تخريج الفروع على الأصول مسَائِل الْإِيمَان
مسالة 1
مُعْتَقد الشَّافِعِي رض أَن الْكَفَّارَات كلهَا شرعت ضمانا
للمتلف من حُقُوق الله تَعَالَى جبرا كالدية الْمَشْرُوعَة
ضمانا لنَفس الْآدَمِيّ فَلَا نظر إِلَى صفة الْعَمَل سَوَاء
تمحض عُدْوانًا أَو كَانَ دائرا بَين الْحَظْر وَالْإِبَاحَة
لِأَن فَوَات حق الله لَا يخْتَلف باخْتلَاف صفة الْفِعْل
وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَن الْكَفَّارَات كلهَا شرعت
جَزَاء للْفِعْل فيراعى فِيهَا صفة الْعَمَل
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن قَالُوا تأملنا الْكَفَّارَة
نَفسهَا وجدناها مركبة من وصفين
وصف الْعِبَادَة وَوصف الْعقُوبَة
(1/366)
فاستدللنا بالحكم على إِن سَببه وَجب إِن
يكون دائرا بَين الْحَظْر وَالْإِبَاحَة ليصير معنى
الْعِبَادَة مُضَافا إِلَى وصف الْإِبَاحَة وَمعنى الْعقُوبَة
مُضَافا إِلَى وصف الْحَظْر
قَالُوا وَلَا يلْزمنَا المثقل الصَّغِير لِأَنَّهُ دائر بَين
التَّأْدِيب الْمُبَاح وَبَين صَيْرُورَته قتلا بتقصير من
جِهَته وَفِي المثقل الْكَبِير قَالُوا هُوَ غير مَوْضُوع
للْقَتْل بل لأمور أُخْرَى غير الْقَتْل
قَالُوا وَلَا يلْزم قتل الْمُسْتَأْمن حَيْثُ لَا توجب
الْكَفَّارَة وَإِن وجدت فِيهِ شُبْهَة الْإِبَاحَة لِأَن
شُبْهَة الْإِبَاحَة هُنَاكَ فِي الْمحل لَا فِي فعل الْقَتْل
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل
مِنْهَا أَن الْيَمين الْغمُوس توجب الْكَفَّارَة عندنَا
لتفويت حق الله تَعَالَى بالمخالفة
وَعِنْدهم لَا توجب لِأَن السَّبَب لم يَتَّصِف بِشَيْء من
الْإِبَاحَة
(1/367)
بل هُوَ عدوان مَحْض
وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْقَتْل الْعمد لَا يُوجب الْكَفَّارَة
عندنَا لتمحض فعله عُدْوانًا كَمَا فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَة
وَمِنْهَا إِن تَقْدِيم الْكَفَّارَة على الْحِنْث جَائِز
عندنَا لتحَقّق السَّبَب الْمُوجب وَهُوَ الْيَمين
وَعِنْدهم لَا يجوز لِأَن سَبَب الْوُجُوب مَا يتركب من وصفي
الْإِبَاحَة والحظر وَالْيَمِين فِي نَفسهَا مُبَاحَة والمحظور
هُوَ الْحِنْث فَكَانَت الْيَمين إِحْدَى جزئي السَّبَب
الْمُوجب لَهَا وَإِنَّمَا تَنْعَقِد سَببا بِالْحِنْثِ
الْمحرم بِمُوجب الْيَمين
(1/368)
مَسْأَلَة 2
شرع من قبلنَا لَيْسَ شرعا لنا عِنْد الشَّافِعِي رض لقَوْله
تَعَالَى {لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة ومنهاجا}
والبرهان الْقَاطِع فِيهِ أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يَتَرَدَّدُونَ فِي الْحَوَادِث بَين
الْكتاب وَالسّنة وَالِاجْتِهَاد وَكَانُوا لَا يرجعُونَ إِلَى
الْكتب الْمنزلَة على الْأَنْبِيَاء الْمُتَقَدِّمين
وَنقل عَن أبي حنيفَة رض أَنه قَالَ مَا حَكَاهُ الله تَعَالَى
فِي كِتَابه من شرائع الماضين فَهُوَ شرع لنا إِذْ لَا
فَائِدَة من ذكره إِلَّا الِاحْتِجَاج بِهِ
وَيدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {ثمَّ أَوْحَينَا إِلَيْك أَن
اتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا}
(1/369)
وَقَوله تَعَالَى {إِنَّا أنزلنَا
التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين
أَسْلمُوا}
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل
مِنْهَا إِذا نذر ذبح وَلَده لم ينْعَقد نَذره عندنَا إِذْ لَا
أصل لَهُ فِي شرعنا
وَينْعَقد عِنْدهم تمسكا بقضية الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَمِنْهَا أَن الْأُضْحِية غير وَاجِبَة عندنَا لانْتِفَاء
مدارك الْوُجُوب فِيهَا
وَعِنْدهم تجب لقَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن الْخَلِيل
عَلَيْهِ السَّلَام
(1/370)
{قل إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله
رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت}
وَالْأَمر فِي شَرعه أَمر فِي شرعنا
(1/371)
|