تيسير التحرير

الْبَحْث الثَّالِث

من المباحث الْمُتَعَلّقَة بِالْعَام: بحث الْجمع الْمُنكر، وَيجوز أَن يكون الْخَبَر قَوْله (لَيْسَ الْجمع الْمُنكر عَاما) إِلَى آخر المبحث (خلافًا لطائفة من الْحَنَفِيَّة) مِنْهُم فَخر الْإِسْلَام وَعَامة الْأُصُولِيِّينَ على أَن جمع الْقلَّة النكرَة لَيْسَ بعام لظُهُوره فِي الْعشْرَة فَمَا دونهَا، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي جمع الْكَثْرَة النكرَة، فَقَوْل فَخر الْإِسْلَام: أما الْعَام بصيغته وَمَعْنَاهُ فَهُوَ صِيغَة كل جمع يُخَالف قَول الْعَامَّة (لنا الْقطع بِأَن رجَالًا لَا يتَبَادَر مِنْهُ عِنْد إِطْلَاقه) عَن قرينَة الْعُمُوم (استغراقهم) أَي استغراق رجَالًا فِي: رَأَيْت رجَالًا مثلا جَمِيع الرِّجَال (كَرجل) أَي كَمَا أَن رجلا عِنْد إِطْلَاقه عَنْهَا لَا يتَبَادَر مِنْهُ استغراق أَفْرَاد مَفْهُومه، وَلَو كَانَ حَقِيقَة الْعُمُوم لتبادر مِنْهُ ذَلِك (فَلَيْسَ) الْجمع الْمُنكر (عَاما) كَمَا أَن رجلا كَذَلِك: كَذَا فِي شرح التلميذ (فَمَا قيل الْمرتبَة المستغرقة) فَهِيَ الْجَمَاعَة الَّتِي تندرج فِيهَا كل جمَاعَة يصدق عَلَيْهَا صِيغَة الْجمع: يَعْنِي مَجْمُوع أَفْرَاد الرجل (من) جملَة (مراتبه) أَي مَرَاتِب الْجمع الْمُنكر، لِأَنَّهُ يصدق عَلَيْهِ صِيغَة الْجمع (فَيحمل) الْجمع الْمُنكر (عَلَيْهَا) أَي على الْمرتبَة المستغرقة فَيتَحَقَّق الْعُمُوم عِنْد ذَلِك، وَإِنَّمَا يحمل عَلَيْهَا (للِاحْتِيَاط) على مَا سبق آنِفا (بعد أَنه) أَي مَا قيل، والظرف مُتَعَلق بِخَبَر الْمَوْصُول: أَعنِي لَيْسَ (معَارض) خبر أَن (بِأَن غَيرهَا) أَي غير المستغرقة، وَهُوَ أقل مَرَاتِب الْجمع (أولى للتيقن) بِهِ لوجودها فِي جَمِيع الْمَرَاتِب، وَمَا سواهُ مَشْكُوك فِيهِ (و) بعد أَنه معَارض بِكَوْن الِاحْتِيَاط لَا يسْتَمر) فِي الِاسْتِغْرَاق (بل) قد (يكون) الِاحْتِيَاط (فِي عَدمه) أَي عدم الِاسْتِغْرَاق كَمَا مر و (لَيْسَ) مَا قيل (فِي مَحل النزاع لِأَنَّهُ) أَي النزاع (فِي أَنه) أَي الْعُمُوم (مَفْهُومه) أَي مَفْهُوم الْجمع الْمُنكر أم لَا (وَأَيْنَ الْحمل) أَي حمل جمع الْمُنكر (على

(1/205)


بعض مَا صدقاته) الَّذِي هُوَ الْمرتبَة المستغرقة (للِاحْتِيَاط) مُتَعَلق بِالْحملِ (مِنْهُ) أَي من مَحل النزاع، وَالْجَار مُتَعَلق بِمَا تعلق بِهِ خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي أَيْن، وَالْمعْنَى الْحمل الْمَذْكُور فِي أَي مَكَان من مَحل النزاع، أَي من قربه، وَالْمرَاد إبعاده عَن ساحته لعدم الْمُنَاسبَة (وَأما إِلْزَام) منكرى عُمُوم الْجمع الْمُنكر على مثبتيه بِأَنَّهُ يلْزم عَلَيْك عدم عُمُوم الْجمع لعدم الْمُنَاسبَة عُمُوم (نَحْو رجل فمدفوع بِأَنَّهُ) أَي نَحْو رجل (لَيْسَ من أَفْرَاده) الْمرتبَة (المستغرقة) ليحمل عَلَيْهَا (بِخِلَاف رجال فَإِنَّهُ للْجمع) الْمُطلق (الْمُشْتَرك بَين الْمُسْتَغْرق وَغَيره) مِمَّا صدقاته (قيل مَبْنِيّ الْخلاف) فِي أَنه عَام أم لَا؟ على مَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي التَّلْوِيح (الْخلاف فِي اشْتِرَاط الِاسْتِغْرَاق فِي الْعُمُوم، فَمن لَا) يشْتَرط (كفخر الْإِسْلَام وَغَيره جعله) أَي الْجمع الْمُنكر (عَاما) وَمن لَا يشْتَرط لَا يَجعله عَاما (وَإِذا) أَي وَحين يكون مبْنى الْخلاف ذَلِك (لَا وَجه لمحاولة استغراقه) أَي الْجمع الْمُنكر، فِي الْقَامُوس حاوله حوالا، ومحاولة، رامه (بِالْحملِ على مرتبَة الِاسْتِغْرَاق بل) النزاع (لَفْظِي) إضراب عَن كَون الْخلاف فِيهِ مَبْنِيا على ذَلِك الْخلاف، لِأَنَّهُ فرع وجود الْخلاف بِحَسب الْحَقِيقَة وَالْمعْنَى، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل وَاللَّفْظ فَقَط (فمراد الْمُثبت) لجمع الْمُنكر الْعُمُوم (مَفْهُوم) أَي إِثْبَات مَفْهُوم لفظ (عُمُوم) لُغَة (وَهُوَ) أَي مَفْهُومه (شُمُول مُتَعَدد) وَهُوَ (أَعم من الِاسْتِغْرَاق) والخصم لَا يَنْفِيه بِهَذَا الْمَعْنى (وَمُرَاد النَّافِي) من الْعُمُوم الَّذِي نَفَاهُ (عُمُوم الصِّيَغ الَّتِي أثبتنا كَونهَا) أَي كَون تِلْكَ الصِّيَغ (حَقِيقَة فِيهِ) أَي فِي ذَلِك الْعُمُوم (وَهُوَ) أَي عُمُوم الصِّيَغ الْمَذْكُورَة (الاستغراقي حَتَّى قبل) عمومها (الْأَحْكَام) الْمرتبَة على الْعُمُوم الاستغراقي (من التَّخْصِيص وَالِاسْتِثْنَاء) وَغَيرهمَا مِمَّا يقْصد الْبَحْث عَنهُ فِي مَبْحَث الْعَام (وَلَا نزاع فِي) أَن مُرَاد النَّافِي من الْعُمُوم الَّذِي نَفَاهُ هُوَ (هَذَا) الْعُمُوم الاستغراقي (لأحد) من أهل هَذَا الشَّأْن (وَلَا) نزاع أَيْضا (فِي عَدمه) أَي عدم هَذَا الْعُمُوم (فِي رجال) وَلِهَذَا (لَا يُقَال: اقْتُل رجَالًا إِلَّا زيدا) أَشَارَ بقوله (لِأَنَّهُ) أَي الِاسْتِثْنَاء ل (إِخْرَاج مالولاه) أَي الِاسْتِثْنَاء (لدخل) فِي حكم صدر الْكَلَام (وَلَو قيل) اقْتُل رجَالًا (وَلَا تقتل زيدا كَانَ) وَلَا تقتل زيدا (ابْتِدَاء) لكَلَام آخر (لَا تَخْصِيصًا) لِأَنَّهُ فرع الْعُمُوم الاستغراقي (وَإِذ بَينا أَنه) أَي الْجمع الْمُنكر مَوْضُوع (للمشترك) بَين مَرَاتِب الْجمع (وَهُوَ) أَي الْمُشْتَرك بَينهَا (الْجمع مُطلقًا، فَفِي أَقَله) أَي أقل الْجمع مُطلقًا (خلاف) فِي التَّلْوِيح: ذهب أَكثر الصَّحَابَة وَالْفُقَهَاء وأئمة اللُّغَة إِلَى أَنه ثَلَاثَة، وَفصل الْخلاف بقوله (قيل) أَقَله (ثَلَاثَة) من آحَاد مفرده (مجَاز لما دونهَا) أَي الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحد، فَإِذا أطلق على الثَّلَاثَة فَمَا فَوْقهَا أَي عدد كَانَ فَهُوَ حَقِيقَة لكَونهَا من أَفْرَاد مَا وضع لَهُ الْجمع، بِخِلَاف مَا دون الثَّلَاثَة فَإِنَّهُ لَيْسَ من أَفْرَاده (وَهُوَ)

(1/206)


أَي هَذَا القَوْل هُوَ (الْمُخْتَار) لما سَيَجِيءُ (وَقيل حَقِيقَة فِي اثْنَيْنِ أَيْضا) لكَونه من أَفْرَاد مُسَمّى الْجمع للاكتفاء بِمَا فَوق الْوَاحِد فِيهِ، فالأقل على هَذَا اثْنَان (وَقيل) حَقِيقَة فِي الثَّلَاثَة (مجَاز فيهمَا) أَي فِي اثْنَيْنِ لَا فِيمَا دونه، وَهُوَ الْوَاحِد (وَقيل) حَقِيقَة فِي الثَّلَاثَة، وَلَا يُطلق على اثْنَيْنِ (لَا) حَقِيقَة (وَلَا) مجَازًا، فَلَزِمَ عدم إِطْلَاقه على الْوَاحِد بِالطَّرِيقِ الأول، ثمَّ شرع فِي بَيَان وَجه الْمجَاز، فَقَالَ (لقَوْل ابْن عَبَّاس) رَضِي الله عَنْهُمَا (لَيْسَ الأخوان إخْوَة) أخرج ابْن خُزَيْمَة وَالْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَنهُ أَنه دخل على عُثْمَان، فَقَالَ أَن الأخوان لَا يرد أَن الْأُم عَن الثُّلُث، فَإِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُول - {فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس} - والأخوان ليسَا بإخوة بِلِسَان قَوْمك، فَقَالَ عُثْمَان: لَا أَسْتَطِيع أرد أمرا توارث عَلَيْهِ النَّاس وَكَانَ قبلي وَمضى فِي الْأَمْصَار انْتهى (أَي حَقِيقَة) أَي أَرَادَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا نفى إِطْلَاق الْأُخوة على الْأَخَوَيْنِ بطرِيق الْحَقِيقَة، لَا نفى إِطْلَاقهَا عَلَيْهِمَا بطرِيق الْمجَاز (لقَوْل زيد: الأخوان إخْوَة) . قَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإِسْنَاد عَن خَارِجَة بن زيد عَن ثَابت عَن أَبِيه أَنه كَانَ يحجب الْأُم عَن الثُّلُث بالأخوين، فَقَالَ أَبَا سعيد فَإِن الله عز وَجل يَقُول - {فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس} - وَأَنت تحجبها بالأخوين؟ فَقَالَ: إِن الْعَرَب تسمى الْأَخَوَيْنِ إخْوَة (أَي مجَازًا) وَإِنَّمَا جعلنَا مورد النَّفْي الْحَقِيقَة، وَمحل الْإِثْبَات الْمجَاز (جمعا) بَين كل مِنْهُمَا، وتوفيقا بَين الْأَمريْنِ الصَّحِيحَيْنِ على مَا تَقْتَضِيه قَاعِدَة الْأُصُول (وَتَسْلِيم عُثْمَان لِابْنِ عَبَّاس تمسكه، ثمَّ عدوله إِلَى الْإِجْمَاع دَلِيل على الْأَمريْنِ) أما على الأول فَظَاهر، وَأما على الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لما تمسك بِالْإِجْمَاع، وَلَا بُد لَهُ من التَّوْفِيق بَين الْكتاب وَالْإِجْمَاع تعين ارتكابه الْمجَاز فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة لِئَلَّا يلْزم مُخَالفَة الْإِجْمَاع لمفهومها، وَفِيه أَنه إِنَّمَا يتم إِذا كَانَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ قَائِلا بِمَفْهُوم الْعدَد فَتَأمل، ثمَّ أَشَارَ إِلَى إِطْلَاق الْجمع على الْوَاحِد مجَازًا بقوله (وَلَا شكّ فِي صِحَة الْإِنْكَار على متبرجة) أَي مظهرة زينتها (لرجل) أَجْنَبِي بقوله (أتتبرجين للرِّجَال) فقد أطلق فِي هَذَا الْإِنْكَار الرِّجَال على الرجل الْوَاحِد لِأَنَّهَا مَا تبرجت إِلَّا لوَاحِد (وَلَا يخفى أَنه) أَي لفظ الرِّجَال هُنَا (من الْعَام) الْمُسْتَعْمل (فِي الْخُصُوص) لكَونه محلى بِاللَّامِ الاستغراقية (لَا الْمُخْتَلف) فِيهِ (من نَحْو رجال الْمُنكر) صفة الْمُخْتَلف، أَو رجال لِأَنَّهُ أُرِيد بِهِ لَفظه، وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار معرفَة، الْجَار وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بمقدر حَال عَن الضَّمِير فِي الْمُخْتَلف (على أَنه) أَي الْمِثَال الْمَذْكُور (لَا يستلزمه) أَي كَون الْجمع (مجَازًا فِيهِ) أَي فِي الْوَاحِد (لجَوَاز أَن الْمَعْنى أهوَ) أَي التبرج (عادتك لَهُم) أَي للرِّجَال مُتَعَلق بالتبرج (حَتَّى تبرجت لهَذَا) الرجل (وَهُوَ) أَي هَذَا الْمَعْنى (مِمَّا يُرَاد فِي مثله) أَي فِي مثل هَذَا الْكَلَام (نَحْو: أتظلم الْمُسلمين) لمن ظلم وَاحِدًا

(1/207)


يحْتَمل أَن يُرَاد بِصِيغَة الْجمع الْجِنْس كَمَا فِي: فلَان يركب الْخَيل وَحَاصِل الجوابين مَعَ استلزام صِحَة الْإِنْكَار اسْتِعْمَال الْجمع الْمُنكر فِي الْوَاحِد مُسْتَندا بِأَن الْجمع الْمَذْكُور فِيهِ لَيْسَ بمنكر، وَبِأَن الْمَعْنى لَيْسَ كَمَا زعمت من أَن المُرَاد بِالرِّجَالِ ذَلِك الرجل (وَالْحق جَوَازه) أَي جَوَاز إِطْلَاق الْجمع على الْوَاحِد مجَازًا (حَيْثُ يثبت الْمُصَحح) من نُكْتَة بليغة محسنة لتنزيل الْوَاحِد منزلَة الْجَمَاعَة (كرأيت رجَالًا فِي رجل يقوم مقَام الْكثير) كَمَا إِذا كَانَ متفننا بصنائع يسْتَقلّ كل مِنْهَا لرجل كَامِل (وَحَيْثُ لَا) يثبت الْمُصَحح (فَلَا) يجوز (وتبادر مَا فَوق الِاثْنَيْنِ) عِنْد إِطْلَاق الْجمع (يُفِيد الْحَقِيقَة فِيهِ) على مَا مر غير مرّة وَهَذَا دَلِيل عَقْلِي، وَالْأول وَمَا بعده نقلي (واستدلال النافين) لصِحَّة إِطْلَاقه على الِاثْنَيْنِ مُطلقًا (بِعَدَمِ جَوَاز) تركيب (الرِّجَال العاقلان) لعدم صِحَة إِطْلَاق العاقلان على الرِّجَال، وَلَا بُد فِي التوصيف مِنْهَا (وَالرجلَانِ العاقلون) على عكس الأول لعكس مَا ذكرنَا (مجَازًا) لعدم جوازهما حَقِيقَة. قَوْله مجَازًا حَال عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لكَونه فَاعِلا للْجُوَاز معنى، والتجوز الْمَنْفِيّ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار النِّسْبَة التوصيفية (دفع) خبر الْمُبْتَدَأ (بمراعاتهم مُطَابقَة الصُّورَة) أَي الْمُطَابقَة بِحَسب الصُّورَة بَين الصِّيغَة والموصوف، وَعدم اكتفائهم بالمطابقة بِحَسب الْمَعْنى بِسَبَب حمل لفظ الْجمع على مَا فَوق الْوَاحِد مجَازًا مُحَافظَة على التشاكل بَينهمَا (وَنقض) الدّفع الْمَذْكُور (بِجَوَاز زيد وَعَمْرو الفاضلان، وَفِي ثَلَاثَة) نَحْو: زيد، وَعَمْرو، وَبكر (الفاضلون) وَلَا يخفى أَن الدّفع الْمَذْكُور منع، وَسَنَد: تَوْضِيحه أَنا لَا نسلم استلزام عدم جَوَاز مَا ذكر عدم صِحَة الْإِطْلَاق مُطلقًا لجَوَاز أَن يكون ذَلِك لمَانع مَخْصُوص بِبَعْض الصُّور كرعاية مُطَابقَة الصُّورَة، وَلَا يلْزم على الْمَانِع دَعْوَى لُزُوم رِعَايَة الْمُطَابقَة مُطلقًا وَإِبْطَال السَّنَد الْأَخَص غير موجه وَيُمكن الْجَواب بِأَن الْمَنْع الْمَذْكُور بِدُونِ لُزُوم رِعَايَة الْمُطَابقَة صُورَة غير موجه، لِأَن صِحَة الْمجَاز لوُجُود العلاقة يقتضى جَوَاز الرِّجَال العاقلان، وَلَا يَنْفِي الْجَوَاز الْمَذْكُور سوى اللُّزُوم الْمَذْكُور، وَالْأَصْل عدم مَانع آخر فَالسَّنَد مسَاوٍ للْمَنْع، وَإِبْطَال أحد المتساويين يسْتَلْزم إبِْطَال الآخر (وَدفعه) أَي النقيض الْمَذْكُور على مَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (بِأَن الْجمع) بَين مُتَعَدد (بِحرف الْجمع) كواو الْعَطف، وَالْمرَاد بِالْجمعِ الْمَعْنَوِيّ اللّغَوِيّ (كالجمع بِلَفْظ الْجمع) المُرَاد بِهَذَا الْمَعْنى الاصطلاحي فَتحصل الْمُطَابقَة بَين الصّفة والموصوف إِذا كَانَ الْمَوْصُوف جمعا بِالْمَعْنَى الأول، وَالصّفة بِالْمَعْنَى الثَّانِي (لَيْسَ بِشَيْء) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي دَفعه (إِذْ لَا يُخرجهُ) أَي لَا يخرج الِاشْتِرَاك فِي معنى الْجمع على مَا ذكر مَا بِهِ النَّقْض عَن عدم الْمُطَابقَة (إِلَى مُطَابقَة الصُّورَة، وَالْوَجْه) فِي الدّفع (اعْتِبَارا لمطابقة الْأَعَمّ. من الْحَقِيقِيَّة والحكمية) بَين الصّفة والموصوف بِمَا قدمنَا من رِعَايَة الْحَقِيقَة

(1/208)


فِي توصيف الْمثنى بالمجموع وَعَكسه، وَلذَلِك لم يجوزوه، وَمن رِعَايَة الْحكمِيَّة فِي زيد وَعَمْرو الفاضلان وَلذَلِك جوزوه، فالحقيقة مَا تكون الْمُطَابقَة بِحَسب اللَّفْظ وَالْمعْنَى مَعًا، والحكمية مَا تكون بِحَسب الْمَعْنى فَقَط (وَلَا خلاف فِي نَحْو صغت قُلُوبكُمَا) فَإِنَّهُ أطلق الْجمع فِيهِ على الِاثْنَيْنِ اتِّفَاقًا (و) لَا خلاف أَيْضا فِي لفظ (نَا) الَّذِي يعبر بِهِ الْمُتَكَلّم عَن نَفسه وَغَيره، وَإِن كَانَ ذَلِك الْغَيْر وَاحِدًا (و) لَا فِي لفظ (جمع) أَي فِي ج م ع (أَنه) أَي فِي أَن كلا مِنْهَا (لَيْسَ مِنْهُ) أَي من مَحل النزاع (وَلَا) خلاف أَيْضا فِي أَن (الْوَاو فِي ضربوا مِنْهُ) أَي من مَحل النزاع، وَكَذَا غَيرهَا من الضمائر ثمَّ أَنهم لم يفرقُوا فِي هَذَا بَين جمع الْقلَّة وَالْكَثْرَة: كَذَا فِي التَّلْوِيح وَغَيره.
(تَنْبِيه: لم تزد الشَّافِعِيَّة فِي) بَيَان أَحْوَال (صِيغ الْعُمُوم) شَيْئا (على إِثْبَاتهَا) بل اكتفوا بِمُجَرَّد الْإِثْبَات من غير زِيَادَة تَفْصِيل (وفصلها الْحَنَفِيَّة إِلَى عَام بصيغته وَمَعْنَاهُ) بِكَوْن اللَّفْظ جمعا، وَالْمعْنَى مُسْتَغْرقا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَهُوَ) أَي الْعَام بصيغته وَمَعْنَاهُ (الْجمع الْمحلي) بِاللَّامِ (للاستغراق، و) إِلَى عَام (بِمَعْنَاهُ) فَقَط (وَهُوَ الْمُفْرد الْمحلي) بِاللَّامِ (كَالرّجلِ والنكرة) المستغرقة (فِي) سِيَاق (النَّفْي وَالنِّسَاء، وَالْقَوْم، والرهط، وَمن، وَمَا، وَأي مُضَافَة، وكل، وَجَمِيع) وَلَا يخفى أَنه ذكر فِيمَا سبق من الصِّيَغ مَا لَيْسَ بداخل فِي أحد الْقسمَيْنِ هَهُنَا وَالظَّاهِر من هَذَا التَّفْصِيل اسْتِيفَاء الْكل، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بقوله وَهُوَ الْجمع الْمحلي الْجمع وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْقسم الثَّانِي، فِي التَّلْوِيح مَا حَاصله، وَهِي إِمَّا لفظ عَام بصيغته وَمَعْنَاهُ بِأَن يكون اللَّفْظ مجموعا، وَالْمعْنَى مستوعبا، أَو وجد لَهُ مُفْرد من لَفظه كالرجال أَولا كالنساء، وَإِمَّا بِمَعْنَاهُ فَقَط بِكَوْنِهِ مُفردا مستوعبا، وَلَا يتَصَوَّر عَام بصيغته فَقَط إِذْ لَا بُد من تعدد الْمَعْنى، وَالْعَام بِمَعْنَاهُ فَقَط إِمَّا يتَنَاوَل مَجْمُوع الْأَفْرَاد، وَإِمَّا يتَنَاوَل كل وَاحِد بطرِيق الشُّمُول أَو الْبَدَل، فَالْأول يتَعَلَّق الحكم فِيهِ بِمَجْمُوع الْأَفْرَاد، لَا بِكُل وَاحِد إِلَّا من حَيْثُ أَنه دَاخل فِي الْمَجْمُوع كالرهط لما دون الْعشْرَة من الرِّجَال لَيْسَ فيهم امْرَأَة، وَالْقَوْم لجَماعَة الرِّجَال خَاصَّة فاللفظ مُفْرد بِدَلِيل أَنه يثنى، وَيجمع، ويوحد الضَّمِير الرَّاجِع إِلَيْهِ، وتحقيقه أَنه فِي الأَصْل مصدر قَامَ، فوصف بِهِ ثمَّ غلب على الرِّجَال خَاصَّة لقيامهم بِأُمُور النِّسَاء، وَهَذَا تَأْوِيل مَا قيل إِنَّه جمع قَائِم، وَإِلَّا فَفعل لَيْسَ من أبنية الْجمع، وكل مِنْهُمَا متناول لجَمِيع آحاده، وَلَا لكل وَاحِد من حَيْثُ أَنه وَاحِد، حَتَّى لَو قَالَ الرَّهْط أَو الْقَوْم الَّذِي يدْخل هَذَا الْحصن فَلهُ كَذَا، فَدخل جمَاعَة كَانَ النَّفْل لمجموعهم، وَلَو دخله وَاحِد لم يسْتَحق شَيْئا وَالثَّانِي يتَعَلَّق الحكم فِيهِ بِكُل وَاحِد سَوَاء كَانَ مجتمعا مَعَ غَيره أَو مُتَفَرقًا عَنهُ مثل: من دخل هَذَا

(1/209)


الْحصن فَلهُ دِرْهَم، فَلَو دخله وَاحِد اسْتحق درهما، وَلَو دخله جمَاعَة مَعًا أَو متعاقبين اسْتحق كل وَاحِد مِنْهُم الدِّرْهَم وَالثَّالِث يتَعَلَّق الحكم فِيهِ بِكُل وَاحِد بِشَرْط الِانْفِرَاد، وَلَا يتَعَلَّق بِوَاحِد آخر، مثل: من دخل هَذَا الْحصن أَولا فَلهُ دِرْهَم، فَلَو دخله جمَاعَة مَعًا لم يستحقوا شَيْئا، وَلَو دخلُوا متعاقبين لم يسْتَحق إِلَّا السَّابِق انْتهى، وَالْمُصَنّف رَحمَه الله خَالفه بِإِدْخَال النِّسَاء فِي الْعَام بِمَعْنَاهُ فَقَط: إِمَّا لِأَن المرضي عِنْده أَنه اسْم جمع، أَو لاعتباره فِي الْعَام بصيغته وَمَعْنَاهُ أَن يكون لَهُ مُفْرد من لَفظه وَهُوَ الْأَظْهر، فَإِنَّهُ صرح فِي الْقَامُوس بِأَنَّهُ جمع الْمَرْأَة من غير لَفظهَا، هَذَا وَعُمُوم كل وَجَمِيع بِاعْتِبَار مَا أضيف إِلَيْهِ، وإنهما لمُجَرّد الِاسْتِغْرَاق (فانقسم الْعُمُوم) بِهَذَا التَّفْصِيل (إِلَى صيغي) مَنْسُوب إِلَى أصل الْوَضع لكَون الصِّيغَة مَوْضُوعَة لمتعدد ابْتِدَاء (ومعنوي) غير متبادر من نفس الصِّيغَة تبادر الْقسم الأول (أما الْجمع الْمحلي فاستغراقه كالمفرد لكل فَرد لما تقدم) من أَن لَام الْجِنْس تسلب الجمعية إِلَى الجنسية إِلَى آخِره (وَمَا قيل أَن استغراق الْمُفْرد أشمل) من استغراق الْجمع (فَفِي النَّفْي) يَعْنِي أَن أشمليته فِيمَا إِذا كَانَ فِي سِيَاق النَّفْي، لِأَنَّهُ يسلب حِينَئِذٍ الجمعية، وَنفي تَحْقِيق الْجَمَاعَة لَا يسْتَلْزم نفي تَحْقِيق الْوَاحِد والاثنين، بِخِلَاف الْعَكْس إِذا لم يَجْعَل الْوحدَة أَو الأثنينية قيد الْمَنْفِيّ موردا للنَّفْي (أَو المُرَاد) أَن استغراف الْمُفْرد أشمل (أَنه) أَي استغراقه للآحاد (بِلَا وَاسِطَة الْجمع) بِخِلَاف استغراق الْجمع لَهَا فَإِنَّهَا بواسطته، لِأَن الحكم الثَّابِت للْجمع إِنَّمَا يثبت ابْتِدَاء لما يصدق عَلَيْهِ مَفْهُوم الْجمع، ثمَّ يسري إِلَى الْآحَاد إِذا لم يكن ثُبُوته للمجموع من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع، فأشمليته بِمَعْنى أظهرية شُمُوله، لَا بِمَعْنى أوسعية دَائِرَة شُمُوله (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرد أحد التَّأْويلَيْنِ (فَمَمْنُوع) أَي فكونه أشمل مَمْنُوع، ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن شَيْئا من التَّأْويلَيْنِ لَا يَصح أَيْضا بقوله (وَمَا تقدم) من سلب لَام الْجِنْس الجمعية إِلَى الجنسية، وَمن عدم الْفرق بَين: لَا رجل، وَلَا رجال فِي نفي الْجِنْس (يَنْفِي كَونه) أَي كَون استغراق الْجمع (بِوَاسِطَة الْجمع) لِأَنَّهُ لم يبْق الجمعية بعد السَّلب (و) كَذَلِك يَنْفِي (أشمليته فِي النَّفْي) لعدم الْفرق بَينهمَا بِحَسب الْحَقِيقَة على مَا مر بَيَانه (ولإجماع الصَّحَابَة على) فهم الْعُمُوم فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْأَئِمَّة من قُرَيْش) وَإِلَّا لم يحصل إِلْزَام الْأَنْصَار عِنْد قَوْلهم: أَمِير منا، وأمير مِنْكُم لجَوَاز الْعَمَل بِمُوجب قَوْلهم: إِذا لم يقْصد بقوله الْأَئِمَّة الِاسْتِغْرَاق، بِخِلَاف مَا إِذا قصد فَإِن الْمَعْنى حِينَئِذٍ: كل إِمَام من قُرَيْش (و) لإِجْمَاع أهل (اللُّغَة على صِحَة الِاسْتِثْنَاء) أَي اسْتثِْنَاء الْمُفْرد من الْجمع الْمحلي فَإِنَّهُ لَو لم يسْتَغْرق الْآحَاد كالجنس الْمحلي لما صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ، فَإِن استثناءه مِنْهُ يقتضى شُمُوله إِيَّاه قطعا، وَهَذَا الْقطع لَا يحصل إِلَّا بالاستغراق، وَكَونه بِحَيْثُ يتَنَاوَلهُ الحكم لَوْلَا الِاسْتِثْنَاء (كَمَا تقدم) وَلما بَين ضعف مَا قيل من

(1/210)


الأشملية أَرَادَ أَن يبين ضعف مَا يَبْنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ (وَعنهُ) أَي وَعَن كَون استغراق الْجمع دون استغراق الْمُفْرد لشُمُوله الجموع لَا الْآحَاد (قالوأ) أَي أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي رد اسْتِدْلَال الْمُعْتَزلَة بقوله تَعَالَى {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} على نفي الرُّؤْيَة مُطلقًا هُوَ (سلب الْعُمُوم) وَرفع الْإِيجَاب الْكُلِّي للْفرق بَينه وَبَين لَا يُدْرِكهُ الْبَصَر، فَإِن الثَّانِي نفي لإدراك جنس الْبَصَر إِيَّاه. وَالْأول نفي لإدراك الْجِنْس الْمُسْتَغْرق، وَنفي الْجِنْس الْمُسْتَغْرق لَا يسْتَلْزم نَفْيه مُطلقًا لجَوَاز أَن يتَحَقَّق بِغَيْر استغراق فَإِن قلت من أَيْن لَك أَن قَوْلهم هَذَا مَبْنِيّ على كَون استغراق الْجمع دون استغراق الْمُفْرد، لم لَا يجوز أَن يكون مَبْنِيّ قَوْله: وَعنهُ عَن كَون استغراق الْجمع كالمفرد كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من السِّيَاق، لِأَنَّهُ الأَصْل الممهد، وَمَا ذكرت أَمر ذكر على وَجه الِاعْتِرَاض وَنفي قلت نعم، لَكِن يرد حِينَئِذٍ أَن الْحمل على سلب الْعُمُوم على ذَلِك التَّقْدِير خلاف الظَّاهِر لكَونه بِمَنْزِلَة لَا يُدْرِكهُ الْبَصَر فِي الدّلَالَة على نفي الْجِنْس فَتَأمل (لَا عُمُوم السَّلب) وَالسَّلب الْكُلِّي لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَحَقَّق على تَقْدِير نفي الْجِنْس مُطلقًا، وَقَوله (أَي لَا يُدْرِكهُ كل بصر) تَفْسِير لسلب الْعُمُوم، فالمنفي ثُبُوت رُؤْيَة الْكل (وَهُوَ) أَي سلب الْعُمُوم سلب (جزئي) لَا سلب كلي لِأَن نقيض الْإِيجَاب الْكُلِّي وَرَفعه السَّلب الجزئي (فَجَاز) ثُبُوت الرُّؤْيَة (لبعضها) أَي الْأَبْصَار، يرد عَلَيْهِ أَن حَاصِل هَذَا إبِْطَال مَذْهَب الْخصم، وَهُوَ السَّلب الْكُلِّي، لَكِن لَا يثبت بِهِ مَذْهَبنَا، وَهُوَ ثُبُوت الرُّؤْيَة لكل مُؤمن وَالْجَوَاب أَن هَذَا لمُجَرّد إبِْطَال مَذْهَب الْخصم، وَأَن للْمَذْهَب أَدِلَّة أُخْرَى (نعم إِذا اعْتبر الْجمع للْجِنْس) لسلب اللَّام جمعيته إِلَى الجنسية (كَانَ) النَّفْي الْمَذْكُور (عُمُوم السَّلب) لوروده على الْجِنْس كَقَوْلِه تَعَالَى {لَا يحب الْكَافرين} إِذْ لَا شكّ أَن المُرَاد مِنْهُ نفي الْمحبَّة عَن جنس الْكَافِر مُطلقًا، لَا الْجِنْس الْمَوْصُوف بالجمعية، وَقَوله لنفي الْجِنْس تَعْلِيل لعُمُوم السَّلب، وَيجوز أَن يكون قَوْله - {لَا يحب الْكَافرين} - مُبْتَدأ خَبره لنفي الْجِنْس، وَتَكون الْجُمْلَة تَوْطِئَة لقَوْله (وَلَو اعْتبر مثله) أَي مثل مَا فِي قَوْله - {لَا يحب الْكَافرين} - من نفي الْجِنْس (فِي الْآيَة) فِي قَوْله تَعَالَى - {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} - (ادّعى) حِينَئِذٍ فِي جَوَاب الْخصم (أَن الْإِدْرَاك) الْمَنْفِيّ فِي الْآيَة (أخص من الرُّؤْيَة) الْمُطلقَة، وَهُوَ مَا كَانَ على وَجه الْإِحَاطَة للمرئي، وَنفي الْأَخَص لَا يسْتَلْزم نفي الْأَعَمّ وَلما عد الْمحلي بِاللَّامِ من صِيغ الْعُمُوم، وَكَانَ لَهُ معَان أَرْبَعَة: الْجِنْس، والاستغراق، والعهد الْخَارِجِي، والعهد الذهْنِي، والعموم إِنَّمَا يتَحَقَّق عِنْد إِرَادَة الِاسْتِغْرَاق احْتَاجَ إِلَى بَيَان ضَابِط يعرف بِهِ إِرَادَة الِاسْتِغْرَاق، فَقَالَ (وَالتَّعْيِين) أَي تعْيين أحد الْمعَانِي الْمَذْكُورَة إِنَّمَا يكون (بِمعين) من قرينَة لفظية أَو حَالية بِحَسب الْمقَام (وَإِن لم يكن) ذَلِك الْمعِين (وَلَا عهد خارجي) وَلم يكن

(1/211)


مَعْهُود معِين من أَفْرَاد الْمحلي بِاللَّامِ بَين الْمُتَكَلّم والمخاطب قبل هَذَا التخاطب (وَأمكن أَحدهمَا) أَي الِاسْتِغْرَاق أَو الْجِنْس، وَقد سبق ذكرهمَا قَرِيبا مفرقا، وَالْمرَاد إِمْكَان أَحدهمَا بِدُونِ الآخر (تعين) الَّذِي أمكن (وَإِن أمكن كل مِنْهُمَا قيل) وقائله جمَاعَة: مِنْهُم فَخر الْإِسْلَام، وَأَبُو زيد (الْجِنْس) أَي المُرَاد عِنْد إِمْكَان كل مِنْهُمَا الْجِنْس (للتيقن) لِأَنَّهُ مَوْجُود فِي ضمن الِاسْتِغْرَاق أَيْضا، والمتيقن أولى بالإرادة عِنْد التَّرَدُّد (وَقيل) وقائله عَامَّة مَشَايِخنَا وَغَيرهم تعين (الِاسْتِغْرَاق للأكثرية) أَي لِأَنَّهُ يُرَاد فِي أَكثر استعمالات الْمحلي بِاللَّامِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجِنْس (خُصُوصا فِي اسْتِعْمَال الشَّارِع) على مَا يشْهد بِهِ التتبع والاستقراء (وَقرر) كَمَا صرح بِهِ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (أَن الْجمع الْمحلي للمعهود والاستغراق حَقِيقَة، وللجنس مجَاز) وَذَلِكَ لِأَن الْمَقْصُود من وضع الْأَلْفَاظ بِإِزَاءِ المفهومات الْكُلية أَن تسْتَعْمل فِي أَفْرَاده الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج لِأَن الْأَحْكَام تثبت لَهَا، لَا الطبائع الْكُلية، وَلذَا ذهب كثير من الْمُحَقِّقين إِلَى أَن اسْم الْجِنْس مَوْضُوع للفرد الْمُنْتَشِر لَا الْمَاهِيّة الْمُطلقَة، وَهُوَ الْأَوْجه فَإِن قلت مُرَادهم من الْجِنْس هُنَا هُوَ الْمَعْهُود الذهْنِي قلت هُوَ قريب من الْجِنْس بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور بِاعْتِبَار كَونه قَلِيل الْفَائِدَة (وَأَنه) أَي الْجِنْس (خلف) عَنْهُمَا (لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا لتعذرهما) كَمَا هُوَ شَأْن الْمجَاز مَعَ الْحَقِيقَة وَالْخلف مَعَ الأَصْل (ولدا) أَي لِأَنَّهُ لَا يُصَار إِلَيْهِ لتعذرهما (لَو حلف لَا يكلمهُ الْأَيَّام أَو الشُّهُور يَقع) الْمَذْكُور من الْأَيَّام والشهور (على الْعشْرَة) مِنْهَا (عِنْده) أَي أبي حنيفَة رَحمَه الله (وعَلى الْأُسْبُوع) فِي الْأَيَّام (و) على (السّنة) فِي الشُّهُور (عِنْدهمَا لَا مَكَان) حمل الْمحلي الْمَذْكُور: وَهُوَ الْأَيَّام والشهور على (الْعَهْد) الْخَارِجِي الَّذِي هُوَ حَقِيقَة فِيهِ (غير أَنهم) أَي الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة (اخْتلفُوا فِي) مَا هُوَ (الْمَعْهُود) فِي الْأَيَّام والشهور، فَعنده الْعشْرَة من الْأَيَّام والشهور، وَعِنْدَهُمَا الْأُسْبُوع وَالسّنة. قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله فِي شرح الْهِدَايَة لقَائِل أَن يرجح قَوْلهمَا فِي الْأَيَّام والشهور بِأَن عهد هما أَعهد، وَذَلِكَ لِأَن عهدية الْعشْرَة إِنَّمَا هُوَ للْجمع مُطلقًا من غير نظر إِلَى مَادَّة خَاصَّة، فَإِذا عرض فِي خُصُوص مَادَّة من الْجمع مُطلقًا كالأيام عهدية عدد غَيره كَانَ اعْتِبَار هَذَا الْمَعْهُود أولى، وَقد عهد فِي الْأَيَّام السَّبْعَة، وَفِي الشُّهُور الاثنى عشر، فَيكون صرف خُصُوص هذَيْن الجمعين إِلَيْهِمَا أولى بِخِلَاف غَيرهمَا من الجموع كالسنين والأزمنة، فَإِنَّهُ لم يعْهَد فِي مادتهما عدد آخر فَيَنْصَرِف إِلَى مَا اسْتَقر للْجمع مُطلقًا من إِرَادَة الْعشْرَة فَمَا دونهَا انْتهى، يرد عَلَيْهِ أَن الْمَعْهُود فِي الْأَيَّام سَبْعَة: أَولهَا السبت، وَآخِرهَا الْجُمُعَة، وهما لَا يحملانها على السَّبْعَة الَّذِي يكون على هَذَا الْوَجْه، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن الْمَعْهُود يعم كَمَا قلت غير أَن تِلْكَ الخصوصية ألغيت لعدم تعلق الْقَصْد بهَا حَال الْيَمين كَمَا لَا يخفى (وخالعني على مَا فِي يَدي من الدَّرَاهِم وَلَا شَيْء) فِي يَدهَا

(1/212)


(لَزِمَهَا ثَلَاثَة) أَي وللأصل الْمَذْكُور فِي قَوْلهَا خالعني على مَا فِي يَدي إِلَى آخِره لَزِمَهَا ثَلَاثَة، يرد عَلَيْهِ أَن هَذَا من قبيل حمل الْجمع على أقل مراتبه لتيقنه، لَا من بَاب حمل الْجمع الْمحلي على الْعَهْد لامكانه، فَلَا وَجه لذكره هَهُنَا، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن أصل الْكَلَام إِنَّمَا كَانَ فِي أَن الْجِنْس مجَاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمحلي الْمَذْكُور لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا عِنْد تعذر الْحَقِيقَة، وَلَا شكّ أَن حَقِيقَة الْجمع تَقْتَضِي وجود مَا فَوق الِاثْنَيْنِ من أَفْرَاد مفرده، فَحَمله على الْجِنْس بِحَيْثُ يصدق على الْوَاحِد والاثنين، بل تَأْثِيره فِي استغراق الْآحَاد وَإِثْبَات الحكم لكل وَاحِد مِنْهَا لَا يَجْعَل الْجمع مثل الْمُفْرد من كل وَجه (وَلَا شكّ أَن تَعْرِيف الْجِنْس الَّذِي اسْتدلَّ على ثُبُوته باطباق الْعَرَب) أَي اتِّفَاقهم (على) إِرَادَة الْجِنْس من نَحْو: فلَان (يلبس البرود، ويركب الْخَيل، ويخدمه العبيد) للْقطع بِعَدَمِ الْقَصْد إِلَى عهد أَو استغراق أَو عدد، لِأَنَّهُ يُقَال فِي حق من لَا يلبس إِلَّا بردا وَاحِدًا وَلَا يركب إِلَّا فرسا وَاحِدًا، وَلَا يَخْدمه إِلَى عبد وَاحِد (هُوَ المُرَاد بالمعهود الذهْنِي) قَوْله المُرَاد الخ خَبره أَن، وَقَوله: هُوَ للفصل، والمضاف الْمَجْرُور بِالْبَاء مَحْذُوف: أَي بتعريف الْمَعْهُود الذهْنِي (إِذْ هُوَ) أَي تَعْرِيف الْمَعْهُود الذهْنِي (الْإِشَارَة إِلَى الْحَقِيقَة) الَّتِي هِيَ مُسَمّى مَدْخُول اللَّام (باعتبارها) أَي بِاعْتِبَار تِلْكَ الْحَقِيقَة، وَجعلهَا (بعض الْأَفْرَاد) أَي يشار إِلَى الْحَقِيقَة من حَيْثُ تحققها فِي ضمن فَرد مَا، لَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَلَا من حَيْثُ تحققها فِي ضمن فَرد معِين، أَو فِي ضمن كل فَرد (غير مُعينَة للعهدية الذهنية) لَا الخارجية حَيْثُ لم يعْهَد قبل بَين الْمُتَكَلّم والمخاطب ذكر فَرد وَحِصَّة مُعينَة من تِلْكَ الْحَقِيقَة، غير أَن الطبيعة الْكُلية من حَيْثُ تحققها فِي ضمن فَرد مَا أَمر مَعْلُوم مَعْهُود فِي الأذهان، فباللام يشار إِلَيْهَا من حَيْثُ أَنَّهَا مَعْلُومَة معهودة فِي ذهن الْمُخَاطب، وَلما كَانَ معلومية الْحَقِيقَة الْمُعْتَبرَة من حَيْثُ تحققها فِي ضمن الْفَرد الْمُنْتَشِر بِاعْتِبَار معلومية الطبيعة أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لجنسها) وَإِضَافَة الْجِنْس إِلَيْهَا من قبيل إِضَافَة الْمُطلق إِلَى الْمُقَيد كشجر الْأَرَاك (وَالتَّعْبِير بِالْحِصَّةِ) من الْحَقِيقَة عَن الْمَعْهُود الذهْنِي (غير جيد) لِأَن الْحصَّة إِنَّمَا هِيَ الْفَرد الْمعِين: أَو الْأَفْرَاد الْمعينَة من الطبيعة، وَأما الْفَرد الْمُنْتَشِر فَهُوَ مَفْهُوم كلي مسَاوٍ للْحَقِيقَة، كَذَا قيل وَفِيه نظر، فَالْوَجْه أَن يُقَال أَنه أَشَارَ إِلَى مَا قَالُوا: من أَن كل كلي بِالنِّسْبَةِ إِلَى حصصه نوع، فَأَما بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَفْرَاده فقد يكون عرضيا، فقد فرقوا بَينهمَا، وَيطْلب تَحْقِيقه فِي مَحَله من الْمَعْلُوم أَن المُرَاد هَهُنَا الْفَرد فَإِن قلت بَقِي قسم من الْمحلي لم يذكرهُ، وَهُوَ

(1/213)


جنس الْمشَار إِلَيْهِ من حَيْثُ هُوَ مَعَ قطع النّظر عَن تحَققه فِي ضمن فَرد قلت لم يتَعَلَّق غَرَض الأصولي بِهِ، لِأَنَّهُ من الاعتبارات الْعَقْلِيَّة الْمُنَاسبَة للاعتبارات الفلسفية، فَإِنَّهُ قد يثبت لَهُ الْأَحْكَام فِي تِلْكَ الْعُلُوم، فَلَا بَأْس بِعَدَمِ ذكره وَعدم اعْتِبَاره (وَعنهُ) أَي عَن تَعْرِيف الْجِنْس (لتعينه) أَي الْجِنْس لعدم إِمْكَان الْعَهْد والاستغراق (وَجب من) قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} جَوَاز الصّرْف لوَاحِد) يَعْنِي ثَبت الْجَوَاز الْمَذْكُور مِنْهُ ثبوتا ناشئا عَن تَعْرِيف الْجِنْس فِي الْفُقَرَاء لتعين الْجِنْس، لعدم إِمْكَان الْحمل على الْحَقِيقَة من الْعَهْد والاستغراق، أما الْعَهْد فَظَاهر، وَأما الِاسْتِغْرَاق فَلِأَنَّهُ يسْتَلْزم كَون كل صَدَقَة لكل فَقير وَلَا يُقَال لم لَا يجوز أَن يكون الْمَعْنى جَمِيع الصَّدقَات لجَمِيع الْفُقَرَاء؟ وتقابل الْجمع بِالْجمعِ يقتضى انقسام الْآحَاد على الْآحَاد لأَنا نقُول: لَيْسَ هَذَا معنى الِاسْتِغْرَاق، إِذْ مفاده ثُبُوت الحكم لكل فَرد لَا للمجموع من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع، وَلَو سلم، فالمطلوب حَاصِل وَهُوَ جَوَاز صرف الزَّكَاة إِلَى فَقير وَاحِد، لكنه لَا يكون حِينَئِذٍ من تَعْرِيف الْجِنْس لتعينه، وَفِيه مَا فِيهِ (وتنصف الْمُوصي بِهِ لزيد وللفقراء) فَنصف لَهُ، وَنصف لَهُم مَعْطُوف على وَجب: أَي وَعَن تَعْرِيف الْجِنْس وَكَون اللَّام لَهُ لتعينه تنصف الْمَذْكُور، لِأَنَّهُ يُرَاد حِينَئِذٍ جنس الْفَقِير المُرَاد مِنْهُ الْمَعْهُود الذهْنِي الَّذِي هُوَ الْفَرد الْمُنْتَشِر، فَكَأَنَّهُ أوصى للاثنين: زيد وفقير (وَأجْمع على الْحِنْث بفرد فِي الْحلف) على أَنه (لَا يتَزَوَّج النِّسَاء و) الْحلف على أَنه (لَا يَشْتَرِي العبيد) فَقَوله: وَأجْمع أَيْضا مَعْطُوف على وَجب، فَإِنَّهُ أَيْضا من فروع تَعْرِيف الْجِنْس لتعينه بِدَلِيل إِجْمَاع الْعلمَاء على حنث الْحَالِف بتزوج امْرَأَة وَاحِدَة فِي الأولى، وَشِرَاء عبد وَاحِد فِي الثَّانِيَة، فلولا المُرَاد بِالنسَاء وَالْعَبِيد الْجِنْس لما حنث (الْأَبْنِيَة الْعُمُوم) فِي المنفى لَا النَّفْي، اسْتثِْنَاء من عُمُوم الْأَحْوَال: أَعنِي أَجمعُوا على الْحِنْث بِمَا ذكر فِي جَمِيع الْأَحْوَال إِلَّا عِنْد مَا يَنْوِي الْحَالِف منع نَفسه عَن تزوج كل النِّسَاء، وَشِرَاء كل العبيد لَا عَن الْبَعْض مِنْهُمَا (فَلَا يَحْنَث أبدا) لِأَن تزوج كل النِّسَاء وَشِرَاء كل العبيد محَال (قَضَاء وديانة) لِأَنَّهُ نوى حَقِيقَة كَلَامه، كَذَا قيل، وَيرد عَلَيْهِ أَن يقتضى الْكَلَام السَّابِق أَن رفع الْإِيجَاب الْكُلِّي لَيْسَ حَقِيقَة الْجمع الْمحلي الْوَاقِع فِي سِيَاق النَّفْي، لِأَن الرّفْع الْمَذْكُور فِي قُوَّة السَّلب الجزئي فَلَا استغراق حِينَئِذٍ وَلَا عهد، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن الِاسْتِغْرَاق مَوْجُود فِي الْإِيجَاب الَّذِي هُوَ مورد النَّفْي وَإِن لم يُوجد فِي النَّفْي، وَفِيه نظر (وَقيل) لَا يَحْنَث (ديانَة) وَيحنث قَضَاء (لِأَنَّهُ) أَي قَوْله لَا يتَزَوَّج النِّسَاء وَلَا يَشْتَرِي العبيد عِنْد إِرَادَة الْعُمُوم (كالمجاز) فِي الِاحْتِيَاج إِلَى الْقَرِينَة لعروض الِاشْتِرَاك إِن قُلْنَا أَن مثله يسْتَعْمل حَقِيقَة فِي عُمُوم النَّفْي، وَنفي الْعُمُوم، ومجازا إِن قُلْنَا حَقِيقَته عُمُوم النَّفْي بِدَلِيل التبادر إِلَى الْفَهم، وَلِهَذَا (لَا ينَال) الْعُمُوم الْمَذْكُور (إِلَّا بِالنِّيَّةِ) كَمَا هُوَ شَأْن الْمجَاز وَمَا يجْرِي مجْرَاه،

(1/214)


وَقيل المُرَاد بِالْإِجْمَاع الْمَذْكُور إِجْمَاع مَشَايِخنَا، فقد ذكر الرَّافِعِيّ رَحمَه الله فِي هذَيْن الفرعين أَنه يَحْنَث بتزوج ثَلَاث نسْوَة، وَشِرَاء ثَلَاثَة أعبد (وَمِنْه) أَي من تَعْرِيف الْجِنْس بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (لَا من) تَعْرِيف (الْمَاهِيّة) من حَيْثُ هِيَ كَمَا قيل (شربت المَاء، وأكلت الْخبز وَالْعَسَل) كَانَ (كأدخل السُّوق) لِأَن الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ اعْتِبَار عَقْلِي مَحْض، لَا تشرب وَلَا تُؤْكَل، وَلَا تدخل، وَإِنَّمَا قَالَ كأدخل السُّوق إِشَارَة إِلَى أَن كَون اللَّام فِيهِ للْعهد الذهْنِي أَمر مُسلم والمذكورات مثله، فَلَا يَنْبَغِي أَن يناقش فِيهَا أَيْضا (وَهَذَا) الَّذِي يشرع فِيهِ (اسْتِئْنَاف) وابتدأ كَلَام لَا من تَتِمَّة الْكَلَام السَّابِق وَإِن كَانَ لَهُ نوع تعلق بِهِ (اللَّام) الموضوضة (للتعريف) حَقِيقَتهَا (الْإِشَارَة إِلَى المُرَاد بِاللَّفْظِ) إِشَارَة عقلية، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله للتعريف خبر الْمُبْتَدَأ، وَقَوله الْإِشَارَة بَدَلا مِنْهُ سَوَاء كَانَ ذَلِك المُرَاد (مُسَمّى) بِأَن وضع اللَّفْظ بإزائه (أَولا) بِأَن كَانَ معنى مجازيا، وَالْمرَاد الْإِشَارَة من حَيْثُ أَنه مَعْلُوم الْمُخَاطب وَإِلَّا فالإشارة إِلَى نَفسه مَعَ قطع النّظر عَن معلوميته متحققة فِي النكرَة أَيْضا بِمُقْتَضى الْوَضع أَو الْقَرِينَة، غير أَنه لَا يشار إِلَى معلوميته وَإِن كَانَ مَعْلُوما فِي نفس الْأَمر للمخاطب (فالمعرف فِي) مر عَليّ أَشْجَع النَّاس (فأكرمت الْأسد الرجل) الشجاع (وَإِنَّمَا تدخل) لَام التَّعْرِيف (النكرَة) لَا الْمعرفَة لاستغنائها عَنْهَا (ومسماها) أَي النكرَة (بِلَا شَرط فَرد) مَا من الْمَفْهُوم الْكُلِّي الَّذِي يدل عَلَيْهِ (بِلَا زِيَادَة) من أَمر وجودي أَو عدمي: يَعْنِي مَاهِيَّة الْفَرد الْمُنْتَشِر لَا بِشَرْط شَيْء لَا مَاهِيَّة بِشَرْط شَيْء أَو بِشَرْط لَا شَيْء، وَإِنَّمَا قَالَ بِلَا شَرط، لِأَن مُسَمّى النكرَة بِشَرْط كَونه فِي سِيَاق النَّفْي كل فَرد وَلَا فَرد مَا (فَعدم التَّعْيِين) فِي مُسَمّى النكرَة (لَيْسَ جُزْءا لمعناها وَلَا شرطا) كَمَا يُوهم التَّعْبِير عَنهُ بفرد مَا وبالفرد الْمُنْتَشِر، وَإِلَّا لامتنع تحَققه مَعَ التَّعْيِين (فاستعملت فِي الْمعِين عِنْد الْمُتَكَلّم لَا السَّامع حَقِيقَة لصدق) مَفْهُوم (الْمُفْرد) يَعْنِي النكرَة إِذا اسْتعْملت فِي فَردهَا الَّذِي هُوَ معِين عِنْد الْمُتَكَلّم غير معِين عِنْد السَّامع، فَهِيَ بِاعْتِبَار هَذَا الِاسْتِعْمَال حَقِيقَة لصدق مَا وضعت لَهُ على الْمُسْتَعْمل فِيهِ، لَا أَنه يسْتَعْمل دَائِما فِي الْمعِين عِنْده لجَوَاز عدم تعْيين مَا اسْتعْملت فِيهِ عِنْد الْمُتَكَلّم أَيْضا كَمَا إِذا قَالَ: جَاءَنِي رجل وَهُوَ لَا يعرفهُ بِعَيْنِه (فَإِن نسبت إِلَيْهِ بعده) أَي إِن نسبت الْمُتَكَلّم الْمَذْكُور لذَلِك الْفَرد الْغَيْر الْمعِين شَيْئا بعد ذَلِك الِاسْتِعْمَال، والمخاطب هُوَ السَّامع الْمَذْكُور (عرفت) تِلْكَ النكرَة فِي خطابه الثَّانِي بِاللَّامِ حَال كَونه (معهودا) بَين الْمُتَكَلّم والمخاطب بِمَا سبق ذكره، وَلَو على سَبِيل الْإِبْهَام، فَعلم أَن التَّعْرِيف العهدي لَا يسْتَلْزم التَّعْيِين الشخصي، بل يَكْفِي فِيهِ تعين مَا (يُقَال) للْعهد الْمَذْكُور معهودا عهدا (ذكريا وخارجيا) صفة أُخْرَى، أما كَونه ذكريا فلسبق ذكره، وَأما كَونه

(1/215)


خارجيا فلمعهوديته فِي خَارج هَذِه الملاحظة الكائنة فِي هَذَا التخاطب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (أَي مَا عهد من السَّابِق) فَقَوله: مَا عهد تَفْسِير للمعهود، وَقَوله: من السَّابِق تَفْسِير لقَوْله خارجيا، فَإِن مَا عهد فِي الزَّمَان السَّابِق لَا جرم يكون خارجيا عَن الملاحظة الخالية، وَكلمَة من ابتدائية لبَيَان مبدأ الْعَهْد (وَلَو) كَانَ الْمشَار إِلَيْهِ بِاللَّامِ معينا عِنْد التخاطب لما يُوجب ذَلِك من قرينَة أَو دوَام حُضُور فِي الذِّهْن إِلَى غير ذَلِك (غير مَذْكُور) بَينهَا (خص) ذَلِك الْمعِين الْغَيْر الْمَذْكُور (بالخارجي) أَي بالمعهود الْخَارِجِي، وَلَا يُقَال لَهُ الذكرى الْخَارِجِي كَقَوْلِه تَعَالَى {إِذْ هما فِي الْغَار} فَإِن الْغَار مَعْلُوم مُتَعَيّن عِنْد المخاطبين من غير سبق ذكر (وَإِذا دخلت) اللَّام الِاسْم (الْمُسْتَعْمل فِي غَيره) أَي فِي الْفَرد الْغَيْر الْمعِين عِنْد الْمُتَكَلّم وَالسَّامِع (عرفت معهودا ذهنيا) لكَون الْمشَار إِلَيْهِ أمرا ذهنيا غير مُتَعَيّن فِي الْخَارِج (وَيُقَال) للتعريف الْحَاصِل مِنْهَا حِينَئِذٍ (تَعْرِيف الْجِنْس أَيْضا) كَمَا يُقَال: تَعْرِيف الْعَهْد الذهْنِي (لصدق) الْفَرد (الشَّائِع على كل فَرد) من أَفْرَاد الْجِنْس (وَإِذا أُرِيد بهَا كل الْأَفْرَاد) أَي النكرَة بِأَن يشار بِاللَّامِ إِلَى الْحَقِيقَة من حَيْثُ تحققها فِي ضمن كل فَرد (عرفت الِاسْتِغْرَاق) أَي عرفت النكرَة تَعْرِيف الِاسْتِغْرَاق، فَحذف الْمُضَاف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه فأعرب بإعرابه (أَو) أُرِيد بهَا (الْحَقِيقَة) من حَيْثُ هِيَ (بِلَا اعْتِبَار فَرد) وَقطع النّظر عَن اعْتِبَار تحققها فِي الْخَارِج فِي ضمن فَرد (فَهِيَ) أَي اللَّام (لتعريف الْحَقِيقَة والماهية كَالرّجلِ خير من الْمَرْأَة) لِأَنَّهُ لَا الْتِفَات فِي تَفْضِيل جنس الرجل على جنس الْمَرْأَة إِلَى الْفَرد، لِأَنَّهُ لَا يُرَاد أَن فَردا مَا مِنْهُ خير من فَرد مَا مِنْهَا، وَلَا أَن كل فَرد مِنْهُ خير من كل فَرد مِنْهَا فَإِن قلت إِذا قطع النّظر عَن الْفَرد مُطلقًا لزم الحكم بخيرية اعْتِبَار عَقْلِي من اعْتِبَار عَقْلِي آخر قلت لَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ تَرْجِيح لجنس مَوْجُود فِي الْخَارِج على جنس مَوْجُود فِيهِ، غَايَة الْأَمر عدم الْتِفَات الْحَاكِم إِلَى وجودهما وفردهما فِي الْخَارِج، وَعدم اعْتِبَار وجود الشَّيْء فِي نظر الْعقل لَا يسْتَلْزم عدم وجوده فِي نفس الْأَمر (غير أَنه) أَي الشَّأْن قد (يخال) أَي يظنّ (أَن الِاسْم) الَّذِي دَخلته اللَّام (حِينَئِذٍ مجَاز فيهمَا) أَي فِي الِاسْتِغْرَاق والحقيقة (لِأَنَّهُ) أَي الِاسْم الْمَذْكُور (لَيْسَ) مَوْضُوعا (للاستغراق وَلَا للماهية) من حَيْثُ هِيَ، بل للفرد والمنتشر للماهية (وَلَا اللَّام) مَوْضُوعَة للْإِشَارَة إِلَى كل فَرد، وَلَا للْإِشَارَة إِلَى الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ، لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة للْإِشَارَة إِلَى مَا وضع لَهُ مدخوله، وَقد عرفت عدم وَضعه لشَيْء مِنْهَا (وَلَكِن تبادر الِاسْتِغْرَاق) فِي الاطلاقات (عِنْد عدم الْعَهْد يُوجب وَضعه لَهُ) أَي وضع الِاسْم للاستغراق أَي (بِشَرْط اللَّام) قيد للوضع لظُهُور عدم تبادره من الِاسْم الْمَذْكُور إِذا لم يكن مَدْخُول اللَّام (كَمَا قدمنَا) فِي

(1/216)


ذيل الْكَلَام على تَعْرِيف الْعَام (وَأَنه) أَي عدم الْعَهْد (الْقَرِينَة) لإِرَادَة بعض الْمعَانِي الَّتِي وضع الْمحلى بِإِزَاءِ كل مِنْهَا على سَبِيل الِاشْتِرَاك (وَلَو أَرَادَهُ) أَي عدم كَون الْعَهْد قرينَة بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (قَائِل أَن الِاسْتِغْرَاق) يفهم (من الْمقَام) كالسكاكي (صَحَّ) مَا أَرَادَهُ (بِخِلَاف الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ) فَإِنَّهَا (لم تتبادر) من الْمُعَرّف بِاللَّامِ (فتعريفها) أَي الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ (تَعْلِيق معنى حَقِيقِيّ للام) وَهُوَ الْإِشَارَة إِلَى مَعْلُوم مَعْهُود (بمجازى) أَي بِمَعْنى مجازى (للاسم، فَاللَّام فِي الْكل) أَي الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة (حَقِيقَة لتحَقّق مَعْنَاهَا الْإِشَارَة) بِالْجَرِّ بدل من مَعْنَاهَا (فِي كل) من الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة (واختلافه) أَي تنوع مَعْنَاهَا على الْوُجُوه الْأَرْبَعَة (لَيْسَ إِلَّا لخُصُوص) من (الْمُتَعَلّق) الْمشَار إِلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي معنى حرفي وَنسبَة فيختلف باخْتلَاف الْمُتَعَلّق (فَظهر) من هَذَا الْبَيَان (أَي خصوصيات التعريفات) الْحَاصِلَة من اللَّام كل وَاحِد مِنْهَا (تَابع لخصوصيات المرادات ب) مَدْخُول (اللَّام) من الْفَرد الْمعِين، أَو الشَّائِع، أَو كل الْأَفْرَاد أَو الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ (والمعين) لوَاحِد مِنْهَا بِخُصُوصِهِ (الْقَرِينَة) بِحَسب المقامات (فَمَا قيل الرَّاجِح مُطلقًا) الْعَهْد (الْخَارِجِي ثمَّ الِاسْتِغْرَاق لندرة إِرَادَة الْحَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ، والمعهود الذهْنِي يتَوَقَّف على قرينَة) للبعضية والاستغراق هُوَ الْمَفْهُوم من الاطلاق حَيْثُ لَا عهد فِي الْخَارِج، وَالْقَائِل الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ وَغَيره (غير مُحَرر) خبر مَا قيل، فِي الْقَامُوس تَحْرِير الْكتاب وَغَيره: تقويمه وَالْمعْنَى غير مُبين على وَجه يَسْتَقِيم بخلوصه عَن الِاعْتِرَاض الَّذِي يُوجب العوج (فَإِن الْمُرَجح عِنْد إِمْكَان كل من اثْنَيْنِ فِي الْإِرَادَة الأكثرية) لأَحَدهمَا (اسْتِعْمَالا) يَعْنِي إِذا أطلق لفظ لَهُ مَعْنيانِ، وَيصِح فِي ذَلِك الْمقَام إِرَادَة كل مِنْهُمَا فَلَا يتَعَيَّن أَحدهمَا مرَادا، فَإِن كَانَ أَحدهمَا بِحَيْثُ يسْتَعْمل اللَّفْظ فِيهِ أَكثر تكون أكثريته بِحَسب الِاسْتِعْمَال مرجحا لإرادته (أَو فَائِدَة) مَعْطُوفًا على قَوْله اسْتِعْمَالا، فهما تمييزان عَن نِسْبَة الأكثرية أَحدهمَا، فَإِن أصل التَّرْكِيب أكثرية أَحدهمَا، حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَعوض عَنهُ اللَّام (وَلَا خَفَاء فِي أَن نَحْو: جَاءَنِي عَالم، فَأكْرم الْعَالم زِيَادَة الْفَائِدَة) فِيهِ إِنَّمَا يتَحَقَّق (فِي الِاسْتِغْرَاق، حَيْثُ يكرم الجائي) الْمَذْكُور الْمَقْصُود إكرامه أَصَالَة (ضمن الْعُمُوم) حَال عَن الجائي وَإِن كَانَ الْأَظْهر كَونه ظرفا ليكرم، لِأَن تَقْدِير فِي فِي ظروف الْمَكَان مَحْدُود بِمَا عرف فِي مَحَله وَحَاصِله أَن إِرَادَة الْعُمُوم والاستغراق يُفِيد أَمر الْمُخَاطب بإكرام الجائي مَعَ زِيَادَة أمره بإكرام كل عَالم سواهُ (بِخِلَاف تَقْدِيم) الْعَهْد (الْخَارِجِي) وترجيحه بِأَن يحمل الْعَالم على الْعَالم الْمَذْكُور الْمَنْسُوب إِلَيْهِ الجيئية (فَإِنَّهُ) أَي الْكَلَام الْمَذْكُور (يكون) حِينَئِذٍ (أمرا بإكرام الجائي فَقَط) دون غَيره من الْعلمَاء (وَلذَا) أَي لأكثرية الْفَائِدَة (قدم)

(1/217)


الِاسْتِغْرَاق (على) الْعَهْد (الذهْنِي إِذا أمكنا) أَي الِاسْتِغْرَاق والعهد الذهْنِي (وَظهر مِمَّا ذكرنَا) من أَن اللَّام للْإِشَارَة إِلَى المُرَاد بِاللَّفْظِ، وَمن أَن خصوصيات التعريفات تَابع لخصوصيات المرادات من مَدْخُول اللَّام إِلَى آخِره (أَن لَيْسَ تَعْرِيف الِاسْتِغْرَاق والعهد الذهْنِي من فروع) تَعْرِيف (الْحَقِيقَة كَمَا قيل) إِذْ لَو كَانَ من فروعها لم تكن الْإِشَارَة بهَا إِلَى المُرَاد بِاللَّفْظِ على الْإِطْلَاق، إِذْ المُرَاد بِهِ قد يكون نفس الْحَقِيقَة وَقد يكون نفس الْحَقِيقَة من حَيْثُ تحققها فِي ضمن الْأَفْرَاد كلا أَو بَعْضًا على مَا سبق وَلم يكن تَابعا لتِلْك الخصوصيات، بل كَانَ تَابعا لنَفس الْحَقِيقَة لكَون الْإِشَارَة فِي الْكل إِلَى نفس الْحَقِيقَة على ذَلِك التَّقْدِير، فَإِن معنى تبعيتها للخصوصيات أَن يكون تعين كل خُصُوصِيَّة مِنْهَا بِاعْتِبَار كَونهَا إِشَارَة إِلَى خُصُوصِيَّة المُرَاد (وَلَا أَن اللَّام لَيست إِلَّا لتعريف الْحَقِيقَة) وَبَاقِي الْأَقْسَام من فروعه (كَمَا نسب إِلَى الْمُحَقِّقين) قَوْله كَمَا قيل كَمَا نسب خبران لمَحْذُوف تَقْدِيره: وَهَذَا القَوْل كَمَا قيل كَمَا نسب (غير أَن حاصلها) أَي حَاصِل التعريفات الْحَاصِلَة بِاللَّامِ (أَرْبَعَة أَقسَام فذكروها) أَي هَذِه الْأَقْسَام على وَجه يُوهم أَنَّهَا أَقسَام تَعْرِيف الْحَقِيقَة (تسهيلا) للضبط (بل الْمُعَرّف لَيْسَ إِلَّا المُرَاد بِالِاسْمِ) سَوَاء اسْتعْمل فِيهِ حَقِيقَة أَو مجَازًا (وَلَيْسَت الْمَاهِيّة مُرَادة دَائِما، وَكَونهَا جُزْء المُرَاد لَا يُوجب أَنَّهَا المُرَاد الَّذِي هُوَ مُتَعَلق الْأَحْكَام فِي التَّرْكِيب) وَهُوَ الملتفت بِالذَّاتِ، والجزء إِنَّمَا يقْصد ضمنا بالتبع، أَشَارَ بقوله دَائِما فِي سِيَاق النَّفْي إِلَى أَنَّهَا قد ترَاد فِي بعض الاستعمالات مجاراة للخصم، ثمَّ نفى كَونهَا مُرَادة بِالْكُلِّيَّةِ بقوله (على أَنَّهَا) أَي الْمَاهِيّة (لم ترد) من حَيْثُ كَونهَا (جُزْءا) من الْمُسَمّى لتَكون اللَّام إِشَارَة إِلَى الْحَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ، إِذْ التَّحْقِيق أَن الْمُسَمّى إِنَّمَا هِيَ الْحَقِيقَة الْمقيدَة بالوحدة الْمُطلقَة كَمَا سيشير إِلَيْهِ (بل) إِنَّمَا أريدت عِنْد كَون اللَّام للْحَقِيقَة على أَنَّهَا كل) أَي تَمام مَا وضع لَهُ اللَّفْظ (فَإِنَّهَا إِنَّمَا أريدت) عِنْد ذَلِك (مُقَيّدَة بِمَا يمْنَع الِاشْتِرَاك، وَهُوَ) التعين الْمُطلق، وَمنعه الِاشْتِرَاك بِاعْتِبَار مَا صدق عَلَيْهِ، وَذَلِكَ: أَي الْمقيدَة بِمَا يمْنَع الِاشْتِرَاك (نفس الْفَرد، وَهُوَ) أَي الْفَرد (المُرَاد بالتعريف) الْمشَار إِلَيْهِ بأدلته (وَالِاسْم) أَي وَأَيْضًا هُوَ المُرَاد بِالِاسْمِ الْمَدْخُول للام (وَالْمَجْمُوع) من الْمَاهِيّة والقيد (غير أَحدهمَا) فَلَا يكون المُرَاد بالتعريف وَالِاسْم الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ فحاصل هَذَا التَّحْقِيق ردقولهم فِي لَام الْحَقِيقَة إِنَّهَا إِشَارَة إِلَى الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ، فَإِن الْإِشَارَة فِي الرجل خير من الْمَرْأَة إِلَى الْمَاهِيّة الْمقيدَة بِالتَّعْيِينِ الْمُطلق، لَا الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ، والماهية من حَيْثُ هِيَ من الاعتبارات الْعَقْلِيَّة لَا تُوصَف بالخيرية، وَمثل الْإِنْسَان نوع من الاعتبارات الفلسفية لَا يلْتَفت إِلَيْهَا فِي كَلَام الْعَرَب، وَالْفرق حِينَئِذٍ بَين لَام الْحَقِيقَة وَلَام الِاسْتِغْرَاق، والعهد الذهْنِي أَنَّهَا ساكتة عَن بَيَان كَون الْمَاهِيّة

(1/218)


متحققة فِي ضمن الْكل أَو الْبَعْض وَالله أعلم. (هَذَا وَحين صَار الْجمع مَعَ اللَّام كالمفرد) لإبطال اللَّام الجنسي معنى الجمعية على مَا مر (كَانَ تقسيمه) أَي الْجمع (مثله) أَي مثل تَقْسِيم الْمُفْرد (إِلَّا أَن كَونه) أَي الْجمع (مجَازًا عَن الْجِنْس يبعد، بل) هُوَ (حَقِيقَة لكل) من الِاسْتِغْرَاق وَالْجِنْس للْفرق بَين صِيغَة الْجمع وَصِيغَة الْمُفْرد بِاعْتِبَار أصل الْوَضع. فَإِن الْمُفْرد فِي الأَصْل مَوْضُوع للفرد، وَالْجمع للأفراد، فَنَاسَبَ كَونه حَقِيقَة عِنْد إِرَادَة الِاسْتِغْرَاق، لِأَن جَمِيع الْأَفْرَاد مِمَّا يصدق عَلَيْهِ حَقِيقَته الْأَصْلِيَّة، وَعند إبِْطَال جمعيته ناسب إِرَادَة الْجِنْس مِنْهُ مُجَردا عَن قيد الْوحدَة لتجرده عَن الْعدَد بِاعْتِبَار وضع ثَان لَهُ عِنْد دُخُول اللَّام، ثمَّ أَشَارَ إِلَى دَلِيل الْحَقِيقَة بقوله (للفهم) يَعْنِي يفهم مِنْهُ كل من الْمَعْنيين من غير حَاجَة إِلَى قرينَة، وَهَذَا عَلامَة الْحَقِيقَة (كَمَا ذكرنَا فِي نَحْو الْأَئِمَّة من قُرَيْش) من إِرَادَة الِاسْتِغْرَاق (و) فِي نَحْو (يَخْدمه العبيد) من إِرَادَة الْجِنْس (وَمَا لَا يُحْصى) من الْأَمْثِلَة (وَأما النكرَة فعمومها فِي النَّفْي ضَرُورِيّ) وَقد سبق بَيَانه (وَكَذَا) عمومها ضَرُورِيّ (فِي الشَّرْط الْمُثبت) حَال كَونه (يَمِينا) (لِأَن الْحلف) فِي الشَّرْط الْمَذْكُور (على نَفْيه) أَي نفي مَضْمُون الشَّرْط، فَفِي قَوْله إِن كلمت رجلا، فَأَنت طَالِق الْمَحْلُوف عَلَيْهِ نفي الْكَلَام، لِأَنَّهُ الْمَطْلُوب من الْحلف، فَبِهَذَا الِاعْتِبَار قَوْله رجلا نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي (لَا الْمَنْفِيّ) عطف على الْمُثبت فَلَا عُمُوم لَهَا فِيهِ (كَأَن لم أكلم رجلا) فَهِيَ طَالِق (لِأَنَّهُ) أَي الْحلف فِي الشَّرْط الْمَنْفِيّ (على الْإِثْبَات) أَي إِثْبَات مَضْمُون الشَّرْط، وَلَا عُمُوم لَهَا فِي الْإِثْبَات من غير قرينَة الْعُمُوم كَأَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْمِثَال (لأُكلمَن رجلا) وَلذَا قَالُوا: الْيَمين فِي الْإِثْبَات للْمَنْع وَالنَّهْي: وَهُوَ كالنفي، وَفِي النَّفْي للْحَمْل على إِيقَاع مَضْمُون الشَّرْط، وَهُوَ لَا يقتضى الْعُمُوم (وَلَا يبعد فِي غير الْيَمين قصد الْوحدَة) إِذا وَقعت فِيهِ فَإِن الْوحدَة مُعْتَبرَة فِي مَفْهُوم النكرَة لِأَنَّهَا الْمَاهِيّة الْمقيدَة بالوحدة الْمُطلقَة، فقد يكون منَاط الحكم الْمُقَيد فِي الْمُقَيد بِهِ كَمَا (فِي مثل إِن جَاءَك رجل فأطعمه فَلَا تعم) فِيهِ إِذْ حَال كَون الْوحدَة مرَادا للمتكلم فَلَا يطعم إِذا جَاءَ أَكثر من رجل وَاحِد (وَفِي غَيرهمَا) أَي فِي غير الْمَنْفِيّ الصَّرِيح وَالشّرط الْمُثبت الَّذِي بِمَعْنَاهُ (إِن وصفت بِصفة عَامَّة) وَفسّر عمومها بقوله (أَي لَا تخص فَردا) بِأَن تحققت فِي أَكثر من وَاحِد نَحْو: جَالس رجلا يدْخل دَاره وَحده قبل كل أحد (عَمت كلعبد مُؤمن خير، وَقَول مَعْرُوف خير) فَإِن كلا من الصفتين لَا يخْتَص بهَا وَاحِد، ثمَّ أَنَّهَا تعم (مَا لم يتَعَذَّر) الْعُمُوم فَإِن تعذر لَا تعم (كلقيت رجلا عَالما) فَإِنَّهُ وصف بِصفة عَامَّة، لكنه مُتَعَذر لقاؤه كل عَالم عَادَة (وَوَاللَّه لَا أجالس إِلَّا رجلا عَالما) فَإِن مَا بعد الِاسْتِثْنَاء فِي غير الْمُوجب إِثْبَات، وَقد وصف بِصفة عَامَّة غير أَنه تعذر الْعُمُوم عَادَة وَلم يقْصد بِهِ الوجدة بِقَرِينَة الصّفة الْعَامَّة، فَلِذَا قَالَ (لَهُ مجالسة

(1/219)


كل عَالم جمعا وَتَفْرِيقًا) فَلَا يَحْنَث بمجالسته الْعَالمين أَو الْعلمَاء كَمَا لَا يَحْنَث بمجالسة عَالم وَاحِد، وَهَذَا بِخِلَاف (وَوَاللَّه لَا أجالس إِلَّا رجلا غير مُقَيّد) بِصفة عَامَّة (يَحْنَث برجلَيْن، قيل الْفرق) بَين هَاتين المسئلتين (أَن الِاسْتِثْنَاء بِمَا يصدق على الشَّخْص) الْوَاحِد (لَا يتَنَاوَل إِلَّا وَاحِدًا) لِأَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مُسْتَغْرق جَمِيع مَا يصلح لَهُ فَلَا يحكم بِخُرُوج شَيْء مِنْهُ إِلَّا بِقدر مَا يَقْتَضِيهِ الِاسْتِثْنَاء، وَمُقْتَضَاهُ أدنى مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم الْمُسْتَثْنى (فَإِذا وصف) الِاسْم النكرَة الْمُسْتَثْنى (بعام ظهر الْقَصْد إِلَى وحدة النَّوْع) كَانَ قبل الْوَصْف يحمل الْوحدَة على وحدة الشَّخْص، فصرف الْوَصْف الْعَام عَن وحدة إِلَى وحدة، وَقيل يَنْبَغِي أَن يُقَال وصف عَام لَا يزاحمه وصف يُنَافِي الْعُمُوم، نَحْو: لَا أكلم إِلَّا رجلا كوفيا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يمْتَنع فِيهِ الْعُمُوم، وَتَركه المُصَنّف لظُهُوره (وَزِيَادَة) قيد آخر على الْوَصْف الْعَام كَمَا فِي التَّلْوِيح، وَهُوَ (بِقَرِينَة كَونه) أَي الْوَصْف (مِمَّا يَصح تَعْلِيل الحكم بِهِ نقص) خبر زِيَادَة وَلَا يخفى لطفه، بل الصَّوَاب أَن لَا يُزَاد، لِأَن هَذَا الحكم بِعَيْنِه ثَابت فِيمَا لَو قَالَ: لَا أجالس إِلَّا جَاهِلا مَعَ أَنه لَا يصلح التَّعْلِيل بِهِ عِنْد الْعقل (وَحَاصِله) أَي حَاصِل اسْتِعْمَالهَا فِي غير النَّفْي (أَنَّهَا فِي الْإِثْبَات تعم بِقَرِينَة لَا تَنْحَصِر فِي الْوَصْف) صفة للقرينة أَو اسْتِئْنَاف لبيانها (بل يكثر) أَي يكثر تحققها فِي ضمن الْوَصْف (وَقد يظْهر عمومها من الْمقَام وَغَيره: كعلمت نفس، وَتَمْرَة خير من جَرَادَة) فَإِن الْمقَام قرينَة على أَنه لَيْسَ علم النَّفس بِمَا قدمت وأخرت أمرا يخْتَص بِأحد دون أحد، وَكَذَا: خيريه تَمْرَة، وَهُوَ أثر رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم (وَأكْرم كل رجل) وَهَذَا مِثَال لغير الْمقَام، وَهُوَ لفظ كل (و) أكْرم (رجلا لَا امْرَأَة) فَإِن نفى الْمَرْأَة فِي الْمُقَابلَة يدل على أَن الْإِكْرَام مَنُوط بِوَصْف الرجلية أَيْنَمَا وجد، والتخصيص بِالْبَعْضِ تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح (وَهِي) أَي النكرَة (فِي غير هَذِه) الْمَوَاضِع (مُطلقَة) أَي دَالَّة على فَرد غير معِين على سَبِيل الْبَدَل كَأَن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة كَمَا يقتضية الْوَضع لَا تعرض فِيهَا لعُمُوم وَلَا خُصُوص (وَمن فروعها إِعَادَتهَا) أَي مِمَّا يفرع على النكرَة أَحْكَام إِعَادَتهَا معرفَة: أَي ونكرة (وَكَذَا الْمعرفَة) أَي من فروعها إِعَادَتهَا معرفَة ونكرة، فَالْمُرَاد بِالْإِعَادَةِ تَكْرِير اللَّفْظ الأول إِمَّا مَعَ كَيْفيَّة من التَّعْرِيف والتنكير أَو بِدُونِهَا (وَيلْزم كَون تَعْرِيفهَا) أَي تَعْرِيف الْمعرفَة (بِاللَّامِ أَو الْإِضَافَة فِي إِعَادَتهَا) أَي فِي إِعَادَة تِلْكَ الْمعرفَة (نكرَة) مفعول للإعادة. قَالَ الشَّارِح وَفِي إِعَادَة النكرَة معرفَة أَيْضا، ثمَّ الْأَقْسَام الممكنة أَرْبَعَة: إِعَادَة الْمعرفَة معرفَة، والنكرة نكرَة، والمعرفة نكرَة، وَعَكسه (وَضَابِط الْأَقْسَام) بِاعْتِبَار الْأَحْكَام أَن يُقَال (أَن نكر الثَّانِي فَغير الأول) أَي فَالْمُرَاد بِالثَّانِي غير المُرَاد بِالْأولِ، وَإِلَّا لَكَانَ الْمُنَاسب تَعْرِيفه بِاللَّامِ

(1/220)


أَو الْإِضَافَة بِنَاء على كَونه معهودا سَابِقًا ذكره (أَو عرف فعينه) كَقَوْلِه تَعَالَى - {فَإِن مَعَ الْعسر يسرا إِن مَعَ الْعسر يسرا} -، وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لن يغلب عسر يسرين فَإِن مَعَ الْعسر يسرا ". (وَهُوَ) أَي الضَّابِط الْمَذْكُور (أكثري) لَا كلي، لِأَنَّهُ قد تُعَاد النكرَة نكرَة عين الأولى كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه} -، وتعاد النكرَة معرفَة غير الأولى كَقَوْلِه تَعَالَى - {زدناهم عذَابا فَوق الْعَذَاب} - كَذَا قيل، وَفِيه نظر، وتعاد الْمعرفَة معرفَة غير الأولى كَقَوْلِه تَعَالَى - {وأنزلنا إِلَيْك الْكتاب مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ من الْكتاب} -، ونكرة عين الأول كبيت الحماسة:
صفحنا عَن بني ذهل وَقُلْنَا الْقَوْم إخْوَان عَسى الْأَيَّام أَن يرجع ن قوما كَالَّذي كَانُوا
(فينبني عَلَيْهِ) أَي على هَذَا الأَصْل (إِقْرَاره بِمَال مُقَيّد بالصك) وَهُوَ كتاب الْإِقْرَار بِالْمَالِ وَغَيره، مُعرب (و) إقراه بِمَال (مُطلق) كل من المسئلتين (مَعْرُوفَة عِنْد الْحَنَفِيَّة غير إِقْرَاره بمقيد) أَي غير مَعْرُوف عِنْدهم إِقْرَاره بِمَال مُقَيّد بالصك فِي مجْلِس (ثمَّ) إِقْرَاره (فِي) مجْلِس (آخر) مُقَيّدا بالصك (بِهِ) أَي بِالْمَالِ (مُنْكرا وَقَلبه) أَي وَغير مَعْرُوف أَيْضا إِقْرَاره بِمَال مُنكر فِي مجْلِس، ثمَّ بِهِ فِي مجْلِس آخر مُقَيّدا بالصك، فَإِن حكم هَاتين المسئلتين غير مَعْرُوف نقلا عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله وصاحبيه، وَإِنَّمَا (خرج وجوب مالين عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله) فِي الأولى (و) وجوب (مَال) وَاحِد فِي الثَّانِيَة (اتِّفَاقًا) نقل عَن المُصَنّف أَنه لخص شرح هَذِه الْجُمْلَة، فَقَالَ: فالمنقول أَنه إِذا أقرّ بِأَلف فِي هَذَا الصَّك ثمَّ أقرّ بهَا كَذَلِك فِي مجْلِس آخر عَن شُهُود آخَرين كَانَ اللَّام ألفا وَاحِدَة بِنَاء على إِعَادَة الْمعرفَة، وَلَو أقرّ بِأَلف مُطلق عَن الصَّك غير مُقَيّد بِسَبَب، ثمَّ فِي مجْلِس آخر بِأَلف كَذَلِك قَالَ أَبُو حنيفَة تلْزمهُ أَلفَانِ بِنَاء على إِعَادَة النكرَة نكرَة كَمَا لَو كتب صكين كلا بِأَلف وَأشْهد على كل شَاهِدين، وَعِنْدَهُمَا تلْزمهُ ألف وَاحِدَة للْعُرْف على تكْرَار الْإِقْرَار للتَّأْكِيد، وَلَو اتَّحد الْمجْلس فِي هَذِه لزمَه ألف وَاحِدَة اتِّفَاقًا فِي تَخْرِيج الْكَرْخِي لجمع الْمجْلس المتفرقات، وَلَو أقرّ بِأَلف مُقَيّد بالصك عِنْد شَاهِدين، ثمَّ فِي آخر عِنْد آخَرين بِأَلف مُنكر خرج لُزُوم أَلفَيْنِ على قَول أبي حنيفَة بِنَاء على إِعَادَة الْمعرفَة نكرَة، وَفِي عكسها يَنْبَغِي وجوب ألف اتِّفَاقًا، لِأَن النكرَة أُعِيدَت معرفَة، ثمَّ التَّقْيِيد بالشاهدين فِي الصُّور، لِأَنَّهُ لَو أقرّ بِأَلف عِنْد شَاهد وَألف عِنْد آخر، أَو بِأَلف عِنْد شَاهِدين وَألف عِنْد القَاضِي لزمَه ألف وَاحِدَة اتِّفَاقًا انْتهى، وَذَلِكَ لِأَن الشَّاهِد الْوَاحِد لَا يتم بِهِ الْحجَّة فالإعادة للْأَحْكَام والإتمام، والإعادة عِنْد القَاضِي لإِسْقَاط مُؤنَة الْإِثْبَات بِالْبَيِّنَةِ، وَفِيه الِاتِّفَاق بتخريج الْكَرْخِي، لِأَنَّهُ على الِاخْتِلَاف فِي تَخْرِيج الرَّازِيّ، وَلَو أقرّ بِأَلف عِنْد شَاهِدين فِي

(1/221)


مجْلِس، ثمَّ بِأَلف عِنْد آخَرين فِي مجْلِس أَو عَكسه يلْزمه المالان، وَعِنْدَهُمَا يدْخل الْأَقَل فِي الْأَكْثَر (وَأما من فعلى الْخُصُوص) أَي فوصفها على الْخُصُوص (كَسَائِر الموصولات) فَهِيَ لَيست بِالْوَضْعِ، بل بِالْوَصْفِ الْمَعْنَوِيّ الَّذِي هُوَ مَضْمُون الصِّلَة، لِأَن الْمَوْصُول مَعَ الصِّلَة فِي حكم اسْم مَوْصُوف على مَا هُوَ الْمُخْتَار عِنْد المُصَنّف رَحمَه الله (والنكرة) أَي وكالنكرة فِي كَونهَا مَوْضُوعَة فِي الْخُصُوص (وأخص مِنْهَا) أَي من النكرَة (لِأَنَّهَا) أَي من وضعت (لعاقل ذكر أَو أُنْثَى عِنْد الْأَكْثَر) فعلى هَذَا إِطْلَاقهَا على الله يجوز، وَلَو قيل الْعَالم لَكَانَ أَعم، وَقد يُطلق على غير الْعَالم مُنْفَردا، أَو مَعَ غَيره، وَقيل يخْتَص بالمذكر (وَنصب الْخلاف فِي) من (الشّرطِيَّة) خَاصَّة كَمَا فعل ابْن الْحَاجِب (غير جيد) إِذْ الموصولة، والموصوفة والاستفهامية كَذَلِك (وَالِاسْتِدْلَال) للْأَكْثَر ثَابت (بِالْإِجْمَاع على عتقهن) أَي إمائه (فِي من دخل) دَاري فَهُوَ حر، إِذْ لَوْلَا ظُهُور تنَاوله لَهُنَّ لما أجمع عَلَيْهِ (والنكرة بِحَسب الْمَادَّة قد تكون لغيره) لما قَالَ أَن من أخص لاختصاصها بالعاقل فهم أَن النكرَة للعاقل وَغَيره، فَرُبمَا يفهم أَن وَضعهَا مُطلقًا لما يشملهما، فَبين أَن النكرَة قد تخص بالعاقل، وَقد تكون لغير الْعَاقِل، وَالَّذِي لَيْسَ بِحَسب الْمَادَّة كَلَفْظِ: عَاقل وَمَجْنُون فِي ضِدّه، وَفرس لنَوْع غير عَاقل، فالأعم بعض النكرَة (وتساويها) أَي النكرَة (الَّذِي) وَبَقِيَّة الموصولات فِي أَنَّهَا على الْخُصُوص والشيوع (وضعا وَإِنَّمَا لَزِمَهَا) أَي من الموصولة، وَكَذَا بَقِيَّة الموصولات (التَّعْرِيف فِي الِاسْتِعْمَال وعمومها) أَي من (بِالصّفةِ) المعنوية على مَا ذكر، فَإِن كَانَت الصّفة بِحَيْثُ تعم جَمِيع مَا تصلح لَهُ تعين عمومها (وَيلْزم عمومها فِي الشَّرْط والاستفهام، وَقد تخص مَوْصُولَة وموصوفة) وَهَذَا لَا تَحْرِير فِيهِ، فَإِن من كَمَا تخص مَوْصُولَة وموصوفة لعدم عُمُوم مَضْمُون صلتها وصفتها تخص شَرْطِيَّة، واستفهامية لما يُوجب تخصيصها، وكما يلْزم عمومها شَرْطِيَّة أَو استفهامية بِوَاسِطَة الشَّرْط، والاستفهام قد يلْزم عمومها مَوْصُولَة وموصوفة لعُمُوم مضمونها، ثمَّ لَا يلْزم من كَونهَا مرَادا بهَا الْخُصُوص فِي بعض الْأَحْوَال وَضعهَا لَهُ، وَمَا ذكره المُصَنّف مَذْكُور فِي غير مَوضِع فَهُوَ مختاره لما بدا لَهُ من الاستعمالات وَغَيرهَا، وَإِذا تقرر مَا ذكر (فَفِي من شَاءَ من عَبِيدِي عتقه) فَهُوَ حر فشاءوا عتقهم (يعتقون، وَكَذَا من شِئْت) من عَبِيدِي عتقه فَأعْتقهُ (عِنْدهمَا) أَي عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد: إِذا شَاءَ عتقهم (يعتقهم) وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك (لِأَن من للْبَيَان، و) من للْعُمُوم فَيتَنَاوَل الْجَمِيع (عِنْده) أَي أبي حنيفَة إِذا شَاءَ يعْتق الْكل (إِلَّا الأخيران رتب) عتقهم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرتب عتقهم، بل أعتقهم دفْعَة (فمختار الْمولى) أَي أعتقوا إِلَّا وَاحِدًا للْمولى الْخِيَار فِي تعينه (لِأَنَّهَا) أَي من (تبعيض فيهمَا) أَي من

(1/222)


المسئلتين (فأمكنا) أَي عُمُوم من، وتبعيض من فِي التَّعْلِيق (فِي الأولى لتعين عتق كل) من العبيد (بمشيئته، فَإِذا عتق كل مَعَ قطع النّظر عَن غَيره فَهُوَ) أَي كل مِنْهُم (بعض) من الْعُمُوم (وَفِي الثَّانِيَة) تعلق عتقهم (بِمَشِيئَة وَاحِد، فَلَو أعتقهم لَا تبعيض) بِالْكُلِّيَّةِ مَعَ إِمْكَان الْعَمَل بِهِ، وبالعموم أَو بِمُجَرَّد إِخْرَاج وَاحِد، فَإِن الْقَلِيل فِي حكم الْعَدَم (وَهَذَا) الدَّلِيل (يتم فِي الدفعى) أَي فِيمَا إِذا تعلق مَشِيئَته بِالْكُلِّ دفْعَة فَإِنَّهُ لَا يبْقى حِينَئِذٍ للتَّبْعِيض تَوْجِيه (لَا) يتم (فِي التَّرْتِيب) بِأَن يتَعَلَّق مَشِيئَة الْمُخَاطب بعتقهم دفعات فَيصدق على كل وَاحِد أَنه شَاءَ الْمُخَاطب عتقه، وَهُوَ بعض من العبيد (وتوجيه قَوْله) أَي أبي حنيفَة رَحمَه الله كَمَا وَجهه صدر الشَّرِيعَة وَادّعى التفرد بِهِ (بِأَن الْبَعْض مُتَيَقن) على تقديري التَّبْعِيض وَالْبَيَان، وَالْحمل على الْمُتَيَقن مُتَعَيّن (لَا يقتضيها) كَون من (تبعيضية) أَي تبعيضها فالمضاف إِلَيْهِ مَحْذُوف وَيجوز أَن تكون تبعيضية تمييزا عَن نِسْبَة الْمَنْقُول: أَي لَا يقتضى تبعيضها (لِأَنَّهَا) أَي التبعيضية (للْبَعْض الْمُجَرّد) الَّذِي يكون تَمام المُرَاد، لَا فِي ضمن الْكل، نَحْو: أكلت من الرَّغِيف (وَلَيْسَ) الْبَعْض الْمُجَرّد (هُوَ الْمُتَيَقن) على التَّقْدِيرَيْنِ (بل) الْبَعْض الْمَذْكُور الَّذِي التبعيضية عبارَة عَنهُ (ضِدّه) أَي ضد الْبَعْض المتحقق فِي ضمن البيانية، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُجَرَّد بالتفسير الْمَذْكُور وَلَا يُمكن اجْتِمَاع الضدين فَكيف يتَصَوَّر وجود الْمُجَرّد على التَّقْدِيرَيْنِ وَالْجَوَاب بِأَن المُرَاد بِالْبَعْضِ فِي قَوْله: الْبَعْض مُتَيَقن مَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ الْبَعْض غير سديد، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يلْزم أَن تكون من تبعيضية، والتوجيه مَبْنِيّ عَلَيْهِ، ثمَّ أَشَارَ إِلَى تَوْجِيه آخر لقَوْل أبي حنيفَة بقوله (وَبِأَن وصف من بِمَشِيئَة الْمُخَاطب) فِيمَن شِئْت من عَبِيدِي إِلَى آخِره (وصف خَاص) لِأَن مَا يُوصف بِهِ خَاص لكَونه مُسْندًا إِلَى خَاص (وعمومها) أَي عُمُوم من إِنَّمَا يحصل (بِالْعَام) أَي بِالْوَصْفِ الْعَام وَلم يُوجد فَلَا عُمُوم، فَوَجَبَ الْعَمَل بِمُوجب التَّبْعِيض من غير معَارض، وَلزِمَ اسْتثِْنَاء الْوَاحِد تَحْقِيقا لِمَعْنى التَّبْعِيض. وَقَالَ الشَّارِح: أَن عُمُوم الْمَشِيئَة بإسنادها إِلَى الْعَام الَّذِي هُوَ من وَلَا يخفى فَسَاده، إِذْ قد مر أَن عُمُوم من بِالصّفةِ فَكيف يكون عُمُوم الصّفة بهَا؟ وَلَئِن سلم فَمَا معنى التَّوْجِيه حِينَئِذٍ فَافْهَم (كمن شَاءَ من عَبِيدِي إِلَى آخِره) تَمْثِيل للوصف الْعَام لعدم إِسْنَاد الْمَشِيئَة إِلَى خَاص (دفع) التَّوْجِيه الْمَذْكُور (بِأَن حَقِيقَة وصفهَا) أَي وصف من (فِيهِ) أَي فِيمَن شِئْت إِلَى آخِره (بِكَوْنِهَا) أَي من (مُتَعَلق مَشِيئَة) الْمُخَاطب (وَهُوَ) أَي مُتَعَلق مَشِيئَته: يَعْنِي كَونهَا بِحَيْثُ أضيف إِلَيْهَا الْمَشِيئَة (عَام) فَانْدفع ادِّعَاء كَون الْوَصْف خَاصّا (وَأما مَا فلغير الْعَاقِل) وَحده: نَحْو - {فاقرءوا مَا تيَسّر من الْقُرْآن} -، (وللمختلط) بِمن يعقل وَمن لَا يعقل: نَحْو - {سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} ، والمتبادر من

(1/223)


هَذَا كَونهَا مُشْتَركَة بَين غير الْعَاقِل والمختلط (فَلَو ولدت غُلَاما وَجَارِيَة فِي) مُدَّة التَّعْلِيق بقوله (إِن كَانَ مَا فِي بَطْنك غُلَاما) فَأَنت طَالِق (لَا يَقع) الطَّلَاق. قَالَ الشَّارِح لِأَن الشَّرْط إِنَّمَا يكون جَمِيع مَا فِي بَطنهَا غُلَاما بِنَاء على عُمُوم مَا، فَلَا يتَحَقَّق مَضْمُون الشَّرْط (وَفِي طَلِّقِي نَفسك من الثَّلَاث مَا شِئْت لَهَا الثَّلَاث) أَي لَهَا الْخِيَار فِي إِيقَاع الثَّلَاث (عِنْدهمَا) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد (وَعِنْده) أَي عِنْد أبي حنيفَة (ثِنْتَانِ، وَهِي) أَي هَذِه المسئلة (كَالَّتِي قبلهَا) أَي من شِئْت من عَبِيدِي إِلَى آخِره من حَيْثُ أَن كلا مِنْهُمَا بَيَانِيَّة عِنْدهمَا تبعيضية عِنْده أَي أبي حنيفَة رَحمَه الله (وَقَوله أحسن، لِأَن تَقْدِيره) أَي الْكَلَام (على الْبَيَان) طَلِّقِي نَفسك (مَا شِئْت مِمَّا هُوَ الثَّلَاث) . وَفِي شرح الْهِدَايَة: طَلِّقِي نَفسك مَا شِئْت الَّذِي هُوَ الثَّلَاث: هَذَا إِذا كَانَ مَا معرفَة، فَإِن كَانَ نكرَة فَالْمَعْنى عددا شِئْت هُوَ الثَّلَاث، وَضَابِط البيانية صِحَة وضع الَّذِي مَكَانهَا، وَوَصلهَا بضمير مَرْفُوع مُنْفَصِل مَعَ مدخولها إِذا كَانَ الْمُبين معرفَة، وَصِحَّة وضع الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُنْفَصِل موضعهَا ليَكُون مدخولها إِذا كَانَ الْمُبين نكرَة، فَفِي - {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} -: الرجس هُوَ الْأَوْثَان، ثمَّ هَذَا تَفْوِيض الثَّلَاث إِلَيْهَا (وطلقي مَا شِئْت واف بِهِ) فَلَا حَاجَة إِلَى قَوْله: من الثَّلَاث (فالتبعيض) أَي فكون التَّبْعِيض مرَادا مِنْهُ (مَعَ زِيَادَة من الثَّلَاث) عَلَيْهِ (أظهر) احْتِرَازًا عَن المستغنى عَنهُ (وَأما كل فلاستغراق أَفْرَاد مَا دَخلته) فحال مدخولها حِينَئِذٍ (كَانَ لَيْسَ مَعَه غَيره) أَي كحاله وَقت عدم غَيره مَعَه (فِي الْمُنكر) أَي فِيمَا إِذا كَانَ مدخولها نكرَة، وَذَلِكَ لِأَن النكرَة عبارَة عَن الْفَرد الْمُنْتَشِر، واستغراقه عبارَة عَنهُ من حَيْثُ تحققها فِي ضمن كل مَا يصدق عَلَيْهِ من أشخاصه، وَهَذِه الْحَيْثِيَّة وَإِن كَانَت زَائِدَة على ذَاته لَكِنَّهَا من حَيْثُ أَنَّهَا حصلت بِاعْتِبَار مُلَاحظَة أُمُور متحدة مَعَه بِحَسب الْمَاهِيّة كَالْعدمِ، بِخِلَاف مُقَابلَة الْمشَار إِلَيْهِ بقوله (وأجزائه) أَي ولاستغراق أَجْزَائِهِ (فِي الْمُعَرّف) فِيمَا إِذا كَانَ مدخوله معرفَة فَإِن أَجزَاء الشَّيْء أُمُور مباينة لذَلِك الشَّيْء بِحَسب الْحَقِيقَة (فكذب كل الرُّمَّان مَأْكُول) لِأَن قشره مثلا من جملَة أَجْزَائِهِ، وَهُوَ غير مَأْكُول فَإِنَّهُ صَادِق لعدم استغراق أَجْزَائِهِ الَّتِي لَا تُؤْكَل، وَإِنَّمَا يسْتَغْرق كل رمان ومأكوليته (دون كل رمان) مَا هُوَ الْمُتَعَارف أكله من أَجْزَائِهِ (وَوَجَب لكل من الداخلين) مَعًا الْحصن (فِي كل من دخل) هَذَا الْحصن (أَولا) فَلهُ كَذَا مَا سَمَّاهُ (بِخِلَاف: من دخل أَولا) فَلهُ كَذَا فَدخل أَكثر من وَاحِد (لَا شَيْء لأحد، لِأَن عمومها) أَي من (لَيْسَ ك) عُمُوم (جَمِيع) من حَيْثُ الشُّمُول على سَبِيل الِاجْتِمَاع ليَكُون للمجموع مَجْمُوع الْمُسَمّى، فَيقسم عَلَيْهِم (وَلَا ككل) من حَيْثُ الشُّمُول على سَبِيل الِانْفِرَاد، فَيكون لكل وَاحِد مَا سَمَّاهُ (بل) عمومها ثَابت (ضَرُورَة الْإِبْهَام)

(1/224)


أَي لأجل ضَرُورَة ناشئة من الْإِبْهَام (كالنكرة فِي النَّفْي) أَي كعموم النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي ضَرُورَة الْإِبْهَام، فَإِن مدلولها فَرد لَا على التَّعْيِين، وانتفاؤه بِالنَّفْيِ يسْتَلْزم انْتِفَاء كل فَرد بِعَيْنِه، إِذْ لَو بَقِي فَرد وَاحِد لتحَقّق الْفَرد لَا على التَّعْيِين فِي ضمنه الْمَفْرُوض انتفاؤه رَأْسا، هَذَا فِي النكرَة وَأما كلمة من فَمن حَيْثُ أَنَّهَا من المبهمات مدلولها فَرد من الْمَوْصُوف بصلتها لَا على التَّعْيِين فشاركت النكرَة الْمَذْكُورَة فِي الْإِبْهَام غير أَن الْعُمُوم هُنَاكَ من سِيَاق النَّفْي، وَهَهُنَا بِسَبَب أَن إِرَادَة الْبَعْض دون الآخر تَرْجِيح بِغَيْر مُرَجّح فَيعم الْكل، لَكِن لَا على سَبِيل الشُّمُول كَمَا فِي مَدْخُول كل، بل على سَبِيل الْبَدَل كَمَا هُوَ مُقْتَضى أصل وَضعهَا، وَوُجُوب الْمُسَمّى على أحد الْوَجْهَيْنِ مَوْقُوف على أحد العمومين المنفيين (فَلَا شركَة) بَين من، ومدخول كل فِي كَيْفيَّة الْعُمُوم (تصحح) تِلْكَ الشّركَة (التَّجَوُّز) بِكَلِمَة من عَن جَمِيع أَو كل، وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ فِيهَا صَارف قوي عَن الْحَقِيقَة إِلَى الِاسْتِعَارَة لأَحَدهمَا لَا مَكَان الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ، وَتعذر الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ إِذا دخل أَكثر من الْوَاحِد مَعًا (وَقيل) فِي الْفرق بَين المسئلتين، وَالْقَائِل صدر الشَّرِيعَة، فِي نسختين من الْمَتْن: فَخر الْإِسْلَام، وَنقل هَذَا أَخذ مِنْهُ (الأول فَرد سَابق على كل من سواهُ) من الْأَفْرَاد (بِلَا تعدد) فَلَا يصدق على مَا فَوق الْوَاحِد، (وَإِضَافَة كل) إِلَى من (توجبه) أَي التَّعَدُّد فِيهِ (فَجعل) الأول بِقَرِينَة الأول (مجَازًا عَن جزئه وَهُوَ السَّابِق) على الْغَيْر (فَقَط) بِلَا قيد الْوحدَة فَيصح إِضَافَة كل الافرادي إِلَيْهِ، وَيكون من فِيهِ نكرَة مَوْصُوفَة بَقِي شَيْء، وَهُوَ أَنه لَا يَكْفِي مُجَرّد التَّجْرِيد عَن قيد الْوحدَة، بل لَا بُد من تصرف آخر فِي معنى الأول بِأَن يُرَاد بِهِ من لَا يسْبقهُ من سواهُ، وَإِلَّا لم يصدق على شَيْء من المتعدد، إِذْ لَا يصدق عَلَيْهِ أَنه سَابق على من سواهُ فَافْهَم (فَفِي التَّعَاقُب) أَي تعاقب الداخلين (يسْتَحق الأول فَقَط، لِأَن من بعده مَسْبُوق) فَلَا يصدق عَلَيْهِ أَنه أول كَمَا هُوَ مَفْهُوم السَّابِق الْمُتَبَادر عِنْد الاطلاق (وَكَمَال السَّابِق) إِنَّمَا يتَحَقَّق (بِعَدَمِهِ) أَي بِعَدَمِ كَونه مَسْبُوقا بِالْغَيْر (خُصُوصا فِي مقَام التحريض) على التشجيع (فَلَا يعْتَرض بِأَن مُقْتَضَاهُ) أَي مُقْتَضى عُمُوم السَّابِق بِحَيْثُ يعم من لَهُ سبق من وَجه، وَإِن كَانَ مَسْبُوقا من وَجه آخر (اسْتِحْقَاق كل من الْمُتَعَاقدين إِلَّا الآخر) فَإِنَّهُ مَسْبُوق غير سَابق بِوَجْه (بِعُمُوم الْمجَاز) بِإِرَادَة معنى مجازي يصدق على الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَغَيره (وَأما جَمِيع فللعموم على الِاجْتِمَاع، فللكل نفل) وَاحِد يقسم بَينهم بِالسَّوِيَّةِ إِذا دخلُوا جَمِيعًا لعدم صدق مَفْهُوم من جعل لَهُ النَّفْل على كل وَاحِد مُنْفَردا (فِي جَمِيع من دخل أَولا فَلهُ كَذَا) عملا (بحقيقته) أَي بِحَقِيقَة لفظ جَمِيع، وَهِي الْعُمُوم الاحاطي على سَبِيل الِاجْتِمَاع (وللأول فَقَط فِي) صُورَة (التَّعَاقُب: بدلالته) أَي بِدلَالَة قَوْله لجَمِيع من دخل

(1/225)


إِلَى آخِره فَإِن هَذَا التَّنْفِيل للتشجيع والحث على المسارعة إِلَى الدُّخُول، فَإِذا اسْتَحَقَّه السَّابِق بِصفة الِاجْتِمَاع: فَلِأَن يسْتَحقّهُ بِصفة الِانْفِرَاد أولى، لِأَن الشجَاعَة فِيهِ أقوى (لَا بمجازه) أَي لَيْسَ للْأولِ فَقَط فِي التَّعَاقُب بِسَبَب الْعَمَل بمجاز لفظ جَمِيع اسْتِعْمَاله (فِي) معنى (كل) الإفرادي (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك وَاسْتحق الأول بمجازه الْمَذْكُور (لزم الْجمع بَين) الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ و) الْمَعْنى (الْمجَازِي فِي الْإِرَادَة) بِأَن يُرَاد مِنْهُ مَا وضع لَهُ، وَهُوَ الْعُمُوم الاجتماعي، وَمعنى كل الإفرادي مَعًا، لَا يُقَال لم لَا يجوز أَن يُرَاد لَهُ معنى مجازي يعم الْحَقِيقِيّ، وَهَذَا الْمجَازِي أَيْضا (لتعذر عُمُوم الْمجَاز هُنَا) فَإِنَّهُ إِذا أُرِيد بِجَمِيعِ معنى كل الإفرادي مجَازًا اندرج دُخُول الْجَمَاعَة أَولا مَعًا تَحت هَذَا التَّنْفِيل على غير الْوَجْه الَّذِي تَقْتَضِيه الْحَقِيقَة، وَهُوَ أَن يكون للْكُلّ نفل وَاحِد لِأَن الْمَعْنى الْمجَازِي يَقْتَضِي أَن يكون لكل وَاحِد من الْجَمَاعَة مَا سَمَّاهُ كَامِلا، فَلَو أُرِيد بِهَذَا اللَّفْظ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ كَانَ ذَلِك بعلاقة الْوَضع لَهُ، فَإِذا فرض مَعَ هَذَا اندراج الأول فِي التَّعَاقُب تَحْتَهُ كَانَ هَذَا بعلاقة الْوَضع لَهُ المجازية عَن كل، فَلَزِمَ الْجمع الْمَذْكُور، وَظهر تعذر عُمُوم الْمجَاز الْمَذْكُور فَإِن قلت لم لَا يجوز أَن يُرَاد بِهِ معنى مجازي آخر يندرجان تَحْتَهُ، وَلَا يلْزم الْجمع بَينهمَا قلت وجود مَفْهُوم شَامِل للْجَمَاعَة الْمَذْكُورَة على الْوَجْه الْمَذْكُور، وللفرد الأول فِي التَّعَاقُب على الْكَيْفِيَّة الْمَذْكُورَة مِمَّا يكَاد أَن يحملهُ الْعقل فَتدبر (وَأما أَي فلبعض مَا أضيف إِلَيْهِ) حَال كَون مَا أضيف إِلَيْهِ (كلا) ذَا أبعاض (معرفَة) فَلَا ينْتَقض بِمثل: أَي النقطة كَذَا الانتفاء الْكُلية بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور: نعم إِن جعل اللَّام للْعهد الذهْنِي كَانَ: أَي الجزئي دَاخِلا فِي الْقسم الْآتِي (وَلَو) كَانَ تَعْرِيفه (بِاللَّامِ) فَعلم أَنه إِذا كَانَ بِغَيْر اللَّام فكونها لبَعض مَا أضيف إِلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الأولى، وَذَلِكَ لِأَن مَدْخُول اللَّام إِنَّمَا يكون مفهوما كليا، فيتبادر من إضافتها إِلَيْهِ إِرَادَة الجزئيات، بِخِلَاف غَيره من المعارف كَالْعلمِ فَإِن الْمُتَبَادر من إضافتها إِلَيْهِ إِرَادَة الْبَعْض، مثل: أَي زيد أحسن (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مَا أضيف إِلَيْهِ كلا معرفَة (فلجزئيه) أَي فَأَي لجزئي مَا أضيف إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون كليا نكرَة أَو معرفَة لفظا كالمعهود الذهْنِي: كَذَا نَقله الشَّارِح عَن المُصَنّف، وَفِيه أَنه يجوز أَن يكون معهودا خارجيا غير ذِي أبعاض لاندراجه تَحت قَوْله: وَإِلَّا، وَيجوز أَن يكون ضمير كَذَا إِلَى غير ذَلِك فَتَأمل، (وبحسب) حَال (مدخولها) من الْكُلية والتعريف وَمَا يقابلهما (يتَعَيَّن وصفهَا) أَي وصف أَي (الْمَعْنَوِيّ) وَهُوَ مَضْمُون مَا ينْسب إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ مُعَرفا يكون المُرَاد بِأَيّ الْبَعْض مِنْهُ، فَيتَعَيَّن أَن يكون الْوَصْف الْمَعْنَوِيّ مِمَّا يجوز أَن ينْسب إِلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَامْتنعَ أَي الرجل عنْدك لعدم الصِّحَّة) لِأَن العندية الْمَخْصُوصَة مِمَّا لَا يجوز توصيف بعض الرجل

(1/226)


مُنْفَردا بهَا (وَجَاز) أَي الرجل (أحسن) لجَوَاز انْفِرَاد بعضه بالأحسنية (وَهِي) أَي أَي (فِي الشَّرْط والاستفهام) أَي فِيمَا إِذا كَانَت شَرْطِيَّة أَو استفهامية (ككل فِي النكرَة) أَي هِيَ ككل فِيمَا إِذا دخل على النكرَة فِي كَونه لاستغراق أَفْرَاد مدخوله (فَتجب الْمُطَابقَة) أَي مُطَابقَة الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى أَي: إفرادا، وتثنية، وجمعا: تذكيرا وتأنيثا (لما أضيفت) أَي (إِلَيْهِ) لِأَن المُرَاد بهَا حِينَئِذٍ فَرد من أَفْرَاد مَا أضيف، لَا بعض من أَبْعَاضه (كأي رجلَيْنِ تكرم) أَي تكرمهما (أكرمهما) فَإِن الضَّمِير فِي الْحَقِيقَة رَاجع للرجلين (وَأي رجال تكرم أكْرمهم) وَأي رجل تكرم أكْرمه، وَأي امْرَأَة تكرم أكرمها، وَأي امْرَأَة قَامَت، وَهَكَذَا (و) هِيَ فِي الشَّرْط والاستفهام مثل (بعض فِي الْمعرفَة فيتحد) الضَّمِير الرَّاجِع إِلَيْهَا مثنى كَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ أَو مجموعا: مذكرا أَو مؤنثا، لِأَن الرَّاجِع إِلَى أَي حِينَئِذٍ رَاجع إِلَى الْمُفْرد، إِذْ المُرَاد بهَا بعض مِمَّا أضيف إِلَيْهِ، وَلَا فرق بَين الْمُذكر، والمؤنث، والمفرد، وَالْجمع (كأي الرجلَيْن) أَو الْمَرْأَتَيْنِ، أَو الرِّجَال، أَو النِّسَاء (تضرب أضربه، وتعم) أَي (بِالْوَصْفِ) الْعَام كَمَا نَص عَلَيْهِ مُحَمَّد فِي الْجَامِع الْكَبِير (فَيعتق الْكل إِذا ضربوا فِي) تَعْلِيق (أَي عَبِيدِي ضربك) فَهُوَ حر، فَإِن الْوَصْف وَهُوَ الضَّرْب بِاعْتِبَار إِسْنَاده إِلَى كل وَاحِد من العبيد عَام (ومنعوه) أَي عتق الْكل (فِي) أَي عَبِيدِي (ضَربته) لِأَن الْوَصْف بِاعْتِبَار إِسْنَاده إِلَى الْخَاص خَاص (إِلَّا الأول) اسْتثِْنَاء من منع الْكل: يَعْنِي إِذا ضَربهمْ على التَّرْتِيب لعدم المزاحم بِخِلَاف غَيره فَإِنَّهُ يزاحمه انْتِهَاء عَن التَّعْلِيق بِعِتْق الأول (أَو مَا يُعينهُ الْمولى فِي الْمَعِيَّة) أَي فِيمَا إِذا ضَربهمْ دفْعَة وَاحِدَة، لِأَن عتق الْوَاحِد لَا بُد مِنْهُ عملا بِمُوجب التَّعْلِيق، وَذَلِكَ غير مُتَعَيّن، فالتعيين إِلَيْهِ وَإِن كَانَ الِاخْتِيَار فِي الضَّرْب (لِأَن الْوَصْف) الَّذِي هُوَ الضَّرْب (لغَيْرهَا) أَي لغير العبيد: وَهُوَ الْمُخَاطب، وَهُوَ خَاص فَالْحَاصِل أَن الْعُمُوم فِي المسئلة السَّابِقَة إِنَّمَا جَاءَ من قبيل الصّفة وَلم يتَحَقَّق هَهُنَا. قَالَ صدر الشَّرِيعَة هَهُنَا: وَهَذَا الْفرق مُشكل من جِهَة النَّحْو لِأَن فِي الأول وَصفا بالضاربية، وَفِي الثَّانِي بالمضروبية، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَمنع) كَونهَا غير مَوْصُوفَة بِصفة عَامَّة هَهُنَا أَيْضا مُسْتَندا (بِأَنَّهَا) يَعْنِي أيا (مَوْصُوفَة بالمضروبية) ثمَّ أَشَارَ إِلَى دفع مَا أُجِيب بِهِ عَن هَذَا الْمَنْع بقوله (وَكَون المفعولية) أَي مفعولية العبيد فِي أَي عَبِيدِي ضَربته (فضلَة) وَفِيه مُسَامَحَة لِأَن الفضلة هُوَ الْمَفْعُول لَا المفعولية، والفضلة (تثبت ضَرُورَة التحقق) أَي ضَرُورَة تحقق الْفِعْل الْمُتَعَدِّي، وَالثَّابِت ضَرُورَة يتَقَدَّر بِقَدرِهَا، فَلَا يظْهر أَثَره فِي التَّعْمِيم (لَا يُنَافِيهِ) أَي لَا يُنَافِي الْعُمُوم بِالصّفةِ، لِأَن الْمَدْلُول على عُمُوم الصّفة سَوَاء كَانَت الصّفة حَاصِلَة بِاعْتِبَار نِسْبَة الْفِعْل إِلَى الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول (وَالْفرق) بَين الصُّورَتَيْنِ كَمَا قَالَ صدر الشَّرِيعَة

(1/227)


(بِكَوْن الثَّانِي) وَهُوَ: أَي عَبِيدِي ضَربته (لاختيار أحدهم عرفا) أَي لتخيير الْمُخَاطب فِي تعْيين وَاحِد من العبيد فِي الْعرف (ككل أَي خبر تُرِيدُ) فَإِن المُرَاد مِنْهُ تَخْيِير الْمُخَاطب فِي أكل خبز وَاحِد (وَالْأَوْجه) الْأَحْسَن أَن يُقَال فِي التنظير (أَي خبزي ليطابق الْمِثَال) وَهُوَ: أَي عَبِيدِي (لَيْسَ لَهُ) أَي للمخاطب (أكل الْكل، بل تعْيين وَاحِد يختاره بِخِلَاف الأول) وَهُوَ: أَي عَبِيدِي ضربك، فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر فِيهِ ذَلِك، وَقَوله وَالْفرق مُبْتَدأ خَبره (لَا يدْفع) الِاعْتِرَاض (بِنَحْوِ أَي عَبِيدِي وطئته دابتك) فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْفرق الْمَذْكُور (لِأَن مَحل الْفرق) الْمَذْكُور (مَا يَصح فِيهِ التَّخْيِير) وَهَذَا الْمِثَال مِمَّا لَا يتَصَوَّر فِيهِ ذَلِك مَعَ أَنه مندرج فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة، ثمَّ إِن المُصَنّف رَحمَه الله قد حقق أَن عُمُوم أَي بِاعْتِبَار عُمُوم الْوَصْف، وَمِنْهُم من ادّعى أَنه بِاعْتِبَار الْوَضع، فَأَرَادَ رده صَرِيحًا فَقَالَ (وَأما ادِّعَاء وَضعهَا) أَي أَي (ابْتِدَاء للْعُمُوم الاستغراقي) قيد الْعُمُوم بِهِ لِئَلَّا يتَوَهَّم إِرَادَة الْعُمُوم الَّذِي يكون فِي النكرات، فَإِن الْفَرد الْمُنْتَشِر يعم جَمِيع الْأَفْرَاد على سَبِيل الِاحْتِمَال (بادعاء الْفرق بَين أعتق عبدا من عَبِيدِي ضربك، وَأي عبد) من عَبِيدِي ضربك: كَمَا فِي التَّلْوِيح، فَإِنَّهُ لَيْسَ للْمَأْمُور إِلَّا إِعْتَاق وَاحِد متصف بالضاربية فِي الأول، وَله أَن يعْتق كل عبد ضربه من عبيده فِي الثَّانِي (فَمَمْنُوع) خبر للمبتدأ، وَجَوَاب لأما، يَعْنِي لَا نسلم أَن الْفرق بَينهمَا بِمَا ذكر، بل الْعُمُوم فيهمَا للوصف، كَذَا نَقله الشَّارِح عَن المُصَنّف (ورد أَخذ خصوصها) يَعْنِي كَون أَي خَاصّا (وضعا من إِفْرَاد الضَّمِير فِي) نَحْو (أَي الرِّجَال أَتَاك) فَإِن الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى أَي على تَقْدِير عمومها إِنَّمَا يكون على طبق عمومها، فَيُقَال: أَي الرِّجَال أتوك؟ (و) من (صِحَة الْجَواب) عَنْهَا (بِالْوَاحِدِ) كزيد أَو عَمْرو (بِالنَّقْضِ) مُتَعَلق بِالرَّدِّ: يَعْنِي رد الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور بِالنَّقْضِ (بِمن وَمَا: يَعْنِي لِأَنَّهُمَا استغراقيان وضعا مَعَ إِفْرَاد ضميرهما و) إِفْرَاد (جوابهما) كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي التَّلْوِيح (مَمْنُوع) \ خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي ورد (بل وضعهما أَيْضا على الْخُصُوص كالنكرة وعمومهما بِالصّفةِ كَمَا مر) ثمَّ لما ورد على الْقَوْلَيْنِ بعمومها بِعُمُوم الصّفة عدم عمومها فِي بعض الصُّور مَعَ عُمُوم الصّفة دَفعه بقوله (وَعدم عتق أحد) من العبيد (فِي أَيّكُم حمل هَذِه) العدلة (وَهِي حمل وَاحِد) مِنْهُم (فحملوها) مَعًا (لعدم الشَّرْط) لِلْعِتْقِ بِحمْل وَاحِد) لَهَا بكمالها عطف بَيَان للشّرط يَعْنِي أَن شَرط الْعتْق أَن يحمل الْوَاحِد بِانْفِرَادِهِ تَمامهَا فَعِنْدَ حمل الْجَمِيع إِيَّاهَا لم يتَحَقَّق ذَلِك (وَلذَا) أَي وَلكَون الشَّرْط مَا ذكر (عتق الْكل فِي التَّعَاقُب) أَي فِيمَا إِذا حمل كل وَاحِد مِنْهُم مُنْفَردا تَمامهَا على سَبِيل التَّعَاقُب إِلَّا الْمَعِيَّة (وَكَذَا) يعْتق الْكل (إِذا لم يكن) الْمشَار إِلَيْهِ (حمل وَاحِد) بِأَن لَا يُطيق الْوَاحِد حملهَا فحلمها وَاحِد وَجَمَاعَة، لِأَن الْمَقْصُود صيرورتها مَحْمُولَة إِلَى

(1/228)


مَوضِع حَاجَة بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ يُطيق حملهَا وَاحِد، إِذْ الْمَقْصُود حِينَئِذٍ معرفَة جلادتهم: وَهِي تحصل بِحمْل الْوَاحِد مُنْفَردا، وعَلى هَذَا لَو انحرقت الْعَادة فحملها كل وَاحِد مِنْهُم على التَّعَاقُب لَا يسْتَحق إِلَّا الأول لانْتِهَاء حُصُول الْمَقْصُود بِحمْلِهِ فينتهي حكم التَّعْلِيق بِهِ، وَظَاهر الْكَشْف الْكَبِير عتق الْكل، كَذَا ذكر الشَّارِح.
مسئلة

(لَيْسَ الْعَام مُجملا خلافًا لعامة الأشاعرة) على مَا فِي التَّلْوِيح (وَنقل بَعضهم) وَهُوَ صدر الشَّرِيعَة (دَلِيله) أَي دَلِيل الْإِجْمَال: وَهُوَ قَوْله (أعداد الْمَجْمُوع) أعداد أَفْرَاد كل جمع (مُخْتَلفَة) فَإِن جمع الْقلَّة يَصح أَن يُرَاد بِهِ كل عدد من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَجمع الْكَثْرَة إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ (فَوَجَبَ التَّوَقُّف) فِي تعْيين المُرَاد بِهِ (إِلَى) تعْيين (معِين) على صِيغَة الْفَاعِل (يُفِيد) النَّقْل الْمَذْكُور (أَن الْخلاف فِي الْجمع الْمُنكر) عَن القَوْل بِعُمُومِهِ (لَا الْعَام مُطلقًا) لعدم جَرَيَان مَا نقل فِي غَيره (ومعممه) أَي من يَقُول بِعُمُوم الْجمع الْمُنكر (من الْحَنَفِيَّة يُصَرح بنفيه) أَي بِنَفْي إجماله (وجوابهم) أَي المعممين عَن هَذَا الدَّلِيل قَوْلهم (وَجب الْحمل) أَي حمل الْجمع الْمُنكر (على) الْمرتبَة (المستغرقة) لكل عدد من مراتبه (على مَا تقدم عَنْهُم) فِي المسئلة الْخَاصَّة بِهِ (فَلَا إِجْمَال، و) أجابوا أَيْضا (ب) أَن (الْحمل على) الْعدَد (الْمُتَيَقن) وَهُوَ أقل مَرَاتِب الْجمع (فَلَا إِجْمَال) أَيْضا (وَقد ينْقل) لدَلِيل الْإِجْمَال قَوْلهم (الْعَام مُشْتَرك بَين الْوَاحِد وَالْكثير للإطلاق) أَي لِأَنَّهُ يُطلق على صِيغَة الْعَام على كل مِنْهُمَا (وَالْأَصْل) فِي الْإِطْلَاق (الْحَقِيقَة) فَأشبه المُرَاد بِهِ (فَوَجَبَ التَّوَقُّف إِلَى دَلِيل الْعُمُوم) أَو الْخُصُوص فَيعْمل بِهِ حِينَئِذٍ (فَيُفِيد) هَذَا النَّقْل (أَنه) القَوْل بالإجمال (قَول الْقَائِل باشتراك الصِّيغَة) بَين الْعُمُوم وَالْخُصُوص (وَهُوَ) أَي القَوْل بالإجمال (أحد قولي الْأَشْعَرِيّ، ونسبته) أَي الْإِجْمَال (إِلَى الأشعرية غير وَاقع بل) هُوَ مَنْسُوب (إِلَى الْأَشْعَرِيّ لتوقفه فِي الصِّيَغ) المستعملة فِي الْعُمُوم فِي أَنَّهَا مَوْضُوعَة للْعُمُوم خَاصَّة، وَهَذَا التَّوَقُّف (للاشتراك) فِي قَول (لَهُ) بِأَنَّهَا مُشْتَركَة بَين الْعُمُوم وَالْخُصُوص (أَو لَا لَهُ) أَي أَو لتوقفه فِيهَا لَا لاشتراك، بل لكَونه لَا يدْرِي كَونهَا مَوْضُوعَة للْعُمُوم أَو الْخُصُوص (فِي) قَول (آخر) للأشعري (وَإِذن فمعلوم تَفْرِيع التَّوَقُّف) فِي الْعَمَل بِالْعَام إِلَى تعْيين أحد الْمَعْنيين (على مَذْهَب الِاشْتِرَاك) أَي وَإِذا علل توقف الْأَشْعَرِيّ فِي الصِّيَغ بالاشتراك على قَوْله: لَهُ علم أَن القَوْل بالاشتراك كَائِنا من كَانَ قَائِله يلْزمه التَّوَقُّف فِيهَا (وَالْوَقْف) فِي الْعَمَل بهَا مَعْطُوف على تَفْرِيع (إِلَى الْمعِين وَقد أفرد الْمَبْنِيّ) لهَذَا الْخلاف: وَهُوَ أَن الصِّيَغ هِيَ للْعُمُوم أَو

(1/229)


الْخُصُوص أَولهمَا (بالبحث) كَمَا مر مَعَ إبِْطَال الِاشْتِرَاك والتوقف (فيستغني بِهِ) أَي بإفراد الْمَبْنِيّ بالبحث (عَن هَذِه) المسئلة، لِأَنَّهُ قد بَين فِيهَا أَن لَا اشْتِرَاك فَلَا وقف (وتفارق مسئلة) التَّوَقُّف للاشتراك مسئلة (منع الْعَمَل بِهِ) أَي بالعالم (قبل الْبَحْث عَن الْمُخَصّص بِأَن الْبَحْث) فِي هَذِه المسئلة (يظْهر المُرَاد من المفاهيم) الْمُشْتَرك فِيهَا اللَّفْظ (وَهُنَاكَ) أَي فِي مسئلة منع الْعَمَل إِلَى آخِره يظْهر (إِرَادَة الْمَفْهُوم المتحد) فِي الْوَضع: وَهُوَ الْعُمُوم من حَيْثُ أَنه ثَابت (لَا الْمجَاز) لم يرد الْمجَاز أَو بِالْعَكْسِ (وَلَو جعلت هَذِه) الْمَسْأَلَة (إِيَّاهَا) أَي مسئلة وجوب الْبَحْث عَن الْمُخَصّص (أشكل بِنَقْل الْإِجْمَاع فِيهَا) أَي فِي مسئلة وجوب الْبَحْث عَن الْمُخَصّص (بِخِلَاف هَذِه) فَإِنَّهُ نقل فِيهَا الْخلاف، وَالْمجْمَع عَلَيْهِ لَا يكون مُخْتَلفا فِيهِ (فَإِن قيل) الْإِجْمَاع الْمَذْكُور كَيفَ يَصح فَإِنَّهُ (إِن اشْتهر الْمجَاز: أَعنِي الْخُصُوص) فَإِن اللَّفْظ الْمَوْضُوع للْعُمُوم إِذا أُرِيد بِهِ الْبَعْض كَانَ مجَازًا لَا محَالة (فَلَا إِجْمَاع على التَّوَقُّف) حِينَئِذٍ، بل يعْمل بالخصوص بِلَا توقف (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يشْتَهر ذَلِك فِيهِ (فَكَذَلِك) لَا إِجْمَاع على التَّوَقُّف أَيْضا لوُجُوب الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ حِينَئِذٍ، وَهِي الْعُمُوم (فَالْجَوَاب قد يَقع التَّرَدُّد فِيهِ) أَي فِي الْخُصُوص باشتباه الْقَرَائِن (والمزاحمة) أَي مزاحمة مَا يُوجب الِاحْتِمَال (فَيلْزم حكم الْمُجْمل) وَهُوَ التَّوَقُّف إِلَى أَن يظْهر المُرَاد مِنْهُ بطريقه (وَهُوَ) أَي التَّرَدُّد بِاعْتِبَار احْتِمَال الْخُصُوص (ثَابت فِي خُصُوص هَذِه الْحَقِيقَة بِسَبَب) مَا تقرر من أَنه (مَا من عَام إِلَّا وَقد خص) حَتَّى هَذَا الْعَام أَيْضا بقوله - {إِن الله بِكُل شَيْء عليم} - وَنَحْوه (وَجَوَابه) أَي جَوَاب الْإِجْمَال بِنَاء على القَوْل بالاشتراك أَو الْوَقْف فِي ذَلِك (بطلَان الِاشْتِرَاك وَالْوَقْف كَمَا تقدم) فِي الْبَحْث الثَّانِي وَالله سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُوفق.
مسئلة

(نقل الْإِجْمَاع على منع الْعَمَل بِالْعَام قبل الْبَحْث عَن الْمُخَصّص) وَمن ناقليه الْغَزالِيّ والآمدي وَابْن الْحَاجِب (وَهُوَ) أَي النَّقْل الْمَذْكُور صِحَّته (إِمَّا لعدم اعْتِبَار قَول الصَّيْرَفِي) وَهُوَ أَنه يتَمَسَّك بِهِ ابْتِدَاء مَا لم يظْهر مُخَصص (لقَوْل إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه) أَي قَول الصَّيْرَفِي (لَيْسَ من مبَاحث الْعُقَلَاء، بل صدر عَن غباوة وعناد، وَأما لتأويله) أَي قَول الصَّيْرَفِي كَمَا ذكر الْعَلامَة الشِّيرَازِيّ (بِوُجُوب اعْتِقَاد الْعُمُوم قبل ظُهُور الْمُخَصّص، فَإِن ظهر) الْمُخَصّص (تغير) اعْتِقَاد الْعُمُوم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يظْهر (اسْتمرّ) اعْتِقَاد الْعُمُوم، وَاعْترض عَلَيْهِ المُصَنّف رَحمَه الله بقوله (وَقد يُقَال الْفرق) بَين الِاعْتِقَاد وَالْعَمَل بِإِيجَاب الِاعْتِقَاد قبل الْبَحْث وَعدم تَجْوِيز

(1/230)


الْعَمَل قبله (تحكم) كَيفَ والاعتقاد إِنَّمَا هُوَ هُوَ للْعَمَل، وَيُمكن أَن يكون الْمَعْنى أَن الْفرق بَين الْعَام وَغَيره من النُّصُوص بِإِيجَاب اعْتِقَاد ظَاهره من غير بحث تحكم فَتَأمل (وَكَلَام الْبَيْضَاوِيّ) فِي نقل مذْهبه من أَنه يسْتَدلّ بِالْعَام مَا لم يظْهر الْمُخَصّص وَابْن سُرَيج أوجب طلبه (لَا يحْتَمل ذَلِك التَّأْوِيل فَلَا ينْصَرف عَنهُ) أَي عَن قَول الصَّيْرَفِي (قَول الإِمَام) من أَنه لَيْسَ من مبَاحث الْعُقَلَاء إِلَى آخِره (وَمثله) أَي الْعَام فِي منع الْعَمَل بِهِ قبل الْبَحْث (كل دَلِيل يُمكن معارضته) فَلَا يجوز الْعَمَل بِدَلِيل مَا قبل الْبَحْث عَن وجود الْمعَارض (وَهَذَا لِأَنَّهُ) أَي الدَّلِيل (لَا يتم دَلِيلا) مُوجبا للْعَمَل (إِلَّا بِشَرْط عَدمه) أَي الْمعَارض (فَيلْزم الِاطِّلَاع على الشَّرْط) وَهُوَ عدم الْمعَارض (فِي الحكم بالمشروط) وَهُوَ الْعَمَل بِهِ هَذَا، وَنقل الشَّارِح عَن السُّبْكِيّ منع الْإِجْمَاع الْمَنْقُول وَإِن الْأُسْتَاذ أَبَا إِسْحَاق الإسفرايني وَالشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام الرَّازِيّ حكوا الْخلاف فِي هَذِه المسئلة، وَأَن الْأُسْتَاذ حكى الِاتِّفَاق على التَّمَسُّك بِالْعَام فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل الْبَحْث عَن تَخْصِيص لتأكد انْتِفَاء احْتِمَال الْمُخَصّص ثمَّة (وَالْخلاف فِي قدر الْبَحْث، وَالْأَكْثَر) على أَنه يبْحَث (إِلَى أَن يغلب ظن عَدمه) أَي الْمُخَصّص (وَعَن القَاضِي أبي بكر إِلَى الْقطع بِهِ) أَي بِعَدَمِهِ (لنا لَو شَرط) الْقطع بِهِ (بَطل) الْعَمَل بِهِ بِأَكْثَرَ العمومات الْمَعْمُول بهَا اتِّفَاقًا إِذْ الْقطع لَا سَبِيل إِلَيْهِ غَايَة الْأَمر عدم الوجدان بعد بذل الْجهد فِي الْبَحْث (قَالُوا) أَي القَاضِي وَمن تبعه (إِذا كثر بحث الْمُجْتَهد) عَن الْمُخَصّص (وَلم يجد قَضَت الْعَادة بِعَدَمِ الْوُجُوب) أَي بِالْقطعِ بِعَدَمِهِ (أُجِيب بِالْمَنْعِ، فقد يجد) الْمُجْتَهد الْمُخَصّص (بعد الْكَثْرَة) أَي بعد كَثْرَة بَحثه عَنهُ، وَحكمه بِالْعُمُومِ (ثمَّ يزِيد) فِي الْبَحْث (فَيرجع) إِلَى الْعُمُوم.
مسئلة

(صِيغَة جمع الْمُذكر) السَّالِم، لم يُقَيِّدهُ بِهِ، لِأَنَّهُ الْمُتَبَادر مِنْهُ عرفا (وَنَحْو الْوَاو فِي فعلوا) ويفعلون، وافعلوا (هَل يَشْمَل النِّسَاء وضعا، نَفَاهُ) أَي نفي الشُّمُول وضعا إيامن (الْأَكْثَر) أَي أَكثر الْأُصُولِيِّينَ (إِلَّا فِي تَغْلِيب) الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع، لِأَن الشُّمُول فِي التغليب على سَبِيل الْمجَاز (خلافًا للحنابلة) وَاتَّفَقُوا على أَن مثل الرِّجَال بِمَا يخص الذُّكُور بِحَسب الْمَادَّة لَا يشملهن كَمَا أَن النِّسَاء تخص الأناث (للْأَكْثَر) قَوْله تَعَالَى {إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات} إِذْ لَو دخلت المسلمات فِي الْمُسلمين للَزِمَ التّكْرَار ثمَّ إِنَّه لما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَنه لم لَا يجوز أَن ذكر المسلمات من قبيل التَّأْكِيد وَالتَّصْرِيح بِمَا علم ضمنا؟ قَالَ (وَفَائِدَة الِابْتِدَاء) أَي الإفادة ابْتِدَاء (أولى فِي النصوصية بعد التَّنَاوُل) من حَيْثُ الْعُمُوم تناولا (ظَاهرا)

(1/231)


يَعْنِي سلمنَا أَن مَا ذكرت لَهُ وَجه، لَكِن حمل الْكَلَام البليغ على الْوَجْه الأبلغ أولى، وَلَا شكّ أَن الإفادة خير من الْإِعَادَة، وَإِنَّمَا قَالَ ظَاهرا لِأَن تنَاول الْعَام لجَمِيع الْأَفْرَاد لَيْسَ على سَبِيل النصوصية، بل بِحَسب الظُّهُور (وَسَببه) أَي وللأكثر أَيْضا سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة (وَهُوَ قَول أم سَلمَة: يَا رَسُول الله إِن النِّسَاء قُلْنَ مَا نرى الله ذكر إِلَّا الرِّجَال، فأنزلت) على مَا روى (فِي مُسْند أَحْمد من طَرِيق أم سَلمَة) أَي من طَرِيق يَنْتَهِي إِلَى رِوَايَة أم سَلمَة (وَمن طَرِيق أم عمَارَة وَحسنه) أَي الحَدِيث الْمَذْكُور (التِّرْمِذِيّ) وَتعقبه الشَّارِح بِأَن ظَاهر عبارَة المُصَنّف أَن لفظ الحَدِيث هَكَذَا فِي مسئلة أَحْمد من الطَّرِيقَيْنِ، وَحسنه التِّرْمِذِيّ وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْمَذْكُور فِي مُسْنده بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ، وَبَينه غير أَن الْمَذْكُور فِيهِ حَاصله أَنَّهُنَّ نفين ذكرهن مُطلقًا (فقرر) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (النَّفْي) وَلَو كن داخلات لم يقررهن عَلَيْهِ بِكُل مَنعهنَّ مِنْهُ، ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَن نفيهن مَعَ قطع النّظر عَن تَقْرِيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة بقوله (وَهن أَيْضا من أهل اللِّسَان) كَمَا أَن الرِّجَال من أَهله، فَلَو كَانَت النِّسَاء دَاخِلَة فِي صِيغَة جمع الْمُذكر وضعا لما نفين (قَالُوا) أَي الْحَنَابِلَة (صَحَّ) إِطْلَاقه (للمذكر والمؤنث) كاهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا: خطابا لآدَم، وحواء، وإبليس (كَمَا للمذكر فَقَط، وَالْأَصْل) فِي الْإِطْلَاق (الْحَقِيقَة أُجِيب بِلُزُوم الِاشْتِرَاك) اللَّفْظِيّ على هَذَا التَّقْدِير، وَفِيه نظر لجَوَاز الِاشْتِرَاك الْمَعْنَوِيّ بَين الرِّجَال فَقَط، وَبينهمْ وَالنِّسَاء مختلطين (وَالْمجَاز خير) مِنْهُ (وَاعْلَم أَن من الْمُحَقِّقين) وَهُوَ ابْن الْحَاجِب (من يُورد دليلهم) أَي الْحَنَابِلَة (هَكَذَا: الْمَعْرُوف) من أهل اللِّسَان (تَغْلِيب الذُّكُور) على الأناث، وَهَكَذَا إِنَّمَا يتَصَوَّر بِدُخُول النِّسَاء فِيهِ (ثمَّ يُجيب بِكَوْنِهِ) أَي بِكَوْن لفظ الْجمع (إِذن) أَي إِذْ كَانَ دخولهن على سَبِيل التغليب (مجَازًا، وَأَنه خير الخ) أَي من الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ (وَهُوَ) أَي إِيرَاد دليلهم هَكَذَا (بعيد) مِنْهُم (إِذْ اعترافهم بالتغليب اعْتِرَاف بالمجاز) لِأَنَّهُ نوع مِنْهُ (وعَلى كل تَقْدِير) من إِيرَاد دليلهم هَكَذَا، وإيراده على مَا ذكر قبل (فالانفصال) أَي الْجَواب عَن دليلهم سمى بِهِ لِأَنَّهُ ينْفَصل بِهِ الْمُجيب عَن الْمُنَازعَة (بِكَوْن الْمجَاز خيرا إِنَّمَا هُوَ فِي اللَّفْظِيّ) أَي فِيمَا إِذا كَانَ مُرَاد الْمُسْتَدلّ الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ (وَيُمكن ادعاؤهم) أَي الْحَنَابِلَة الِاشْتِرَاك (الْمَعْنَوِيّ: أَي هُوَ) أَي جمع الْمُذكر وَنَحْوه (للأحد الدائر فِي عقلاء المذكرين منفردين أَو مَعَ الأناث، فَلَا يتم) الِانْفِصَال الْمَذْكُور لِأَن الِاشْتِرَاك الْمَعْنَوِيّ خير من الْمجَاز (وَيدل عَلَيْهِ) أَي على كَونه للمشترك الْمَعْنَوِيّ (شُمُول الْأَحْكَام الْمُعَلقَة بالصيغة) لَهُنَّ أَيْضا كوجوب الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام إِلَى غير ذَلِك، وتساويهم فِي الْأَحْكَام يُنَاسب ويلائم تساويهم فِي كَيْفيَّة شُمُول اللَّفْظ (فَإِن قيل) شمولها لَهُنَّ

(1/232)


(بِخَارِج) أَي بِدَلِيل خَارج عَن تِلْكَ النُّصُوص كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِنَّمَا النِّسَاء شقائق الرِّجَال " وَالْإِجْمَاع (منع) ذَلِك فَإِن قلت هَذَا منع على الْمَنْع فَلَا يسمع قُلْنَا المُرَاد مِنْهُ الْإِبْطَال وَحَاصِله أَنه علم بالتتبع عدم دَلِيل خارجي، إِذْ لَا يُوجد معِين من الْخَارِج فِي كل مَادَّة يُفِيد الشُّمُول (فَإِن اسْتدلَّ) على عدم الِاشْتِرَاك الْمَعْنَوِيّ (بِعَدَمِ دخولهن) فِي الجموع الْوَارِدَة (فِي الْجِهَاد وَالْجُمُعَة وَغَيرهمَا) كحل الِاسْتِمْتَاع بِملك الْيَمين فِي قَوْله تَعَالَى - {وَجَاهدُوا فِي الله} ، {واسعوا إِلَى ذكر الله} ، {وَالَّذين هم لفروجهم حافظون إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} - (لعدمه) أَي لعدم، دخولهن فِيهَا، وَهَذَا يدل على عدم دخولهن وضعا فِي الصِّيَغ الْمَذْكُورَة، ودخولهن فِيهَا فِي بعض الْأَحْكَام بِخَارِج (فقد يُقَال) فِي الْجَواب عَن الاستذلال الْمَذْكُور (بل ذَلِك) أَي عدم دخولهن فِيمَا إِذا لم يدخلن فِيهِ (بِخَارِج) عَنْهَا (وَهُوَ) أَي عدم دخولهن فِيمَا ذكر بِخَارِج (أولى من دخولهن) فِيمَا دخلن فِيهِ (بِهِ) أَي بِخَارِج (لِأَنَّهُ) أَي عدم دخولهن (أقل، وَإسْنَاد الْأَقَل إِلَى الْخَارِج أولى) من إِسْنَاد الْأَكْثَر تعليلا لخلاف الظَّاهِر (خُصُوصا بعد تَرْجِيح) الِاشْتِرَاك (الْمَعْنَوِيّ) على اللَّفْظِيّ وَالْمجَاز، ثمَّ الْخَارِج الْمخْرج لَهُنَّ مِمَّا ذكر الْإِجْمَاع وَالسّنة (وَلَا حَاجَة بعد ذَلِك) أَي بعد تَرْجِيح الْمَعْنَوِيّ بِمَا ذكر من دلَالَة شُمُول الْأَحْكَام، وَإسْنَاد الْأَقَل إِلَى الْخَارِج (إِلَى الِاسْتِدْلَال) لدخولهن حَقِيقَة (بالإيصاء لرجال وَنسَاء) أَي بِأَن يوصى شخص بِمَال لرجال وَنسَاء، وَفِي بعض النّسخ لِنسَاء وَرِجَال (ثمَّ قَوْله أوصيت لَهُم) فَإِن الضَّمِير فِي لَهُم عبارَة عَن مَجْمُوع مَا صرح بِهِ أَولا إِجْمَاعًا على أَنه يرد عَلَيْهِ أَن تقدم الجمعين الخاصين قرينَة إرادتهما جَمِيعًا، فَلَا يثبت دخولهن حَقِيقَة بِهِ (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين يرجح قَول الْحَنَابِلَة (فقولها) أَي أم سَلمَة نقلا عَنْهُن (مَا نرى الله ذكرهن) مؤول (أَي) مَا نرى الله ذكرهن (باستقلال وَلَا يخفى عدم تحقق الْخلاف) بَين الْفَرِيقَيْنِ (فِي نَحْو زيدون) من صِيغ جمع الْمُذكر للاتفاق على عدم دخولهن فِيهِ، لِأَنَّهُ مَوْضُوع بِحَسب الْمَادَّة للذكور خَاصَّة (إِلَّا بِفَرْض امْرَأَة مُسَمَّاة بزيد) فَإِن الْعلم إِذا ثني أَو جمع ثمَّ نكر وأبيد بِهِ الْمُسَمّى، وَإِلَّا مرأة الْمَذْكُورَة مِمَّن سمي بِهِ (وَأما أَسمَاء الْأَجْنَاس كمسلمون) مِمَّا يخص بِالذكر وضعا (فقد يسْتَدلّ بِهِ) للْأَكْثَر على عدم دخولهن فِيهَا وضعا (للاتفاق على أَنه جمع الْمُذكر، وَالْجمع لتضعيف الْوَاحِد، وَهُوَ مُسلم) فِي هَذَا الْمِثَال لَا مسلمة (وَلَهُم) أَي الْحَنَابِلَة (دَفعه) أَي الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور (بِأَن الْجمع للتضعيف الْوَاحِد (لَكِن الْكَلَام فِي كَونه) أَي فِي كَون ذَلِك (الْوَاحِد الْمُذكر لَيْسَ غير) أَو والمؤنث أَيْضا، وَفِيه أَنه لَا بُد لذَلِك الْوَاحِد الَّذِي الْجمع تَضْعِيفه من لفظ معِين وضعا، وَإِذا اعْتبر

(1/233)


معنى دائر بَين الْمُذكر والمؤنث لم يُوجد لَهُ لفظ كَذَا وَجعل الجموع كلهَا مِمَّا لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه مِمَّا لَا يَقُول بِهِ أحد، غير أَن الْمَفْهُوم من كَلَامه الْآتِي أَن كل وَاحِد من الْمُسلم والمسلمة مُفْرد لَهُ، وَفِيه مَا فِيهِ ثمَّ لما توجه عَلَيْهِ إطباقهم على التَّسْمِيَة بِجمع الْمُذكر لَا الْمُذكر والمؤنث: أجَاب عَنهُ بقوله (وتسميته بِجمع الْمُذكر اصْطِلَاح) لأهل الْعَرَبيَّة، لَا للْعَرَب فَلَا يقوم بِهِ الْحجَّة (فَإِن قيل) لَو كَانَ الْمُسلمُونَ جمعا لمسلمة أَيْضا وَهُوَ جمع سَلامَة (فَأَيْنَ تذْهب التَّاء فِي مسلمة الَّتِي هِيَ من آحاده قيل) فِي جَوَاب هَذِه الأشكال ذهبت (مذهبها) أَي مثل ذهابها، فعلى هَذَا مصدر ميمي، وَيجوز أَن يكون اسْم مَكَان: أَي ذهبت فِي مَذْهَب مثل مذهبها (فِي صَوَاحِب أَو طلحون على رَأْي أَئِمَّة الْكُوفَة) وَابْن كيسَان إِلَّا أَنه فتح اللَّام فِي طلحون قِيَاسا على أرضون، وَمنعه البصريون وَقَالُوا إِنَّمَا يجمع على طلحات كَمَا هُوَ المسموع، والخلو من تَاء التَّأْنِيث الْمُغَايرَة لما فِي عدَّة، وثبة علمين شَرط لهَذَا الْجمع، فَالْقَوْل بِأَنَّهَا ذهبت مذهبها فِي طلحون أولى، لِأَن كلا مِنْهُمَا تَصْحِيح، بِخِلَاف صَوَاحِب (وَالْوَجْه أَن الِاسْتِدْلَال بِتَسْمِيَة جمع الْمُذكر من كل أَئِمَّة اللُّغَة اسْتِدْلَال بإجماعهم) على أَنه تَضْعِيف الْوَاحِد الْمُذكر لَا الْمُخْتَلط (وَإِلَّا لقالوا جمع الْمُخْتَلط وَالْأَصْل عدم التغليب فِي التَّسْمِيَة) فَلَا يرد أَنه لم لَا يجوز أَن يكون عِنْدهم جمع الْمُخْتَلط غير أَنهم غلبوا جَانب الذُّكُور فِي التَّسْمِيَة على الأناث، فَإِن التغليب خلاف الظَّاهِر (بل يجب) عَدمه على تَقْدِير كَونه جمع الْمُخْتَلط (دفعا للوهم) الْحَاصِل من التَّسْمِيَة (فَحَيْثُ قَالُوهُ) أَي جمع الْمُذكر (كَانَ) هَذَا الْجمع (ظَاهرا فِي الْخُصُوص) أَي فِي الذُّكُور (وَيدْفَع) هَذَا بِأَنَّهُ (لما لزمَه الذُّكُور) لفظ جمع الْمُذكر كَانَ هَذَا الْجمع ظَاهرا فِي الْخُصُوص (حَيْثُ كَانَ) مَوْضُوعا (للأعم مِنْهُم) أَي من الذُّكُور خَاصَّة بِأَن يُرَاد بِهِ الذُّكُور مُطلقًا حَال كَونهم (منفردين أَو مختلطين كَانَ نسبته) أَي جمع الْمُذكر حَيْثُ كَانَ مَوْضُوعا للأعم مِنْهُم: أَي من الذُّكُور خَاصَّة بِأَن يُرَاد بِهِ الذُّكُور مُطلقًا حَال كَونهم منفردين، أَو مختلطين كَانَ نسبته: أَي جمع الْمُذكر (إِلَيْهِم) أَي لذكور (أولى من) هَا: أَي من نسبته إِلَى (الْمُخْتَلط، إِذْ لَا يلْزمه) أَي الْمُخْتَلط لفظ الْجمع لمفارقته إِيَّاه فِيمَا إِذا أُرِيد بِهِ الذُّكُور منفردين (وَحِينَئِذٍ ترجح الْحَنَابِلَة) أَي قَوْلهم (وَهُوَ) أَي قَوْلهم (قَول الْحَنَفِيَّة، وَعَلِيهِ) أَي على القَوْل بتناول جمع الْمُذكر الأناث (فرع) قَول الْمُسْتَأْمن: (أمنوني على بني) فَأعْطى الْأمان على بنيه (تدخل بَنَاته) تَحت عُمُوم لفظ بني، فيشملهن الْأمان (وَالْأَظْهَر خصوصه) أَي اخْتِصَاص بني بالذكور (لتبادر خصوصهم) أَي الذُّكُور فِي خُصُوص هَذَا الْجمع (عِنْد الْإِطْلَاق) من غير قرينَة، والتبادر عِنْده بِدُونِهَا أَمارَة الْحَقِيقَة (وَدخُول

(1/234)


الْبَنَات) فِي الْأمان على الْبَنِينَ، للِاحْتِيَاط فِي الْأمان (حَيْثُ كَانَ) الْعُمُوم (مِمَّا تصح إِرَادَته) مجَازًا.
مسئلة

(هَل الْمُشْتَرك عَام استغراقي فِي) أَفْرَاد كل وَاحِد من (مفاهيمه) أَي مسمياته مَعًا فِي إِطْلَاق وَاحِد بِاعْتِبَار أوضاعه المتعددة، ثمَّ أَشَارَ إِلَى ثَمَرَة هَذَا الِاسْتِغْرَاق بقوله (فَالْحكم عَلَيْهِ) أَي الْمُشْتَرك (يتَعَلَّق بِكُل مِنْهَا) أَي من أَفْرَاد تِلْكَ المفهومات، فَكَأَنَّهُ مَدْخُول كل الإفرادي (لَا الْمَجْمُوع) أَي الحكم عَلَيْهِ لَا يتَعَلَّق بِمَجْمُوع تِلْكَ المفاهيم من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع ليَكُون مثل مَدْخُول كل الْمَجْمُوع نَحْو: كلهم يحمل هَذِه الصَّخْرَة فَلَا يكون حِينَئِذٍ كل فَرد من مفاهيمه مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِمَا حكم بِهِ عَلَيْهِ (فَعَن الشَّافِعِي نعم) أَي يعم الْمُشْتَرك أَفْرَاد كل وَاحِد من مفاهيمه حَقِيقَة: نَقله إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزالِيّ، والآمدي وَفِي الشَّرْح العضدي عَنهُ أَنه ظَاهر فيهمَا دون أَحدهمَا خَاصَّة، فَيحمل على التجرد عَن الْقَرَائِن عَلَيْهِمَا، وَهُوَ عَام فيهمَا، وَالْعَام عِنْده قِسْمَانِ: مُتَّفق الْحَقِيقَة، ومختلف الْحَقِيقَة (و) عَن (الْحَنَفِيَّة لَا) يعم حَقِيقَة (وَلَا مجَازًا) وَوَافَقَهُمْ البصريان: أَبُو الْحُسَيْن، وَأَبُو عبد الله، وَأَبُو هَاشم وَغَيرهم (فَقيل) لَا يَصح (لُغَة) وَيصِح عقلا (كالغزالي) أَي كَمَا قَالَ هُوَ وَأَبوهُ الْحُسَيْن، وَالْإِمَام الرَّازِيّ (وَقيل) لَا يَصح (عقلا) : اخْتَارَهُ صدر الشَّرِيعَة. قَالَ (الْآمِدِيّ يَصح مجَازًا) وَإِلَيْهِ ذهب إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب (وَقيل) يَصح (فِي النَّفْي فَقَط حَقِيقَة وَعَلِيهِ) أَي على هَذَا القَوْل (فرع فِي وَصَايَا الْهِدَايَة. وَفِي الْمَبْسُوط حلف: لَا أكلم مَوْلَاك) وَهُوَ مُشْتَرك بَين الْمُعْتق وَالْمُعتق (وَله) موَالِي (أعلون) يشملهم اللَّفْظ بِالْمَعْنَى الأول (و) موَالِي (أسفلون) يشملهم بِالْمَعْنَى الثَّانِي (أَيهمْ) أَي أَي وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ (كلم) هم الْحَالِف (حنث، لِأَن الْمُشْتَرك فِي النَّفْي يعم) كل فَرد من كل وَاحِد من مفاهيمه (وَهُوَ الْمُخْتَار، وَالْقَاضِي، والمعتزلة) . قَالُوا (يَصح حَقِيقَة، فَإِن) كَانَت صِحَة إِطْلَاقه حَقِيقَة (للْعُمُوم) أَي لعمومه فِي مفاهيمه من غير أَن يكون مَوْضُوعا للْكُلّ بِوَضْع مُسْتَقل غير وَضعه لكل مِنْهُمَا بِوَضْع على حِدة (فكقول الشَّافِعِي) رَحمَه الله: أَي فَقَوْلهم كَقَوْلِه (أَو) كَانَت صِحَّته (للاشتراك فِي كلهَا وكل مِنْهَا) بِأَن يكون مَوْضُوعا للمجموع بِوَضْع مُسْتَقل، وَلكُل مِنْهَا بأوضاع مُتعَدِّدَة، فَعِنْدَ اسْتِعْمَاله فِي الْكل يكون الملحوظ وَضعه للْكُلّ، لَا وَضعه للْكُلّ وَلكُل وَاحِد، لِأَنَّهُ الأول: يَعْنِي وَالْفرق بَين هَذَا، وَقَول الشَّافِعِي أَن الشَّافِعِي

(1/235)


رَحمَه الله لَا يَقُول باشتراكه بَين الْكل وكل مِنْهَا، بل يَقُول بِالْعُمُومِ الاستغراقي والحقيقة بِمُجَرَّد اشتراكه بَين مَعَانِيه (أَو لَيْسَ) الْأَمر (كَذَلِك) أَي لَا الْعُمُوم وَلَا للاشتراك فِي كلهَا، وكل مِنْهُمَا (فمباين لَهُ) أَي فَقَوْلهم مباين لقَوْل الشَّافِعِي رَحمَه الله (فَلَيْسَ مَذْهَب الشَّافِعِي أخص مِنْهُ) أَي من قَول القَاضِي (كَمَا قيل) قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (وَلِأَنَّهُ) أَي الْمُشْتَرك (حَقِيقَة) فِي كل من مَعَانِيه (يتَوَقَّف السَّامع فِي المُرَاد بهَا) أَي بِتِلْكَ الْحَقِيقَة (إِلَى الْقَرِينَة) الْمعينَة لإجماله فِي مَعَانِيه (ومذهبه) أَي الشَّافِعِي أَنه (لَا يتَوَقَّف) السَّامع فِي المُرَاد بهَا إِلَى الْقَرِينَة لظُهُوره فِي الْعُمُوم، وَالْمذهب الْمُخْتَار لنا وللقاضي فِي الْمُشْتَرك هُوَ الْمَجْمُوع من كَونه حَقِيقَة وَكَونه بِحَيْثُ يتَوَقَّف السَّامع فِي المُرَاد بِهِ إِلَى الْقَرِينَة، فَكيف يكون مَذْهَب الشَّافِعِي أخص من مَذْهَب القَاضِي (وَالْمذهب: هُوَ الْمَجْمُوع لَا مُجَرّد كَونه حَقِيقَة، وَوُجُود مُشْتَرك بَينهمَا) أَي بَين قَول الشَّافِعِي وَالْقَاضِي (هُوَ صِحَة إِطْلَاقه عَلَيْهِمَا لَا يُوجب الأخصية) الْمَذْكُورَة (ككل متباينين تَحت جنس) كالإنسان وَالْفرس تَحت الْحَيَوَان (وَعَن الشَّافِعِي رَحمَه الله يعم) الْمُشْتَرك جَمِيع مَعَانِيه (احْتِيَاطًا) نَقله الإِمَام الرَّازِيّ (وَهُوَ أوجه النقلين عَنهُ للاتفاق على أَنه) أَي الْمُشْتَرك (حَقِيقَة فِي أَحدهمَا) أَي اتَّفقُوا على أَن الْمُشْتَرك بَين الْمَعْنيين إِذا اسْتعْمل فِي كل مِنْهُمَا مُنْفَردا فَهُوَ حَقِيقَة فِيهِ (فظهوره فِي الْكل) على سَبِيل الِاسْتِغْرَاق الإفرادي بِحَيْثُ لَا يخرج عَنهُ فَرد من أَفْرَاد شَيْء من مفهوميه (فرع كَونه حَقِيقَة فِيهِ أَيْضا) أَي فِي الْكل، لِأَن اللَّفْظ لَا يكون ظَاهرا فِي معنى بِحَيْثُ يتَبَادَر إِلَى لذهن من غير حَاجَة إِلَى قرينَة عِنْد إِطْلَاقه، إِلَّا إِذا كَانَ حَقِيقَة فِيهِ (وَهُوَ) أَي كَونه حَقِيقَة فِي الْكل إِنَّمَا يتَحَقَّق (بِوَضْعِهِ) أَي اللَّفْظ (لَهُ) أَي للْكُلّ (أَيْضا) أَي كَمَا أَنه وضع لكل وَاحِد مِنْهُمَا (فَلَزِمَ) كَون الْكل (مفهوما آخر) لَهُ (فتعميمه) أَي الْمُشْتَرك (اسْتِعْمَال فِي أحد مفاهيمه) وَهُوَ الْكل (لِأَن فِيهِ) أَي فِي اسْتِعْمَاله فِي الْكل (الِاحْتِيَاط) لما فِيهِ من الْخُرُوج عَن الْعهْدَة يتَعَيَّن لجَوَاز لُزُوم تَعْطِيل الْبَعْض على تَقْدِير عدم إِرَادَة الْكل، وَيرد عَلَيْهِ أَنا لَا نسلم الِاحْتِيَاط فِيمَا إِذا كَانَ الأَصْل فِي الحكم المفاد بالمشترك الْحَظْر، فَإِن الِاحْتِيَاط حِينَئِذٍ تقليل ارْتِكَاب مَا هُوَ الْمَحْظُور قبل وُرُوده وَهُوَ بِحمْلِهِ على الْبَعْض (جعله) أَي الشَّافِعِي الِاحْتِيَاط (كالقرينة) لإِرَادَة الْكل، وَتظهر فَائِدَة الْخلاف فِي كَونه مُجملا أَو عَاما فِيمَا إِذا وقف على موَالِيه، وَلَيْسَ لَهُ موَالٍ إِلَّا من أَعلَى أَو أَسْفَل، فعلى الْإِجْمَال وجود أحد الْفَرِيقَيْنِ فَقَط قرينَة لإِرَادَة أحد الْمَعْنيين، فَلَا يدْخل فِي الْوَقْف من حدث بعد الْوَقْف من الْفَرِيق الآخر، وعَلى الْعُمُوم يدْخل وَهُوَ ظَاهر كَمَا لَو وقف على أَوْلَاده وَله أَوْلَاد، ثمَّ حدث آخر يشاركهم (وَالْجمع كالواحد عِنْد الْأَكْثَر) أَي جمع الْمُشْتَرك بِاعْتِبَار مفاهيمه كالعيون بِاعْتِبَار

(1/236)


الباصرة وَالْجَارِيَة، وَالشَّمْس كالمفرد الْمُشْتَرك فِي جَوَاز إِطْلَاقه على مَعَانِيه دفْعَة، وَعَدَمه عِنْد أَكثر الْأُصُولِيِّينَ، فَمن أجَاز فِي الْمُفْرد ذَلِك أجَاز جمعه باعتبارها، وَمن منع فِي الْمُفْرد منع فِي الْجمع ذَلِك، وَمن فصل ثمَّة فصل هُنَا، لِأَن الْجمع يتبع مفرده (وَأَجَازَهُ) أَي جمعه بِاعْتِبَار مَعَانِيه (آخَرُونَ مَعَ مَنعه) أَي منع جَوَاز إِطْلَاقه على مَعَانِيه دفْعَة (فِي الْمُفْرد لِأَنَّهُ) أَي الْجمع (فِي قُوَّة المتعدد بالْعَطْف) فَكَأَنَّهُ اسْتعْمل كل مُفْرد فِي معنى وَأجِيب بِالْمَنْعِ أَولا، وعَلى التَّسْلِيم لَيْسَ فِي قُوَّة المتعدد مُطلقًا، بل المتعدد من نوع وَاحِد بِشَهَادَة الِاسْتِغْرَاق والتثنية مُلْحقَة بِالْجمعِ وللنحويين فيهمَا مذهبان، الْجَوَاز وَعَدَمه: وَهُوَ الْمَشْهُور (وَشرط تعميمه) أَي الْمُشْتَرك فِي مفاهيمه (مُطلقًا) مُفردا كَانَ أَو مثنى أَو مجموعا (إِمْكَان الْجمع) بَينهَا فَلَا يعم صِيغَة أفعل فِي الْإِيجَاب والتهديد لعدم إِمْكَانه، لِأَن الْإِيجَاب يَقْتَضِي الْفِعْل، والتهديد التّرْك (والاتفاق على مَنعه) أَي منع اسْتِعْمَاله حَقِيقَة (فِي الْمَجْمُوع) أَي مَجْمُوع مَعَانِيه من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع، قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: الثَّالِث إِطْلَاقه على مَجْمُوع الْمَعْنيين بِأَن يُرَاد بِهِ فِي إِطْلَاق وَاحِد الْمَجْمُوع الْمركب من الْمَعْنيين بِحَيْثُ لَا يُفِيد أَن كلا مِنْهُمَا منَاط الحكم، وَلَا نزاع فِي امْتنَاع ذَلِك حَقِيقَة وَفِي جَوَازه مجَازًا إِن وجدت علاقَة مصححه (فَلَا يتَعَلَّق الحكم إِلَّا بِهِ) أَي بالمجموع على ذَلِك التَّقْدِير (على خلاف الْعَام) فَإِن الحكم يتَعَلَّق فِيهِ بِكُل من أَفْرَاده (و) الِاتِّفَاق أَيْضا (على منع كَونه) أَي الْمُشْتَرك مُسْتَعْملا (فيهمَا) أَي معنييه مَعًا (حَقِيقَة) فِي أَحدهمَا (ومجازا) فِي الآخر (لنا) نعني الْحَنَفِيَّة فِي عدم استغراقه مفاهيمه (يسْبق إِلَى الْفَهم إِرَادَة أَحدهمَا) أَي معنى الْمُشْتَرك عِنْد إِطْلَاقه، يَعْنِي إِذا سمعنَا الْمُشْتَرك ينْتَقل ذهننا فَوْرًا إِلَى أَن مُرَاد الْمُتَكَلّم وَاحِد من مَعَانِيه لَا الْأَكْثَر (حَتَّى تبادر) إِلَى الذِّهْن (طلب الْمعِين) بِصِيغَة الْفَاعِل يَعْنِي أَن تبادر أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين سَبَب لتبادر طلب الْمعِين بِصِيغَة الْفَاعِل، فَالثَّانِي ينور الأول (وَهُوَ) أَي تبادر الآخر لَا على التَّعْيِين الْمُوجب لطلب الْمعِين (مُوجب الحكم بِأَن شَرط اسْتِعْمَاله) أَي الْمُشْتَرك (لُغَة) ظرف للشّرط وَنصب على الْمصدر: أَي اسْتِعْمَالا يَقْتَضِيهِ وضع اللُّغَة (كَونه) أَي كَون اسْتِعْمَاله وَاقعا (فِي أَحدهمَا) أَي معنييه، وَوجه إِيجَابه الحكم الْمَذْكُور أَنه لَوْلَا أَن الْوَاضِع اللّغَوِيّ اقْتضى أَن يذكر الْمُشْتَرك، وَيُرَاد بِهِ أحد مَعَانِيه فَقَط لم يتَبَادَر إِلَى الْفَهم إِنَّمَا يتبع مَا يَقْتَضِيهِ الْوَضع، وَلذَلِك قَالُوا تبادر الْمَعْنى إِلَى الْفَهم عِنْد إِطْلَاق اللَّفْظ دَلِيل كَونه حَقِيقَة فِيهِ (فاتنفى ظُهُوره) أَي الْمُشْتَرك (فِي الْكل) لِأَنَّهُ لَو كَانَ ظَاهرا فِيهِ لتبادر هُوَ إِلَى الْفَهم لَا أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين (وَمنع سبق) ذَلِك أَي إِرَادَة أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين (مُكَابَرَة تضمحل) تِلْكَ المكابرة (بِالْعرضِ) على عرف أهل الِاسْتِعْمَال، فَيُقَال لَهُم مَا تفهمون على الْفَوْر إِذا أطلق

(1/237)


الْمُشْتَرك، وَيجوز أَن يُرَاد الْعرض على الوجدان، فَإِن كل أحد إِذا رَاجع وجدانه وجد ذَلِك (وإلزام كَونه) أَي الْمُشْتَرك (مُشْتَركا معنويا) لَا لفظيا، لِأَن مَفْهُوم أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين مُشْتَرك بَين الْمَعْنيين يصدق كل وَاحِد مِنْهُمَا وتبادره إِلَى الْفَهم دَلِيل كَونه مَوْضُوعا بإزائه (مَمْنُوع فَإِنَّهُ) أَي الْمُشْتَرك اللَّفْظِيّ (مَا) أَي لفظ (تعدّدت أوضاعه للمفاهيم) وَهَذَا الْمَعْنى صَادِق على لفظ الْمعِين مثلا، وَصدق التَّعْرِيف يسْتَلْزم تحقق الْمُعَرّف، وَلَيْسَ تبادر ذَلِك الْمَعْنى الْمُشْتَرك بِسَبَب وضع اللَّفْظ لَهُ، بل بِسَبَب وَضعه لكل وَاحِد من الْمَعْنيين المندرجين تَحْتَهُ على وَجه اقْتضى إِرَادَة الْبَعْض من المفاهيم: كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَشرط كَون اسْتِعْمَاله) أَي الْمُشْتَرك اللَّفْظِيّ (فِي الْإِثْبَات) أَي فِيمَا إِذا ثَبت لَهُ حكم، احْتِرَاز عَمَّا إِذا نفى عَنهُ، فَإِنَّهُ عِنْد ذَلِك يعم على مَا تقدم (فِي بَعْضهَا) أَي المفاهيم خبر الْكَوْن، وَقَوله فِي الْإِثْبَات ظرف للاستعمال (كالمعنوي للأفراد) أَي كَمَا شَرط كَون اسْتِعْمَال الْمُشْتَرك الْمَعْنَوِيّ الْمَوْضُوع لفرد مَا من أَفْرَاده على مَا هُوَ الْمُخْتَار فِي اسْم الْجِنْس فِي بعض تِلْكَ الْأَفْرَاد (فَلَزِمَ فيهمَا) أَي الْمَعْنَوِيّ واللفظي (تبادر الْأَحَد) غير أَن الْأَحَد فِي الْمَعْنَوِيّ أحد الْأَفْرَاد، وَفِي اللَّفْظِيّ أحد المفاهيم (والتوقف إِلَى الْمعِين) أَي توقف فهم مُرَاد الْمُتَكَلّم إِلَى مَا يعين ذَلِك الْأَحَد الْمُبْهم من الْقَرِينَة (فاشتركا) أَي الْمَعْنَوِيّ واللفظي (فِي لَازم) هُوَ التبادر والتوقف الْمَذْكُورَان (مَعَ تبَاين الحقيقتين) لما عرفت من اعْتِبَار تعدد الْوَضع فِي اللَّفْظِيّ، واتحاده فِي الْمَعْنَوِيّ وَغير ذَلِك (وَأَيْضًا اتِّفَاق المانعين لوُجُوده) أَي الْمُشْتَرك اللَّفْظِيّ (على تَعْلِيله) أَي تَعْلِيل الْمَنْع لوُجُوده (بِأَنَّهُ) أَي الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ (مخل بالفهم و) اتِّفَاق (المجيبين على أَن الْإِجْمَال مِمَّا يقْصد) فِي التخاطب (اتِّفَاق الْكل) خبر اتِّفَاق المانعين وَمَا عطف عَلَيْهِ (على نفي ظُهُوره) أَي الْمُشْتَرك (فِي الْكل) إِذْ أجمع الْفَرِيقَانِ على أَن الْمُشْتَرك إِذا أطلق مفاده الْإِجْمَال غير أَن أَحدهمَا حكم بِأَنَّهُ إخلال، وَالْآخر بِأَنَّهُ لَيْسَ بإخلال، بل هُوَ مِمَّا يقْصد (وَأَيْضًا لَو عَم) الْمُشْتَرك فِي معنييه (كَانَ مجَازًا) فِي أَحدهمَا (لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَي حِين يُرَاد بِهِ أَحدهمَا (عَام مَخْصُوص) وَالْعَام الْمَخْصُوص مجَاز، لِأَنَّهُ حَقِيقَته الْعُمُوم من غير تَخْصِيص (لَا يُقَال ذَلِك) أَي لُزُوم كَونه مجَازًا عِنْد إِرَادَة أَحدهمَا مِنْهُ (لَو لم يكن مَوْضُوعا لَهُ) أَي لأَحَدهمَا أَيْضا، لكنه مَوْضُوع لَهُ غير أَنه حَقِيقَة محتاجة إِلَى الْقَرِينَة: (لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَي حِين يكون مَوْضُوعا لَهُ أَيْضا (مُشْتَرك بَين الْكل وَالْبَعْض فَيلْزم التَّوَقُّف فِي المُرَاد مِنْهُمَا) أَي من الْكل وَالْبَعْض (إِلَى الْقَرِينَة) الْمعينَة لوَاحِد مِنْهُمَا بِعَيْنِه (فَلَا يكون ظَاهرا فِي الْكل) كَمَا عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله (فَلَو عَم) الْمُشْتَرك (فلغيره) أَي فهم الْكل دون أَحدهمَا فَقَط لَيْسَ لمُجَرّد تَعْبِير لكَونه مَوْضُوعا للْعُمُوم (كَمَا نقل عَن الشَّافِعِي) رَحمَه الله

(1/238)


(أَنه) أَي عُمُومه (احْتِيَاط للْعلم) أَي ليحصل الْعلم (بِفعل المُرَاد) للمتكلم بالمشترك (قُلْنَا لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ) إِلَى أَنه عَام فِي الْكل للِاحْتِيَاط (أَلا بِالْعلمِ بشرع مَا علم أَنه لم يشرع) يَعْنِي أَنه قد علم قبل حمل الْمُشْتَرك على الْعُمُوم أَن ذَلِك الحكم الْعَام لم يكن مَشْرُوعا، وَالنَّص الْمُشْتَمل على الْمُشْتَرك لَيْسَ بِنَصّ على الْعُمُوم، بل يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ بعض من ذَلِك الْعُمُوم، بل هُوَ الْمُتَبَادر لما مر، فالمتيقن بِمُجَرَّد ذَلِك النَّص مشروعيته للْبَعْض لَا الْكل، فالحمل على الْعُمُوم حكم بمشروعية حكم علم مشروعيته قبل الْحمل الْمَذْكُور بِمُجَرَّد الِاحْتِمَال (وَهُوَ) أَي شرع مَا علم أَنه لم يشرع (حرَام) لِأَنَّهُ إِثْبَات حكم شَرْعِي من غير دَلِيل غير جَائِز إِجْمَاعًا وارتكاب الْمحرم يُنَافِي الِاحْتِيَاط فَإِن قلت قد وجدنَا فِي كثير من الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة إِيجَاب أَمر على وَجه مَعَ كَون نَصه مُحْتملا لغير إِيجَابه على ذَلِك الْوَجْه، مُعَللا بِالِاحْتِيَاطِ وَقصد خُرُوج الْمُكَلف عَن الْعهْدَة بِيَقِين فَيلْزم فِيهَا شرع مَا علم إِلَى آخِره قلت ذَلِك فِيمَا علم وجوب أصل الْفِعْل يَقِينا غير أَنه وَقع الشَّك فِي كيفيته وإيقاعه على بعض الكيفيات مُوجب لِلْخُرُوجِ عَن الْعهْدَة بِيَقِين، وَفِيمَا نَحن فِيهِ الْمُتَيَقن إِيجَاب أصل الْفِعْل فِي أَفْرَاد مَفْهُوم وَاحِد من مفاهيم الْمُشْتَرك وَبَينهمَا بون بعيد فَتَأمل (والتوقف) فِي الْعَمَل بالمشترك (إِلَى ظُهُور المُرَاد الإجمالي) وَهُوَ الْمعِين الَّذِي قصد من جملَة مفاهيمه وَلم يعلم بِمُجَرَّد إِطْلَاقه لما سبق من الدَّلِيل الْمُقْتَضى تبادر مَفْهُوم أحد الْمعَانِي لَا على التَّعْيِين (وَاجِب) فالحمل على الْعُمُوم من غير توقف إِلَى ظُهُور قرينَة دَالَّة على تعْيين المُرَاد ترك الْوَاجِب فَلَا يجوز (وَأما بُطْلَانه) أَي بطلَان عُمُومه فِي مَعَانِيه (مجَازًا، فلعدم العلاقة) بَين الْكل وَبَين أحد مَعَانِيه الَّذِي هُوَ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ لَهُ وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَنه لَا نسلم عدم العلاقة، فَإِن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ جُزْء من الْمجَازِي: وَهُوَ من العلاقات الْمُعْتَبرَة قَالَ (والجزء) أَي وَاسْتِعْمَال اسْم الْجُزْء (فِي الْكل مَشْرُوط بالتركب الْحَقِيقِيّ) بِأَن يكون الْكل مركبا مِنْهُ وَمن غَيره فِي الْخَارِج بِحَيْثُ يصير شخصا وَاحِدًا وَلَا غَيره بالتركيب الاعتباري بِمُجَرَّد اعْتِبَار الْعقل (وَكَونه) أَي وبكون التَّرْكِيب بِحَيْثُ (إِذا انْتَفَى الْجُزْء انْتَفَى الِاسْم) أَي اسْم الْكل (عَن الْكل عرفا كالرقبة) أَي كإطلاق اسْم الرَّقَبَة (على الْكل) وَهُوَ الْإِنْسَان (بِخِلَاف الظفر) فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي الْإِنْسَان بِانْتِفَاء الظفر أَو الْأصْبع، بل الْيَد وَإِنَّمَا قَالَ عرفا، لِأَنَّهُ لَا شكّ فِي انْتِفَاء الْمَجْمُوع الْمركب من الظفر مثلا بشخصه فِي نفس الْأَمر (و) بِخِلَاف إِطْلَاق (نَحْو الأَرْض لمجموع السَّمَوَات وَالْأَرْض) فَإِنَّهُ لَا يَصح لعدم التَّرْكِيب الْحَقِيقِيّ (على أَنه) أَي تَعْمِيم الْمُشْتَرك فِي مَعَانِيه (لَيْسَ مِنْهُ) أَي من اسْتِعْمَال لفظ الْجُزْء فِي الْكل (لِأَنَّهُ) أَي الشَّأْن (لم يوضع لمجموعها) أَي المفاهيم: أَي لم يَقع بِإِزَاءِ الْمَجْمُوع وضع، وَلَا بُد

(1/239)


فِي اسْتِعْمَال لفظ الْجُزْء فِي الْكل أَن يكون للْكُلّ اسْم وضع بإزائه (ليَكُون كل مَفْهُوم جُزْء مَا) أَي كل (وضع لَهُ اسْم خُصُوصا على قَول الْمجَاز) فَإِن الْقَائِل بِهِ معترف بِعَدَمِ وَضعه للْكُلّ، وَعدم وضع لفظ آخر لَا نزاع فِيهِ (وَأما صِحَّته) أَي صِحَة عُمُومه (فِي النَّفْي) كَمَا هُوَ الْمُخْتَار (فَإِن الْمَنْفِيّ) أَي الْمَفْهُوم الَّذِي أُرِيد بالمشترك فنفى فِي سِيَاق النَّفْي (مَا يُسمى بِاللَّفْظِ) أَي لفظ الْمُشْتَرك، فَإِنَّهُ يتَنَاوَل كل وحد من مسمياته، وَعَن الْفَاضِل الْأَبْهَرِيّ أَنه لَا خلاف فِي صِحَة هَذَا ومجازيته كَمَا يؤول الْعلم بِمَا يقْضِي بِهِ عِنْد إِرَادَة تكبره وتثنيته وَجمعه، وَهَذَا التَّحْقِيق بِخِلَاف مَا نَقله عَن الْبَعْض أَنه حَقِيقَة. قَالَ (المصححون) عُمُوم الْمُشْتَرك فِي مَعَانِيه (حَقِيقَة) وَمَا (وضع) الْمُشْتَرك (لكل) من المفاهيم (فَإِذا قصد الْكل) أَي جَمِيعهَا بِهِ مَعًا (كَانَ) مُسْتَعْملا (فِيمَا وضع لَهُ قُلْنَا اسْم الْحَقِيقَة) إِنَّمَا يثبت بِاللَّفْظِ (بِالِاسْتِعْمَالِ لَا بِالْوَضْعِ) أَي لَا بِمُجَرَّد الْوَضع (فَإِذا شَرط فِي الِاسْتِعْمَال) أَي اسْتِعْمَال الْمُشْتَرك (عدم الْجمع) بَين مفاهيمه فِي الْإِرَادَة مِنْهُ دفْعَة لُغَة (امْتنع) اسْتِعْمَاله فِي الْجَمِيع (لُغَة) وَالْعلم بِالشّرطِ الْمَذْكُور إِنَّمَا حصل بالمتبع والاستقراء للغة فَحَيْثُ لم يَجدوا اسْتِعْمَاله فِي الْكل أصلا عمِلُوا بِهِ وَبِمَا سيشير إِلَيْهِ (فَلَو اسْتعْمل) فِي الْجَمِيع (كَانَ خطأ فضلا عَن كَونه حَقِيقَة) فِيهِ (فَيمْتَنع وجوده) أَي وجود اسْتِعْمَاله فِي الْجَمِيع (فِي لِسَان الشَّرْع واللغة) أما اللُّغَة فقد عرفت، وَأما الشَّرْع فَلِأَنَّهُ لَا يكون الِاسْتِعْمَال الشَّرْعِيّ على خلاف الِاسْتِعْمَال اللّغَوِيّ فِيمَا شَرط فِي مُطلق الِاسْتِعْمَال، وَهُوَ ظَاهر (وَدَلِيل الِاشْتِرَاط) بِالشّرطِ الْمَذْكُور (مَا قدمنَا) من تبادر الْأَحَد لَا على التَّعْيِين عِنْد إِطْلَاقه (قَالُوا) أَي المجوزون فِي دفع الِامْتِنَاع (وَقع) اسْتِعْمَاله كَذَلِك فِي كَلَام الله تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ، ألم تَرَ أَن الله يسْجد لَهُ} الْآيَة، وَهِي) أَي الصَّلَاة (من الله الرَّحْمَة وَمن غَيره الدُّعَاء، فَهُوَ) أَي لفظ يصلونَ (مُشْتَرك) وَقد اسْتعْمل فِي كلا معنييه فِي هَذِه الْآيَة (وَالسُّجُود فِي الْعُقَلَاء بِوَضْع الْجَبْهَة) على الأَرْض (وَمن غَيرهم الخضوع) والانقياد (قُلْنَا إِذا لزم كَونه) أَي اللَّفْظ (حَقِيقَة فِي مَعْنيين) مُخْتَلفين بِالْحَقِيقَةِ بِأَن يسْتَعْمل فِي كل مِنْهُمَا بِلَا قرينَة الْمجَاز (وَأمكن جعله) أَي جعل ذَلِك اللَّفْظ مَوْضُوعا (لمشترك) أَي لِمَعْنى مُشْتَرك (بَينهمَا) . أَي الْمَعْنيين بِأَن يكون ثمَّة معنى يعمها وَيصْلح لِأَن يَجْعَل الْمَوْضُوع لَهُ بِاعْتِبَار تبادره من اللَّفْظ عِنْد الْإِطْلَاق (لزم) كَونه كَذَلِك لَا مُشْتَركا لفظيا لما تقرر عِنْدهم من أَن التواطؤ خير من الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ، وَهنا كَذَلِك (فالسجود) أَي مَعْنَاهُ (الْمُشْتَرك) من سُجُود الْعُقَلَاء وَغَيرهم هُوَ (الخضوع الشَّامِل) للاحتياري والقهري من قَول، وَفعل، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (قولا وفعلا) وَمِنْه انقياد الْمَخْلُوق لأمر الله وتصرفه فِيهِ (فَهُوَ) أَي الخضوع الْمُطلق (متواطئ)

(1/240)


أَي ككلي بَين سُجُود الْعُقَلَاء (فَيسْجد لَهُ) أَي فَقَوله تَعَالَى - {يسْجد لَهُ} - مَعْنَاهُ (يخضع لَهُ من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ) أَي الخضوع (لجنسيته تخْتَلف صوره) كَمَا أَن سَائِر الماهيات الجنسية قَابِلَة لحلول صور نوعية مُخْتَلفَة (فَفِي الْعُقَلَاء) يتَحَقَّق (بِالْوَضْعِ) أَي بِوَضْع الْجَبْهَة على الأَرْض إِظْهَارًا لكَمَال التذلل والانقياد (وَفِي غَيرهم بِغَيْرِهِ) أَي بِغَيْر وضع الْجَبْهَة مِمَّا يدل على الخضوع كقبول التَّصَرُّف من غير إباء (فَانْدفع الِاعْتِرَاض بِأَنَّهُ إِن أُرِيد) بِالسُّجُود الخضوع والانقياد (القهري شَمل الْكل) أَي الموجودات الممكنة (فَلَا وَجه لتخصيص كثير من النَّاس) بِالذكر (أَو) أُرِيد الخضوع (الِاخْتِيَارِيّ لم يتأت فِي غَيرهم) أَي غير الْعُقَلَاء: لأَنا نَخْتَار شقا ثَالِثا وَهُوَ الْمَعْنى الْأَعَمّ من القهري والاختياري فَإِن قلت إِذا أُرِيد الْأَعَمّ أَيْضا لَا مغنى لوجه التَّخْصِيص الْمَذْكُور لِأَنَّهُ يعم الْكل قلت وجهة الْإِشَارَة إِلَى أَن الْعُقَلَاء تميزوا بِنَوْع من ذَلِك الْجِنْس غير أَنه خَاصَّة غير شَامِلَة لكلهم، وَفِيه إِيهَام أَن بَعضهم خارجون عَن دَائِرَة الخضوع الْمُطلق بِالْكُلِّيَّةِ (وَكَذَا الصَّلَاة مَوْضُوعَة للاعتناء) بالمصلى عَلَيْهِ (بِإِظْهَار الشّرف) وَرفع الْقدر لَهُ (ويتحقق) الاعتناء الْمَذْكُور (مِنْهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ) عَلَيْهِ (وَمن غَيره بدعائه لَهُ) وَإِنَّمَا اختير هَذَا (تَقْدِيمًا للاشتراك الْمَعْنَوِيّ على) الِاشْتِرَاك (اللَّفْظِيّ، أَو يَجْعَل) مَعْطُوف على الشّرطِيَّة الْمَذْكُورَة بعد قُلْنَا: أَي يَجْعَل الْمَذْكُور من السُّجُود وَالصَّلَاة (مجَازًا فِيهِ) أَي الْمَعْنى الْمَذْكُور من الخضوع والاعتناء لعلاقة اللُّزُوم (فَيعم) الْمَعْنى الْمجَازِي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ فيهمَا: أَعنِي وضع الْجَبْهَة وَالدُّعَاء (وَأما أهل التَّفْسِير فعلى) أَي فاتفقوا على (إِضْمَار خبر للْأولِ) فِي آيَة الصَّلَاة، تَقْدِيره إِن الله يُصَلِّي وَمَلَائِكَته يصلونَ، فَحذف يُصَلِّي لدلَالَة يصلونَ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَول الْقَائِل:
(نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا ... عنْدك رَاض والرأي مُخْتَلف)

وَإِذا تكَرر اللَّفْظ حمل كل وَاحِد على معنى آخر فَلَا حجَّة فِيهِ (وَعَلِيهِ) أَي وعَلى منع تَعْمِيم الْمُشْتَرك (تفرع بطلَان الْوَصِيَّة لمواليه وهم) أَي الموَالِي موجودون (لَهُ من الطَّرفَيْنِ) على مَا تقدم لِأَنَّهُ لما لم يعمها وَلَيْسَ أَحدهمَا أولى من الآخر بَقِي الْمُوصى لَهُ مَجْهُولا فبطلت.
مسئلة

(الْمُقْتَضى) بِصِيغَة الْمَفْعُول هُوَ (مَا استدعاه صدقه الْكَلَام: كرفع الْخَطَأ وَالنِّسْيَان) أَي كَمَا اقْتضى، لَا صدق رفع الْخَطَأ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان ":

(1/241)


الحَدِيث (أَو) مَا استدعاه (حكم لزمَه شرعا) أَي لزم الْكَلَام: كاعتق عَبدك عني بِأَلف، وَالْمرَاد بِهِ الْمَفْهُوم الْكُلِّي وَمنع عُمُومه: أَي عُمُوم الْمُقْتَضى، فَالْحكم اللَّازِم للْكَلَام ولَايَة الاعتاق للمخاطب عِنْده من قبل الْمُتَكَلّم، وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك إِلَّا بِاعْتِبَار بيع بَينهمَا سَابق على الْوكَالَة اللَّازِمَة للْكَلَام الْمَذْكُور، فإنشاء البيع الْمَذْكُور مَا استدعاه الحكم الْمَذْكُور، وَيجوز أَن يكون قَوْله أَو حكم مَعْطُوفًا على الْمَوْصُول، وَالْمعْنَى والمقتضى حكم لزم الْكَلَام لتوقف صِحَة حكمه الْمَنْطُوق عَلَيْهِ، لَكِن قَوْله (فَإِن توقفا) يُؤَيّد الأول: أَي توقف الصدْق وَالْحكم الْمَذْكُورَان على مَا هُوَ الْمُتَبَادر (على خَاص بِعَيْنِه أَو عَام لزم) ذَلِك الْخَاص أَو الْعَام، وَالْمرَاد بِهِ الْمَفْهُوم الْكُلِّي (وَمنع عُمُومه) أَي عُمُوم الْمُقْتَضى أَو الْعَام (هُنَا) أَي فِيمَا توقفه على عَام (لعدم كَونه) أَي الْعَام هُنَا (لفظا) إِذْ الْعُمُوم من أَوْصَاف اللَّفْظ كَمَا ذكره جمَاعَة: مِنْهُم صدر الشَّرِيعَة (لَيْسَ بِشَيْء) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي منع (لِأَن الْمُقدر كالملفوظ) فِي إِفَادَة الْمَعْنى (وَقد تعين) الْمُقدر بِصفة الْعُمُوم بِالدَّلِيلِ الْمعِين لَهُ فَيكون عَاما (وَأَيْضًا هُوَ) أَي عُمُوم الْمُقدر (ضرري لفرض التَّوَقُّف) أَي توقف الْكَلَام صدقا أَو صِحَة شَرْعِيَّة (عَلَيْهِ) أَي على عُمُومه (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتَوَقَّف عَلَيْهِ (فَغير الْمَفْرُوض) أَي فالمقدر الَّذِي لَا يتَوَقَّف على عُمُومه غير الْمُقدر الْمَفْرُوض (وَلَو كَانَ) التَّوَقُّف (على أحد أَفْرَاده) أَي الْعَام (لَا يقدر مَا يعمها) أَي أَفْرَاده كلهَا (بل إِن اخْتلفت أَحْكَامهَا) أَي أَحْكَام أَفْرَاد تِلْكَ الْعَام فيترتب على تَقْدِير بَعْضهَا حكم يُخَالف الحكم الْمُتَرَتب على الْبَعْض الآخر (وَلَا معِين) فِي الْمقَام يعين الْبَعْض الَّذِي يحصل بِهِ الْمَقْصُود (فمجمل) فالمقدر حِينَئِذٍ مُجمل (أَولا) تخْتَلف أَحْكَامهَا (فالدائر) أَي فَيقدر الْفَرد الْمُنْتَشِر الَّذِي يَدُور مَعَ كل فَرد لصدقه عَلَيْهِ، وَنسب إِلَى الشَّافِعِيَّة أَنهم يقدرُونَ فِي هَذَا الْمقَام مَا يعمها (لنا) فِي أَنه لَا يقدر مَا يعمها أَن تَقْدِيره (إِضْمَار الْكل) أَي تَقْدِيره فِي الْكَلَام (بِلَا مُقْتَض) فَلَا يجوز، لِأَن التَّقْدِير إِنَّمَا يكون بِحَسب الضَّرُورَة. (قَالُوا) أَي المعممون إِضْمَار الْكل كتعميم رفع حكم الْخَطَأ وَالنِّسْيَان، بِحَيْثُ يَشْمَل الدنيوي، وَهُوَ الصِّحَّة وَالْفساد، والأخروي وَهُوَ الثَّوَاب وَالْعِقَاب (أقرب إِلَى الْحَقِيقَة) كرفع ذَات الْخَطَأ وَالنِّسْيَان من سَائِر المجازات إِلَيْهَا لِأَن فِي رفع أَحْكَامهَا مُطلقًا رَفعهَا، وَالْمجَاز الْأَقْرَب أولى من غَيره (قُلْنَا) نعم (إِذا لم ينفه) أَي الْمجَاز الْأَقْرَب (الدَّلِيل) وَلَكِن هُنَا نَفَاهُ، وَهُوَ إِضْمَار الْكل بِلَا مُقْتَض (وَكَون الْمُوجب للإضمار) حَاصِلا (فِي الْبَعْض) أَي فِي بعض أَفْرَاد الْعَام (يَنْفِي الْكل) أَي إِضْمَار الْكل (لما قُلْنَا) من كَونه بِلَا مُقْتَض، فَإِن مُقْتَضى التَّبْعِيض لَا يكون مُقْتَضى الْكل، (فَفِي الحَدِيث أُرِيد حكمهمَا) أَي حكم الْخَطَأ وَالنِّسْيَان (ومطلقه) أَي الحكم الْمُطلق (يعم حكمي

(1/242)


الدَّاريْنِ) الدُّنْيَا وَالْآخِرَة (وَلَا تلازم) بَين الْحكمَيْنِ (إِذْ ينتفى الْإِثْم) وَهُوَ حكم الْآخِرَة (وَيلْزم الضَّمَان) وَهُوَ حكم الدُّنْيَا كَمَا فِي إِتْلَاف مُحْتَرم مَمْلُوك للْغَيْر خطأ (فلولا الْإِجْمَاع على أَن الأخروي مُرَاد توقف) عَن الْعَمَل بِهِ لإجماله فِيهَا (وَإِذ أجمع) على أَن الأخروي مُرَاد (انْتَفَى الآخر) وَهُوَ الدنيوي (ففسدت الصَّلَاة بنسيان الْكَلَام وخطئه) أَي بنسيان وَخطأ أوقع الْمصلى فِي التَّكَلُّم، فالإضافة لأدنى مُلَابسَة، وَالْكَلَام مُفسد مُطلقًا عِنْد أَصْحَابنَا، ولغيرهم تفاصيل تعرف فِي فروعهم (و) فسد (الصَّوْم بِالثَّانِي) أَي بالمفسد الثَّانِي، وَهُوَ الْأكل أَو الشّرْب خطأ لوصول المَاء إِلَى الْجوف خطأ فِي الْمَضْمَضَة (لَا الأول) أَي لَا بالمفسد الأول، وَهُوَ الْأكل وَالشرب نِسْيَانا (بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من نسى وَهُوَ صَائِم فَأكل أَو شرب فليتم صَوْمه، فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه " (وَلَو صَحَّ قِيَاسه) أَي الْخَطَأ (عَلَيْهِ) أَي النسْيَان فِي غير إِفْسَاد الصَّوْم بِجَامِع عدم الْقَصْد إِلَى الْجِنَايَة كَمَا هُوَ القَوْل الْأَصَح للشَّافِعِيّ رَحمَه الله إِذا لم يُبَالغ فِي الْمَضْمَضَة، وَالِاسْتِنْشَاق، وَقَول أَحْمد رَحمَه الله إِذا لم يسرف فيهمَا خلافًا لِأَصْحَابِنَا وَمَالك، بل وَأكْثر الْفُقَهَاء على مَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ (فدليل آخر) أَي فموجبه دَلِيل آخر، لَا حَدِيث " رفع الْخَطَأ ". وَإِنَّمَا قَالَ لَو، لِأَن صِحَّته مَحل نظر لكَونه قِيَاسا مَعَ الْفَارِق الْمُؤثر لندرة الْأكل اَوْ الشّرْب مَعَ التَّذَكُّر، ولكثرة الْوُجُود دخل فِي الْعذر (وَأما الصَّلَاة) أَي قياسها (على الصَّوْم) فِي عدم الْفساد بِفعل الْمُفْسد نِسْيَانا (فبعيد، لِأَن عذره) أَي الْمُكَلف (وَلَا مُذَكّر) حَال عَن الضَّمِير: أَي كَونه مَعْذُورًا فِي حَال لَا مُذَكّر لَهُ فِيهَا كَمَا فِي الصَّوْم (لَا يستلزمه) أَي لَا يسْتَلْزم كَونه مَعْذُورًا حَال كَونه (مَعَه) أَي مَعَ الْمُذكر كَمَا فِي الصَّلَاة لانْتِفَاء التَّقْصِير مِنْهُ فِي الأول دون الثَّانِي (وَلذَا) أَي لعدم الاستلزام الْمَذْكُور (وَجب الْجَزَاء بقتل الْمحرم الصَّيْد نَاسِيا) لوُجُود الْمُذكر لَهُ، وَهُوَ هَيْئَة الْإِحْرَام (وَفِي الثَّانِي) من قسمي الْمُقْتَضى فِي نَحْو: أعتق عَبدك عني بِأَلف (لزم التَّرْكِيب) من حكمين (شرعا) إِلَّا إِذا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَة (حكم) هُوَ (صِحَة الْعتْق) عَن الْأَمر (و) حكم هُوَ (سُقُوط الْكَفَّارَة) عَنهُ إِن نوى عتقه فِيهَا فَيَقْتَضِي سبق وجود الْملك للْآمِر فِي العَبْد ليَصِح الاعتاق عَنهُ، وَالْملك يقتضى سَببا، وَهُوَ هَهُنَا البيع بِدَلِيل قَوْله: عني بِأَلف، فَالْبيع لَازم مُتَقَدم كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (ويقتضى) هَذَا اللَّازِم (سبق تَقْدِير: اشْتريت عَبدك بِأَلف فِي الْمُتَقَدّم) أَي فِي قَول الْآمِر: أعتق عَبدك إِلَى آخِره (و) سبق تَقْدِير (بِعته فِي الْمُتَأَخر) أَي فِي قَول الْمَأْمُور أَعتَقته عَنْك على هَذَا (أما) الْمُتَقَدّم (بِعَيْنِه) أَي بِالنّظرِ إِلَى نَفسه مَعَ قطع النّظر عَن لَازمه (فتوكيل) أَي فَهُوَ تَوْكِيل (للْبَائِع) بالاعتاق (فَقَط) أَي لَا يتَعَدَّى عَن هَذَا الْمِقْدَار

(1/243)


بِاعْتِبَار منطوقه وَإِن كَانَ مستلزما لركني البيع، وهما: اشْتريت فِي الْمُتَقَدّم، وبعت فِي الْمُتَأَخر وَهَذَا (لَا يُجزئ) فِي انْعِقَاد البيع لِأَنَّهُ لَا بُد من التَّلَفُّظ بشرَاء العَبْد، وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ مُقْتَضى الْقيَاس إِلَّا أَنا تَرَكْنَاهُ لما أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لَوْلَا أَنه) أَي انْعِقَاده (ضمني) وَكم من شَيْء يثبت ضمنا وَلَا يثبت قصدا فَلَا يصير فِي ثُبُوته بِدُونِ التَّلَفُّظ بهما، إِذْ كل مِنْهُمَا ركن يقبل السُّقُوط فِي الْجُمْلَة كَمَا فِي بيع التعاطي: أَلا ترى أَنه لم يشْتَرط فِي الضمني مَا اشْترط فِي القصدي من كَون الْمَبِيع مَقْدُور التَّسْلِيم حَتَّى يَصح هَذَا فِي الْآبِق فَيعتق عَن الْآمِر وَلم يثبت لَهُ خِيَار الرُّؤْيَة وَالْعَيْب، غير أَنه يشْتَرط فِيهِ أَهْلِيَّة الاعتاق، فَلَو لم يكن أَهلا لَهُ لَا يثبت البيع بِهِ، فَلَا يعْتق، وَلَا يسْتَشْكل كَون الْمُقْتَضى لَا عُمُوم لَهُ بِوُقُوع الثَّلَاث بطلقي نَفسك إِذا طلقت نَفسهَا ثَلَاثًا، وَقد نَوَاهَا الزَّوْج لِأَنَّهُ لَيْسَ من مَحل النزاع كَمَا أَفَادَ بقوله (وَلَيْسَ من الْمُقْتَضى) على صِيغَة الْفَاعِل (طَلِّقِي) أَو على صِيغَة الْمَفْعُول، وَالْمعْنَى وَلَيْسَ من الْمُقْتَضى مَا اقْتَضَاهُ طَلِّقِي (لِأَن الْجِنْس) وَهُوَ الطَّلَاق (مَذْكُور لُغَة) والمقتضى يلْزمه عدم الذّكر (إِذْ هُوَ) أَي طَلِّقِي مَعْنَاهُ (أوجدي طَلَاقا) كَمَا عرف فِي علم الْمعَانِي من أَن الْفِعْل الْمُتَعَدِّي قد يحذف مَفْعُوله، وَيُرَاد بِهِ هَذَا (فَصحت نِيَّة الْعُمُوم) لِأَن الْمصدر مِمَّا يصلح للْعُمُوم وَقد نَوَاه (وَنقض) هَذَا (بطالق) فَإِن اسْم الْفَاعِل يتَضَمَّن الْمصدر، فَيَنْبَغِي أَن يَصح فِيهِ نِيَّة الثَّلَاث، لَكِن الْحَنَفِيَّة لم يصححوه حَتَّى لَو نوى الثَّلَاث لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة (وَأجِيب بِأَن الْمَذْكُور) فِي أَنْت طَالِق (طَلَاق هُوَ وصفهَا) أَي الْمُطلقَة، لَا الموصوفة بطالق (وتعدده) أَي تعدد وصفهَا بِهِ (بِتَعَدُّد فعله) أَي فعل الْمُطلق (تطليقه) وَلَا يتَكَرَّر الْأَثر إِلَّا بِتَكَرُّر الْمُؤثر فَإِن قلت فعلى هَذَا لَا يَتَّصِف بِالطَّلَاق الثَّلَاث فِي طَلِّقِي، وَإِن نَوَاهَا لعدم تعدد التَّطْلِيق المستلزم لعدم تعدد الْوَصْف قلت المُرَاد وصفهَا بِحَيْثُ يسْتَلْزم الْأَخْبَار عَن كَونهَا مَوْصُوفَة بالمتعدد من الطَّلَاق فَإِن لَهُ تَأْثِيرا فِي الْفرق كَمَا ستعرف (وثبوته) أَي التَّطْلِيق (مُقْتَضى حكم شَرْعِي هُوَ الْوُقُوع) أَي وُقُوع الطَّلَاق فِي أَنْت طَالِق، فَإِنَّهُ يقتضى سبق تطليق (تَصْدِيقًا لَهُ) أَي لمن قَالَ: أَنْت طَالِق، فَإِن إِيقَاعه هَذَا الحكم الشَّرْعِيّ إِنَّمَا وَقع على وَجه استلزام الْأَخْبَار عَن وُقُوع الطَّلَاق، ووقوعه مَوْقُوف على التَّطْلِيق توقف الْأَثر على الْمُؤثر، فَصدقهُ فِي هَذَا الاخبار يتَوَقَّف على سبق التَّطْلِيق، بِخِلَاف طَلِّقِي فَإِنَّهُ انشاء مَحْض لَا يسْتَلْزم إِخْبَارًا مقتضيا لسبق تطليق، وَإِذا عرفت أَن ثُبُوت التَّطْلِيق فِي أَنْت طَالِق على سَبِيل الِاقْتِضَاء (فَلَا يقبل الْعُمُوم) وَفِيه أَنه لَو سلم أَن الْمُقْتَضى لَا عُمُوم لَهُ، لَكِن عدم قبُوله للْعُمُوم بانضمام مَا يَقْتَضِيهِ من النِّيَّة غير مُسلم (وَيدْفَع) هَذَا الْفرق (بِأَنَّهُ) أَي أَنْت طَالِق (إنْشَاء شرعا) وَإِن كَانَ إِخْبَارًا لُغَة (يَقع بِهِ) الطَّلَاق

(1/244)


(وَلَا مُقَدّر أصلا) فِي أَنْت طَالِق، أَي لَا يقدر فِيهِ تطليق سَابق مصدرا قَالَه (لِأَنَّهُ) أَي التَّقْدِير (فرع الخبرية الْمَحْضَة) إِذْ الْكَلَام الَّذِي هُوَ خبر من وَجه وإنشاء من وَجه يجوز أَن يعْتَبر فِيهِ حيثية الإنشائية، وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا تَقْتَضِيه حيثيته الْأُخْرَى (وَلَا تصح فِيهِ) أَي فِي أَنْت طَالِق (الجهتان) الإنشائية والخبرية مَعًا كَمَا قيل (لتنافي لازمي الْخَبَر والإنشاء) يَعْنِي احْتِمَال الصدْق وَالْكذب وَعدم احتمالهما (وَالثَّابِت لَهُ) أَي لأَنْت طَالِق (لَازم الانشاء) لعدم احْتِمَاله الصدْق وَالْكذب فَقَط، دون لَازم الْخَبَر فَهُوَ إنْشَاء مَحْض (وَقد يلْتَزم) كَونه إنْشَاء وَيُجَاب عَن عدم صِحَة نِيَّة الثَّلَاث بِأَنَّهُ نقل من الْأَخْبَار إِلَى الْإِنْشَاء إِلَى وُقُوع وَاحِدَة فَقَط، فإرادة التَّعَدُّد خلاف مَا عين لَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (غير أَن المتحقق) عِنْد النَّقْل عَن الْأَخْبَار إِلَى الْإِنْشَاء (تَعْيِينه) أَي تعْيين أَنْت طَالِق (برمتِهِ) أَي بجملته ومجموع أَجْزَائِهِ لَا يكون (إنْشَاء لوُقُوع) طَلْقَة (وَاحِدَة فتعديها) أَي الْوَاحِدَة إِلَى مَا فَوْقهَا يكون (بِلَا لفظ) مُفِيد لذَلِك، وَهُوَ غير جَائِز اتِّفَاقًا (بِخِلَاف طَلِّقِي) لعدم تعينه إنْشَاء لوُقُوع وَاحِدَة (لِأَنَّهُ) أَي طَلِّقِي (طلب لإيقاع الطَّلَاق) مُطلقًا (فَتَصِح) نِيَّة الثَّلَاث فِيهِ (وَفِي) وُقُوع (الثَّلَاث) إِذا نَوَاهَا (بطالق) أَي بأنت طَالِق (طَلَاقا رِوَايَة) عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله (بِالْمَنْعِ) أَي بِمَنْع وُقُوعهَا كَمَا هُوَ الظَّاهِر لكَونه كَأَنْت طَالِق (وعَلى) تَقْدِير (التَّسْلِيم) لوقوعها بِهِ كَمَا (هُوَ) الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة هُوَ: أَي وُقُوعهَا بِهِ مَبْنِيّ (على إِرَادَة التَّطْلِيق بطلاقا) حَال كَونه (مصدرا لمَحْذُوف) فَإِنَّهُ قد يُرَاد بِهِ التَّطْلِيق كالسلام والبلاغ بِمَعْنى التَّسْلِيم والتبليغ، فَيصح حِينَئِذٍ إِرَادَة الثَّلَاث لكَونه مَعْمُولا لفعل مَحْذُوف تَقْدِيره طَالِق، لَا فِي طَلقتك طَلَاقا: يَعْنِي ثَلَاثًا (وَإِنَّمَا يتم) القَوْل بوقوعها بطلاقا (بإلغاء طَالِق مَعَه) أَي مَعَ طَلَاقا فِي حق الْإِيقَاع: أَي (كَمَا) ألغى طَالِق (مَعَ الْعدَد) فِي أَنْت طَالِق ثَلَاثًا، فَإِن الْوَاقِع هُوَ الْعدَد (وَإِلَّا) أَي لم يلغ (وَقع بِهِ) أَي بطالق (وَاحِدَة لزم ثِنْتَانِ بِالْمَصْدَرِ) عِنْد نِيَّة الثَّلَاث (وَهُوَ) أَي وُقُوع ثِنْتَيْنِ بِالْمَصْدَرِ (مُنْتَفٍ عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة فِي الْحرَّة لما عرف مِنْهُ أَن معنى التَّوْحِيد مراعى فِيهِ، وَهُوَ بالفردية، والجنسية، والمثنى بمعزل عَنْهُمَا وَأَيْضًا يلْزم فِي غير المدخولة الْبَيْنُونَة بالواحدة، وَعدم وُقُوع شَيْء بِالْمَصْدَرِ الْمَنوِي بِهِ بِالثلَاثِ (وَفِي أَنْت الطَّلَاق) يَصح نِيَّة الثَّلَاث (بِتَأْوِيل وَقع عَلَيْك) الطَّلَاق لعدم صِحَة ظَاهره، وصيانة لكَلَام الْعَاقِل عَن الْبطلَان (وَمَا قيل فَمَا يمْنَع مثله فِي أَنْت طَالِق) بِأَن يُقَال: أَنْت ذَات وَقع عَلَيْك التَّطْلِيق فَيصح فِيهِ نِيَّة الثَّلَاث أَيْضا (يُجَاب بِعَدَمِ إِمْكَان التَّصَرُّف فِيهِ) أَي فِي أَنْت طَالِق (إِذْ نقل) من الْأَخْبَار (للإنشائية) أَي إِلَيْهَا شرعا (فَكَانَ عين اللَّفْظ) أَي لفظ أَنْت طَالِق مَوْضُوعا (لعين

(1/245)


الْمَعْنى الْمَعْلُوم نَقله إِلَيْهِ، وَهُوَ) أَي الْمَعْنى الْمَنْقُول إِلَيْهِ الطَّلقَة (الْوَاحِدَة) عِنْد عدم ذكر الْعدَد (والثنتان، وَالثَّلَاث مَعَ الْعدَد، وَلَيْسَ من الْمُقْتَضى الْمَفْعُول) بِهِ المطوي ذكره لفعل مُتَعَدد بعد نفي أَو شَرط كَمَا (فِي نَحْو لَا آكل وَإِن أكلت) فَعَبْدي حر (إِذْ لَا يحكم بكذب مُجَرّد أكلت) وَلَا أكل كَمَا يحكم بكذب رفع الْخَطَأ، لِأَن نَفسه غير مَرْفُوع، لِأَن أكلت من غير أَن يذكر لَهُ مُتَعَلق خَاص لَا يلْزم كذبه (فَلم يتَوَقَّف صدقه) أَي أكلت (عَلَيْهِ) أَي الْمَفْعُول بِهِ (و (لَا) يحكم (بِعَدَمِ صِحَة شَرْعِيَّة) لأكلت بِدُونِ الْمَفْعُول بِهِ (فتخصه) أَي الْمَفْعُول بِهِ (باسم الْمَحْذُوف، وَهُوَ) أَي هَذَا الْمَحْذُوف (وَإِن قبل الْعُمُوم لَا يقبل عُمُومه التَّخْصِيص، إِذْ لَيْسَ) هَذَا الْمَحْذُوف أمرا (لفظيا وَلَا فِي حكمه) أَي اللَّفْظِيّ لتناسبه وَعدم الِالْتِفَات إِلَيْهِ، إِذْ لَيْسَ الْأَخْبَار إِلَّا بِمُجَرَّد الْفِعْل على مَا عرف فِي تَنْزِيل المتعدى منزلَة اللَّازِم (فَلَو نوى مَأْكُولا دون) مَأْكُول (آخر لم تصح) نِيَّته قَضَاء بالِاتِّفَاقِ وَلَا (ديانَة خلافًا للشَّافِعِيَّة) وَفِي رِوَايَة عَن أبي يُوسُف اخْتَارَهَا الْخصاف (والاتفاق عَلَيْهِ) أَي على عدم قبُول التَّخْصِيص (فِي بَاقِي المتعلقات من الزَّمَان وَالْمَكَان) حَتَّى لَو نوى لَا يَأْكُل فِي زمَان أَو مَكَان دون آخر لم تصح نِيَّته اتِّفَاقًا (والتزام الْخلاف) فِي قبُول التَّخْصِيص) (فِيهَا) أَي فِي بَاقِي المتعلقات أَيْضا بِجَامِع المفعولية كَمَا فِي أصُول ابْن الْحَاجِب (غير صَحِيح) قَالَ السُّبْكِيّ أَنه لَو قَالَ وَالله لَا آكل وَنوى زَمَانا أَو مَكَانا صحت يَمِينه: يَعْنِي نِيَّته، وَدَعوى الإِمَام الرَّازِيّ الْإِجْمَاع على خِلَافه مَمْنُوعَة وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على أَنه لَو قَالَ: إِن كلمت زيدا فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ: أردْت التَّكَلُّم شهرا يَصح فَيحْتَاج إِلَى الْفرق (وَالْفرق) بَين الْمَفْعُول بِهِ وظرفي الزَّمَان وَالْمَكَان (بِأَن الْمَفْعُول بِهِ فِي حكمه) أَي الْمَذْكُور (إِذْ لَا يعقل) معنى الْفِعْل الْمُتَعَدِّي (إِلَّا بعقليته) أَي إِلَّا بتعقل الْمَفْعُول بِهِ، فَيجوز أَن يُرَاد بِهِ الْبَعْض، بِخِلَاف الظرفين إِذْ ليسَا فِي حكم الْمَذْكُور لِأَن الْفِعْل قد يعقل مَعَ الذهول عَنْهُمَا وَإِن لم يَنْفَكّ عَنْهُمَا فِي الْوَاقِع، فَلَا يدخلَانِ تَحت الْإِرَادَة، والتخصيص فرع الدُّخُول تحتهَا (مَمْنُوع) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي الْفرق، ومرجع الْمَنْع قَوْله إِذْ لَا يعقل إِلَى آخِره (ونقطع بتعقل معنى) الْفِعْل (الْمُتَعَدِّي من غير إخطاره) أَي الْمَفْعُول بالبال، إِن أَرَادَ من غير اخطار خُصُوص الْمَفْعُول بِهِ فَمُسلم، وَإِن أَرَادَ من غير اخطار مفعول مَا فَغير مُسلم، بل الوجدان يحكم بِأَن الضَّرْب لَا يتعقل بِدُونِ تعقل مَضْرُوب مَا، وَلذَا صَرَّحُوا بِأَن نِسْبَة الْمَفْعُول بِهِ جُزْء من الْمُتَعَدِّي لنسبة الْفَاعِل (فَإِنَّمَا هُوَ) أَي الْمَفْعُول (لَازم لوُجُوده) أَي وجود الْمُتَعَدِّي (لَا) لتعقل مَعْنَاهُ فَلَيْسَ بِلَازِم (مَدْلُول اللَّفْظ) فِي التعقل ليتجزى بالإرادة فَلم يكن كالمذكور (بَقِي أَن يُقَال لَا آكل) مَعْنَاهُ (لَا أوجد أكلا) وأكلا عَام لِأَنَّهُ نكرَة

(1/246)


فِي سِيَاق النَّفْي (فيقبله) أَي التَّخْصِيص إِذْ لَا مَانع مِنْهُ غير أَن لَا يقبل مِنْهُ قَضَاء لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر (وَالنَّظَر يقتضى أَنه إِن لاحظ الْأكل الجزئي الْمُتَعَلّق بالمأكول الْخَاص) الَّذِي لم يردهُ (إخراجا) أَي مخرجا لَهُ من الْأكل الْعَام لَا الْمَأْكُول نَفسه (صَحَّ) الْإِخْرَاج والتخصيص، لِأَن الْمخْرج جزئي من جزئيات الْأكل الْعَام (أَو) لاحظ (الْمَأْكُول) الْخَاص من الْمَأْكُول الْمُطلق من حَيْثُ هُوَ (فَلَا) يَصح لِأَنَّهُ من المتعلقات الَّتِي يعقل الْفِعْل بِدُونِهَا (غير أَنا نعلم بِالْعَادَةِ فِي مثله) أَي مثل هَذَا الْكَلَام (عدم مُلَاحظَة الْحَرَكَة الْخَاصَّة) الَّتِي هِيَ بعض أَفْرَاد الْفِعْل الْمُطلق الَّذِي هُوَ الْأكل (وإخراجها) أَي الْحَرَكَة الْخَاصَّة من الْأكل الْمُطلق (بل) المُرَاد إِخْرَاج (الْمَأْكُول) الْخَاص من الْمَأْكُول الْمُطلق (وعَلى مثله) أَي مَا هُوَ مَعْلُوم عَادَة (يبْنى الْفِقْه فَوَجَبَ الْبناء عَلَيْهِ) أَي على أَنه لاحظ الْمَأْكُول الْخَاص إخراجا لَهُ من الْمَأْكُول الْمُطلق: وَهُوَ غير عَام فَلَا يقبل التَّخْصِيص بِخِلَاف الْحلف: أَي (بِخِلَاف مَا إِذا حلف لَا يخرج) حَال كَونه (مخرجا للسَّفر مثلا) من الْخُرُوج بِالنِّيَّةِ (حَيْثُ يَصح) إِخْرَاجه مِنْهَا تَخْصِيصًا (لِأَن الْخُرُوج متنوع إِلَى) خُرُوج (سفر و) خُرُوج (غَيره) أَي غير السّفر متنوع إِلَى (قريب وبعيد) بِدَلِيل اخْتِلَاف أَحْكَامهَا (وَالْعَادَة ملاحظته) أَي النَّوْع مِنْهُ (فنية بعضه) أَي نِيَّة خُرُوج نوع مِنْهُ (نِيَّة نوع) فَصحت (كَأَنْت بَائِن ينوى بِهِ الثَّلَاث) حَيْثُ يَصح بنيتها، لِأَنَّهَا أحد نَوْعي الْبَيْنُونَة.
مَسْأَلَة

الْمَذْكُور فِي عبارَة كثير الْفِعْل الْمُثبت هَل هُوَ عَام أَولا؟ نبه المُصَنّف على أَنه لَيْسَ المُرَاد مَا يُقَابل القَوْل، بل الْفِعْل المصطلح فَقَالَ (إِذا نقل فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصِيغَة لَا عُمُوم لَهَا كصلى فِي الْكَعْبَة) كَمَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ (لَا يعم) فعله الْمعبر عَنهُ بِتِلْكَ الصِّيغَة (بِاعْتِبَار) من الاعتبارات (لِأَنَّهُ) أَي نقل فعله بِتِلْكَ الصِّيغَة (أَخْبَار عَن دُخُول) فعل (جزئي فِي الْوُجُود) وَلَا يتَصَوَّر الْعُمُوم فِي الجزئي الْحَقِيقِيّ (فَلَا يدل) قَول الْمخبر صلى (على) تحقق (الْفَرْض وَالنَّفْل) كِلَاهُمَا مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لشخصيته) أَي الْفِعْل الْمَذْكُور (وَأما نَحْو صلى الْعشَاء بعد غيبوبة الشَّفق، فَإِنَّمَا يعم) فعله الْمعبر عَنهُ بصلى، لَكِن لَا بِاعْتِبَار نَفسه بل بِاعْتِبَار وُقُوعه بعد كل وَاحِد من معنى الشَّفق الَّذِي يعم (الْحمرَة وَالْبَيَاض) لاشتراكه فِيهَا (عِنْد من يعمم الْمُشْتَرك وَلَا يسْتَلْزم) تعميمه (تكْرَار الصَّلَاة بعد كل) من الْحمرَة وَالْبَيَاض (كَمَا فِي تَعْمِيم الْمُشْتَرك حَيْثُ يتَعَلَّق) أَي حكم الْمُشْتَرك (بِكُل) من مَعَانِيه (على الِانْفِرَاد لخُصُوص

(1/247)


الْمَادَّة) مُتَعَلق بقوله يعم الْحمرَة وَالْبَيَاض (وَهُوَ) أَي خُصُوص الْمَادَّة (كَون الْبيَاض دَائِما بعد الْحمرَة) يَعْنِي إِنَّمَا يعمها مَعَ شخصية الصَّلَاة للخصوصية المتحققة فِي الْمخبر عَنهُ، فَإِنَّهُ لَوْلَا لُزُوم بعدية الْبيَاض للحمرة لم يحسن إِرَادَة الْعُمُوم الْمَذْكُور لجَوَاز وُقُوع تِلْكَ الصَّلَاة بعد غيبوبة الشَّفق الْأَحْمَر من غير أَن يَقع بعد غيبوبة الشَّفق الْأَبْيَض، بِأَن لَا يعقب الْأَبْيَض الْأَحْمَر، بِخِلَاف مَا إِذا لم يُفَارق أَحدهمَا الآخر، فَإِن الظَّاهِر عدم افتراقهما فِي استعقاب الصَّلَاة الْمَذْكُورَة، فِيهِ مَا فِيهِ (فصح أَن يُرَاد صلى بعدهمَا صَلَاة وَاحِدَة فَلَا يعم) لفظ صلى الْمَذْكُور (فِي الصَّلَاة بطرِيق التّكْرَار) لعدم دَلِيل التّكْرَار (فَلَا يلْزم جَوَاز صلَاتهَا) أَي صَلَاة الْعشَاء والتأنيث بِاعْتِبَار الْعَتَمَة (بعد الْحمرَة فَقَط، وَمَا يتَوَهَّم من نَحْو كَانَ يُصَلِّي الْعَصْر وَالشَّمْس بَيْضَاء) مُرْتَفعَة حَيَّة (وَكَانَ يجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر من التّكْرَار) بَيَان لما (فَمن إِسْنَاد الْمُضَارع) لَا من الْفِعْل من حَيْثُ هُوَ، وَقيل من كَانَ وَمَشى عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب (وَقيل من الْمَجْمُوع مِنْهُ) أَي من إِسْنَاد الْمُضَارع (وَمن قرَان كَانَ، لَكِن نَحْو بَنو فلَان يكرمون الضَّيْف ويأكلون الْحِنْطَة يُفِيد أَنه) أَي الْإِكْرَام وَالْأكل (عَادَتهم) والتكرار يُسْتَفَاد من الْعَادة (وَلَا يخفى أَن الإفادة) أَي إِفَادَة إِسْنَاد الْمُضَارع (التّكْرَار استعمالية لَا وضعية) وأكثرية أَيْضا لَا كُلية، وَقيل إِن كَانَ وَإسْنَاد الْمُضَارع إِذا اجْتمعَا كَانَ متعاضدين على إِفَادَة التّكْرَار غَالِبا (وَمِنْه) أَي وَمن أجل مَا ذكر من عدم عُمُوم فعله الْمَذْكُور (أَن لَا يعم) عدم عُمُوم حكم فعله (الْأمة وَلَو) اقْترن (بِقَرِينَة) تفِيد الْعُمُوم (كنقل الْفِعْل خَاصّا بعد اجمال فِي عَام بِحَيْثُ يفهم أَنه) أَي ذَلِك الْفِعْل الْمَنْقُول (بَيَان) لاجمال ذَلِك الْعَام (فَإِن الْعُمُوم للمجمل لَا لنقل الْفِعْل) أَي لَا للْفِعْل الْمَنْقُول خَاصّا، وَفِيه رد لما فِي الشَّرْح العضدي كَمَا قَالَ الرَّاوِي: قطع يَد السَّارِق من الْكُوع بعد اقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا بَيَان لإجمال فِي مَحل الْقطع، وَهَذَا إِذا أطلق الْيَد حَقِيقَة على مَجْمُوع مَا من الْمنْكب إِلَى الْأَصَابِع وعَلى مَا من الْكُوع إِلَيْهَا، وَأما إِذا خص بِالْأولِ فَهُوَ إِرَادَة دَلِيل الْمَعْنى الْمجَازِي فعموم يَد السَّارِق يُسْتَفَاد من اقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا، لَا من قَول الرَّاوِي الْمَذْكُور، وَكَقَوْلِه صلي فَقَامَ وَركع وَسجد بعد قَوْله أقِيمُوا الصَّلَاة (وَكَذَا نَحْو صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) أَي وكما أَن الْقَرِينَة الْمَذْكُورَة لَا تَسْتَلْزِم عُمُوم الْفِعْل الْمَنْقُول كَذَلِك قَوْله صلي إِلَى آخِره لَا يستدعى عُمُوم قَول الرَّاوِي صلي كَذَا بعد قَوْله الْمَذْكُور (وتوجيه الْمُخَالف) الْقَائِل بِعُمُومِهِ للْأمة للتمسك (بِعُمُوم نَحْو سَهَا فَسجدَ) عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بهم فَسَهَا فِي صلَاته فَسجدَ سَجْدَتي السَّهْو (و) قَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا (فعلته أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاغتسلنا) بعد قَوْلهَا إِذا جَاوز الْخِتَان وَجب الْغسْل، فَإِن كلا مِنْهُمَا يعم الْأمة (مَدْفُوع بِأَنَّهُ)

(1/248)


أَي الْعُمُوم لَهُم (من خَارج) عَن مَفْهُوم اللَّفْظ المحكى كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكل سَهْو سَجْدَتَانِ بعد السَّلَام رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد، وَإِذا التقى الختانان وَجب الْغسْل رَوَاهُ مُسلم وَغَيره أَيْضا عُمُوم السُّجُود لعُمُوم علته: وَهُوَ السَّهْو حَيْثُ رتب عَلَيْهِ بَقَاء التعقب: وَهُوَ دَلِيل الْعلية (وَأما حِكَايَة قَول لَهُ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يدْرِي عُمُومه بِلَفْظ عَام) مُتَعَلق بحكاية يَعْنِي أَن فِي الْحِكَايَة مَا يدل على الْعُمُوم، والمحكى لَا يدْرِي هَل فِيهِ مَا يدل على الْعُمُوم أَولا (كقضى بِالشُّفْعَة للْجَار، وَنهى عَن بيع الْغرَر) فَإِن الْجَار محلى بلام الِاسْتِغْرَاق، وَكَذَا إِضَافَة البيع استغراق، وَلَا يدْرِي حَال مَا أخبر عَنهُ بِاعْتِبَار الْعُمُوم وَعَدَمه (وَهِي) أَي هَذِه المسئلة (مَسْأَلَة أُخْرَى) ذكرت للمناسبة (فَيجب الْحمل) أَي حمل المحكى عَنهُ (على الْعُمُوم) فَالشُّفْعَة لكل جَار، وَالنَّهْي عَن كل بيع فِيهِ غرر كَبيع الْآبِق والمعدوم (خلافًا لكثير) من أهل الْعلم، وَإِنَّمَا يجب الْحمل على الْعُمُوم (لِأَنَّهُ) أَي الصَّحَابِيّ (عدل عَارِف باللغة وَالْمعْنَى) فبعرفان عِبَارَته فَيُفِيد الْعُمُوم، فلولا أَن حقق الْعُمُوم فِي المسئلة لمنعته الْعَدَالَة عَن التَّعْبِير بِمَا يُفِيد الْعُمُوم الَّذِي يَنْبَنِي عمل الْأمة عَلَيْهِ (فَالظَّاهِر) من حَالَة (الْمُطَابقَة) أَي مُطَابقَة مَا يُسْتَفَاد من كَلَامه مَا هُوَ الثَّابِت فِي نفس الْأَمر (وَقَوْلهمْ) أَي الْكثير (يحْتَمل غررا وجارا خاصين كجار شريك فاجتهد) الحاكي (فِي الْعُمُوم) فِي مأخذه فَانْتهى اجْتِهَاده إِلَيْهِ (فحكاه) أَي الْعُمُوم بِحَسب مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده (أَو أَخطَأ فِيمَا سَمعه) بِأَن توهم أَن مسموعه بِصفة الْعُمُوم، وَلم يكن فِي الْوَاقِع كَذَلِك (احْتِمَال) خلاف الظَّاهِر (لَا يقْدَح) فِي الِاحْتِجَاج بِهِ على الْعُمُوم، لِأَن الظَّاهِر كَاف فِي الظَّن وَالظَّاهِر من علمه وعدالته الْمُطَابقَة (وجعلهما) أَي قضى بِالشُّفْعَة، وَنهى عَن بيع الْغرَر (من حِكَايَة فعل) لَا من حِكَايَة قَول على مَا ذكر بِلَفْظ (ظَاهر فِي الْعُمُوم) فعلى الأول المحكى قَول والحاكي عَام نصا، وعَلى هَذَا فعل والحاكي عَام ظَاهر (مُنْتَفٍ) أَي مُنْتَفٍ مصداق الْجعل الْمَذْكُور (لِأَن الْقَضَاء وَالنَّهْي) اللَّذين قَول الحاكي قضي وَنهى أَخْبَار عَنْهُمَا لَيْسَ بِفعل لَا يكون مَعَه عُمُوم، بل هُوَ (قَول يكون مَعَه عُمُوم وخصوص) يَعْنِي يصلح للْعُمُوم وَالْخُصُوص كَسَائِر الْأَقْوَال وَيحمل على الْعُمُوم لتطابقه الْحِكَايَة الصادرة عَن الْعدْل الْعَارِف باللغة فَإِن قلت سلمنَا أَن الْقَضَاء قَول لكَونه عبارَة عَن حكمت عَلَيْك وَنَحْوه، وَكَذَا النَّهْي كَقَوْلِه: لَا تبع كَذَا لَكِن لَا يحْتَمل مثل هَذَا القَوْل الْعُمُوم كالفعل لشخصيته قلت مثل هَذَا لَا يصلح لِأَن يخبر عَنهُ بِمَا يُفِيد الْعُمُوم، بل لَا بُد أَن يكون منشأ الْأَخْبَار قولا دَالا على الْعُمُوم أَو قَضَاء ونهيا مكررا يحصل بِهِ الْعَمَل بِالْعُمُومِ وَالله أعلم.

(1/249)


مَسْأَلَة

(قيل) وَالْقَائِل ابْن الْحَاجِب (نفى الْمُسَاوَاة فِي لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب الْجنَّة يدل على الْعُمُوم) لجَمِيع وُجُوه الْمُسَاوَاة نَحْو قَوْله تَعَالَى - {لَا يَسْتَوِي} - الْآيَة هَل يَقْتَضِي الْعُمُوم: أَي يدل على عدم جَمِيع وُجُوه الْمُسَاوَاة فَلَا يقتل مُسلم بِكَافِر وَلَا ذمِّي، الْمُخْتَار أَنه يَقْتَضِي الْعُمُوم وَكَذَلِكَ غير الْمُسَاوَاة من الْأَفْعَال (وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَقْتَضِيهِ) فَمن ثمَّ جور قتل الْمُسلم بالذمي (وَلَيْسَ) كَذَلِك (بل لَا يخْتَلف) على صِيغَة الْمَجْهُول (فِي دلَالَته) أَي نفي الْمُسَاوَاة (عَلَيْهِ) أَي على الْعُمُوم (وَكَذَا) يدل على الْعُمُوم (نفي كل فعل) عَام فِي وجوهه (كلا آكل) فَإِنَّهُ عَام على وُجُوه الْأكل (وَلَا) يخْتَلف أَيْضا (فِي عدم صِحَة إِرَادَته) أَي الْعُمُوم فِي نفي الْمُسَاوَاة (لقَولهم) أَي مخالفي الْحَنَفِيَّة (فِي جَوَاب قَول الْحَنَفِيَّة) أَن عُمُوم نفي الْمُسَاوَاة قَول (لَا يصدق إِذْ لَا بُد) بَين كل أَمريْن (من مُسَاوَاة) من وَجه أقلهما فِي سلب مَا عداهما عَنْهُمَا (المُرَاد) مقول قَول الْمُخَالفين: أَي المُرَاد من عُمُوم الْمُسَاوَاة (مُسَاوَاة يَصح نَفيهَا وَمَا سواهُ) أَي سوى مَا يَصح نَفيهَا (مَخْصُوص) من عُمُوم نَفيهَا (بِالْعقلِ) أَي بِدَلِيل الْعقل، فَعلم اتِّفَاق للْكُلّ على دلَالَة الْعُمُوم وعَلى عدم إِرَادَته للمصارف الْمَذْكُورَة، وَإِذا كَانَ دلَالَة الْعُمُوم وَعدم إِرَادَته مُتَّفقا عَلَيْهِ والنزاع فِيمَا هُوَ المُرَاد (فالاستدلال) على عُمُوم نفي الْمُسَاوَاة (بِأَنَّهُ) أَي النَّفْي الْمَذْكُور (نفي) دَاخل (على نكرَة: يَعْنِي الْمصدر) الَّذِي تضمنه الْمَنْفِيّ كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب (فِي غير مَحل النزاع، إِنَّمَا هُوَ) أَي النزاع (فِي أَن المُرَاد من عُمُومه بعد تَخْصِيص الْعقل مَا لَا بُد مِنْهُ) أَي من تَخْصِيصه (هَل يخص أَمر الْآخِرَة فَلَا يُعَارض) المُرَاد (آيَات الْقصاص الْعَامَّة) كَقَوْلِه تَعَالَى - {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} - الْآيَة (فَيقْتل الْمُسلم بالذمي أَو يعم الدَّاريْنِ) الدُّنْيَا وَالْآخِرَة (فيعارض) المُرَاد آيَات الْقصاص فيخص (فَلَا يقتل الْمُسلم بالذمي. قَالَ الشَّارِح. قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله: وَحَاصِله أَنه هَل ثمَّ قرينَة تصرف نفي الْمُسَاوَاة إِلَى خُصُوص أَمر الْآخِرَة أَو لَا فَيعم الدَّاريْنِ (قَالَ بِهِ) أَي بِالْعُمُومِ (الشَّافِعِيَّة، وَالْحَنَفِيَّة) خصوه (بِالْأولِ) أَي بِأَمْر الْآخِرَة (لقَرِينَة تعقيبه) أَي النَّفْي الْمَذْكُور (بِذكر الْفَوْز) قَالَ الله تَعَالَى - {لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب الْجنَّة} - (أَصْحَاب الْجنَّة هم الفائزون ثمَّ فِي الْآثَار مَا يُؤَيّدهُ) أَي قَول الْحَنَفِيَّة: مِنْهَا (حَدِيث) عبد الرَّحْمَن (بن الْبَيْلَمَانِي) بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَاللَّام المفتوحتين بَينهمَا يَاء تَحْتَانِيَّة من مشاهير التَّابِعين، روى عَن ابْن عمر، وَعنهُ ابْنه قَالَ أَبُو حَاتِم ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف لَا تقوم بِهِ الْحجَّة قَالَ (قتل

(1/250)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسلما بمعاهد، الحَدِيث) يَعْنِي قَوْله وَقَالَ: أَنا أَحَق من وفى بِذِمَّتِهِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله وَعبد الرَّزَّاق وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن الْبَيْلَمَانِي عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وَأعله (وَنَحْوه) مَا روى الْمَشَايِخ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ (إِنَّمَا بذلوا الْجِزْيَة لتَكون دِمَاؤُهُمْ كدمائنا الخ) وَأَمْوَالهمْ كأموالنا وَلم يجده المخرجون بِهَذَا اللَّفْظ، وَإِنَّمَا روى الشَّافِعِي وَالدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد فِيهِ أَبُو الْجنُوب وَهُوَ مضعف، عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: من كَانَت لَهُ ذمتنا فذمته كذمتنا وديته كديتنا (فَظهر أَن الْخلاف فِي تطبيق كل من المذهبين على دَلِيل تفصيلي) فَهِيَ مسئلة فقهية لَا أَصْلِيَّة كَمَا عرفت من عدم الِاخْتِلَاف فِي دلَالَة قَوْله تَعَالَى - {لَا يَسْتَوِي} - إِلَى آخِره على الْعُمُوم إِلَى آخِره.
مسئلة

(خطاب الله تَعَالَى للرسول) بتوجيه الْخطاب إِلَيْهِ (بِخُصُوصِهِ) كَقَوْلِه تَعَالَى {يَا أَيهَا الرَّسُول، لَئِن أشركت} : قد نصب فِيهِ خلاف) وَمن ناصبيه ابْن الْحَاجِب (فالحنفية) وَأحمد قَالُوا (يتَنَاوَل الْأمة) وَالْمُصَنّف رَحمَه الله لم يلْتَفت إِلَى مَا ذكره الأسنوي من أَن ظَاهر كَلَام الشَّافِعِيَّة يوافقهم فَقَالَ (وَالشَّافِعِيَّة لَا) يتناولهم (مستدلين) أَي الشَّافِعِيَّة (بِالْقطعِ من) أَن (اللُّغَة بِأَن مَا للْوَاحِد لَا يتَنَاوَل غَيره) أَي غير ذَلِك الْوَاحِد (وَبِأَنَّهُ لَو عمهم) أَي الْأمة كَمَا قَالَ الْحَنَفِيَّة (كَانَ إخراجهم) أَي الْأمة فِيمَا إِذا دلّ الدَّلِيل على أَنهم لم يرادوا (تَخْصِيصًا، وَلَا قَائِل بِهِ) أَي التَّخْصِيص (وَلَيْسَ) هَذَا الِاسْتِدْلَال (فِي مَحل النزاع فَإِن مُرَاد الْحَنَفِيَّة) بِعُمُوم إيَّاهُم (أَن أَمر مثله) أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مِمَّن لَهُ منصب الِاقْتِدَاء والمتبوعية يفهم مِنْهُ) أَي من أمره (أهل اللُّغَة شُمُول أَتْبَاعه عرفا) لَا وضعا كَمَا إِذا قيل لأمير اركب للمناجزة) بِالْجِيم وَالزَّاي الْمُعْجَمَة الْمُحَاربَة، وَبِالْحَاءِ وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمُقَاتلَة (غير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ منصب الِاقْتِدَاء بِهِ) والمتبوعية يفهم مِنْهُ: أَي من أمره (فِي كل شَيْء) مِمَّا يُخَاطب بِهِ (إِلَّا) مَا يخص بِهِ (بِدَلِيل) يُفِيد اخْتِصَاصه (لِأَنَّهُ بعث ليؤتسى بِهِ، فَكل حكم خُوطِبَ هُوَ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بِهِ عَم) الْأمة (عرفا) فِي خطاباته (وَإِن كَانَ فعله) أَي ذَلِك الحكم (لَا يتَوَقَّف على أعوان كالمناجزة) أَي كتوقف الْمُقَاتلَة الْمَأْمُور بهَا الْأَمِير (واذن) أَي وَإِذا كَانَ عَاما عرفا (يلتزمون) أَي الْحَنَفِيَّة (أَن إخراجهم) أَي الْأمة من خطابه بِخُصُوصِهِ (تَخْصِيص فَإِنَّهُ) أَي التَّخْصِيص (كَمَا يرد على الْعَام لُغَة يرد على الْعَام عرفا، واستدلالهم) أَي الْحَنَفِيَّة للْعُمُوم الْمَذْكُور {بِنَحْوِ يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} - فطلقوهن لعدهن - مِمَّا أفرد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/251)


بِالْخِطَابِ وَأمر بِصِيغَة الْعُمُوم الدَّالَّة على إِرَادَة الْعُمُوم فِي صدر الْكَلَام (وَبِأَنَّهُ لَو لم يعمهم لَكَانَ خَالِصَة لَك) بعد قَوْله - {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك} - إِلَى قَوْله - {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي إِن أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها} - (غير مُفِيد) لِأَن الِاخْتِصَاص والخلوص على تَقْدِير عدم الْعُمُوم ثَابت بِالْخِطَابِ الْخَاص (و) قَوْله تَعَالَى {زَوَّجْنَاكهَا لكيلا يكون على الْمُؤمنِينَ حرج} - فِي أَزوَاج أدعيائهم - فَأخْبر أَنه إِنَّمَا أَبَاحَ تَزْوِيجه إِيَّاهَا ليَكُون شَامِلًا للْأمة، وَلَو كَانَ خطابه خَاصّا لما حصل الْمَقْصُود (لبَيَان التَّنَاوُل الْعرفِيّ) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي واستدلالهم (لَا) لبَيَان التَّنَاوُل (اللّغَوِيّ، فأجوبتهم) أَي الشَّافِعِيَّة عَن هَذِه الاستدلالات (الَّتِي حاصلها أَن الْفَهم) أَي فهم الْأمة من هَذِه النُّصُوص (بِغَيْر الْوَضع اللّغَوِيّ طائحة) أَي سَاقِطَة لِأَن الْحَنَفِيَّة معترفون، بِعَدَمِ الْعُمُوم لُغَة، ثمَّ تعقب الْحَنَفِيَّة فِي استدلالهم ب {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك} الْآيَة فَقَالَ (غير أَن نفي الْفَائِدَة مُطلقًا) على ذَلِك التَّقْدِير (مِمَّا يمْنَع لجَوَاز كَونهَا) أَي الْفَائِدَة (منع الْإِلْحَاق) أَي إِلْحَاق الْأمة بِهِ قِيَاسا (وَلَا يحْتَاج إِلَيْهِ) أَي نفي الْفَائِدَة مُطلقًا (فِي الْوَجْه) أَي وَجه الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ (وَيَكْفِي) فِي الِاسْتِدْلَال لَهُم بهَا (أَن خَالِصَة لَك ظَاهر فِي فهم الْعُمُوم) للْأمة من قَوْله - {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك} - (لولاه) أَي لفظ خَالِصَة لَك وظهوره عَلامَة كَونه عَاما عرفا، ثمَّ أَن الشَّافِعِيَّة قد ذكرُوا فِي نفي إِرَادَة الْعُمُوم أَنه يُنَافِي كَون أَفْرَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالذكر للتشريف فَأجَاب عَنهُ بقوله (وَكَون إِفْرَاده بِالذكر للتشريف لَا يُنَافِي الْمَطْلُوب) وَهُوَ الْعُمُوم عرفا (فَمن التشريف أَن خصّه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بِهِ) أَي الْخطاب بِحَسب الذّكر (وَالْمرَاد أَتْبَاعه مَعَه) وَإِلَّا لَكَانَ مُقْتَضى هَذِه الْإِرَادَة أَن يُقَال: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا وَنَحْو ذَلِك (وَعرف) من هَذَا التَّقْدِير (أَن وَضعهَا) أَي هَذِه المسئلة معنونة بعنوان (الْخطاب لوَاحِد من الْأمة هَل يعم لَيْسَ بحيد) لِأَن الْحَنَفِيَّة لَا يَقُولُونَ خطاب من لَيْسَ لَهُ منصب الِاقْتِدَاء يعم الْأمة عرفا، بل هَذَا مَوْضُوع مَا يَلِي هَذِه: أَعنِي قَوْله.
مسئلة

(خطاب الْوَاحِد لَا يعم غَيره لُغَة، وَنقل عَن الْحَنَابِلَة عُمُومه، ومرادهم خطاب الشَّارِع لوَاحِد بِحكم يعلم عِنْده) أَي عِنْد ذَلِك الْخطاب (تعلقه) أَي ذَلِك الحكم (بِالْكُلِّ إِلَّا بِدَلِيل) يَقْتَضِي التَّخْصِيص (كَقَوْلِه حكمي على الْوَاحِد حكمي على الْجَمَاعَة) وَقد مر فِي الْبَحْث الثَّانِي من مبَاحث الْعَام، وَتكلم فِي سَنَده (وَفهم الصَّحَابَة ذَلِك) أَي أَن حكمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْوَاحِد حكمه على الْجَمَاعَة (حَتَّى حكمُوا على غير مَا عز بِمَا حكم بِهِ) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/252)


من الرَّجْم (عَلَيْهِ) أَي على مَا عز حَتَّى قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ خشيت أَن يطول بِالنَّاسِ زمَان حَتَّى يَقُول قَائِل لَا نجد الرَّجْم فِي كتاب الله فيضلوا بترك فَرِيضَة أنزلهَا الله، أَلا وَإِن الرَّجْم حق على من زنا وَقد أحصن إِذا قَامَت الْبَيِّنَة أَو كَانَ الْحَبل أَو الِاعْتِرَاف: رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَقَالَ أَيْضا كَمَا فِي البُخَارِيّ، وحكوا على ذَلِك إِجْمَاع الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ ليعتد بِالْجَمَاعَة (ولعموم الرسَالَة بقوله) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بعثت إِلَى الْأَحْمَر وَالْأسود) رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان وَأَبُو دَاوُد لَكِن بِتَقْدِيم الْأَحْمَر على الْأسود: أَي إِلَى الْعَرَب والعجم، وَقيل إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس} وَإِذا كَانَ مُرَاد الْحَنَابِلَة هَذَا (فَكَلَام الخلافيين فِيهَا) أَي فِي هَذِه المسئلة (كَالَّتِي قبلهَا) من حَيْثُ عدم التوارد على مَحل وَاحِد.
مسئلة

(الْخطاب الَّذِي يعم العبيد لُغَة) كيا أَيهَا النَّاس: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا (هَل يتناولهم شرعا فيعمهم حكمه) أَي حكم الْخطاب الْمَذْكُور إيَّاهُم (الْأَكْثَر نعم) أَي قَالَ أَكثر الْأُصُولِيِّينَ يعم بتناولهم شرعا ويعم حكمه إيَّاهُم (وَقيل لَا) يتناولهم شرعا وَلَا يعمهم حكمه. (و) قَالَ (الرَّازِيّ الْحَنَفِيّ) يتناولهم شرعا (فِي حقول الله تَعَالَى فَقَط) . قَالَ الْكرْمَانِي لَا كَلَام فِي أَن مثل هَذَا إِذا لم يتَضَمَّن حكما يحْتَاج فِي قِيَامه إِلَى صرف زمَان يتناولهم، بل فِيمَا إِذا تضمن مَا يمنعهُ من الِاشْتِغَال بِقِيَام مهمات السادات (وَحَاصِله) أَي هَذَا الْخلاف (أَن الْخلاف فِي إرادتهم) أَي العبيد (بِاللَّفْظِ الْعَام وَعدمهَا) أَي عدم إرادتهم بِهِ (واستدلال النَّافِي) لتناولهم (بِمَا ثَبت شرعا من كَون مَنَافِعه) أَي العَبْد (مَمْلُوكَة لسَيِّده فَلَو تناولهم) الْخطاب الْمَذْكُور (نَاقض) الْخطاب الْمَذْكُور (دَلِيل عدم الْإِرَادَة) يَعْنِي مِمَّا يدل على مملوكية منافعهم المستلزمة عدم مُطَالبَته سُبْحَانَهُ إيَّاهُم بصرفها فِي خدمته سُبْحَانَهُ لغناه عَنْهُمَا، وحاجة الْعباد إِلَيْهِ (وَأما قَوْلهم) أَي النافين (خرج) العَبْد (من) خطاب (نَحْو الْجِهَاد، وَالْجُمُعَة، وَالْحج) والتبرعات وَبَعض الأقارير مِمَّا دلّ عَلَيْهِ من النَّص وَالْإِجْمَاع (فَلَو كَانَ دَاخِلا) فِي تِلْكَ العمومات قبل الْإِخْرَاج (أَي مرَادا) من حَيْثُ الْإِرَادَة وَإِنَّمَا قيد بِهِ، لِأَن الدُّخُول من حَيْثُ التَّنَاوُل بِحَسب الْمَفْهُوم اللّغَوِيّ لَا نزاع فِيهِ (كَانَ) ذَلِك الْإِخْرَاج بعد الدُّخُول مرَادا (تَخْصِيصًا، وَالْأَصْل عَدمه) أَي عدم التَّخْصِيص (فَتجوز بالتخصيص عَن النّسخ) جَوَاب أما: أَي قَوْلهم الْمَذْكُور بِاعْتِبَار تعبيرهم بالتخصيص تجوزا أُرِيد بِهِ الْمَعْنى الْمجَازِي للتخصيص وَهُوَ النّسخ، لِأَن إِرَادَة الْعُمُوم مُسْتَلْزم

(1/253)


لتشريفه، ثمَّ إِفَادَة مَا يُخَالف الْعُمُوم نسخ لَهُ (وَالْجَوَاب) عَن قَوْلهم الَّذِي حَاصله النّسخ (بِأَن خُرُوجه) أَي العَبْد من تِلْكَ العمومات (بِالدَّلِيلِ) الْمُفِيد لَهُ (يلْزم أَن مَعْنَاهُ) أَي كَون مَعْنَاهُ أَنه (لم يرد) العَبْد من ذَلِك الْعُمُوم (لدَلِيل) يدل على عدم إِرَادَته (فضلا عَن إِرَادَته، ثمَّ نُسْخَة) يَعْنِي إِذا لم يكن أَرَادَهُ أصلا لزم بِالطَّرِيقِ الأولى أَن لَا يكون ثمَّة مَجْمُوع الْأَمريْنِ من الْإِرَادَة والنسخ الْمَوْقُوف على الْإِرَادَة، وَالضَّمِير فِي نُسْخَة رَاجع إِلَى الحكم الْمُتَعَلّق بِالْعَبدِ على تَقْدِير الْإِرَادَة (عَنهُ) أَي عَن العَبْد الْمُتَعَلّق بالنسخ (وَحَاصِله) أَي حَاصِل الْجَواب (أَن اللَّازِم) فِي نفس الْأَمر (التَّخْصِيص الاصطلاحي بدليله لَا النّسخ) وَهُوَ أَن الْخَارِج عَن حكم الْعَام فِي نفس الْأَمر لم يكن مرَادا من اللَّفْظ الدَّال على الْعُمُوم (وَقد يُقرر) تَوْجِيه المسئلة هَكَذَا (دلّ) الدَّلِيل (على عدم إِرَادَته) أَي العَبْد (فِي بَعْضهَا) أَي فِي الْأَحْكَام (وَعَلَيْهَا فِي بَعْضهَا) أَي وعَلى إِرَادَته فِي بعض الْأَحْكَام (فالمثبت (للتناول شرعا (يعْتَبر بالتناول) لُغَة لِأَن الأَصْل مطابقته) أَي التَّنَاوُل (الْإِرَادَة، والنافي) بقول (عرض الِاشْتِرَاك فِي الِاسْتِعْمَال) لَا يُرَاد فِي بعض الاستعمالات، وَلَا يُرَاد فِي بعض الآخر (فتوقف دُخُولهمْ) أَي العبيد (إِلَى الدَّلِيل لِأَن الأَصْل عدم الدُّخُول (أَو قَامَ) الدَّلِيل مَعْطُوف على عرض (على عدمهَا) أَي الْإِرَادَة (وَهُوَ) أَي الدَّلِيل الْقَائِم على عدم الْإِرَادَة (مالكية السَّيِّد لَهَا) أَي لمنافعه (والرازي يمنعهُ) أَي عدم إرادتهم (فِي حُقُوقه) تَعَالَى (وَالدَّلِيل) على إرادتهم فِيهَا (الأكثرية) لدخولهم فِي الخطابات الْوَارِدَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى على وفْق اللُّغَة، وأكثرية إرادتهم فِي الِاسْتِعْمَال إِذا انْضَمَّ إِلَيْهَا مَا تَقْتَضِيه اللُّغَة يصلح دَلِيلا للإرادة (فَوَجَبَ التَّفْصِيل) بَين حق الله وَغَيره (و) بِهَذَا التَّفْصِيل (انتظم) أَي صَحَّ (منع عُمُوم مملوكية مَنَافِعه) للسَّيِّد فِي جَمِيع الْأَوْقَات، بل يسْتَثْنى مِنْهَا أَوْقَات الْأَعْمَال الْمَطْلُوبَة مِنْهُ عِنْد الضّيق حَتَّى لَو أمره فِي آخر وَقت الصَّلَاة بِحَيْثُ لَو أطاعه لفاتته وَجب عَلَيْهِ صرف ذَلِك الْوَقْت فِي الصَّلَاة، وَلَا يجوز للسَّيِّد استخدامه (فَانْدفع الأول) أَي التَّنَاقُض الْمَذْكُور فرجح قَول الشَّيْخ أبي بكر الرَّازِيّ.
مسئلة

(خطاب الله سُبْحَانَهُ الْعَام: ك {يَا عبَادي} - {يَا أَيهَا النَّاس} - شَمله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِرَادَته) بِالرَّفْع فَاعل شَمل، وإضافته إِلَى ضمير الْخطاب لأدنى مُلَابسَة (كَمَا تنَاوله) أَي الْخطاب الْمَذْكُور الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لُغَة) وَلَو قَالَ شَمله إِرَادَة كَمَا شَمله لُغَة لَكَانَ أظهر (عِنْد الْأَكْثَر) سَوَاء صدر بالْقَوْل أَو التَّبْلِيغ أَولا، والظرف مُتَعَلق بشمله (وَقيل لَا)

(1/254)


يَشْمَلهُ إِرَادَته (لِأَن كَونه) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مبلغه) أَي الْخطاب للْأمة (مَانع) من ذَلِك، وَإِلَّا لَكَانَ مبلغا ومبلغا بخطاب وَاحِد، وَلَا يظْهر امْتنَاع اجْتِمَاعهمَا فِي شخص وَاحِد من جِهَتَيْنِ فَتَأمل (وَلذَا) أَي ولكونه مَانِعا من شُمُوله الْإِرَادَة (خرج) رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من أَحْكَام عَامَّة) أَي لم يدْخل فِيهَا (كسنية الضُّحَى) فَإِنَّهَا مَنْدُوبَة للْأمة على القَوْل الْأَشْبَه، وَقد ذهب غير وَاحِد من أَعْيَان الْمُتَأَخِّرين: مِنْهُم النَّوَوِيّ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَة عَلَيْهِ. قَالَ الشَّارِح وَالْأَوْجه عَدمه فَإِن الخصوصية لَا تثبت إِلَّا بِدَلِيل صَحِيح وَهُوَ مَقْصُود، وَقد جَاءَ مِمَّا هُوَ أقوى مِنْهُ مَا يُعَارضهُ، وَقد نقل فِي شرح الْمُهَذّب عَن الْعلمَاء أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يداوم على صَلَاة الضُّحَى مَخَافَة أَن تفرض على الْأمة فيعجزوا عَنْهَا، وَكَانَ يَفْعَلهَا فِي بعض الْأَوْقَات (وَحل أَخذ الصَّدَقَة) فَرضهَا وتطوعها تَشْرِيفًا لَهُ فَإِنَّهَا أوساخ النَّاس على مَا فِي الْأَحَادِيث الصِّحَاح (و) حُرْمَة (الزِّيَادَة على أَربع) من الزَّوْجَات بِالْإِجْمَاع وَأما الْكَلَام فِي الزِّيَادَة على التسع، فَالْأَصَحّ الْجَوَاز عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " مَا مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أحل لَهُ النِّسَاء ". قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن صَحِيح، وَالْحَاكِم صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلَفظه " حَتَّى أحل لَهُ من النِّسَاء مَا شَاءَ " (وَالْجَوَاب الْمبلغ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام للْأَحْكَام الْعَامَّة إِلَى وَاحِد من الْعباد) حَال كَون ذَلِك الْوَاحِد (مشمولا بهَا) أَي بِتِلْكَ الْأَحْكَام (ليسمعهم) أَي الْعباد (إِيَّاهَا) أَي الْأَحْكَام وَهُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ حَال تَبْلِيغ جِبْرِيل الْخطاب الَّذِي هُوَ دَاخل فِيهِ (فَلَا مُوجب لِخُرُوجِهِ، وَهُوَ مشمول بِهِ لُغَة فَمَا تحقق خُرُوجه مِنْهُ لزم كَونه لدَلِيل خَاص فِيهِ، فتفصيل الْحَلِيمِيّ) والصيرفي (بَين أَن يكون) الْخطاب الْعَام (مُتَعَلق قَول: كقل يَا عبَادي، فَيمْنَع) شُمُوله إِيَّاه (وَإِلَّا) أَي وَإِن يكن مُتَعَلق قَول (فَلَا) يمْنَع (مُنْتَفٍ) خبر تَفْصِيل الْحَلِيمِيّ، وَقد عرفت وَجه الانتفاء من التَّنَاوُل بِحَسب اللُّغَة فِي الْكل وَعدم الْمُوجب لعدم الْإِرَادَة سوى دَلِيل التَّخْصِيص فِي الْبَعْض على أَن الخطابات كلهَا مقدرَة بِنَحْوِ: قل، أَو بلغ على مَا قَالَ بَعضهم، ورد بِالْمَنْعِ، وَلَو سلم فَلَيْسَ الْمُقدر كالملفوظ من كل وَجه.
مَسْأَلَة

(الْخطاب الشفاهي كيا أَيهَا الَّذين آمنُوا: لَيْسَ خطابا لمن بعدهمْ) أَي الَّذين سيوجدون بعد الْمَوْجُودين فِي زمَان الْخطاب (وَإِنَّمَا يثبت حكمه) أَي الْخطاب الشفاهي (لَهُم) أَي لمن سيوجد (بِخَارِج) من الْخطاب من نَص أَو إِجْمَاع أَو قِيَاس (دلّ) ذَلِك (على أَن كل

(1/255)


خطاب علق بالموجودين حكما فَإِنَّهُ يلْزم من بعدهمْ. وَقَالَت الْحَنَابِلَة وَأَبُو الْيُسْر من الْحَنَفِيَّة هُوَ) أَي الْخطاب الشفاهي (خطاب لَهُم) أَي لمن بعدهمْ أَيْضا (لنا الْقطع بِعَدَمِ التَّنَاوُل) أَي تنَاول الْخطاب الشفاهي لَهُم (لُغَة) على مَا هُوَ التَّحْقِيق. (قَالُوا: لم تزل عُلَمَاء الْأَمْصَار فِي الْأَعْصَار يستدلون بِهِ) أَي بِالْخِطَابِ الشفاهي (على الْمَوْجُودين) فِي أعصارهم، وَهُوَ إِجْمَاع لَهُم على الْعُمُوم (أُجِيب لَا يتَعَيَّن كَونه) أَي كَون الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَيْهِم (لتناولهم) أَي لتناول الْخطاب الْمَذْكُور إيَّاهُم (لجَوَاز كَونه) أَي استدلالهم بِهِ عَلَيْهِم (لعلمهم) أَي الْعلمَاء (بِثُبُوت حكم مَا تعلق بِمن قبلهم عَلَيْهِم) أَي على من بعدهمْ بِنَصّ، أَو إِجْمَاع، أَو قِيَاس (وَأما استدلالهم) أَي الْحَنَابِلَة بِأَنَّهُ (لَو لم يتَعَلَّق) الْخطاب الْمَذْكُور (بهم) أَي بِمن سيوجد (لم يكن) النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مُرْسلا إِلَيْهِم) إِذْ لَا معنى للإرسال إِلَيْهِم إِلَّا أَن يُقَال لَهُ بلغ أحكامي إِلَيْهِم، وَلَا تَبْلِيغ بِهَذِهِ العمومات (فَظَاهر الضعْف) للْمَنْع الظَّاهِر للملازمة الْمَذْكُورَة، إِذْ الْإِرْسَال إِلَيْهِم لَا يسْتَلْزم الْخطاب الشفاهي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكل، بل يتَحَقَّق بِحُصُول الْخطاب للْبَعْض، وللبعض بِنصب الدَّلَائِل على أَن حكمهم حكم الَّذِي شافههم (وَاعْلَم أَنه إِذا نصر الْخطاب فِي الْأَزَل للمعدوم) كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَة تَكْلِيف الْمَعْدُوم نَصره على مَا ذهب إِلَيْهِ الأشاعرة (وَمَعْلُوم أَن النّظم القرآني يُحَاذِي دلاله) أَي من حَيْثُ الدّلَالَة الْمَعْنى (الْقَائِم بِهِ تَعَالَى قوي قَوْلهم) أَي الْحَنَابِلَة جَوَاب إِذا، نقل عَن الْعَلامَة أَنه ذكر فِي الْكتب الْمَشْهُورَة أَن الْحق أَن الْعُمُوم مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ من دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ وَهُوَ قريب (وَيُجَاب بِأَن التَّعَلُّق) أَي تعلق الْخطاب بالمعدومين (فِي الْأَزَل يدْخلهُ) أَي التَّعْلِيق الأزلي (معنى التَّعْلِيق على مَا عرف) من أَن مَعْنَاهُ أَن الْمَعْدُوم الَّذِي علم الله أَنه يُوجد مَطْلُوب مِنْهُ فِي الْأَزَل طلبا غير تنجيزي، بِمَعْنى أَنه إِذا وجد بِصفة التَّكْلِيف يَأْتِي بذلك الْفِعْل كَمَا تَجِد فِي نَفسك طلب صَلَاح ولد سيوجد، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنع الطّلب التنجيزي من الْمَعْدُوم فِي صُورَة الْأَمر وَالنَّهْي على مَا تبين فِي مَحَله (وَالْكَلَام) أَي الْكَلَام المنازع فِيهِ إِنَّمَا هُوَ (فِي النّظم الْخَالِي عَنهُ) أَي عَن معنى التَّعْلِيق، وَهُوَ تَوْجِيه الْكَلَام اللَّفْظِيّ التنجيزي نَحْو الْغَيْر للتفهيم، وَهَذَا لَا بُد فِيهِ من وجود الْمُخَاطب، فَهَذَا يُقَوي قَول الْأَكْثَرين.
مسئلة

(الْمُخَاطب) بِالْكَسْرِ (دَاخل فِي عُمُوم مُتَعَلق خطابه عِنْد الْأَكْثَر: مثل) قَوْله تَعَالَى { (وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم، وَأكْرم من أكرمك وَلَا تهنه} فَالله عَالم بِذَاتِهِ} ، والآمر الناهي إِذا أكْرم غَيره

(1/256)


كَانَ الْغَيْر مَأْمُورا بإكرامه، مَنْهِيّا عَن إهانته لوُجُود الْمُقْتَضى وَانْتِفَاء الْمَانِع (وَقيل كَونه) أَي الْمُتَكَلّم (الْمُخَاطب يُخرجهُ) من ذَلِك (وَالْجَوَاب منع الْمُلَازمَة) بَين كَونه مُخَاطبا، وَخُرُوجه عَن ذَلِك الْخطاب (وَأما) عُمُوم قَوْله (الله خَالق كل شَيْء فمخصوص بِالْعقلِ) لِامْتِنَاع خلق الْقَدِيم، وَلَا سِيمَا الْوَاجِب لذاته: وَهَذَا جَوَاب احتجاج المانعين لدُخُوله، تَقْرِيره لَو كَانَ دَاخِلا لزم كَونه تَعَالَى خَالِقًا لنَفسِهِ بقوله تَعَالَى - {خَالق كل شَيْء} - فحاصل الْجَواب أَنه لَوْلَا الْمُخَصّص الْعقلِيّ لَكَانَ دَاخِلا، وَقيل أَن التَّخْصِيص خُرُوج مَا يقتضى ظَاهر اللَّفْظ دُخُوله، وَالله سُبْحَانَهُ وَإِن كَانَ شَيْئا، لَكِن عِنْد ذكر الْأَشْيَاء لَا يفهم دُخُوله، وَفِيه مَا فِيهِ.
مسئلة

(الْعَام فِي معرض الْمَدْح والذم كَانَ الْأَبْرَار) لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي جحيم (يعم) اسْتِعْمَالا كَمَا هُوَ عَام وضعا (خلافًا للشَّافِعِيّ حَتَّى منع بَعضهم) أَي الشَّافِعِيَّة (الِاسْتِدْلَال بالذين يكنزون) الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله الْآيَة (على وُجُوبهَا) أَي الزَّكَاة (فِي الْحلِيّ) لِأَن الْقَصْد بَيَان الكانز، لَا بَيَان التَّعْمِيم، وَإِثْبَات الحكم فِي جَمِيع المتناولات اللُّغَوِيَّة (لنا عَام بصيغته) من غير معَارض فَوَجَبَ الْعَمَل. (قَالُوا) أَي الشَّافِعِيَّة (عهد فيهمَا) أَي الْمَدْح والذم (ذكر الْعَام مَعَ عدم إِرَادَته) أَي الْعُمُوم (مُبَالغَة) فِي الْحَث على الطَّاعَة، والزجر عَن الْمعْصِيَة، فالقصد من صِيغَة الْعُمُوم فيهمَا التَّأْكِيد والاهتمام فِي الْحَث والزجر، لَا لعُمُوم (وَأجِيب بِأَنَّهَا) أَي الْمُبَالغَة (لَا تنافيه) أَي الْعُمُوم (إِذْ كَانَت الْمُبَالغَة (للحث) لَا مَكَان الْجمع بَين المصلحتين، فَلَا صَارف عَن الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة (بِخِلَاف) الْمُبَالغَة (فِي نَحْو: قتلت النَّاس كلهم) فَإِن معنى الْمُبَالغَة على تَنْزِيل قتل الْبَعْض منزلَة قتل الْكل لكَوْنهم كبنيان وَاحِد على أَن الْقَرِينَة الصارفة عَن إِرَادَة الْعُمُوم فِيهِ وَاضِحَة لعدم إِمْكَان قتل الْكل، وَعدم إِرَادَة الْعُمُوم فِي أَمْثَاله كَمَا لَا يخفى.
مسئلة

(مثل خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة لَا يُوجِبهُ) أَي الْأَخْذ (من كل نوع) من أَنْوَاع المَال (عِنْد الْكَرْخِي وَغَيره) كالآمدي وَابْن الْحَاجِب (خلافًا للْأَكْثَر، لَهُ) أَي للكرخي (يصدق بِأخذ صَدَقَة) وَاحِدَة بالنوع (مِنْهَا) أَي من جملَة أَمْوَالهم (أَنه أَخذ صَدَقَة من أَمْوَالهم)

(1/257)


إِذْ الْمَأْمُور بِهِ أَخذ صَدَقَة مَا، وَقد تحقق فِي ضمن تِلْكَ الْوَاحِدَة (وهم) أَي الْأَكْثَر (يمنعونه) أَي صدق ذَلِك (لِأَنَّهُ) أَي لفظ أَمْوَال (جمع مُضَاف، فَالْمَعْنى) خُذ (من كل مَال) صَدَقَة (فَيعم) الْمَأْخُوذ (بِعُمُومِهِ) أَي الْمَأْخُوذ مِنْهُ (أُجِيب بِأَن عُمُوم كل تفصيلي) أَي لاستغراق كل وَاحِد وَاحِد مفصلا (بِخِلَاف الْجمع) فَإِن عُمُومه لَيْسَ بتفصيلي (للْفرق الضَّرُورِيّ: بَين للرِّجَال عِنْدِي دِرْهَم، وَلكُل رجل) عِنْدِي دِرْهَم حَتَّى يلْزم فِي الأول دِرْهَم وَاحِد للْجَمِيع، وَفِي الثَّانِي دِرْهَم لكل رجل (وَهَذَا) الْجَواب (يُشِير إِلَى أَن استغراق الْجمع الْمحلي لَيْسَ كالمفرد، وَهُوَ) أَي كَون استغراقه لَيْسَ كالمفرد (خلاف) الْمَذْهَب (الْمَنْصُور، بل هُوَ) أَي الْجمع الْمحلي (كالمفرد، وَإِن صَحَّ إِرَادَة الْمَجْمُوع بِهِ) أَي الْمحلي (لَا كل فَرد بِالْقَرِينَةِ) الصارفة عَن كل فَرد أَلْبَتَّة لإِرَادَة الْمَجْمُوع من حَيْثُ هُوَ كهذه الدَّار لَا تسع الرِّجَال (وَقد ينصر) كَونه لَيْسَ كالمفرد (بِالْفرقِ: بَين للْمَسَاكِين عِنْدِي دِرْهَم، وللمسكين) عِنْدِي دِرْهَم عِنْد قصد الِاسْتِغْرَاق تتبادر إِرَادَة الْمَجْمُوع فِي الْجمع، وكل وَاحِد وَاحِد فِي الْمُفْرد (قبل مُلَاحظَة اسْتِحَالَة انقسامه) أَي الدِّرْهَم الْوَاحِد (على الْكل) فَإِنَّهُ بعد ملاحظتها يتَعَيَّن إِرَادَة خلاف الظَّاهِر، وَهُوَ الْمَجْمُوع فَيكون الْمَعْنى: لكل وَاحِد عِنْدِي دِرْهَم (و) ينصر أَيْضا (بتبادر صدق مَا تقدم) من أَخذ صَدَقَة من أَمْوَالهم على أَخذ صَدَقَة وَاحِدَة مِنْهَا (فَالْحق أَن عمومها) أَي الجموع المحلاة (مجموعي) بِمَعْنى أَن الحكم الْمَنْسُوب إِلَيْهَا يثبت للمجموع من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع لَا لكل وَاحِد من آحادها (وَإِن قُلْنَا أَن أَفْرَاد الْجمع الْعَام الواحدان) أَي أَفْرَاد مَفْهُوم مفرده، لَا أَفْرَاد مَفْهُومه: أَعنِي الْجَمَاعَات كَمَا سبق (فَإِنَّهُ) أَي كَونه مُسْتَغْرقا لآحاد الْمُفْرد (لَا يُنَافِيهِ) أَي كَون عمومها مجموعيا بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (وَلُزُوم الحكم الشَّرْعِيّ أَو) لُزُوم الحكم (مُطلقًا) شَرْعِيًّا كَانَ أَو غَيره (لكل) من الْآحَاد (ضَرُورَة عدم تجزؤ الْمَطْلُوب) فِيمَا إِذا لم يكن الحكم الْمُتَعَلّق بِالْجمعِ الْمحلي أمرا قَابلا للتجزئة ليتصور أَن يكون الْمَطْلُوب من الجموع فعلا وَاحِدًا، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يتَعَيَّن أَن يكون الْمَطْلُوب من كل وَاحِد فعلا آخر، وَقَوله ضَرُورَة مفعول لمَحْذُوف هُوَ خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي لُزُوم الحكم (وَغَيره) من الْقَرَائِن الدَّالَّة على أَن الحكم ثَابت لكل وَاحِد من آحَاد الْجمع الْمَذْكُور مَعْطُوف على عدم تجزؤ (كيحب الْمُحْسِنِينَ) للْعلم بحب كل محسن (وَالْحَاصِل أَنه) أَي عُمُوم الْجمع فِي الْآحَاد على وَجه الِانْفِرَاد (مُقْتَضى أَمر آخر غير اللُّغَة) وَالتَّحْقِيق الْمَذْكُور مَبْنِيّ على الْوَضع اللّغَوِيّ (وَصُورَة هَذِه المسئلة) يَعْنِي عنوانها (عِنْد الْحَنَفِيَّة الْجمع الْمُضَاف لجمع) أَي إِلَى جمع (كمن أَمْوَالهم لَا يُوجب إِثْبَات الحكم لَهُ) أَي إثْبَاته لَهُ مُضَافا إِلَى كل فَرد من آحَاد الْجمع

(1/258)


سقط

(1/259)


سقط

(1/260)


الْمَنْطُوق لكل مَا صدق عَلَيْهِ الْمَفْهُوم) ثمَّ تعقب هَذَا التَّحْقِيق بقوله (وَعلمت أَن لفظ الْغَزالِيّ) الْمَذْكُور (ظَاهر فِي خِلَافه) أَي خلاف تَحْقِيق هَذَا الْمُحَقق: يَعْنِي شَارِح الْمُخْتَصر. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ وَظَاهر كَلَام الْمُسْتَصْفى أَن النزاع عَائِد إِلَى أَن الْعُمُوم من عوارض الْأَلْفَاظ خَاصَّة أم لَا قَالَ من يَقُول بِالْمَفْهُومِ قد يظنّ للمفهوم عُمُوما ويتمسك بِهِ، وَفِيه نظر لِأَن الْعُمُوم لفظ متشابه دلَالَته بِالْإِضَافَة إِلَى مسمياته، والتمسك بِالْمَفْهُومِ والفحوى لَيْسَ بتمسك بِلَفْظ بل بمسكوت (وَجَاز أَن يَقُول) الْغَزالِيّ (بِثُبُوت النقيض) أَي نقيض حكم الْمَنْطُوق (على الْعُمُوم وينسبه) أَي الْعُمُوم (إِلَى الأَصْل) فَإِن الأَصْل فِي كل مَا صدق عَلَيْهِ مَا يُقَابل الْمَنْطُوق إِلَّا أَن يكون فِيهِ حكم الْمَنْطُوق، إِذْ الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْعَدَم والاستصحاب إبْقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ (لَا للمفهوم) أَي لَا ينْسبهُ إِلَى الْمَفْهُوم ليسلم عَن النزاع (كطريق الْحَنَفِيَّة) أَي ويختار مثل طريقهم (فِيهِ) أَي فِي الْمَفْهُوم (على مَا تقدم) فِي بحث الْمَفْهُوم.
مسئلة

(قَالَت الْحَنَفِيَّة يقتل الْمُسلم بالذمي فرعا فقهيا) أَي حَال كَون مقولهم متفرعا على أصل أثبتوه بحجته لَا مثبتا بِنَصّ فِيهِ (مَعَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقتل مُسلم بِكَافِر وَلَا) يقتل (ذُو عهد) من الْكفَّار (فِي) مُدَّة (عَهده، فَاخْتلف فِي مبناه) أَي مبْنى هَذَا الْفَرْع (فالآمدي) وَالْغَزالِيّ قَالَا: مبناه مَا أَفَادَهُ بقوله (عُمُوم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ يسْتَلْزم عُمُوم الْمَعْطُوف عِنْد الْحَنَفِيَّة خلافًا لَهُم) أَي الشَّافِعِيَّة (وَلَا بُد من تَقْدِير بِكَافِر مَعَ ذُو عهد، وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يقدر بِكَافِر (لم يقتل) ذُو عهد (بِمُسلم) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يدل على نفي قَتله مُطلقًا بِوَجْه من الْوُجُوه: وَهُوَ بَاطِل إِجْمَاعًا (فإمَّا) أَن يكون وَجه استلزام عُمُوم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ عُمُوم الْمَعْطُوف (لُغَة) أَي أمرا يَقْتَضِيهِ عرف اللُّغَة (على مَا قَالَ الْحَنَفِيَّة الْمَعْطُوف جملَة نَاقِصَة) فِي أَدَاء المُرَاد (فَيقدر خبر الأول فِيهَا) أَي فِي الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة، وَإِنَّمَا عبروا عَن هَذَا الْمُقدر بِلَفْظ خبر (تجوزا بِهِ) أَي بالْخبر (عَن المتعلقات) بعلاقة التَّعْلِيق بصدر الْكَلَام (فنحو ضربت زيدا يَوْم الْجُمُعَة وعمرا يلْزم تَقْيِيد ضرب عَمْرو بِهِ) أَي بِيَوْم الْجُمُعَة (ظَاهرا) أَي رِعَايَة لظَاهِر الْكَلَام (وَوَجهه) أَي وَجه هَذَا اللُّزُوم لُغَة (أَن الْعَطف) فِي اللُّغَة (لتشريك الثَّانِي) مَعَ الأول (فِي الْمُتَعَلّق) قَالَ الشَّارِح بِفَتْح اللَّام، وَالْأَظْهَر بِكَسْرِهَا (وَهُوَ) أَي الْمُتَعَلّق فِي الحَدِيث الْمَذْكُور فِي (عدم قَتله) أَي ذُو عهد (بِكَافِر وَإِن شركه) بالمعطوف مَعَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (النجَاة فِي الْعَامِل وَلم يَأْخُذُوا الْقَيْد) أَي قيد الْعَامِل (فِيهِ) أَي فِي جَانب الْمَعْطُوف (لَكِن هَذَا)

(1/261)


أَي أَخذ الْقَيْد فِي الْمَعْطُوف وتشريكه مَعَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِيهِ أَيْضا (حق وَهُوَ لازمهم) أَي النُّحَاة (فَإِن الْعَامِل مُقَيّد بِالْفَرْضِ) لِأَن فرض الْكَلَام فِي الْعَامِل الْمُقَيد (فشركته) أَي الثَّانِي للْأولِ (فِيهِ) أَي فِي الْعَامِل الْمُقَيد (توجب تَقْيِيده) أَي الثَّانِي (مثله) أَي الأول (وَإِمَّا) يكون ذَلِك حَاصِلا (بمنفصل) أَي بِأَمْر مُنْفَصِل عَن اللَّفْظ (شَرْعِي) أَي يَقْتَضِيهِ الشَّرْع (هُوَ) أَي ذَلِك الْمُنْفَصِل الشَّرْعِيّ (لُزُوم عدم قتل الذِّمِّيّ بِمُسلم لولاه) أَي شركَة الْمَعْطُوف مَعَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي الْمُتَعَلّق الْمَذْكُور (ثمَّ هُوَ) أَي الْكَافِر فِي جَانب الْمَعْطُوف (مَخْصُوص بالحربي لقَتله) أَي ذِي الْعَهْد (بالذمي) إِجْمَاعًا (فَانْتفى اللَّازِم) وَهُوَ عُمُوم الثَّانِي (فينتفى الْمَلْزُوم، وَهُوَ عُمُوم الأول) فَلَا يحمل على عدم قتل الْمُسلم بِكَافِر مُطلقًا، بل بِكَافِر حَرْبِيّ (وَقيل) قَالَه الإِمَام الرَّازِيّ والبيضاوي وَغَيرهمَا (تَخْصِيص الْمَعْطُوف يُوجِبهُ) أَي التَّخْصِيص بذلك الْوَجْه (فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (وَهَذَا) القَوْل (لَازم للْأولِ أَي لِلْقَوْلِ الأول الَّذِي قَالَه الْآمِدِيّ (لِأَن تَخْصِيصه) أَي الْمَعْطُوف (نفي عُمُومه، وَهُوَ) أَي نفي عُمُومه (انْتِفَاء اللَّازِم (فِي) القَوْل (الأول) يَعْنِي عُمُوم الْمَعْطُوف، لِأَن قَول الْآمِدِيّ عُمُوم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ يسْتَلْزم عُمُوم الْمَعْطُوف حَاصله أَن عُمُوم الْمَعْطُوف لَازم عُمُوم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ ملزوم، فَلَو لم يخص الْمَعْطُوف عَلَيْهِ بتخصيص الْمَعْطُوف لَكَانَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ عَاما، والمعطوف عَلَيْهِ خَاصّا وَلزِمَ انْتِفَاء اللَّازِم (وَنفي اللَّازِم) وَهُوَ عُمُوم الْمَعْطُوف (ملزوم لنفي الْمَلْزُوم) وَهُوَ عُمُوم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، وَإِذا كَانَ انْتِفَاء عُمُوم الْمَعْطُوف مستلزما لانْتِفَاء عُمُوم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ ثَبت قَوْلنَا تَخْصِيص الْمَعْطُوف يُوجب تَخْصِيص الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (وَقد يُقَال) فِي تَقْرِير هَذَا تَخْصِيص الثَّانِي بِوَجْه (يسْتَلْزم تَخْصِيص الأول بِمَا خص بِهِ) الثَّانِي (وَلَا شكّ أَنه) أَي تَخْصِيص الثَّانِي بالحربي (مُرَاد) لما عرفت، فَالْأول كَذَلِك (فَيصير الحَدِيث دَلِيلا للحنفية على قتل الْمُسلم بالذمي) لِأَنَّهُ صَار الْمَعْنى: لَا يقتل مُسلم بحربي، وَلَا يقتل ذمِّي بحربي، وَيلْزمهُ أَن يقتل الْمُسلم بِغَيْر حَرْبِيّ، وَيدخل فِي غير الْحَرْبِيّ الذِّمِّيّ، ثمَّ رده بقوله (وَهَذَا إِنَّمَا يتم لَو قَالُوا) أَي الْحَنَفِيَّة (بِمَفْهُوم الْمُخَالفَة) نَحوه يجوز إِيرَاده إلزاميا على الْقَائِل بِهِ (وَقيل قلبه) أَي تَخْصِيص الأول يسْتَلْزم تَخْصِيص الثَّانِي (غير أَنه) أَي هَذَا القَوْل (لَا يصلح لمبني الْفَرْع) الْمَذْكُور لعدم دَلِيل التَّخْصِيص فِي الأول (نعم لَا تلازم) بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ من جِهَة الْعُمُوم وَالْخُصُوص (فقد يعمان) أَي الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ (وَقد يعم أَحدهمَا لَا الآخر، وَكَون الْعَطف للتشريك يصدق إِذا شركت بعض أَفْرَاد الْمَعْطُوف فِي الْمُقَيد الْمُتَعَلّق بِكُل أَفْرَاد الأول) وتأنيث شركت بِاعْتِبَار تعدد ذَلِك الْبَعْض (فَظهر) مِمَّا تبين (أَن

(1/262)


الحَدِيث) وَإِن لم يدل على قتل الْمُسلم بالذمي لَا دلَالَة لَهُ على عدم قَتله بِهِ أَن الحَدِيث الْمَذْكُور (لَا يُعَارض آيَات الْقصاص الْعَامَّة) كَقَوْلِه تَعَالَى - {أَن النَّفس بِالنَّفسِ} - مِمَّا يدل على أَن كل قَاتل يقْتَصّ مِنْهُ سَوَاء كَانَ مقتوله مُسلما أَو كَافِرًا إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الْإِجْمَاع، بل صَار من ضروريات الدّين من عدم قتل الْمُسلم بالحربي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِن خص مِنْهَا) أَي من عُمُوم تِلْكَ الْعَامَّة (الْحَرْبِيّ لتخصيص) لفظ (كَافِر الأول) فِي الحَدِيث الْمَذْكُور (بالحربي) تَعْلِيل لعدم الْمُعَارضَة (والمحققون) من الْحَنَفِيَّة (على أَن المُرَاد بالكافر) الْمَذْكُور فِي الحَدِيث (الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن) لَا الْحَرْبِيّ مُطلقًا (ليُفِيد) قَوْله: لَا يقتل مُسلم بِكَافِر (إِذْ غَيره) أَي غير الْمُسْتَأْمن من الْحَرْبِيّ (مِمَّا عرف) عدم قتل الْمُسلم بِهِ (بِالضَّرُورَةِ من الدّين كَالصَّلَاةِ) أَي كَمَا عرف بِالضَّرُورَةِ فرضيته فَإِن قلت لَا نسلم عدم الْفَائِدَة على تَقْدِير إِرَادَة الْحَرْبِيّ مُطلقًا إِذْ تحصل الْفَائِدَة بِاعْتِبَار بعض أَفْرَاده، وَهُوَ الْمُسْتَأْمن قُلْنَا كفى بِعَدَمِ الْفَائِدَة بِاعْتِبَار الْأَكْثَر محذورا (فَلَا يقتل الذِّمِّيّ بالمستأمن) كَمَا لَا يقتل الْمُسلم بِهِ لما مر من وجوب تَقْدِير بِكَافِر فِي الْمَعْطُوف، وَعدم إِمْكَان حمله على الْعُمُوم، لِأَن عدم قتل ذِي الْعَهْد بالذمي مُخَالف لآيَات الْقصاص، وبالحربي غير الْمُسْتَأْمن غير مُفِيد لما مر (وَالَّذِي فِي هَذِه) المسئلة (من مبَاحث الْعُمُوم كَون الْعَطف على عَام لعامله) أَي لعامل ذَلِك الْعَام (مُتَعَلق عَام) قَوْله لعامله إِلَى هُنَا صفة عَام (يُوجب تَقْدِير لَفظه) أَي لفظ الْمُتَعَلّق الْعَام (فِي الْمَعْطُوف) وَقَوله يُوجب إِلَى آخِره خبر الْكَوْن (ثمَّ يخص أَحدهمَا) سَوَاء كَانَ الْمَعْطُوف أَو الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (بِخُصُوص الآخر، وَإِلَّا) وَإِن لم يخص أَحدهمَا بِخُصُوص الآخر (اخْتلف الْعَامِل، وَفِيه) أَي فِي لُزُوم اختلافه (مَا سَمِعت) يُشِير إِلَى قَوْله: نعم لَا يلْزم إِلَى آخِره:
مسئلة

(الْجَواب) عَن السُّؤَال حَال كَونه (غير المستقل) بِأَن لَا يكون مُفِيدا بِدُونِ السُّؤَال كنعم، وَلَا (يُسَاوِي السُّؤَال فِي الْعُمُوم اتِّفَاقًا، وَفِي الْخُصُوص قيل كَذَلِك) أَي يُسَاوِيه فِي الْخُصُوص أَيْضا اتِّفَاقًا، قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي حَاشِيَته على الشَّرْح العضدي: ظَاهر الْكَلَام أَنه لَا نزاع فِي كَونه تَابعا للسؤال فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص حَتَّى لَو قيل هَل يجوز الْوضُوء بِمَاء الْبَحْر؟ فَقَالَ نعم كَانَ عَاما، وَلَو قيل: هَل يجوز لي الْوضُوء بِمَاء الْبَحْر؟ فَقَالَ نعم كَانَ خَاصّا بِهِ إِلَّا أَن صَرِيح كَلَام الْآمِدِيّ والشارحين، وَبِه تشعر عبارَة الْمَتْن أَن الِاتِّفَاق إِنَّمَا هُوَ فِي الْعُمُوم، وَأما فِي الْخُصُوص، فخلاف الشَّافِعِي رَحمَه الله حَيْثُ ذهب إِلَى دلَالَة الْجَواب على جَوَاز التَّوَضُّؤ بِمَاء

(1/263)


الْبَحْر لكل أحد، مصيرا مِنْهُ إِلَى ترك الاستفصال فِي حِكَايَة الْحَال مَعَ قيام الِاحْتِمَال ينزل منزلَة الْعُمُوم، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَقد يعم) الْجَواب فِي الْخُصُوص (عِنْد الشَّافِعِي) رَحمَه الله (لترك الاستفصال) يَعْنِي أَن الرَّاوِي لما ترك التَّفْصِيل وَلم يُقيد الْجَواب بِبَعْض الْأَحْوَال مَعَ احْتِمَال كَونه مُقَيّدا بِهِ، وَحكى الْوَاقِعَة من غير تَفْصِيل علم أَنه فهم الْعُمُوم من الشَّارِع وَإِلَّا لَكَانَ يجب عَلَيْهِ التَّفْصِيل، وَقيل إِنَّمَا ذكر الشَّافِعِي رَحمَه الله ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ الْجَواب مُسْتقِلّا (وَالظَّاهِر الأول) وَهُوَ كَون غير المستقل تَابعا للسؤال فِي الْخُصُوص (وَلَا معنى للُزُوم الْعُمُوم) فِي الْجَواب (لتَركه) أَي الاستفصال إِن قَالَ بِهِ قَائِل (إِلَّا) الْعُمُوم (فِي الْأَحْوَال والأوقات وَالْمرَاد عُمُوم الْمُكَلّفين) أَي لَكِن النزاع فِي أَن المُرَاد عُمُوم الْجَواب للمكلفين، أَو خصوصه ببعضهم (وَالْقطع أَنه) أَي الْعُمُوم للمكلفين (إِن ثَبت فِي نَحْو) نعم جَوَابا لقَوْل الْقَائِل (أَيحلُّ لي كَذَا، فبقياس) أَي فثبوته بِقِيَاس نعم عَلَيْهِ لاشتراكهم فِي الْعلَّة (أَو بِنَحْوِ حكمي على الْوَاحِد) حكمي على الْجَمَاعَة (لَا من نعم) فَقَط (وَأما) الْجَواب (المستقل الْعَام) الْوَارِد (على سَبَب خَاص، فللعموم) عِنْد الْأَكْثَر، وَالْمرَاد بالمستقل: الوافي بِالْمَقْصُودِ مَعَ قطع النّظر عَن السَّبَب سَوَاء كَانَ سؤالا كَمَا روى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ، وَقيل يَا رَسُول الله: أَنَتَوَضَّأُ من بِئْر بضَاعَة، وَهِي بِئْر يلقى فِيهَا الْحيض، وَالنَّتن وَلحم الْكلاب؟ فَقَالَ: إِن المَاء طهُور لَا يُنجسهُ شَيْء، أَو حَادِثَة كَمَا لَو شَاهد من رمى شَاة ميتَة، فَقَالَ: " أَيّمَا أهاب دبغ فقد طهر ": (خلافًا للشَّافِعِيّ) على مَا نَقله الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهمَا، وَقَالَ الأسنوي رَحمَه الله: نَص الإِمَام فِي الْأُم على أَن السَّبَب لَا يضيع شَيْئا إِنَّمَا بِصِيغَة الْأَلْفَاظ (لنا أَن التَّمَسُّك) فِي إِثْبَات الْعُمُوم وَالْخُصُوص إِنَّمَا يكون (بِاللَّفْظِ وَهُوَ) لفظ الْأَجْوِبَة الْمُتَنَازع فِيهَا (عَام) وَلَا مَانع من حملهَا على مقتضيها (وخصوص السَّبَب لَا يَقْتَضِي إِخْرَاج غَيره) أَي غير السَّبَب من دَائِرَة تنَاول اللَّفْظ (وَتمسك الصَّحَابَة) عطف على أَن التَّمَسُّك إِلَى آخِره (وَمن بعدهمْ) من الْمُجْتَهدين (فِي جَمِيع الْأَعْصَار بهَا) أَي بالأجوبة التَّامَّة الْوَارِدَة على سَبَب خَاص (كآية السّرقَة وَهِي) وَارِدَة (فِي) سَرقَة (رِدَاء صَفْوَان) بن أُميَّة (أَو) فِي سَرقَة (الْمِجَن) على اخْتِلَاف الرِّوَايَة، وَذكر بعض الْحفاظ أَنَّهَا نزلت فِي ابْن أُبَيْرِق سَارِق الدرْع، وَقطع سَارِق رِدَاء صَفْوَان بعد فتح مَكَّة، وَصَفوَان أسلم بعد الْفَتْح (وَآيَة الظِّهَار فِي سَلمَة بن صَخْر البياضي) وَتعقب بِأَنَّهَا نزلت فِي أَوْس ابْن الصَّامِت وَزَوجته (وَآيَة اللّعان فِي هِلَال بن أُميَّة، أَو عُوَيْمِر) وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا، وَلَا شكّ فِي عُمُوم هَذِه الْأَحْكَام مَعَ خُصُوص أَسبَابهَا (قَالُوا) أَي المانعون لعمومها (لَو كَانَ) الْجَواب عَاما للسبب وَغَيره (لجَاز تَخْصِيص السَّبَب بِالِاجْتِهَادِ) من عُمُوم الْجَواب

(1/264)


كَغَيْرِهِ من أَفْرَاده لتساويهما فِي الْعُمُوم (وَأجِيب) بِمَنْع الْمُلَازمَة (بِأَنَّهُ) أَي تَخْصِيص السَّبَب بِالِاجْتِهَادِ (خص من جَوَاز التَّخْصِيص للْقطع بِدُخُولِهِ) أَي دُخُول السَّبَب فِي إِرَادَة الْمُتَكَلّم (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن دَاخِلا فِيهَا (لم يكن) الْجَواب (جَوَابا) لَهُ (وَأجِيب أَيْضا بِمَنْع بطلَان اللَّازِم) أَي لَا نسلم عدم جَوَاز تَخْصِيص السَّبَب بِالِاجْتِهَادِ (فَإِن أَبَا حنيفَة أخرج ولد الْأمة) الْمَوْطُوءَة (من عُمُوم) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْوَلَد للْفراش) فَلم يثبت نسبه مِنْهُ إِلَّا بِدَعْوَاهُ (مَعَ وُرُوده) أَي النَّص الْمَذْكُور (فِي) ولد (وليدة زَمعَة) وَكَانَت أمة مَوْطُوءَة لَهُ على مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا عَن عَائِشَة قَالَت: " كَانَ عتبَة بن أبي وَقاص عهد إِلَى أَخِيه سعد بن أبي وَقاص: أَن ابْن وليدة زَمعَة مني فاقبضه إليم، فَلَمَّا كَانَ عَام الْفَتْح أَخذه سعد، فَقَالَ ابْن أخي عهد إِلَيّ فِيهِ، فَقَامَ عبد بن زَمعَة، فَقَالَ أخي وَابْن أبي ولد على فرَاشه فتساوقا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ كل مِنْهُمَا مَا قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ لَك يَا عبد بن زَمعَة الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر، ثمَّ قَالَ لسودة بنت زَمعَة: احتجبي مِنْهُ لما رَأْي من شبهه عتبَة فَمَا رَآهَا حَتَّى لحق بِاللَّه تَعَالَى " (وَلَيْسَ) هَذَا الْجَواب (بِشَيْء فَإِن السَّبَب الْخَاص ولد زَمعَة وَلم يُخرجهُ) أَبُو حنيفَة من الْوَلَد للْفراش، وَإِنَّمَا أخرج مُطلق ولد الْأمة الْمَوْطُوءَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فالمخرج نوع السَّبَب) أَي الْمخْرج مَفْهُوم عَام ينْدَرج تَحْتَهُ السَّبَب الْمَذْكُور من عُمُوم هَذَا النَّوْع، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (مَخْصُوصًا مِنْهُ) أَي من النَّوْع الْمَذْكُور (السَّبَب) الْخَاص وَهُوَ ولد زَمعَة (وَالتَّحْقِيق أَنه) أَي أَبَا حنيفَة (لم يخرج نَوعه أَيْضا لِأَنَّهَا) أَي الْأمة (مَا لم تصر أم ولد عِنْده لَيست بفراش) أَي عِنْد أبي حنيفَة، فالأمة الْمَوْطُوءَة الَّتِي لم تثبت نسب وَلَدهَا بِغَيْر دَعْوَة السَّيِّد لَيست بفراش عِنْده، والإخراج فرع الدُّخُول (فالفراش الْمَنْكُوحَة) وَهِي الْفراش الْقوي يثبت فِيهِ النّسَب بِمُجَرَّد الْولادَة وَلَا ينتفى إِلَّا بِاللّعانِ (وَأم الْوَلَد) وَهِي فرَاش ضَعِيف إِن لم تكن حَامِلا فَيجوز تَزْوِيجهَا، وفراش متوسط إِن كَانَت حَامِلا فَيمْتَنع تزَوجهَا وَيثبت وَلَدهَا بِلَا دَعْوَة، وينتفى بِمُجَرَّد نَفْيه فِي الْحَالين. قَالَ الشَّارِح: وَهَذَا أوجه من قَوْلهم الْقوي الْمَنْكُوحَة، والمتوسط أم الْوَلَد، والضعيف الْأمة الْمَوْطُوءَة (وَإِطْلَاق الْفراش على وليدة زَمعَة فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " الْوَلَد للْفراش بعد قَول عبد بن زَمعَة ولد على فرَاش أبي لَا يسْتَلْزم كَون الْأمة مُطلقًا فراشا لجَوَاز كَونهَا) أَي وليدة زَمعَة (كَانَت أم ولد) ذكر كَانَت بعد كَونهَا لِئَلَّا يتَوَهَّم كَونهَا أم ولد بِاعْتِبَار هَذَا الْوَلَد الْمُتَنَازع فِيهِ (وَقد قيل بِهِ) أَي بِكَوْنِهَا كَانَت أم وَلَده (وَدلّ عَلَيْهِ بِلَفْظ وليدة) فَإِنَّهَا (فعيلة بِمَعْنى فاعلة، على أَنه منع أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثبت نسبه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ لَك) أَي مِيرَاث من أَبِيك، وَلذَا لم يقل هُوَ أَخُوك

(1/265)


فمعارض بِهِ، وَهَذَا أرجح لشهرتها (وَقَوله احتجبي مِنْهُ يَا سَوْدَة) إِذْ لَو كَانَ أخاها شرعا لم يجب احتجابها، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة أَحْمد، وَأما أَنْت فاحتجبي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَك بِأَخ (قَالُوا لَو عَم) الْجَواب فِي السَّبَب وَغَيره (كَانَ نقل الصَّحَابَة السَّبَب بِلَا فَائِدَة) إِذْ لَا فَائِدَة لَهُ سوى التَّخْصِيص (وَهُوَ) أَي نقلهم بِلَا فَائِدَة (بعيد أُجِيب بِأَن مَعْرفَته) أَي السَّبَب (ليمنع تَخْصِيصه) من عُمُوم الْجَواب بِالِاجْتِهَادِ (أجل فَائِدَة، وَنَفس معرفَة الْأَسْبَاب ليحترز عَن الأغاليط) فَائِدَة جليلة أَيْضا، فِي الْقَامُوس الْغَلَط محركة أَن يَعْنِي بالشَّيْء فَلَا تعرف وَجه الصَّوَاب فِيهِ، هَذَا، وَالتَّعْلِيل بالاحتراز عَنْهَا لم يذكر فِي الشَّرْح العضدي، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَن الرَّاوِي قد يحمل اللَّفْظ على غير مَا أَرَادَ بِهِ الشَّارِع، وَهَذَا غلط مِنْهُ وببيان السَّبَب يرْتَفع ذَلِك الِاحْتِمَال (قَالُوا لَو قَالَ لَا أتغدى جَوَاب تغد عِنْدِي لم يعم) قَوْله لَا أتغدى كل تغدى وَنزل على التغدي عِنْده (إِذْ لم يعد كَاذِبًا بتغدية عِنْد غَيره أُجِيب بِأَن تَخْصِيصه بعرف فِيهِ) فِي الشَّرْح العضدي الْجَواب خرج ذَلِك عَن الْعُمُوم دليلنا الْعرف خَاص فِيهِ والتخلف لمَانع لَا يقْدَح فِيهِ: أَي الدَّلِيل وَلَا يعرفهُ عَمَّا لَا يتَحَقَّق فِيهِ الْمَانِع انْتهى: يَعْنِي أَن دليلنا وَهُوَ أَن الْمُعْتَبر عُمُوم اللَّفْظ (لَا ب) خُصُوص (السَّبَب) عَام خص مِنْهُ مثل الصُّورَة الْمَذْكُورَة لما عرف فِيهِ من إِرَادَة الْخُصُوص فِي عرف المحاورات وَالْأَظْهَر أَن الْمَعْنى تَخْصِيص مثل جَوَاب الْمَذْكُور: أَعنِي لَا أتغدى بالتغدي عِنْد السَّائِل، وَقَالَ زفر بِعُمُوم مثله أَيْضا، حَتَّى لَو كَانَ حَالفا على ذَلِك حنث عِنْده وَلَو زَاد الْيَوْم لَا يَحْنَث عِنْد الشَّافِعِي أَيْضا إِن تغدى عِنْد غَيره، وَعِنْدنَا يَحْنَث لظُهُور إِرَادَة الِابْتِدَاء، لَا الْجَواب (قَالُوا لَو عَم) الْجَواب السَّبَب الْمَسْئُول عَنهُ وَغَيره (لم يكن) الْجَواب (مطابقا) للسؤال لِأَنَّهُ خَاص، وَالْجَوَاب عَام، وَهَذَا لَا يَلِيق بالشارع (قُلْنَا) بل (طابق) بِبَيَان حكم (وَزَاد) عَلَيْهِ حكم بِبَيَان حكم نَظَائِره أَيْضا (قَالُوا لَو عَم) أَي لَو حكم بِعُمُوم الْجَواب الْمَسْئُول عَنهُ وَغَيره (كَانَ) الحكم بِعُمُومِهِ (تحكما بِأحد مجازات مُحْتَملَة) أَي بِسَبَب حمله على أحد معَان مجازية مُتَسَاوِيَة الْأَقْدَام فِي الِاحْتِمَال وَهُوَ تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح، ثمَّ بَين تِلْكَ الْمعَانِي المجازية بقوله (نصوصية على السَّبَب فَقَط أَو مَعَ الْكل أَو) مَعَ (الْبَعْض) فالمفهوم المردد بدل من مجازات بدل الْبَعْض، فِي الشَّرْح العضدي بَيَان الْمُلَازمَة أَن طهوره فِي الْعُمُوم قد فَاتَ بنصوصية فِي صُورَة السَّبَب حَيْثُ تنَاولهَا بخصوصها بعد أَن لم يكن فَصَارَ مصروفا عَمَّا وضع لَهُ غير مَا وضع لَهُ وَالسَّبَب خَاص مَعَ سَائِر الخصوصيات وَمَعَ بَعْضهَا مجازات لَهُ فَكَانَ الْحمل على السَّبَب مَعَ سَائِر الخصوصيات على التَّعْيِين تحكما، وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: لِأَن ظُهُور اللَّفْظ فِي الْعُمُوم عبارَة عَن تَسَاوِي نسبته إِلَى جَمِيع مَا يتَنَاوَلهُ من غير تنَاول للْبَعْض بِخُصُوصِهِ

(1/266)


(قُلْنَا لَا مجَاز أصلا لِأَنَّهُ) أَي الْمجَاز إِنَّمَا يتَحَقَّق (بِالِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَعْنى) الَّذِي لم يوضع اللَّفْظ لَهُ (لَا بكيفية الدّلَالَة) يَعْنِي لَا يتَحَقَّق الْمجَاز بِمُجَرَّد كَون دلَالَته على الْبَعْض أظهر بِقَرِينَة وُرُوده فِيهِ من غير أَن يسْتَعْمل فِيهِ (وَقد اسْتعْمل) اللَّفْظ الْعَام (فِي الْكل) فَرده السببي وَغَيره (فَهُوَ حَقِيقَة) فِي الْعُمُوم (وَأَيْضًا نمْنَع نصوصيته) أَي اللَّفْظ الْعَام بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّبَب (بل تنَاوله للسبب كَغَيْرِهِ) من الْأَفْرَاد (وَإِنَّمَا يثبت بِخَارِج) عَن اللَّفْظ، وَهُوَ لُزُوم انْتِفَاء الْجَواب (الْقطع بِعَدَمِ خُرُوجه) أَي الْفَرد السببي (من الحكم وَلَا يخفى أَن الْخَارِج حِينَئِذٍ) أَي حِين كَونه سَببا للْقطع بِعَدَمِ خُرُوجه (مُحَقّق للنصوصية لِأَنَّهَا) أَي النصوصية (أبدا لَا تكون من ذَات اللَّفْظ إِلَّا إِن كَانَ) اللَّفْظ (علما إِن لم يتجوز بهَا) أَي بالأعلام، فَإِن تجوز بهَا كَغَيْرِهَا إِنَّمَا يكون نصوصيتها بِخَارِج وَالله أعلم.