تيسير التحرير حُرُوف الْجَرّ: مسئلة
(الْبَاء) بِاعْتِبَار مَا وضعت لإِقْرَاره من النّسَب
الْجُزْئِيَّة وَجعل آلَة لملاحظتها عِنْد الْوَضع (مشكك)
بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِضَافَة الَّتِي ستذكر وَلَيْسَ بمتواطئ،
ثمَّ بَين ذَلِك بقوله (للالصاق) وَهُوَ تَعْلِيق الشَّيْء
بالشَّيْء وإيصاله بِهِ (الصَّادِق فِي أَصْنَاف
الِاسْتِعَانَة) بدل بعض، وَهُوَ طلب المعونة بِشَيْء على
شَيْء، وَهِي الدَّاخِلَة على آلَة الْفِعْل نَحْو: كتبت
بالقلم لالصاقك الْكِتَابَة بالقلم (والسببية) وَهِي
الدَّاخِلَة على اسْم لَو أسْند الْفِعْل المعدي بهَا إِلَيْهِ
صلح أَن يكون فَاعِلا لَهُ مجَازًا كَقَوْلِه تَعَالَى -
{فَأخْرج بِهِ من الثمرات} -: إِذْ يَصح أَن يُقَال أخرج
المَاء الثمرات مجَازًا. وَقَالَ ابْن مَالك ينْدَرج فِيهَا
بَاء الِاسْتِعَانَة: إِذْ يَصح أَن يُقَال كتبت الْقَلَم، نعم
فِي مثل قَوْله تَعَالَى - {وأيده بِجُنُود} - اسْتِعْمَال
السَّبَبِيَّة يجوز الِاسْتِعَانَة لِأَن الله تَعَالَى غنى
عَن الْعَالمين انْتهى، وَفِيه أَن استغناءه كَمَا يَقْتَضِي
عدم الِاسْتِعَانَة بِحَسب الْحَقِيقَة كَذَلِك يَقْتَضِي عدم
السب بحسبها، وَأما بِحَسب الظَّاهِر فَلَا يمْنَع شَيْئا
مِنْهُمَا: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال لم يرد فِي الشَّرْع
استعانته وَلَو تجوزا فَلْيتَأَمَّل (والظرفية) مَكَانا أَو
زَمَانا وَهُوَ مَا يحسن فِي موضعهَا كلمة فِي - {وَلَقَد
نصركم الله ببدر} {نجيناهم بِسحر} - (والمصاحبة) وَهِي مَا
يحسن فِي موضعهَا مَعَ - {قد جَاءَكُم الرَّسُول بِالْحَقِّ}
-، ثمَّ علل كَونهَا
(2/102)
مشككا بقوله (فَإِنَّهُ) أَي الالصاق (فِي
الظَّرْفِيَّة مثلا كقمت بِالدَّار أتم مِنْهُ) أَي الالصاق
(فِي) نَحْو (مَرَرْت بزيد فتفريع بَاء الثّمن) أَيْن
الدَّاخِلَة على الْأَثْمَان كبعت هَذَا بِعشْرَة أَو بِثَوْب
(عَلَيْهِ) أَي على الإلصاق بِجُزْء من جزئياته (على النَّوْع)
الشَّامِل للأصناف (و) مَا فرعت عَلَيْهِ (على الْخُصُوص) أَي
الصِّنْف الْخَاص فَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (الالصاق
الِاسْتِعَانَة) أَي الالصاق المتحقق فِي ضمن الِاسْتِعَانَة،
فَقَوله فتفريع بَاء الثّمن مُبْتَدأ، وَقَوله على النَّوْع
خَبره: أَي تَفْرِيع للفرد على النَّوْع، وَقَوله على
الْخُصُوص مُتَعَلق بصلَة الْمَوْصُول الْمُقدر، وَقَوله
الالصاق الخ خبر الْمَوْصُول، والاستعانة صفة الالصاق
(الْمُتَعَلّقَة بالوسائل) صفة الِاسْتِعَانَة (دون
الْمَقَاصِد الْأَصْلِيَّة) إِذْ بالوسائل يستعان على
الْمَقَاصِد، والمقصد الْأَصْلِيّ من البيع: الِانْتِفَاع،
وَالثَّمَر وَسِيلَة إِلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِب من
النُّقُود الَّتِي لَا ينْتَفع بهَا بِالذَّاتِ (فصح
الِاسْتِبْدَال بالكر) من الْحِنْطَة (قبل الْقَبْض فِي)
قَوْلك (اشْتريت هَذَا العَبْد بكر حِنْطَة وَصفه) بِوَصْف
يزِيل الْجَهَالَة من جودة وَغَيرهَا لِأَنَّهُ ثمن لدُخُول
الْبَاء عَلَيْهِ فَكَانَ كَسَائِر الْأَثْمَان فِي صِحَة
الِاسْتِبْدَال بِهِ وَالْوُجُوب فِي الذِّمَّة حَالا، لِأَن
الْمكيل مِمَّا يثبت فِي الذِّمَّة حَالا وَعدم اشْتِرَاط
الْقَبْض: إِذْ الْمَقْصد من الْقَبْض التَّعْيِين، وَلَا
يشْتَرط التَّعْيِين فِي الْأَثْمَان بل يَكْفِي فِيهَا معرفَة
الْقدر المنجية عَن الْإِفْضَاء إِلَى النزاع (دون الْقلب) أَي
بِعْت كرا من الْحِنْطَة الموصوفة بِكَذَا بِهَذَا العَبْد
(لِأَنَّهُ) أَي القَوْل الْمَذْكُور (حِينَئِذٍ) أَي حِين
قلب، وَأدْخل الْبَاء على العَبْد فَجعل ثمنا فَصَارَ الْكر
مَبِيعًا (سلم) أَي بيع سلم إِذْ الْكر الْمَبِيع دين فِي
الذِّمَّة، وَالْمَبِيع الدّين لَا يكون إِلَّا سلما، وَصِحَّة
السّلم مفقودة هَهُنَا إِذْ هُوَ (يُوجب الْأَجَل) الْمعِين
عِنْد الْجُمْهُور مِنْهُم أَصْحَابنَا (وَغَيره) أَي وَغير
الْأَجَل كقبض رَأس مَال السّلم (فَامْتنعَ الِاسْتِبْدَال
بِهِ) أَي بالكر (قبله) أَي قبل الْقَبْض فَإِن قلت الْمَبِيع
فِي السّلم مَعْدُوم، والمعدوم غير مُتَعَيّن، وَلَا فَائِدَة
للقبض سوى التعين فَمَا معنى تَفْرِيع امْتنَاع الِاسْتِبْدَال
بالكر قبل الْقَبْض على مُوجب السّلم بل هُوَ متفرع على كَون
الْكر مَبِيعًا قلت لَيْسَ المُرَاد من الِاسْتِبْدَال بِهِ
الِاسْتِبْدَال على وَجه السّلم من الِاسْتِبْدَال الْمُطلق
وَحَاصِله أَن الِاسْتِبْدَال حِينَئِذٍ إِمَّا على وَجه
السّلم وَقد عرفت أَنه لَا يَصح لِانْعِدَامِ شُرُوطه، أَو على
غَيره فَلَا بُد فِيهِ من التَّعْيِين، وَغير الْمَقْبُوض
لَيْسَ بمتعين فَلَا يَصح الِاسْتِبْدَال مُطلقًا (وَإِثْبَات
الشَّافِعِي كَونهَا) أَي الْبَاء (للتَّبْعِيض فِي امسحوا
برءوسكم هُوَ الالصاق) أَي إِثْبَات الالصاق (مَعَ تبعيض
مدخولها) أَي الْبَاء: أَي ألصقوا الْمسْح بِبَعْض الرَّأْس
(وَأنْكرهُ) أَي التَّبْعِيض (محققو الْعَرَبيَّة) مِنْهُم
ابْن جني. قَالَ ابْن برهَان النَّحْوِيّ الأصولي: من زعم أَن
الْبَاء للتَّبْعِيض فقد أَتَى أهل الْعَرَبيَّة بِمَا لَا
يعرفونه (وشربت بِمَاء الدحرضين) أَي وَالْبَاء فِي قَول
(2/103)
عنترة أَخْبَارًا عَن النَّاقة:
(شربت بِمَاء الدحرضين فَأَصْبَحت ... زوراء تنفر عَن حِيَاض
الديلم)
(للظرفية) أى شربت النَّاقة فِي مَحل هَذَا المَاء، والدحرضان
ماءان، يُقَال لأَحَدهمَا وشيع، وَللْآخر: الدحرض فغلب فِي
التَّثْنِيَة، وَقيل مَاء لبني سعد، وَقيل بلد والزوراء
المائلة والديلم نوع من التّرْك ضربه مثلا لأعدائه، يَقُول
هَذِه النَّاقة تتخلف عَن حِيَاض أعدائه وَلَا تشرب مِنْهَا،
وَقيل الديلم أَرض (و:
(شربن بِمَاء الْبَحْر) ثمَّ ترفعت ... مَتى لجج خضر لَهُنَّ
نئيج)
وَمَتى بِمَعْنى من، والنئيج من نئج الثور إِذا خار،
وَالْبَيْت فِي وصف السَّحَاب، وَالْبَاء فِيهِ (زَائِدَة
وَهُوَ) أَي كَونهَا زَائِدَة (اسْتِعْمَال) مُحَقّق (كثير)
يشْهد بِهِ التتبع (وإفادة البعضية لم تثبت بعد) معنى
مُسْتقِلّا لَهَا (فالحمل عَلَيْهِ) أَي كَونهَا زَائِدَة
(أولى) من الْحمل على البعضية (مَعَ أَنه لَا دَلِيل) على
البعضية (إِذْ المتحقق) بِالْقَرِينَةِ (علم البعضية) أَي
الْعلم بِأَن مُتَعَلق الحكم بِحَسب نفس الْأَمر بعض مدخولها
(وَلَا يتَوَقَّف) عَملهَا (على الْبَاء لعقلية أَنَّهَا) أَي
لِأَن الْعقل يحكم بِأَن النَّاقة (لم تشرب كل مَاء الدحرضين
وَلَا استغرقن) أَي السحب (الْبَحْر) فَلَا حَاجَة إِلَى
إِرَادَة البعضية من الْبَاء لاستقلال الْعقل بإفادتها، هَذَا.
وَقَالَ ابْن مَالك: والأجود تضمين شربن معنى روين (وَمثله)
أَي مثل هَذَا التَّبْعِيض (تبعيض الرَّأْس فَإِنَّهَا) أَي
الْبَاء (إِذا دخلت عَلَيْهِ) أَي الرَّأْس (تعدى الْفِعْل)
أَي الْمسْح (إِلَى الْآلَة العادية) للمسح (أَي الْيَد)
يَعْنِي أَن الْمسْح لَا بُد لَهُ من آلَة وَمحله وَيذكر
وَيقدر الآخر، وَحقّ الْبَاء أَن تدخل على الْآلَة وَلَا
تستوعبها وتتعدى إِلَى الْمحل بِغَيْر وَاسِطَة وتستوعبه،
وَفِي الْآيَة دخلت على الْمحل فَلَزِمَ عدم استيعابه وَلزِمَ
تعديه إِلَى الْآلَة بِغَيْر وَاسِطَة فيستوعبها إِذْ كل
مِنْهُمَا نزل منزلَة الآخر فيعطي حَقه وَإِلَيْهِ أَشَارَ
بقوله (فالمأمور) بهَا (استيعابها) أَي الْآلَة (وَلَا
يسْتَغْرق) استيعابه مِقْدَار الْآلَة (غَالِبا سوى ربعه) أَي
الرَّأْس، إِنَّمَا قَالَ غَالِبا لِأَنَّهُ قد يكون الْكَفّ
كَبِيرا جدا، وَالرَّأْس صَغِيرا جدا فيستوعبه (فَتعين) الرّبع
(فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَلُزُوم التَّبْعِيض عقلا غير مُتَوَقف
عَلَيْهَا) أَي الْبَاء: أَي حكم الْعقل بِكَوْن الْمَمْسُوح
بعض الرَّأْس لَيْسَ مَوْقُوفا على كَون الْبَاء للتَّبْعِيض
لِئَلَّا يلْزم القَوْل بِأَن الْبَاء للتَّبْعِيض وَإِنَّمَا
الْحَاجة إِلَيْهَا لتعين الْمِقْدَار. وَقد عرف (وَلَا على
حَدِيث أنس فِي) سنَن (أبي دَاوُد وَسكت عَلَيْهِ) فَهُوَ
حجَّة لقَوْله ذكرت فِيهِ الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ ويقاربه،
وَقَوله: مَا كَانَ فِي كتابي من حَدِيث فِيهِ وَهن شَدِيد فقد
بَينته وَمَا لم أذكر فِيهِ شَيْئا فَهُوَ صَالح وَبَعضهَا أصح
من بعض. قَالَ ابْن الصّلاح: فعلى هَذَا مَا وَجَدْنَاهُ فِي
كِتَابه مَذْكُورا مُطلقًا، وَلَيْسَ فِي وَاحِد
(2/104)
من الصَّحِيحَيْنِ وَلَا نَص على صِحَّته
أحد مِمَّن يُمَيّز بَين الصَّحِيح وَالْحسن عَرفْنَاهُ
بِأَنَّهُ من الْحسن عِنْده، وَفِي الشَّرْح زِيَادَة بسط
فِيهِ وَلَفظ حَدِيثه " رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يتَوَضَّأ وَعَلِيهِ عِمَامَة قطرية فَأدْخل يَده من
تَحت الْعِمَامَة فَمسح مقدم رَأسه " (بل هُوَ) أَي حَدِيث أنس
(مَعَ ذَلِك الدَّلِيل) الْمَذْكُور آنِفا (قَائِم على مَالك)
فِي إِيجَابه مسح جَمِيع الرَّأْس (إِذْ قَوْله) أَي أنس
(فَأدْخل يَدَيْهِ) قَالَ الشَّارِح وَالَّذِي رَأَيْته فِي
نُسْخَة صَحِيحَة يَده (من تَحت الْعِمَامَة فَمسح مقدم رَأسه
ظَاهر فِي الِاقْتِصَار) عَلَيْهِ: وَهُوَ الرّبع الْمُسَمّى
بالناصية فَلَا يُقَال أَن مسح مقدمه لَا يُنَافِي مسح
الْبَاقِي، وَفِي الأَصْل تَقْدِيره بِثَلَاثَة أَصَابِع وَفِي
الْمُحِيط والتحفة أَنه ظَاهر الرِّوَايَة قَالَ الشَّارِح
اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال الْمَذْكُور فِيهِ قَول مُحَمَّد
(وَلُزُوم تكَرر الْإِذْن) للبر (فِي أَن خرجت إِلَّا بإذني)
فَأَنت طَالِق (لِأَنَّهُ) أَي الِاسْتِثْنَاء (مفرغ للمتعلق)
بِفَتْح اللَّام، يَعْنِي أَن الْمُسْتَثْنى الَّذِي فرغ
الْعَامِل عَن الْعَمَل فِي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ للْعَمَل
فِيهِ إِنَّمَا هُوَ مُتَعَلق الْبَاء وَهُوَ الْخُرُوج، إِذْ
التَّقْدِير (أَي) خرجت خُرُوجًا (إِلَّا خُرُوجًا مُلْصقًا
بِهِ) أَي بإذني فَمَا اسْتثْنى من دَائِرَة النَّفْي
الشَّامِل لكل خُرُوج كَمَا سيصرح بِهِ إِلَّا خُرُوج ملصق
بِالْإِذْنِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَمَا لم يكن) أَي
فالخروج الَّذِي لم يكن مُلْصقًا (بِهِ) أَي بِالْإِذْنِ
(دَاخل فِي الْيَمين لعُمُوم النكرَة) المفهومة من الْفِعْل
وَسِيَاق النَّفْي الْحَاصِل من الْيَمين إِذْ هِيَ للْمَنْع
من الْخُرُوج فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تخرجي خُرُوجًا إِلَّا
خُرُوجًا مُلْصقًا بِهِ (فَيحنث بِهِ) أَي بذلك الْخُرُوج
الَّذِي لَيْسَ بِإِذْنِهِ (بِخِلَاف) إِن خرجت (إِلَّا أَن
آذن) لَك فَإِنَّهُ (لَا يلْزم فِي الْبر) فِيهِ (تكرره) أَي
الْإِذْن (لِأَن الْإِذْن غَايَة) لِلْخُرُوجِ (تجوز بإلا
فِيهَا) أَي الْغَايَة (لتعذر اسْتثِْنَاء الْأذن من
الْخُرُوج) لعدم المجانسة وَلَا يحسن فِيهِ ذَلِك التَّقْدِير
لاختلال أَن خرجت خُرُوجًا إِلَّا خُرُوجًا أَن آذن لَك فَإِن
قلت لم لَا يجوز أَن يكون معنى إِلَّا خُرُوجًا كَائِنا فِي
وَقت الْإِذْن قلت لَا يقْصد بِهَذِهِ الْعبارَة هَذَا
التَّطْوِيل الممل كَمَا لَا يخفى على أَرْبَاب اللِّسَان
فَلَا يحمل عَلَيْهِ مَعَ جَوَاز هَذَا التَّجَوُّز الظَّاهِر
لوُجُود الْمُنَاسبَة الظَّاهِرَة بَين الْغَايَة
وَالِاسْتِثْنَاء: إِذْ كل مِنْهُمَا يُفِيد انْتِهَاء شَيْء
إِلَى شَيْء، أما الْغَايَة فلانتهاء المغيا إِلَيْهَا، وَأما
الِاسْتِثْنَاء فلانتهاء حكم الْمُسْتَثْنى مِنْهُ الى
الْمُسْتَثْنى (وبالمرة) من الْإِذْن (يتَحَقَّق) الْبر
(فينتهي الْمَحْلُوف عَلَيْهِ) وَهُوَ الْخُرُوج الْمَمْنُوع
عَنهُ مثلا 0 وَلُزُوم تكْرَار الْإِذْن) من النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (فِي دُخُول بيوته عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ
تِلْكَ الصِّيغَة) أَي إِلَّا أَن يُؤذن لكم لَيْسَ بهَا بل
(بِخَارِج) عَنْهَا أَي (تَعْلِيله) تَعَالَى الدُّخُول
بِغَيْر الْإِذْن (بالأذى) حَيْثُ قَالَ - {إِن ذَلِكُم كَانَ
يُؤْذِي النَّبِي} - فَإِن الاجتناب عَن الْأَذَى يتَوَقَّف
على طلب الْإِذْن فِي كل دُخُول فَلَا إِشْكَال.
(2/105)
(مسئلة)
(على: للاستعلاء حسا) كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَعَلَيْهَا وعَلى
الْفلك تحملون} - (وَمعنى) كأوجبه عَلَيْهِ وَعَلِيهِ دين
(فَهِيَ فِي الْإِيجَاب وَالدّين حَقِيقَة فَإِنَّهُ) أَي
الْمَذْكُور من الْإِيجَاب وَالدّين (يَعْلُو الْمُكَلف) أما
فِي الدّين فَظَاهر، وَأما فِي الْإِيجَاب فَلِأَنَّهُ
يَقْتَضِي شغل ذمَّة الْمُكَلف بِحَق مطَالب كَدين الْعباد،
وَيحْتَمل إرجاع الضَّمِير إِلَى الدّين أَعم من أَن يكون دين
الْحق أَو العَبْد فَيعلم بِهِ الاستعلاء فِي الْإِيجَاب
المستلزم دين الْحق (وَيُقَال رَكبه دين) لِأَنَّهُ علاهُ
للزومه فِيهِ لَهُ (فَيلْزم فِي عَليّ ألف) لفُلَان لِأَن
باللزوم يتَحَقَّق الاستعلاء حَيْثُ يثبت للْمقر لَهُ
الْمُطَالبَة (وَالْحَبْس للْمقر، وَهَذَا (مَا لم يصله) أَي
قَوْله عَليّ ألف (بمغير وَدِيعَة) أَي بِمَعْنى هُوَ لفظ
وَدِيعَة بِالرَّفْع على أَن يكون صفة ألف، أَو النصب على
الْحَال فَإِن وَصله بهَا حمل على وجوب الْحِفْظ (لقَرِينَة
الْمجَاز) وَهِي وَدِيعَة، وَإِنَّمَا اشْترط وَصله لِأَن
الْبَيَان المغير لَا يعْتَبر إِلَّا عِنْد الِاتِّصَال (و) قد
مر (فِي الْمُعَاوَضَات الْمَحْضَة) أَي الخالية عَن معنى
الْإِسْقَاط (كَالْإِجَارَةِ) فَإِنَّهَا مُعَاوضَة
الْمَنَافِع بِالْمَالِ (وَالنِّكَاح) فَإِنَّهُ مُعَاوضَة
الْبضْع بِالْمَالِ وَالْبيع فَإِنَّهُ مُعَاوضَة مَال بِمَال،
وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا معنى الْإِسْقَاط (مجَاز فِي
الالصاق) فِي التَّوْضِيح، وَهُوَ فِي الْمُعَاوَضَات
الْمَحْضَة بِمَعْنى الْبَاء إِجْمَاعًا مجَازًا، لِأَن
اللُّزُوم يُنَاسب الالصاق، وَهَذَا بَيَان علاقَة الْمجَاز،
وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ مجَازًا لِأَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ
وَهُوَ الشَّرْط لَا يُمكن فِي الْمُعَاوَضَات الْمَحْضَة
انْتهى. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ كَونهَا للشّرط
بِمَنْزِلَة الْحَقِيقَة عِنْد الْفُقَهَاء لِأَنَّهَا فِي أصل
الْوَضع للُزُوم، وَالْجَزَاء لَازم للشّرط نَحْو (احمله على
دِرْهَم وَتَزَوَّجت على ألف لمناسبته) أَي الالصاق
(اللُّزُوم) إِذْ اللَّازِم ملتصق بالملزوم (وَفِي الطَّلَاق
للشّرط عِنْده) أَي أبي حنيفَة (فَفِي طَلقنِي ثَلَاثًا على
ألف لَا شَيْء لَهُ) أَي للزَّوْج عَلَيْهَا إِذا أجباها
(بِوَاحِدَة) وَإِنَّمَا يَقع عَلَيْهَا طَلْقَة رَجْعِيَّة
عِنْده (لعدم انقسام على الشَّرْط الْمَشْرُوط) يَعْنِي لَو
كَانَ يَنْقَسِم الْألف على الطلقات الثَّلَاث كَانَ يلْزم فِي
مُقَابلَة كل طَلَاق ثلث الْألف لكنه لَيْسَ بمنقسم لِأَنَّهُ
مَشْرُوط والمشروط لَا يَنْقَسِم على الشَّرْط اتِّفَاقًا
(وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك وانقسم على الطلقات
فَلَزِمَ بالواحدة ثلث الْألف (تقدم بعضه) أَي بعض الْمَشْرُوط
وَهُوَ ثلث الْألف (عَلَيْهِ) أَي على الشَّرْط وَهُوَ الطلقات
الثَّلَاث، وَقد يُقَال إِن كَون مَجْمُوع الْألف مَشْرُوطًا
بِمَجْمُوع الطلقات الثَّلَاث لَا يسْتَلْزم كَون كل جُزْء
مِنْهُ مَشْرُوطًا بمجموعها، وَإِذا لم يلْزم فَلَا مَحْذُور
فِي تقدم بعض الْمَشْرُوط على الشَّرْط: نعم يُقَال حِينَئِذٍ
أَن لُزُوم ثلث الْألف لَا مُوجب لَهُ، لِأَنَّهُ لَا انقسام
للمشروط على الشَّرْط ليَكُون فِي مُقَابلَة كل طَلَاق ثلث
الْألف كَيفَ ومقصد الزَّوْجَة هُوَ الْبَيْنُونَة
(2/106)
وَبِدُون حُصُول الْمَقْصد لَا ترْضى
بِإِعْطَاء شَيْء من الْألف فِي مُقَابلَة شَيْء مِنْهَا
(وَعِنْدَهُمَا) على هَهُنَا (للالصاق عوضا) أَي للالصاق
الَّذِي يكون بَين الْعِوَضَيْنِ: إِذْ كل مِنْهُمَا لَا
يُفَارق الآخر وَذَلِكَ لِأَن الطَّلَاق على مَال مُعَاوضَة من
جَانبهَا، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الرُّجُوع قبل كَلَام
الزَّوْج (فتنقسم الْألف للمعية) الثَّانِيَة بَين
الْعِوَضَيْنِ المستلزمة للالصاق الْمُوجبَة للمقابلة بَين
أَجْزَائِهَا، لِأَن ثُبُوت الْعِوَضَيْنِ بطرِيق الْمُقَابلَة
اتِّفَاقًا (وَلمن يرجحه) أَي قَوْلهمَا أَن يَقُول (أَن
الأَصْل فِيمَا علمت مُقَابلَته) بِمَال (العوضية) وَهَذَا
مِنْهُ فتعينت، والاتفاق على أَن الْعِوَض تَنْقَسِم أجزاؤه
على أَجزَاء المعوض فَتبين مِنْهُ بِوَاحِدَة بِثلث الْألف
(وَكَونه) أَي على (مجَازًا فِيهِ) أَي الالصاق (حَقِيقَة فِي
الشَّرْط) كَمَا ذكره شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ فَيتَعَيَّن
الْحمل على الشَّرْط (مَمْنُوع لفهم اللُّزُوم فيهمَا) أَي
الشَّرْط والالصاق: يَعْنِي أَن اللُّزُوم الْمُطلق الَّذِي
يتَحَقَّق فِي ضمن كل وَاحِد مِنْهُمَا يتَبَادَر إِلَى
الذِّهْن فِي كل من الاطلاقين (وَهُوَ) أَي اللُّزُوم هُوَ
الْمَعْنى (الْحَقِيقِيّ وَكَونه) أَي على مستعملة حَقِيقَة
(فِي معنى يُفِيد اللُّزُوم) فِي الْمُعَاوَضَات (لَا فِيهِ)
أَي لِأَنَّهَا مستعملة فِي اللُّزُوم (ابْتِدَاء يصيره) أَي
على (مُشْتَركا) بَين هَذَا الْمعِين واللزوم اشتراكا لفظيا:
إِذْ كَونه حَقِيقَة فِي اللُّزُوم ثَابت لما ذكر من التبادر،
وَالْأَصْل عدم الِاشْتِرَاك وَإِذا تبين كَونهَا حَقِيقَة فِي
اللُّزُوم (فمجاز فيهمَا) أَي الالصاق وَالشّرط كَمَا أَشَارَ
إِلَيْهِ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ.
مسئلة
(من: تقدم مسائلها) فِي بحثي من وَمَا (وَالْغَرَض) هَهُنَا
(تَحْقِيق مَعْنَاهَا فكثير من الْفُقَهَاء) كفخر الْإِسْلَام
وَصَاحب البديع قَالُوا هِيَ (للتَّبْعِيض) وعلامته إِمْكَان
وضع لفظ بعض فِي موضعهَا وَلَيْسَ بمرادف لَهُ، إِذْ الترادف
لَا يكون بَين مختلفي الْجِنْس كالاسم والحرف (وَكثير من
أَئِمَّة اللُّغَة) كالمبرد وَغَيره ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهَا
(لابتداء الْغَايَة وَرجع مَعَانِيهَا إِلَيْهِ) أَي إِلَى
ابْتِدَاء الْغَايَة، وَالْمرَاد بهَا المساقة من إِطْلَاق
الِاسْم الْجُزْء على الْكل، إِذْ هِيَ فِي الأَصْل بِمَعْنى
النِّهَايَة وَلَيْسَ لَهَا ابْتِدَاء وانتهاء كَذَا فِي
التَّلْوِيح (فَالْمَعْنى فِي أكلت من الرَّغِيف ابْتِدَاء
أكلي) الرَّغِيف، وَفِي أخذت من الدَّرَاهِم ابْتِدَاء أخذى
الدَّرَاهِم (وَهُوَ) أَي هَذَا الْمَعْنى (معنى تعسفه)
لمُخَالفَته الظَّاهِر هُوَ من غير مُوجب (لَا يَصح لِأَن
ابْتِدَاء أكلي وأخذى لَا يفهم من التَّرْكِيب وَلَا) هُوَ
(مَقْصُود الإفادة) مِنْهُ (بل) الْمَقْصُودَة بالإفادة مِنْهُ
(تعلقه) أَي الْفِعْل كَالْأَكْلِ وَالْأَخْذ فيهمَا (بِبَعْض
مدخولها) وَهُوَ الرَّغِيف وَالدَّرَاهِم (وَكَيف) يَصح هَذَا
(وابتداؤه) أَي وَارِدَة ابْتِدَاء الْفِعْل (مُطلقًا) فِي
جَمِيع مواردها غير صَحِيح لِأَنَّهَا (قد تكذب) فِي بعض
الْمَوَاضِع كَمَا إِذا ابْتَدَأَ
(2/107)
الْأكل من اللَّحْم ثمَّ أكل بعض الرَّغِيف
ثمَّ قَالَ: أكلت من الرَّغِيف، فَإِذا أَرَادَ كَون ابْتِدَاء
أكله من الرَّغِيف كَانَ المُرَاد بِهَذَا الِاعْتِبَار كذبا
(وتخصيصه) أَي الْفِعْل الْمَقْصد تعْيين ابْتِدَاء بِهِ
(بذلك) الْمحل (الجزئي) كالرغيف فِي: أكلت من الرَّغِيف (غير
مُفِيد) أَي يُوجب كَون الْكَلَام غير مُفِيد، جَوَاب سُؤال،
وَهُوَ أَنه لَا نسلم لُزُوم الْكَذِب فِي الصُّورَة
الْمَذْكُورَة لجَوَاز أَن يُرَاد تعْيين ابْتِدَاء الْأكل
الْمُتَعَلّق بالرغيف، لَا مُطلق الْأكل فِي ذَلِك الْوَقْت
ليلزم الْكَذِب وَحَاصِله أَنه حِينَئِذٍ يكون الْمَعْنى
ابْتِدَاء أكل الْمُتَعَلّق بالرغيف الرَّغِيف وَلَا فَائِدَة
فِيهِ (واستقراء مواقعها يُفِيد أَن متعلقها أَن تعلق بمسافة)
حَال كَونه (قطعا لَهَا) أَي لتِلْك الْمسَافَة: يَعْنِي كَونه
لبَيَان قطعهَا (كسرت ومشيت أَولا) يكون قطعا لَهَا (كبعت) من
هَذَا الْحَائِط إِلَى هَذَا الْحَائِط (وأجرت) الدَّار من شهر
كَذَا إِلَى شهر كَذَا (فلابتداء الْغَايَة أَي ذِي الْغَايَة)
قصد بِهِ تَفْسِير قَوْلهم لابتداء الْغَايَة، وَقد مر آنِفا
(وَهُوَ) أَي ذُو الْغَايَة (ذَلِك الْفِعْل) الَّذِي
يتَعَلَّق بِهِ تَفْسِير قَوْلهم لابتداء الْغَايَة، وَقد مر
آنِفا (وَهُوَ) أَي ذُو الْغَايَة (ذَلِك الْفِعْل) الَّذِي
يتَعَلَّق بِهِ (أَو مُتَعَلّقه) وَهُوَ الْمَكَان أَو
الزَّمَان الَّذِي وَقع فِيهِ (الْمُبين) أَي الَّذِي بَين
(منتهاه) بإلى وَنَحْوه، (وَإِن أَفَادَ) الْفِعْل الَّذِي
تعلق بِهِ من (تناولا) أَي معِين التَّنَاوُل (كأخذت وأكلت
وَأعْطيت فَلَا يصاله) أَي فَمن لَا يصال مَا يتَعَلَّق بِهِ
(إِلَى بعض مدخولها فَعلمت تبادر كل من المعنين) أَي
الِابْتِدَاء والتبعيض (فِي مَحَله) تبادرا حَاصِلا عَن كلمة
من (أَي مَعَ خُصُوص ذَلِك الْفِعْل) على الْوَجْه الَّذِي
بَين (فَلم يبْق) بعد هَذَا التبادر (إِلَّا) أحد الْأَمريْنِ:
أما (إِظْهَار مُشْتَرك) معنوي بَين الِابْتِدَاء والتبعيض
(يكون) من مَوْضُوعا (لَهُ) أَي لذَلِك الْمُشْتَرك (أَو)
الِاشْتِرَاك (اللَّفْظِيّ) بَينهمَا (أما) أَنه (حَقِيقَة فِي
أَحدهمَا مجَاز فِي الآخر بعد استوائهما) أَي الْمَعْنيين (فِي
المدلولية والتبادر فِي محليهما فتحكم وانتفى جعلهَا)
مَوْضُوعا (للابتداء) فَقَط لعدم صِحَة إِرَادَته فِي كثير من
المواقع لما عرفت (ورد التَّبْعِيض إِلَيْهِ) أَي الِابْتِدَاء
وَلم يظْهر مُشْتَرك معنوي غَيره أَيْضا (فمشترك) أَي فَإِذن
هُوَ مُشْتَرك (لَفْظِي) بَين مَعَانِيهَا، ومعين كل وَاحِد
مِنْهَا الْمُتَعَلّق الْخَاص (وَيرد الْبَيَان) أَي كَونهَا
للْبَيَان وعلامته صِحَة وضع الَّذِي موضعهَا أَو جعل مدخولها
مَعَ ضمير مَرْفُوع قبله صلتها كَقَوْلِه تَعَالَى -
{فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} -: إِذْ يَصح الرجس
الَّذِي هُوَ الْأَوْثَان (إِلَى التَّبْعِيض بِأَنَّهُ) أَي
التَّبْعِيض فِيهِ (أَعم من كَونه تبعيض مدخولها من حَيْثُ
هُوَ مُتَعَلق الْفِعْل، أَو كَون مدخولها) فِي نَفسه (بَعْضًا
بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُتَعَلق الْفِعْل، فالأوثان بعض الرجس)
وَلَا يخفى أَن كلمة من بِمَنْزِلَة لفظ الْبَعْض،
وَالْمَفْهُوم من قَوْلنَا: أكلت بعض الرَّغِيف تبعيض
الرَّغِيف، وعَلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يُرَاد من قَوْله - {من
الْأَوْثَان} - تبعيض الْأَوْثَان لَا تبعيض الرجس، وَلَا يَصح
تبعيضها بِاعْتِبَار تعلق
(2/108)
الْفِعْل لوُجُوب الاجتناب من الْكل، وَلَا
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرجس بِأَن يُقَال: بعض الْأَوْثَان
رِجْس إِذْ الْكل رِجْس بِخِلَاف أَن يُقَال: الْأَوْثَان بعض
الرجس، فَإِن فِي إدخالها فِي دَائِرَة الرجس مُبَالغَة فِي
ذمها: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: الْمَعْنى على الْقلب.
مسئلة
(إِلَى: للغاية أَي دَالَّة على أَن مَا بعْدهَا مُنْتَهى حكم
مَا قبلهَا، وَقَوله لانْتِهَاء الْغَايَة تساهل) لَا من
حَيْثُ أَن الْغَايَة لَا امتداد لَهَا لما ذكر من أَنَّهَا قد
تطلق على ذِي الْغَايَة وَلما سَيذكرُ (وَكَذَا) التساهل
مَوْجُود وَلم يرْتَفع (بِإِرَادَة المبدأ) بالغاية تحملا
بِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (إِذْ تطلق) الْغَايَة
(بالاشتراك عرفا بَين مَا ذكرنَا) وَهُوَ الْمُنْتَهى
(وَنِهَايَة الشَّيْء من طَرفَيْهِ) بَيَان لنهايته وهما أَوله
وَآخره (وَمِنْه) أَي من هَذَا الِاشْتِرَاك الْعرفِيّ نَشأ
قَوْلهم (لَا تدخل الغايتان) فِي قَوْله عَليّ من دِرْهَم
إِلَى عشرَة حَتَّى تلْزم ثَمَانِيَة كَمَا هُوَ قَول زفر،
وَإِنَّمَا لم يحمل على التغليب لِأَنَّهُ مجَاز، ثمَّ علل
التساهل بقوله (لِأَن الدّلَالَة بهَا) أَي بإلى (على
انْتِهَاء حكمه) أَي حكم مَا قبلهَا (لَا) على (انتهائه) أَي
مَا قبلهَا نَفسه فَفِي قَوْلك أكلت السَّمَكَة إِلَى رَأسهَا
نصفهَا يظْهر مَا قُلْنَا (وَفِي دُخُوله) أَي مَا بعْدهَا فِي
حكم مَا قبلهَا. أَرْبَعَة مَذَاهِب. يدْخل مُطلقًا. لَا يدْخل
مُطلقًا. يدْخل أَن كَانَ من جنس مَا قبلهَا. وَلَا يدْخل إِن
لم يكن. والاشتراك: أَي يدْخل حَقِيقَة وَلَا يدْخل حَقِيقَة،
كَذَا ذكره صدر الشَّرِيعَة (كحتى) أَرَادَ أَن الرَّابِع فِي
حَتَّى الِاشْتِرَاك فتعقبه بقوله (وَنقل مَذْهَب الِاشْتِرَاك
فِي إِلَى غير مَعْرُوف، وَمذهب يدْخل) بِالْقَرِينَةِ (وَلَا
يدْخل بِالْقَرِينَةِ غَيره) أَي غير مَذْهَب الِاشْتِرَاك
وَسَيَجِيءُ بَيَانه، فَلَمَّا أَفَادَ أَن الِاشْتِرَاك فِي
حَتَّى من حَيْثُ النَّقْل ثَابت دون إِلَى أَرَادَ أَن يبين
أَن المرضي عِنْده عدم ثُبُوته فِي شَيْء مِنْهُمَا بِحَسب نفس
الْأَمر ومنشأ ذَلِك النَّقْل التباس فَقَالَ (فَلَعَلَّهُ)
أَي مَذْهَب يدْخل وَلَا يدْخل بِالْقَرِينَةِ (الْتبس بِهِ)
أَي بِمذهب الِاشْتِرَاك فَوضع مَوْضِعه مَذْهَب الِاشْتِرَاك
(فَلَا يُفِيد حَتَّى وَإِلَى سوى) شَيْء (أَن مَا بعْدهَا
مُنْتَهى الحكم) أَي حكم مَا قبل كل مِنْهُمَا (ودخوله) أَي
مَا بعد كل مِنْهُمَا فِي حكم مَا قبله (وَعَدَمه) أَي عدم
دُخُول مَا بعد كل فِي حكم مَا قبله إِنَّمَا هُوَ
(بِالدَّلِيلِ) على ذَلِك بِحَسب الْمَوَارِد (وَإِلَيْهِ) أَي
وَإِلَى هَذَا الْمَذْهَب (أذهب فيهمَا) أَي فِي حَتَّى وَالِي
(وَلَا يُنَافِي) هَذَا الْمَذْهَب (إِلْزَام الدُّخُول فِي
حَتَّى) عِنْد عدم الْقَرِينَة كَمَا هُوَ قَول أَكثر
الْمُحَقِّقين (وَعَدَمه) أَي عدم الدُّخُول (فِي إِلَى) عِنْد
عدم الْقَرِينَة كَمَا هُوَ قَول أَكثر الْمُحَقِّقين أَيْضا
(لِأَنَّهُ) أَي إِلْزَام الدُّخُول وَعَدَمه، أَو الضَّمِير
للشأن (إِيجَاب الْحمل) أَي حمل حَتَّى وَإِلَى على الدُّخُول
وَعَدَمه (عِنْد
(2/109)
عدم القرنية) الْمعينَة للدخول أَو عَدمه،
فعلى الأول قَوْله إِيجَاب الْحمل خبر إِن، وعَلى الثَّانِي
مُبْتَدأ خَبره (للأكثرية فيهمَا) يَعْنِي إِذا لم يكن حَتَّى
وَإِلَى مَوْضُوعَيْنِ للدخول وَعَدَمه وَلم تكن الْقَرِينَة
الْمعينَة وَالْحمل على مَا هُوَ الْأَكْثَر فِي
الِاسْتِعْمَال مُتَعَيّن (حملا على) الِاحْتِمَال
(الْأَغْلَب) احْتِرَازًا عَن تَرْجِيح المغلوب الْمَرْجُوح
(لَا) إِيجَاب حملهَا على الدُّخُول وَعَدَمه حَال كَونهمَا
(مدلولا لَهما) أَي حَتَّى وَإِلَى حَتَّى يُنَافِي الْمَذْهَب
الْمُخْتَار (وَالتَّفْصِيل) بَين بِالْفرقِ بَين أَن يكون مَا
بعْدهَا من جنس مَا قبلهَا فَيدْخل، وَأَن لَا يكون فَلَا
يدْخل (بِلَا دَلِيل) وَأَشَارَ إِلَى نفي مَا يخال دَلِيلا
عَلَيْهِ بقوله (وَلَيْسَ يلْزم الْجُزْئِيَّة) أَي كَون مَا
بعْدهَا من جنس مَا قبلهَا (الدُّخُول) بِالرَّفْع فَاعِلا
ليلزم: أَي لَيْسَ الدُّخُول من لَوَازِم الْجُزْئِيَّة وَلَا
عدم الدُّخُول من لَوَازِم عدمهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله
(وَلَا) يلْزم (عدمهَا) أَي الْجُزْئِيَّة (عَدمه) أَي
الدُّخُول (إِلَّا أَن يثبت استقراؤه) أَي استقراء الدُّخُول
وَعَدَمه فِي موارد الِاسْتِعْمَال فَوجه (كَذَلِك) أَي على
التَّفْصِيل الْمَذْكُور (فَيحمل) حَتَّى وَإِلَى عَلَيْهِمَا
(كَمَا قُلْنَا وَكَذَا) بِلَا دَلِيل (تَفْصِيل، فَخر
الْإِسْلَام إِن كَانَت) الْغَايَة (قَائِمَة: أَي مَوْجُودَة
قبل التَّكَلُّم غير مفتقرة) فِي الْوُجُود (إِلَى المغيا: أَي
مُتَعَلق الْفِعْل) الَّذِي تعلّقت بِهِ من الزَّمَان
وَالْمَكَان (لَا الْفِعْل لم تدخل) الْغَايَة فِي حكم المغيا
(كإلى هَذَا الْحَائِط) فِي قَوْله: بعنا أَو أجرت من هَذَا
الْحَائِط إِلَى هَذَا الْحَائِط (وَاللَّيْل فِي الصَّوْم)
أَي فِي - {أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} - فالحائط لَا تدخل
فِي حكم البيع وَالْإِجَارَة وَكَذَا اللَّيْل أَي لَا يدْخل
فِي الصَّوْم (إِلَّا أَن تنَاولهَا) أَي الْغَايَة (الصَّدْر
كالمرافق) فِي - {وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} - لِأَن
الْيَد اسْم تنَاول الْجَارِحَة من رُءُوس الْأَصَابِع إِلَى
الْإِبِط، فَتدخل الْمرَافِق فِي حكم الْغسْل (فَأدْخل) فَخر
الْإِسْلَام (فِي) الْغَايَة (الْقَائِمَة الْجُزْء مُطلقًا)
أَي سَوَاء كَانَ آخرا أَولا (و) كَذَا أَدخل فِيهَا
(اللَّيْل) الْمَذْكُور فِي الْآيَة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ
اسْتثْنى من الْقَائِمَة بِنَفسِهَا مَا يتَنَاوَلهُ الصَّدْر
والجزء مِمَّا يتَنَاوَلهُ آخرا كَانَ أَولا، والمستنثى دَاخل
فِي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ لَا محَالة. وَقد صرح فِي
التَّمْثِيل بِدُخُول اللَّيْل فِيهَا (وَغَيره) أَي غير فَخر
الْإِسْلَام كصاحب الْمنَار وَصدر الشَّرِيعَة قَالَ (إِن
قَامَت) الْغَايَة (لَا) تدخل (كرأس السَّمَكَة وَإِلَّا) أَي
وَإِن لم تقم (فَإِن تنَاولهَا) الصَّدْر (كالمرافق دخلت)
الْغَايَة فِي حكم المغيا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم
يَتَنَاوَلهَا الصَّدْر (لَا) تدخل (كالليل) لِأَن مُطلق
الصَّوْم ينْصَرف إِلَى الْإِمْسَاك سَاعَة بِدَلِيل مسئلة
الْحلف (فأخرجوهما) أَي أخرج غير فَخر الْإِسْلَام الْمرَافِق،
وَاللَّيْل عَن الْقَائِمَة لادخالهما فِيمَا يُقَابل
الْقَائِمَة، وَلم يذكر المُصَنّف فِي تَفْصِيل فَخر الاسلام
حكم مَا يُقَابل الْقَائِمَة اكْتِفَاء بِذكرِهِ فِي تَفْصِيل
غَيره: إِذْ لَا خلاف بَينهم فِي أَن غير الْقَائِمَة أَن
تنَاوله الصَّدْر دخل وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا الْخلاف
بَينهم فِي الْقَائِمَة، فَغير فَخر الْإِسْلَام
(2/110)
حكم بِعَدَمِ دُخُول الْقَائِمَة مُطلقًا.
وَهُوَ اسْتثْنى مِنْهَا مَا تنَاوله الصَّدْر (قيل مبناه) أَي
مَبْنِيّ قَول غير فَخر الْإِسْلَام (على تَفْسِيره
الْقَائِمَة بِكَوْنِهَا غَايَة قبل التَّكَلُّم) أَي (غَايَة
بذاتها لَا يَجْعَلهَا) غَايَة (بِإِدْخَال إِلَى عِنْدهم) أَي
غير فَخر الْإِسْلَام ظرف للتفسير، وَلَا شكّ فِي عدم صدق
الْقَائِمَة بِهَذَا الْمَعْنى على الْمرَافِق وَاللَّيْل:
إِذْ لَا يتَحَقَّق فيهمَا معنى الْغَايَة إِلَّا بجعلهما
مَدْخُول إِلَى، بِخِلَاف مَا فسر بِهِ فَخر الْإِسْلَام من
كَونهَا مَوْجُودا غير مفتقر إِلَى المغيا فَإِنَّهُ يصدق
عَلَيْهِمَا (وَلَا يخفى أَنه) أَي تفسيرهم بِمَا ذكر
(مَبْنِيّ على إِرَادَة مُنْتَهى الشَّيْء) الَّذِي هُوَ
مُتَعَلق الْفِعْل على مَا مر (لَا) مُنْتَهى (الحكم) إِذْ
مُنْتَهى الشَّيْء هُوَ الَّذِي يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ:
أَعنِي الْغَايَة بذاتها والغاية بالجعل، وَأما مُنْتَهى الحكم
فَلَا يكون إِلَّا بالجعل (فَخرج اللَّيْل والجزء) الَّذِي
هُوَ (غير الْمُنْتَهى) من الْقَائِمَة كالمرافق فَإِنَّهُ
لَيْسَ بغاية مَعَ قطع النّظر عَن الْجعل كَمَا أَن اللَّيْل
لَيْسَ بغاية للصَّوْم الْمُطلق الصَّادِق على إمْسَاك سَاعَة
(واختص) كَونهَا قَائِمَة على تفسيرهم (بِنَحْوِ إِلَى
الْحَائِط، وَرَأس السَّمَكَة) مِمَّا هُوَ غَايَة فِي حد
ذَاتهَا مَعَ قطع النّظر عَن جعل الْجَاعِل (و) اخْتصَّ
كَونهَا قَائِمَة (بالمجموع) أَي بِمَجْمُوع كَونهَا
مَوْجُودَة قبل التَّكَلُّم غير مفتقرة إِلَى المغيا (عِنْده)
أَي فَخر الْإِسْلَام (فدخلا) أَي الْمرَافِق وَاللَّيْل فِي
الْقَائِمَة كَذَا قيل (وَفِيه) أى فِي اخْتِصَاص كَونهَا
قَائِمَة بالمجموع (نظر لِأَنَّهُ) أى فَخر الاسلام (أَدخل
الْمرَافِق) فِي الْقَائِمَة (مَعَ انْتِفَاء صدق الْمَجْمُوع
عَلَيْهَا) أى الْمرَافِق فِي أَنَّهَا مفتقرة إِلَى الْيَد
(وَالْحق أَن الِاعْتِبَار) فِي الدُّخُول وَعَدَمه (بالتناول)
أَي بتناول صدر الْكَلَام للمغيا والغاية مَعًا (وَعَدَمه) أَي
التَّنَاوُل (فَيرجع) الِاعْتِبَار الْمَذْكُور (إِلَى
التَّفْصِيل النَّحْوِيّ) إِلَى أَن مَا بعْدهَا إِن كَانَ
جُزْءا مِمَّا قبلهَا دخل وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا لَا
يُنَافِي مَا سبق من أَن التَّفْصِيل بِلَا دَلِيل، لِأَن
المُرَاد ثمَّة نفي كَون إِلَى مَوْضُوعَة للدخول فِي صُورَة
التَّنَاوُل وللخروج فِي غَيرهَا، وَاعْتِبَار التَّنَاوُل
هَهُنَا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن الدُّخُول وَالْخُرُوج يَأْتِي
من قبل وَاضع وضع إِلَى بِسَبَب أَنه إِذا كَانَ متناولا
فَالظَّاهِر ثُبُوت الحكم لجَمِيع مَا تنَاوله الصَّدْر
وَإِلَّا فَالْأَصْل عدم الحكم فِيمَا بعد إِلَى (وَلذَا خطئَ
من أَدخل الرَّأْس) من السَّمَكَة (فِي الْقَائِمَة وَحكم
بِعَدَمِ دُخُول الْقَائِمَة مُطلقًا) فِي حكم المغيا، وَهُوَ
صدر الشَّرِيعَة (وَلم يزدْ التَّفْصِيل إِلَى الْقَائِمَة
وَغَيرهَا سوى الشغب) فِي المُرَاد بالقائمة، وَمِمَّا
يَقْتَضِيهِ تَفْسِير كل من الْفَرِيقَيْنِ، وَهُوَ بالتسكين
تهييج الشَّرّ فِي الأَصْل، وَالْمرَاد هُنَا كَثْرَة القيل
والقال (فَعدم دُخُول الْعَاشِر عِنْده) أَي أبي حنيفَة (فِي
لَهُ) عَليّ (من دِرْهَم إِلَى عشرَة لعدم تنَاوله) أَي
الدِّرْهَم الَّذِي هُوَ صدر الْكَلَام (إِيَّاه) أَي
الْعَاشِر فَلَزِمَهُ تِسْعَة (وأدخلاه) أَي الْعَاشِر (بادعاء
الضَّرُورَة: إِذْ لَا يقوم) الْعَاشِر غَايَة (بِنَفسِهَا)
لعدم وجوده بِدُونِ تِسْعَة قبله فَلم يكن لَهُ
(2/111)
وجود قبل هَذَا الْكَلَام (فَلَا يكون)
الْعَاشِر (إِلَّا مَوْجُودَة وَهُوَ) أَي وجودهَا
(بِوُجُوبِهَا) فِي الذِّمَّة فَيجب (وَصَارَ) الْعَاشِر
(كالمبدأ) وَهُوَ الدِّرْهَم الأول فِي الدُّخُول ضَرُورَة
فَلَزِمَهُ عشرَة. (وَقَالَ) أَبُو حنيفَة (المبدأ) أَي
دُخُوله (بِالْعرْفِ وَالْإِثْبَات) للْأولِ (لمعروض الثانوية)
أَي لأجل إِثْبَات الثَّالِث بِوَصْف الثالثية وهلم جرا (إِلَى
العاشرية) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمكن إِثْبَات الثَّانِي
مثلا من حَيْثُ هُوَ ثَان فِي الذِّمَّة إِلَّا بِإِثْبَات
الأول فِيهَا أَيْضا وَإِلَّا لَكَانَ الثَّابِت فِيهَا
وَاحِدًا لَا ثَانِيًا وَهُوَ ظَاهر، وَقَوله وَالْإِثْبَات
مُبْتَدأ خَبره (لَا يثبت الْعَاشِر) لعدم احْتِيَاج إِثْبَات
التاسعية للتاسع إِلَى العاشرية (ووجوده) أَي الْعَاشِر فِي
الْعقل إِنَّمَا هُوَ (لكَونه غَايَة فِي التعقل لتحديد
الثَّابِت) أَي لتحديد مَا قصد إثْبَاته فِي الذِّمَّة مِمَّا
هُوَ (دونه) أَي دون الْعَاشِرَة وَهُوَ التَّاسِع (وَإِضَافَة
كل مَا) أَي عدد كَائِن (قبله) أَي الْعَاشِر (من الثَّانِي
إِلَى التَّاسِع يستدعى) ثُبُوت (مَا) أَي عدد كَائِن (قبلهَا)
أَي قبل تِلْكَ الْإِضَافَة فالثانوية مثلا مَفْهُوم إضافي
إِذا ثَبت معروضها استدعى ثُبُوت الأول، والثالثية تستدعى
ثُبُوت الأول وَالثَّانِي، وعَلى هَذَا الْقيَاس (لَا) يستدعى
ثُبُوت (مَا بعْدهَا كالعاشر وَلَو استدعاه) أَي لَو فرض أَن
الثَّانِي مثلا يستدعى الثَّالِث (كَانَ) ذَلِك الاستدعاء (فِي
الْوُجُود) بِحَسب التعقل (لَا فِي ثُبُوت حكمه) أَي حكم
الْعدَد الْمُتَقَدّم كالثبوت فِي الذِّمَّة (لَهُ) أَي لما
بعده بِأَن يثبت الآخر فِي الذِّمَّة (لِأَنَّهُ) أَي الحكم
بِشَيْء (على معروض وصف مضايف) لوصف آخر بِأَن يكون تعقل كل
مِنْهُمَا يسْتَلْزم تعقل الآخر (لَا يُوجِبهُ) أَي الحكم بذلك
الشَّيْء (على معروض) الْوَصْف (الآخر وَإِلَّا) أَي وَإِن لم
يكن كَذَلِك بِأَن أوجبه (وَجب قيام الابْن للْحكم بِهِ) أَي
بِالْقيامِ (على الْأَب) فَإِن الْأُبُوَّة وصف مضايق للبنوة.
وَقد فرض أَن الحكم عل معروض أحد المتضايقين بِشَيْء يُوجب
الحكم بِهِ على معروض الآخر، فَيجب أَن يحكم بِكَوْن الابْن
قَائِما أَيْضا (وَلذَا) أَي وَلأَجل أَن الحكم على معروض أحد
المتضايفين لَا يُوجب الحكم على معروض الآخر (لم يَقع بطالق
ثَانِيَة غير وَاحِدَة) وَإِن كَانَت الثَّانِيَة لَا
تتَحَقَّق بِدُونِ وُقُوع الأول لَكِن يُمكن الحكم على ذَات
معروض أحد المتضايقين من غير اعْتِبَار اتصافه بِالْوَصْفِ
بِدُونِ الحكم على معروض الآخر، وَلَا شكّ أَن الْمَقْصد
هَهُنَا إِيقَاع ذَات الطَّلَاق من غير اعْتِبَار وصف الثانوية
لعدم إِمْكَان اعْتِبَاره لِأَنَّهُ فرع سبق طَلَاق وَلم يسْبق
مِنْهُ لفظ إِطْلَاق، قيل وَلَا يَقع الطَّلَاق إِلَّا
بِاللَّفْظِ (ووقوعهما) أَي الطلقتين عِنْد أبي حنفية (فِي)
أَنْت طَالِق (من وَاحِدَة إِلَى ثَلَاث بِوُقُوع الأولى
للْعُرْف لَا لذَلِك) أَي التضايق بَينهَا وَبَين الثَّانِيَة
(وَلَا لجَرَيَان ذكرهَا) أَي الأولى (لِأَن مجرده) أَي ذكرهَا
(لَا يُوجِبهُ) أَي وُقُوعهَا
(2/112)
(إِذا لم تقتضه) أَي وُقُوعهَا (اللُّغَة
وَبِهَذَا) الَّذِي يكون مُجَرّد ذكر الشَّيْء لَا يقتضى
وُقُوعه: إِذا لم تقتضه اللُّغَة (بعد قَوْلهمَا فِي إِيقَاع
الثَّالِثَة) أَي بإيقاع (وَمثله) أَي هَذَا (الْخلاف) الْخلاف
(فِي دُخُول الْغَد) حَال كَونه (غَايَة للخيار وَالْيَمِين)
فِي: بِعْتُك هَذَا بِكَذَا على أَنِّي بِالْخِيَارِ إِلَى
غَد، وَوَاللَّه لَا أُكَلِّمك إِلَى غَد (فِي رِوَايَة
الْحسن) بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة (عِنْده) أَي أبي حنيفَة
(للتناول) أَي تنَاول صدر الْكَلَام الْغَايَة (لِأَن مطلقه)
أَي مُطلق كل وَاحِد من ثُبُوت الْخِيَار، وَنفي الْكَلَام
بِأَن لَا يتَقَيَّد بغاية مُعينَة (يُوجب الْأَبَد) إِذا
أَرَادَ بعض الْأَزْمِنَة دون بعض تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح
فيستغرق أَوْقَات الْعُمر (فَهِيَ) أَي الْغَايَة فيهمَا
(لإِسْقَاط مَا بعْدهَا) فَيدْخل الْغَد فِي الْخِيَار
وَالْيَمِين فَإِن قلت كَونهَا للإسقاط مُسلم، لِأَن مد الحكم
إِلَى مَا بعْدهَا حَاصِل بِدُونِ ذكرهَا، وَلَا يظْهر لذكرها
فَائِدَة إِلَّا الْإِسْقَاط، غير أَنه لَا يسْتَلْزم دُخُول
مَا بعْدهَا لجَوَاز أَن يَجْعَل دَاخِلا فِي الْإِسْقَاط
قُلْنَا أصل التَّنَاوُل لَهَا كَانَ مَعْلُوما بِدُونِ
ذكرهَا، فَعِنْدَ الذّكر وَقع التَّرَدُّد فِي بَقَائِهَا على
مَا كَانَ وَفِي سُقُوطهَا، وَالْأَصْل هُوَ الْبَقَاء فَتدبر
(وَمَا وَقع) فِي نسخ من أصُول فَخر الْإِسْلَام، وَكَذَلِكَ
(فِي الْآجَال والأثمان) فِي رِوَايَة الْحسن عَنهُ (غلط
لِاتِّفَاق الرِّوَايَة) وَفِي نُسْخَة الشَّارِح الروَاة بدل
الرِّوَايَة وَهُوَ الْأَظْهر (على عَدمه) أَي دُخُول
الْغَايَة (فِي أجل الدّين وَالثمن وَالْإِجَارَة) كاشتريت
هَذَا بِأَلف إِلَى شهر كَذَا، وأجرتك هَذِه الدَّار بِمِائَة
إِلَى كَذَا فَلَا يدْخل ذَلِك الشَّهْر فِي الْأَجَل (وَهُوَ)
أَي عدم الدُّخُول هُوَ (الظَّاهِر فِي الْيَمين فَلَزِمَهُ)
أَي أَبَا حنيفَة (الْفرق) بَين هَذِه وَبَين الْيَمين (فَقيل)
فِي الْفرق بَينهمَا ذكر الْغَايَة (فِي الْأَوَّلين) أَي
الدّين وَالثمن هُوَ (للترفيه) أَي التَّخْفِيف والتوسعة
(وَيصدق) الترفيه (بِالْأَقَلِّ زَمَانا فَلم يَتَنَاوَلهَا)
أَي الْكَلَام الْغَايَة (فَهِيَ) أَي الْغَايَة فيهمَا (للمد)
أَي لمد الحكم إِلَيْهَا (وَالْإِجَارَة تمْلِيك مَنْفَعَة)
بعوض مَالِي (وَيصدق) تمليكها (كَذَلِك) أَي بِالْأَقَلِّ
زَمَانا (وَهُوَ) أَي تمليكها كَذَلِك (غير مُرَاد) لِأَن
الْمَقْصد من شرعيتها دفع الْحَاجة وَهِي لَا تحصل بِهَذَا
الْإِطْلَاق فَيجب أَن يكون المُرَاد مِقْدَارًا معينا وَهُوَ
غير مَعْلُوم (فَكَانَ) المُرَاد مِنْهَا (مَجْهُولا)
بِاعْتِبَار الْمدَّة (فَهِيَ) أَي الْغَايَة فِيهَا (لمده)
أَي الحكم (إِلَيْهَا) أَي الْغَايَة (بَيَانا لقدر) مَجْهُول
فَلم يدْخل لعدم مَا يقتضى دُخُوله تَحت الحكم (وَقَول شمس
الْأَئِمَّة فِي وَجه: الظَّاهِر) فِي عدم دُخُول الْغَد فِي
الْيَمين (فِي حُرْمَة الْكَلَام) وَوُجُوب الْكَفَّارَة بِهِ
(فِي مَوضِع الْغَايَة شكّ) مقول قَوْله، وَذَلِكَ لِأَن
الأَصْل عدم الْحُرْمَة للنَّهْي عَن هجران الْمُسلم وَعدم
وجوب الْكَفَّارَة بِكَلَامِهِ (وَمَا نسب إِلَيْهِمَا) أَي
الصاحبين من أَن الْغَايَة (لَا تدخل) فِي المغيا
(2/113)
(إِلَّا بِدَلِيل، وَلذَا) أَي وَلعدم
دُخُولهَا فِيهِ (سيمت غَايَة لِأَن الحكم يَنْتَهِي
إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا دخلت الْمرَافِق بِالسنةِ) فعلا، على
مَا روى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر قَالَ:
رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُدِير المَاء
على الْمرْفق (وَبحث القَاضِي) وَهُوَ أَنه (إِذا قرن
الْكَلَام بغاية أَو اسْتثِْنَاء أَو شَرط لَا يعْتَبر
بالمطلق) الْمَذْكُور فِي صدر الْكَلَام بِأَن يحمل على
إِطْلَاقه أَولا (لم يخرج) من إِطْلَاقه (بالقيد) أَي
الْغَايَة وَالِاسْتِثْنَاء وَالشّرط مَا يَقْتَضِي إِخْرَاجه
أحد هَذِه الْمَذْكُورَات (بل) يعْتَبر الْكَلَام (بجملته)
ابْتِدَاء يَعْنِي يُؤَخر الحكم إِلَى آخر الْكَلَام فيلاحظ
بعد ذكر الْغَايَة وَمَا عطف عَلَيْهِ مَا يبْقى من إِطْلَاقه
فَيحكم عَلَيْهِ ابْتِدَاء (فالفعل مَعَ الْغَايَة كَلَام
وَاحِد) سيق (للْإِيجَاب) وَإِثْبَات الحكم للمغيا (إِلَيْهَا)
أَي الْغَايَة (لَا للْإِيجَاب) أَي لإثباته للمغيا والغاية
أَولا (والإسقاط) ثَانِيًا بِأَن يخرج الْغَايَة عَن الحكم بعد
دُخُولهَا (فِيهِ فَإِنَّهُ مُنَاقض (وَيجب أَن لَا اعْتِبَار
بذلك التَّفْصِيل) الرَّاجِع إِلَى التَّفْصِيل النَّحْوِيّ،
فَقَوله وَقَول شمس الْأَئِمَّة مُبْتَدأ عطف عَلَيْهِ كل من
قَوْله مَا نسب إِلَيْهَا إِلَى آخِره، وَمن قَوْله: وَبحث
القَاضِي إِلَى آخِره، وَقَوله يُوجب إِلَى آخِره خَبره: إِذْ
حَاصِل التَّفْصِيل إِدْخَال الْغَايَة فِي بعض الصُّور
وإخراجها فِي الْبَعْض وَحَاصِل هَذِه عدم الإدخال مُطلقًا
بِنَفس الْكَلَام (بل الإدخال) للغاية مُطلقًا فِي حكم المغيا
(بِالدَّلِيلِ) ثمَّ بَين الدَّلِيل بقوله (من وجوب احْتِيَاط)
إِذا كَانَ الِاحْتِيَاط فِي الإدخال احْتِرَاز عَن إهمال
الحكم الشَّرْعِيّ وَذَلِكَ إِذا لم يكن الأَصْل فِيهِ
الْحَظْر (أَو قرينَة) دَالَّة على دُخُولهَا فِي الحكم
(وَهُوَ) أَي الدَّلِيل على الإدخال (فِي الْخِيَار كَونه) أَي
الْخِيَار شرع (للتروي، وَقد ضرب الشَّرْع لَهُ) أَي للتروي
(ثَلَاثَة) من الْأَيَّام بلياليها (حَيْثُ ثَبت) التروي
(كَالْبيع) فِي الْمُسْتَدْرك عَن ابْن عمر أَنه قَالَ كَانَ
حبَان بن منقذ رجلا ضَعِيفا، وَكَانَ قد أَصَابَته فِي رَأسه
مأمومة فَجعل لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْخِيَار إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فِيمَا اشْتَرَاهُ، وَعنهُ
غير هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْمَعْنى (وَالرِّدَّة) فِي
الْمُوَطَّأ عَن عمر أَن رجلا أَتَاهُ من قبل أبي مُوسَى قَالَ
رجل ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام فقلناه، فَقَالَ: هلا حبستموه
فِي بَيت ثَلَاثَة أَيَّام وأطعمتموه كل يَوْم رغيفا لَعَلَّه
يَتُوب، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لم أحضر وَلم آمُر وَلم
أَرض (لِأَنَّهَا) أَي الثَّلَاثَة (مَظَنَّة إتقانه) أَي
التروي إتقانا (تَاما، فَالظَّاهِر إِدْخَال مَا عين غَايَة)
للتروي (دونهَا) أَي ثَلَاثَة أَيَّام: يَعْنِي إِذا كَانَ مَا
عين غَايَة للتروي مَعَ مغياها ثَلَاثَة أَيَّام أَو أقل
مِنْهَا كَانَ دَاخِلا فِي حكمه فبالضرورة يكون مَا قبل
الْغَايَة حِينَئِذٍ دون الثَّلَاثَة (وعَلى هَذَا)
التَّحْقِيق (انْتَفَى بِنَاء إِيجَاب) غسل (الْمرَافِق
عَلَيْهِ) أَي على تنَاول الصَّدْر إِيَّاهَا: إِذْ لَا
تَأْثِير لَهُ فِي الإدخال، وَإِنَّمَا التَّأْثِير للدليل على
مَا تبين (وَمَا قيل) أَي وانتفى أَيْضا مَا قَالَه بعض
الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة من ابتناء
(2/114)
وجوب غسل الْمرَافِق (على اسْتِعْمَالهَا)
أَي إِلَى (للمعية) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} - (بعد قَوْلهم:
الْيَد) من رُءُوس الْأَصَابِع (إِلَى الْمنْكب) وَإِنَّمَا
انْتَفَى (لِأَنَّهُ) أَي هَذَا القَوْل إِن صَحَّ (يُوجب
الْكل) أَي غسل الْأَيْدِي إِلَى الْمنْكب حِينَئِذٍ
(لِأَنَّهُ كاغسل الْقَمِيص وكمه وغايته) أَي غَايَة، ذكر
الْمرَافِق حِينَئِذٍ (كأفراد فَرد من الْعَالم) بِحكم الْعَام
(إِذْ هُوَ) أَي ذكر الْمرَافِق (تنصيص على بعض مُتَعَلق
الحكم) وَهُوَ الْيَد (بتعليق عين ذَلِك الحكم) بذلك الْبَعْض
(وَذَلِكَ) أَي وإفراد فَرد من الْعَام بِحكم الْعَام (لَا
يخرج غَيره) أَي غير ذَلِك الْفَرد عَن حكم الْعَام فَكَذَا
التَّنْصِيص على الْمرَافِق لَا يخرج مَا وَرَاءَهَا عَن وجوب
الْغسْل الْمُتَعَلّق بِالْأَيْدِي (وَلَو أخرج) التَّنْصِيص
على الْفَرد مِنْهُ غَيره عَن حكمه (كَانَ) إخراجا (بِمَفْهُوم
اللقب) وَقد مر تَفْسِيره فِي أَوَائِل الْمقَالة وَهُوَ
مَرْدُود فَكَذَا هُنَا (وَمَا قيل) وانتفى أَيْضا مَا ذكره
صَاحب الْمُحِيط فِي تَوْجِيه افتراض غسل الْمرَافِق من أَنه
(لضَرُورَة غسل الْيَد، إِذْ لَا يتم) غسلهَا (دونه) أَي دون
غسل الْمرْفق (لتشابك عظمى الذِّرَاع والعضد) وَعدم إِمْكَان
التَّمْيِيز بَينهمَا فَتعين لِلْخُرُوجِ من عُهْدَة افتراض
غسل الذِّرَاع بتعين غسل الْمرَافِق، وَإِنَّمَا انْتَفَى
(لِأَنَّهُ لم يتَعَلَّق الْأَمر بِغسْل الذِّرَاع ليجب غسل
مَا لَازمه) وَهُوَ طرف عظم الْعَضُد (بل) تعلق وجوب الْغسْل
(بِالْيَدِ إِلَى الْمرْفق وَمَا بعد إِلَى لما لم يدْخل) على
مَا هُوَ الْمَفْرُوض (لم يدْخل جزآهما) أَي الذِّرَاع والعضد
(الملتقيان) فِي الْمرْفق (وَمَا قيل) أَي وانتفى أَيْضا مَا
قيل فِي تَوْجِيه افتراض غسله من أَنه افْترض لاشتباه المُرَاد
بِغسْل الْيَد إِلَى الْمرَافِق (للاجمال وغسله) عَلَيْهِ
السَّلَام أى الْمرْفق (فالتحق) غسله (بِهِ) أى بِالنَّصِّ
الْمُجْمل الْمَذْكُور (بَيَانا) لما هُوَ المُرَاد مِنْهُ،
وانما انْتَفَى (لِأَن عدم دلَالَة اللَّفْظ) يعْنى
وَأَيْدِيكُمْ الى الْمرَافِق على دُخُول الْمرْفق فِي الْغسْل
(لَا يُوجب الْإِجْمَال) فِيمَا هُوَ المُرَاد إِذْ وجوب غسل
الْيَد إِلَى الْمرْفق مَنْطُوق والمرفق مسكوت عَنهُ وبالسكوت
لَا يلْزم عدم الْوُجُوب كَمَا لَا يلْزم الْوُجُوب،
فَالْمُرَاد وجوب غسل مَا فَوق الْمرْفق، وَلَا إِجْمَال فِي
هَذَا المُرَاد، وَلَا سِيمَا (وَالْأَصْل الْبَرَاءَة) أَي
بَرَاءَة ذمَّة الْمُكَلف عَن الْوُجُوب فَيُؤْخَذ عدم وجوب
غسل الْمرَافِق بالاستصحاب (بل) الَّذِي يُوجب الْإِجْمَال
(الدّلَالَة المشتبهة) بِأَن يكون الْمَدْلُول مُحْتملا لوجوه
شَتَّى وَلم يتَعَيَّن أَحدهَا بِحَيْثُ لَا يدْرك إِلَّا
بِبَيَان من قبل الْمُتَكَلّم وَهِي مَقْصُودَة هَهُنَا، وَإِن
كَانَ الْأَمر على هَذَا (فَبَقيَ مُجَرّد فعله) صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (دَلِيل السّنة) أَي يدل على مسنونية غسله
كَقَوْلِه زفر (وَمَا قيل) أَي وانتفى أَيْضا مَا قيل فِي
تَوْجِيه افتراضه من أَن الْغَايَة (تدخل) تَارَة كَمَا فِي
حفظت الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره (وَلَا) تدخل أُخْرَى
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {فنظرة إِلَى ميسرَة} - (فَتدخل)
من الإدخال بِقَرِينَة قَوْله (احْتِيَاطًا)
(2/115)
هَهُنَا لِأَن الحَدِيث مُتَيَقن فَلَا
يَزُول بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا انْتَفَى (لِأَن الحكم إِذا
توقف على الدَّلِيل لَا يجب) أَي لَا يثبت (مَعَ عَدمه) أَي
عدم الدَّلِيل لِامْتِنَاع ثُبُوت الْمَوْقُوف بِدُونِ
الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَمن الْمَعْلُوم توقفه والمفروض عدم
الدَّلِيل هَهُنَا (وَالِاحْتِيَاط) إِنَّمَا هُوَ (الْعَمَل
بأقوى الدَّلِيلَيْنِ وَهُوَ) أَي الْعَمَل بأفواهما (فرع
تجاذبهما) بِأَن يتَحَقَّق دَلِيل يجذب الحكم إِلَيْهِ
وَدَلِيل آخر يجذب نقيضه إِلَيْهِ جذب الْمُقْتَضى للمقتضى
(وَهُوَ) أَي تجاذبهما (مُنْتَفٍ) لعدم وجودهما (وَمَا قيل)
أَي وانتفى أَيْضا مَا قيل فِي تَوْجِيهه من أَن قَوْله إِلَى
الْمرَافِق غَايَة (لمسقطين مُقَدّر) صفة مسقطين لِأَنَّهُ لم
يرد بِهِ خُصُوصِيَّة لفظ مسقطين، بل مَا يعمه وَمَا فِي
مَعْنَاهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ فَاغْسِلُوا أَيْدِيكُم حَال
كونكم مسقطين الْمنْكب إِلَى الْمرْفق، وَإِنَّمَا انْتَفَى
(لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر بِلَا ملجئ) إِلَيْهِ، إِذْ
الظَّاهِر تعلقه بِالْفِعْلِ الْمَذْكُور (وَمَا قيل) أَي
وانتفى أَيْضا مَا قيل من أَن قَوْله إِلَى الْمرَافِق
(مُتَعَلق باغسلوا مَعَ أَن الْمَقْصُود مِنْهُ) أَي من اغسلوا
(الْإِسْقَاط) فَهُوَ غَايَة لاغسلوا، لَكِن لأجل إِسْقَاط مَا
وَرَاء الْمرَافِق عِنْد حكم الْغسْل، وَإِنَّمَا انْتَفَى
(لِأَنَّهُ) أَي اللَّفْظ (لَا يُوجِبهُ) أَي لَا يُوجب كَون
الْمَقْصد مِنْهُ الْإِسْقَاط مَعَ تعلقه باغسلوا (وَكَونه
مُتَعَلقا باغسلوا مَعَ أَن الْمَقْصُود مِنْهُ الْإِسْقَاط)
على تَقْدِير تَسْلِيمه (لَا يُوجِبهُ) أَي الْإِسْقَاط
(عَمَّا وَرَاء الْمرْفق بل) إِنَّمَا يُوجب الْإِسْقَاط
(عَمَّا قبله) أَي الْمرْفق تَوْضِيحه أَن الْإِسْقَاط الَّذِي
يتضمنه الْغسْل إِنَّمَا هُوَ إِسْقَاط الْوَاجِب فِي
الذِّمَّة بأَدَاء الْمَأْمُور بِهِ وَلَا يتَحَقَّق ذَلِك
إِلَّا فِيمَا قبل الْمرْفق لَا الْإِسْقَاط بِمَعْنى عدم وجوب
الْغسْل ابْتِدَاء ليتَحَقَّق فِيمَا فَوْقه (بِاللَّفْظِ مَعَ
أَنه) أَي هَذَا التَّوْجِيه (بِلَا قَاعِدَة) أَي لَا ينْدَرج
تَحت قَاعِدَة من قَوَاعِد الْعَرَبيَّة (وَالْأَقْرَب) من
الْكل أَن يُقَال أَن الحكم بِوُجُوب غسل إِنَّمَا هُوَ
(الِاحْتِيَاط لثُبُوت الدُّخُول) أَي دُخُول الْغَايَة فِي
حكم المغيا (وَعَدَمه) أَي الدُّخُول (كثيرا وَلم يرو عَنهُ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطّ تَركه) أَي غسل الْمرَافِق
(فَقَامَتْ قرينَة إِرَادَته) أَي الدُّخُول (من النَّص ظنا
فَأوجب) هَذَا الْمَجْمُوع: أَعنِي كَثْرَة الدُّخُول وَعَدَمه
مَعَ الْقَرِينَة الْمَذْكُورَة (للِاحْتِيَاط) بِالْغسْلِ
كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَن كل وَاحِد من الكثرتين بِمَنْزِلَة
دَلِيل، وَكَثْرَة الدُّخُول مَعَ الْقَرِينَة الْمَذْكُورَة
أقوى الدَّلِيلَيْنِ فيطابق مَا سبق أَن الِاحْتِيَاط الْعَمَل
بأقوى الدَّلِيلَيْنِ (إِلَّا أَن مُقْتَضَاهُ) أَي هَذَا
الدَّلِيل (وجوب إدخالهما) أَي الْمرْفقين فِي غسل الْيَدَيْنِ
(على أصلهم) أَي الْحَنَفِيَّة، لِأَنَّهُ ثَبت بِدَلِيل
ظَنِّي لَا افتراض دخولهما وَلَكِن كَلَامهم صَرِيح فِي
الافتراض وَإِن أطلق بَعضهم الْوُجُوب عَلَيْهِ، وَيُؤَيّد
الْوُجُوب عدم تكفيرهم الْمُخَالف فِي ذَلِك (أَو يثبت) من
الْإِثْبَات على صِيغَة الْمَجْهُول أقيم مقَام فَاعله
(استقراء التَّفْصِيل) بَين أَن يكون جُزْءا فَيدْخل وَبَين
أَن لَا يكون فَلَا (فَتحمل) الْغَايَة (عَلَيْهِ) أَي على
التَّفْصِيل (عِنْد عدم الْقَرِينَة
(2/116)
فِي الْآيَة) فَتدخل افتراضا إِن كَانَ
الاستقراء تَاما، وَقَوله أَو يثبت مَعْطُوف على مَا قبله
بِحَسب الْمَعْنى كَأَنَّهُ قَالَ: يحكم بِوُجُوبِهِ مِمَّا
ذكر أَو ثَبت الاستقراء فَيحكم بِأَقَلّ مِنْهُ.
مسئلة
(فِي للظرفية) أَي وضع للدلالة على أَن مجرورها ظرف لمتعلقها
زَمَانا أَو مَكَانا (حَقِيقَة) ككون المَاء فِي الْكَوْن
وَالصَّلَاة فِي يَوْم الْجُمُعَة (فلزما) أَي الظّرْف
والمظروف (فِي غصبته) أَي مِنْهُ (ثوبا فِي منديل) أَو
الضَّمِير كِنَايَة عَن الْمَغْصُوب وثوبا حَال عَنهُ، وَجه
اللُّزُوم أَنه اقر بِغَصب مظروف فِي ظرف وَهُوَ لَا يتَحَقَّق
بِدُونِ غصب الظّرْف (ومجازا كَالدَّارِ فِي يَده و) هُوَ (فِي
نعْمَة) جعلت يَده ظرفا للدَّار لاقتداره على التَّصَرُّف
فِيهَا اقتدار الْإِنْسَان على مَا فِي يَده، وَالنعْمَة ظرفا
لصَاحِبهَا لغمرها وإحاطتها إِيَّاه (وَعم متعلقها) أَي فِي
(مدخولها) باستيعابه إِيَّاه حَال كَونهَا (مقدرَة لَا ملفوظة
لُغَة) أَي عُمُوما تَقْتَضِيه اللُّغَة (للْفرق) بل وَعرفا
(بَين صمت سنة وَفِي سنة) كَانَ الأول يُفِيد اسْتِيعَاب
السّنة بِالصَّوْمِ وَهُوَ يصدق بِوُقُوعِهِ فِي بعض يَوْم
مِنْهَا (فَلم يصدق قَضَاء فِي نِيَّته آخر النَّهَار فِي)
أَنْت (طَالِق غَدا) وَيصدق ديانَة عِنْد الْكل (وَصدق) فِي
أَنْت طَالِق (فِي غَد) قَضَاء وديانة فِي نِيَّته آخر
النَّهَار عِنْده (خلافًا لَهما) فَإِنَّهُ يصدق عِنْدهمَا
ديانَة لَا غير، لِأَنَّهُ وصفهَا بِالطَّلَاق فِي جَمِيع
الْغَد كَالْأولِ لِأَن حذفهَا مَعَ إرادتها وإثباتها سَوَاء،
فَكَانَ حذفهَا يُفِيد عُمُوم الزَّمَان كَذَلِك إِثْبَاتهَا
يفِيدهُ، وَكَذَا يَقع فِي إِثْبَاتهَا عِنْد عدم النِّيَّة
فِي أول جُزْء من الْغَد اتِّفَاقًا، فَأجَاب عَن هَذَا بقوله
(وَإِنَّمَا يتَعَيَّن أول أَجْزَائِهِ) أَي الْغَد (مَعَ
عدمهَا) أَي النِّيَّة (لعدم المزاحم) لسبقه: يَعْنِي أَن
وُقُوع متعلقها فِي بعض أَجزَاء الْغَد مَدْلُول قطعا عِنْد
ذكرهَا، وكل جُزْء يحْتَمل ذَلِك فاشتركت الْأَجْزَاء فِي
هَذَا الِاحْتِمَال، وترجح الْجُزْء الأول لعدم الْمُزَاحمَة:
إِذْ الْمُزَاحمَة فرع الْوُجُود وَلم يُوجد فِي يَدَيْهِ سوى
الْجُزْء الأول فَيتَعَيَّن (وتنجز نَحْو) أَنْت (طَالِق فِي
الدَّار، و) أَنْت طَالِق فِي (الشَّمْس لعدم صلاحيته) أَي كل
من الدَّار وَالشَّمْس (للإضافة) أَي إِضَافَة الطَّلَاق
إِلَيْهِ لِأَنَّهَا تَعْلِيق معنى، وَالتَّعْلِيق إِنَّمَا
يكون بمعدوم على خطر الْوُجُود، وَالْمَكَان الْمعِين وَمَا
فِي مَعْنَاهُ مَوْجُود فَيَقَع فِي الْحَال (إِلَّا أَن
يُرَاد) بقوله فِي الدَّار (نَحْو دخولكها) أَي فِي دخولك
الدَّار حَال كَون الدُّخُول (مُضَافا) إِلَى الدَّار محذوفا
للاختصار (أَو) يرد (الْمحل) أَي اسْتِعْمَال الْمحل، وَهُوَ
الدَّار، أَو الشَّمْس (فِي الْحَال) وَهُوَ الدُّخُول مجَازًا
(أَو) يُرَاد (اسْتِعْمَالهَا) أَي فِي (فِي الْمُقَارنَة) أَي
بمعونة مَعَ لِأَن فِي الظّرْف معنى الْمُقَارنَة للمظروف
(كالتعليق) أَي فَهُوَ حِينَئِذٍ كالتعليق (توقفا) لتوقف
الطَّلَاق على الْمُقَارنَة كتوقف الْمُعَلق على
(2/117)
الْمُتَعَلّق بِهِ كالتعلق (لَا ترتبا)
إِذْ لَا يَتَرَتَّب الطَّلَاق على الْمُقَارنَة كترتبه على
الشَّرْط كَمَا زعم الْبَعْض غير أَنه لَا يَقع بِدُونِهَا
(فَعَنْهُ) أَي عَن كَونه كالتعليق توقفا لَا ترتبا (لَا تطلق
أَجْنَبِيَّة قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق فِي نكاحك) ثمَّ
تزَوجهَا كَمَا لَو قَالَ مَعَ نكاحك: أَي إِيجَاب الطَّلَاق
الْمُقَارن للنِّكَاح لَغْو بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ أَنْت
طَالِق إِن تَزَوَّجتك: إِذْ حِينَئِذٍ يكون الطَّلَاق مُرَتبا
على النِّكَاح، وَهَكَذَا شَأْن الطَّلَاق يكون بعد النِّكَاح
لَا مَعَه، وَحذف الْمُضَاف والتجوز خلاف الظَّاهِر، وَلذَا لم
يصدق فِيهِ قَضَاء، وَيصدق ديانَة لاحْتِمَال اللَّفْظ، ثمَّ
إِن ظرفية الدَّار وَالشَّمْس للدخول على سَبِيل التَّجَوُّز
بتنزيل الْمَعْنى منزلَة الْجِسْم المتمكن، وَمثل هَذَا
التَّجَوُّز شَائِع (وَتعلق طَالِق فِي مَشِيئَة الله) أَي
تعلق الطَّلَاق فِي أَنْت طَالِق فِي مَشِيئَة الله كَانَ
شَاءَ الله: إِذْ الْمَشِيئَة بِاعْتِبَار تعلقهَا بِالطَّلَاق
لَيست من الْأَشْيَاء الثَّابِتَة لِئَلَّا يصلح لكَونهَا فِي
معنى التَّعْلِيق كَالدَّارِ وَالشَّمْس (فَلم يَقع) الطَّلَاق
(لِأَنَّهُ) أَي وُقُوعه فِي مَشِيئَة الله غيب لَا سَبِيل
إِلَى الِاطِّلَاع عَلَيْهِ (لاختصاصها) أَي لاخْتِصَاص الْعلم
بِالْمَشِيئَةِ بِاللَّه لَا يعلمهَا إِلَّا هُوَ، وَالْأَصْل
عدم الْوُقُوع (وتنجز) الطَّلَاق فِي أَنْت طَالِق (فِي علم
الله لشُمُوله) أَي شُمُول علمه جَمِيع المعلومات لِأَنَّهُ
بِكُل شَيْء عليم (فَلَا خطر) فِي التَّعْلِيق بِهِ لما مر من
أَن الْخطر إِنَّمَا يكون فِي أَمر يحْتَمل الْوُجُود وَالْعلم
(بل) التَّعْلِيق بِهِ (تَعْلِيق بكائن) لَا محَالة لِأَنَّهُ
لَا يَصح نَفْيه عَنهُ تَعَالَى بِحَال فَكَانَ تَعْلِيقا
بموجود فَكَانَ تنجيزا فَإِن قلت: علم الله على نَوْعَيْنِ على
وزان الْعلم التصوري، وَهُوَ مُتَعَلق بِكُل شَيْء مُحِيط بِهِ
حَتَّى الْمُمْتَنع، وَعلم على وزان الْعلم التصديقي وَهُوَ
لَا يتَعَلَّق إِلَّا بِمَا هُوَ وَاقع فِي نفس الْأَمر، فَإِن
أَرَادَ بقوله فِي علم الله النَّوْع الأول فَالْأَمْر كَمَا
ذكرت، وَإِن أَرَادَ النَّوْع الثَّانِي فَلَا نسلم أَن
التَّعْلِيق بِهِ تَعْلِيق بكائن لجَوَاز عدم تحقق الْعلم
الْمُتَعَلّق بِوُقُوع الطَّلَاق: أَلا ترى إِلَى قَوْله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم " اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن هَذَا
الْأَمر خير لي " وإدخاله حرف الشَّك على الْعلم الْمُتَعَلّق
بالخيرية قلت لما أطلق وَلم يُقَيِّدهُ بِمَا يخصصه بِهَذَا
النَّوْع من التَّعْلِيق يحمل على مُطلق الْعلم الْمُتَعَلّق
بِكُل شَيْء لِأَنَّهُ الْمُتَبَادر مِنْهُ، ثمَّ أَشَارَ
إِلَى بعض التَّعْلِيل الْمَذْكُور بقوله (وَأورد) على هَذَا
الدَّلِيل بِأَنَّهُ يلْزم مثل مَا قُلْتُمْ فِي الْقُدْرَة
(فَيجب الْوُقُوع) أَي وُقُوع الطَّلَاق فِي: أَنْت طَالِق
(فِي قدرَة الله للشمول) أَي لشمُول الْقُدْرَة لكل شَيْء كل
كَالْعلمِ فالتعليق بِهِ تَعْلِيق بكائن لَا محَالة (أُجِيب)
بِبَيَان الْفرق بَين الْعلم وَالْقُدْرَة (بِكَثْرَة إِرَادَة
التَّقْدِير) من قدرَة الله، وَهُوَ تعلق الْإِرَادَة بِوُقُوع
شَيْء فَهُوَ غير مَعْلُوم الْوُقُوع (فكالمشيئة) أَي فَهِيَ
كالمشيئة فِي أَنه لَا يعلم كينونته (وَدفع) هَذَا الْجَواب
بِأَنَّهَا (تسْتَعْمل بِمَعْنى الْمَقْدُور) الشَّامِل كل
مُمكن (بِكَثْرَة أَيْضا) وَفِيه أَنَّهَا حِينَئِذٍ تكون
مُحْتملا للأمرين فَلَا يتَعَيَّن التَّعْلِيق بكائن
وَالْحَاصِل أَن قَوْله أُجِيب إِلَى آخِره منع جَرَيَان
الدَّلِيل فِي مَادَّة النَّقْض
(2/118)
فَيجب على الْخصم إِثْبَات الْمُقدمَة
الممنوعة، وَقَوله دفع إِلَى آخِره لَا يثبتها (وَأجِيب) عَن
هَذَا الدّفع (بِأَن الْمَعْنى بِهِ) أَي بالمقدور (آثَار
الْقُدْرَة) على حذف الْمُضَاف (وَلَا أثر للْعلم) حَتَّى يكون
الْمَعْنى فِي علم الله آثَار علم الله، فَكيف يكون فِي قدرَة
الله مثل فِي علم الله (وَدفع) هَذَا الْجَواب (باتحاد
الْحَاصِل من مَقْدُور) الَّذِي يسْتَعْمل فِيهِ الْقُدْرَة
بِكَثْرَة (و) الْحَاصِل من (آثَار الْقُدْرَة) وَإِذا كَانَ
الْقُدْرَة مستعملة فِي آثَار الْقُدْرَة الَّتِي هِيَ
بِمَعْنى الْمَقْدُور (فَلم لم يكن) فِي قدرَة الله بِمَعْنى
مَقْدُور الله (كالمعلوم) فِي علم الله فَيَقَع بِهِ
الطَّلَاق، ثمَّ حقق المُصَنّف الْمحل بقوله (وَالْوَجْه إِذا
كَانَ الْمَعْنى) أَي معنى أَنْت طَالِق فِي قدرَة الله (على
التَّعْلِيق) قَوْله وَالْوَجْه مُبْتَدأ وَالْخَبَر (أَن لَا
معنى للتعليق بمقدوره) وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة مُعْتَرضَة
جَوَابه مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر
(إِلَّا أَن يُرَاد وجوده) أَي الْمَقْدُور: إِذْ تَعْلِيق
الطَّلَاق بِذَات الْمَقْدُور غير مَعْقُول: إِذْ الْمُتَعَلّق
بِهِ مَدْخُول حرف الشَّرْط من حَيْثُ الْمَعْنى، ومدخولها لَا
يكون إِلَّا مَعَاني الْأَفْعَال كالوجود والثبوت (فَتطلق فِي
الْحَال) لتحَقّق الْمُعَلق بِهِ (أَو) كَانَ الْمَعْنى (على
أَن هَذَا الْمَعْنى) الطَّلَاق (ثَابت فِي جملَة مقدوراته
فَكَذَلِك) أَي فَتطلق فِي الْحَال (كَمَا قَرَّرَهُ بَعضهم
فِي علمه) أَي فِي أَنْت طَالِق فِي علم الله، فَقَالَ
الْمَعْنى أَنْت طَالِق فِي مَعْلُوم الله: أَي هَذَا
الْمَعْنى ثَابت فِي جملَة معلوماته فَلَو لم يَقع الطَّلَاق
لم يكن فِي معلوماته وَكَذَا لم يُمكن فِي مقدوراته (وَيُجَاب)
عَن هَذَا الْوَجْه (بِاخْتِيَار الثَّانِي، و) هُوَ أَي أَن
هَذَا الْمَعْنى ثَابت فِي جملَة مقدوراته، ثمَّ يُقَال
(بِالْفرقِ) بَينه وَبَين فِي علمه (بِأَن ثُبُوته) أَي
طَلاقهَا (فِي علمه بِثُبُوتِهِ فِي الْوُجُود وَهُوَ) أَي
ثُبُوته فِي الْوُجُود (بِوُقُوعِهِ بِخِلَاف ثُبُوته فِي
الْقُدْرَة فَإِن مَعْنَاهُ أَنه مَقْدُور، وَلَا يلْزم من
كَون الشَّيْء مَقْدُورًا كَونه مَوْجُودا تعلّقت بِهِ
الْقُدْرَة) وَكَذَا يُقَال لفاسد الْحَال فِي قدرَة الله
صَلَاحه مَعَ عدم تحَققه فِي الْحَال (هَذَا حَقِيقَة الْفرق،
وَلَا حَاجَة إِلَى غَيره مِمَّا تقدم) من أَن الْمَعْنى بِأَن
الْمَقْدُور أثار الْقُدْرَة إِلَى آخِره، ثمَّ الدّفع باتحاد
الْحَاصِل إِلَى آخِره ثمَّ إِرَادَة الْوُجُود على تَقْدِير
كَون الْمَعْنى على التَّعْلِيق (وَأَيْضًا الْمَبْنِيّ الْحمل
على الْأَكْثَر فِيهِ اسْتِعْمَالا) أَي على الْمَعْنى الَّذِي
يسْتَعْمل فِيهِ مثل طَالِق فِي قدرَة الله فِي الْأَغْلَب
(فَلَا يُرَاد الثَّانِي) وَهُوَ أَن يُرَاد بِالْقُدْرَةِ
التَّقْدِير لندرة الِاسْتِعْمَال فِيهِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ
ثَانِيًا لِأَنَّهُ ذكر فِي الْمرتبَة الثَّانِيَة فِي هَذِه
المناظرة فِي جَوَاب الْبَعْض (وَلَو تَسَاويا) أَي
اسْتِعْمَاله فِي الْمَقْدُور واستعماله فِي التَّقْدِير (لَا
يَقع) الطَّلَاق (بِالشَّكِّ) إِذْ على تَقْدِير إِرَادَة
التَّقْدِير لَا يَقع، وعَلى تَقْدِير إِرَادَة الْمَقْدُور
يَقع، وَلَا رُجْحَان لأَحَدهمَا، وَالْأَصْل عدم الطَّلَاق:
هَذَا وَذكر فِي الْكَافِي أَنه لَو أَرَادَ حَقِيقَة قدرته
تَعَالَى يَقع فِي الْحَال (ولبطلان الظَّرْفِيَّة لزم عشرَة
فِي لَهُ) عَليّ (عشرَة فِي عشرَة) لِأَن الشَّيْء لَا يصلح
ظرفا لنَفسِهِ، لَا يُقَال يَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَن يحمل على
مجازه وَهُوَ معنى مَعَ أَو وَاو الْعَطف كَمَا هُوَ قَول زفر
(2/119)
لتَعَدد الْمَعْنى الْمجَازِي، وَعدم تَرْجِيح بعضه على بعض
على أَن الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة (إِلَّا أَن قصد بِهِ
الْمَعِيَّة أَو الْعَطف) أَي معنى الْوَاو (فعشرون) أَي
فَيلْزم عشرُون (لمناسبة الظَّرْفِيَّة) الَّتِي هِيَ حَقِيقَة
فِي (كليهمَا) أَي الْمَعِيَّة والعطف: إِذْ بنية قصد
التَّشْدِيد على نَفسه فَلَزِمَهُ (وَمثله) أَي مثل عشرَة فِي
عشرَة فِي بطلَان الظَّرْفِيَّة أَنْت (طَالِق وَاحِدَة فِي
وَاحِدَة) فَيَقَع وَاحِدَة مَا لم ينْو الْمَعِيَّة أَو
الْعَطف، فَإِن نوى أَحدهمَا وَهِي مدخولة وَقع ثِنْتَانِ،
وَإِن كَانَت غير مدخولة وَقع وَاحِدَة فِي نِيَّة الْعَطف
وثنتان فِي نِيَّة الْمَعِيَّة (وَإِنَّمَا يشكل إِذا أَرَادَ
عرف الْحساب) فِي مثل لَهُ عَليّ عشرَة فِي عشرَة حَيْثُ
قَالُوا يلْزمه عشرَة (لِأَن مؤد اللَّفْظ حِينَئِذٍ) أَي حِين
أَرَادَ عرف الْحساب (كمؤدي عشر عشرات) لِأَن عرفهم تَضْعِيف
أحد العددين بِقدر الآخر، وَقد بنى كَلَامه على عرفهم فَصَارَ
كَمَا لَو أوقع بلغَة أُخْرَى عَالما بهَا، وَلذَا قَالَ زفر
وَبَاقِي الْأَئِمَّة: يلْزمه مائَة حَتَّى لَو ادّعى الْمقر
لَهُ الْمِائَة وَأنكر الْمقر حلف أَنه مَا أَدَّاهُ. |