إِذا مكنت صَبيا أَو مَجْنُونا أَو نزلت على رجل مكره مربوط فِي شَجَرَة واستدخلت فرجه لَزِمَهَا الْحَد عندنَا لِأَنَّهَا زَانِيَة لفعلها وتمكينها

(1/342)


وَعِنْدهم لَا يلْزمهَا لِأَن الزِّنَا عبارَة عَن فعل محرم وَالْفِعْل من الواطيء وَهِي مَحل لَا فعل لَهَا

(1/343)


مسالة 4

لَا مَانع من إِجْرَاء الْقيَاس فِي الْأَسْمَاء اللُّغَوِيَّة المشتقة من الْمعَانِي كَلَفْظِ الْخمْرَة الْمُشْتَقّ من التخمير وَالسَّرِقَة المشتقة من استراق الْأَعْين عِنْد أَصْحَاب الشَّافِعِي رض الله عَنْهُم
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَنا رَأينَا الْعَرَب وضعت أسامي لمسميات مَخْصُوصَة ثمَّ انقرضت تِلْكَ المسميات وانعدمت وَحدثت أَعْيَان أخر تضاهي تِلْكَ الْأَعْيَان الَّتِي وضعت تِلْكَ الْأَسَامِي بازائها فِي الشكل وَالصُّورَة والهيئة فنقلت تِلْكَ الْأَسَامِي إِلَيْهَا وَلم يكن ذَلِك إِلَّا بطرِيق الْقيَاس والإلحاق
وَذهب أَصْحَاب أَبُو حنيفَة رض والمتكلون إِلَى منع ذَلِك
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن قَالُوا ركن الْقيَاس فهم الْمَعْنى وَالْمعْنَى غير مَفْهُوم من اللُّغَة
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن الْعَرَب يحْتَمل أَنَّهَا وضعت اللُّغَة وضعا

(1/344)


يحْتَمل الْقيَاس وَيحْتَمل أَنَّهَا وضعت صيغا لَا تحْتَمل الْقيَاس وَمَعَ تعَارض الِاحْتِمَال يمْتَنع الْمصير إِلَى الْقيَاس
وَهَذَا بِخِلَاف الْقيَاس فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَإِنَّهُ مُسْتَند إِلَى الْقَاطِع السمعي وَهُوَ إِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم على الْعَمَل بِالْقِيَاسِ
أما فِي مَسْأَلَتنَا فَلَيْسَ من الْمُمكن أَن ينْقل عَن وَاضع اللُّغَة كيعرب وقحطان ومعد وعدنان أَن الْقيَاس يجْرِي فِي اللُّغَات
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل
مِنْهَا أَن اللواط يُوجب حد الزِّنَا عندنَا لوُجُود معنى

(1/345)


الزِّنَى فِيهَا وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج إِذا سُئِلَ عَن هَذِه المسالة يَقُول أَنا أستدل على أَن اللواط زنا فَإِذا ثَبت ذَلِك الحكم فَحكم الزِّنَا ثَابت بِنَصّ الْكتاب وَهَكَذَا كَانَ إِذا سُئِلَ عَن مسالة النَّبِيذ يَقُول أَنا أستدل على أَن النَّبِيذ خمر فَإِذا ثَبت ذَلِك فَحكم الْخمر مَنْصُوص عَلَيْهِ فِي كتاب الله تَعَالَى
وَعِنْدهم لَا توجب الْحَد لِامْتِنَاع الْقيَاس فِي هَذَا الْبَاب على مَا سبق

(1/346)


وَمِنْهَا أَن النباش يقطع عندنَا إِلْحَاقًا لَهُ بسارق مَال الْحَيّ
وَعِنْدهم لَا يقطع لما ذَكرْنَاهُ

(1/347)