تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
" رب يسر وأعن وتمم بِخَير فِي عَافِيَة، واعف عَنَّا، وصل على
سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وعترته وَسلم ": {الْحَمد لله
الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن
هدَانَا الله لقد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ} ، اللَّهُمَّ
إِنَّا نحمدك على توفيقنا لحمدك وتأهيلنا لفهم خطابك،
وانقيادنا إِلَى طَاعَتك وهدايتنا بِخَاتم أنبيائك وَسيد
أصفيائك مُحَمَّد النَّبِي عَلَيْهِ أفصل سلامك، وعَلى آله
وَصَحبه وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان، كَانَ الْوَالِد
رَضِي الله عَنهُ يخْتَار لي مَا يخْتَار الْأَب الْبر لوَلَده
من سعادتي الْآخِرَة وَالدُّنْيَا، فأداه اجْتِهَاده إِلَى
شغلي بالفقه الْجَامِع لما قصد لَهُ، ذَاك والطين رطب،
وَالْعود بمائه؛ وَلِأَن كل امْرِئ ميسر لما خلق لَهُ، صرفت
عَن هَذَا الْقَصْد أزمة الْقدر حَتَّى
(1/53)
عَسى الْعود، وعاصى الطائع، فندمت حِين لات
مندم:
(وأصبحت من ليلى الْغَدَاة كناظر ... مَعَ الصُّبْح فِي أعقاب
نجم مغرب)
وَلَا أَشك أَن ببركة همة الْوَالِد - رَحمَه الله تَعَالَى -
مَا وهب لي على الْكبر، عبد من عبيد الرَّحْمَن المنتمين
إِلَيْهِ، الراغبين فِيمَا لَدَيْهِ، فأرغد العيشة، وهنأ
الْمَعيشَة.
(1/54)
فحين أويت إِلَى ظله، وعلقت بمرير حبله،
فرغني للاشتغال وأعانني بخلو البال، وَوَجَدته قد اقتنى مَعَ
الذّكر الْجَمِيل كتبا تشهد بفضله فاتخذتها ذَرِيعَة إِلَى
تدارك ذَلِك الْمَقْصد وَالله الْمُوفق، ثمَّ جمعت هَذِه
الأوراق ووسمتها بتقويم النّظر، تشْتَمل على مسَائِل خلافية
ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة بعد مُقَدمَات تعين على النّظر فِي
ذَلِك، وَجَعَلته يشْتَمل على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة مقدما
مَذْهَب الشَّافِعِي (رَضِي الله عَنهُ وحجته) لقَوْله
عَلَيْهِ السَّلَام: " قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها، وتعلموا
من قُرَيْش وَلَا
(1/55)
تعالموها، فعالمها يمْلَأ الأَرْض علما "،
وَوجدنَا هَذَا الْعَالم هُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن
إِدْرِيس بن الْعَبَّاس بن عُثْمَان بن شَافِع بن السايب بن
عُبَيْدَة بن عبد يزِيد بن هَاشم بن الْمطلب بن عبد منَاف،
(وَفِي عبد منَاف) يجْتَمع مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، ومولده رَضِي الله عَنهُ بغزة فِي سنة قن، ووفاته
سنة رد، وتربته الطاهرة بِمصْر.
وَقيل لبَعض الْقصاص: مَا السِّرّ فِي قصر عمر الشَّافِعِي؟ ،
فَقَالَ: حَتَّى لَا يزَالُوا مُخْتَلفين، وَلَو طَال عمره رفع
الْخلاف، وأردفت الجداول بجدول يشْتَمل على تواريخ وَفَاة
جمَاعَة من الصَّحَابَة (رضوَان الله عَلَيْهِم) وَالْأَئِمَّة
وَالْفُقَهَاء، والأنبه الأنبه فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة
(رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ)
(1/56)
وَالله (تَعَالَى) الْمعِين.
مُقَدّمَة - اللَّفْظ قالب الْمَعْنى، ومركبه الموصله إِلَى
الذِّهْن، وَقد خص اللِّسَان الْعَرَبِيّ بأفصح اللَّفْظ،
وَبِه خوطبنا فِي عزيزي الْكتاب وَالسّنة، فاللفظ يعبر عَمَّا
فِي الذِّهْن، وَمَا فِي الذِّهْن مِثَال للمعبر عَنهُ،
وَالْكِتَابَة تنوب عَن الْعبارَة، والعبارة مَجْمُوع أَلْفَاظ
مفيدة، واللفظة مركبة من حُرُوف، والحروف تَنْقَسِم إِلَى
صامتة ومصوته، فالصامت مَا يتَمَكَّن من مطلعه ويتميز بِهِ
الصَّوْت مثل س ع د، والمصوت مَا يخرج فِي الْهَوَاء فَيحمل
الْحَرْف الصَّامِت إِلَى السّمع كالضمة والفتحة والكسرة
الَّتِي (مَتى مطلت) صَارَت واي، وَمن الْأَلْفَاظ والحروف
المقاطع، والمقاطع تَنْقَسِم إِلَى خَفِيفَة وثقيلة، فالخفيف
تركب من حرفين صَامت ومصوت، والثقيل من صامتين ومصوت؛ لِأَن
المصوت. أما أَن ينْطق بِهِ فِي أقصر زمَان يكون فِيهِ
اتِّصَال الصَّامِت (إِلَى الصَّامِت) أَو إِلَى السّمع وَهُوَ
المقطع الْمَقْصُور وَالسَّبَب الْخَفِيف الْعَرُوضِي مثل لن.
وَأما أَن ينْطق بِهِ فِي ضعف الزَّمَان أَو إضعافه وَيُسمى
مقطعا مسدودا (وَهُوَ) الوتد المفروق الْعَرُوضِي مثل: فاع،
ولهذه الْحُرُوف
(1/57)
مخارج هَذِه صورتهَا:
1 -
(من أقْصَى الْحلق، هـ آهمزة) .
2 -
(بعده من جِهَة الْفَم، ع ح) .
3 -
(بعده، غ خَ) .
4 -
(من أقْصَى اللِّسَان وَمَا فَوْقه من الحنك، ق) .
5 -
(أَسْفَل من ذَلِك قَلِيلا، ك) .
6 -
(من وسط اللِّسَان بَينه وَبَين الحنك، ج ش ي) .
7 -
(من دون حافة اللِّسَان والأضراس، ض) .
8 -
(من حافة اللِّسَان أدناها إِلَى مُنْتَهى طرفه، ل) .
9 -
(فَوق ذَلِك فويق الثنايا، ن) .
10 -
(أَدخل من ذَلِك إِلَى طرف اللِّسَان منحرفا، ر) .
11 -
(من طرف اللِّسَان وأصول الثنايا، ط د ت) .
12 -
(من بَين طرف اللِّسَان فويق الثنايا السُّفْلى، ز س ص) .
13 -
(مَا بَين طرف اللِّسَان وأطراف الثنايا، ظ ث ذ) .
14 -
(من بَاطِن الشّفة السُّفْلى وأطراف الثنايا الْعليا، ف) .
15 -
(من الشفتين، ب م و) .
16 -
(من الخياشيم، التَّنْوِين) .
(1/58)
تفهيم:
حاسة السّمع أحد الْحَواس الْخمس وتعجز عَن إِدْرَاك البسائط،
فحروف المعجم مَا لم يتركب، لَا يُمكن إِدْرَاكهَا بِالسَّمْعِ
وَلَا إيرادها بِآلَة النُّطْق واحتيج إِلَى تعرف الْحُرُوف
البسيطة فَرَكبُوا مَعَ الْحَرْف الْبَسِيط حروفا أخر وَجعلُوا
الْجُمْلَة اسْم ذَاك الْحَرْف الْبَسِيط؛ وَلِأَنَّهُ مُهِمّ
صدرُوا الْجُمْلَة بِهِ فولك عين هُوَ اسْم الْحَرْف
الْأَوْسَط من سعد.
(1/59)
|