تيسير التحرير حُرُوف الْعَطف
(الْوَاو للْجمع فَقَط) أَي بِلَا شَرط تَرْتِيب وَلَا معية
(فَفِي الْمُفْرد) أَي فالعطف بهَا فِي الْمُفْرد اسْما كَانَ
أَو فعلا حَال كَونه (مَعْمُولا) لعامل (فِي حكم الْمَعْطُوف
عَلَيْهِ من الفاعلية والمفعولية والحالية) إِلَى غير ذَلِك من
أَحْكَام المعمولات (وعاملا) فِي حكم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ
(فِي مسنديته كضرب وَأكْرم وَفِي جمل لَهَا مَحل) من
الْإِعْرَاب (كَالْأولِ) أَي كالعطف بهَا فِي الْمُفْرد (وَفِي
مقابلها) أَي فِي الْجمل الَّتِي لَا مَحل لَهَا من
الْإِعْرَاب (لجمع مضمونها) أَي تِلْكَ الْجمل (فِي التحقق)
أَي يُفِيد الْعَطف فِي الْجمل مُشَاركَة تِلْكَ الْجمل فِي
أصل تحقق الْمَضْمُون من غير تعرض للاقتران بِحَسب الزَّمَان
أَو التعقيب بمهلة وَغير مهلة كَمَا فِي الْمُفْرد (و) مسئلة
(هَل يجمع) الْعَطف الْمَذْكُور الْجمل (فِي متعلقاتها) بِأَن
يُشَارك المعطوفة الْمَعْطُوف عَلَيْهَا فِيمَا يتَعَلَّق بهَا
(يَأْتِي) فِي المسئلة الَّتِي بعد هَذِه (وَقيل) الْوَاو
(للتَّرْتِيب، وَنسب لأبي حنيفَة) وَالشَّافِعِيّ أَيْضا
(كَمَا نسب إِلَيْهِمَا) أَي أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَمَالك
أَيْضا (الْمَعِيَّة) أَي كَونهَا للمعية، وَإِنَّمَا نسب
إِلَيْهِ (لقَوْله فِي: إِن دخلت) الدَّار (فطالق وَطَالِق
وَطَالِق لغير المدخولة تبين بِوَاحِدَة) مقول قَوْله
(وَعِنْدَهُمَا) تبين (بِثَلَاث) فلولا أَنه جعلهَا
للتَّرْتِيب لما أَبَانهَا بِالْأولَى: بل الثَّلَاث لوقوعها
مَعًا عِنْد عدم التَّرْتِيب، وَفِيه أَن عدم كَونهَا
للتَّرْتِيب لَا يسْتَلْزم كَونهَا للمعية لجَوَاز أَن تكن
لمُطلق الْجمع، فَلَا يلْزم وُقُوعهَا مَعًا إِذا سبق تحقق
الأولى عِنْد وجود الشَّرْط على طبق سبقها عِنْد التَّعْلِيق
يسْتَلْزم تحقق حكمهَا، وبمجرد التَّحْقِيق تبين أَن لَا عدَّة
لغير المدخولة، وَأما دلَالَة حكمهَا بالبينونة بِالثلَاثِ على
كَونهَا للمعية فلأنهما لَو لم يجعلاها للمعية لما حكما
بِالثلَاثِ لما ذكر وَفِيه أَيْضا نظر لما سَيظْهر وَجهه من
قَوْله (وَلَيْسَ) كلا الْقَوْلَيْنِ بِنَاء على ذَلِك (بل
لِأَن مُوجبه) أَي الْعَطف (عِنْده) أَي أبي حنيفَة (تعلق
الْمُتَأَخر) أَي الْمَعْطُوف بِمَا تعلق بِهِ الْمَعْطُوف
عَلَيْهِ (بِوَاسِطَة الْمُتَقَدّم) أَي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ
(فينزلن) أَي الطلقات الثَّلَاث (كَذَلِك) أَي على طبق
تَرْتِيب التَّعَلُّق مُرَتبا (فَيَسْبق) الطَّلَاق (الأول)
بِمَا ذكر (فَيبْطل محليتها) أَي غير المدخولة فَلَا يكون مَا
بعده محلا يتَعَلَّق بِهِ (وَقَالا بعد مَا اشتركت) المعطوفات
(فِي التَّعْلِيق وَإِن) كَانَ اشتراكها (بِوَاسِطَة) أَي
بِوَاسِطَة الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (تنزل) كلهَا (دفْعَة لِأَن
نزُول كل) مِنْهَا (حكم الشَّرْط) وَحكم الشَّرْط لَازمه فَلَا
يتَأَخَّر عَن ملزومه فِي التحقق شرعا، وَإِن تَأَخّر ذكرا،
واذا كَانَ كل مِنْهُمَا حكماله، وَقد تقرر أَن حكم الشَّيْء
لَا ينْفَصل عَنهُ (فتقترن أَحْكَامه) بِالضَّرُورَةِ (كَمَا
فِي تعدد الشَّرْط) نَحْو إِن دخلت فَأَنت طَالِق، وَإِن دخلت
فَأَنت طَالِق: فَإِن تعلق الطَّلَاق الثَّانِي بِالشّرطِ بعد
تعلق
(2/64)
الأول بِهِ، ثمَّ إِذا وجد الشَّرْط بِأَن
دخلت مرّة يَقع ثِنْتَانِ مَعًا (وَدفع هَذَا) الْقيَاس
(بِالْفرقِ) بَين الملحق والملحق بِهِ (بِانْتِفَاء
الْوَاسِطَة) فِيمَا بَين الطَّلَاق وَالدُّخُول فِي تعدد
الشَّرْط. إِذْ لَيْسَ تعلق الطَّلَاق بِالشّرطِ فِي الثَّانِي
بِوَاسِطَة تعلقه بِهِ فِي الشَّرْط الأول وَإِن كَانَ بعده
فِي الذّكر بِخِلَاف الطَّلَاق الثَّانِي فِي: إِن دخلت
الدَّار فَأَنت طَالِق وَطَالِق فَإِنَّهُ لم يتَعَلَّق
بِالشّرطِ إِلَّا بِوَاسِطَة الأول، وَعطفه عَلَيْهِ (لَا يضر)
فِي الْمَطْلُوب خبر الْمُبْتَدَأ (إِذْ يَكْفِي) لَهما فِي
إِثْبَات النُّزُول دفْعَة (مَا سواهُ) أَي هَذَا الْقيَاس من
نزُول كل مِنْهُمَا حكما للشّرط وَلُزُوم اقتران أَحْكَامه
(وَفِيه) أَي فِي الْجَواب لَهما عَن دَلِيله (ترديد آخر) فِي
الْوَاسِطَة (ذَكرْنَاهُ فِي الْفِقْه) . قَالَ فِي شرح
الْهِدَايَة وقولهما أرجح قَوْله تعلق بِوَاسِطَة تعلق الأول،
إِن أُرِيد أَنه عِلّة تعلقه فَمَمْنُوع: بل علته جمع الْوَاو
ياه إِلَى الشَّرْط، وَإِن أُرِيد كَونه سَابق التَّعَلُّق
سلمناه، وَلَا يُفِيد كالأيمان المتعاقبة، وَلَو سلم أَن تعلق
الأول عِلّة لتَعلق الثَّانِي لم يلْزم كَون نُزُوله عِلّة
لنزوله: إِذْ لَا تلازم فَجَاز كَونه عِلّة لتَعَلُّقه فَيقدم
فِي التَّعَلُّق وَلَيْسَ نُزُوله عِلّة لنزوله (لنا) فِي أَن
الْوَاو للْجمع فَقَط (النَّقْل عَن أَئِمَّة اللُّغَة، وتكرر
من سِيبَوَيْهٍ كثيرا) ذكره فِي سَبْعَة عشر موضعا من كِتَابه
(وَنقل إِجْمَاع أهل البلدين عَلَيْهِ) الْبَصْرَة والكوفة،
كَذَا نَقله الصَّيْرَفِي والسهيلي والفارسي إِلَّا أَنهم
نوقشوا فِيهِ بِأَن جمَاعَة مِنْهُم ثَعْلَب وَغُلَامه وقطرب
وَهِشَام على أَنَّهَا للتَّرْتِيب: كَذَا ذكره الشَّارِح
(وَأما الِاسْتِدْلَال) للمختار (بِلُزُوم التَّنَاقُض) على
تَقْدِير التَّرْتِيب (فِي تقدم السُّجُود على قَول حطة) كَمَا
فِي سُورَة الْبَقَرَة (وَقَلبه) أَي تقدم حطة على السُّجُود
كَمَا فِي سُورَة الْأَعْرَاف (مَعَ الِاتِّحَاد) أَي اتِّحَاد
الْقِصَّة لِأَن وجوب دُخُول الْبَاب سجدا مقدما على القَوْل
ومؤخرا عَنهُ فِي حَادِثَة وَاحِدَة يسْتَلْزم التَّنَاقُض
(وَامْتِنَاع تقَاتل زيد وَعَمْرو) أَي وَيلْزم امْتِنَاعه
إِذْ لَا يتَصَوَّر فِي فعل يَقْتَضِي مَفْهُومه معية مَا بعده
من الْمَعْطُوف عَلَيْهِ والمعطوف التَّرْتِيب (و) يلْزم
امْتنَاع (جَاءَ زيد وَعَمْرو قبله) للتناقض فَإِن الْوَاو
تَقْتَضِي التَّرْتِيب المستلزم لبعدية عَمْرو، وَلَفْظَة قبله
عَكسه (و) بِلُزُوم (التّكْرَار) فِي (بعده) فِي جَاءَنِي زيد
وَعَمْرو بعده (فمدفوع بِجَوَاز التَّجَوُّز بهَا) أَي
بِالْوَاو باستعمالها (فِي الْجمع) الْمُطلق (فَصحت) للْجمع
(فِي الخصوصيات) أَي فِي هَذِه الصُّور الْمَخْصُوصَة (و)
الِاسْتِدْلَال للمختار (بِلُزُوم صِحَة دُخُولهَا فِي
الْجَزَاء) بِأَنَّهَا لَو كَانَت للتَّرْتِيب لزم صِحَة
دُخُولهَا على جَزَاء الشَّرْط الرابطة بِهِ على سَبِيل
التَّرْتِيب عَلَيْهِ (كالفاء) وَلَا شكّ فِي عدم صِحَة أَن
جَاءَ زيد وأكرمه وَصِحَّة فَأكْرمه فَهُوَ مَدْفُوع (بِمَنْع
الْمُلَازمَة كثم) أَي لَا نسلم أَنَّهَا لَو كَانَت
للتَّرْتِيب لصَحَّ دُخُولهَا على الْجَزَاء فَإِنَّهُ منقوض
بثم فَإِنَّهَا للتَّرْتِيب اتِّفَاقًا، وَلَا يجوز دُخُولهَا
على الْجَزَاء اتِّفَاقًا،
(2/65)
وَقد يُقَال ثمَّ لَا تصلح سندا للْمَنْع
لِأَنَّهَا تدل على التَّرْتِيب مَعَ المهلة، وَالْجَزَاء
مُرَتّب على الشَّرْط بِلَا مهلة (و) الِاسْتِدْلَال للمختار
(بِحسن الاستفسار) أَي بِأَنَّهَا لَو كَانَت للتَّرْتِيب لما
حسن من السَّامع أَن يستفسر الْمُتَكَلّم (عَن الْمُتَقَدّم)
والمتأخر فِي نَحْو: جَاءَ زيد وَعَمْرو لِكَوْنِهِمَا مفهومين
من الْوَاو فَهُوَ مَدْفُوع (بِأَنَّهُ) أَي حسن الاستفسار
(لدفع وهم التَّجَوُّز بهَا) لمُطلق الْجمع، (و)
الِاسْتِدْلَال للمختار (بِأَنَّهُ) أَي مُطلق الْجمع معنى
(مَقْصُود) للمتكلم (فاستدعى) لفظا (مُفِيدا) لَهُ كَيْلا يقصر
الْأَلْفَاظ عَن الْمعَانِي (وَلم يسْتَعْمل فِيهِ) أَي فِي
الْمَعْنى الْمَذْكُور (إِلَّا الْوَاو) فَتعين وَضعه لَهُ
فَلَا يكون للتَّرْتِيب، وَإِلَّا يلْزم الِاشْتِرَاك، وَهُوَ
خلاف الأَصْل، فَهُوَ مَدْفُوع (بِأَن الْمجَاز كَاف فِي
ذَلِك) أَي فِي إفادته فَيَكْفِي أَن يكون الْوَاو مجَازًا فِي
الْجمع الْمُطلق، وَلَا يلْزم أَن يكون مَوْضُوعا لَهُ وَلَا
يخفى أَن الأولى أَن يكون لَهُ لفظ مَوْضُوع (والنقض بالترتيب
للبينونة بِوَاحِدَة فِي قَوْله لغير المدخولة طَالِق وَطَالِق
وط طَالِق) أَي نقض دَلِيل كَونهَا لمُطلق الْجمع بِمَا
اسْتدلَّ بِهِ على كَونهَا للتَّرْتِيب بِأَن يُقَال: إِنَّهَا
لَو كَانَت لمُطلق الْجمع لما بَانَتْ بِوَاحِدَة، بل
بِالثلَاثِ فِيمَا إِذا قَالَ لغير المدخولة: أَنْت طَالِق
إِلَى آخِره (كَمَا) تبين بِوَاحِدَة فِيمَا إِذا أَتَى
(بِالْفَاءِ وَثمّ) مَكَان الْوَاو فِي الْمِثَال الْمَذْكُور
(مَدْفُوع بِأَنَّهُ) أَي وُقُوع الْوَاحِدَة لَا غير لَيْسَ
لكَونهَا للتَّرْتِيب بل (لفَوَات الْمَحَلِّيَّة) بِوُقُوع
الأولى (قبل الثَّانِيَة: إِذْ لَا توقف) للأولى على ذكر
الثَّانِيَة لعدم مُوجب التَّوَقُّف، إِذْ أَنْت طَالِق
تَنْجِيز لَيْسَ فِي آخِره مَا يُغَيِّرهُ من شَرط أَو غَيره
فَينزل بهَا الأولى فِي الْمحل قبل التَّلَفُّظ بِالثَّانِيَةِ
وَلَا تبقى الْمَحَلِّيَّة للْبَاقِي لعدم الْعدة (بِخِلَاف
مَا لَو تعلّقت بمتأخر) أَي بِشَرْط مُتَأَخّر كَأَنْت طَالِق
وَطَالِق وَطَالِق إِن دخلت فَإِنَّهُ يَقع الثَّلَاث
حِينَئِذٍ اتِّفَاقًا لتوقف الْكل على آخر الْكَلَام فتعلقت
دفْعَة وَنزلت دفْعَة (وَمَا عَن مُحَمَّد) فِي صُورَة
التَّنْجِيز من قَوْله (إِنَّمَا يَقع) الطَّلَاق (عِنْد
الْفَرَاغ من الْأَخير مَحْمُول على الْعلم بِهِ) أَي بِوُقُوع
الطَّلَاق، لَا على نَفسه، وَإِنَّمَا تَأَخّر الْعلم إِلَى
ذَلِك (لتجويز إِلْحَاق المغير) من شَرط أَو نَحوه بِهِ (والا)
أى وان لم يحمل عَلَيْهِ، وَحمل على عدم وُقُوع الطَّلَاق الى
أَن يفرغ من الْأَخير (لم تفت الْمَحَلِّيَّة) بِالْأولِ
(فَيَقَع الْكل) لوُجُود الْمَحَلِّيَّة حَال التَّكَلُّم
بِالْبَاقِي (وَلِأَنَّهُ) أَي تَأْخِير حكم الأول إِلَى
الْفَرَاغ من الْأَخير (قَول بِلَا دَلِيل و) النَّقْض
لكَونهَا لمُطلق الْجمع بِأَنَّهَا تفِيد التَّرْتِيب
(بِبُطْلَان نِكَاح الثَّانِيَة) أَي بِدَلِيل بطلَان نِكَاح
الْأمة الثَّانِيَة (فِي قَوْله) أَي الْمولى لأمته (هَذِه
حرَّة وَهَذِه) حرَّة (عِنْد بُلُوغه تَزْوِيج فُضُولِيّ أمتيه
من وَاحِد) كَمَا لَو أعتقهما بكلامين منفصلين: إِذْ لَو لم
تفد التَّرْتِيب لما بَطل نِكَاح وَاحِدَة مِنْهُمَا كَمَا لَو
أعتقهما مَعًا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يبطل شَيْء من
الْعقْدَيْنِ الموقوفين أَيْضا مَدْفُوع بِأَنَّهُ لَيْسَ
بطلَان الثَّانِيَة بِكَوْنِهَا للتَّرْتِيب بل
(2/66)
(بتعذر توقفه) أَي نِكَاح الثَّانِيَة
(إِذْ لَا يقبل) نِكَاح الثَّانِيَة (الْإِجَازَة لِامْتِنَاع)
نِكَاح الْأمة على الْحرَّة) وَهَذَا بِنَاء على أَن إِعْتَاق
الْمولى عِنْد بُلُوغ تَزْوِيج الْفُضُولِيّ إجَازَة بهَا يَصح
نِكَاح الْأمة إِذْ لَو لم يتم بهَا نِكَاح الأولى وتنتقل
الْإِجَازَة من الْمولى إِلَيْهَا وَإِلَى وَليهَا لما بَطل
نِكَاح الثَّانِيَة لجَوَاز أَن لَا تتَحَقَّق الْإِجَازَة فِي
الأولى فَلَا يلْزم نِكَاح الْأمة على الْحرَّة إِن قُلْنَا
بِقبُول نِكَاح الثَّانِيَة الْإِجَازَة، وَمَا ذكره الشَّارِح
فِي تَعْلِيل عدم قبُوله الْإِجَازَة من أَن النِّكَاح
الْمَوْقُوف مُعْتَبر بابتداء النِّكَاح وَلَيْسَت الْأمة
متضمنة إِلَى الْحرَّة بِمحل الابتدائية: فَكَذَا لتوقفه فَغير
موجه إِذْ لَو سلم عدم جَوَاز تَزْوِيج الْأمة مَعَ الْحرَّة
كَانَ ذَلِك إِلْحَاقًا لصورة الْمعينَة بِصُورَة تَزْوِيج
الْأمة بعد الْحرَّة فَصَارَ كَأَنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ حرَّة
فَتزَوج بِأمة وَأما إِذْ ضم فُضُولِيّ أمة مَعَ حرَّة لوَاحِد
قبل أَن يتم نِكَاح الْحرَّة لَا وَجه لبُطْلَان نِكَاح الْأمة
لجَوَاز أَن لَا يتم نِكَاح الْحرَّة أَو يتم نِكَاح الْأمة
قبل تَمام نِكَاح الْحرَّة (و) النَّقْض لكَونهَا لمُطلق
الْجمع (بالمعية) أَي بِكَوْنِهَا لَو كَانَت لَهُ لما أفادت
الْمَعِيَّة، وَقد أفادت (لبُطْلَان إنكاحه) أى الفضولى
(أُخْتَيْنِ فِي عقدين من وَاحِد فَقَالَ) الزَّوْج (أجزت
فُلَانَة وفلانة) أَي نِكَاح فُلَانَة وَنِكَاح فُلَانَة كَمَا
لَو قَالَ أجزت نِكَاحهمَا، وَقيد بعقدين لِأَن تزويجهما فِي
عقد وَاحِد لَا ينفذ بِحَال (ولعتق ثلث كل من الْأَعْبد
الثَّلَاثَة إِذا قَالَ: من مَاتَ أَبوهُ عَنْهُم) أَي
الْأَعْبد الثَّلَاثَة (فَقَط) أَي لم يتْرك غَيرهم شَيْئا وهم
متساوون فِي الْقيمَة وَلَا وَارِث غَيره، ومقول قَوْله (أعتق)
أبي (فِي مَرضه هَذَا وَهَذَا وَهَذَا مُتَّصِلا) بعضه بِبَعْض
بِالْوَاو فَلَو لم يكن للمعية والمقارنة لعتق كل الأول وَنصف
الثَّانِي وَثلث الثَّالِث كَمَا لَو أقرّ بِهِ مُتَفَرقًا
بِأَن قَالَ: أعتق هَذَا وَسكت، ثمَّ قَالَ لآخر: أعتق هَذَا
وَسكت، ثمَّ قَالَ: أعتق هَذَا لِأَنَّهُ لما أقرّ بِإِعْتَاق
الأول وَهُوَ ثلث المَال عتق من غير سِعَايَة لعدم المزاحم،
ثمَّ لما أقرّ بِإِعْتَاق الثَّانِي فقد زعم أَنه بَين الأول
وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ فَيصدق فِي حق الثَّانِي لَا فِي حق
الأول، لِأَن الْمعِين تعين بِشَرْط الْوَصْل وَلم يُوجد، ثمَّ
لما أقرّ للثَّالِث فقد زعم أَنه بَينهم أَثلَاثًا فَيصدق فِي
حق الثَّالِث لَا الْأَوَّلين لما ذكرنَا أَيْضا مَدْفُوع
(بِأَنَّهُ) أَي كلا من بطلَان نِكَاح الثَّانِيَة وَعتق ثلث
كل من إِلَّا عبد (للتوقف) لصدر الْكَلَام على آخِره (لمغيره)
أَي الصَّدْر (من صِحَة إِلَى فَسَاد) يَعْنِي إِذا كَانَ فِي
آخر الْكَلَام مَا يُغير حكم الأول بِسَبَب اجتماعه مَعَه بعطف
أَو بِغَيْرِهِ يتَأَخَّر حكم الصَّدْر إِلَى أَن يتم، ثمَّ
أَشَارَ إِلَى تعْيين منشأ التَّغْيِير بقوله (بِالضَّمِّ) أَي
بِضَم إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى فِي الْإِجَازَة
(فِي الأول) أَي فِي نِكَاح الْأُخْتَيْنِ (وَمن كَمَال
الْعتْق إِلَى تجز) لِلْعِتْقِ (عِنْده) أَي أبي حنيفَة: إِذا
الْعتْق يتَجَزَّأ عِنْده خلافًا لَهما (وَمن بَرَاءَة) لذمته
(إِلَى شغل) لَهَا (عِنْد الْكل) أبي حنيفَة وصاحبيه
فَإِنَّهُم
(2/67)
متفقون على أَنه يجب عَلَيْهِ أَن يسْعَى
فِي ثُلثي قِيمَته غير أَنه رَقِيق فِي الْأَحْكَام عِنْده
كَالْمكَاتبِ إِلَّا أَنه لَا يرد إِلَى الرّقّ بِالْعَجزِ،
وَعِنْدَهُمَا كَالْحرِّ الْمَدْيُون (بِخِلَاف النقضين
الْأَوَّلين) أَي النَّقْض بالبينونة بِوَاحِدَة فِي تَنْجِيز
الطَّلَاق بطالق وَطَالِق وَطَالِق، والنقض بِبُطْلَان نِكَاح
الْأمة الثَّانِيَة فِي هَذِه حرَّة وَهَذِه (لِأَن الضَّم)
لما بعد الْوَاو إِلَى مَا قبله فيهمَا (لَا يُغير مَا قبله)
يَعْنِي الطَّلَاق وَالْعتاق (من الْوُقُوع) التنجيزي إِلَى
عَدمه فَلَا يتَوَقَّف شَيْء مِنْهُمَا على مَا بعده
(وَلقَائِل أَن يَقُول: الضَّم الْمُفْسد لَهما) أَي لنكاح
الْأُخْتَيْنِ هُوَ الضَّم (الدفعي كتزوجتهما وأجزتهما) أَي
نِكَاحي الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّهُ جمع بَينهمَا (لَا) الضَّم
(الْمُرَتّب لفظا لِأَنَّهُ) أَي إفسادهما فِيهِ (فرع
التَّوَقُّف) أَي توقف الأول على الآخر فِي إفادته الحكم
(وَلَا مُوجب لَهُ) أَي لتوقفه عَلَيْهِ (فَيصح لأولى) أَي
نِكَاحهَا (دون الثَّانِيَة كَمَا لَو كَانَ) الضَّم (بمفصول)
أَي بِكَلَام مُتَأَخّر عَن الأول بِزَمَان اسْتدلَّ
(المرتبون) بقوله تَعَالَى - {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
ارْكَعُوا واسجدوا} فَإِنَّهُ فهم مِنْهُ تَأَخّر السُّجُود
فلولا أَن الْوَاو للتَّرْتِيب لم يتَعَيَّن فَكَانَت حَقِيقَة
فِيهِ لِأَن الأَصْل عدم الْمجَاز (وسؤالهم) أَي الصَّحَابَة
رَضِي الله عَنْهُم (لما نزل: {إِن الصَّفَا والمروة} ، بِمَ
نبدأ) ؟ عطف بَيَان لسؤالهم، وَلَوْلَا أَنَّهَا للتَّرْتِيب
لما سَأَلُوهُ، وَلما قَالَ " ابدءوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ
". وَلما وَجب الِابْتِدَاء بِهِ، إِذْ لَا مُوجب لَهُ غَيره
(وإنكارهم) أَي الصَّحَابَة (على ابْن عَبَّاس تَقْدِيم
الْعمرَة) على الْحَج (مَعَ وَأَتمُّوا الْحَج) وَالْعمْرَة
لله} ، فلولا أَنهم فَهموا التَّرْتِيب لم ينكروا عَلَيْهِ،
وهم أهل اللِّسَان (وَبِقَوْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بئس
الْخَطِيب أَنْت لقَائِل: وَمن يعصهما) أَي الله وَرَسُوله فقد
غوى (هلا قلت وَمن يعْص الله وَرَسُوله) فَلَو لم يكن
للتَّرْتِيب لما فرق بَين العبارتين بالإنكار: إِذْ لَا فرق
بَينهمَا إِلَّا بِالْوَاو الدَّالَّة على التَّرْتِيب كَمَا
أَفَادَ بقوله (وَلَا فرق إِلَّا بالترتيب وَبِأَن الظَّاهِر
أَن التَّرْتِيب اللَّفْظِيّ للتَّرْتِيب الوجودي وَالْجَوَاب
عَن الأول) أَي ارْكَعُوا واسجدوا (بِأَنَّهُ) أَي التَّرْتِيب
بَينهمَا (من) قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صلوا (كَمَا
رَأَيْتُمُونِي) أُصَلِّي، رَوَاهُ البُخَارِيّ، فَإِن ظَاهره
وجوب جَمِيع خصوصيات صلَاته، غير أَنه خص مِنْهُ مَا دلّ على
عدم وُجُوبه دَلِيل (وَعَن الثَّانِي) أَي عَن سُؤَالهمْ: بِمَ
يبدءون؟ (بِالْقَلْبِ) أَي دليلكم يقلب عَلَيْكُم فيستدل بِهِ
على نقيض مدعاكم: وَهُوَ أَن يُقَال (لَو) كَانَ (للتَّرْتِيب
لما سَأَلُوا) ذَلِك لفهمهم إِيَّاه مِنْهُ إِذْ هم أهل
اللِّسَان (فَالظَّاهِر أَنَّهَا للْجمع، وَالسُّؤَال لتجويز
إِرَادَة الْبدَاءَة بِمعين) مِنْهُمَا وَعدم التَّخْيِير بَين
أَن يبْدَأ من الصفاة والمروة (وَالتَّحْقِيق سُقُوطه) أَي
الِاسْتِدْلَال بهَا لشَيْء من الْجَانِبَيْنِ (لِأَن الْعَطف
فِيهَا) أَي فِي الْآيَة (إِنَّمَا يضم) أَي الْمَعْطُوف إِلَى
الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (فِي الشعائر) فِي كَونهمَا شَعَائِر
الله (وَلَا تَرْتِيب فِيهَا) أَي فِي الشعائر، وَلَو فرض كَون
الْوَاو للتَّرْتِيب فَإِنَّهُ يجب فِي خُصُوص الْمقَام
الْعُدُول عَن
(2/68)
التَّرْتِيب وَإِرَادَة مُطلق الْجمع
(فسؤالهم) إِنَّمَا هُوَ (عَمَّا) أَي عَن تَرْتِيب (لم يفد
بِلَفْظِهِ) أَي لم يصلح لِأَن يفاد بِلَفْظ الْوَاو
وَالْمَذْكُور فِي الْآيَة لما عرفت (بل) عَمَّا أفيد
(بِغَيْرِهِ) أَي بِغَيْر لفظ الْوَاو. وَقَالَ الشَّارِح:
وَهُوَ التطوف بَينهمَا وَلَا يظْهر وَجهه، إِذْ التطوف يصلح
لِأَن يكون منشأ للسؤال لَا مُفِيدا للتَّرْتِيب، فَالْمُرَاد
بِغَيْرِهِ مَا دلّ على التَّرْتِيب من السّنة (وَأجَاب هُوَ)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله (ابدءوا بِمَا بَدَأَ الله)
بِهِ "، وَلم يقل بِمَا أَمر الله أَن يبْدَأ بِهِ بِمُوجب
الْعَطف (وَعَن الثَّالِث) أَي عَن إنكارهم على ابْن عَبَّاس
تَقْدِيم الْعمرَة (أَنه) أَي إنكارهم (لتعيينه) تَقْدِيمهَا
عَلَيْهِ (وَالْوَاو للأعم مِنْهُ) أَي من الَّذِي عين وَهُوَ
مُطلق الْجمع (وَعَن الرَّابِع) أَي إِنْكَاره صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم على الْخَطِيب (بِأَنَّهُ ترك الْأَدَب لقلَّة
مَعْرفَته) بِاللَّه تَعَالَى، أَو بِمَا يتَعَلَّق بالخطابة،
لِأَن فِي الْإِفْرَاد بِالذكر تَعْظِيمًا جَلِيلًا (بِخِلَاف
مثله) أَي مثل هَذَا التَّعْبِير: أَي الْجمع بَينهمَا فِي
التَّعْبِير عَنْهُمَا بضمير الْمثنى (مِنْهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ " لَا يُؤمن أحدكُم
حَتَّى يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا "
فَإِنَّهُ أعلم الْخلق بِاللَّه، وَبِمَا يتَعَلَّق بالخطابة
فَلَا يكون ذَلِك مِنْهُ إخلالا بالتعظيم أَو البلاغة، بل
رِعَايَة لنكتة بليغة، وَلَا ترَتّب بَين المعصيتين حَتَّى
يُؤَاخذ بترك إفادته، لِأَن عصيان كل مِنْهُمَا عصيان للْآخر
(وَعَن الْخَامِس) وَهُوَ أَن التَّرْتِيب اللَّفْظِيّ
للتَّرْتِيب الوجودي (بِالْمَنْعِ) إِذْ لَا نسلم أَن
التَّرْتِيب اللَّفْظِيّ كَذَلِك (والنقض برأيت زيدا رَأَيْت
عمرا) فَإِنَّهُ لَا خلاف فِي صِحَّته مَعَ تقدم رُؤْيَة
عَمْرو وَقد قَالَ تَعَالَى - {يوحي إِلَيْك وَإِلَى الَّذين
من قبلك} - (وَلَو سلم) أَن التَّرْتِيب اللَّفْظِيّ
للتَّرْتِيب الوجودي (فَغير مَحل النزاع) لِأَن النزاع
إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَذْكُور بعد الْوَاو بِالنِّسْبَةِ
إِلَى مَا قبلهَا بِاعْتِبَار دلَالَة الْوَاو لَا بِاعْتِبَار
التَّرْتِيب اللَّفْظِيّ
مسئلة
الْوَاو (إِذا عطفت جملَة تَامَّة) أَن غير مفتقرة إِلَى مَا
يتم بِهِ وسيظهر لَك فَائِدَة الْقَيْد فِي النَّاقِصَة (على)
جملَة (أُخْرَى لَا مَحل لَهَا) من الْإِعْرَاب (شركت)
بَينهمَا (فِي مُجَرّد الثُّبُوت) والتحقق لاستقلاها بالحكم.
وَمن ثمَّة سَمَّاهَا بَعضهم وَاو الِاسْتِئْنَاف والابتداء
نَحْو - {وَاتَّقوا الله ويعلمكم الله} - (وَاحْتِمَال كَونه)
أَي التَّشْرِيك فِي الثُّبُوت مستفادا (من جوهرهما) أَي
الجملتين من غير حَاجَة إِلَى الْوَاو (يُبطلهُ ظُهُور
احْتِمَال الاضراب مَعَ عدمهَا) أَي الْوَاو: يَعْنِي لَو
كَانَ التَّشْرِيك مستفادا من جَوْهَر الجملتين من غير حَاجَة
إِلَى الْوَاو يُبطلهُ ظُهُور احْتِمَال الِاضْطِرَاب مَعَ
عدمهَا: أَي الْوَاو، يَعْنِي لَو كَانَ للتشريك لَكَانَ فِي
قَامَ زيد قَامَ عَمْرو احْتِمَال الِاضْطِرَاب عَن تحقق
مَضْمُون قيام زيد إِلَى تحقق قيام عَمْرو ظَاهرا، لِأَنَّهُ
يلْزم على تَقْدِير إِفَادَة
(2/69)
جوهرهما التَّشْرِيك مَعَ ظُهُوره المستلزم
لعدم التَّشْرِيك التَّنَاقُض (و) يُبطلهُ أَيْضا (انتفاؤه)
أَي انْتِفَاء احْتِمَال الإضراب (مَعهَا) أَي الْوَاو، فَإِن
قَامَ زيد وَقَامَ عَمْرو لَا يحْتَمل الإضراب عَن الْإِخْبَار
الأول إِلَى الْإِخْبَار الثَّانِي إِذْ بِهِ يظْهر أَن
احْتِمَال الإضراب لَيْسَ من الْجَوْهَر، لِأَن مَا بِالذَّاتِ
لَا يَزُول بِالْغَيْر، وَإِذا لم يكن احْتِمَال الإضراب من
الْجَوْهَر لم يكن التَّشْرِيك أَيْضا مِنْهُ لتساويهما فِي
الظُّهُور فَتدبر، وَلَك أَن تجْعَل الْمَجْمُوع دَلِيلا
وَاحِدًا وَحَاصِله دوران التَّشْرِيك والإضراب على الْوَاو
وجودا وعدما (فَلِذَا) أَي فلكون الْعَطف الْمَذْكُور يُشْرك
فِي مُجَرّد الثُّبُوت (وَقعت وَاحِدَة فِي هَذِه طَالِق
ثَلَاثًا وَهَذِه طَالِق) على الْمشَار إِلَيْهَا ثَانِيًا (و)
إِذا عطفت جملَة تَامَّة على (مَا لَهَا) مَحل من الْأَعْرَاب
(شركت المعطوفة) مَعَ الْمَعْطُوف عَلَيْهَا (فِي موقعها إِن)
كَانَ الْمَعْطُوف عَلَيْهَا (خَبرا) فِي مَوضِع (أَو جَزَاء)
للشّرط فِي مَوضِع آخر (فخبر) أَي فالمعطوف خبر فِي الأول
(وَجَزَاء) فِي الثَّانِي نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَن
هَذَا يُفِيد أَن جملَة الْجَزَاء قد يكون لَهَا مَحل، وَبِه
قَالَ طَائِفَة من الْمُحَقِّقين، وَهُوَ مَا إِذا كَانَت بعد
الْفَاء وَإِذا جَوَابا لشرط جازم، ثمَّ لما بَين حكم
الْجُمْلَة المعطوفة على الْجُمْلَة الَّتِي لَهَا مَحل من
الْأَعْرَاب خَبرا كَانَت أَو جَزَاء أَرَادَ أَن يبين حكم
جملَة عطفت على مَا لَا مَحل لَهَا من الْأَعْرَاب، لَكِن
لَهَا موقع من حَيْثُ وُقُوعهَا مرتبطة بجملة أولى
لِكَوْنِهِمَا شرطا وَجَزَاء فَقَالَ (وَكَذَا مَا) أَي
الْجُمْلَة الَّتِي (لَهَا موقع من غير الابتدائية) بَيَان
للموصول: أَي الْجُمْلَة الابتدائية لَا يكون لَهَا موقع
كَذَلِك (مِمَّا لَيْسَ لَهَا مَحل) من الْأَعْرَاب بَيَان آخر
لَهُ لِئَلَّا يتَوَهَّم التّكْرَار، فَعلم أَن مَا ذكر فِي
صدر الْبَحْث أُرِيد بِهِ مَا لَيْسَ لَهَا موقع كَذَا، كَمَا
هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهُ، وللشارح فِي حل هَذَا الْمحل كَلَام
لَا يصلح إِلَّا لِأَن يطوى (كَأَن دخلت) الدَّار (فَأَنت
طَالِق وعبدي حر) فَإِن لقَوْله أَنْت طَالِق موقعا
بِاعْتِبَار ارتباطه بِالْجُمْلَةِ الشّرطِيَّة، وَالْوَاو شرك
قَوْله عَبدِي حر مَعهَا فِي موقعها الَّذِي هُوَ الجزائية
(فَيتَعَلَّق) عَبدِي حر أَيْضا بِدُخُول الدَّار (إِلَّا
بصارف) اسْتثِْنَاء من قَوْله وَكَذَا: أَي شركت فِي جَمِيع
الْأَحْوَال إِلَّا حَال كَونهَا متلبسة بِمَا دلّ على عدم
التَّشْرِيك فِي الْموقع، أَو من قَوْله فَيتَعَلَّق نَحْو أَن
دخلت فَأَنت طَالِق (وضرتك طَالِق) لِأَن طَلَاق الضرة لَا
يصلح لِأَن يكون باعثا لعدم الدُّخُول بل بِشَارَة لَهَا،
والبشارة إِنَّمَا تتَحَقَّق بالتنجيز (فعلى الشّرطِيَّة) أَي
فَهِيَ معطوفة على الْجُمْلَة الشّرطِيَّة برمتها، لَا على
الْجُزْئِيَّة فَإِن قلت إِذن يلْزم عطف الْإِنْشَاء على
الاخبار قلت المعطوفة أَخْبَار صُورَة على أَن الْمَعْطُوف
عَلَيْهَا إنْشَاء للتعليق (فيتنجز) طَلَاق الضرة لِأَنَّهُ
غير مُعَلّق (وَمِنْه) أَي مِمَّا صرفه الصَّارِف عَن كَونه
مَعْطُوفًا على الجزائية مَعَ قربهَا إِلَى الشّرطِيَّة
(وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ بعد وَلَا تقبلُوا بِنَاء على)
الْمَذْهَب (الْأَوْجه من عدم)
(2/70)
جَوَاز (عطف الْأَخْبَار على الْإِنْشَاء)
فَإِنَّهُ لَازم على تَقْدِير عطف - {أُولَئِكَ هم
الْفَاسِقُونَ} - على لَا تقبلُوا أَو فاجلدوا (و) بِنَاء على
(مُفَارقَة) الجملتين (الْأَوليين) المذكورتين إِضَافَة إِلَى
الْمَفْعُول: يَعْنِي أَن المعطوفة فارقتهما وبعدت عَنْهُمَا
(بِعَدَمِ مُخَاطبَة الْأَئِمَّة) أَي بِسَبَب أَنَّهَا مَا
خُوطِبَ بمضمونها الْحُكَّام بخلافهما إِذا خوطبوا بمضمونهما،
ثمَّ لما كَانَ فِي الْآيَة احْتِمَال آخر وَهُوَ أَن يكون
الْجَزَاء الأولي مِنْهُمَا فَقَط وَيكون قَوْله - {وَلَا
تقبلُوا} - ابتدائية فيعطف عَلَيْهِ قَوْله - {وَأُولَئِكَ هم
الْفَاسِقُونَ} - على التَّأْوِيل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى -
{وَبشر الَّذين} - وَكَانَ ذَلِك مفوتا لرعاية الْأَنْسَب
اللَّائِق بالحكمة جعل دَلِيل مَا ذهب إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة
مَا ذكر مَعَ رِعَايَة الْأَنْسَب فَقَالَ (مَعَ الأنسبية من
إِيقَاع الْجَزَاء على الْفَاعِل، أَعنِي اللِّسَان) فَإِن رد
الشَّهَادَة حد فِي اللِّسَان الصَّادِر مِنْهُ جريمة الْقَذْف
(كَالْيَدِ فِي الْقطع) أَي كَمَا أوقع جَزَاء السّرقَة على
الْفَاعِل: وَهُوَ الْيَد إِلَّا أَنه ضم إِلَيْهَا أَلا يلام
الْحسي تكميلا للزجر، فَإِن من النَّاس من لَا ينزجر
بِمُجَرَّد رد الشَّهَادَة (وَأما اعْتِبَار قيود) الْجُمْلَة
(الأولى فِيهَا) أَي فِي الثَّانِيَة الْمَعْطُوف عَلَيْهَا
(فَإلَى الْقَرَائِن) أَي فَهُوَ مفوض إِلَى قَرَائِن الْمقَام
(لَا الْوَاو وَإِن) عطفت جملَة (نَاقِصَة وَهِي) الْجُمْلَة
(المفتقرة فِي تَمامهَا إِلَى مَا تمت بِهِ الأولى) بِعَيْنِه
(وَهُوَ) أَي الْعَطف الْمَذْكُور (عطف الْمُفْرد) وَهُوَ لَا
يُنَافِي قَوْله وَإِن نَاقِصَة على مَا فسرنا، إِذْ نِسْبَة
عطف الْمُفْرد يحصل مَضْمُون الْجُمْلَة كَمَا أَشَارَ
إِلَيْهِ بقوله (انتسب) الْمُفْرد الْمَعْطُوف (إِلَى عين مَا
انتسب إِلَيْهِ) الْمُفْرد (الأول) الْمَعْطُوف عَلَيْهِ
(بجهته) مُتَعَلق بانتسب الأول إِشَارَة إِلَى مَا اعْتبر فِي
التَّابِع مُطلقًا فِي قَوْلهم: كل ثَان بأعراب سَابِقَة من
جِهَة وَاحِدَة، وَضمير جِهَته رَاجع إِلَى الْمَعْطُوف
عَلَيْهِ، إِن كَانَت تِلْكَ الْجِهَة الفاعلية مثلا، فانتساب
الْمَعْطُوف أَيْضا على الفاعلية (مَا أمكن) تَقْيِيد للانتساب
إِلَى المنتسب إِلَيْهِ بِاعْتِبَار جَمِيع قيوده مهما أمكن
فِيهِ اسْتثِْنَاء لبَعض الْقُيُود الَّذِي دلّ الدَّلِيل على
اخْتِصَاصه بالمعطوف عَلَيْهِ (فَإِن دخلت فطالق وَطَالِق
وَطَالِق تعلق) فِيهِ طَالِق الثَّانِي (بِهِ) أى بدخلت
بِعَيْنِه (لَا بِمثلِهِ كقولهما) أى كَمَا قَالَ ابو يُوسُف
وَمُحَمّد من أَنه تعلق بِمثل مَا تعلق بِهِ الأول، وَلَيْسَ
المُرَاد بِمثلِهِ دُخُولا آخر مغايرا بِالذَّاتِ لما تعلق
بِهِ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ بل مغايرا بِالِاعْتِبَارِ،
وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فيتعدد الشَّرْط) كَمَا لَو قَالَ
إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق، ثمَّ بعد زمَان قَالَ: إِن
دخلت فَأَنت طَالِق فَإِنَّهُ يَقع الْكل بِدُخُول وَاحِد
اتِّفَاقًا غير أَنه لما كَانَ الْمُعَلق بِالثَّانِي غير
الْمُعَلق بِالْأولِ صَار الْمُعَلق بِهِ فِي الثَّانِي مغايرا
للمعلق بِهِ فِي الأول بِالِاعْتِبَارِ كَمَا قَالَه كَذَلِك
(وَعلمت) فِي المسئلة الَّتِي قبل هَذِه (أَن لَا ضَرَر
عَلَيْهِمَا فِي الِاتِّحَاد) أَي فِي اتِّحَاد مُتَعَلق
الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ من اعْتِبَار التغاير
الْمَذْكُور إِذْ مقصودهما وُقُوع الْكل دفْعَة عِنْد وجود
الشَّرْط وَهُوَ حَاصِل فِيهِ لِأَنَّهُمَا يجعلان إِن دخلت
طَالِق فطالق وَطَالِق بِمَنْزِلَة طَالِق
(2/71)
ثِنْتَيْنِ، والتفريق اللَّفْظِيّ لَا أثر
لَهُ لِأَنَّهُ فِي حَال التَّكَلُّم بتعليق الطَّلَاق لَا فِي
حَال التَّطْلِيق تَنْجِيز إِذْ لَا مُوجب للتوقف فِي
التَّنْجِيز فَيَقَع بِمُجَرَّد التَّكَلُّم بتعليق الطَّلَاق
لَا فِي حَال التَّعْلِيق بِالْأولِ قبل التَّكَلُّم
بِالثَّانِي وَلم يبْق للمحل قابلية لوُقُوع الثَّانِي: إِذْ
الْمَفْرُوض كَونهَا غير مدخوله، وَأما فِي التَّعْلِيق
فالتعليق بِمُجَرَّد التَّكَلُّم لَا يتَصَوَّر لتوقفه على
وجود الشَّرْط، والمتعلقات بِشَرْط وَاحِد على التَّعَاقُب
يتْرك جملَة عِنْد وجوده كَمَا لَو حصل بأيمان يتحللها أزمنة
على أَنه إِن أُرِيد بِكَوْن تعلق الأول وَاسِطَة فِي تعلق
الثَّانِي أَنه عِلّة لَهُ فَمَمْنُوع: بل علته جمع الْوَاو
إِيَّاه إِلَى الشَّرْط، وَإِن أُرِيد كَونه سَابق التَّعَلُّق
سلمناه، وَلَا يُفِيد كالأيمان المتعاقبة، وَلَو سلم عَلَيْهِ
تعلق الأول لم يلْزم كَون نُزُوله عِلّة نُزُوله: إِذْ لَا
تلازم (وَمَا تقدم لَهما) فِي أول بحث الْوَاو من التَّعْلِيق
الْمَذْكُور الْمُشبه بتعداد الشَّرْط فِي وُقُوع الْكل جملَة
(تنظيره) أَي مُجَرّد تنظير لاشْتِرَاكهمَا فِيمَا ذكر (لَا
اسْتِدْلَال) بِقِيَاس الأجزئة المتعاطفة المتعاقبة فِي الذّكر
على المتعاقبة فِي تعليقات مُتعَدِّدَة ليرد أَنه قِيَاس مَعَ
الْفَارِق (لاستقلا مَا سواهُ) أَي مَا سوى التَّعْلِيق
الْمَذْكُور فِي إِثْبَات الْمَقْصُود: يَعْنِي بِهِ مَا ذكر
من أَن الِاشْتِرَاك فِي التَّعَلُّق وَأَن بِوَاسِطَة
يسْتَلْزم النُّزُول دفْعَة، لِأَن نزُول كل حكم الشَّرْط
فتقترن أَحْكَامه (فتفريع) مَا إِذا قَالَ (كلما حَلَفت)
بطلاقك (فطالق) أَي فَأَنت طَالِق (ثمَّ) قَالَ (إِن دخلت
فطالق وَطَالِق على الِاتِّحَاد يَمِين، و) على (التَّعَدُّد
يمينان) فَقَوله كلما حَلَفت الخ كَلَام مُفَرع، وَقَوله على
الِاتِّحَاد إِلَى هُنَا خير ضمير رَاجع إِلَى قَوْله إِن دخلت
الخ: يَعْنِي إِن قُلْنَا بِأَن الْمَعْطُوف تعلق بِعَين مَا
تعلق بِهِ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ لَا بِمثلِهِ كَانَ قَوْله:
إِن دخلت الخ حلفا وَاحِدًا فَيَقَع طَلَاق وَاحِد وَإِن
قُلْنَا بالتعدد بِجعْل مُتَعَلق الثَّانِي مثل الأول كَانَ
القَوْل الْمَذْكُور يمينين (فَتطلق ثِنْتَيْنِ) كَمَا ذكر فِي
شرح البديع للهندي، تَفْرِيع (على غير خلافية) لما عرفت من
أَنه لَا خلاف بَينهمَا وَبَينه بِاعْتِبَار اتِّحَاد
الْمُتَعَلّق وَعَدَمه لعدم توقف مقصودهما وَهُوَ وُقُوع الْكل
جملَة على التَّعَدُّد (بل) المُرَاد بقول من فرع وحدة
الْيَمين على الِاتِّحَاد وتعددها على التَّعَدُّد أَنه (لَو
فرض) خلاف بَينه وَبَينهمَا فِي ذَلِك (كَانَ) التَّفْرِيع
(كَذَا) أَي على هَذَا المنوال (والنقض) للضابطة الْمَذْكُورَة
مَعَ أَن مُوجب الْوَاو فِي النَّاقِصَة انتساب الثَّانِي
إِلَى عين مَا انتسب إِلَيْهِ الأول بجهته (بِهَذِهِ طَالِق
ثَالِثا، وَهَذِه إِذْ طلقنا ثَالِثا لاثْنَتَيْنِ) تَعْلِيل
للنقض: يَعْنِي وُقُوع الثَّلَاث على كل مِنْهُمَا خلاف
مُقْتَضى تِلْكَ الضابطة لِأَنَّهَا تَقْتَضِي وُقُوع
ثِنْتَيْنِ على كل وَاحِدَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله
(بانقسام الثَّلَاث عَلَيْهِمَا) ليحصل لكل وَاحِد وَنصف،
ويكمل كل نصف (دفع) خبر الْمُبْتَدَأ (بِظُهُور الْقَصْد إِلَى
إِيقَاع الثَّلَاث) على كل وَاحِدَة مِنْهُمَا (والمناقشة
فِيهِ) أَي فِي هَذَا الْقَصْد بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك
لقَالَ وَهَذِه طَالِق ثَلَاثًا،
(2/72)
وَلم يقل وَهَذِه لِأَنَّهُ يحْتَمل
الانقسام الْمَذْكُور (احْتِمَال لَا يدْفع الظُّهُور) أَي
ظُهُور الْقَصْد الْمَذْكُور (وَفِيمَا لَا يُمكن) فِيهِ
الانتساب إِلَى غير مَا انتسب الأول إِلَيْهِ (يقدر الْمثل)
وَهُوَ مَعْطُوف على قَوْله انتسب الخ بعد قَوْله وَهُوَ عطف
الْمُفْرد (كجاء زيد وَعَمْرو بِنَاء على اعْتِبَار شخص
الْمَجِيء) لِاسْتِحَالَة اشتراكهما فِي عرضي شخصي (وَإِن
كَانَ الْعَامِل) وَهُوَ فعل الْمَجِيء (بكليه) أَي
بِاعْتِبَار مَفْهُومه الْكُلِّي (ينصب) من حَيْثُ الْإِسْنَاد
وَالْعَمَل (عَلَيْهِمَا) أَي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ والمعطوف
(مَعًا لِأَن هَذَا) أَي مَا ذكرنَا من تَقْدِير الْمثل
إِنَّمَا هُوَ (تَقْدِير حَقِيقَة الْمَعْنى) أَي بَيَان مَا
هُوَ المتحقق فِي نفس الْأَمر من الْكَلَام: إِذْ الْكُلِّي من
حَيْثُ هُوَ كلي لَا يتَحَقَّق فِي الْخَارِج إِلَّا فِي
ضَرُورَة الشخصي فالمتحقق مِنْهُ فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ شخص
آخر مثله (وَعنهُ) أَي عَن اعْتِبَار تعلق الْمَعْطُوف بِعَين
مَا تعلق بِهِ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي الْمُفْرد لَا
بِمثلِهِ قُلْنَا (فِي (قَوْله لفُلَان عَليّ ألف، وَلفُلَان
انقسمت) الْألف (عَلَيْهِمَا) فَيكون لكل خَمْسمِائَة (وَنقل
عَن بَعضهم أَن عطفها) أَي الْوَاو الْجُمْلَة (المستقلة) على
غَيرهَا (يُشْرك فِي الحكم وَبِه) أَي بِسَبَب هَذَا
التَّشْرِيك (انْتَفَت الزَّكَاة فِي مَال الصَّبِي
كَالصَّلَاةِ) أَي كَمَا أَن الصَّلَاة منتفية عَن الصَّبِي
(من) دلَالَة الْعَطف فِي (أقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا
الزَّكَاة) . قَالَ الشَّارِح بِنَاء على أَنه يجب أَن يكون
الْمُخَاطب بِأَحَدِهِمَا عين الْمُخَاطب بِالْآخرِ، وَلما لم
يكن الصَّبِي مُخَاطبا بأقيموا الصَّلَاة لم يكن مُخَاطبا
بآتوا الزَّكَاة انْتهى. وَلم يبين مُرَادهم بالحكم الَّذِي
يشركهما الْعَطف فَإِن أُرِيد بِهِ جَمِيع الْأَحْكَام
وَالْأَحْوَال ففساده ظَاهر، وان أُرِيد بَعْضهَا فِي
الْجُمْلَة فَلَا يُفِيد، وان أُرِيد بِهِ وَاحِد من
الْأَحْكَام الْخَمْسَة فالعطف لَا يَقْتَضِيهِ: اللَّهُمَّ
إِلَّا أَن يُرَاد فِي الْجُمْلَة الخبرية التحقق والحصول،
وَفِي الإنشائية الطّلب وَلَا يخفى مَا فِيهِ (وَدفع) لُزُوم
انْتِفَاء الزَّكَاة فِي مَاله لما ذكرنَا بِأَن الصَّبِي (خص
من عُمُوم الأول) أَي أقِيمُوا الصَّلَاة (بِالْعقلِ) أَي
بالمخصص الْعقلِيّ وَهُوَ مَا أَفَادَهُ بقوله (لِأَنَّهَا)
أَي الصَّلَاة عبَادَة (بدنية) وَهِي مَوْضُوعَة عَن الصَّبِي
(بِخِلَاف الزَّكَاة) فَإِنَّهَا عبَادَة مَالِيَّة مَحْضَة
(تتأدى بالنائب فَلَا مُوجب لتخصيصه) فِيهَا.
(تَتِمَّة)
(تستعار) الْوَاو (للْحَال) أَي لربط الْجُمْلَة الحالية بِذِي
الْحَال إِذْ هِيَ لمُطلق الْجمع وَهُوَ مَوْجُود فِي
الْمُسْتَعَار لَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بمصحح الْجمع)
أَي يستعار للْحَال بِسَبَب العلاقة المصححة الَّتِي هِيَ وجود
مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ فِيهِ حَال كَون هَذَا الْمُصَحح
مُشْتَمِلًا (على مَا فِيهِ) من الْإِشْكَال إِذا أطلق
الْأَعَمّ على الْأَخَص حَقِيقَة على مَا مر، وَلذَا أضْرب،
فَقَالَ (بل هُوَ) أَي الْجمع بَين الْحَال وصاحبهما (مِمَّن
مَا صدقاته) أَي من أَفْرَاد مُطلق الْجمع (والعطف أَكثر) أَي
اسْتِعْمَالهَا
(2/73)
فِي الْعَطف أَكثر (فَيلْزم) الْعَطف: أَي
حملهَا عَلَيْهِ (إِلَّا بِمَا) أَي بِدَلِيل (لَا مرد لَهُ)
فَعنده تحمل على غَيره (فَإِن أمكنا) أَي الْعَطف وَالْحَال
بِأَن تصح إِرَادَة كل مِنْهُمَا (رده) أَي الْحَال (القَاضِي)
فَلَا يصدق من يَقُول أردْت بهَا الْحَال لِأَنَّهُ يحكم
بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ الْعَطف (وَصَحَّ) أَن يُرَاد بهَا
الْحَال ب (نِيَّته) أَي الْحَال أَو الْمُتَكَلّم (ديانَة
فأد) أَي فَقَوْل الْمولى لعَبْدِهِ أد إِلَيّ ألفا (وَأَنت
حر، و) الإِمَام للحربي (انْزِلْ وَأَنت آمن تعذر) الْعَطف
فِيهِ (لكَمَال الِانْقِطَاع) بَين مَا قبل الْوَاو وَمَا بعده
إنْشَاء وإخبار نظرا إِلَى الأَصْل، فَلَا يرد أَن قَوْله
أَنْت حر قصد بِهِ إنْشَاء الْعتْق (وللفهم) أَي لفهم الْحَال
من مثله أَلْبَتَّة عرفا (فللحال على الْقلب) أَي كن حرا
وَأَنت مؤد، وَكن آمنا وَأَنت نَازل: أَي أَنْت حر فِي حَالَة
الْأَدَاء، وآمن فِي حَالَة النُّزُول (لِأَن الشَّرْط
الْأَدَاء وَالنُّزُول) لَا الْحُرِّيَّة والأمان، إِذْ
الْمُتَكَلّم يتَمَكَّن من تَعْلِيق مَا يتَمَكَّن من تنجيزه
وَهُوَ لَا يتَمَكَّن من تَنْجِيز الْأَدَاء وَالنُّزُول
(وَقيل) للْحَال 0 على الأَصْل) لَا على الْقلب (فَيُفِيد
ثُبُوت الْحُرِّيَّة مُقَارنًا لمضمون الْعَامِل وَهُوَ) أَي
مضمونه (التأدية، وَبِه) أَي بِمَا ذكر من إِفَادَة ثُبُوتهَا
مُقَارنًا لَهُ (يحصل الْمَقْصُود) من كَون التَّحْرِير
مَشْرُوطًا بِالْأَدَاءِ فَانْدفع مَا قيل من لُزُوم
الْحُرِّيَّة، والأمان قبل الْأَدَاء أَو النُّزُول، لِأَن
الْحَال قيد، والقيد مقدم على الْمُقَيد (وَمُقَابِله) أَي
مُقَابل تعذر الْعَطف وَهُوَ تعذر الْحَال، وَتعين الْعَطف
قَول رب المَال للضارب (خُذْهُ) أَي هَذَا النَّقْد (واعمل فِي
الْبَز) وَهُوَ الثِّيَاب. وَقَالَ مُحَمَّد: هُوَ فِي عرف
الْكُوفَة ثِيَاب الْكَتَّان والقطن دون الصُّوف والخز (تعين
الْعَطف للإنشائية) أَي لكَون كل من الْمَعْطُوف والمعطوف
عَلَيْهِ جملَة إنشائية، وَالْأَصْل هُوَ الْعَطف، هَذَا مَا
يفهم من كَلَام الشَّارِح، وَالْوَجْه أَن يُقَال مَعْنَاهُ:
أَن قَوْله اعْمَلْ إنْشَاء، والإنشاء لَا يَقع حَالا (وَلِأَن
الْأَخْذ لَيْسَ حَال الْعَمَل) أَي لَا يقارنه فِي الْوُجُود:
إِذْ الْعَمَل بعده فَلَا يكون للْحَال، وَإِن نوى (فَلَا
تتقيد الْمُضَاربَة) الْمَذْكُورَة (بِهِ) أَي الْعَمَل فِي
الْبَز: بل تكون مَشْهُورَة (وَفِي أَنْت طَالِق وَأَنت
مَرِيضَة أَو مصلية يحتملهما) أَي الْعَطف وَالْحَال (إِذْ لَا
مَانع) فِي شَيْء مِنْهُمَا (وَلَا معِين) لوَاحِد بِخُصُوصِهِ
(فتنجز) الطَّلَاق (قَضَاء) لِأَنَّهُ الظَّاهِر لأصالة
الْعَطف، وَكَون حَالَة الْمَرَض وَالصَّلَاة مَظَنَّة
الشَّفَقَة وَالْإِكْرَام لَا الْمُفَارقَة والإيلام،
وَالْأَصْل فِي التَّصَرُّف التَّنْجِيز وَالتَّعْلِيق
بِعَارِض الشَّرْط (وَتعلق) بِالْمرضِ وَالصَّلَاة (ديانَة أَن
إراده) أَي التَّعْلِيق بهما لَا مَكَانَهُ، وَفِيه تَخْفيف
عَلَيْهِ (وَاخْتلف فِيهَا) أَي الْوَاو (من طَلقنِي وَلَك ألف
فعندهما) أَي الْإِمَامَيْنِ الْوَاو مستعارة (للْحَال) فَيجب
لَهُ عَلَيْهَا الْألف إِذا طَلقهَا (للتعذر) أى لتعذر الْعَطف
(بالانقطاع) لإنشائية الأولى وإخبارية الثَّانِيَة (وَفهم
الْمُعَاوضَة) إِذْ مثلهَا فِي الْعرف يقْصد
(2/74)
بِهِ الْخلْع وَهُوَ مُعَاوضَة من
جَانبهَا، وَلذَا صَحَّ رُجُوعهَا قبل إيقاعها، فَالْمَعْنى
طَلقنِي فِي حَال يكون لَك عَليّ ألف عوضا من الطَّلَاق
الْمُوجب لِسَلَامَةِ نَفسِي لي، فَإِذا قَالَ طلقت وَجب
عَلَيْهَا الْألف (أَو مستعارة للإلصاق) الَّذِي هُوَ معنى
الْبَاء بِدلَالَة الْمُعَاوضَة لِأَنَّهُ لَا يعْطف أحد
الْعِوَضَيْنِ على الآخر، وَإِنَّمَا استعيرت لَهُ (للْجمع)
أَي للتناسب بَينهمَا فِي الْجمع فَإِن كلا مِنْهُمَا يدل على
الْجمع (وَعِنْده) الْوَاو (للْعَطْف) وَلَا يلْزم عطف
الْأَخْبَار على الْإِنْشَاء لِأَن قَوْلهَا: لَك ألف إنْشَاء
الِالْتِزَام (تَقْدِيمًا للْحَقِيقَة فَلَا شَيْء لَهُ) إِذا
طَلقهَا (وصارف الْمُعَاوضَة غير لَازم فِيهِ) أَي فِي
الطَّلَاق (بل عَارض) لندرة عرُوض الْتِزَام المَال فِي
الطَّلَاق والبضع غير مُتَقَوّم حَالَة الْخُرُوج، والعارض لَا
يُعَارض الْأَصْلِيّ (وَلذَا) أَي لعروضه (لزم) الطَّلَاق
مُعَلّقا (فِي جَانِبه) أَي الزَّوْج فَصَارَ يَمِينا إِذا
قَالَ طَلقتك على ألف: إِذْ لَو لم يكن عروضه وَكَانَ لَازِما
لَكَانَ مُعَاوضَة وَالرُّجُوع فِي الْمُعَاوضَة بعد
الْإِيجَاب قبل الْقبُول جَائِز، ثمَّ فرع على اللُّزُوم
فَقَالَ (فَلَا يملك) الزَّوْج (الرُّجُوع قبل قبُولهَا)
الْألف (بِخِلَاف الْإِجَارَة) أَي بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ
مثل: طَلقنِي وَلَك ألف فِي عقد الْإِجَارَة وَهُوَ (احمله
وَلَك دِرْهَم) لِأَن الْتِزَام المَال فِيهَا أُصَلِّي، لِأَن
الْإِجَارَة بيع الْمَنَافِع بعوض فَتحمل الْوَاو بِدلَالَة
صَارف الْمُعَاوضَة على الْبَاء فَكَأَنَّهُ قَالَ احمله بدرهم
(وَالْأَوْجه) فِي طَلقنِي وَلَك ألف (الِاسْتِئْنَاف) فِي
قَوْلهَا وَلَك ألف على أَن يكون (عدَّة) مِنْهَا، والوعيد لَا
يلْزم (أَو غَيره) أَي غير وعد بِأَن تُرِيدُ لَك ألف فِي
بَيْتك يقدر على تَحْصِيل غَيْرِي وَنَحْو ذَلِك (للانقطاع)
الْمُوجب ترك الْعَطف (فَلم يلْزم الْحَال) عِنْد عدم إِرَادَة
الْعَطف (لجَوَاز) إِرَادَة معنى (مجازي آخر ترجح) لذَلِك
الْمجَازِي على إِرَادَة الْحَال (بِالْأَصْلِ بَرَاءَة
الذِّمَّة) عطف بَيَان للْأَصْل (وَعدم إِلْزَام المَال بِلَا
معِين) لإلزامه: يَعْنِي أَن الأَصْل هُوَ الْبَرَاءَة وإلزام
المَال الْمُوجب شغل الذِّمَّة خلاف الأَصْل لَا يُصَار
إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيل بِعَيْنِه.
مسئلة
(الْفَاء للتَّرْتِيب بِلَا مُهْملَة فَدخلت فِي الأجزئة)
لتعقبها الشُّرُوط بِلَا مهلة (فَبَانَت غير الملموسة) أَي غير
الْمَدْخُول بهَا (بِوَاحِدَة فِي أَنْت طَالِق فطالق) لزوَال
الْمَحَلِّيَّة لما بعد الْفَاء بِسَبَب وُقُوع مَا قبلهَا (و)
دخلت فِي (المعلولات) لِأَنَّهَا تتعقب عليتها بِلَا تراخ
(كجاء الشتَاء فتأهب) أَي هِيَ مَا تحْتَاج إِلَيْهِ فِيهِ
مَحْمُولا (على التَّجَوُّز بجاء عَن قرب فَإِن قربه عِلّة
التأهب لَهُ) يَعْنِي أَن قرينَة السِّيَاق وَالْمقَام دلّت
على أَن الْفَاء دَاخِلَة على الْمَعْلُول وَالتَّأَهُّب
لَيْسَ بمعلول
(2/75)
حَقِيقَة للشتاء بل قربه (وَقَوله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) " لن يَجْزِي ولد وَالِده إِلَّا أَن يجد
مَمْلُوكا " (فيشتريه فيعقته) رَوَاهُ مُسلم (لِأَن الْعتْق
مَعْلُول معلوله) أَي الشِّرَاء إِذْ الشِّرَاء عِلّة للْملك،
وَالْملك عِلّة لِلْعِتْقِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله أَي
فيشتريه (فَيعتق بِسَبَب شِرَائِهِ) إِنَّمَا فسره بِهِ
لِئَلَّا يحمل على ظَاهره: وَهُوَ أَنه بعد مَا يَشْتَرِيهِ
يعتقهُ قصدا مثل مَا يعْتق غير الْقَرِيب فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ
لَا يكون الْعتْق إِلَّا بِسَبَب الْإِعْتَاق لَا الشِّرَاء،
وَقد علم بذلك أَن هَذَا الْمَعْلُول بالواسطة مُغَاير
بِالذَّاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعلَّة (فَلَيْسَ) هَذَا
الْمِثَال (من) قبيل (اتِّحَاد الْعلَّة والمعلول فِي
الْوُجُود) كَمَا زعم الْبَعْض من أَن الشِّرَاء وَالْعِتْق
شَيْء وَاحِد فِي الْخَارِج وَإِن تغايرا بِحَسب الْمَفْهُوم
(وَلَا) من (نَحْو: سقَاهُ فأرواه) كَمَا ذكره صدر
الشَّرِيعَة: إِذْ الإرواء يَتَرَتَّب على السَّقْي بِلَا
وَاسِطَة، وَالْعِتْق إِنَّمَا يَتَرَتَّب على الشِّرَاء
بِوَاسِطَة الْملك (فَلذَلِك) أَي لكَون الْفَاء لترتيب مَا
بعْدهَا على مَا قبلهَا (تضمن الْقبُول) للْبيع (قَوْله فَهُوَ
حر) حَال كَونه (جَوَاب) من قَالَ (بعتكه بِأَلف) لِأَن
تَرْتِيب الْحُرِّيَّة على هَذَا القَوْل لَا يتَصَوَّر إِلَّا
بِقبُول البيع الْمُوجب للْملك الْمُصَحح للإعتاق فَصَارَ
كَأَنَّهُ قَالَ: قبلت فَهُوَ حر (لَا هُوَ حر) أَي لَا
يتَضَمَّن هُوَ حر الْقبُول بعد قَوْله بعتكه بِأَلف لعدم مَا
يدل على مَا قبله (بل هُوَ رد للْإِيجَاب) وَهُوَ قَوْله بعتكه
الخ وَمَعْنَاهُ كَيفَ تبيعه وَهُوَ حر (و) كَذَلِك (ضمن
الْخياط) الثَّوْب إِذا (قَالَ لَهُ) مَالِكه (أيكفيني
قَمِيصًا قَالَ) الْخياط (نعم قَالَ) مَالِكه (فاقطعه فَقَطعه
فَلم يكفه) لِأَن الْفَاء دلّت على أَن الْأَمر بِالْقطعِ
مُرَتّب على الْكِفَايَة مَشْرُوط بهَا لَا فِي اقطعه فَلم
يكفه) أَي لَا يضمن الْخياط فِيمَا إِذا قَالَ صَاحب الثَّوْب
اقطعه بدل فاقطعه والمسئلة بِحَالِهَا لعدم مَا يدل على كَون
الْأَمر بِالْقطعِ مَشْرُوطًا بالكفاية (وَتدْخل) الْفَاء
(الْعِلَل) حَال كَونهَا (خلاف الأَصْل) لعدم ترَتّب الْعلَّة
على الْمَعْلُول وَتحقّق الْعَكْس دُخُولا (كثيرا لدوامها) أَي
لكَون الْعِلَل مَوْجُودَة بعد وجود الْمَعْلُول مُدَّة مديدة
(فَتَأَخر) الْعلَّة عَن الْمَعْلُول (فِي الْبَقَاء)
فَبِهَذَا الِاعْتِبَار تدخل الْفَاء عَلَيْهَا (أَو
بِاعْتِبَار أَنَّهَا) أَي الْعلَّة (معلولة فِي الْخَارِج)
أَي فِي خَارج الذِّهْن (للمعلول) وَهَذَا إِذا كَانَ مَدْخُول
الْفَاء عِلّة غائية لما قبلهَا، فَإِنَّهُ بِحَسب الْوُجُود
الذهْنِي مقدم على الْمَعْلُول فَإِن تعقل الرِّبْح مقدم على
تحقق التِّجَارَة فِي الْخَارِج وَتحقّق الرِّبْح مُؤخر عَن
تحقق التِّجَارَة فِي الْخَارِج (وَمن الأول لَا الثَّانِي
أبشر فقد أَتَاك الْغَوْث) قَالَ الشَّارِح أَي من دُخُولهَا
على الْعلَّة الْمُتَأَخِّرَة فِي الْبَقَاء، لَا من دُخُولهَا
على الْمَعْلُول فِي الْخَارِج، فَإِن الْغَوْث بَاقٍ بعد
الإبشار كَذَا قَالُوا، وَفِيه تَأمل انْتهى. إِنَّمَا جعل
هَذَا الْمِثَال مِمَّا دخلت على الْعلَّة نظرا إِلَى
الظَّاهِر، إِذْ إتْيَان الْغَوْث عِلّة للبشارة لَا الْعَكْس.
وَقد يُقَال أَن قَوْله أبشر عِلّة للإخبار بمضمون قد أَتَاك
الْغَوْث، لِأَنَّهُ يدل إِجْمَالا على مُوجب السرُور، وَبِه
يحصل قلق واضطراب لَا ينْدَفع
(2/76)
إِلَّا بِذكر المبشر بِهِ، فَالْمُرَاد
بِالْأولِ دخلوها فِي المعلولات. وَبِالثَّانِي دُخُولهَا فِي
الْعِلَل، لَا يُقَال قد دخلت فِيمَا هُوَ عِلّة فِي نفس
الْأَمر، فَكيف يَنْفِي، لِأَن النَّفْي باعتبارات
الْمُتَكَلّم لم يقْصد إدخالها عَلَيْهِ من حَيْثُ أَنه عِلّة،
بل من حَيْثُ أَنه مَعْلُول من حَيْثُ الْإِخْبَار، لَكِن آخر
الْكَلَام يمْنَع تَفْسِير الأول وَالثَّانِي بِالْمَعْنَى
الَّذِي ذكر على مَا سَيظْهر، ثمَّ وَجه التَّأَمُّل فِي
كَلَام الشَّارِح أَن إتْيَان الْغَوْث الَّذِي هُوَ عِلّة
الْبشَارَة لَا بَقَاء لَهُ بعد الْبشَارَة (وَمِنْه) أَي وَمن
الأول أَيْضا (أد) إِلَيّ ألفا (فَأَنت حر) فقد دخلت الْفَاء
على الْعلَّة الْمُتَأَخِّرَة فِي الْبَقَاء إِذْ الْعتْق
يَمْتَد. وَوجه علية الْحُرِّيَّة للْأَدَاء أَن صِحَة
الْأَدَاء مَوْقُوفَة على الْحُرِّيَّة الْحَاصِلَة عِنْد
قبُول العَبْد مَا علق الْمولى عتقه عَلَيْهِ إِذْ العَبْد لَا
يقدر على الْأَدَاء فِي حَال مملوكيته إِذْ مَا فِي يَده ملك
للْمولى فَلَا يصلح بَدَلا عَن نَفسه (_ و) مِنْهُ أَيْضا قَول
الإِمَام للحربي (انْزِلْ فَأَنت آمن) فَإِن الْأمان يَمْتَد
فَأشبه المتراخي عَن النُّزُول (وَتعذر الْقلب) بِأَن يكون
بِمَعْنى أَنْت حر فأد وَأَنت آمن فَانْزِل لتَكون الْفَاء
دَاخِلَة على الْمَعْلُول معنى (لِأَنَّهُ) أَي الْحمل على
الْقلب (بِكَوْنِهِ) أَي مَا بعد الْفَاء (جَوَاب الْأَمر)
لِأَنَّهُ إِذا كَانَ جَوَابه كَانَ بِمَنْزِلَة جَزَاء
الشَّرْط فَإِن أنزل تصب خيرا فِي معنى أَن تنزل تصبه، وَفِي
مثله قد يحصل على الْقلب فيراد إِن تصب خيرا تنزل لكَونه
لَازِما للْأَصْل: إِذْ سَبَبِيَّة النُّزُول لإصابة الْخَيْر
يلْزمه أَن من تقرر فِي حَقه إِصَابَة الْخَيْر ينزل فَتدبر
(وَجَوَابه يخص الْمُضَارع) لِأَن الْأَمر إِنَّمَا يسْتَحق
الْجَواب بِتَقْدِير إِن المختصة بِهِ: وَهِي إِذا كَانَت
مقدرَة لَا تجْعَل الْمَاضِي وَالْجُمْلَة الاسمية بِمَعْنى
الْمُسْتَقْبل، هَذَا غَايَة مَا تيَسّر من التَّوْجِيه،
وَفِيه مَا فِيهِ، وَهَذَا كُله بِنَاء على مَا فسر بِهِ
الشَّارِح الْقلب، وَالْحق أَن المُرَاد من الْقلب عكس قَوْله
من الأول لَا الثَّانِي: أَي من الثَّانِي: وَهُوَ الدُّخُول
على الْعلَّة بِاعْتِبَار أَنَّهَا معلولة فِي الْخَارِج لَا
الأول: وَهُوَ الدُّخُول عَلَيْهَا بِاعْتِبَار تأخرها فِي
الْبَقَاء، وَذَلِكَ لِأَن تعقل الْأَمْن عِلّة النُّزُول
وَهُوَ مَعْلُول النُّزُول فِي الْخَارِج، لِأَن الْمَعْنى أَن
تنزل تأمن فَيصير نُزُوله سَببا للأمن، وَلذَا علل تعذره بِأَن
هَذَا مَبْنِيّ على كَون فَأَنت آمن جَوَاب الْأَمر، وَلَا
يَصح لِأَنَّهُ يخص الْمُضَارع وَقد بَيناهُ (فَيعتق) فِي
الْحَال أدّى أَو لم يؤد، لِأَن الْمَعْنى لِأَنَّك حر (و)
كَذَا (يثبت الْأمان فِي الْحَال) نزل أَو لم ينزل، فَقَوله
فِي الْحَال مُتَعَلق بالفعلين جَمِيعًا (وَمن الثَّانِي) أَي
دُخُولهَا على الْعلَّة المعلولة فِي الْخَارِج مَا أخرج
النَّسَائِيّ فِي الشُّهَدَاء عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنه قَالَ (زملوهم الحَدِيث) أَي بدمائهم فَإِنَّهُ لَيْسَ
كلم يكلم فِي سَبِيل الله إِلَّا يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة
يدمي، لَونه لون الدَّم وريحه ريح الْمسك، فَإِن الْإِتْيَان
على هَذِه الْكَيْفِيَّة يَوْم الْقِيَامَة عِلّة تزميلهم فِي
الذِّهْن، والتزميل: الْإخْفَاء واللف فِي الثَّوْب وَهُوَ
معلوله فِي الْخَارِج (وَاخْتلفُوا فِي عطفها) أَي الْفَاء
(الطلقات) حَال كَونهَا (معلقَة) على الشَّرْط فِي
(2/77)
غير الْمَدْخُول بهَا كَأَن دخلت فَأَنت
طَالِق فطالق (قيل) هُوَ (كالواو) أَي على الْخلاف فَعنده تبين
بِوَاحِدَة وَيسْقط مَا بعْدهَا لزوَال الْمَحَلِّيَّة
بِالْأولَى، وَعِنْدَهُمَا يَقع الْكل جملَة على مَا ذكر
(وَالأَصَح الِاتِّفَاق على الْوحدَة للتعقيب) الْمُفِيد
وُقُوع الْمَعْطُوف بعد الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فَصَارَ كثم
وَبعد (وتستعار الْفَاء لِمَعْنى الْوَاو فِي لَهُ عَليّ
دِرْهَم فدرهم) إِذْ التَّرْتِيب فِي الْأَعْيَان لَا
يتَصَوَّر، إِنَّمَا التَّرْتِيب فِي الْمعَانِي جَاءَ زيد
فعمرو، وَقيل هَذَا من إِطْلَاق اسْم الْكل على الْجُزْء،
لِأَن مَفْهُوم الْوَاو: وَهُوَ الْجمع الْمُطلق جُزْء
مَفْهُوم الْفَاء: إِذْ هُوَ الْجمع مَعَ التَّرْتِيب، ثمَّ
هَذِه الِاسْتِعَارَة مسموعة. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس
(بسقط اللوى بَين الدُّخُول فحومل ... )
فَإِنَّهُمَا اسمان لموضعين (يلْزمه اثْنَان) كَمَا فِي قَوْله
لَهُ عَليّ دِرْهَم وَدِرْهَم، وَعَن الشَّافِعِي أَنه يلْزمه
دِرْهَم وَاحِد بِجعْل قَوْله فدرهم جملَة مُبتَدأَة لتحَقّق
الدِّرْهَم الأول، تَقْدِيره فَهُوَ دِرْهَم.
مسئلة
(ثمَّ لتراخي مدخولها عَمَّا قبله) حَال كَونهَا مدخولها
(مُفردا، والاتفاق على وُقُوع الثَّلَاث على المدخولة فِي
طَالِق ثمَّ طَالِق ثمَّ طَالِق فِي الْحَال بِلَا زمَان)
متراخ بَينهمَا (لاستعارتها لِمَعْنى الْفَاء) إِذْ لَا
فَائِدَة لاعْتِبَار التَّرَاخِي فِي المدخولة، لَا
بِاعْتِبَار الحكم وَلَا بِاعْتِبَار التَّكَلُّم كَمَا لَا
يحفى (وتنجيزه) أَي أبي حنيفَة (فِي غَيرهَا) أَي المدخولة
(وَاحِدَة وإلغاء مَا بعْدهَا) أَي تِلْكَ الْوَاحِدَة (فِي
طَالِق ثمَّ طَالِق ثمَّ طَالِق إِن دخلت و) قَوْله (فِي
المدخولة تنجزا) أَي الْأَوَّلَانِ (وَتعلق الثَّالِث وَإِن
تقدم الشَّرْط تعلق الأول وَوَقع مَا بعده فِي المدخولة وَفِي
غَيرهَا) أَي المدخولة (تعلق الأول وتنجز الثَّانِي فَيَقَع
الأول عِنْد الشَّرْط بعد التَّزَوُّج الثَّانِي) صفة
التَّزَوُّج، قيد بِهِ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالثَّانِي
الْمُنجز، وَذَلِكَ لِأَن زَوَال الْملك لَا يبطل الْيَمين
وَهِي لم تنْحَل (ولغا الثَّالِث) لعدم الْمحل. وَقَوله تنجيزه
مُبْتَدأ خَبره (لاعتباره) أَي أبي حنيفَة التَّرَاخِي
الْمَدْلُول عَلَيْهِ بثم (فِي (التَّكَلُّم فَكَأَنَّهُ سكت
بَين الأول وَمَا يَلِيهِ) إِنَّمَا قَالَ كَأَنَّهُ لِأَنَّهُ
لم يَقع مِنْهُ سكُوت بَينهمَا غير أَنه أَفَادَ بثم أَن مَا
بعْدهَا متراخ عَمَّا قبلهَا، وَحمل ذَلِك على التَّرَاخِي
بِاعْتِبَار التَّكَلُّم: يَعْنِي أَن التَّكَلُّم بِالثَّانِي
متراخ عَن التَّكَلُّم بِالْأولِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ سكت
بَينهمَا (وَحَقِيقَة) أَي السُّكُوت (قَاطِعَة لِلْعِتْقِ)
بِالشّرطِ فَكَذَا مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ (كَمَا لَو قَالَ
لَهَا) أَي لغير المدخولة (بِلَا أَدَاة إِن دخلت فَأَنت
طَالِق طَالِق طَالِق: ذكره الطَّحَاوِيّ) ووجهة أَن الأول
تعلق بِالشّرطِ، وَالثَّانِي وَقع مُنجزا، تَقْدِيره أَنْت
طَالِق ولغا الثَّالِث لإبانتها إِلَى عدَّة، فالتشبيه
بِاعْتِبَار الحكم لَا الْوَجْه (وعلقاها) أَي الإمامان
الثَّلَاث بِالشّرطِ (فيهمَا) أَي فِي تقدم الشَّرْط وتأخره
(فَيَقَع
(2/78)
عِنْد) وجود (الشَّرْط فِي غَيرهَا) أَي
غير المدخولة (وَاحِدَة) وَهِي الأولى (للتَّرْتِيب) عِنْد
الْوُقُوع على طبق التَّرْتِيب عِنْد التَّعْلِيق، وَيَلْغُو
الْبَاقِي لانْتِفَاء الْمَحَلِّيَّة بالبينونة بِالْأولِ
إِلَى عدَّة (وفيهَا) أَي المدخولة يَقع (الْكل مُرَتبا لِأَن
التَّرَاخِي) الْمَدْلُول عَلَيْهِ بثم (فِي ثُبُوت حكم مَا
قبلهَا) أَي ثمَّ (لما بعْدهَا) كَمَا تَقْتَضِيه اللُّغَة
فَإِنَّهُ لَا يفهم من جَاءَ زيد ثمَّ عَمْرو إِلَّا تراخي
عَمْرو عَن زيد فِي ثُبُوت حكم الْمَجِيء بِثُبُوتِهِ لعَمْرو
وَبعد زمَان، وَأما كَون التَّكَلُّم بِعَمْرو بعد التَّكَلُّم
بزيد فَلَيْسَ مِمَّا يقْصد مِنْهُ لُغَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ
بقوله (لَا فِي التَّكَلُّم، واعتباره) أَي أبي حنيفَة
التَّرَاخِي فِي التَّكَلُّم حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: إِن دخلت
الدَّار فَأَنت طَالِق و (سكت) ثمَّ قَالَ وَأَنت طَالِق
اعْتِبَار (بِلَا مُوجب، وَمَا خيل دَلِيلا) على اعْتِبَار
التَّرَاخِي فِيهِ (من) لُزُوم (ثُبُوت تراخي حكم الإنشاءات
عَنْهَا) أَي عَن الإنشاءات على تَقْدِير اعْتِبَاره فِي الحكم
من غير اعْتِبَاره فِي التَّكَلُّم (وَهِي) أَي الْأَحْكَام
(لَا تتأخر) عَن الإنشاءات، فِي التَّوْضِيح إِنَّمَا جعل
رَاجعا إِلَى التَّكَلُّم، لِأَن التَّرَاخِي فِي الحكم مَعَ
عَدمه فِي التَّكَلُّم يمْنَع فِي الإنشاءات لِأَن الْأَحْكَام
لَا تتراخى عِنْد التَّكَلُّم فِيهَا، فَلَمَّا كَانَ الحكم
متراخيا كَانَ التَّكَلُّم متراخيا تَقْديرا كَمَا فِي
التَّعْلِيق فَإِن قَوْله إِن دخلت فَأَنت طَالِق يصير
كَأَنَّهُ قَالَ عِنْد الدُّخُول أَنْت طَالِق، وَلَيْسَ هَذَا
القَوْل فِي الْحَال تطليقا: أَي تكلما بِالطَّلَاق: بل يصير
تطليقا عِنْد الشَّرْط (فَلَزِمَ الحكم على اللُّغَة بِهَذَا
الِاعْتِبَار) أَي اعْتِبَار التَّرَاخِي فِي التَّكَلُّم،
تَفْرِيع على مَا علم ضمنا كَأَنَّهُ قَالَ إِن لم تعْتَبر
هَكَذَا ثَبت تراخي الْأَحْكَام عَن الإنشاءات وَهِي لَا تتأخر
فَلَزِمَ علينا أَن نحكم على لَفْظَة ثمَّ بِأَنَّهُ قد يُرَاد
بِهِ لُغَة التَّرَاخِي فِي التَّكَلُّم، وَفِيه إِشْعَار
بالاعتراض، وَهِي أَن اللُّغَة تحكم وَلَا يحكم عَلَيْهَا
(مَمْنُوع الْمُلَازمَة) خبر الْمَوْصُول، وَذَلِكَ لِأَن توهم
لُزُوم التَّرَاخِي الحكم، وَهُوَ وُقُوع الطَّلَاق عَن
الْإِنْشَاء، وَهُوَ تَنْجِيز الطَّلَاق اللَّازِم للتعليق
إِنَّمَا هُوَ عِنْد وجود الشَّرْط: إِذْ الطَّلَاق الْمُعَلق
عِنْد تحقق الْمُعَلق بِهِ يصير مُنجزا فَكَأَنَّهُ قَالَ
عِنْد دُخُول الدَّار: أَنْت طَالِق ثمَّ طَالِق ثمَّ طَالِق.
وَأَنت خَبِير بِأَن تراخيه إِنَّمَا يلْزم لَو اعْتبر وجود
مَا عطف بثم مُتَّصِلا بِوُجُود الشَّرْط، وَأما إِذا اعْتبر
متراخيا فَلَا تراخي لحكمه عَنهُ فَإِن قلت كَيفَ يعْتَبر
الْجَزَاء متراخيا عَن الشَّرْط قُلْنَا لكَونه علق على هَذَا
الْوَجْه، وَقد استبان بِهَذَا أَن تَقْرِير السُّكُوت فِي
زمَان التَّعْلِيق بِحَيْثُ يمْنَع عِنْد كَون مَجْمُوع
المتعاطفات مُعَلّقا بِالشّرطِ فِي صُورَتي تَقْدِيم الشَّرْط
وتأخيره مَعَ أَنه لَا يتَصَوَّر هُنَاكَ تَرْتِيب الحكم مَا
لَا يظْهر لَهُ وَجه فَتدبر (وَلَو اكْتفى) أَبُو حنيفَة فِي
اعْتِبَار التَّرَاخِي فِي التَّكَلُّم (بِاعْتِبَارِهِ) أَي
التَّرَاخِي الْمَذْكُور (شرعا) أَي من حَيْثُ الشَّرْع لَا من
حَيْثُ اللُّغَة (فَفِي محلّة تراخي حكمه) أَي فَلَا يعْتَبر
حِينَئِذٍ إِلَّا فِي مَحل تراخي حكم الْإِنْشَاء (وَهُوَ) أَي
مَحل تراخيه إِنَّمَا يتَحَقَّق
(2/79)
(فِي الْإِضَافَة) كَمَا إِذا قَالَ أَنْت
طَالِق غَدا (وَالتَّعْلِيق) كَمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق
إِن دخلت الدَّار (دون عطفه) بعض أَجزَاء الْإِنْشَاء (بثم)
على الْبَعْض (لِأَنَّهُ) أَي الْعَطف (النزاع) أَي مَحل
النزاع، أَو المنازع فِيهِ (على أَنا نمنعه) أَي تراخي الحكم
(فيهمَا) أَي الْإِضَافَة وَالتَّعْلِيق (أَيْضا بِمَعْنى
اعْتِبَار السُّكُوت، وَمَا قيل) قَالَه غير وَاحِد (هِيَ) أَي
ثمَّ (للتراخي فَوَجَبَ كَمَاله) لانصراف الْمُطلق إِلَى
الْكَامِل (وَهُوَ) أَي كَمَاله (بِاعْتِبَارِهِ) أَي
التَّرَاخِي فِي التَّكَلُّم وَالْحكم (مَمْنُوع) الْمُقدمَة
(الثَّانِيَة) أَي كَمَاله بِاعْتِبَارِهِ (إِذْ الْمَفْهُوم)
من التَّرَاخِي بثم (لَيْسَ غير حكم اللَّفْظ) أَي التَّرَاخِي
بِاعْتِبَار حكم اللَّفْظ (فِي الْإِنْشَاء وَمَعْنَاهُ) أَي
وتراخي معنى اللَّفْظ (فِي الْخَبَر، وَهَذَا) الْجَواب (يصلح)
جَوَابا (عَن الأول أَيْضا) وَهُوَ مَا ظن دَلِيلا (وَكَذَا)
ثمَّ للتراخي (فِي الْجمل) أَيْضا (وموهم خِلَافه) أَي خلاف
كَونهَا للتراخي فِيهَا من نَحْو قَوْله تَعَالَى - {وَإِنِّي
لغفار لمن تَابَ وآمن وَعمل صَالحا ثمَّ اهْتَدَى} : إِذْ
الاهتداء لَيْسَ بمتراخ عَن الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح،
وَقَوله تَعَالَى - {فَلَا اقتحم الْعقبَة} - إِلَى قَوْله
{ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا} إِذْ كَونه من الْمُؤمنِينَ
الخ لَيْسَ بمتراخ عَمَّا ذكر قبله، إِذْ هُوَ أصل كل طَاعَة
(تؤول بترتب الِاسْتِمْرَار) أَي ثمَّ اسْتمرّ على الْهدى،
ثمَّ اسْتمرّ على الْإِيمَان كَمَا قيل:
(لكل إِلَى نيل العلى حركات ... وَلَكِن عَزِيز فِي الرِّجَال
ثبات)
وَيجوز أَن يكون فِي نَحْوهمَا مستعار للتفاوت فِي الْمرتبَة
والمنزلة، فَإِن للاهتداء الْكَامِل مرتبَة بعيدَة عَن حُدُوث
أصل الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح، وَأما مرتبَة الْإِيمَان
بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ذكر قبله فَلَا تحْتَاج إِلَى
الْبَيَان.
مسئلة
(تستعار) ثمَّ (لِمَعْنى الْوَاو) إِذْ كل مِنْهُمَا للْجمع
بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ غير أَن الْجمع غير
مَفْهُوم أَحدهمَا ولازم مَفْهُوم الآخر، وَذَلِكَ نَحْو
قَوْله تَعَالَى - {وَإِمَّا نرينك بعض الَّذِي نعدهم أَو
نتوفينك فإلينا مرجعهم (ثمَّ الله شَهِيد} على مَا
يَفْعَلُونَ} - أَي وَالله شَهِيد: إِذْ لَا يُمكن حملهَا على
الْحَقِيقَة: إِذْ لَا يتَصَوَّر تراخي مَضْمُون الله شَهِيد
عَمَّا قبله (إِن لم يكن) قَوْله تَعَالَى شَهِيد (مجَازًا عَن
معاقب) على مَا يَفْعَلُونَ، إِذْ الْعقَاب لَازم لشهادته،
وَإِلَيْهِ ينْتَقل الذِّهْن (فِي مقَام التهديد فَفِي) قَوْله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا
خيرا مِنْهَا (فليأت بِالَّذِي هُوَ خير ثمَّ ليكفر) عَن
يَمِينه كلمة " ثمَّ (حَقِيقَة) لِأَن التَّكْفِير متراخ عَن
الْإِتْيَان بِمَا يُوجب الْكَفَّارَة (ومجاز عَن الْجمع)
الَّذِي هُوَ معنى الْوَاو (فِي فليكفر ثمَّ ليأت) على مَا ورد
فِي بعض الرِّوَايَات،
(2/80)
وَقد يعْطف بِالْوَاو مَا هُوَ مقدم فِي
الْوُجُود على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم
يكن مجَازًا عَن الْجمع، وَكَانَ مَحْمُولا على الْحَقِيقَة
(كَانَ الْأَمر) بالتكفير على وَجه التَّقْدِيم على
الْإِتْيَان بِمَا يُوجِبهُ (للْإِبَاحَة) إِذْ لَا قَائِل
بِوُجُوب التَّكْفِير قبل الْحِنْث (و) كَانَ (الْمُطلق) أَي
مُطلق التَّكْفِير المفاد بقوله فليكفر (للمقيد) أَي مَا سوى
الصَّوْم: أَي التَّكْفِير بِمَا سوى الصَّوْم من الْإِطْعَام
وَالْكِسْوَة والتحرير (فَيتَحَقَّق مجازان) كَون الْأَمر
للْإِبَاحَة وَالْمُطلق للمقيد من غير ضَرُورَة (وعَلى
قَوْلنَا) مجَاز (وَاحِد) هُوَ كَون ثمَّ بِمَعْنى الْوَاو
ضَرُورَة الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ.
مسئلة
(بل قيل) مَعْطُوف (مُفْرد للإضراب فَبعد الْأَمر كاضرب زيدا
بل بكرا، وَالْإِثْبَات) مَعْطُوف على الْأَمر، والتقابل
بِاعْتِبَار أَن الْإِثْبَات إِخْبَار نَحْو (قَامَ زيد بل بكر
لإثباته) أَي مَا قبله من الْأَمر وَالْإِثْبَات (لما بعْدهَا)
وَالْمرَاد بالإثبات الثَّانِي أَن يَجْعَل الْمَعْطُوف بهَا
كالمعطوف عَلَيْهِ فِي كَونه مُتَعَلق الْأَمر أَو
الْإِثْبَات، وَيثبت لَهُ ذَلِك النَّوْع من النِّسْبَة فبكر
مَطْلُوب الضَّرْب فِي الأول مُسْند إِلَيْهِ الْقيام فِي
الثَّانِي (وَجعل الأول) وَهُوَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ: أَي
ولجعل الأول (كالمسكوت فَهُوَ) أَي الأول (على الِاحْتِمَال)
بَين أَن يكون مَطْلُوب الضَّرْب أَو غير مَطْلُوبه فِي
الْمِثَال الأول، وَبَين أَن يكون مَوْصُوفا بِالْقيامِ أَو
غير مَوْصُوف بِهِ فِي الْمِثَال الثَّانِي، وَهَذَا إِذا لم
يذكر مَعَ لَا (وَمَعَ لَا) نَحْو: جَاءَنِي زيد لَا بل عَمْرو
(ينص) أَي ينص حَال كَونه مَعَ لَا (على نَفْيه) الْإِضَافَة
لأدني مُلَابسَة: إِذْ الأول لَيْسَ بمنفي بل نفى عَنهُ تِلْكَ
النِّسْبَة الَّتِي فهم حُصُولهَا لَهَا قبل ذكر بل مَعَ لَا،
هَذَا إِذا كَانَ ضمير نَفْيه للمعطوف عَلَيْهِ، وَأما إِذا
كَانَ لما قبله فالإضافة ظَاهِرَة (وَهُوَ) أَي بل بِغَيْر لَا
أَو الإضراب (فِي كَلَام غَيره تَعَالَى تدارك) ، ثمَّ فسر
كَونه تداركا بقوله (أَي كَون الْأَخْبَار الأول أولى مِنْهُ)
الْأَخْبَار (الثَّانِي فَيعرض عَنهُ) أَي عَن الأول
(إِلَيْهِ) أَي إِلَى الثَّانِي (لَا إِبْطَاله) أَي لَا أَنه
إبِْطَال الأول وَإِثْبَات الثَّانِي (كَمَا قيل، وَبعد
النَّهْي) كلا تضرب زيدا بل عمروا (وَالنَّفْي) كَمَا قَامَ
زيد بل عَمْرو (لإِثْبَات ضِدّه) أَي ضد مَا قبله من النَّهْي
لما بعْدهَا (وَتَقْرِير الأول) لَا لجمعه كالمسكوت عَنهُ،
فَفِي الأول قررت النَّهْي عَن ضرب زيد، وَأثبت الْأَمر
بِضَرْب عَمْرو، وَفِي الثَّانِي قررت نفي الْقيام عَن زيد
وأثبته لعَمْرو (و) قَالَ (عبد القاهر) الْجِرْجَانِيّ وَبَعض
النُّحَاة بل كَذَلِك لَكِن (يحْتَمل نقل النَّهْي وَالنَّفْي)
عَن الأول (إِلَيْهِ) أَي إِلَى الثَّانِي. قَالَ ابْن مَالك
وَهُوَ مُخَالف لاستعمال الْعَرَب
(2/81)
(فَقَوْل زفر يلْزمه ثَلَاثَة فِي لَهُ
عَليّ دِرْهَم بل دِرْهَمَانِ لَا يتَوَقَّف على إِفَادَة
إبِْطَال الأول وَإِن قيل بِهِ) أَي بإبطاله أَو بتوقفه
يَعْنِي زعم بَعضهم أَن قَول زفر مَوْقُوف على كَون بل إبطالا
للْأولِ لِأَنَّهُ إِذا كَانَت كَذَلِك فَفِي الاعترافات
والإنشاءات يلْزم على الْمُتَكَلّم حكم مَا قبلهَا وَمَا
بعْدهَا لعَجزه عَن إبِْطَال مَا صدر عَنهُ وَجرى على لِسَانه،
وَإِن قيل بِهِ: يَعْنِي بعض النُّحَاة قَالُوا بِأَنَّهُ
لإبطال الأول لَكِن زفر لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك القَوْل (بل
يَكْفِي) فِي قَوْله بِلُزُوم الثَّلَاثَة (كَونه) أَي الْمقر
أعرض عَن الْإِقْرَار بدرهم حَال كَونه (كالساكت عَنهُ) أَي
عَن الْإِقْرَار بِهِ (بعد إِقْرَاره فِي رده) أَي فِي الإضراب
عَنهُ إِلَى الْإِقْرَار بِدِرْهَمَيْنِ مُتَعَلق بِكَوْنِهِ
أعرض (كالإنشاء) يَعْنِي أَن الِاعْتِرَاف الْمَذْكُور
كالإنشاء إِذا عطف فِيهِ ببل فِي وُقُوع مَا بعْدهَا مَعَ مَا
قبلهَا وَعدم توقفه على إفادتها إبِْطَال الأول وكفاية كَونه
أعرض إِلَى آخِره نَحْو قَوْله للمدخول بهَا أَنْت (طَالِق
وَاحِدَة بل ثِنْتَيْنِ يَقع ثَلَاث وَفِي غير المدخولة) تقع
(وَاحِدَة لفَوَات الْمحل) بالبينونة بِتِلْكَ الْوَاحِدَة
وَهَذَا الَّذِي ذكر فِي غير المدخولة من وُقُوع وَاحِدَة لَا
غير لفَوَات الْمحل (بِخِلَاف تَعْلِيقه كَذَلِك فِي غير
المدخولة (بقوله إِن دخلت فطالق وَاحِدَة، بل ثِنْتَيْنِ يَقع
عِنْد) وجود (الشَّرْط ثَلَاث لِأَنَّهُ) أَي الإضراب ببل
(كتقدير شَرط آخر) فَكَأَنَّهُ قَالَ إِن دخلت فطالق وَاحِدَة
إِن دخلت فَأَنت طَالِق ثِنْتَيْنِ، وَقد عرفت أَن فِي هَذَا
يَقع الثَّلَاث، فَكَذَا فِيمَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَذَلِكَ
لِأَن وُقُوع الْوَاحِدَة فَقَط فِي صُورَة التَّنْجِيز
إِنَّمَا كَانَ لفَوَات الْمحل وَلَا فَوَات هَهُنَا (إِلَّا
حَقِيقَته) أَي تَقْدِير شَرط آخر كَمَا زعم صدر الشَّرِيعَة
(إِذْ لَا مُوجب) لاعتبارها (وتحميل فَخر الْإِسْلَام ذَلِك)
أَي تحميل من جعله اعْتِبَار حَقِيقَة تَقْدِير شَرط آخر بِأَن
عزاهُ إِلَيْهِ لقَوْله لما كَانَ بل لإبطال الأول وَإِقَامَة
الثَّانِي مقَامه كَانَ من قَضيته اتِّصَاله بذلك الشَّرْط
بِلَا وَاسِطَة لَكِن بِشَرْط اتِّصَال الأول، وَلَيْسَ فِي
وَسعه إبِْطَال الأول، وَلَكِن فِي وَسعه إِفْرَاد الثَّانِي
بِالشّرطِ ليتصل بِهِ بِغَيْر وَاسِطَة، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا
بل أَنْت طَالِق ثِنْتَيْنِ إِن دخلت فَيصير كالحلف بيمينين
انْتهى (غير لَازم) يَعْنِي أَنه تحميل فِي معرض السُّقُوط
إِذْ لَا يلْزم من كَلَامه الْمَذْكُور اعْتِبَار حَقِيقَة
شَرط آخر، كَمَا يظْهر من تَعْلِيله تَأمل (بل) قَول فَخر
الاسلام (تَشْبِيه للعجز عَن إبِْطَال) الطَّلَاق (الأول فَلَا
يتوسط) تَفْرِيع عَن الْإِبْطَال: يَعْنِي لَو لم يعجز عَن
إبِْطَال الأول الَّذِي هُوَ مُتَّصِل بِالشّرطِ لأبطله، وَلَو
أبْطلهُ لَا يتَّصل مَا بعد بل بِالشّرطِ، وَلم يَقع إِلَّا
هُوَ لفرض بطلَان الأول لما عجز عَن إِبْطَاله، واتصل الأول
بِالشّرطِ، ثمَّ بِهِ تَعْلِيق، ثمَّ إِنَّه لَا يلغي مَا بعد
بل، وَمن الْمَعْلُوم أَنه لَيْسَ بتنجيز فَتعين إِرَادَة
تَعْلِيق آخر من حَيْثُ الْمَعْنى، لَا من حَيْثُ اللَّفْظ
بِأَن يقدر شَرط آخر غير أَن صَنِيعه يشبه تَقْدِير شَرط آخر،
فَصَارَ التَّشْبِيه محمل قَوْله لَا التَّقْدِير
(بِخِلَافِهِ) أَي الْعَطف
(2/82)
(بِالْوَاو عِنْده) أَي أبي حنيفَة كَأَن
دخلت فطالق وَاحِدَة وثنتين، وَهِي غير مدخولة تبين بالواحدة،
لِأَن الْوَاو للْعَطْف على سَبِيل الْمُشَاركَة، فيتصل
الْمَعْطُوف بِالشّرطِ، لَكِن بِوَاسِطَة الأول مُتَقَدما
فجَاء التَّرْتِيب وَلزِمَ فَوَات الْمَحَلِّيَّة بِتِلْكَ
الْوَاسِطَة (وَقُلْنَا) فِي جَوَاب زفر الإضراب الَّذِي معنى
بل يحصل بِالْإِعْرَاضِ عَن الدِّرْهَم الْوَاحِد (إِلَى
دِرْهَمَيْنِ) حاصلين (بِإِضَافَة) دِرْهَم (آخر إِلَيْهِ) أَي
إِلَى الدِّرْهَم المقربة أَولا، وَلَا يلْزم اعْتِبَار
دِرْهَمَيْنِ يغاير كل مِنْهُمَا (فَلم يبطل الْإِقْرَار)
بِالْأولِ ليقال لَيْسَ فِي وَسعه إِبْطَاله (وَلم يلْزمه
ثلَاثه، وَأما) إِذا كَانَ بل (قبل الْجُمْلَة فالإضراب عَمَّا
قبله) أَي بل (بإبطاله) أَي مَا قبله لَا لجعله كالمسكوت على
الِاحْتِمَال على مَا فِي الْمُفْرد، كَقَوْلِه تَعَالَى
وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا سُبْحَانَهُ (بل عباد مكرمون:
أَي بل هم) عباد مكرمون، إضراب عَن اتِّخَاذ الْوَلَد
وَإِبْطَال لَهُ وَإِثْبَات لكَوْنهم أَي الَّذين زَعَمُوا
الاتخاذ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم عباد مكرمون، وَكَذَا قَوْله
تَعَالَى - {أم يَقُولُونَ بِهِ جنَّة بل جَاءَهُم بِالْحَقِّ}
إضراب عَن الْجُنُون وَإِثْبَات للرسالة لما كَانَ مَا قبل بل
فِي هذَيْن المثالين كَلَام من يَصح إبِْطَال كَلَامه أَفَادَ
أَنه إِذا كَانَ كَلَام من لَا يُمكن إبِْطَال كَلَامه كَيفَ
يَصح وُقُوع بل فِيهِ بقوله (أما فِي كَلَامه تَعَالَى
فللإفاضة) والإفادة (فِي غَرَض آخر) أَي فِي بَيَان فَائِدَة
أُخْرَى من غير إبِْطَال لما قبله فتجرد حِينَئِذٍ عَن
الْإِبْطَال نَحْو قَوْله تَعَالَى - {قد أَفْلح من تزكّى
وَذكر اسْم ربه فصلى بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا} -
وَقَوله تَعَالَى - {ولدينا كتاب ينْطَلق بِالْحَقِّ وهم لَا
يظْلمُونَ (بل قُلُوبهم فِي غمرة} من هَذَا} - (وادعاء حصر
الْقُرْآن عَلَيْهِ) أَي على أَنَّهَا للانتقال من غَرَض إِلَى
آخر كَمَا زَعمه ابْن مَالك (منع بِالْأولِ) أَي بقوله بل عباد
مكرمون، بل بقوله عباد مكرمون، بل جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَقَوله
(لَا عاطفة) عطف على قَوْله للإضراب أَي بل قبل الْجُمْلَة
سَوَاء كَانَت للإضراب أَو للانتقال حرف ابْتِدَاء على مَا
صَرَّحُوا بِهِ، وَنَصّ ابْن هِشَام على أَنه الصَّحِيح،
وَظَاهر كَلَام ابْن مَالك، وَصرح بِهِ بَعضهم بِأَنَّهَا
عاطفة للجملة الَّتِي بعْدهَا على مَا قبلهَا.
مسئلة
(لَكِن للاستدراك) حَال كَونهَا (خَفِيفَة) من الثَّقِيلَة
وعاطفة كَذَا ذكره الشَّارِح، وَفِي الإتقان لَكِن مُخَفّفَة
ضَرْبَان: أَحدهمَا مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة، وَهِي حَرْب
ابْتِدَاء لَا يعْمل، بل لمُجَرّد الِاسْتِدْرَاك، وَلَيْسَت
عاطفة، وَالثَّانِي عاطفة إِذا تَلَاهَا مُفْرد، وَهِي أَيْضا
للاستدراك فَحق الْعبارَة أَن يُقَال إِمَّا مُخَفّفَة من
الثَّقِيلَة أَو عاطفة (وثقيلة، وَفسّر) الِاسْتِدْرَاك
(بمخالفة حكم مَا بعْدهَا لما قبلهَا) أَي لحكمه (فَقَط) حَال
كَونه (ضدا) لما قبلهَا، نَحْو مَا زيد
(2/83)
أَبيض لَكِن أسود (أَو نقيضا) نَحْو مَا
زيد سَاكِنا لَكِن متحركا (وَاخْتلف فِي الْخلاف) نَحْو (مَا
زيد قَائِم) على لُغَة تَمِيم (لَكِن شَارِب، وَقيل)
الِاسْتِدْرَاك مَا ذكر (بِقَيْد رفع توهم تحَققه) صفة توهم
أَي توهم تثبته مَا قبل لَكِن، فِي التَّلْوِيح وَفَسرهُ
الْمُحَقِّقُونَ بِرَفْع التَّوَهُّم النَّاشِئ من الْكَلَام
السَّابِق، مثل مَا جَاءَنِي زيد لَكِن عمر إِذا تفهم
الْمُخَاطب عدم مَجِيء عَمْرو أَيْضا بِنَاء على مُخَالطَة
وملابسة بَينهَا (كليس بِشُجَاعٍ لَكِن كريم) لِأَن الشجَاعَة
وَالْكَرم لَا يفترقان غَالِبا، فنفي أَحدهمَا يَوْم انْتِفَاء
الآخر (وَمَا قَامَ زيد لَكِن بكر للمتلابسين، وَإِذا ولى
الْخَفِيفَة جملَة) بِالرَّفْع على أَنه فَاعل ولى (فحرف
ابْتِدَاء واختلفتا) أَي الجملتان مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا
(كيفا وَلَو) كَانَ اخْتِلَافهمَا كيفا (معنى كسافر زيد لَكِن
عَمْرو حَاضر، أَو) وَليهَا (مُفْرد فعاطفة، وَشَرطه) أَي شَرط
عطفها (تقدم نفي) نَحْو مَا قَامَ زيد لَكِن عَمْرو (أَو نهي)
نَحْو لَا يقم زيد لَكِن عَمْرو (وَلَو ثَبت) مَا قبلهَا فَلم
يكن نفيا وَلَا نهيا (كمل مَا بعْدهَا) بِذكر مَا يتم بِهِ
نسبته (كقام زيد لَكِن عَمْرو لم يقم وَلَا شكّ فِي تأكيدها)
أَي تَأْكِيد لَكِن لمضمون مَا قبلهَا (فِي نَحْو لَو جَاءَ
أكرمته لكنه لم يَجِيء) لدلَالَة لَو على انْتِفَاء الثَّانِي
لانْتِفَاء الأول (وَلم يخصوا) أَي الأصوليون (الْمثل) أَي
كلمة لَكِن فِي الْأَمْثِلَة الْمَذْكُورَة 0 بالعاطفة إِذْ
لَا فرق) بَين العاطفة وَغَيرهَا فِي الْمَعْنى الَّذِي هُوَ
الِاسْتِدْرَاك، فَلَا يعْتَرض التَّمْثِيل بِغَيْر العاطفة
(وفرقهم) أَي جمَاعَة من مَشَايِخنَا (بَينهَا) أَي بَين لَكِن
(وَبَين بل بِأَن بل توجب نفي الأول وَإِثْبَات الثَّانِي
بِخِلَاف لَكِن) فَإِنَّهَا توجب إِثْبَات الثَّانِي، فَأَما
نفي الأول فَإِنَّمَا يثبت بدليله، وَهُوَ النَّفْي
الْمَوْجُود فِي صدر الْكَلَام (مَبْنِيّ على أَنه) أَي
إِيجَابهَا نفي الأول وَإِثْبَات الثَّانِي هُوَ (الإضراب)
كَمَا هُوَ قَول بَعضهم (لَا جعله) أَي لَا على أَن الإضراب
جعل الأول (كالمسكوت) كَمَا هُوَ قَول الْمُحَقِّقين (وعَلى)
قَول (الْمُحَقِّقين يفرق) بَينهمَا (بإفادتها) أَي بل (معنى
السُّكُوت عَنهُ) أَي الأول (بِخِلَاف لَكِن) وَاعْترض
عَلَيْهِ الشَّارِح بِأَن لَكِن أَيْضا تفِيد معنى السُّكُوت
عَن الأول، بل الْفرق أَن بل للإضراب عَن الأول مُطلقًا نفيا
كَانَ أَو إِثْبَاتًا، فَلَا يشْتَرط اخْتِلَافهمَا
بِالْإِيجَابِ وَالسَّلب بِخِلَاف لَكِن، فَإِنَّهُ يشْتَرط
فِي عطف المفردين بهَا كَون الأول منفيا وَالثَّانِي مثبتا،
وَفِي عطف الجملتين اخْتِلَافهمَا فِي النَّفْي وَالْإِثْبَات
انْتهى، وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا الْفرق إِنَّمَا هُوَ
بِاعْتِبَار الشَّرْط لَا بِاعْتِبَار نفس الْمَعْنى، وَمَا
ذكره المُصَنّف إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار أصل الْمَعْنى،
وَلَو كَانَ لَكِن أَيْضا يُفِيد معنى السُّكُوت عَن الأول لما
كَانَ لتصريح الْمُحَقِّقين بِهَذَا الْمَعْنى فِي تَعْرِيف بل
دون لَكِن كَمَا سَمِعت وَجه، وَكَأَنَّهُ زعم أَن وجود الْفرق
الَّذِي ذَكرُوهُ يَنْفِي الْفرق الَّذِي ذكره المُصَنّف (و)
قد (علمت) فِيمَا سبق (عدم اخْتِلَاف الْفُرُوع)
(2/84)
الَّتِي هِيَ اختلافها فِي مسئلة بل على
إِبْطَالهَا الأول كلزوم ثَلَاثَة دَرَاهِم فِي لَهُ دِرْهَم،
بل دِرْهَمَانِ عِنْد زفر ودرهمين عندنَا علمت (على هَذَا
التَّقْدِير) أَي تَقْدِير جعل الأول كالمسكوت (وَقَول الْمقر
لَهُ بِعَين) مُتَعَلق بِالْإِقْرَارِ بِأَن يَقُول من هُوَ
بِيَدِهِ هَذَا لفُلَان فَيَقُول فلَان (مَا كَانَ) لي ذَلِك
الْعين (قطّ لَكِن) كَانَ (لفُلَان) حَال كَون قَوْله لَكِن
لفُلَان (مَوْصُولا) بقوله مَا كَانَ لي قطّ خبر الْمُبْتَدَأ
(يحْتَمل رد الْإِقْرَار) الْمَذْكُور (فَلَا يثبت) الْعين
(لَهُ) أَي للْمقر إِذْ الْإِقْرَار يرْتَد برد الْمقر لَهُ
فَيصير كَالْعدمِ (و) يحْتَمل (التَّحْوِيل) ثمَّ فسر
التَّحْوِيل بقوله (قبُوله) أَي قبُول كَون الْعين لَهُ (ثمَّ
الْإِقْرَار بِهِ) أَي بِالْعينِ لفُلَان فَلَا رد حِينَئِذٍ
للإقرار، فَالْمُرَاد تَحْويل الْعين من ملكه إِلَى ملك فلَان
(فَاعْتبر) هَذَا الِاحْتِمَال (صونا) لإِقْرَاره عَن الإلغاء
(وَالنَّفْي) وَهُوَ قَوْله مَا كَانَ لي رد حِينَئِذٍ (مجَاز:
أَي لم يسْتَمر) ملك هَذَا لي (فانتقل إِلَيْهِ) أَي إِلَى
فلَان (أَو) النَّفْي الْمَذْكُور (حَقِيقَة: أَي اشْتهر)
كَونه (لي وَهُوَ) فِي الْحَقِيقَة (لَهُ فَهُوَ) أَي قَوْله
لَكِن لفُلَان (تَغْيِير للظَّاهِر) أَي قيد فِي الْكَلَام
صَارف لَهُ عَن ظَاهره الَّذِي هُوَ الرَّد، فَكَأَنَّهُ قَالَ
إقرارك صَادِق نظرا إِلَى ظَاهر الْحَال بِحَسب مَا اشْتهر
بَين النَّاس، لَكِن فِي الْحَقِيقَة هُوَ ملك فلَان فَلَيْسَ
برد للإقرار، وَإِذا لم يرد لزم بِمُوجب اعْتِرَاف الْمقر
تَفْوِيض التَّصَرُّف فِي ذَلِك الْعين إِلَى الْمقر لَهُ
فَلَا مُنَازع لَهُ فِيهِ، فَيصح إِقْرَاره لفُلَان،
وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فصح) قَوْله لَكِن لفُلَان قيد مغير
لأوّل الْكَلَام لكَونه (مَوْصُولا) إِذْ شَرط المغير لأوّل
الْكَلَام اتِّصَاله بِهِ، وَهُوَ مَوْجُود (فَيثبت النَّفْي)
الْمَدْلُول عَلَيْهِ بقوله مَا كَانَ لي قطّ (مَعَ
الْإِثْبَات) يَعْنِي إِثْبَات كَون الْمعِين لفُلَان بالتأويل
الْمَذْكُور لعدم حمل صدر الْكَلَام على ظَاهره وَهُوَ الرَّد
(للتوقف) أَي لتوقف تعْيين المُرَاد من الْكَلَام على آخِره
(للمغير) أَي لوُجُود الْقَيْد المغير فِي آخِره (وَمِنْه) أَي
من هَذَا الْقَبِيل (ادّعى دَارا على جَاحد) دَعْوَى مقرونة
(بَيِّنَة فَقضى) لَهُ بهَا (فَقَالَ) الْمقْضِي عَلَيْهِ،
وَفسّر الشَّارِح الضَّمِير بالجاحد فأفسد (مَا كَانَت)
الدَّار (لي لَكِن) كَانَت (لزيد) حَال كَون قَوْله لَكِن لزيد
(مَوْصُولا) بقوله مَا كَانَ لي (فَقَالَ) زيد (كَانَ) الدَّار
(لَهُ) أَي للمقضي لَهُ، وَفسّر الشَّارِح هَهُنَا أَيْضا
الضَّمِير بالجاحد، فَعلم أَن التَّفْسِير الأول لم يكن سَهْو
الْقَلَم (فباعنيه) الْمقْضِي لَهُ (بعد الْقَضَاء فَهِيَ)
الدَّار (لزيد لثُبُوته) أَي الْإِقْرَار لزيد (مُقَارنًا
للنَّفْي للوصل) إِذْ الْمَفْرُوض أَنه وصل قَوْله لَكِن لزيد
بِالنَّفْيِ، وَلَو كَانَ مَفْصُولًا لكَانَتْ الدَّار للمقضي
عَلَيْهِ لما سَيظْهر (والتوقف) أَي وَلكَون صدر الْكَلَام
وَهُوَ النَّفْي مَوْقُوفا على مَا بعده لكَونه قيدا لَهُ
مغيرا صارفا إِيَّاه عَن ظَاهره وَهُوَ الِاعْتِرَاف بِكَوْن
الدَّار للمقضي عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَتَكْذيب
شُهُوده) أَي تَكْذِيب
(2/85)
الْمقْضِي لَهُ شُهُوده (وَإِثْبَات ملك
الْمقْضِي عَلَيْهِ حكمه) أَي مُوجب كَلَامه. قَالَ صدر
الشَّرِيعَة لِأَنَّهُ إِذا وصل فَكَأَنَّهُ تكلم بِالنَّفْيِ
وَالْإِثْبَات مَعًا، فَثَبت موجبهما وَهُوَ النَّفْي عَن
نَفسه وَثُبُوت ملك زيد، ثمَّ تَكْذِيب الشُّهُود وَإِثْبَات
ملك الْمقْضِي عَلَيْهِ لَازم انْتهى (فَتَأَخر) الحكم
الْمَذْكُور: أَعنِي إِثْبَات ملك الْمقْضِي عَلَيْهِ
بِالنَّفْيِ (عَنهُ) وَتَكْذيب الشُّهُود بِسَبَب صيرورة
الدَّار لزيد (فقد أتلفهَا) أَي الْمقر الدَّار (على الْمقْضِي
عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ لزيد على ذَلِك الْوَجْه) أَي بِنَفْي
كَونهَا لَهُ وَوصل كَونهَا لزيد بِالنَّفْيِ بعد الْقَضَاء
لَهُ (فَعَلَيهِ) أَي الْمقْضِي لَهُ الْمقر لزيد (قيمتهَا)
للمقضي عَلَيْهِ (وَلَو صدقه) أَي الْمقر لَهُ، وَهُوَ زيد
الْمقْضِي لَهُ (فِيهِ) أَي فِي النَّفْي أَيْضا كَمَا صدقه
فِي الْإِقْرَار لَهُ (ردَّتْ) الدَّار (للمقضي عَلَيْهِ
لِاتِّفَاق الْخَصْمَيْنِ) الْمقْضِي لَهُ وَالْمقر لَهُ (على
بطلَان الحكم) أَي حكم القَاضِي للْمُدَّعِي الْمَذْكُور
(بِبُطْلَان الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة) أما الْمقْضِي لَهُ
فَلِأَنَّهُ قَالَ مَا كَانَت الدَّار لي لَكِنَّهَا لزيد،
فَعلم أَنه كَانَ دَعْوَاهُ بَاطِلا، وَكَانَ شُهُوده كاذبين،
وَأما الْمقر لَهُ فَكَذَلِك إِذا صدقه فِي النَّفْي
الْمَذْكُور، وَقَوله بَاعَنِي بعد الْقَضَاء بعد تَصْدِيقه
فِي النَّفْي اعْتِرَاف بِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يملكهُ فِي
نفس الْأَمر (وَشرط عطفها) أَي لَكِن (الاتساق) هُوَ فِي
الأَصْل الانتظام، وَالْمرَاد بِهِ هَاهُنَا مَا أوضحه بعطف
بَيَانه، وَهُوَ قَوْله (عدم اتِّحَاد مَحل النَّفْي
وَالْإِثْبَات) اللَّذين يتوسط بَينهمَا لَكِن إِذْ لَو اتَّحد
لم يبْق للْكَلَام انتظام وَلم يُمكن الْجمع بَينهمَا فَلم
يتَحَقَّق الْعَطف (وَهُوَ) أَي الاتساق (الأَصْل فَيحمل)
الْكَلَام الْمُشْتَمل عَلَيْهَا (عَلَيْهِ) أَي الاتساق إِن
احْتمل اتِّحَاد محلهَا، وَإِن كَانَ ظَاهرا فِيهِ (مَا أمكن)
بِخِلَاف مَا إِذا لم يُمكن، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تكون
عاطفة (فَلِذَا) أَي لوُجُوب الْحمل عَلَيْهَا مَا أمكن
بِخِلَاف مَا إِذا لم يُمكن (صَحَّ) قَول الْمقر لَهُ
مُتَّصِلا (لَا لَكِن غصب جَوَاب) قَول الْمقر (لَهُ عَليّ
مائَة قرضا لصرف النَّفْي) يَعْنِي قَوْله (للسبب) تَعْلِيل
للصِّحَّة، وَالْمرَاد بِالسَّبَبِ الْقَرْض: أَي لَيْسَ سَبَب
شغل ذمَّته بِالْمِائَةِ الْقَرْض، ثمَّ تدارك بِبَيَان سَبَب
آخر وَهُوَ الْغَصْب فَصَارَ الْكَلَام منتظما وَصَحَّ الْعَطف
بهَا وَلَا يكون ردا لإِقْرَاره، بل لخُصُوص السَّبَب
(بِخِلَاف من بلغه تَزْوِيج أمته) فضولا (بِمِائَة، فَقَالَ
لَا أُجِيز النِّكَاح وَلَكِن) أجيزه (بمائتين) فَإِنَّهُ لَا
يُمكن حمله على الاتساق، لِأَن اتساقه أَن لَا يَصح النِّكَاح
الْمَوْقُوف بِمِائَة، لَكِن يَصح بمائتين، وَهُوَ غير مُمكن،
لِأَن الَّذِي عقده الْفُضُولِيّ قد أبْطلهُ الْمولى بقوله لَا
أُجِيز النِّكَاح فَلم يبْق نِكَاح آخر مَوْقُوف ليجيزه بقوله:
وَلَكِن بمائتين، ثمَّ أَن الْإِجَازَة لَا تلْحق إِلَّا تعين
الْمَوْقُوف، فَلَزِمَ اتِّحَاد مَحل النَّفْي وَالْإِثْبَات،
وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (للاتحاد) أَي اتِّحَاد مَحل
النَّفْي وَالْإِثْبَات، وَذَلِكَ (لنفي أصل النِّكَاح) بقوله
لَا أُجِيز النِّكَاح (ثمَّ ابْتِدَائه)
(2/86)
أَي ابْتِدَاء النِّكَاح (بِقدر آخر) من
الْمهْر (بعد الِانْفِسَاخ) أَي انْفِسَاخ عقد الْفُضُولِيّ
وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا إجَازَة العقد الْمَوْقُوف على إِجَازَته
لَا إنْشَاء عقد آخر بِمهْر آخر (بِخِلَاف) قَوْله (لَا أجيزه)
أَي النِّكَاح (بِمِائَة لَكِن) أجيزه (بمائتين) فَإِن
النَّفْي الدَّاخِل على الْمُقَيد بتوجه على الْقَيْد وَهُوَ
هَهُنَا قَوْله بِمِائَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لِأَن
التَّدَارُك) بلكن (فِي قدر الْمهْر لَا أصل النِّكَاح) فَيكون
متسقا.
مسئلة
(أَو قبل مُفْرد لإِفَادَة أَن حكم مَا قبلهَا ظَاهر لأحد
الْمَذْكُورين) اسْمَيْنِ كَانَا أَو فعلين. قَوْله ظَاهرا قيد
للإفادة بِاعْتِبَار كَون المفاد ثُبُوت الحكم لأَحَدهمَا:
إِذْ بِحَسب التَّحْقِيق والمآل تَارَة يُسْتَفَاد كَونه لكل
مِنْهُمَا كَمَا إِذا وَقعت فِي سِيَاق النَّفْي، ثمَّ بَين
الْمَذْكُورين بقوله (مِنْهُ) أَي مِمَّا قبلهَا (وَمَا
بعْدهَا وَلذَا) أَي ولكونها لإِفَادَة الحكم لأَحَدهمَا لَا
على التَّعْيِين (عَم) الحكم كل وَاحِد مِنْهُمَا (فِي) سِيَاق
(النَّفْي) لِأَن مَفْهُوم أَحدهمَا يصدق على كل وَاحِد
مِنْهُمَا بِخُصُوصِهِ فَهُوَ أَعم من كل بِخُصُوصِهِ وَنفي
الحكم عَن الْأَعَمّ يسْتَلْزم نَفْيه عَن الْأَخَص (و) كَذَا
فِي (شبهه) أَي شبه النَّفْي وَهُوَ النَّهْي (على
الِانْفِرَاد) مُتَعَلق بعم وعمومه على الِانْفِرَاد أَن
يتَحَقَّق فِي كل مِنْهُمَا منتقلا فَقَوله تَعَالَى: و {لَا
تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} وَكَذَا قَول الْحَالِف وَالله
(لَا أكلم زيدا أَو بكرا منع) للمخاطب والحالف (من كل) أَي من
إطاعة كل من الآثم والكفور فِي الأول، وَفِي تكليم كل من زيد
وَبكر فِي الثَّانِي لِأَن التَّقْدِير والمآل لَا تُطِع
(وَاحِدًا مِنْهُمَا) وَلَا أكلم وَاحِد مِنْهُمَا وَهُوَ
نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي وَالنَّهْي فتعم (لَا) أَن
التَّقْدِير لَا تُطِع وَلَا أكلم (أَحدهمَا ليَكُون معرفَة)
فَلَا يعم، وَذَلِكَ لعدم الْإِضَافَة على التَّقْدِير الأول
ووجودها على الثَّانِي (وَحِينَئِذٍ لَا يشكل بِلَا أقرب) أَي
بوالله لَا أقرب (ذى أَو ذى) إِشَارَة إِلَى زوجيته بِأَن
يُقَال أَو لأحد الْأَمريْنِ، وَمُقْتَضَاهُ أَن لَا يصير
موليا مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَحكم المسئلة أَنه (يصير موليا
مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ فِي معنى وَاحِدَة مِنْهُمَا وَالْمعْنَى
لَا يشكل بِأَن يُقَال لَا أقرب ذى أَو ذى مثل: لَا أقرب أحدا
كَمَا لِأَن أَو لأحد الْأَمريْنِ، فَلم قُلْتُمْ فِي الأول
يصير موليا مِنْهُمَا؟ (فتبينان) مَعًا عِنْد انْقِضَاء مُدَّة
الْإِيلَاء: وَهُوَ أَرْبَعَة أشهر من غير فَيْء (وَفِي)
قَوْله لَا أقرب (أحدا كَمَا) يصير موليا (من إِحْدَاهمَا) لَا
مِنْهُمَا، وَذَلِكَ لِأَن إِحْدَى بِسَبَب الْإِضَافَة صَارَت
معرفَة فَلَا تعم فِي سِيَاق النَّفْي (بِخِلَافِهِ) أَي
بِخِلَاف الْمَنْع من الْأَمريْنِ (بِالْوَاو) بدل أَو كلا
أكلم زيدا وعمرا (فَإِنَّهُ) أَي الْمَنْع بِالْوَاو (من
الْجمع) لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة لَهُ فَيتَعَلَّق بالمجموع
(لعُمُوم الِاجْتِمَاع)
(2/87)
خبر بعد خبر لِأَن: أَي لَيْسَ لعُمُوم
الِانْفِرَاد كَمَا فِي أَو فَتبقى صور الِاجْتِمَاع كلهَا
وَلَا تبقى صور الِانْفِرَاد فيكلم أَحدهمَا دون الآخر كَمَا
قَالَ (فَلَا يَحْنَث بِأَحَدِهِمَا) أَي بِكَلَام أَحدهمَا
(إِلَّا بِدَلِيل) يدل على أَن المُرَاد الِامْتِنَاع من كل
مِنْهُمَا فَيحنث بِأَحَدِهِمَا (كلا تزن وتشرب) الْخمر
فَإِنَّهُ يَأْثَم بِكُل مِنْهُمَا للقرينة الدَّالَّة على
الِامْتِنَاع من كل مِنْهَا وَهِي حُرْمَة كل مِنْهُمَا (أَو
يَأْتِي بِلَا) الزَّائِدَة الْمُؤَكّدَة للنَّفْي، مَعْطُوف
على قَوْله بِدَلِيل، تَقْدِيره إِلَّا بِدَلِيل أَو بِأَن
يَأْتِي بِلَا مثل مَا رَأَيْت (لَا زيدا وَلَا بكرا وَنَحْوه)
مِمَّا يُفِيد هَذَا (وتقييده) أَي تَقْيِيد كَون الْمَنْع
بِالْوَاو من الْجمع (بِمَا إِذا كَانَ للاجتماع تَأْثِير فِي
الْمَنْع) أَي فِي منع الْحَالِف مثلا من تنَاول الْأَمريْنِ
كَمَا إِذا حلف لَا يتَنَاوَل السّمك وَاللَّبن لما فِي
اجْتِمَاعهمَا من الضَّرَر (بَاطِل) خبر تَقْيِيده (بِنَحْوِ
لَا أكلم زيدا وعمرا وَكثير) مِمَّا هُوَ للْمَنْع من الْجمع
مَعَ أَنه لَا تَأْثِير للاجتماع فِي الْمَنْع (والعموم)
المُرَاد (بِأَو) أَي مَا يشْتَمل عَلَيْهِ (فِي الْإِثْبَات
كلا أكلم أحدا إِلَّا زيدا أَو بكرا) إِذْ النَّفْي قد انْتقض
بِالِاسْتِثْنَاءِ فَيحنث بِتَكْلِيم غَيرهمَا لَا بتكليمهما
وَلَا بِتَكْلِيم أَحدهمَا، إِنَّمَا يفهم (من خَارج) وَهُوَ
الْإِبَاحَة الْحَاصِلَة من الِاسْتِثْنَاء من الْحَظْر
لِأَنَّهَا إِطْلَاق وَرفع قيد، كَذَا ذكره الشَّارِح،
وَالْأَظْهَر أَنه للْإِبَاحَة لِأَن الْكَلَام الْمُشْتَمل
على الِاسْتِثْنَاء تكلم بِمَا بَقِي بعد الثنيا، فالمنفي
إِنَّمَا هُوَ كَلَام من عداهما، وَأَيْضًا الْمُسْتَثْنى
كَلَام أَحدهمَا سَوَاء كَانَ فِي ضمن الِانْفِرَاد والاجتماع
وَهُوَ على سَبِيل منع الْخُلُو لَا الْجمع إِذْ علم من
استثنائه أَنه لَا يكره كَلَامهمَا، وَلَيْسَ فِي الْجمع
بَينهمَا مَا يُوجب كَرَاهَته (فَهِيَ) أَي أَو (للأحد فيهمَا)
أَي النَّفْي وَالْإِثْبَات، غير أَنه يُسْتَفَاد الْعُمُوم
تَارَة بسياق النَّفْي وَتارَة بِغَيْرِهِ كَمَا عرفت (فَمَا
قيل) كَمَا ذكره فَخر الْإِسْلَام وَمن تبعه من أَن أَو
(تستعار للْعُمُوم تساهل) إِذْ هِيَ لم تسْتَعْمل فِي
الْعُمُوم إِذْ هُوَ يُسْتَفَاد من الْخَارِج غير أَنه لما
كَانَ مُتَعَلقا فِي بعض الْموَاد محلا للْعُمُوم الْحَاصِل من
غَيرهَا، قيل يستعار لَهُ مُسَامَحَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ
بقوله (بل يثبت) الْعُمُوم (مَعهَا لَا بهَا وَلَيْسَت) أَو
(فِي الْخَبَر للشَّكّ أَو التشكيك) كَمَا ذكره أَبُو زيد
وَأَبُو إِسْحَاق الاسفرايني وَجَمَاعَة من النُّحَاة
لانْتِفَاء كَونهَا لما ذكر (لَا لِأَن الْوَضع) أَي وضع
الْأَلْفَاظ (للإفهام وَهُوَ) أَي الإفهام (مُنْتَفٍ) فِي
الشَّك والتشكيك (لِأَنَّهُ إِن أُرِيد) بالإفهام الْمَذْكُور
(إفهام الْمعِين) الَّذِي لَا إِبْهَام فِيهِ (منعنَا الْحصْر)
وَيُقَال لَا، ثمَّ أَن الْوَضع لَيْسَ إِلَّا للإفهام كَيفَ
والإجمال مِمَّا وضع لَهُ وَهُوَ غير معِين (أَو) أُرِيد بِهِ
الإفهام (مُطلقًا) سَوَاء كَانَ مُبْهما أَو معينا (لم يفد)
التَّعْلِيل الْمَذْكُور الْمَطْلُوب، لِأَن الإفهام الْمُطلق
حَاصِل فِي الشَّك والتشكيك إِذْ رَأَيْت زيدا أَو عمرا
أَفَادَ تَعْلِيق الرُّؤْيَة بِوَاحِدَة مِنْهُمَا لَا على
التعين، وَالشَّكّ إِنَّمَا هُوَ فِي الْخُصُوص (بل) يَنْفِيه
(لِأَن الْمُتَبَادر) من الْكَلَام الْمُشْتَمل عَلَيْهَا
(أَولا إِفَادَة النِّسْبَة إِلَى أَحدهمَا)
(2/88)
أَي المتعاطفين بأولا على التَّعْيِين،
والتبادر دَلِيل الْحَقِيقَة فَهُوَ الْمَعْنى الْمُسْتَعْمل
فِيهِ (ثمَّ ينْتَقل) الذِّهْن بعد ذَلِك (إِلَى كَون سَبَب
الْإِبْهَام أَحدهمَا) أَي الشَّك من الْمُتَكَلّم إِن لم يكن
عَالما والتشكيك إِن كَانَ عَالما بِطرف النِّسْبَة عينا
وَأَرَادَ أَن يلبس على السَّامع (فَهُوَ) أَي الشَّك والتشكيك
مَدْلُول (التزامي) للْكَلَام (عادي لَا عَقْلِي) لِإِمْكَان
انفكاكهما بِأَن يَسْتَفِيد السَّامع نِسْبَة الْمَجِيء إِلَى
أَحدهمَا مُبْهما من غير أَن ينْتَقل ذهنه إِلَى سَبَب
الْإِبْهَام إِلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لِإِمْكَان
عدم إخطاره) كَذَا فِي نُسْخَة، وَفِي نُسْخَة أُخْرَى عدم
إِحْضَاره (وَعنهُ) أَي وَعَن كَون الشَّك أَو التشكيك مدلولا
التزاميا عاديا لأو (تجوز بِأَنَّهَا للشَّكّ) قَالَ الشَّارِح
لعلاقة التلازم العادي فَكَأَنَّهُ لم يفرق بَين تجوز بهَا عَن
الشَّك وَتجوز بِأَنَّهَا للشَّكّ.
وَأَنت خَبِير بِأَن التَّجَوُّز على الأول فِي أَو، وعَلى
الثَّانِي فِي أَنَّهَا للشَّكّ: أَي فِي هَذَا الحكم إِذْ
هِيَ فِي الْحَقِيقَة لما يلْزمه الشَّك عَادَة لَا لنَفس
الشَّك (وَقد يعلم بِخَارِج التَّعْيِين) أَي قد يعلم طرف
النِّسْبَة بِعَيْنِه من الْخَارِج فَلَيْسَ المُرَاد إِفَادَة
كَون أحد الْأَمريْنِ لَا على التَّعْيِين) طرف النِّسْبَة
إِذْ لَا حاجه إِلَيْهِ كَمَا أَنه لَا حَاجَة إِلَّا إِفَادَة
كَون أَحدهمَا بِعَيْنِه طرفها (فَيكون) أَو حِينَئِذٍ
(للإنصاف) . أَي لإِظْهَار النصفة حَتَّى أَن كل من سَمعه من
موَالٍ ومخالف يَقُول لمن خُوطِبَ بِهِ قد أنصفك الْمُتَكَلّم
نَحْو قَوْله تَعَالَى - (وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ الْآيَة)
{لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين} - قَالَ الْعَلامَة
الْبَيْضَاوِيّ: أَي وَأَن أحد الْفَرِيقَيْنِ من
الْمُوَحِّدين المتوحد بالرزق وَالْقُدْرَة الذاتية
بِالْعبَادَة، وَالْمُشْرِكين بِهِ الجماد النَّازِل فِي أدنى
الْمَرَاتِب الإمكانية لعلى أحد الْأَمريْنِ من الْهدى والضلال
الْمُبين وَهُوَ بعد مَا تقدم من التَّقْرِير البليغ الدَّال
على من هُوَ على الْهدى وَمن هُوَ فِي ضلال أبلغ من
التَّصْرِيح لِأَنَّهُ فِي صور الْإِنْصَاف المسكت للخصم
المشاغب انْتهى فَإِن قلت أَن الْإِنْصَاف إِنَّمَا يحصل
بالترديد فِي جَانب الْمسند بتجويز الْهِدَايَة والضلال صُورَة
فِي الموحد والمشرك فَمَا وَجه الترديد فِي جَانب الْمسند
إِلَيْهِ، وَلم لم يقل إِنَّا وَإِيَّاكُم؟ وَأَيْضًا كَون أحد
الْفَرِيقَيْنِ مَوْصُوفا بِأحد الْأَمريْنِ بديهي جلي فَمَا
فَائِدَة الْأَخْبَار بِهِ؟ قلت فَائِدَته التَّنْبِيه على أَن
الْعَامِل إِذا علم أَن أمره دَار بَين السَّعَادَة الأبدية
والشقاوة السرمدية يجب عَلَيْهِ بذل الوسع جَمِيع الْعُمر فِي
استكشاف طَرِيق النجَاة، والترديد فِي جَانب الْمسند إِلَيْهِ
يزِيد فِي الْإِنْصَاف لما يُوهِمهُ الترديد من التَّسْوِيَة
بَين شقيه بِصُورَة المعادلة بَينهمَا وَتَحْقِيق الْجَواب
عَنْهُمَا أَنه قصد بِهَذَا الْكَلَام معنى لَا يحصل إِلَّا
بالترديدين مَعًا، وَهُوَ أَن الْفَرِيقَيْنِ لَا
يَجْتَمِعَانِ على الْهِدَايَة وَلَا على الضَّلَالَة فَلَو
قَالَ إِنَّا وَإِيَّاكُم إِلَى آخِره لَكَانَ الْمَعْنى
إِنَّا لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين وَأَنْتُم كَذَلِك وَهَذَا
لَا يُفِيد الْمَقْصُود لجَوَاز اجْتِمَاعهمَا على أحد شقي
الترديد، بِخِلَاف وَأَنا وَإِيَّاكُم فَإِنَّهُ لَا يحْتَمل
(2/89)
ذَلِك، فَإِن قيل هَذَا إِذا جعل قضيتين:
إِحْدَاهمَا، إِنَّا وَإِيَّاكُم لعلى هدى على سَبِيل منع
الْجمع وَالْأُخْرَى إِنَّا أَو إيَّاكُمْ لفي ضلال كَذَلِك،
فَحِينَئِذٍ لَا يُمكن اتِّفَاقهمَا على الْهِدَايَة وَلَا على
الضَّلَالَة، وَالظَّاهِر أَنه قَضِيَّة وَاحِدَة مرددة
الْمَوْضُوع والمحمول حاصلها الحكم على أحد الْفَرِيقَيْنِ
بِأحد الْأَمريْنِ على سَبِيل منع الْجمع، فَلَو فرض كَونهمَا
جَمِيعًا على الْهِدَايَة مثلا صدقت قُلْنَا لَا نسلم أَن
ظَاهره مَا ذكرت، بل هُوَ عرفا عبارَة عَن تينك القضيتين
واختصار لَهما وَالله أعلم، ثمَّ عطف على قَوْله قبل مُفْرد
(وَقبل جملَة لِأَن الثَّابِت) أَي لإِفَادَة أَن الثَّابِت
(أحد المضمونين وَكَذَا تجوز) أَي كَمَا تجوز بِأَن لَو
للتشكيك أَو الشَّك وَهُوَ تساهل كَذَلِك تجوز (بِأَنَّهَا
للتَّخْيِير أَو الْإِبَاحَة بعد الْأَمر) فَفِيهِ تساهل
أَيْضا (وَإِنَّمَا هِيَ لإيصال معنى الْمَحْكُوم بِهِ)
كالرؤية (إِلَى أَحدهمَا) كزيد أَو عَمْرو فِي رَأَيْت زيدا
أَو عمرا (فَإِن كَانَ) الْمَحْكُوم بِهِ (أمرا) كالضرب زيدا
أَو عمرا، وَالْمرَاد بِهِ الْمسند إِذْ لَا حكم فِي
الْأَمريْنِ (لزم أَحدهمَا) أَي لزم إِيقَاع الْفِعْل
مُتَعَلقا بِأَحَدِهِمَا (وَيتَعَيَّن) كل من الْإِبَاحَة
والتخير (بِالْأَصْلِ فَإِن كَانَ) الأَصْل (الْمَنْع فتخيير)
أَي فَلَا يتَعَيَّن تَخْيِير (فَلَا يجمع) الْمُخَاطب
بَينهمَا (كبع عَبدِي ذَا أَو ذَا) فيبيع أَحدهمَا لِأَن بيع
مَمْلُوك الْغَيْر مَمْنُوع، والمستفاد من اللَّفْظ الْإِذْن
فِي بيع أَحدهمَا فَمَا زَاد عَلَيْهِ على مَا كَانَ عَلَيْهِ
من الْمَنْع (أَو) كَانَ الأَصْل (الْإِبَاحَة فإلزام
أَحدهمَا) أَي فَالْمُرَاد إِلْزَام إِيقَاع الْفِعْل
مُتَعَلقا بِأَحَدِهِمَا (وَجَاز الآخر بِالْأَصْلِ) أَي
بِمُوجب الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة (وَفِي) قَوْله لعبيده
الثَّلَاثَة (هَذَا حر أَو هَذَا) بأوو (ذَا) بِالْوَاو (قيل
لَا عتق إِلَّا بِالْبَيَانِ لهَذَا) أَي كَانَ يُشِير إِلَى
وَاحِد بِعَيْنِه للْبَيَان وَبِقَوْلِهِ هَذَا حر (أَو
هَذَانِ) أَي يُشِير إِلَى اثْنَيْنِ بعينهما وَيَقُول هَذَانِ
حران وَهَذَا إِذا كَانَ قَوْله لهَذَا إِلَى آخِره تصويرا
للْبَيَان، وَالْأَوْجه أَن يَجْعَل مقيسا عَلَيْهِ يَعْنِي
حكم هَذِه المسئلة عدم الْعتْق إِلَّا بِالْبَيَانِ كَمَا أَن
حكم مسئلة هَذَا حر وَهَذَانِ كَذَلِك بالِاتِّفَاقِ وَذَلِكَ
لِأَن الْجمع بِالْوَاو بِمَنْزِلَة الْجمع بِأَلف
التَّثْنِيَة فَيتَخَيَّر بَين الأول والآخرين، وَهَذَا قَول
زفر وَالْفراء ذكره الشَّارِح (وَقيل يعْتق الْأَخير) فِي
الْحَال وَيتَخَيَّر فِي الْأَوَّلين يعين أَيهمَا شَاءَ
(لِأَنَّهُ) أَي القَوْل الْمَذْكُور (كأحدهما) أَي كَقَوْلِه
أَحدهمَا حر (وَهَذَا) وَفِي القَوْل يعْتق الْأَخير
وَيتَخَيَّر فِي الْأَوَّلين، فَكَذَا مَا هُوَ بِمَعْنَاهُ،
وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور (وَرجح) القَوْل
الثَّانِي والمرجح صدر الشَّرْعِيَّة (باستدعاء) القَوْل
(الأول تَقْدِير حران) لِأَن الْخَبَر الْمَذْكُور وَهُوَ حر
لَا يصلح خَبرا لاثْنَيْنِ (وَهُوَ) أَي تَقْدِير حران
(بِدلَالَة) الْخَبَر (الأول) وَذَلِكَ أَن الْعَطف للتشريك
فِي الْخَبَر أَو لإِثْبَات خبر آخر مثله (وَهُوَ) أَي الأول
(مُفْرد) فَيلْزم عدم الْمُنَاسبَة بَين الدَّال والمدلول
(وَيُجَاب) والمجيب الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (بِأَنَّهَا)
أَي صِحَة دلَالَة
(2/90)
الْخَبَر على الْمُقدر (تَقْتَضِي اتِّحَاد
الْمَادَّة لَا الصِّيغَة قَالَ الشَّاعِر:
(نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا ... عنْدك رَاض والرأي
مُخْتَلف)
(وَلَو سلم) اقْتِضَاء اتِّحَاد الصِّيغَة (فَإِنَّمَا يلْزم)
كَون الْخَبَر مثله (لَو ثنى مَا بعد أَو) لم يثن هَاهُنَا
(فالمقدر مُفْرد فِي كل مِنْهُمَا) أَي هَذَا وَذَاكَ
فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا حر أَو هَذَا حر وَذَا حر، لَا يُقَال
يلْزم كَثْرَة الْحَذف لِأَنَّهُ مُشْتَرك الْإِلْزَام فَتَأمل
(و) رجح أَيْضا (بِأَن أَو مُغيرَة) لِمَعْنى هَذَا حر (فتوقف
عَلَيْهِ) أَي على مَا بعْدهَا (الأول) أَي حكم مَا قبلهَا
وَبعد ذكره يصير مَعْنَاهُ أَحدهمَا (لَا الْوَاو) أَي لَيست
بمغيرة لما قبلهَا لِأَنَّهَا (للتشريك) فَيَقْتَضِي بَقَاء
حكم الأول ومشاركة مَا بعْدهَا لَهُ فِي الحكم (فَلَا
يتَوَقَّف) الأول على قَوْله: وَهَذَا حر فَيتم الترديد قبلهَا
(فَلَيْسَ) الثَّالِث (فِي حيّز أَو فَينزل) مَا قبل الْوَاو
لعدم التَّوَقُّف على مَا بعْدهَا، وَيثبت التَّخْيِير بَين
الأول وَالثَّانِي فَيصير مَعْنَاهُ: أَحدهمَا حر، وَهَذَا حر
(وَيمْنَع) هَذَا التَّرْجِيح (بِأَنَّهُ) أَي قَوْله وَهَذَا
(عطف على مَا بعد أَو فشرك) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي مَا
بعد الْوَاو (فِي حكمه) أَي مَا بعد أَو فِي (ثُبُوت مَضْمُون
الْخَبَر) وَهُوَ الْحُرِّيَّة (للأحد) ثمَّ بَين الْأَحَد
الْمُثبت لَهُ الْمَضْمُون بقوله (مِنْهُ) أَي مِمَّا بعد أَو
(وَمِمَّا قبله) مرجع هَذَا الضَّمِير مرجع الأول، أَو كلمة
أَو بِتَأْوِيل وَالْحَاصِل أَن حكم مَا بعد أَو قبل عطف
الثَّالِث عَلَيْهِ كَونه أحد شقي الترديد مُسْتقِلّا بعد مَا
عطف عَلَيْهِ أَن يكون مَعَ مَا عطف عَلَيْهِ أحد شقي الترديد،
فلولا هَذَا التَّشْرِيك كَانَ لَهُ أَن يخْتَار الثَّانِي
وَحده وَبعده لَيْسَ لَهُ ذَلِك بل يجب عَلَيْهِ اخْتِيَار
الْأَخيرينِ مَعًا (فتوقف) مَا قبل الْوَاو (عَلَيْهِ) أَي على
مَا بعْدهَا لكَونه مغيرا لَهُ كَمَا عرفت (وَلم يعْتق) أحدهم
(إِلَّا باختيارهما) أَي الثَّانِي وَالثَّالِث، الشق
الثَّانِي فِي الترديد فيعتقان (أَو) بِاخْتِيَار (الأول) من
الترديد فَيعتق وَحده (فَصَارَ كحلفه لَا يكلم ذَا أَو ذَا أَو
ذَا لَا يَحْنَث بِكَلَام أحد الْأَخيرينِ) وَإِنَّمَا يَحْنَث
بكلامهما أَو الأول، وروى الشَّارِح عَن مُحَمَّد من طَرِيق
ابْن سَمَّاعَة كَون الطَّلَاق وَالْعتاق كاليمين فِي هَذَا
الحكم، وروى أَن ظَاهر الْعبارَة عتق الآخر وَطَلَاق
الْأَخِيرَة وَالْخيَار فِي الْأَوليين، ثمَّ ذكر زِيَادَة
تَفْصِيل لَا يحْتَاج إِلَيْهَا حل الْمَتْن، ثمَّ لما توهم
بعض الْمُعْتَزلَة منع التَّكْلِيف بِوَاحِد مُبْهَم من أُمُور
مُعينَة لكَونه مَجْهُولا حَتَّى ذهب إِلَى أَن الْوَاجِب
الْجَمِيع، وَيسْقط بِوَاحِد وَكَانَ هَذَا من لَوَازِم
التَّخْيِير أَشَارَ المُصَنّف إِلَى رده، فَقَالَ (وَمنع
صِحَة التَّكْلِيف مَعَ التَّخْيِير فَحكم بِوُجُوب خِصَال
الْكَفَّارَة) وَهِي الْإِطْعَام وَالْكِسْوَة والتحرير
(وَيسْقط) وجوبهما بِالنّصب عطفا على الْوُجُوب بِتَقْدِير أَن
(بِالْبَعْضِ) منعا (بِلَا مُوجب لِأَن صِحَّته) أَي
التَّكْلِيف (بِإِمْكَان الِامْتِثَال وَهُوَ) أَي إِمْكَانه
(ثَابت مَعَ التَّخْيِير لِأَنَّهُ) أَي الِامْتِثَال (بِفعل
إِحْدَاهمَا) أَي
(2/91)
الْخِصَال، وَسَيَأْتِي تَفْصِيل الْكَلَام
فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى (والإنشاء كالأمر) فأوفيه
للتَّخْيِير أَو الْإِبَاحَة (فَلِذَا) أَي لكَون أَو
للتَّخْيِير أَو الْإِبَاحَة فِي الْإِنْشَاء (وَعدم الْحَاجة)
أَي تحمل الْجَهَالَة (أبطل أَبُو حنيفَة التَّسْمِيَة وَحكم
مهر الْمثل فِي التَّزَوُّج على كَذَا) أَي الْألف مثلا (أَو
كَذَا) كألفين (لِأَنَّهُ) أَي كَون الْمهْر أمرا مَجْهُولا
لكَونه أحد الْأَمريْنِ (جَهَالَة لَا حَاجَة إِلَى تحملهَا
إِذْ كَانَ لَهُ) أَي لقعد النِّكَاح (مُوجب أُصَلِّي)
مَعْلُوم يلْزم بِدُونِ الذّكر إِذا لم يكن الْمهْر مَعْلُوما،
وَهُوَ مهر الْمثل، وَمعنى تحكيم مهر الْمثل هَهُنَا أَنه ينظر
إِلَى مِقْدَار مهر الْمثل، فَإِن كَانَ ألفي دِرْهَم أَو
أَكثر، فَإِن شِئْت أخذت الْألف الْحَالة أَو الْأَلفَيْنِ
عِنْد حُلُول الْأَجَل لِأَنَّهَا التزمت أحد الْوَجْهَيْنِ،
وَإِن كَانَ أقل من ألف دِرْهَم فَأَيّهمَا شَاءَ أَعْطَاهَا،
وَإِن كَانَ بَينهمَا كَانَ لَهَا مهر الْمثل (وصححاه) أَي
أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد مَا سمى على وَجه التَّخْيِير، فَيكون
الْمهْر أحد الْمَذْكُورين وَالِاخْتِيَار إِلَى الزَّوْج (إِن
أَفَادَ التَّخْيِير) أَي إِن كَانَ التَّخْيِير مُفِيدا لكل
من الزَّوْج وَالزَّوْجَة، أَو للزَّوْج نوع تيسير وَذَلِكَ
(باخْتلَاف الْمَالَيْنِ) الْمَذْكُورين بَينهَا أَو (حلولا
وأجلا) نصبهما على التَّمْيِيز عَن نِسْبَة الِاخْتِلَاف إِلَى
الْمَالَيْنِ: أَي من حَيْثُ الْحُلُول والتأجيل: يَعْنِي أَن
الْمُصَحح هَذَا الِاخْتِلَاف وَلَا يلْزم مِنْهُ عدم
اخْتِلَافهمَا من وَجه أخر كعلي ألف حَالَة أَو أَلفَانِ إِلَى
سنة، فَفِي الْألف يسر للزَّوْج بِالنِّسْبَةِ إِلَى
الْأَلفَيْنِ، وللزوجة بِالنِّسْبَةِ للحول، وَفِي
الْأَلفَيْنِ يسري للزَّوْج من حَيْثُ التَّأْجِيل، وللزوجة من
حَيْثُ التكثير (أَو) باخْتلَاف الْمَالَيْنِ (جِنْسا) كعلي
ألف دِرْهَم أَو مائَة دِينَار إِذْ قد يكون تَحْصِيل أَحدهمَا
على الزَّوْج أيسر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن التَّخْيِير
مُفِيدا لما ذكر بِأَن يَقع بَين أَمريْن لَيْسَ فِي كل
مِنْهُمَا نوع يسر بِأَن يتَعَيَّن الْيُسْر فِي أَحدهمَا كعلي
ألف أَو أَلفَانِ (تعين الْأَقَل) لتعين اخْتِيَار مَا هُوَ
الأرفق بِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَة ذكر الْأَقَل بِدُونِ
الترديد، هَذَا وَذكر المَال فِي النِّكَاح لَيْسَ من تَمَامه
وَمن ثمَّة لَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَة
الْتِزَام مَال ابْتِدَاء من غير عقد، فَيجب الْقدر
الْمُتَيَقن (كَالْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّة وَالْخلْع
وَالْعِتْق) بِأَن أقرّ لإِنْسَان أَو وصّى لَهُ بِأَلف أَو
أَلفَيْنِ أَو خَالعهَا أَو اعْتِقْ على ألف أَو أَلفَيْنِ،
فَإِن الْأَقَل مُتَعَيّن فِي الْجَمِيع (وَلُزُوم الْمُوجب
الْأَصْلِيّ) فِي النِّكَاح بِغَيْر مهر الْمثل إِنَّمَا هُوَ
(عِنْد عدم تَسْمِيَة مُمكنَة) من مُطَالبَة مَال معِين، وَهِي
هَهُنَا متحققة وَظَاهر هَذَا الْكَلَام تَرْجِيح قَوْلهمَا
(وَفِي وكلت هَذَا أَو هَذَا صَحَّ) التَّوْكِيل (لِإِمْكَان
الِامْتِثَال) يَعْنِي أَن التَّوْكِيل بِالْبيعِ مثلا أَمر
للْوَكِيل بِأَن يَبِيع عَبده وَصِحَّته بِإِمْكَان امْتِثَال
الْمَأْمُور بِأَن يفعل مَا أَمر بِهِ، ثمَّ بَين الْإِمْكَان
بقوله (بِفعل أَحدهمَا) أَي بِأَن يفعل الْمَأْمُور بِهِ أحد
الشخصين إِذْ الْإِذْن لأَحَدهمَا غير معِين فِي معنى قَوْله
أَيهمَا بَاعَ، فَهُوَ مَأْذُون من عِنْدِي ممتثل
(2/92)
لأمري (وَلَا يمْتَنع اجْتِمَاعهمَا) بِأَن
يُبَاشر البيع مَعًا، فَكَانَ فعلهمَا جَمِيعًا امتثالا لأمر
الْمُوكل قِيَاسا على فعل أَحدهمَا، وَذَلِكَ لِأَن
التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر مَمْنُوع غير مُبَاح إِلَّا
بِإِذْنِهِ وَإِذا أذن لأَحَدهمَا ثَبت للأحد الْإِبَاحَة فِي
التَّصَرُّف، لِأَنَّهُ رَضِي بتصرفه، وَإِذا رَضِي بِتَصَرُّف
كل مِنْهُمَا مُنْفَردا دلّ ذَلِك على رِضَاهُ بتصرفهما مَعًا
بِالطَّرِيقِ الأول، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَهُوَ) أَي
الحكم بِإِبَاحَة تصرفهما مَعًا (تَسْوِيَة) بَين تصرفهما
مَعًا وَتصرف أَحدهمَا فَقَط فِي الْإِبَاحَة الْحَاصِلَة من
إِذن الْمَالِك (مُلْحق) على صِيغَة الْفَاعِل والتذكير
بِاعْتِبَار الْمصدر: أَي يلْحق إِبَاحَة صُورَة الِاجْتِمَاع
(بِالْإِبَاحَةِ) المنصوصة فِي صُورَة الِانْفِرَاد أَو على
صِيغَة الْمَفْعُول وَالْمعْنَى فَهُوَ أَي التَّخْيِير مُلْحق
بِالْإِبَاحَةِ فِي جَوَاز الِاجْتِمَاع (بِخَارِج) أَي
بِدَلِيل خَارج من لفظ الْمُوكل، ثمَّ أَشَارَ إِلَى ذَلِك
الْخَارِج بقوله (للْعلم) بِأَنَّهُ أَي الْمُوكل إِذا رضى
بِرَأْي أَحدهمَا فَهُوَ (برأيهما أرْضى) لِاجْتِمَاع الرأيين
(بِخِلَاف) قَوْله (بِعْ ذَا أَو ذَا) مُشِيرا إِلَى
عَبْدَيْنِ مثلا (يمْتَنع الْجمع) بَينهمَا فِي البيع
(لانتفائه) أَي الرِّضَا ببيعهما جَمِيعًا (وَالْقِيَاس
الْبطلَان) أَي بطلَان الطَّلَاق (فِي هَذِه طَالِق أَو هَذِه
لايجابه) الطَّلَاق (فِي الْمُبْهم وَلَا يتَحَقَّق) الطَّلَاق
(فِيهِ) أَي الْمُبْهم (لكنه) أَي قَوْله هَذِه طَالِق،
وَكَذَا هَذِه حرَّة (شرعا إنْشَاء عِنْد عدم احْتِمَال
الْأَخْبَار) وَلَا يحْتَمل هَهُنَا (بِعَدَمِ قيام طَلَاق
إِحْدَاهمَا) قبل التَّكَلُّم بِهَذَا الْكَلَام (وَعدم) قيام
(حريتها) أَي إِحْدَاهمَا (فِي هَذِه حرَّة أَو هَذِه مُوجب)
بِالرَّفْع صفة إنْشَاء توَسط بَينهمَا الظّرْف وَمَا
يتَعَلَّق بِهِ (للتعيين) صلَة مُوجب، فَيجْبر الْمُطلق
وَالْمُعتق أَن يعين المُرَاد من الْمُبْهم حَال كَون
التَّعْيِين (إنْشَاء من وَجه لِأَن بِهِ) أَي بِالتَّعْيِينِ
ينزل (الْوُقُوع) أَي وُقُوع الطَّلَاق وَالْعتاق، إِذْ قبل
التَّعْيِين لَا يصلح الْمحل للوقوع لإبهامه، ثمَّ رتب على
كَونه إنْشَاء من وَجه آخر قَوْله (فَلَزِمَ قيام أَهْلِيَّته)
أَي الْموقع للطَّلَاق وَالْعتاق (ومحليتهما) أَي شقي الترديد
(عِنْده) أَي التَّعْيِين، لِأَن الْإِنْشَاء لَا بُد لَهُ من
أَهْلِيَّة المنشئ حَال الْإِنْشَاء وصلاحية الْمحل للمحلية
(فَلَا يعين) الْمُطلق وَالْمُعتق إِذا مَاتَ إِحْدَى الزوجتين
أَو الجاريتين (الْمَيِّت) بِأَن يَقُول كَانَ مرادي من
أَحدهمَا هَذِه الْميتَة لانْتِفَاء محليتها للوقوع حِينَئِذٍ
(و) لزم (اعْتِبَاره) أَي الْإِنْشَاء (فِي) صُورَة
(التُّهْمَة) أَي فِيمَا كَانَ الْمُطلق مُتَّهمًا فِي جعله
إِخْبَارًا لغَرَض يرجع إِلَيْهِ (فَلم يَصح تزوج أُخْت
الْمعينَة من المدخولتين) اللَّتَيْنِ قَالَ فيهمَا هَذِه
طَالِق أَو هَذِه، ثمَّ عين إِحْدَاهمَا وَأَرَادَ أَن
يتَزَوَّج بأختها من غير مُضِيّ الْعدة بعد التَّعْيِين
(أَخْبَارًا من وَجه) لِأَن الصِّيغَة صِيغَة أَخْبَار (فأجبر
عَلَيْهِ) أَي على الْبَيَان إِذْ لأجبر فِي الإنشاءات
بِخِلَاف الْإِقْرَار، فَإِنَّهُ لَو أقرّ بِمَجْهُول صَحَّ
وأجبر على بَيَانه (وَاعْتبر) الْأَخْبَار (فِي
(2/93)
غَيرهمَا) أَي المدخولتين (فصح ذَلِك) أَي
تزوج أُخْت الْمعينَة: يَعْنِي إِذا طلق إِحْدَى زوجتيه
بِغَيْر عينهَا وَلم يكن دخل بهَا، ثمَّ تزوج أُخْت
إِحْدَاهمَا، ثمَّ بَين الطَّلَاق فِي أُخْتهَا لعدم
التُّهْمَة لقدرته على إنْشَاء الطَّلَاق فِي الَّتِي عينهَا
وَعدم الْعدة لَهَا لكَونهَا غير مدخولة، وَلَا يخفى أَن فرض
كَونهمَا غير مدخولتين اتفاقي وَلَا يَكْفِي كَون مَحل
التَّعْيِين غير مدخولة، ثمَّ لما كَانَ يشكل على كَون أَو
للتَّخْيِير فِي الْإِنْشَاء آيَة الْمُحَاربَة، فَإِنَّهَا
مُشْتَمِلَة على أَو، وَهِي إنْشَاء، وَلم يُؤَخر التَّخْيِير
فِيمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الحكم، أَشَارَ إِلَى الْجَواب
بقوله (وَترك مقتضاها) أَي وَلُزُوم ترك مُقْتَضى أَو
الْوَاقِعَة فِي الْإِنْشَاء فِي آيَة الْمُحَاربَة " إِنَّمَا
جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض
فَسَادًا أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من
خلاف أَو ينفوا من الأَرْض " (للصارف) عَن الْعَمَل (لَو لم
يكن أثر) مُفِيد لمُخَالفَته أَيْضا: يَعْنِي لَو فرض عدم
الْأَثر يَكْفِي الصَّارِف الْمَذْكُور (وَهُوَ) أَي الصَّارِف
(أَنَّهَا) أَي آيَة الْمُحَاربَة (أجزية بِمُقَابلَة جنايات
لتصور الْمُحَاربَة) أَي لِأَن الْمُحَاربَة تتَصَوَّر: أَي
تتَحَقَّق (بصور) شَتَّى (أَخذ) لِلْمَالِ الْمَعْصُوم فَقَط
بدل بعض من صور (أَو قتل) للنَّفس المعصومة فَقَط (أوكليهما)
أى أَخذ وَقتل (أَو إخافة) للطريق فَقَط (فَذكرهَا) : أَي
الأجزية من حَيْثُ أَنَّهَا أجزية (مُتَضَمّن ذكرهَا) أَي
الْجِنَايَات، فَكَأَنَّهَا ذكرت أَيْضا (ومقابلة مُتَعَدد
بمتعدد ظَاهر فِي التَّوْزِيع، وَأَيْضًا مُقَابلَة أخف
الْجِنَايَات بالأغلظ وَقَلبه) أَي مُقَابلَة أغْلظ
الْجِنَايَات بالأخف (ينبو) أَي يبعد (عَن قَوَاعِد الشَّرْع)
كَيفَ، وَقد قَالَ تَعَالَى {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة
مثلهَا} فَوَجَبَ الْقَتْل بِالْقَتْلِ وَقطع الْيَد)
الْيُمْنَى (وَالرجل) الْيُسْرَى (بِالْأَخْذِ) لِلْمَالِ
الْمَعْصُوم إِذا أصَاب كل مِنْهُم نِصَابا، وَمَالك شَرط كَون
الْمَأْخُوذ نِصَابا فَصَاعِدا أصَاب كل نِصَاب أَولا،
وَإِنَّمَا قطعناهما مَعًا فِي الْأَخْذ مرّة وَاحِدَة
بِخِلَاف السّرقَة، لِأَنَّهُ أغْلظ من أَخذ السّرقَة، حَيْثُ
كَانَ مجاهرة ومكابرة مَعَ إشهار السِّلَاح (والصلب) حَيا،
ثمَّ يعج بَطْنه بِرُمْح حَتَّى يَمُوت كَمَا عَن الْكَرْخِي
وَغَيره، أَو بعد الْمَوْت كَمَا عَن الطحاوى وَهُوَ الأوضح
وأيا مَا كَانَ بعد قطع يَده وَرجله من خلاف أَو لَا،
وَالْقَتْل بِلَا صلب وَلَا قطع على حسب اخْتِيَار الإِمَام
كَمَا هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَزفر، و (بِالْجمعِ) بَين
الْقَتْل وَالْأَخْذ، وَقَالا لَا بُد من الصلب (وَالنَّفْي)
من الأَرْض أَي الْجِنْس (بالإخافة فَقَط، فأثر أبي يُوسُف عَن
الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وادع الخ) أَي أَبَا
بردة هِلَال بن عريم الْأَسْلَمِيّ، فجَاء أنَاس يُرِيدُونَ
الْإِسْلَام، فَقطع عَلَيْهِم أَصْحَاب أبي بردة الطَّرِيق،
فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَدِّ: أَن من قتل وَأخذ المَال صلب، وَمن
قتل وَلم يَأْخُذ المَال قتل
(2/94)
وَمن أَخذ مَالا وَلم يقتل قطعت يَده
وَرجله من خلاف، وَمن جَاءَ مُسلما هدم الْإِسْلَام مَا كَانَ
مِنْهُ فِي الشّرك وَفِي رِوَايَة عَطِيَّة عَن ابْن عَبَّاس:
وَمن أَخَاف الطَّرِيق وَلم يقتل وَلم يَأْخُذ المَال نفي (على
وَفقه) أَي الصَّارِف، وَقَوله أثر أبي يُوسُف مُبْتَدأ خَيره
(زِيَادَة) أَي زَائِد على الصَّارِف فِي دفع الْإِشْكَال (لَا
يَضرهَا) أَي الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة (التَّضْعِيف)
بِمُحَمد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ لاتهامه بِالْكَذِبِ: إِذْ
الْأَثر وَإِن كَانَ ضَعِيفا يصلح لتقوية مَا هُوَ مُسْتَقل
فِي إِفَادَة الْمَقْصد (فَكيف وَلَا يَنْفِي) أَي التَّضْعِيف
(الصِّحَّة فِي الْوَاقِع) لجَوَاز إجَازَة التَّضْعِيف فِي
خُصُوص مَرْوِيّ (فموافقة الْأُصُول) الْمُعْتَبرَة شرعا من
رِعَايَة الْمُنَاسبَة بَين الْجِنَايَة وَالْجَزَاء والمماثلة
بَينهمَا بِمُوجب قَوْله تَعَالَى - {وَجَزَاء سَيِّئَة} -
الْآيَة وَغَيره (ظَاهر فِي صِحَّتهَا) أَي الزِّيَادَة
الَّتِي هِيَ الْأَثر الْمَذْكُور، الْمشَار إِلَيْهِ بقوله
لَو لم يكن أثر (وَإِذ قبلت) أَو (معنى التَّعْيِين) أَي معنى
الْإِبْهَام فِيهِ، وقبولها إِيَّاه اسْتِعْمَالهَا فِي مَوضِع
الْإِبْهَام فِيهِ لَا باستعمالها فِيهِ: إِذْ التَّعْيِين
يَأْتِي من الْخَارِج كَمَا سيصرح بِهِ، غير أَنهم أَرَادوا
بِالْقبُولِ استعمالهما فِيهِ كَمَا يدل عَلَيْهِ آخر
الْكَلَام (كالآية) أَي آيَة الْمُحَاربَة (وَصُورَة
الْإِنْصَاف) {كَانَا أَو إيَّاكُمْ لعلى هدى أَو فِي ضلال
مُبين} - (وَجب) الْمعِين أَي إِرَادَته مِنْهَا (فِي) صُورَة
(تعذر) مَعْنَاهُ (الْحَقِيقِيّ) الَّذِي هُوَ أحد
الْأَمريْنِ، لِأَنَّهُ أولى من إِلْغَاء الْكَلَام (فَعَنْهُ)
أَي عَن وجوب الْمجَازِي عِنْد تعذر الْحَقِيقِيّ (قَالَ)
أَبُو حنيفَة (فِي هَذَا حر أَو ذَا لعَبْدِهِ ودابته يعْتق)
عَبده (وألغياه) أَي أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هَذَا الْكَلَام
(لعدم تصور حكم الْحَقِيقَة) وَهُوَ عتق أَحدهمَا لَا على
التَّعْيِين لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمحل للْإِيجَاب: لِأَن
أَحدهمَا، وَهِي الدَّابَّة لَيْسَ بِمحل لِلْعِتْقِ شرعا،
وَقَالَ الشَّارِح: أَن شمس الْأَئِمَّة أَشَارَ إِلَى أَنه
لَا يعْتق العَبْد عِنْدهمَا بِالنِّيَّةِ أَيْضا، لِأَن
اللَّغْو لَا حكم لَهُ أصلا (كَمَا هُوَ أَصلهمَا) من أَن
خَليفَة الْمجَاز للْحَقِيقَة بِاعْتِبَار الحكم، فَلَا بُد من
إِمْكَان حكم الْحَقِيقَة، وَلِهَذَا لَا يرد الْحُرِّيَّة فِي
هَذَا ابْني للأكبر مِنْهُ سنا (لَكِن) لَا يرد (عَلَيْهِ) أَي
على قَول أبي حنيفَة (أَنهم) أَي الْحَنَفِيَّة (يمْنَعُونَ
التَّجَوُّز فِي الضِّدّ) شرعا (والمعين ضد الْمُبْهم بِخِلَاف
ابْني للأكبر لَا يضاد حَقِيقَة مجازيه وَهُوَ) أَي مجازيه
(الْعتْق فَالْوَجْه أَنَّهَا) أَي أَو (دَائِما للأحد) أَي
أحد الْأَمريْنِ (وَفهم التَّعْيِين أَحْيَانًا بِخَارِج) من
اللَّفْظ (من غير أَن يسْتَعْمل) أَو (فِيهِ) أَي فِي
التَّعْيِين، فَفِي قَوْله لعَبْدِهِ ودابته هَذَا حروذا بفهم
التَّعْيِين من لُزُوم صون عبارَة الْعَاقِل مهما أمكن، وَقد
أمكن إِذْ عرف أَن أَو يَقع فِي موقع يتَعَيَّن فِيهِ
المُرَاد.
(2/95)
مسئلة
(تستعار) أَو (للغاية) أَي للدلالة على أَن مَا بعْدهَا غَايَة
لما قبلهَا، وَهِي مَا يَنْتَهِي أَو يَمْتَد إِلَيْهِ
الشَّيْء (قبل مضارع مَنْصُوب وَلَيْسَ قبلهَا) أَي أَو (مثله)
أَي مضارع مَنْصُوب بل فعل ممتد (كلألزمنك أَو تُعْطِينِي)
حَقي، فَإِن المُرَاد أَن ثُبُوت اللُّزُوم ممتد إِلَى وَقت
أعطاء الْحق، وَهَذَا قَول النُّحَاة: أَن أَو هَذِه بِمَعْنى
إِلَى أَن، وَجه الْمُنَاسبَة أَنَّهَا لأحد الْمَذْكُورين لَا
يتَعَدَّى الحكم عَنْهُمَا كَمَا أَن الْفِعْل الممتد لَا
يتَعَدَّى غَايَته، وَقيل لِأَن تعْيين كل مِنْهُمَا
بِاعْتِبَار الْخِيَار قَاطع لاحْتِمَال الآخر كَمَا أَن
الْوُصُول إِلَى الْغَايَة قَاطع للْفِعْل (وَلَيْسَ مِنْهُ)
أَي من اسْتِعْمَال أَو للغاية قَوْله تَعَالَى {أَو يَتُوب
عَلَيْهِم} كَمَا ذكره صدر الشَّرِيعَة تبعا للفراء حَيْثُ
قَالَ: أَن أَو هَاهُنَا بِمَعْنى حَتَّى لِأَنَّهُ لَو كَانَ
على حَقِيقَته، فإمَّا أَن يكون مَعْطُوفًا على شَيْء أَو على
لَيْسَ، وَالْأول عطف الْفِعْل على الِاسْم، وَالثَّانِي عطف
الْمُضَارع على الْمَاضِي، وَهُوَ لَيْسَ بِحسن فَسقط
حَقِيقَته، واستعير لما لَا يحْتَملهُ وَهُوَ الْغَايَة: أَي
لَيْسَ لَك من الْأَمر فِي عَذَابهمْ أَو اصطلاحهم شَيْء
حَتَّى يَقع تَوْبَتهمْ أَو تعذيبهم، كَذَا ذكره الشَّارِح،
وَفِيه أَنه يُفِيد أَن الْمَانِع عَن الْحمل على الْحَقِيقَة
مُجَرّد عدم حسن الْعَطف، وَأَنت خير بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيم
الْمَعْنى: إِن حملت عَلَيْهَا 0 بل عطف على يكتبهم) كَمَا صرح
بِهِ الْبَيْضَاوِيّ والنسفي وَغَيرهمَا، أَو ليقطع كَمَا صرح
بِهِ أَو الْقَاسِم، وَكَلَام صَاحب الْكَشَّاف يحتملها حَيْثُ
قَالَ: أَو يَتُوب عطف على مَا قبله، فَقَالَ الْمُحَقق
التَّفْتَازَانِيّ عطف على ليقطع أَو يكْتب (وَلَيْسَ
ومعمولاها) وهما لَك شَيْء مَعَ الْحَال من شَيْء، وَهُوَ من
الْأَمر (اعْتِرَاض) بَين الْمَعْطُوف الَّذِي هُوَ التَّوْبَة
والتعذيب الْمُتَعَلّق بالآجل والمعطوف عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ
الْقطع والكبت، وَهُوَ شدَّة الغيظ، أَو وَهن يَقع فِي الْقلب
الْمُتَعَلّق بالعاجل، ثمَّ احْتج على قَوْله لَيْسَ مِنْهُ
بقوله (لما فِي ذَلِك) أَي فِي جعلهَا للغاية (من التَّكَلُّف
مَعَ إِمْكَان الْعَطف) وَتَحْقِيق معنى الْآيَة يطْلب فِي
التَّفْسِير وَالله أعلم.
مسئلة
(حَتَّى جَارة وعاطفة وابتدائية) أَي مَا بعْدهَا كَلَام
مُسْتَأْنف لَا يتَعَلَّق من حَيْثُ الْأَعْرَاب بِمَا قبلهَا
(بعْدهَا جملَة بقسميها) من الْمَاضِي والمضارع، نَحْو فزلزلوا
- {حَتَّى يَقُول الرَّسُول} - بِالرَّفْع على قِرَاءَة نَافِع
- {وبدلنا مَكَان السَّيئَة الْحَسَنَة حَتَّى عفوا وَقَالُوا}
- واسمية مَذْكُور خَبَرهَا نَحْو:
(فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تمج دماءها ... بدجلة حَتَّى مَاء
دجلة أشكل)
(2/96)
ومحذوفة بِقَرِينَة الْكَلَام السَّابِق
كَمَا سَيَأْتِي (وَصحت) الْوُجُوه الثَّلَاثَة (فِي أكلت
السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا) بِالْجَرِّ، على أَنَّهَا جَارة
أَو بِالنّصب على أَنَّهَا عاطفة لَهُ على السَّمَكَة، وبالرفع
على أَنَّهَا مُبْتَدأ خبر مَحْذُوف أَعنِي مَأْكُول
بِقَرِينَة السِّيَاق، وَقيل هَذَا على رَأْي الْكُوفِيّين،
وَأما على رَأْي الْبَصرِيين فَرفع مَا بعده مَشْرُوط بِأَن
يكون بعده مَا يصلح خَبرا لَهُ مثل أكلت السَّمَكَة حَتَّى
رَأسهَا أَكلته (وَهِي) أَي حَتَّى على أَي وَجه كَانَت من
الثَّلَاثَة (للغاية، وَفِي دُخُولهَا) أَي الْغَايَة الَّتِي
هِيَ مدخولها فِيمَا قبلهَا حَال كَونهَا (جَارة) أَرْبَعَة
أَقْوَال: أَحدهَا لِابْنِ السراج وَأبي عَليّ وَأكْثر
الْمُتَأَخِّرين من النَّحْوِيين يدْخل مُطلقًا، ثَانِيهَا
لجمهور النَّحْوِيين وفخر الْإِسْلَام وَغَيره لَا يدْخل
مُطلقًا (ثَالِثهَا) للمبرد وَالْفراء والسيرافي والرماني
وَعبد القاهر (إِن كَانَ) مَا جعل غَايَة (جُزْءا) مِمَّا قبله
(دخل) وَإِلَّا لم يدْخل، و (رَابِعهَا لَا دلَالَة) على
الدُّخُول وَلَا على عَدمه (إِلَّا للقرينة وَهُوَ) أَي هَذَا
القَوْل (أحد) الْقَوْلَيْنِ (الْأَوَّلين) إِلَّا أَن يُرَاد)
بهَا (أَنَّهَا) دَالَّة (على الْخُرُوج) أَي خُرُوج مَا
بعْدهَا عَمَّا قبلهَا فِي بعض الاستعمالات (كَمَا) هِيَ
دَالَّة (على الدُّخُول فِيمَا قبلهَا، وَفِيه) أَي فِي كَون
هَذَا مرَادا (بعد) كَمَا لَا يخفى من لُزُوم الِاشْتِرَاك
بَين الضدين وَلم يعرف لَهُ قَائِل، وَأظْهر الشَّارِح فرقا
بَينه وَبَين الْأَوَّلين بِأَن الْمَدْلُول فِي الأول
الدُّخُول مُطلقًا من غير توقف على قرينَة فَيحكم بِالدُّخُولِ
من حَيْثُ لَا قرينَة، وَفِي الثَّانِي عَدمه مُطلقًا إِلَّا
بِقَرِينَة فَيحكم بِعَدَمِ الدُّخُول حَيْثُ لَا قرينَة،
وَمعنى الرَّابِع هُوَ أَنه لَا دلَالَة لحتى على دُخُول وَلَا
على عَدمه بل الدَّال على أَحدهمَا الْقَرِينَة فَحَيْثُ لَا
قرينَة يحكم بِعَدَمِ الدُّخُول بِالْأَصْلِ لَا بِاللَّفْظِ
إِذا احتجنا إِلَى الحكم، وَإِلَّا لَا يحكم بِشَيْء انْتهى
فحاصل الْفرق أَنه عِنْد وجود قرينَة الدُّخُول تُضَاف
الدّلَالَة إِلَى الْقَرِينَة بِخِلَاف الأول إِذْ فِيهِ
يُضَاف إِلَى حَتَّى، وَعند عدمهَا يُضَاف عدم الدُّخُول إِلَى
عدم الْقَرِينَة لَا إِلَى حَتَّى بِخِلَاف الثَّانِي، غَايَة
الْأَمر أَنه يلْزم حِينَئِذٍ عدم قرينَة الدُّخُول لِئَلَّا
يلْزم الْمُعْتَبر إِلَى خلاف الْحَقِيقَة، وَكَأن المُصَنّف
أَرَادَ أَن لفظ حَتَّى إِن كَانَ بِحَيْثُ يتَبَادَر مِنْهُ
الدُّخُول مُطلقًا يتَعَيَّن أَن يكون المُرَاد فِي القَوْل
الثَّانِي سلب دلَالَته بِنَفسِهِ على شَيْء من الدُّخُول
وَالْخُرُوج، وَيكون فهم الْخُرُوج مُطلقًا من غير اللَّفْظ
وَإِن كَانَ بِحَيْثُ يتَبَادَر مِنْهُ الْخُرُوج فعكس مَا
قُلْنَا إِذْ يبعد كل الْبعد أَن يدعى كل من الْفَرِيقَيْنِ
تبادر نقيض مَا يَدعِيهِ الآخر، فعلى كل تَقْدِير يتحد أحد
الْقَوْلَيْنِ وَالْقَوْل الرَّابِع، وَهَذَا غَايَة
التَّوْجِيه، وَبعد فِيهِ مَا فِيهِ (والاتفاق على دُخُولهَا)
أَي الْغَايَة فِيمَا قبلهَا (فِي الْعَطف) بحتى لِأَنَّهَا
حِينَئِذٍ تفِيد الْجمع فِي الحكم كالواو (وَفِي الابتدائية)
أَي والاتفاق على دُخُولهَا فِي حَتَّى الابتدائية حَال
كَونهَا (بِمَعْنى وجود المضمونين) مَضْمُون جملَة قبلهَا
ومضمون جملَة بعْدهَا (فِي
(2/97)
وَقت) وَاحِد، فَفِي مرض حَتَّى لَا يرجونه
تخقق الْمَرَض واليأس فِي زمَان وَاحِد (وَشرط الْعَطف
البعضية) أَي كَون مَا بعْدهَا بَعْضًا مِمَّا قبلهَا كقدم
الْحَاج حَتَّى المشاة (أَو نَحْوهَا) أَي البعضية بِكَوْن مَا
بعْدهَا كالجزء مِمَّا قبلهَا من حَيْثُ اللُّزُوم نَحْو: قتل
الْجند حَتَّى دوابهم، وَخرج الصيادون حَتَّى كلابهم، فَإِن
كلا من الدَّوَابّ وَالْكلاب لَازِمَة للجند والصيادين،
وَكَذَا يُقَال أعجبني الْجَارِيَة حَتَّى حَدِيثهَا: وَلَا
يُقَال حَتَّى وَلَدهَا، إِذْ لَيْسَ الْوَلَد من لَوَازِم
الْجَارِيَة، وَخَالف فِي هَذَا الشَّرْط فَأجَاز كَلْبِي يصيد
الأرانب حَتَّى الظباء، وَهَذَا خطأ عِنْد الْبَصرِيين
(فَامْتنعَ جَاءَ زيد حَتَّى بكر) لعدم البعضية (وَفِي
كَونهَا) أَي العاطفة (للغاية نظر وَكَونه) أَي الْمَعْطُوف
(أَعلَى مُتَعَلق للْحكم) كمات النَّاس حَتَّى الْأَنْبِيَاء
(أَو أحط) مُتَعَلق لَهُ كقدم الْحَاج الخ (لَيْسَ) الْكَوْن
الْمَذْكُور (مَفْهُوم الْغَايَة، إِذْ لَيْسَ) مفهومها
(إِلَّا مُنْتَهى الحكم وَلَا يسْتَلْزم) كَون الْمَعْطُوف
أَعلَى أَو أحط كَونه مُنْتَهى، وَفِي) أكلت السَّمَكَة
(حَتَّى رَأسهَا بِالنّصب) وَقع الرَّأْس (مُنْتَهى الحكم
اتفاقي لَا مدلولها) أَي لِأَن حَتَّى يدل عَلَيْهِ فَلَا يطرد
(وَهُوَ) أَي عدم دلَالَة حَتَّى العاطف على انْتِهَاء الحكم
(ظَاهر) قَول (الْقَائِل) وَهُوَ صَاحب البديع: حَتَّى
(للغاية) تَارَة (وللعطف) أُخْرَى إِذْ لَو كَانَ مُرَاده
للغاية والعطف بل للْعَطْف والغاية بِدُونِ ذكر اللَّام
ثَانِيًا (وَهُوَ) أَي هَذَا القَوْل (الْحق) لما عرفت
(وتأويله) أَي تَأْوِيل كَون العاطفة للغاية بِأَن حكم مَا
عطفت عَلَيْهِ يَنْقَضِي شَيْئا فَشَيْئًا حَتَّى يَنْتَهِي
إِلَى الْمَعْطُوف (فِي اعْتِبَار الْمُتَكَلّم) وملاحظته لَا
بِحَسب الْوُجُود نَفسه إِذْ قد يجوز ثُبُوت الحكم أَولا
للمعطوف كَمَا فِي قَوْلك مَاتَ كل أَب لي حَتَّى آدم، أَو فِي
الْوسط كمات وَمَات النَّاس حَتَّى الْأَنْبِيَاء (تكلّف)
وَمَعَ هَذَا (يَنْفِيه الوجدان إِذْ لَا يجد الْمُتَكَلّم
اعْتِبَاره كَون الْمَوْت تعلق شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى أَن
انْتهى) وَمَعَ هَذَا يَنْفِيه (إِلَى آدم صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي مَاتَ الْآبَاء حَتَّى آدم وَكثير) من الْأَمْثِلَة
الَّتِي لَا يجد فِيهَا الِاعْتِبَار الْمَذْكُور لَا يُحْصى
عدده، فَقَوله كثير بِالْجَرِّ عطفا على مَدْخُول فِي، وَيجوز
فِيهِ الرّفْع على أَن أَمْثِلَة عدم الوجدان كَثِيرَة لَا
تحصى (إِلَّا أَن قَوْله) أَي الْقَائِل الْمَذْكُور (وَقد
تعطف) حَتَّى (تَاما أَي جملَة) أَي مصرحة بجزئيتها، والتذكير
فِي تَاما بِتَأْوِيل الْكَلَام حَال كَون الْقَائِل (ممثلا
بضربت الْقَوْم حَتَّى زيد غَضْبَان خلاف الْمَعْرُوف) إِذْ
الْمَعْرُوف أَنَّهَا لعطف الْمُفْرد، كَيفَ وَشَرطه
الْمَذْكُور لَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِيهِ، وَأَيْضًا العاطفة
مَحْمُولَة على الجارة وَهِي لَا تدخل إِلَّا على الِاسْم،
وَعند الْبَعْض يعْطف الْفِعْل على الْفِعْل مَاضِيا كَانَ أَو
مُسْتَقْبلا إِذا كَانَ فِيهِ معنى السَّبَب نَحْو ضربت زيدا
حَتَّى بَكَى أَي فَبكى ولأضربته حَتَّى يبكي: أَي فيبكي،
فَهُوَ يرفع الْمُسْتَقْبل بعده وَعند الْجُمْهُور لَا يجوز
فِيهِ إِلَّا النصب (وادعاؤه) أَي عطفها الْجُمْلَة (فِي
حَتَّى تكل مطيهم على سريت بهم فِي قَول امْرِئ الْقَيْس:
(2/98)
(سريت بهم حَتَّى تكل مطيهم ... وَحَتَّى
الْجِيَاد مَا يقدن بأرسان)
أَي امْتَدَّ بهم السّير حَتَّى أعييت الْإِبِل وَالْخَيْل
فطرحت حبالها على أعناقها لذهاب نشاطها فَلم تذْهب يَمِينا
وَشمَالًا حَتَّى سَارَتْ مَعَهم فَوضع مَا يقدن مَوضِع
الكلال، وَهَذَا الادعاء زَعمه ابْن السَّيِّد على رِوَايَة
رفع تكل (لَا يستلزمه) أَي جَوَازه مُطلقًا قِيَاسا لِأَنَّهُ
شَاذ (لَو لزم) الْعَطف فِيهِ فَكيف (وَهُوَ) أَي اللُّزُوم
(مُنْتَفٍ بل) هُوَ حَتَّى فِيهِ (ابتدائية، وَصرح فِي
الابتدائية بِكَوْن الْخَبَر من جنس) الْفِعْل (الْمُتَقَدّم)
وَمن المصرحين الْمُحَقق الرضي (فَامْتنعَ ركب الْقَوْم حَتَّى
زيد ضَاحِك بل) إِنَّمَا يُقَال حَتَّى زيد (رَاكب، وَمِنْه)
أَي من قسم الابتدائية (سرت حَتَّى كلت الْمطِي ويتجوز بالجارة
دَاخِلَة على الْفِعْل عِنْد تعذر) إِرَادَة (الْغَايَة)
مِنْهَا (بِأَن لَا يصلح الصَّدْر) أَي مَا قبلهَا (للامتداد
وَمَا بعْدهَا للانتهاء) إِمَّا بِأَن لَا يكون الصَّدْر أمرا
ذَا امتداد، أَو يكون لَكِن مَا بعْدهَا لَا يصلح لِأَن يكون
انْتِهَاء لَهُ (فِي سَبَبِيَّة مَا قبلهَا لما بعْدهَا إِن
صلح) مَا قبلهَا لسببية مَا بعْدهَا فمدخوله هُوَ المتجوز
فِيهِ (وَالْوَجْه) أَن يُقَال يتجوز بهَا فِي سَبَبِيَّة
أَحدهمَا للْآخر) أَي مَا قبلهَا لما بعْدهَا أَو بِالْعَكْسِ
(ذهنا) بِأَن يكون وجود الأول فِي الذِّهْن سَببا لوُجُود
الثَّانِي فِيهِ كرتبت معلوماتي حَتَّى وجدت النتيجة أَو
عَكسه، نَحْو علمت النتيجة حَتَّى رتبت مباديها (أَو خَارِجا)
بِكَوْن وجود الأول خَارِجا كوجود الثَّانِي خَارِجا نَحْو
أسلمت حَتَّى أَدخل الْجنَّة، أَو عَكسه نَحْو ربحت حَتَّى
اتجرت، أَو يكون وجود الأول ذهنا سَببا لوُجُود الثَّانِي
خَارِجا، نَحْو قصدت الرِّبْح حَتَّى اتجرت، أَو عَكسه كعكس
الْمِثَال: هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهر الْمَتْن وتصريح
الشَّارِح، لَكِن دُخُول حَتَّى على سَبَب لَيْسَ بمسبب من
وَجه غير مأنوس. نعم إِذا كَانَ سَببا بِاعْتِبَار وجوده
الذهْنِي سَببا بِاعْتِبَار وجوده الْخَارِجِي أَو
بِالْعَكْسِ، فَوجه دُخُول حَتَّى عَلَيْهِ ظَاهر (لمساعدة
الْمثل) حِينَئِذٍ إِذْ الْأَمْثِلَة وَارِدَة على طبق
التَّعْمِيم الْمَذْكُور بِخِلَاف مَا إِذا اقْتصر على
سَبَبِيَّة مَا قبلهَا لما بعْدهَا، فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى
فِي بعض صور تجوز الجارة (كأسلمت حَتَّى أَدخل الْجنَّة)
فَإِنَّهُ تعذر فِيهِ إِرَادَة الْغَايَة إِذْ (لَيْسَ)
الدُّخُول (منتهاه) أَي الْإِسْلَام بِمَعْنى إحداثه لعدم
امتداده (إِلَّا أَن أُرِيد) بِالْإِسْلَامِ (بَقَاؤُهُ) أَي
الْإِسْلَام (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين يُرَاد بَقَاؤُهُ
يتَحَقَّق لَهُ امتداد لَكِن (لَا يصلح الآخر) وَهُوَ دُخُول
الْجنَّة أَن يكون (مُنْتَهى) لبَقَائه إِذْ بَقَاؤُهُ
مَوْجُود بعد الدُّخُول على الْوَجْه الأتم مؤيد (وَبِه) أَي
بِعَدَمِ صلوح دُخُول الْجنَّة انْتِهَاء (رد تعْيين العلاقة)
أَي علاقَة التَّجَوُّز الْمَذْكُور بَين الْمَعْنى
الْحَقِيقِيّ، وَهُوَ الْغَايَة والمجازي وَهُوَ السَّبَبِيَّة
(انْتِهَاء الحكم بِمَا بعْدهَا) إِذْ الحكم الَّذِي هُوَ
السَّبَب يَنْتَهِي بِوُجُود الْمُسَبّب
(2/99)
كَمَا يَنْتَهِي الْفِعْل الممتد بغايته،
والراد الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ، والمردود قَول صَاحب
الْكَشَّاف (واختير أَنَّهَا) أَي العلاقة (مقصوديته) أَي كَون
مَا بعد حَتَّى مَقْصُودا (مِمَّا قبله) بِمَنْزِلَة الْغَايَة
من المغيا (وَهُوَ) أَي هَذَا الْمُخْتَار (أبعد) من الأول
(لِأَنَّهَا) أَي الْغَايَة (لَا تستلزمه أَي كَونهَا
الْمَقْصد مِمَّا قبلهَا (كرأسها) فِي أكلت السَّمَكَة حَتَّى
رَأسهَا: إِذْ لَيْسَ الْمَقْصد من أكلهَا (وَغَيره) أَي غير
رَأسهَا مِمَّا لَيْسَ بمقصد من الغايات (وَالْأول) أَي كَون
العلاقة اشتراكهما فِي انْتِهَاء الحكم بِمَا بعْدهَا (أوجه)
إِذْ يُمكن تَوْجِيهه بِخِلَاف الثَّانِي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ
بقوله (وَالدُّخُول مُنْتَهى إِسْلَام الدُّنْيَا) أَي
الانقياد لتحمل التكاليف (وَالصَّلَاة) أَي ومنتهى فعلهَا
(فِي) أسلمت حَتَّى أَدخل الْجنَّة و (صليت حَتَّى أَدخل)
الْجنَّة (وَمِنْه) أَي من كَونهَا للسَّبَبِيَّة قَوْلك
(لآتينك حَتَّى تغديني) لعدم امتداد الْإِتْيَان وَعدم
صَلَاحِية التغدي لِأَن يَجْعَل نِهَايَة الْإِتْيَان بل هُوَ
دَاع الْإِتْيَان، ثمَّ الْإِتْيَان سَبَب للتغدي،
فَالْمَعْنى: لَكِن تغديني (فيبر) الْحَالِف بوالله لآتينك
حَتَّى تغديني إِذا أَتَاهُ (بِلَا تغد) عِنْده لتحَقّق
الْمَحْلُوف عَلَيْهِ بِمُجَرَّد الْإِتْيَان لَهُ (بِخِلَاف
مَا إِذا صلج) الصَّدْر للامتداد (فبمعنى إِلَى) نَحْو قَوْله
تَعَالَى - {قَالُوا لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع
إِلَيْنَا مُوسَى} لِأَن اسْتِمْرَار عكوفهم صَالح للامتداد
وَرُجُوع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَيْهِم صَالح لِأَن
يَجْعَل انْتِهَاء لَهُ (فَإِن لم يصلح) الصَّدْر (لَهما) أَي
الْغَايَة والسببية (فلعطف مُطلق التَّرْتِيب) الْأَعَمّ من
كَونه بمهلة وَبلا مهلة خلافًا لِابْنِ الْحَاجِب إِذْ جعلهَا
كثم، وَلمن قَالَ لَا يسْتَلْزم التَّرْتِيب أصلا بل قد
يتَعَلَّق الْعَامِل بِمَا بعْدهَا قبل تعلقه بِمَا قبلهَا،
وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار فِي النَّحْو كَقَوْلِهِم: مَاتَ
النَّاس حَتَّى آدم، وَإِنَّمَا يتم الِاسْتِدْلَال بِهِ إِذا
ثَبت أَنه من كَلَام الْعَرَب هَذَا وَإِضَافَة عطف إِلَى
مُطلق التَّرْتِيب لأدنى مُلَابسَة: إِذْ لَيْسَ مُطلق
التَّرْتِيب مَعْطُوفًا بل المُرَاد أَنَّهَا تسْتَعْمل عاطفة
لما بعْدهَا على مَا قبلهَا مفيدة الْمَعْطُوف مترتبا على
الْمَعْطُوف عَلَيْهِ ترتبا مُطلقًا (لعلاقة التَّرْتِيب)
الْحَاصِل (فِي الْغَايَة) الَّتِي وضعت لَهَا الْمَوْجُود فِي
الْمَعْنى الْمجَازِي الَّذِي هُوَ عطف مُطلق التَّرْتِيب
(وَإِن كَانَت) الْغَايَة (بالتعقيب أنسب) مِنْهَا بالترتيب
الْمُطلق الَّذِي يعم التَّرَاخِي: إِذْ الْغَايَة لَا تراخي
عَن المغيا (كجئت حَتَّى أتغدى عنْدك من مَالِي) عطفت التغدي
على الْمَجِيء لإِفَادَة التَّشْرِيك فِي الْحُصُول على وَجه
التَّرْتِيب مُطلقًا وَلَا يصلح للصدر وَهُوَ الْمَجِيء للغاية
لعدم امتداده وَلَا للسَّبَبِيَّة أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لَا
عقلية) أَي لَا معقولية (لسببيته) أَي الْمَجِيء (لذَلِك) أَي
عِنْد التغدي للمخاطب من مَال نَفسه (فَشرط الفعلان) أَي تحقق
الْمَعْطُوف، والمعطوف عَلَيْهِ فِي الْبر (للتشريك) أَي
ليتَحَقَّق التَّشْرِيك الَّذِي هُوَ معنى الْعَطف بَينهمَا
(كَكَوْنِهِ غَايَة) أَي كَمَا شَرط وجود المغيا والغاية إِذا
كَانَت للغاية، وتذكير الضَّمِير
(2/100)
لإرجاعه إِلَى مدلولها (كَأَن لم أضربك
حَتَّى تصيح) فَكَذَا إِذا الضَّرْب بالتكرار يحْتَمل الامتداد
فَلَا يحصل الْبر إِلَّا بتحقق الضَّرْب والصياح حَال كَون
الْمَعْطُوف (معقبا) للمعطوف عَلَيْهِ تَارَة (ومتراخيا) عَنهُ
أُخْرَى (فيبر بالتغدي فِي إتْيَان وَلَو) كَانَ التغدي
(متراخيا عَنهُ) أَي الْإِتْيَان فِي أَن لم آتِك حَتَّى أتغدى
عنْدك فَكَذَا (كَمَا) ذكر (فِي الزِّيَادَات) وشروخها
وَإِنَّمَا يَحْنَث إِذا لم يتغد بعد الْإِتْيَان مُتَّصِلا
أَو متراخيا فِي جَمِيع الْعُمر (إِلَّا أَن نوى الْفَوْر)
والاتصال فَلَا يبر إِلَّا إِن تغدى بعد الْإِتْيَان من غير
تراخ (وَفِي الْمُقَيد بِوَقْت يلْزم أَن لَا يُجَاوِزهُ) أَي
ذَلِك الْوَقْت (التَّرَاخِي) فَاعل لَا يُجَاوِزهُ (كَأَن لم
آتِك الْيَوْم الخ) أَي حَتَّى أتغدى عنْدك فَكَذَا، وَلما
كَانَ هَا هُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَن مُطلق التَّرْتِيب
لَيْسَ بمدلول لفظ أصلا، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف مَدْلُول
اللَّفْظ التَّرْتِيب بِلَا مهلة أَو بمهلة كالفاء وَثمّ،
فَكيف يتجوز بحتى عَنهُ، أَشَارَ إِلَى الجوب بقوله (وَإِذا
كَانَ التَّجَوُّز بِاللَّفْظِ) عَن معنى (لَا يلْزم كَونه)
أَي التَّجَوُّز (فِي مطابقي لفظ) بِأَن يكون الْمَعْنى
الْمجَازِي معنى لعين اللَّفْظ (بل وَلَا) يلْزم كَونه (معنى
لفظ أصلا) مطابقيا كَانَ أَو غير مطابقي (وَإِذا لم يشرط فِي
الْمجَاز نقل) على مَا سبق من أَن الشَّرْط مُجَرّد وجود
العلاقة الْمُعْتَبرَة بِاعْتِبَار نوعها لَا تقل أَن هَذَا
اللَّفْظ اسْتعْمل فِي هَذَا الْمَعْنى مجَازًا (جَازَ هَذَا)
الْمجَاز يَعْنِي كَون حَتَّى لعطف مُطلق التَّرْتِيب (وَإِن
لم يسمع) اسْتِعْمَالهَا فِيهِ (وباعتباره) أَي الْجَوَاز
الْمَذْكُور (جوزوا) أَي الْفُقَهَاء (جَاءَ زيد حَتَّى
عَمْرو) إِذا جَاءَ عَمْرو بعد زيد (وَإِن مَنعه النُّحَاة)
(ناء على مَا تقدم من اشْتِرَاط كَون مَا بعْدهَا بعض مَا
قبلهَا أَو كبعضه (غير أَن الثَّابِت) من العلاقة بَين هَذَا
الْمجَازِي والحقيقي (عِنْدهم) أَي المجوزين (التَّرْتِيب) على
مَا مر (وَتقدم النّظر فِيهِ) أَي فِي تحقق التَّرْتِيب كَمَا
بَين الْغَايَة والمغيا حَال كَونهَا (عاطفة كمات النَّاس
حَتَّى الْأَنْبِيَاء وَحَتَّى آدم وَأَنه لَا غَايَة)
بِمَعْنى الِانْتِهَاء (يلْزم فِيهِ) أَي فِي الْعَطف (بل
ذَلِك الْغَايَة) لِأَن التَّرْتِيب الْكَائِن بَين مَا
بعْدهَا وَمَا قبلهَا فِي العاطفة إِنَّمَا هِيَ (فِي
الرّفْعَة والضعة) بَان يكون مَا بعْدهَا أقوى الْأَجْزَاء أَو
أضعفها وَأَدْنَاهَا (لَا) الْغَايَة (الاصطلاحية مُنْتَهى
الحكم) وَقد مر بَيَانه وَالْحَاصِل أَن هَذَا الْمجَازِي
الْمُعْتَبر فِيهِ معنى الْعَطف فرع الْحَقِيقِيّ لحتى العاطفة
وَالتَّرْتِيب لَيْسَ بموجود فِي أَصله، فَكيف يعْتَبر علاقَة
بَينهمَا، وَجعله فرعا لغير العاطفة فِي غَايَة الْبعد (وَلم
يلْزم الِاسْتِثْنَاء بهَا) أَي بحتى فِيمَا استدلوا بِهِ من
قَوْله تَعَالَى - {حَتَّى يَقُولَا} - على كَونهَا فِيهِ
بِمَعْنى إِلَّا على مَا ذكره ابْن مَالك وَغَيره،
فَالْمَعْنى: إِلَّا أَن يَقُولَا على أَن يكون الِاسْتِثْنَاء
مُنْقَطِعًا، فَأَشَارَ إِلَى جوابهم بقوله (وَقَوله تَعَالَى)
- {وَمَا يعلمَانِ من أحد (حَتَّى يَقُولَا صحت} حَتَّى
هَهُنَا أَن تكون (غَايَة للنَّفْي) أَي لنفي عدم التَّعْلِيم
(كإلى وَكَذَا لَا
(2/101)
أفعل حَتَّى تفعل) أَي إِلَى أَن تفعل وَأما قَول ابْن هِشَام
الْمصْرِيّ كَونهَا بِمَعْنى أَلا ظَاهر فِيمَا أنْشدهُ ابْن
مَالك من قَوْله
(لَيْسَ الْعَطاء من الفضول سماحة ... )
وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَقَوله
(حَتَّى تجود وَمَا لديك قَلِيل ... )
وَمن قَوْله
(وَالله لَا يذهب شَيْخي بَاطِلا ... )
وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَقَوله: حَتَّى أبير مَالِكًا
وكاهلا) فقد أجَاب عَنهُ بقوله (للسَّبَبِيَّة أَو للغاية
وَالله أعلم) فَمَعْنَى الْبَيْت الأول لَيْسَ إِعْطَاء
الْإِنْسَان من المَال الْفَاضِل عَن حَاجته سماحة، حَتَّى يعد
بِهِ الْمُعْطِي سَمحا جوادا، فَهُوَ لَا يزَال على عدم
الْجُود إِلَى أَن يجود، وَلَيْسَ عِنْده إِلَّا مَا يحْتَاج
إِلَيْهِ، وَمعنى الْبَيْت الثَّانِي: لَا أترك أحدا أهلك أبي
وَاسْتمرّ على الأبارة والإهلاك إِلَى أَن أبير هذَيْن
الْحَيَّيْنِ من أَسد فَإِنَّهُمَا تعاضدا على قَتله، هَذَا
على تَقْدِير الْمحل على الْغَايَة، وَأما على السَّبَبِيَّة،
فالتوجيه أَن يُقَال عدم كَون الْعَطاء من الفضول سماحة سَبَب
للجود من الْقَلِيل، لِأَن الاتصاف بالجود مطلب الْكِرَام
فَإِذا لم يحصل بذلك، فَلَا جرم يتَمَسَّك بِمَا يحصل، وَكَذَا
إِرَادَة الانتقام إِذا غلبت على النَّفس بِحَيْثُ لَا
يَنْتَهِي عَنْهَا بِدُونِ التشفي، فَلَا جرم يفعل مَا يحصل
بِهِ وَهُوَ إهلاك الْحَيَّيْنِ، وَزعم الشَّارِح أَن
التَّرَدُّد بَين السَّبَبِيَّة والغاية إِنَّمَا هُوَ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَيْت الثَّانِي، وَأما الْبَيْت الأول
فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْغَايَة. |