تيسير التحرير الْبَحْث الرَّابِع
(الِاتِّفَاق على إِطْلَاق قَطْعِيّ الدّلَالَة على الْخَاص)
وَاقع، وَيحْتَمل أَن يكون الْبَحْث الرَّابِع مُبْتَدأ خَبره
الِاتِّفَاق إِلَى آخِره، لَعَلَّه لم يقل اتَّفقُوا على أَن
الْخَاص قَطْعِيّ الدّلَالَة مَعَ كَونه أخص فِي المُرَاد
وَأظْهر لعدم تَصْرِيح الْأَئِمَّة بذلك، وَإِنَّمَا يفهم من
إطلاقاتهم (وعَلى احْتِمَاله) أَي الْخَاص (الْمجَاز) أَي تجوز
بِهِ غير مَا وضع لَهُ (وَيلْزمهُ) أَي الِاتِّفَاق على
احْتِمَاله الْمجَاز (الِاتِّفَاق على عدم الْقطع)
الْمُتَعَلّق بِدلَالَة الْخَاص (بِنَفْي الْقَرِينَة الصارمة
عَن) الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ) لَهُ، لِأَن الْقطع بِنَفسِهَا
يسْتَلْزم الْقطع بِعَدَمِ احْتِمَال الْمجَاز لِامْتِنَاع
الْمجَاز بِدُونِ الْقَرِينَة الصارفة عَن الْمَعْنى
الْحَقِيقِيّ (و) يلوم الِاتِّفَاق الثَّانِي، بعد اتِّفَاق
الأول (أَن هَذَا الْقطع) الْمُتَعَلّق بِدلَالَة الْخَاص (لَا
يُنَافِي الِاحْتِمَال مُطلقًا) كَمَا يعْتَبر فِي العقائد، بل
يُنَافِي الِاحْتِمَال النَّاشِئ عَن دَلِيل كَمَا هُوَ مصطلح
الْفُقَهَاء (وَاخْتلف فِي إِطْلَاقه) أَي إِطْلَاق لفظ
قَطْعِيّ الدّلَالَة (على الْعَام فالأكثر) من الْفُقَهَاء
والمتكلمين (على نَفْيه) أَي نفي إِطْلَاقه عَلَيْهِ (وَأكْثر
الْحَنَفِيَّة) من جُمْهُور الْعِرَاقِيّين وَعَامة
الْمُتَأَخِّرين، قَالُوا (نعم) يُطلق عَلَيْهِ، بل ذكر عبد
القاهر الْبَغْدَادِيّ من الْمُحدثين أَنه مَذْهَب أبي حنيفَة
رَحمَه الله، يُقَال وَأَصْحَابه، وَقواهُ فَخر الْإِسْلَام
كَذَا ذكره الشَّارِح (وَأَبُو مَنْصُور) الماتريدي
(وَجَمَاعَة) وهم مَشَايِخ سَمَرْقَنْد (كالأكثر) قَالُوا لَا
يُطلق عَلَيْهِ (لِكَثْرَة إِرَادَة بعضه) أَي بعض الْعَام من
الْعَام عِنْد إِطْلَاقه (سَوَاء سمي) كَون بعضه مرَادا
(تَخْصِيصًا اصطلاحيا أَو لَا كَثْرَة تجَاوز الْحَد وتعجز عَن
الْعد حَتَّى اشْتهر) بَين الْعلمَاء قَوْلهم
(1/267)
(مَا من عَام إِلَّا وَقد خص، وَهَذَا)
الْعَام يَعْنِي مَا من عَام إِلَى آخِره أَيْضا (مِمَّا خص
بِنَحْوِ وَالله بِكُل شَيْء عليم) إِذْ لم يخرج من تَحت
إحاطته شَيْء مِمَّا يخص، وَكَذَا {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات
وَمَا فِي الأَرْض} فِي قلَّة مِمَّا لَا يُحْصى) يَعْنِي
نَحْو مَا ذكر وَاقع فِي مواد قَلِيله ممتازة من مواد كَثِيرَة
لَا تعد وَلَا تحصى (وَمثله) أَي مثل وجود هَذِه الْكَثْرَة من
التخصيصات فِي العمومات (يُورث الِاحْتِمَال (فِي) الْعَام
(الْمعِين) أَي فِي خُصُوص كل عَام (فَيصير) كَون المُرَاد
جَمِيع الْأَفْرَاد (ظنيا فَبَطل منع كَثْرَة تَخْصِيصه) كَمَا
فعله صدر الشَّرِيعَة (لِأَنَّهُ) أَي تَخْصِيصه عِنْد
الْحَنَفِيَّة إِنَّمَا يكون (بمستقل مُقَارن، وَهُوَ) أَي
المستقل الْمُقَارن (قَلِيل) فَلَا كَثْرَة لتخصيص الْعَام
(لأَنهم) أَي الْأَكْثَر (يمْنَعُونَ اقْتِصَاره) أَي
التَّخْصِيص على المستقل الْمُقَارن، بل يتَحَقَّق بِغَيْرِهِ
(وَلَو سلم) اقْتِصَاره (فالمؤثر فِي ظنيته) أَي ظنية الْعَام
من حَيْثُ الدّلَالَة على الْعُمُوم (كَثْرَة إِرَادَة
الْبَعْض فَقَط، لَا مَعَ اعْتِبَار تَسْمِيَته تَخْصِيصًا فِي
الِاصْطِلَاح) إِذْ لَا دخل فِي التَّسْمِيَة فِي هَذَا
الْمَعْنى (قَالُوا) أَي القطعيون (وضع) الْعَام (لمسمى
فالقطع) حَاصِل (بلزومه) أَي الْمُسَمّى لَهُ (عِنْد
الْإِطْلَاق، فَإِن قيل إِن أُرِيد) بلزومه (لُزُوم تنَاوله)
أَي تنَاول لَفظه من حَيْثُ الدّلَالَة اللَّازِمَة للوضع
(فَمُسلم وَلَا يُفِيد) لِأَن الْكَلَام فِي إِرَادَة
الْعُمُوم من غير تَخْصِيص، والتناول بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور
حَاصِل فِي صُورَة التَّخْصِيص أَيْضا (أَو) أُرِيد لُزُوم
(إِرَادَته) أَي الْمُسَمّى (فَمَمْنُوع، إِذْ تَجْوِيز
إِرَادَة الْبَعْض قَائِم فَيمْنَع) تجويزها (الْقطع) وَإِن
كَانَ احْتِمَالا مرجوحا (قيل المُرَاد) بِالْقطعِ بِلُزُوم
إِرَادَته (مَا) أَي قطع (كقطعية الْخَاص) وَهُوَ الَّذِي
لَيْسَ فِيهِ احْتِمَال نَاشِئ عَن الدَّلِيل (لَا مَا يَنْفِي
احْتِمَاله) أَي الْعَام أصلا (لتحققه) فِي الِاحْتِمَال فِي
الْجُمْلَة (فِي الْخَاص مَعَ قطعيته اتِّفَاقًا، فحقيقة
الْخلاف) فِي قَطْعِيَّة لعام (أَنه) أَي الْعَام (كالخاص) فِي
إِفَادَة الْعلم (أَو أحط) رُتْبَة مِنْهُ فِيهَا (فَلَا
يُفِيد الِاسْتِدْلَال) على قَطْعِيَّة الْعَام (بِأَنَّهُ لَو
جَازَ إِرَادَة بعضه بِلَا قرينَة كَانَ) الْخطاب بِهِ
(تلبيسا) للاشتباه بَين الْعُمُوم وَالْخُصُوص (وتكليفا
بِغَيْر الْمَقْدُور) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الوسع الْوُقُوف
على الْإِرَادَة الْبَاطِنَة (للُزُوم مثله) أَي مثل مَا ذكر
من التلبيس والتكليف (فِي الْخَاص) لتحَقّق مُطلق الِاحْتِمَال
وَجَوَاز إِرَادَة غير مُسَمَّاهُ مجَازًا (مَعَ أَن
الْمُلَازمَة) بَين جَوَاز إِرَادَة الْبَعْض وَحُصُول التلبيس
والتكليف الْمَذْكُور (مَمْنُوعَة) بِاعْتِبَار كل من
الْأَمريْنِ (أما الأول) أَي منعهَا بِاعْتِبَار التلبيس فِي
إِطْلَاق الْعَام (فَلِأَن الْمُدعى) وَالْمرَاد بِنَفْي
الْقَرِينَة فِي قَول من يثبت احْتِمَال الْخُصُوص عِنْد
إِطْلَاق الْعَام بِلَا قرينَة (خفاؤها) أَي الْقَرِينَة (لَا
نَفيهَا) كَأَنَّهُ يَقُول يجوز أَن الْمُتَكَلّم أَرَادَ بِهِ
الْبَعْض وَنصب قرينَة خفيت علينا، وَلَا تلبيس بعد نصبها
(وَأما الثَّانِي) وَهُوَ منعهَا بِاعْتِبَار التَّكْلِيف
بِغَيْر
(1/268)
الْمَقْدُور (فَإِنَّمَا يلْزم) ذَلِك (لَو
كلف) بِالْعَمَلِ (بالمراد) الْعَام (لكنه) لم يُكَلف بِهِ بل
(بِمَا ظهر من اللَّفْظ) عِنْد الْمُجْتَهد مرَادا كَانَ فِي
نفس الْأَمر أَو لَا (وَالِاسْتِدْلَال) على ظنية الْعَام
(بِكَثْرَة الِاحْتِمَال فِي الْعَام، إِذْ فِيهِ) أَي فِي
الْعَام (مَا فِي الْخَاص) من احْتِمَال الْمجَاز (مَعَ
احْتِمَال إِرَادَة الْبَعْض مَدْفُوع) كَمَا ذكر صدر
الشَّرِيعَة (بِأَن كَون حَقِيقَة لَهَا مَعْنيانِ مجازيان)
(و) الْحَال أَن (لأخرى) أَي لحقيقة أُخْرَى معنى (وَاحِد لَا
يحطه) أَي صَاحب الْمَعْنيين كَونه كَذَلِك (عَنهُ) أَي عَن
رُتْبَة صَاحب معنى وَاحِد (لِأَن الثَّابِت فِي كل مِنْهُمَا)
أَي مِمَّا لَهُ مجازان وَمَا لَهُ مجَاز وَاحِد (حَال
إِطْلَاقه احْتِمَال مجَاز وَاحِد فتساويا) أَي ذُو المجازين
وَذُو الْمجَاز الْوَاحِد فِي الدّلَالَة على الْمَعْنى
الْحَقِيقِيّ حَيْثُ لَا قرينَة للمجاز، وَفِيه مَا فِيهِ
(قُلْنَا) نَحن معشر الظنيين (حِين آل) الِاخْتِلَاف بَيْننَا
وَبَيْنكُم (إِلَى أَنه) أَي الْعَام (كالخاص) فِيمَا ذكر (أَو
دونه فَإِنَّمَا ترجح) الْخَاص على الْعَام (بِقُوَّة
احْتِمَال الْعَام إِرَادَة الْبَعْض لتِلْك الْكَثْرَة) أَي
كَثْرَة إِرَادَة الْبَعْض عِنْد إِطْلَاقه (وندرة مَا فِي
الْخَاص) من إِرَادَة الْمجَاز (كندرة) إِرَادَة (كتاب زيد
بزيد) فِي جَاءَ زيد (فَصَارَ التَّحْقِيق أَن إِطْلَاق
القطعية على) دلَالَة (الْخَاص لعدم اعْتِبَار ذَلِك
الِاحْتِمَال لندرته فِيهِ (بِخِلَاف الْعَام) لما عرفت
(قَوْلهم) أَي القطعيين (لَا عِبْرَة بِهِ) أَي بِاحْتِمَال
التَّخْصِيص فِي الْعَام (أَيْضا إِذْ لم ينشأ) ذَلِك
الِاحْتِمَال (عَن دَلِيل قُلْنَا، بل نَشأ عَنهُ) أَي عَن
دَلِيل (وَهُوَ) أَي الدَّلِيل (غَلَبَة وُقُوعه) أَي
التَّخْصِيص فِي الْعَام الْمُطلق (فتوجب) غَلَبَة الْوُقُوع
فِي الْمُطلق (الظنية فِي) الْعَام (الْمعِين) لِأَن كَون
هَذَا الْمعِين على وفْق أَكثر أَفْرَاد الْمُطلق، إِذْ لم يكن
احْتِمَالا راجحا لعدم ظُهُور الْقَرِينَة، فَلَا أقل من أَن
يكون احْتِمَالا مرجوحا لاحْتِمَال وجود الْقَرِينَة الْخفية
على مَا سبق وَلَيْسَ فِيهِ مَا يلْحقهُ بِالْعدمِ كالندرة،
(وَإِن أُرِيد) بِالدَّلِيلِ فِي: لم ينشأ عَن دَلِيل (دَلِيل
إِرَادَة الْبَعْض فِي) الْعَام (الْمعِين خرج) هَذَا المُرَاد
(عَن مَحل النزاع، وَهُوَ) أَي مَحَله (ظنية إِرَادَة الْكل)
أَو قطعيتها (إِلَى الْقطع بِإِرَادَة الْبَعْض) مُتَعَلق
بخرج، وَمَا بَينهمَا اعْتِرَاض، لِأَنَّهُ إِذا تحقق دَلِيل
إِرَادَة الْبَعْض صَارَت قَطْعِيَّة (وَالْجَوَاب) أَي جَوَاب
القطعيين عَن ظنيته (منع تَجْوِيز إِرَادَة الْبَعْض بِلَا
مُخَصص مُقَارن) مُسْتَقل (لاستلزامه) أَي هَذَا التجويز (مَا
سَيذكرُ فِي اشْتِرَاط مُقَارنَة الْمُخَصّص) من الْإِيقَاع
فِي الْكَذِب، أَو طلب الْجَهْل الْمركب (وَمثله) أَي مثل
هَذَا الْجَواب يُقَال (فِي الْخَاص) عَن ظنية نظرا إِلَى
احْتِمَال الْمجَاز (وَقَوْلهمْ) أَي القطعيين (حِينَئِذٍ) أَي
حِين منع تَجْوِيز إِرَادَة الْبَعْض بِلَا قرينَة لما ذكر
(يحْتَمل) الْعَام (الْمجَاز) مؤول (أَي) يحْتَملهُ (من
حَيْثُ) هُوَ عَام مَعَ قطع النّظر عَن عدم الْقَرِينَة (أما)
الْعَام (الْوَاقِع
(1/269)
فِي الِاسْتِعْمَال) من حَيْثُ هُوَ وَاقع
فِي الِاسْتِعْمَال (فَلَا يحْتَمل غَيره) أَي غير مُسَمَّاهُ
(إِلَّا بِقَرِينَة تظهر) عِنْد السَّامع (فتوجب) تِلْكَ
الْقَرِينَة (غَيره) أَي غير مُسَمَّاهُ (وَحِينَئِذٍ) أَي
وَحين كَانَ الْحَال فِي احْتِمَال الْعَام الْمجَاز هَذَا
لتفصيل (فكون الِاتِّفَاق على عدم الْقطع نفي الْقَرِينَة)
الصارفة عَن الْحَقِيقِيّ إِلَى الْمجَازِي فِي الْخَاص
(مَمْنُوع، بل إِذا لم تظهر) الْقَرِينَة (قطع بنفيها) لما
سَمِعت فِي الْعَام من أَن الْوَاقِع فِي الِاسْتِعْمَال لَا
يحْتَمل، بل ذَلِك فِي الْخَاص أولى، وَعدم احْتِمَال فِيهِ
مُسْتَلْزم للْقطع بنفيها (وثمرته) أَي ثَمَرَة الْخلاف فِي
أَن الْعَام أحط رُتْبَة من الْخَاص فِي الدّلَالَة أَو مثله
تظهر (فِي الْمُعَارضَة) بَينهمَا (وَوُجُوب نسخ الْمُتَأَخر
مِنْهُمَا الْمُتَقَدّم) فالقائل بِكَوْن الْخَاص أقوى يقدمهُ
عِنْد الْمُعَارضَة وَلم يجوز نسخ الْخَاص بِهِ، وَمن يسوى
بَينهمَا لَا يقدم أَحدهمَا على الآخر عِنْد التَّعَارُض
إِلَّا بمرجح، وَيجوز نسخ كل مِنْهُمَا بِالْآخرِ (وَلذَا) أَي
لتساويهما (نسخ طَهَارَة بَوْل الْمَأْكُول) الْمُسْتَفَاد
مِمَّا عَن أنس أَن رهطا من عكل، أَو قَالَ عرينة قدمُوا
فاجتووا الْمَدِينَة، فَأمر لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بلقاح، وَأمرهمْ أَن يشْربُوا من أبوالها وَأَلْبَانهَا
مُتَّفق عَلَيْهِ، لِأَن النَّجس يحرم التَّدَاوِي بِهِ
(وَهُوَ) النَّص الْمُفِيد طَهَارَته (خَاص باستنزهوا
الْبَوْل) " عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم " استنزهوا من الْبَوْل فَإِن عَامَّة
عَذَاب الْقَبْر مِنْهُ ": رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ على
شَرطهمَا وَلَا أعرف لَهُ عِلّة، وَهُوَ عَام وَهَذَا إِذا
كَانَ مُتَأَخِّرًا عَن حَدِيث العرنيين كَمَا قيل (أَو رجح)
حَدِيث الاستنزاه (بعد الْمُعَارضَة للِاحْتِيَاط) فِي
الْعَمَل بالمحرم إِن لم يعلم تَأَخره (وَأما وجوب اعْتِقَاد
الْعُمُوم فَبعد الْبَحْث) والتفحص (عَن الْمُخَصّص) إِلَى
الْقطع، أَو غَلَبَة الظَّن بِعَدَمِهِ (اتِّفَاق) خبر
الْمُبْتَدَأ: أَي يجب بعد مَا ذكر أَن يعْتَقد عُمُومه
إِجْمَاعًا (لبعد وجوب الْعَمَل بِمَا لم يَعْتَقِدهُ) يَعْنِي
أَن الْعَمَل بِالْعُمُومِ بعد ذَلِك أَمر مُقَرر، وَيبعد أَن
يجب الْعَمَل بِشَيْء لم يَعْتَقِدهُ اعتقادا (مطابقا لَهُ)
أَي لعلمه كَمَا أَن ذَلِك الشَّيْء تعلق بِهِ عمله بِصفة
الْعُمُوم كَذَلِك يجب أَن يتَعَلَّق بِهِ اعْتِقَاده بِصفة
الْعُمُوم، وَفسّر الشَّارِح قَوْله بقوله: أَي لاعْتِقَاده،
وَلَا معنى لَهُ إِذْ لَا يُمكن أَن يعْتَقد الْإِنْسَان
شَيْئا لَا يكون مطابقا لاعْتِقَاده (وَأما) وجوب اعْتِقَاد
الْعُمُوم (قبله) أَي الْبَحْث عَن الْمُخَصّص (فَمَا تقدم)
فِي مسئلة نقل الْإِجْمَاع على منع الْعَمَل بِالْعَام قبل
الْبَحْث عَن الْمُخَصّص (من حمل كَلَام الصَّيْرَفِي) أَي
مِمَّا حمل عَلَيْهِ كَلَامه: وَهُوَ وجوب الْعَمَل بِالْعَام
قبل الْبَحْث من وجوب اعْتِقَاد الْعُمُوم قبل ظُهُور
الْمُخَصّص، فَإِن ظهر تغير، وَإِلَّا اسْتمرّ بعد مَا نقل
كَلَام أَمَام الْحَرَمَيْنِ فِيهِ من أَنه لَيْسَ من مبَاحث
الْعُقَلَاء (يُفِيد) خبر الْمَوْصُول (أَنه كَذَلِك) أَي مثل
وجوب اعْتِقَاد الْعُمُوم بِهَذَا الْبَحْث عَنهُ، وَالشَّارِح
فسر قَوْله كَذَلِك بِكَوْنِهِ مُتَّفقا عَلَيْهِ أَيْضا،
(1/270)
وَلَا يخفى عَلَيْك أَن مَا تقدم لَا يُفِيد إِلَّا أصل
الْوُجُوب، لَا كَونه مُتَّفقا عَلَيْهِ (وَالنَّظَر يقتضى)
أَن يُقَال (إِذا توقف وجوب الْعَمَل على الْبَحْث توقف
اعْتِقَاده) أَي الْعُمُوم على الْبَحْث، لِأَنَّهُ كَمَا لَا
يُطَالب بِالْعَمَلِ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُوم، كَذَلِك لَا
يُطَالب بالاعتقاد لما لَيْسَ بِمَعْلُوم، إِذْ كل مِنْهُمَا
تَكْلِيف بِمَا لَيْسَ فِي الوسع، وَزعم الشَّارِح أَن ظَاهر
كَلَام مَشَايِخنَا يُوَافق مَا حمل عَلَيْهِ كَلَام
الصَّيْرَفِي، وَالْوَجْه مَا ذكر المُصَنّف فَيجب حمل
كَلَامهم عَلَيْهِ (وَقَول مُحَمَّد) رَحمَه الله فِي
الزِّيَادَات (فِيمَن أوصى بِخَاتم لإِنْسَان ثمَّ) أوصى
مَفْصُولًا (بفصه لآخران الفص بَينهمَا) وَالْحَلقَة للْأولِ
خَاصَّة (من بَاب الْخَاص لَا الْعَام) لِأَن الْمُعْتَبر
إِمَّا لخاتمي أَو هَذَا الْخَاتم أَو تَجْوِيز الفص مِنْهُ
كجزء من الْإِنْسَان، فَلَا شكّ أَن الْإِنْسَان لَا يكون
عَاما بِاعْتِبَار أَجْزَائِهِ، فَكَذَا الْخَاتم (غير أَنه)
أَي الْخَاتم (نَظِير) للعام فِي أَنه يَشْمَل الفص كشمول
الْعَام مَا يتَنَاوَلهُ فَأطلق عَلَيْهِ توسعا (وَخَالفهُ)
أَي مُحَمَّدًا (أَبُو يُوسُف) رحمهمَا الله (فَجعله) أَي الفص
(للثَّانِي) كَمَا فِي الْهِدَايَة والإيضاح والمنظومة وغالب
شُرُوح الزِّيَادَات وَظَاهر التَّقْوِيم وأصول فَخر
الْإِسْلَام: أَن قَول مُحَمَّد قَول الْكل فَيحمل على أَن
لأبي يُوسُف فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، كَذَا ذكره الشَّارِح،
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا خلاف فِي أَن الْحلقَة للْأولِ
والفص للثَّانِي إِذا كَانَ مَوْصُولا، وَجه مَا عَن أبي
يُوسُف أَن الْوَصِيّ لَا يلْزمه شَيْء فِي الْحَيَاة،
وَالْكَلَام الثَّانِي بَيَان المُرَاد من الأول، فالموصول
والمفصول فِيهِ سَوَاء كَمَا فِي الْوَصِيَّة بِالرَّقَبَةِ
لإِنْسَان والخدمة أَو الْغلَّة لآخر، وَوجه الظَّاهِر أَن
اسْم الْخَاتم يتناولهما مَعًا لِأَنَّهُ مركب مِنْهُمَا،
فَالْكَلَام الثَّانِي تَخْصِيص: وَهُوَ إِنَّمَا يَصح
مَوْصُولا، وَإِذا كَانَ مَفْصُولًا لَا يُعَارض الأول، وهما
سيان فِي إِيجَاب الحكم فثبتت الْمُسَاوَاة بَينهمَا، وَلَيْسَ
الثَّانِي رُجُوعا عَن الأول، لِأَن اللَّفْظ لَا يُنبئ عَنهُ
فَصَارَ كَمَا لَو أوصى بِمعين لإِنْسَان، ثمَّ أوصى بِهِ لآخر |