تيسير التحرير (وَهَذِه) إِشَارَة إِلَى مَا سَيذكرُ من
الْوُجُوه فَإِنَّهَا حَاضِرَة فِي الذِّهْن
(تَتِمَّة فِيهِ) أَي فِيمَا يتَرَجَّح بِهِ الأقيسة المتعارضة
(يقدم) الْقيَاس الَّذِي هُوَ (مَنْصُوص الْعلَّة) بِأَن تكون
علته ثَابِتَة بِالنَّصِّ (صَرِيحًا على مَا) أَي الثَّابِت
علته (بإيماء) وَإِشَارَة من غير تَصْرِيح، لِأَن التَّصْرِيح
أقرب إِلَى الْقطع (و) يقدم (مَا) ثَبت علته (بقطعي) أَي
بِدَلِيل قَطْعِيّ (على مَا) ثَبت علته (بظني، و) يقدم (مَا
غلب ظَنّه) أَي علته على مَا لَا يغلب، فَإِن الظَّن مَرَاتِب
بَعْضهَا أقرب إِلَى الْقطع (وَيَنْبَغِي تَقْدِيم) الْقيَاس
الْمُشْتَمل على الْعلَّة (ذَات الاجماع الْقطعِي) بِأَن ثَبت
عليتها بِالْإِجْمَاع الْقطعِي، لَا الْإِجْمَاع الظني كَمَا
عرفت فِي مبَاحث الْإِجْمَاع (على) الْقيَاس الْمُشْتَمل على
الْعلَّة (المنصوصة) بِغَيْرِهِ وَإِن كَانَ قَطْعِيا، كَذَا
ذكره الشَّارِح، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد المنصوصة بِغَيْر
قَطْعِيّ، غير أَنه أيد مَا ذكره بِأَن قَطْعِيّ الاجماع لَا
يحْتَمل النّسخ بِخِلَاف غَيره وَيرد عَلَيْهِ مَا ثَبت بِنَصّ
قَطْعِيّ مُحكم لَا يحْتَمل النّسخ، وَلَا نقل عَن السُّبْكِيّ
تَقْدِيم الْقيَاس الثَّابِت علته بِالْإِجْمَاع الْقطعِي على
الثَّابِت علته بِالنَّصِّ الْقطعِي (و) يقدم (مَا) ثَبت علته
(بِالْإِيمَاءِ على مَا) ثَبت علته (بالمناسبة) عِنْد
الْجُمْهُور لما فِيهَا من الِاخْتِلَاف، وَلِأَن الشَّارِع
أولى بتعليل الْأَحْكَام، وَذهب الْبَيْضَاوِيّ إِلَى تَقْدِيم
المنسابة على الْإِيمَاء لِأَنَّهَا تَقْتَضِي وَصفا مناسبا
بِخِلَاف الْإِيمَاء، لِأَن تَرْتِيب الحكم يشْعر بالعلية
سَوَاء كَانَ مناسبا أَولا، وَإِذا توافقا فِي الثُّبُوت
بالمناسبة (فَمَا) أَي الْقيَاس الَّذِي (عرف بِالْإِجْمَاع
تَأْثِير عينه) أَي عين وَصفه (فِي عينه) أَي الحكم (أولى
بالتقديم على مَا عرف بِهِ) أَي الْإِجْمَاع (تَأْثِير جنسه)
أَي جنس وَصفه (فِي نَوعه) أَي الحكم كَمَا لَا يخفى (وَهَذَا)
الَّذِي عرف تَأْثِير جنسه فِي نَوعه (أولى من عَكسه) وَهُوَ
مَا عرف بِالْإِجْمَاع تَأْثِير نَوعه فِي جنس الحكم، لِأَن
اعْتِبَار شَأْن الْمَقْصُود أهم من اعْتِبَار شَأْن الْعلَّة،
وَقيل بِالْعَكْسِ، لِأَن الْعلَّة هِيَ الْعُمْدَة فِي
التَّعْدِيَة، فَإِن تَعديَة الحكم فرع تعديتها (وكل
مِنْهُمَا) أَي هذَيْن (أولى من الْجِنْس فِي الْجِنْس) أَي
فِيمَا عرف فِيهِ تَأْثِير جنس الْوَصْف فِي جنس الحكم (ثمَّ
(4/87)
الْجِنْس الْقَرِيب فِي الْجِنْس
الْقَرِيب) أولى (من) الْجِنْس (غير الْقَرِيب) فِي غير
الْقَرِيب وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْقرب فِي أحد
الْجَانِبَيْنِ خير من الْبعد فيهمَا، ثمَّ الْأَقْرَب
فَالْأَقْرَب (وَتقدم) فِي المرصد الأول فِي تَقْسِيم الْعلَّة
(أَن الْمركب أولى من الْبَسِيط) وَذكر هُنَاكَ وَجهه. (وأقسام
المركبات) يقدم فِيهَا (مَا تركيبه أَكثر) على مَا تركيبه أقل
(وَمَا تركب من راجحين أولى مِنْهُ) أَي من الْمركب (من مسَاوٍ
ومرجوح) فضلا عَن الْمركب من مرجوحين (فَيقدم مَا) أَي الْمركب
(من تَأْثِير الْعين فِي الْعين وَالْجِنْس الْقَرِيب على مَا)
أَي الْمركب (من) تَأْثِير (الْعين فِي الْجِنْس الْقَرِيب
وَالْجِنْس فِي الْعين، وَيظْهر بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا سبق
أَقسَام) أخر، فِي التَّلْوِيح كالمركبين الْمُشْتَمل كل
مِنْهُمَا على رَاجِح ومرجوح فَإِنَّهُ يقدم فِيهِ مَا يكون
فِي جَانب الحكم على مَا يكون فِي جَانب الْعلَّة انْتهى. وَقد
أَشرت بِقَوْلِي: وَلَا يخفى إِلَى بَعْضهَا آنِفا (وللشافعية
ترجح المظنة على الْحِكْمَة) أَي التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ
الْحَقِيقِيّ الَّذِي هُوَ مَظَنَّة الحكم على التَّعْلِيل
بِنَفس الْحِكْمَة لمَكَان الِاخْتِلَاف فِي الثَّانِي دون
الأول (وَيَنْبَغِي) أَن يكون هَذَا (عِنْد عدم انضباطها) أَي
الْحِكْمَة. حكى الْآمِدِيّ فِي جَوَاز التَّعْلِيل بالحكمة
ثَلَاثَة مَذَاهِب: الْمَنْع مُطلقًا عَن الْأَكْثَرين،
وَالْجَوَاز مُطلقًا وَرجحه الرَّازِيّ والبيضاوي، والجوازان
كَانَت ظَاهِرَة منضبطة بِنَفسِهَا وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ
مُخْتَار الْآمِدِيّ (ثمَّ الْوَصْف الوجودي) أَي التَّعْلِيل
بِهِ للْحكم الوجوي أَو العدمي على التَّعْلِيل بالعدمى أَو
الوجودي للعدمي (وَالْحكم الشَّرْعِيّ) أَي يتَرَجَّح
التَّعْلِيل بِهِ على التَّعْلِيل بِغَيْرِهِ (والبسيط) أَي
ويترجح التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ الْبَسِيط على التَّعْلِيل
بِالْوَصْفِ الْمركب لِأَنَّهُ مُتَّفق عَلَيْهِ،
وَالِاجْتِهَاد فِيهِ أقل فيبعد عَن الْخَطَأ، بِخِلَاف
الْمركب (وَالْحَنَفِيَّة) على أَن الْبَسِيط (كالمركب) وَلما
كَانَ هَذَا يُوهم التدافع بَينه وَبَين مَا سبق من تَقْدِيم
الْمركب قَالَ (وَلَيْسَ الْبَسِيط مُقَابلا لذَلِك الْمركب)
الْمَذْكُور آنِفا فَإِن المُرَاد بِهِ ثمت وصف مُتَعَدد
جِهَات اعْتِبَاره من حَيْثُ الْعين فِي الْعين وَالْجِنْس فِي
الْعين أَو فِي الْجِنْس إِلَى غير ذَلِك، وَإِن كَانَ فِي
ذَاته بسيطا. وَالْمرَاد هَهُنَا ذُو جزءين فَصَاعِدا (وَمَا
بالمناسبة) أَي ويترجح التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ الثَّابِت علته
بالمناسبة (أَي الإخالة على مَا بالشبه والدوران) وَقد سبق
تَعْرِيفهَا وتفصيلها: أَي على التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ
الثَّابِت عليته بِأحد هذَيْن لاشتمالها على الْمصلحَة، ثمَّ
مَا بالشبه على مَا بالدوران لقُرْبه من الْمُنَاسبَة (وَمَا
بالسبر) وَقد سبق (عَلَيْهِمَا) أَي على مَا بالشبه وعَلى مَا
بالدوران، على مَا اخْتَارَهُ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب
(وَعلل) تَرْجِيح مَا بالسبر عَلَيْهِمَا (بِمَا فِيهِ) أَي
السبر (من التَّعَرُّض لنفي الْمعَارض وَقد يُقَال فَكَذَا
الدوران) يتَرَجَّح الْوَصْف الثَّابِت بِهِ على الثَّابِت
بِغَيْرِهِ (لزِيَادَة إِثْبَات الانعكاس) لِأَن الْعلَّة
المستفادة مِنْهُ مطردَة منعكسة، بِخِلَاف غَيره (وَيلْزمهُ)
أَي تَقْدِيم الدوران بِمَا ذكر (تَقْدِيم مَا بالسير على
(4/88)
مَا بالدوران) لتحَقّق هَذِه الزِّيَادَة
مَعَ أُخْرَى كَمَا أَفَادَ بقوله (لانعكاس علته) أَي الْعلَّة
الثَّابِتَة بِهِ (للحصر) أَي لحصر السبر الْأَوْصَاف
الصَّالِحَة للعلية فِي عدد، ثمَّ إِلْغَاء الْبَعْض لتعيين
الْبَاقِي، فَإِن الْعلَّة لَو لم تنعكس حِينَئِذٍ للُزُوم
وجود الحكم بِلَا عِلّة (وَيزِيد) على الدوران (بِنَفْي
الْمعَارض فَيبْطل مَا قيل) وَالْقَائِل الْبَيْضَاوِيّ (من
عَكسه) بَيَان للموصول: أَي تَقْدِيم مَا بالدوران على مَا
بالسبر، وَفِي الْمَحْصُول إِذا كَانَ السبر مَقْطُوعًا بِهِ
فَالْعَمَل بِهِ مُتَعَيّن، وَلَيْسَ من قبيل التَّرْجِيح
(وَلَا يتَصَوَّر) مَا ذكر من الترجيحات (للحنفية) لعدم صِحَة
هَذِه الطّرق عِنْدهم، وَمن قَالَ بالسير مِنْهُم لتعيين
الْعَمَل بِهِ عِنْده، وَمَا عداهُ سَاقِط لَا يصلح للمعارضة
(والضرورية على الحاجية، والدينية مِنْهَا على غَيرهَا) أَي
عِنْد تعَارض أَقسَام الْمُنَاسبَة التَّرْجِيح بِقُوَّة
الْمصلحَة فترجح الْمَقَاصِد الْخَمْسَة الضرورية: حفظ الدّين،
وَالنَّفس، وَالْعقل، وَالنّسب، وَالْمَال على مَا سواهَا من
الحاجية وَغَيرهَا، وترجح الدِّينِيَّة من أَقسَام الضرورية
على غَيرهَا مِمَّا ذكر على مَا مر فِي المرصد الأول فِي
تَقْسِيم الْعلَّة (وَهِي) أَي الحاجية تقدم (على مَا بعْدهَا)
من التحسينية (ومكمل كل) من الضرورية والحاجية والتحسينية
(مثله) أَي مثل مَا يكمل بِهِ (فمكمله) أَي الضَّرُورِيّ يرجح
(على الحاجي وَعنهُ) أَي عَن كَون مكمل كل مثله (ثَبت) شرعا
(فِي) شرب (قَلِيل الْخمر) من الْحَد (مَا) ثَبت (فِي) شرب
(كثيرها، وَيقدم حفظ الدّين) من الضروريات على غَيره لِأَنَّهُ
الْمَقْصُود والأعظم بِهِ السَّعَادَة السرمدية (ثمَّ) يقدم
حفظ (النَّفس) على حفظ النّسَب وَالْعقل وَالْمَال، لِأَن
الْكل فرع بَقَاء النَّفس (ثمَّ) يقدم حفظ (النّسَب) على
الْبَاقِي لِأَنَّهُ بَقَاء النَّوْع بالتناسل من غير زنا
فبتحريمه لَا يحصل اخْتِلَاط النّسَب فينسب الْوَلَد إِلَى شخص
وَاحِد فيهتم بتربيته (ثمَّ) يقدم حفظ (الْعقل) على حفظ
المَال، لِأَن الْإِنْسَان بفواته يلْتَحق بِالْحَيَوَانِ،
وَمن ثمت يجب بتفويته مَا يجب بتفويت النَّفس من الدِّيَة
الْكَامِلَة (ثمَّ) حفظ (المَال، وَقيل) يقدم (المَال) أَي
حفظه فضلا عَن حفظ الْعقل وَالنّسب وَالنَّفس (على) حفظ
(الدّين) كَمَا حَكَاهُ غير وَاحِد لِأَنَّهَا حق الْآدَمِيّ
الضَّعِيف، وَهُوَ يتَضَرَّر بفواته، وَالدّين حق الله
تَعَالَى الْقوي المتعال عَن التضرر بفواته (وَلذَا) أَي
لتقديمه على الدّين (تتْرك الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة لحفظه)
أَي المَال (وَلأبي يُوسُف تقطع) الصَّلَاة (للدرهم) فِي
الْخُلَاصَة وَلَو سرق مِنْهُ أَو من غَيره دِرْهَم يقطع
الْفَرْض انْتهى، وَذكروا أَن مَا دون الدِّرْهَم حقير فَلَا
يقطع لأَجله الصَّلَاة (وَقدم الْقصاص على قتل الرِّدَّة)
عِنْد وجوب الْقَتْل بِكُل مِنْهُمَا لكَونه حق العَبْد (ورد)
كَون تَقْدِيم الْقصاص لأجل مَا ذكر (بِأَن فِي الْقصاص حَقه
تَعَالَى) وَلذَا يحرم عَلَيْهِ قتل نَفسه، فالتقديم باجتماع
الْحَقَّيْنِ، وَمَا ذكره الْأَبْهَرِيّ من أَن الْقصاص لَو
كَانَ فِيهِ حق الله تَعَالَى لَكَانَ للْإِمَام أَن يقْتَصّ
وَإِن عَفا ولي الدَّم كَمَا فِي قطع السّرقَة مَدْفُوع بِأَن
الْغَالِب فِي الْقصاص
(4/89)
حق العَبْد، وَأما حد السّرقَة فَحق الله
تَعَالَى على الخلوص (وَالْأول) أَي ترك الْجُمُعَة
وَالْجَمَاعَة لحفظ المَال (لَيْسَ مِنْهُ) أَي من تَقْدِيم
المَال على الدّين (إِذْ لَهُ) أَي لتركهما (خلف) يجبران بِهِ،
وَهُوَ الظّهْر والانفراد، وَقد يُقَال: خُصُوصِيَّة
الْجُمُعَة مَطْلُوبَة، وَالْجَمَاعَة سنة مُؤَكدَة، وَلذَا
يَأْثَم وَإِن صلى الظّهْر إِذا لم يكن لَهُ عذر، وَينْقص أجره
كثيرا بالانفراد، فَلَا بُد من فَوَات أَمر ديني فِي كل
مِنْهُمَا وَإِن لم يفت أصل فرض الْوَقْت فَتَأمل (وَأما)
تَرْجِيح أحد القياسين على الآخر الْمعَارض لَهُ (بترجيح
دَلِيل حكم أَصله على دَلِيل حكم) الأَصْل (الآخر) ككون دَلِيل
حكم أصل أَحدهمَا متواترا أَو مَشْهُورا أَو حَقِيقَة أَو
صَرِيحًا أَو عبارَة، بِخِلَاف الآخر (فللنصوص بِالذَّاتِ) أَي
فَذَلِك التَّرْجِيح ثَابت للنصوص بِالذَّاتِ، وللقياس بالتبع،
وَقد تقدم فِي فصل التَّرْجِيح (وَتَركنَا أَشْيَاء متبادرة)
إِلَى الْفَهم من وُجُوه تَرْجِيح الأقيسة لظهورها للمتيقن مَا
سبق من المباحث كانضباط عِلّة أَحدهمَا: أَو جامعيتها
ومانعيتها من حَيْثُ الْحِكْمَة، بِخِلَاف الآخر إِلَى غير
ذَلِك (وتتعارض المرجحات) للمتعارضين من الأقيسة (فَيحْتَمل)
التَّرْجِيح (الِاجْتِهَاد) أَي يسوغه (كالملايمة والبسيطة)
يَعْنِي أَن الْقيَاس بعلة ثبتَتْ عليتها بالملائمة ترجح على
مَا بالدوران، فَلَو كَانَت الملائمة مركبة، والمطردة المنعكسة
بسيطة تعَارض المرجحات، وَاحْتمل التَّرْجِيح الِاجْتِهَاد،
كَذَا نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف. (وَعَادَة الْحَنَفِيَّة
ذكر أَرْبَعَة) من مرجحات الْقيَاس (قُوَّة الْأَثر والثبات
على الحكم وَكَثْرَة الْأُصُول وَالْعَكْس، فَأَما قُوَّة
الْأَثر) أَي التَّأْثِير (فَمَا ذكر من) قوته فِي بعض أَقسَام
(الْقيَاس، و) فِي بعض أَقسَام (الِاسْتِحْسَان) فِي ضمن
التَّقْسِيم والتمثيل (وَمِنْه) أَي من تَرْجِيح أحد القياسين
بِقُوَّة الْأَثر مَا ذكر (فِي جَوَاز نِكَاح الْأمة) للْحرّ
(مَعَ طول الْحرَّة) أَي قدرته على تزَوجهَا بتمكنه من مهرهَا
ونفقتها، وَالْأَصْل الطول على الْحرَّة، فاتسع بِحَذْف
الْجَار، وَإِضَافَة الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول من قَوْلهم
(يملكهُ) أَي نِكَاح الْأمة (العَبْد) مَعَ طول الْحرَّة
بِإِذن مَوْلَاهُ لَهُ فِي نِكَاح من شَاءَ من حرَّة أَو أمة
وَدفع مَا يصلح مهْرا لَهَا (فَكَذَا الْحر) يملكهُ مَعَ
الطول. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز لَهُ قِيَاسا على الْحر
الَّذِي تَحْتَهُ حرَّة، فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ إِجْمَاعًا،
فَإِن قِيَاس نِكَاح الْحر إِيَّاهَا على نِكَاح العَبْد
الْمَذْكُور (أقوى من قِيَاسه) أَي نِكَاح الْحر (على نِكَاح
الْأمة على الْحرَّة بِجَامِع ارقاق مائَة مَعَ غنيته) عَن
ارقاقه إِذْ الارقاق اهلاك معنى لِأَنَّهُ أثر الْكفْر
وَالْكفْر موت حكما فَلَا يُبَاح إِلَّا عِنْد الْعَجز عَن
نِكَاح الْحرَّة. ثمَّ علل كَونه أقوى بقوله (لِأَن أثر
الْحُرِّيَّة) أَي حريَّة الناكح (فِي اتساع الْحل) بِأَن يحل
لَهُ مَا شَاءَ من حرَّة أَو أمة (أقوى من) أثر لُزُوم
(الرّقّ) للْمَاء (فِيهِ) أَي اتساع الْمحل: بِأَن يَنْفِيه
فَلَا يَسعهُ إِلَّا نِكَاح الْحرَّة، وَإِنَّمَا حكمنَا
بِكَوْن التَّأْثِير الأول أقوى (تَشْرِيفًا) للْحرّ فِي
(4/90)
الاتساع (كَالطَّلَاقِ) فَإِن كَونه
ثَلَاثًا يتبع الْحُرِّيَّة، غير أَنا اعْتبرنَا فِي جَانب
الْمَرْأَة، وَالشَّافِعِيّ فِي جَانب الزَّوْج (وَالْعدة)
فَإِنَّهَا فِي حق الْحرَّة ثَلَاثَة قُرُوء، وَثَلَاثَة أشهر
وَأَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام. وَفِي حق الْأمة قُرْآن
وَشهر وَنصف وشهران وَخَمْسَة أَيَّام (والتزوج) فَإِنَّهُ
يُبَاح للْحرّ أَربع وَلِلْعَبْدِ ثِنْتَانِ. وَلَا شكّ أَن
قياسنا يقوى أَثَره بِهَذِهِ الشواهد (وَكثير) مَعْطُوف على
الطَّلَاق وككثير من الْأَحْكَام الْمُشْتَملَة على الاتساع
تَشْرِيفًا للْحرّ من التمليكات وَغَيرهَا، فالتوسعة على
العَبْد، والتضييق على الْحر قلب الْمَشْرُوع وَعكس
الْمَعْقُول. وَمَا فِي التَّلْوِيح من أَن هَذَا التَّضْيِيق
من بَاب الْكَرَامَة حَيْثُ منع الشريف من تزوج الخسيس مَعَ
مَا فِيهِ من مَظَنَّة الارقاق: وَذَلِكَ كَمَا جَازَ نِكَاح
الْمَجُوسِيَّة للْكَافِرِ دون الْمُسلم انْتهى، دفع بِأَنَّهُ
لَا خسة كالكفر، وَقد جَازَ تجوز الْمُسلم الْقَادِر على
الْحرَّة الْمسلمَة بِالْكَفَّارَةِ الْكِتَابِيَّة، وَفِي
كَلَام المُصَنّف أَيْضا إِشَارَة إِلَى دَفعه حَيْثُ قَالَ
(وَمنع) الشَّارِع من (الارقاق وَإِن تضمنه) أَي الشريف (لكنه)
أَي الارقاق بتزوج الْأمة (مُنْتَفٍ لِأَن اللَّازِم) من
تزَوجهَا (الِامْتِنَاع عَن) تَحْصِيل إِيجَاد (الْجُزْء) أَي
الْوَلَد (الْحر) إِذْ المَاء لَا يُوصف بِالرّقِّ
وَالْحريَّة، بل هُوَ قَابل لِأَن يُوجد مِنْهُ الْحر
وَالرَّقِيق فَتَزَوجهَا ترك مُبَاشرَة سَبَب الْحُرِّيَّة،
وَحين يخلق رَقِيقا (لَا) أَن اللَّازِم مِنْهُ (ارقاقه) أَي
الْجُزْء بَان يتنقل من الْحُرِّيَّة إِلَى الرّقّ (وَلَو
ادّعى أَنه) أَي الِامْتِنَاع من الْجُزْء الْحر هُوَ
(المُرَاد بالارقاق نقض بِنِكَاح العَبْد الْقَادِر) على طول
الْحرَّة (أمة لِأَن مَاءَهُ) إِذا خلق مِنْهُ ولد فِي
الْحرَّة (حر إِذْ الرّقّ من الْأُم لَا الْأَب) وَهُوَ جَائِز
اتِّفَاقًا وَالْفرق بَين الامتناعين لَا عِبْرَة بِهِ (و) نقض
(بعزل الْحر) عَن أمته مُطلقًا، وَعَن زَوجته الْحرَّة
بِرِضَاهَا، وبنكاح الصَّغِيرَة والعجوز والعقيم، فَإِنَّهُ
اتلاف حَقِيقَة، والارقاق اتلاف حكما (وَمِنْه) أَي من
التَّرْجِيح بِقُوَّة الْأَثر تَرْجِيح الْقيَاس لنفي استنان
تثليث مسح الرَّأْس على الْقيَاس لاستنانه كَمَا ذهب إِلَيْهِ
الشَّافِعِي، وَهُوَ مسح الرَّأْس (مسح فَلَا يثلث كالخف) أَي
كمسحه فَإِنَّهُ (أقوى أثرا من قِيَاسه) وَهُوَ (ركن فيثلث
كالمغسول) أَي كَغسْل الْوَجْه أَو الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن،
وَقَوْلنَا أقوى أثرا (بعد تَسْلِيم تَأْثِيره) أَي كَونه ركنا
فِي التَّثْلِيث (فِي الأَصْل) وَهُوَ المغسول وَهُوَ
مَمْنُوع. ثمَّ بَين كَونه أقوى بقوله (فَإِن شَرعه) أَي مسح
الرَّأْس (مَعَ إِمْكَان) اسْتِيعَاب (شرع غسل الرَّأْس وخصوصا
مَعَ عدم اسْتِيعَاب الْمحل) أَي الرَّأْس بِالْمَسْحِ فرضا
(لَيْسَ إِلَّا للتَّخْفِيف) وَهُوَ فِي عدم التّكْرَار
فَالْحَاصِل أَنا لَا نسلم أَن كَون الْغسْل ركنا أثر فِي
تثليث المغسول، وعَلى تَقْدِير تَسْلِيم تَأْثِيره يعْتَبر
فِيهِ عدم الْمَانِع وَهُوَ شَرعه للتَّخْفِيف وَهُوَ لمَانع
مَوْجُود فِي مسح الرَّأْس (وَإِلَّا فقد نقض طردا وعكسا)
يَعْنِي أَن كل مَا ذكرنَا كَانَ بحثا على تَقْدِير
التَّسْلِيم، وَإِن لم يسلم تَأْثِير الركنية فِي التَّثْلِيث،
فَهُوَ موجه بِأَنَّهُ قد نقض تَأْثِير الركنية
(4/91)
فِيهِ من حَيْثُ الاطراد لكَون التَّثْلِيث
قد يُفَارق الركنية، وَمن حَيْثُ الانعكاس لكَونه لَا
يسْتَغْرق كل ركن كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لوُجُوده) أَي
التَّثْلِيث (وَلَا ركن فِي الْمَضْمَضَة) الْجَار مُتَعَلق
بالوجود (وَالِاسْتِنْشَاق) فَإِن شَيْئا مِنْهُمَا لَيْسَ
بِرُكْن من الْوضُوء مَعَ استنان التَّثْلِيث فيهمَا (وَوُجُود
الرُّكْن دونه) أَي التَّثْلِيث (كثير) فِي أَرْكَان الصَّلَاة
من الْقيام وَغَيره، وأركان الْحَج إِلَى غير ذَلِك، فَلَا
يَصح التَّعْلِيل بالركنية. لَا يُقَال المُرَاد الركنية فِي
الْوضُوء لَا الْمُطلقَة، لِأَن الخصوصية ملغاة، لَا لتأثير
الْمَفْرُوض لأصل الركنية، فَإِن التَّثْلِيث يُحَقّق الرُّكْن
على وَجه الْكَمَال (وَأما الثَّبَات) أَي قُوَّة ثبات
الْوَصْف على الحكم الثَّابِت بِهِ (فكثرة اعْتِبَار الْوَصْف)
من الشَّارِع (فِي) جنس (الحكم) فِيهِ مُسَامَحَة، لِأَن
الْكَثْرَة لَيست عين الثَّبَات بل سَببه: وَذَلِكَ
بِاعْتِبَار الشَّارِع علية الْوَصْف فِي صُورَة كَثِيرَة من
جنس الحكم، فَإِنَّهُ يحصل بذلك قُوَّة فِي ثُبُوت علته لَهُ
(كالمسح) فَإِنَّهُ كثر اعْتِبَار الشَّارِع إِيَّاه (فِي
التَّخْفِيف) الَّذِي جنس عدم التَّثْلِيث لاعتباره (فِي كل
تَطْهِير غير مَعْقُول) كَونه مطهرا (كالتيمم وَمسح
الْجَبِيرَة والجورب والخف) فَإِنَّهُ لم يشرع فِي شَيْء
مِنْهَا التّكْرَار للتَّخْفِيف، بِخِلَاف الِاسْتِنْجَاء
بِغَيْر المَاء من الْحجر وَنَحْوه، فَإِنَّهُ مسح شرع فِيهِ
التّكْرَار، لِأَنَّهُ عقل فِيهِ معنى التَّطْهِير (بِخِلَاف
الرُّكْن فَإِن أَثَره) أَي الرُّكْن (فِي الْإِكْمَال وَهُوَ)
أَي الْإِكْمَال فِيمَا نَحن فِيهِ (الايعاب) بِالْمَسْحِ فِي
الْمحل لَا التّكْرَار الَّذِي يكَاد يخرج الْمسْح من
حَقِيقَته إِلَى الْغسْل (وكقولهم) أَي الْحَنَفِيَّة (فِي)
صَوْم (رَمَضَان) صَوْم (مُتَعَيّن) فِي الْوَقْت الْمُتَعَيّن
لَهُ (فَلَا يجب تَعْيِينه) فَيسْقط بِمُطلق نِيَّة الصَّوْم:
إِذْ اليقيين اثْبتْ فِي سُقُوط التَّعْيِين من الْوَصْف
الْمَذْكُور فِي قَول الشَّافِعِي صَوْم فرض الخ (وَهُوَ) أَي
التَّعْيِين (وصف اعْتَبرهُ الشَّارِع) فِي سُقُوط التَّعْيِين
من الْوَصْف الْمَذْكُور فِي صور كَثِيرَة كَمَا (فِي الودائع
والغصوب ورد الْمَبِيع فِي) البيع (الْفَاسِد) إِلَى الْمَالِك
حَتَّى لَو وجد رد هَذِه الْأَشْيَاء بِهِبَة أَو صَدَقَة أَو
بيع يَقع عَن الْجِهَة الْمُسْتَحقَّة لتعين الْمحل لذَلِك
شرعا (وَالْإِيمَان بِاللَّه) وَمَا يجب الْإِيمَان بِهِ
فَإِنَّهُ (لَا يشْتَرط) فِي خُرُوجه بِهِ عَن عُهْدَة
الْفَرْض (تعْيين نِيَّة الْفَرْض بِهِ) أَي بِالْإِيمَان: أَو
بِشَيْء مِمَّا ذكر من رد الْمَذْكُورَات وَالْإِيمَان مَعَ
أَنه أقوى الْفَرَائِض يحصل الِامْتِثَال بالمأمور بِهِ على
أَي وَجه يَأْتِي بِهِ، وَكَذَا الْحَج يَصح بِمُطلق النِّيَّة
وَنِيَّة النَّفْل عِنْده (وَأما كَثْرَة الْأُصُول الَّتِي
يُوجد فِيهَا جنس الْوَصْف) فِي عين الحكم أَو جنسه (أَو عينه)
أَي الْوَصْف فِي جنس الحكم أَو عينه (على مَا ذكرنَا
للشَّافِعِيَّة) فِي الْمَقْصد الأول فِي تَقْسِيم الْعلَّة
(فَقيل لَا ترجح) للوصف الْمُشْتَمل على كَثْرَة الْأُصُول على
الْوَصْف العاري عَنْهَا، وَهَذَا القَوْل مَنْسُوب إِلَى بعض
أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب الشَّافِعِي (لِأَنَّهُ) أَي
التَّرْجِيح بهَا (ككثرة الروَاة) أَي كالترجيح بهَا إِذا لم
يبلغُوا حد الشُّهْرَة أَو التَّوَاتُر فَإِن الْخَبَر لَا
يرجح
(4/92)
بهَا فَكَذَا لَا يرجح بِكَثْرَة الْأُصُول
(وَلِأَن كل أصل كعلة) على حِدة (فبالقياس) أَي فالترجيح
بِكَثْرَة الْأُصُول تَرْجِيح بِالْقِيَاسِ للْقِيَاس وَهُوَ
المُرَاد بالترجيح بِكَثْرَة الْعِلَل، وَهُوَ غير جَائِز.
(وَالْمُخْتَار) كَمَا هُوَ قَول الْجُمْهُور (نعم) ترجح
(لِأَن مرجعه) أَي التَّرْجِيح بهَا (اشتهار الدَّلِيل أَي
الْوَصْف) الْمُعْتَبرَة عليته فِي أصُول كَثِيرَة (كالخبر
المشتهر) أَي كاشتهاره، فَكَمَا رجح اشتهار ذَلِك الْخَبَر رجح
اشتهار هَذَا الدَّلِيل (فازداد) بِكَثْرَة الْأُصُول للوصف
(ظن اعْتِبَار الشَّارِع حكمه) أَي حكم ذَلِك الْوَصْف
(بِخِلَاف مَا إِذا لم يبلغهَا) أَي بِخِلَاف الْوَصْف إِذا لم
يبلغ بِكَثْرَة الْأُصُول الشُّهْرَة لما عرفت من أَن
الْمُرَجح فِي الْحَقِيقَة الاشتهار، وَفِيه إِشَارَة إِلَى
أَن الْمُخْتَار مُقَيّد بِهَذَا الْقَيْد وَالشَّارِح لم
يُقَيِّدهُ، وَفَسرهُ بِمَا إِذا لم يبلغ الْوَصْف كَثْرَة
الْأُصُول، وَلَا يخفى مَا فِيهِ من أَن كَثْرَة الْأُصُول
إِذا لم تبلغه الشُّهْرَة لم تلتحق بالْخبر المشتهر فَتَأمل،
وَذَلِكَ (كالمسح) فَإِنَّهُ وصف يشْهد لتأثيره (فِي
التَّخْفِيف) وَعدم التَّثْلِيث أصُول كَثِيرَة إِذْ (يُوجد)
أَي الْمسْح مؤثرا فِي التَّخْفِيف (فِي التَّيَمُّم) ، وَمَا
ذكرنَا) من مسح الْجَبِيرَة والجورب والخف (فيترجح) تَأْثِيره
فِي التَّخْفِيف (على تَأْثِير وصف الركنية فِي التَّثْلِيث
فَلِذَا) أَي لكَون الْمسْح وَنَحْوه بِاعْتِبَار تَأْثِيره
فِي التَّخْفِيف مِثَالا للثبات وَكَثْرَة الْأُصُول (قيل)
وَالْقَائِل فَخر الْإِسْلَام وَصدر الشَّرِيعَة (هُوَ) أَي
هَذَا الثَّالِث (قريب من الثَّانِي) غير أَن الملحوظ فِي
الثَّالِث جَانب الْمُؤثر، وَفِي الثَّانِي الْأَثر (وَالْحق
أَن الثَّلَاثَة) : قُوَّة الْأَثر، والثبات، وَكَثْرَة
الْأُصُول (ترجع إِلَى قُوَّة الْأَثر، والتفرقة) بَينهَا
(بِالِاعْتِبَارِ، فَهُوَ) أَي الأول، وَهُوَ قُوَّة الْأَثر
(بِالنّظرِ إِلَى) نفس (الْوَصْف، والثبات) بِالنّظرِ (إِلَى
الحكم وَكَثْرَة الْأُصُول) بِالنّظرِ (إِلَى الأَصْل)
وَعَزاهُ سراج الدّين إِلَى الْمُحَقِّقين. وَعَن السَّرخسِيّ
وَأبي زيد مَا يقرب من هَذَا (وَأما الْعَكْس) وَيُسمى
الانعكاس أَيْضا وَهُوَ عدم الحكم عِنْد عدم الْعلَّة لَا
عِبْرَة بِهِ عِنْد بعض الْمُتَأَخِّرين فَلَا يصلح مرجحا.
ومختار عَامَّة الْأُصُولِيِّينَ أَنه يصلح لكنه ضَعِيف كَمَا
سَيَأْتِي، لم يذكر جَوَاب أما فَكَأَنَّهُ مُقَدّر مثل فَحكمه
فِيمَا سَنذكرُهُ (كمسح) أَي كَقَوْلِنَا فِي مسح الرَّأْس
هُوَ مسح لم يعقل فِيهِ معنى التَّطْهِير (فَلَا يسن تكراره،
بِخِلَاف) قَول الشَّافِعِي هُوَ (ركن فيكرر لِأَنَّهُ) أَي
التّكْرَار (يُوجد مَعَ عَدمه) أَي الرُّكْن (كَمَا ذكرنَا) من
الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق، بِخِلَاف عدم التّكْرَار فِي
الْمسْح فَأَنَّهُ لَا يُوجد مَعَ عدم الْمسْح الْمَذْكُور،
فترجح قياسنا لانعكاسه فَإِن قلت: إِذا حصل الانقاء فِي
الِاسْتِنْجَاء بِمرَّة لَا يسن التّكْرَار، فتحقق عدم
التّكْرَار فِي الْمسْح مَعَ أَنه يعقل فِيهِ معنى التَّطْهِير
قلت بعد حُصُول كَون الانقاء لَا نسلم معقولية التَّطْهِير
بِالْمَسْحِ بعده فَتدبر (وَقَوْلنَا فِي بيع الطَّعَام
الْمعِين) كالحنطة بِالطَّعَامِ الْمعِين كل مِنْهُمَا (مَبِيع
معِين فَلَا يشْتَرط قَبضه) فِي الْمجْلس كَمَا فِي سَائِر
المبيعات الْمعينَة إِذا
(4/93)
بِيعَتْ بِمِثْلِهَا (أولى من) قَول
الشَّافِعِي يشْتَرط قَبضه لِأَن كل مِنْهُمَا (مَال لَو قوبل
بِجِنْسِهِ حرم التَّفَاضُل) كَمَا أَن الذَّهَب وَالْفِضَّة
لَو قوبل بِجِنْسِهِ حرم التَّفَاضُل وَاشْترط الْقَبْض،
وَإِنَّمَا قُلْنَا أولى (إِذْ لَا ينعكس) قَوْله إِلَى كل مَا
لَو قوبل بِجِنْسِهِ لَا يحرم التَّفَاضُل لَا يشْتَرط فِيهِ
الْقَبْض (لاشْتِرَاط قبض رَأس مَال السّلم) حَال كَونه (غير
رِبَوِيّ) من ثِيَاب وَغَيرهَا، مَعَ أَنه لَو قوبل بِجِنْسِهِ
لَا يحرم التَّفَاضُل (بِخِلَاف الأول) وَهُوَ قَوْلنَا مَبِيع
الخ (إِذْ كلما انْتَفَى) الْوَصْف الَّذِي هُوَ التَّعْيِين
(انْتَفَى) الحكم الَّذِي هُوَ عدم اشْتِرَاط الْقَبْض
(وَلذَا) أَي وَلكَون التَّعْيِين عِلّة عدم اشْتِرَاط
الْقَبْض المستلزم كَون عدم التعين عِلّة اشْتِرَاطه (لزم
الْقَبْض فِي الصّرْف) وَهُوَ بيع جنس الْأَثْمَان بَعْضهَا
بِبَعْض كَبيع الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ أَو بِالذَّهَب
(لِأَن النَّقْد لَا يتَعَيَّن بِالتَّعْيِينِ) فَلَو صَحَّ
بِدُونِ الْقَبْض لَكَانَ بيع دين بدين وَهُوَ غير جَائِز (و)
فِي (السّلم لانْتِفَاء تعْيين الْمَبِيع) وَهُوَ الْمُسلم
فِيهِ لكَونه دينا، فاشتراط الْقَبْض لرأس المَال لعدم التعين
فَإِن قلت: الشَّافِعِي يَقُول بتعين النُّقُود بِالتَّعْيِينِ
فَلَا يتم الْإِلْزَام عَلَيْهِ قلت يتم عَلَيْهِ نظرا إِلَى
دَلِيل عدم تعينها بِهِ وَأورد أَيْضا أَن الْمَبِيع فِي بيع
إِنَاء فضَّة أَو ذهب بِإِنَاء كَذَلِك يتَعَيَّن
بِالتَّعْيِينِ، وَمَعَ ذَلِك يشْتَرط قَبضه فِي الْمجْلس
وَبِأَن رَأس مَال السّلم إِذا كَانَ ثوبا بِعَيْنِه شَرط
قَبضه فِي الْمجْلس أَيْضا مَعَ أَنه مُتَعَيّن بِنَفسِهِ
وَأجِيب بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي فيهمَا عدم اشْتِرَاط
الْقَبْض غير أَنه لما كَانَ الأَصْل فِي الصّرْف وَالسّلم
ورودهما على الدّين بِالدّينِ وَرُبمَا يَقع على غير ذَلِك،
ويتعذر على عَامَّة التُّجَّار معرفَة مَا يتَعَيَّن وَمَا لَا
يتَعَيَّن اشْترط الْقَبْض فيهمَا مُطلقًا احْتِيَاطًا وتيسيرا
فَإِن قيل: الْمَبِيع فِي السّلم الْمُسلم فِيهِ وَلَيْسَ
بمقبوض، والمقبوض رَأس المَال وَلَيْسَ بمبيع أُجِيب بِأَن
المُرَاد كل مَبِيع مُتَعَيّن لَا يشْتَرط قبض بدله، وينعكس
إِلَى كل مَبِيع غير مُتَعَيّن يشْتَرط قبض بدله، أَو كل
مَبِيع يتَعَيَّن فِيهِ الْمَبِيع، وَالثمن لَا يشْتَرط فِيهِ
الْقَبْض أصلا وَيشْتَرط فِي كل مَبِيع لَا يتعينان فِيهِ
يشْتَرط الْقَبْض فِي الْجُمْلَة فَلْيتَأَمَّل. (وَهَذَا) أَي
الْعَكْس (أضعفها) أَي الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة (لِأَن
الحكم يثبت بعلل شَتَّى) فَيجوز أَن يُوجد مَعَ انْتِفَاء
عِلّة مُعينَة لثُبُوته بغَيْرهَا، فَإِن انْتِفَاء الْخَاص
لَا يسْتَلْزم انْتِفَاء الْعَام، غير أَنه إِذا كَانَ بَين
الحكم وَالْعلَّة تلازم وجودا وعدما كَانَ دَلِيلا على وكادة
اتِّصَاله بهَا فيصلح مرجحا على مَا لَيْسَ بِهَذِهِ المثابة
وَيظْهر ضعفه إِذا عَارضه مُرَجّح من الثَّلَاثَة السَّابِقَة
(وابتنى على مَا سلف) فِي فصل التَّرْجِيح (من عدم التَّرْجِيح
بِكَثْرَة الْأَدِلَّة والرواة) عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
(أَن لَا يرجح قِيَاس) فَاعل ابتنى (بآخر) مُتَعَلق بترجح: أَي
بِقِيَاس آخر (بِأَن خَالفه) ذَلِك الْقيَاس المنضم إِلَيْهِ
(فِي الْعلَّة) مُتَعَلق بخالفة (لَا الحكم على معارضه) أَي
على قِيَاس معَارض لَهُ، لِأَنَّهُ لَا تَرْجِيح بِكَثْرَة
الْأَدِلَّة (وَلَو اتفقَا) أَي الْقيَاس المنضم إِلَيْهِ
والمنضم (فِيهَا) أَي الْعلَّة كَمَا
(4/94)
فِي الحكم (كَانَ) التَّرْجِيح بِسَبَب
هَذَا الِاتِّفَاق (من) قبيل (كَثْرَة الْأُصُول لَا) من
كَثْرَة (الْأَدِلَّة) لِأَن الدَّلِيل فِي الْحَقِيقَة
إِنَّمَا هُوَ الْعلَّة، وَلَا تعدد فِيهِ، لَا الأَصْل
الَّذِي تتَحَقَّق الْعلَّة فِيهِ، فتعدده من غير تعددها لَا
يُوجب تعدد الدَّلِيل (فيرجح) الْقيَاس المنضم إِلَيْهِ ذَلِك
(على مخالفه) لِأَن كَثْرَة الْأُصُول مُرَجّح صَحِيح (وَكَذَا
كل مَا يصلح عِلّة) مُسْتَقلَّة للْحكم (لَا يصلح مرجحا)
لعِلَّة مُسْتَقلَّة أُخْرَى لذَلِك الحكم على عِلّة مُعَارضَة
لَهَا، إِذْ تقوى الشَّيْء إِنَّمَا يكون بِصفة فِي ذَاته
تَابِعَة لَهُ، والمستقل لاستقالته لَا يضم إِلَى الآخر، وَقد
يُقَال كَونه بِحَيْثُ وَافقه الآخر وصف لَهُ فَيجوز أَن
يعْتَبر مرجحا لَهُ فَتَأمل (فَلم يتَفَاوَت بتفاوت الْملك
للشفيعين) كَمَا إِذا كَانَ لأَحَدهمَا ثلث الدَّار وَللْآخر
سدسها (مَا يشفعان فِيهِ) وَهُوَ النّصْف الآخر مِنْهَا
فالموصول فَاعل لم يتَفَاوَت يَعْنِي إِذا بَاعَ مَالك النّصْف
نصِيبه وطلبا أَخذه بِالشُّفْعَة لَيْسَ لصَاحب الثُّلُث مزية
على صَاحب السُّدس فِي الِاسْتِحْقَاق، لِأَن كل جُزْء من
أَجزَاء نصيبهما عِلّة مُسْتَقلَّة فِي اسْتِحْقَاق جَمِيع
الْمَبِيع، وَلَيْسَ فِي جَانب صَاحب الثُّلُث إِلَّا كَثْرَة
الْعلَّة وَهِي لَا تصلح للترجيح (خلافًا للشَّافِعِيّ) فَإِن
عِنْده يكون الْمَبِيع بَينهمَا أَثلَاثًا ثُلُثَاهُ لصَاحب
الثُّلُث. (قَالَ) الشَّافِعِي (هِيَ) أَي الشُّفْعَة (من
مرافق الْملك) أَي مَنَافِعه (كَالْوَلَدِ) للحيوان
(وَالثَّمَرَة) للشجرة المشتركين بَينهمَا فتقسم بِقدر الْملك
(أُجِيب بِأَن ذَلِك) انقسام الْمَعْلُول بِحَسب التَّفَاوُت
إِنَّمَا هُوَ فِي أَجزَاء الْعلَّة (فِي الْعِلَل المادية)
وَهِي الْأَجْسَام الَّتِي يتَوَلَّد مِنْهَا جسم كالحيوان
وَالشَّجر (وَعلة الْقيَاس) أَي الْعلَّة الْمُعْتَبرَة فِي
الْقيَاس لَيست مِنْهَا، بل هِيَ عِلّة (كالفاعلية) أَي كالعلة
المؤثرة فِي الْعِلَل الْعَقْلِيَّة بِاعْتِبَار التَّأْثِير،
وَإِن اخْتلفَا فِي كَيْفيَّة التَّأْثِير كَمَا عرفت، وَقد
تقرر أَن تَأْثِير الْعلَّة الفاعلية لَيْسَ بطرِيق التولد، بل
بإيجاد الله تَعَالَى إِيَّاه عقبه (وَقد جعل الشَّارِع الْملك
عِلّة للشفعة قَلِيله وَكَثِيره) بِالنّصب بَدَلا من الْملك
(فَجعل كل جُزْء من الْعلَّة) وَهِي ملك الشَّفِيع (عِلّة لجزء
من الْمَعْلُول) وَهُوَ مَا يسْتَحقّهُ الشَّفِيع بِالشُّفْعَة
حَتَّى يلْزم بِزِيَادَة الْأَجْزَاء فِي جَانب الْعلَّة
زيادتها فِي جَانب الْمَعْلُول (نصب الشَّرْع بِالرَّأْيِ) من
غير نَص أَو إِجْمَاع أَو قِيَاس، لِأَنَّهُ لَيْسَ من
ضَرُورَة جعل الْملك مُطلقًا عِلّة للاستحقاق. وَالْفرق بَين
الْقَلِيل مِنْهُ وَالْكثير، بل الْإِطْلَاق يُنَاسِبه
التَّسْوِيَة بَينهمَا، كَيفَ وَالْحكم فِيهِ دفع ضَرَر
الْجوَار، وضرر صَاحب الْقَلِيل مثل ضَرَر صَاحب الْكثير،
وَلَو نوقشي فِيهِ قُلْنَا: لَا يثبت الحكم بالتفرقة بِهَذَا
الْقدر الْمَشْكُوك فِي اعْتِبَاره عِنْد الشَّارِع مَعَ كَون
التَّسْوِيَة تناسب الْإِطْلَاق (وَلَو عجز) الْمُجْتَهد (عَن
التَّرْجِيح) لأحد القياسين (عمل بِأَيِّهِمَا شَاءَ
بِشَهَادَة قلبه) على مَا مر بَيَانه فِي فصل التَّعَارُض
(وَقَابَلُوا) أَي الْحَنَفِيَّة (أَرْبَعَة الصِّحَّة) أَي
الْوُجُوه الْأَرْبَعَة الصَّحِيحَة الْمَذْكُورَة للترجيح
(بأَرْبعَة) من وجوهه (فَاسِدَة) : أَحدهَا (التَّرْجِيح بِمَا
يصلح عِلّة مُسْتَقلَّة)
(4/95)
لِأَنَّهُ تَرْجِيح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة،
وَقد سبق فِي فصل التَّرْجِيح (و) الثَّانِي التَّرْجِيح
(بِغَلَبَة الْأَشْبَاه) أَي (كَون الْفَرْع لَهُ) أَي للفرع
(بِأَصْل أَو أصُول) مُتَعَلق بقوله (وُجُوه شبه) وَهُوَ
مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله لَهُ، وَالْجُمْلَة خبر الْكَوْن،
وَكلمَة أَو للتنويع لإِفَادَة أَن وُجُوه شبه الْفَرْع تَارَة
تكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى أصل وَاحِد وَتارَة بِالنِّسْبَةِ
إِلَى أصُول (فَلَا يتَرَجَّح) الْقيَاس الْمُشْتَمل على فرع
ذِي وُجُوه (على مَا) أَي على الْقيَاس الَّذِي (لَهُ) أَي
لفرعه (بِهِ) أَي بِأَصْل (شبه) وَاحِد (و) نقل (عَن كثير من
الشَّافِعِيَّة، نعم) يرجح مَاله وُجُوه شبه على مَاله شبه
وَاحِد، وَنَقله صَاحب القواطع عَن نَص الشَّافِعِي، لِأَن
الْقيَاس إِنَّمَا جعل حجَّة لإِفَادَة الظَّن، وَهُوَ يزْدَاد
عِنْده كَثْرَة الْأَشْبَاه كَمَا عِنْد كَثْرَة الْأُصُول،
وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يتَرَجَّح (لِأَنَّهَا) أَي
الْأَشْبَاه (تعدد أَوْصَاف) فَكل شبه وصف على حِدة يصلح عِلّة
(فترجع) الْأَشْبَاه الَّتِي هِيَ فِي الْحَقِيقَة تعدد
الْأَوْصَاف (إِلَى تعدد الأقيسة) فَإنَّك إِذا قصدت إِلْحَاق
الْفَرْع بِالْأَصْلِ بِاعْتِبَار كل شبه هُوَ وصف صَالح
للعلية حصل بذلك الِاعْتِبَار قِيَاس على حِدة، فالترجيح بهَا
تَرْجِيح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة وَهُوَ غير جَائِز، وَفِيه
أَنه يجوز أَن لَا يصلح كل وَاحِد من تِلْكَ الْأَشْبَاه
للاستقلال، وَلَكِن بِسَبَبِهَا يحصل للفرع زِيَادَة مُنَاسبَة
بِالْأَصْلِ (بِخِلَاف تعدد الْأُصُول) فَإِن التَّرْجِيح بهَا
لَيْسَ بِكَثْرَة الْأَدِلَّة (لِاتِّحَاد الْوَصْف) فِيهَا
(وكل أصل يشْهد بِصِحَّتِهِ) أَي الْوَصْف من حَيْثُ أَنه
عِلّة لوُجُوده مَعَ الحكم فِي جَمِيع تِلْكَ الْأُصُول
(فَيُوجب ثبات الحكم عَلَيْهِ) أَي على ذَلِك الْوَصْف وترتبه
عَلَيْهِ (وَاعْلَم أَن كَثْرَة الْأُصُول) تكون (بوحدة
الْوَصْف) الَّذِي هُوَ عِلّة الحكم بِأَن يتَحَقَّق فِي الْكل
وصف وَاحِد صَالح للعلية، فَلم يتَحَقَّق هَهُنَا كَثْرَة
الْأَدِلَّة لَهُ، لِأَن مدَار الدَّلِيل هُوَ الْوَصْف وَهُوَ
وَاحِد (وَهُوَ) أَي هَذَا الْقسم (مَحل التَّرْجِيح) أَي مَا
يقوم بِهِ المرجحية فَهُوَ الْمُرَجح (و) يكون (مَعَ تعدده)
أَي الْوَصْف (واتحاد الحكم) بِأَن تكون أَوْصَاف مُتَغَايِرَة
متحققة فِي أصُول مُخْتَلفَة مجتمعة فِي فرع وَاحِد يصلح كل
وَاحِد مِنْهَا عِلّة للْحكم الْوَاحِد الَّذِي قصد اثباته فِي
ذَلِك الْفَرْع (وَهِي) أَي كَثْرَة الْأُصُول (حِينَئِذٍ) أَي
حِين تعدد الْوَصْف واتحد الحكم بِاعْتِبَار مَا يستنبط
مِنْهَا (أقيسة متماثلة) لاتحادها من حَيْثُ الحكم (لَا
تَرْجِيح) لوَاحِد من تِلْكَ الأقيسة لكَونه مَقْرُونا
(مَعهَا) أَي مَعَ كَثْرَة الْأُصُول، لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ
أَدِلَّة متكثرة وَلَا تَرْجِيح بهَا (و) يكون (مَعَ تعدده)
أَي الْوَصْف حَال كَونهَا (متباينة متعارضة، وَهِي الَّتِي
يجب فِيهَا التَّرْجِيح) وَالتَّرْجِيح بِغَلَبَة الْأَشْبَاه
(كَمَا لَو قيل: الْأَخ كالأبوين فِي الْمَحْرَمِيَّة وَابْن
الْعم) أَي وكابن الْعم (فِي حل الحليلة) أَي فِي أَنه يحل
لِابْنِ الْعم أَن ينْكح زَوجته ابْن عَمه بعده (وَالزَّكَاة
وَالشَّهَادَة وَالْقصاص من الطَّرفَيْنِ) أَي وَفِي حل
زَكَاته لَهُ، وَفِي
(4/96)
حل شَهَادَته لَهُ، وَفِي حل الْقصاص من
الطَّرفَيْنِ بِأَن يقْتَصّ لكل وَاحِد مِنْهُمَا من الآخر،
وَإِنَّمَا قَالَ من الطَّرفَيْنِ لِأَن الْقصاص بَين
الْوَالِد والمولود مَوْجُود من أحد الطَّرفَيْنِ، فَإِن
الْمَوْلُود يقتل بِأَبِيهِ دون الْعَكْس (فيرجح الحاقه) أَي
الْأَخ (بِهِ) أَي بِابْن الْعم، فَلَا يعْتق بِملكه إِيَّاه
كَمَا لَا يعْتق ابْن الْعم بِملكه إِيَّاه، لِأَن شبه الْأَخ
بِهِ أَكثر من شبهه بالأبوين (فَيمْنَع) تَرْجِيح الحاق الْأَخ
بِابْن الْعم بِكَثْرَة الْأَشْبَاه (بِأَنَّهُ) أَي
التَّرْجِيح بهَا (بمستقل) أَي تَرْجِيح بِوَصْف مُسْتَقل
(إِذْ كل) من وُجُوه الشّبَه (يسْتَقلّ) وَصفا (جَامعا) بَين
الْأَخ وَابْن الْعم فِي الحكم وَلَا تَرْجِيح بمستقل (و)
الثَّالِث التَّرْجِيح (بِزِيَادَة التَّعْدِيَة) أَي بِكَوْن
إِحْدَى العلتين أَكثر تَعديَة بِأَن تتعدى إِلَى فروع أَكثر
من الْأُخْرَى (كترجيح الطّعْم) أَي التَّعْلِيل بِهِ لحُرْمَة
الرِّبَا فِي الْمَنْصُوص على التَّعْلِيل بِالْكَيْلِ
وَالْجِنْس (لتعديه) أَي الطّعْم (إِلَى الْقَلِيل) كَمَا
إِلَى الْكثير، فَيحرم بيع تفاحة بتفاحتين، وَتَمْرَة بتمرتين
(دون الْكَيْل) فَإِنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَى الْقَلِيل
الَّذِي هُوَ نصف صَاع على مَا قَالُوا، كَذَا ذكره الشَّارِح
(وَلَا أثر لَهُ) أَي لكَونهَا أَكثر تَعديَة (بل) الْأَثر
(لدلَالَة الدَّلِيل) أَي لقُوَّة دلَالَته (على الْوَصْف)
بِاعْتِبَار تَأْثِيره فِي الحكم قلت: محاله أَو كثير، وَلَا
يظْهر صِحَّته، بل تَعْلِيله لانْتِفَاء الحكم يدل على أَن
ثُبُوت مضمونها مُعَلل بِلُزُوم التحكم على تَقْدِير تحقق نقيض
مضمونها، فَالْوَجْه أَن يُقَال أَنه اسْتِئْنَاف كَلَام
تَقْرِير بِكَسْر الْهمزَة فِي أَنه بِمَنْزِلَة
الِاسْتِثْنَاء مِمَّا سبق: من أَنه لَا يثبت الْقيَاس الْعلية
والشرطية، وَقد يُقَال الحكم الْمَذْكُور كَمَا يسْتَلْزم عدم
إِثْبَات الحكم الابتدائي كَذَلِك يسْتَلْزم اثباته الْعلية
والشرطية والوصفية عِنْد ثُبُوت مناطها، لِأَن تَعديَة الحكم
إِنَّمَا تُوجد بِسَبَب وجود المناط وَالْأَصْل وَالْفرع:
فَإِذا وجد ذَلِك لَا فرق بَين أَن يكون الْهدى خطاب
الِاقْتِضَاء والتخيير، أَو خطاب الْوَضع، فَإِن الْكل
أَحْكَام شَرْعِيَّة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله لانْتِفَاء
الحكم (و) رَابِعهَا الترجيج (بالبساطة) أَي بِكَوْن إِحْدَى
العلتين وَصفا لَا جُزْء لَهَا على الْأُخْرَى ذَات أَجزَاء
لسُهُولَة إِثْبَاتهَا والاتفاق على صِحَّتهَا (كالطعم على
الْكَيْل وَالْجِنْس) لتركب الْكَيْل وَالْجِنْس دون الطّعْم
(وَلَا أثر لَهُ) أَي لكَونه بسيطا، بل بِقُوَّة الدَّلِيل
(كَمَا ذكرنَا) .
مسئلة
(حكم الْقيَاس) أَي مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من ثَمَرَته
(الثُّبُوت) أَي ثُبُوت حكم الأَصْل (فِي الْفَرْع وَهُوَ) أَي
الثُّبُوت فِيهِ (التَّعْدِيَة الاصطلاحية) فَلَا يرد أَن
الْحمل غير صَحِيح، لِأَن التَّعْدِيَة صفة
(4/97)
القائس، أَو الْجَامِع، أَو الحكم لَكِن
غير الثُّبُوت فِيهِ، وَلِأَن الْمَوْجُود فِي الأَصْل من
الأَصْل وَالْحكم لَا يتَعَدَّى إِلَى الْفَرْع، بل الْكَائِن
فِيهِ نظر مَا فِي الأَصْل (فَلَزِمَهُ) أَي الْقيَاس (أَن لَا
يثبت الحكم ابْتِدَاء) لِأَن التَّعْدِيَة وَإِن كَانَت
اصطلاحية لَكِن لَا بُد فِيهَا من تحقق مَا يعبر بِهِ عَنهُ
بِالتَّعَدِّي من ثُبُوت الحكم فِي الْفَرْع بطرِيق
الْإِلْحَاق لَهُ بِالْأَصْلِ لما بَينهمَا من الْجَامِع:
وَهَذَا يُنَافِي ثُبُوته ابْتِدَاء (كإباحة الرَّكْعَة)
الْوَاحِدَة (وَحُرْمَة الْمَدِينَة) على ساكنها وعَلى سَائِر
الْأَنْبِيَاء أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام بِأَن يكون لَهَا
حرم كحرم مَكَّة فِي الْأَحْكَام الْمَعْرُوفَة وهما مثالان
للْحكم الثَّابِت ابْتِدَاء (أَو وَصفه) أَي الحكم مَعْطُوف
على الحكم: أَي لزمَه أَن لَا يثبت وصف الحكم أَيْضا ابْتِدَاء
(كصفة الْوتر) من الْوُجُوب والاستنان (بعد مشروعيته) أَي
الْوتر بِالنَّصِّ الدَّال على كَونه مَطْلُوبا على وَجه
يحْتَمل الْوُجُوب وَالنَّدْب، فمطلوبيته من الْمُكَلف حكم
شَرْعِي وَكَونه سنة أَو وَاجِبا كَيْفيَّة لَهَا، وَثُبُوت
هَذِه الْكَيْفِيَّة يحْتَاج إِلَى اجْتِهَاد، وَإِنَّمَا لم
يثبت بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاء (لانْتِفَاء الأَصْل وَالْفرع)
عِنْد الثُّبُوت ابْتِدَاء وَالْقِيَاس لَا يتَحَقَّق بدونهما،
وَلما بَين أَن خطاب الِاقْتِضَاء لَا يثبت ابْتِدَاء
بِالْقِيَاسِ أَفَادَ أَن خطاب الْوَضع كَذَلِك بقوله
(وَكَذَا) لزمَه أَن لَا يثبت (الشّرطِيَّة والعلية ككون
الْجِنْس فَقَط) بِأَن يكون البدلان من جنس وَاحِد من غير أَن
يَكُونَا مكيلين أَو موزونين (يحرم النِّسَاء) أَي البيع
نَسِيئَة (إِلَّا) أَي لَكِن يثبت كل مِنْهُمَا (بِالنَّصِّ
دلَالَة وَغَيرهَا) أَي عبارَة أَو إِشَارَة أَو اقْتِضَاء،
فَإِن الثَّابِت بِهَذِهِ ثَابت بِالنَّصِّ كَمَا عرف
(وَكَذَا) لزمَه أَن لَا يثبت (صفة السّوم) أَي اشْتِرَاط صفة
هِيَ السّوم فِي نصب الْأَنْعَام فِي وجوب زَكَاتهَا (والحل)
أَي وَكَذَا لزم أَن لَا يثبت اشْتِرَاط صفة الْحل (للْوَطْء
الْمُوجب حُرْمَة الْمُصَاهَرَة) فِي ثُبُوت حرمتهَا من
الْجَانِبَيْنِ (وشرطية التَّسْمِيَة) أَي وَكَذَا لزمَه أَن
لَا يثبت اشْتِرَاط ذكر اسْم الله تَعَالَى على الْمَذْبُوح
(للْحلّ) أَي لِحلِّهِ (و) كَذَا لزمَه أَن لَا يثبت اشْتِرَاط
(وَصفِيَّة شَرط النِّكَاح) أَي موصوفية الشَّهَادَة الَّتِي
هِيَ شَرط النِّكَاح (بِالْعَدَالَةِ) وَالْعَدَالَة وصف الحكم
الَّذِي هُوَ الشَّهَادَة من تعين أَنَّهَا شَرط، لِأَن كَون
الشَّيْء شرطا فِي خطاب الْوَضع، وَالْعَدَالَة فِي
الْحَقِيقَة وصف مُتَعَلق الحكم فَافْهَم: وَلذَا نَص
أَصْحَابنَا على أَن كَون الْجِنْس وَحده محرما للنسيئة،
وَاشْتِرَاط السّوم فِي النصب، وَالذكر على الذَّبِيحَة
إِنَّمَا هِيَ بالنصوص وَالشَّافِعِيَّة على أَن إِبَاحَة
الرَّكْعَة الْوَاحِدَة وَكَون الْمَدِينَة حرما وَاشْتِرَاط
الْحل فِي حُرْمَة الْمُصَاهَرَة وَالْعَدَالَة والذكورة فِي
شُهُود النِّكَاح إِنَّمَا هِيَ بالنصوص، فَلَو أثبت
بِالْقِيَاسِ شَيْء مِنْهَا ابْتِدَاء للَزِمَ نصب الشَّرْع
أَو إِبْطَاله أَو نسخه بِالرَّأْيِ وَلَا يخفى عَلَيْك أَن
قَوْلهم بِالْقِيَاسِ وَقَوْلهمْ ابْتِدَاء بَينهمَا تدافع
ثمَّ أَن النّسخ إِنَّمَا يلْزم فِي إِثْبَات الشَّرْط، لِأَن
الحكم بِدُونِ ذَلِك قد كَانَ شروعا، وَبعد الِاشْتِرَاط
(4/98)
أبطل (وَأَنه لَو ثَبت) بِنَصّ أَو
إِجْمَاع (منَاط علية أَمر) بِشَيْء (أَو) منَاط (شرطيته) أَي
أَمر بِشَيْء (أَو) ثَبت منَاط (وصفهما) أَي وصف علية أَو
شَرطه (فِي غَيره) أَي غير ذَلِك الْأَمر الثَّابِت منَاط
عليته أَو شرطيته وَغير ذَلِك الْوَصْف، يَعْنِي وصف آخر،
فالظرف مُتَعَلق يثبت، وَجَوَاب لَو قَوْله (كَانَ) ذَلِك
الْغَيْر (فِي مثله) أَي مثل ذَلِك الشَّيْء الَّذِي ثَبت
منَاط علية علته إِلَى آخِره (عِلّة وشرطا) لتحَقّق المناط
فِيهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لانْتِفَاء التحكم) يَعْنِي
لَو لم يَجْعَل ذَلِك الْغَيْر عِلّة أَو شرطا أَو وَصفا
للَزِمَ التحكم لمساواة الْغَيْر الْمَذْكُور لذَلِك الْأَمر
فِيمَا يُوجب الْعلية أَو الشّرطِيَّة، والتحكم بَاطِل
مُنْتَفٍ وَلَا يخفى عَلَيْك أَن مُقْتَضى عطف قَوْله وَأَنه
لَو ثَبت إِلَى آخِره على قَوْله أَن لَا يثبت كَمَا هُوَ
الْمُتَبَادر، ومختار الشَّارِح لزم مَضْمُون هَذِه
الشّرطِيَّة حكم الْقيَاس الْمَذْكُور، وَلَا تظهر صِحَّته بل
تَعْلِيله لانْتِفَاء التحكم يدل على أَن ثُبُوت مضمونها
مُعَلل بِلُزُوم التحكم على تَقْدِير تحكم تحقق نقيض مضمونها:
فَالْوَجْه أَن يُقَال أَنه اسْتِئْنَاف كَلَام تقريري بِكَسْر
الْهمزَة فِي أَنه بِمَنْزِلَة الِاسْتِثْنَاء مِمَّا سبق، من
أَنه لَا يثبت الْقيَاس الْعلية والشرطية، وَقد يُقَال الحكم
الْمَذْكُور كَمَا يسْتَلْزم عدم إِثْبَات الْقيَاس الحكم
كَذَلِك يسْتَلْزم إثْبَاته الْعلية والوصفية والشرطية عِنْد
ثُبُوت مناطها، لِأَن تَعديَة الحكم إِنَّمَا لزمَه بِسَبَب
وجود المناط وَالْأَصْل وَالْفرع فَإِذا وجد ذَلِك لَا فرق
بَين أَن يكون المعدى خطاب الِاقْتِضَاء والتخيير، أَو خطاب
الْوَضع، فَإِن الْكل أَحْكَام شَرْعِيَّة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ
بقوله لانْتِفَاء التحكم (وَالْخلاف فِي المذهبين) الْحَنَفِيّ
وَالشَّافِعِيّ (شهير) أَي مَشْهُور (فِيهِ) أَي فِي هَذَا
الْأَخير المفاد بقوله وَأَنه لَو ثَبت إِلَى آخِره (ففخر
الْإِسْلَام وَأَتْبَاعه) وَصدر الشَّرِيعَة (وَصَاحب
الْمِيزَان وَطَائِفَة من الشَّافِعِيَّة) قَالُوا (نعم) لَو
ثَبت إِلَى آخِره كَانَ عِلّة وشرطا (وَوجد) مَضْمُون الشَّرْط
مُرَتبا عَلَيْهِ الْجَزَاء (وَهُوَ) أَي ذَلِك الْمَوْجُود
(الْخلاف فِي اشْتِرَاط التَّقَابُض) بِحَذْف الْمُضَاف،
وَالتَّقْدِير هُوَ مَبْنِيّ الْخلاف إِلَى آخِره، لِأَن كلا
من الْمُخَالفين يحْتَج فِي الِاشْتِرَاط وجودا وعدما بالموجود
(فِي بيع الطَّعَام) مُتَعَلق بِاشْتِرَاط التَّقَابُض
(بِالطَّعَامِ الْمعِين) اكْتفى بتقييد الثَّانِي
بِالتَّعْيِينِ، فَإِن المُرَاد بِالتَّعْيِينِ تعْيين كل
مِنْهُمَا (لِأَنَّهُ وجد لإثباته) أَي إِثْبَات التَّقَابُض
فِي هَذَا البيع كَمَا هُوَ مَذْهَبنَا (أصل هُوَ الصّرْف)
فَإِن التَّقَابُض اشْترط فِيهِ (بِجَامِع أَنَّهُمَا) أَي
الْبَدَلَيْنِ فِي كل وَاحِد من بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ
وَبيع أحد الحجرين بِأحد الحجرين (مَا لِأَن يجْرِي فيهمَا
رَبًّا الْفضل) فِيمَا إِذا تَسَاويا فِي الْجِنْس وَالْقدر
(و) وجد (لنفيه) أَي لعدم اشْتِرَاط التَّقَابُض فِيمَا ذكر
كَمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي (أصل) هُوَ (بيع سَائِر
السّلع) مِمَّا لَا يجْرِي فِيهِ رَبًّا الْفضل (بِمِثْلِهَا
أَو بِالدَّرَاهِمِ) فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فيهمَا التَّقَابُض
(وَقيل لَا) أَي يثبت الْعلية والشرطية بِمَا ذكر، وَهُوَ قَول
كثير من الْحَنَفِيَّة
(4/99)
كَالْقَاضِي أبي زيد وشمس الْأَئِمَّة
السَّرخسِيّ، وَمن الشَّافِعِيَّة كالآمدي والبيضاوي.
وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب الْمَالِكِي (لِأَنَّهُ لم يثبت
كَذَلِك) أَي لم يثبت علية أَمر أَو شرطيته بِسَبَب تحقق منَاط
أَحدهمَا فِيهِ معنى لم يتَحَقَّق فِي الشَّرْع اعْتِبَار
ذَلِك بِأَن يثبت مَحل فِيهِ وصف اعْتبر عليته أَو شرطيته
بِسَبَب تحقق منَاط أَحدهمَا فِيهِ، يَعْنِي لم يتَحَقَّق فِي
الشَّرْع اعْتِبَار ذَلِك بِأَن يثبت مَحل فِيهِ وصف اعْتبر
عليته أَو شرطيته مُعَللا باشتماله على الْحِكْمَة الَّتِي
اشْتَمَل عَلَيْهَا الْوَصْف الثَّابِت عليته لعدم انضباط
الْحِكْمَة وتغاير الوصفين، وَجَوَاز عدم حُصُول الْمِقْدَار
الْمُعْتَبر شرعا من تِلْكَ الْحِكْمَة بِالْوَصْفِ الثَّانِي
(قيل وَلَو ثَبت) مَا ذكر من الْعلية والشرطية لوصف غير
الْوَصْف الْمُعْتَبر فِيهِ أَحدهمَا شرعا لاشْتِرَاكهمَا فِي
المناط للْحكم (كَانَ السَّبَب) أَي الْعلَّة أَو الشَّرْط
للْحكم (ذَلِك المناط الْمُشْتَرك بَينهمَا) لَا الْوَصْف
الأول بِخُصُوصِهِ (إِن انضبط) ذَلِك المناط وَكَانَ ظَاهرا
فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون بِمَنْزِلَة قَول الشَّارِع: كلما
تحقق فِيهِ هَذَا المناط كَانَ عِلّة أَو شرطا، فَكل من
الوصفين ينْدَرج تَحْتَهُ اندراجا أوليا من غير سبق أَحدهمَا
والحاق الآخر بِهِ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يَنْضَبِط أَو لم
يظْهر (فمظنته) أَي فالسبب مظنته: أَي بِالْوَصْفِ الظَّاهِر
المنضبط الَّذِي نيط ذَلِك المناط بِهِ (إِن كَانَ) أَي وجد
ذَلِك الْوَصْف وأيا مَا كَانَ فقد اتَّحد السَّبَب فَلَا
قِيَاس (وَمَا يخال) أَي يظنّ (أصلا وفرعا) من الوصفين
الْمَذْكُورين فهما (فرداه) أَي المناط الْمَذْكُور (كَمَا لَو
ثَبت عَلَيْهِ الوقاع) عمدا من الصَّحِيح الْمُقِيم فِي نَهَار
رَمَضَان (لِلْكَفَّارَةِ لاشْتِمَاله على الْجِنَايَة
المتكاملة على صَوْم رَمَضَان) وَهِي هتك حرمته (فَهِيَ) أَي
الْجِنَايَة الْمَذْكُورَة (الْعلَّة) لِلْكَفَّارَةِ (وكل من
الْأكل) وَالشرب (وَالْجِمَاع) عمدا بِلَا عذر مُبِيح (صور
وجوده) أَي وجود الْمَعْنى الَّذِي هُوَ الْعلَّة، وَهِي
الْجِنَايَة المتكاملة على صَوْم رَمَضَان (وكعلية الْقَتْل
بالمثقل) للْقصَاص قِيَاسا على الْقَتْل بِالسَّيْفِ بِحَذْف
الْمُضَاف (عَلَيْهِ) أَي على علية الْقَتْل (بِالسَّيْفِ
لَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّمَا يخال فِيهِ أصلا وفرعا من
القتلين فَردا منَاط عِلّة الْقصاص، إِذْ ثَبت أَنَّهَا: أَي
عِلّة الْقصاص الْقَتْل الْعمد الْعدوان (فالمثقل) أَي فالقتل
بِهِ (من محاله) أَي منَاط الْقصاص كَمَا أَن الْقَتْل
بِالسَّيْفِ مِنْهَا فَإِن قلت: الْمُدَّعِي الفردية،
وَالدَّلِيل مُفِيد الْمَحَلِّيَّة قلت: المُرَاد محلية
الْفَرد للمفهوم الْكُلِّي على سَبِيل الِاسْتِعَارَة، إِذْ
لَا وجود للطبيعة بِدُونِ الْفَرد كَمَا لَا وجود للْحَال
بِدُونِ الْمحل (وَقد يخال) أَي يظنّ (عدم التوارد) أَي عدم
توارد النَّفْي وَالْإِثْبَات فِي الخلافية الْمَذْكُورَة على
مَحل وَاحِد. ثمَّ بَين مورد الْإِثْبَات بقوله (فَالْأول) أَي
القَوْل بِجَوَاز التَّعْدِيَة فِي الْعلية مَعْنَاهُ (تعدِي
علية) الْوَصْف (الْوَاحِد لشَيْء) أَي لحكمه (إِلَى شَيْء
آخر) صلَة التَّعَدِّي، فالمتعدي إِلَيْهِ وصف آخر فَيصير
عِلّة للْحكم الْمُعَلل بِالْوَصْفِ الأول، فتتعدد الْعلَّة
لَا الحكم
(4/100)
(وَالثَّانِي) أَي القَوْل بِعَدَمِ جَوَاز
التَّعْدِيَة فِي الْعلية مَعْنَاهُ (تعدِي عليته) أَي تعدِي
علية الْوَصْف الْوَاحِد (إِلَى) وصف (آخر) تعديه (لآخر) أَي
لأجل إِثْبَات حكم آخر غير الحكم الْمُعَلل بِالْوَصْفِ الأول
فَحِينَئِذٍ تَتَعَدَّد الْعلَّة وَالْحكم. قَالَ الشَّارِح
كَون معنى الأول مَا ذكر ظَاهر، وَأما أَن معنى الثَّانِي مَا
ذكر فَلَا، بل كل من الْعلَّة وَالْحكم مُتحد للاتحاد فِي
النَّوْع وَلَا يضرّهُ التغاير بِحَسب الشَّخْص انْتهى.
وَأَنت خَبِير بِأَن الِاتِّحَاد فِي الْعلَّة مُنْتَفٍ
بِاتِّفَاق الْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّهُ لَا وَجه حِينَئِذٍ
للنزاع فِي تعدِي الْعلية اثباتا أَو نفيا وَأَيْضًا يرد
عَلَيْهِ أَنه كَيفَ يسلم التَّعَدُّد فِي الْعلَّة فِي الأول
مَعَ الِاتِّحَاد فِي النَّوْع، وَأما تعدد الحكم فِي
الثَّانِي فَهُوَ أَمر مَبْنِيّ على تحقق ذَلِك الْمَذْهَب
(وَمِمَّنْ أنكرهُ) أَي جَرَيَان الْقيَاس فِي الْعلَّة (من
اعْترف بِقِيَاس أَنْت حرَام) لإِثْبَات الطَّلَاق الْبَائِن
(على طَالِق بَائِن، وَهُوَ) أَي الْقيَاس الْمَذْكُور قِيَاس
(فِي السَّبَب) أَي الْعلَّة، فقد نَاقض فعله قَوْله (وَقيل
لَا خلاف فِي هَذَا) أَي فِي جَوَاز التَّعْلِيل لتعدية
الْعلَّة من وصف إِلَى وصف آخر مشارك للْأولِ فِي الاشتمال على
مناطها، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ من إِثْبَات
الْعلَّة بِالْقِيَاسِ، لِأَن الْعلَّة حَقِيقَة هُوَ المناط
الْمُشْتَرك بَينهمَا، وَقد مر آنِفا (بل) الْخلاف (فِيمَا
إِذا كَانَت) علية الْوَصْف للْحكم (لمُجَرّد مناسبتها) أَي
الْعلَّة الَّتِي هِيَ الْوَصْف الْمَذْكُور الحكم الْمَطْلُوب
إثْبَاته فِي الْفَرْع: أَي فِي الْمحل الَّذِي أُرِيد
إثْبَاته فِيهِ، سمي فرعا لمشاركته الْفَرْع فِي عدم وُرُود
النَّص فِيهِ، فَجعل لمُجَرّد هَذِه الْمُنَاسبَة
الْعَقْلِيَّة عِلّة للْحكم ليحصل فِي ذَلِك الْفَرْع من غير
أَن يتَحَقَّق فِي الْوَصْف منَاط الْعلية (وَلَيْسَ لَهُ) أَي
لذَلِك الْوَصْف الْمُنَاسب (مَحل آخر) تحققت فِيهِ عليته
لذَلِك الحكم، لِأَنَّهُ لَو تحقق فِي مَحل آخر مَعَ ذَلِك
الحكم مؤثرا فِيهِ بِاعْتِبَار الشَّارِع على مَا مر بَيَانه
لما بَقِي فِيهِ للْخلاف مجَال، وَلم يتَوَهَّم فِيهِ
التَّعْلِيل لإِثْبَات عليته، لِأَن ذَلِك الْوَصْف
الْمَوْجُود فِي الْفَرْع حِينَئِذٍ عين الْوَصْف الْمَوْجُود
فِي الأَصْل وَلَيْسَ كلامنا فِيهِ (لأَنا إِنَّمَا نثبت) على
تَقْدِير إِثْبَات الْعلية بِمُجَرَّد الْمُنَاسبَة
(سَبَبِيَّة) وصف (آخر) مُغَاير للوصف الْمَذْكُور مُعْتَبر
علية للْحكم فِي أصل ليحصل اعْتِدَاد بشأن هَذَا الْوَصْف،
وَلما رَأَوْا وَصفا اعْتبر عليته لحكم فِي مَحل ووصفا آخر فِي
مَحل آخر مُنَاسِب لذَلِك الحكم فَأثْبت بِهِ فِي هَذَا
الْمحل، زَعَمُوا أَنه عدى الْعلية من الأول إِلَى الثَّانِي
قِيَاسا وَلم يدروا أَنَّهُمَا لم يشتركا فِي منَاط لتمكن
الْقيَاس الْمَوْجُود فِي الأَصْل عِلّة للْحكم (فَلَيْسَ
ذَلِك) مَا ثَبت سَبَبِيَّة بِمُجَرَّد الْمُنَاسبَة (إِلَّا
الْمُرْسل) وَقد مر تَفْسِيره، فَيجوز عِنْد من يَقُول
بِصِحَّة التَّعْلِيل بِهِ، وَلَا يجوز عِنْد من يشْتَرط
التَّأْثِير والملاءمة (وَهَذَا) أَي التَّعْلِيل بالمرسل
إِنَّمَا يَصح (على) قَول (الشَّافِعِيَّة: أما مَا تقدم
للحنفية فِي سببيته) أَي سَبَبِيَّة وصف
(4/101)
مَوْجُود مَعَ حكم ككون الْبَدَل مَا لَا
يجرى فِيهِ رَبًّا الْفضل مَعَ اشْتِرَاط التَّقَابُض فِي
الصّرْف (بِعَيْنِه لآخر) أَي لحكم آخر كاشتراط التَّقَابُض
فِي بيع طَعَام معِين بِطَعَام معِين إِذا قصد إِثْبَات هَذَا
الِاشْتِرَاط بذلك الْوَصْف بِعَيْنِه (فَيَنْبَغِي كَونه) أَي
الْوَصْف الْمَذْكُور (الْغَرِيب من الْأَقْسَام الأول)
للمناسب، وَهُوَ الْمُؤثر، والملائم، والغريب، والمرسل على مَا
سبق، فَإِن الْغَرِيب وصف وجد مَعَ الحكم فِي الأَصْل من غير
اعْتِبَار عينه أَو جنسه فِي عين الحكم أَو جنسه من الشَّارِع
(لوُجُود أَصله) أَي أصل الْوَصْف الْمَذْكُور كالصرف
الْمَوْجُود فِيهِ الْكَوْن الْمَذْكُور مَعَ اشْتِرَاط
التَّقَابُض، وَوُجُود الأَصْل هُوَ الْفَارِق بَين الْمُرْسل
والغريب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ كَانَت سببيته لشَيْء
ثَابِتَة شرعا) بِاعْتِبَار وجوده مَعَ الحكم فِي الأَصْل
كَمَا أَفَادَ بقوله (وَهُوَ) أَي ثُبُوته شرعا (الْعين) أَي
وجود الْعين، يَعْنِي عين الْوَصْف (مَعَ الْعين فِي الْمحل)
أَي مَعَ عين الحكم فِي الأَصْل كَمَا أَفَادَ بقوله كَمَا
بَينا (لَكِن لَا يشْهد لَهُ أصل بِالِاعْتِبَارِ) اسْتِدْرَاك
لدفع توهم نَاشِئ من ثُبُوت سببيته شرعا وَثُبُوت الْعين مَعَ
الْعين وَحَاصِله أَنه لَيْسَ فِي الْغَرِيب سوى الْعين مَعَ
الْعين، وبمجرد هَذَا لَا تثبت الْعلية، بل لَا بُد من
اعْتِبَار الشَّارِع علية الْوَصْف أَو جنسه فِي عين الحكم أَو
جنسه فِي بعض الْموَاد، فَتلك الْمَادَّة أصل يشْهد
بِاعْتِبَار الشَّارِع عليته (وَكَانَ الظَّاهِر اتِّفَاقهم)
أَي الْحَنَفِيَّة (على مَنعه) أَي منع هَذَا الْقسم
الْمُسَمّى بالغريب (لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الإخالة) وَهِي على
مَا مر من إبداء الْمُنَاسبَة بَين الأَصْل وَالْوَصْف
بملاحظتهما (إِن لم يكنها) أَي إِن لم يكن عين الإخالة،
وَهَذِه الْعبارَة بظاهرها تفِيد الشَّك فِي كَونه إخالة،
وَلَعَلَّ الشَّك بِسَبَب أَن الإبداء الْمَذْكُور لَا
يسْتَلْزم وجود الْعين مَعَ الْعين، ثمَّ إِن الإخالة وَمَا
هُوَ فِي منزلتها غير مُعْتَبر عِنْد الْحَنَفِيَّة لاشتراطهم
التَّأْثِير فِي ثُبُوت الْعلية على مَا سبق (لَكِن الْخلاف)
فِي هَذَا ثَابت (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة (وَلَو سلم عدم
الْإِرْسَال) مُرْتَبِط بقوله فَلَيْسَ إِلَّا الْمُرْسل وَمَا
بَينهمَا تقريبي، وَهُوَ بحث بطرِيق التنزل، يَعْنِي وَلَو فرض
أَن الْوَصْف الْمَذْكُور مُنَاسِب لَيْسَ بمرسل أبطلنا كَون
التَّعْلِيل بِهِ إِثْبَاتًا للعلية بِالْقِيَاسِ، إِذْ (لَا
يتَصَوَّر ذَلِك) أَي إِثْبَاتهَا بِهِ على ذَلِك التَّقْدِير
أَيْضا كَمَا لَا يتَصَوَّر على تَقْدِير الْإِرْسَال (لِأَن
الْوَصْف الأَصْل) أَي مَعَ الْمَوْجُود مَعَ الحكم فِي
الأَصْل (أَن تثبت عليته بِمُجَرَّد الْمُنَاسبَة عِنْد من
يَقُول بِهِ) أَي بثبوتها بِمُجَرَّد الْمُنَاسبَة (فَإِذا
وجدت) تِلْكَ (الْمُنَاسبَة فِي) وصف (آخر كَانَ) ذَلِك الآخر
(عِلّة بطرِيق الْأَصَالَة) لِأَن الْعلَّة فِي الْحَقِيقَة
إِنَّمَا هِيَ تِلْكَ الْمُنَاسبَة، وَالْوَصْف الثَّانِي مثل
الأول فِيهَا كَمَا سيشير إِلَيْهِ (لَا) أَن علية الثَّانِي
(بالإلحاق بِالْأولِ لاستقلالها) أَي الْمُنَاسبَة
(بِإِثْبَات) علية (مَا تحققت) تِلْكَ الْمُنَاسبَة (فِيهِ)
وَقد تحققت بِعَينهَا فِي الْوَصْف الثَّانِي، غَايَة الْأَمر
وجودهَا فِي الأَصْل فِي ضمن الْوَصْف الأول لَا الثَّانِي،
(4/102)
وَهَذَا الْفرق لَا يصحح الْإِلْحَاق
(وَإِن ثبتَتْ) علية الأول (بِالنَّصِّ ثمَّ عقلت مناسبتها)
أَي مُنَاسبَة تِلْكَ الْعلَّة للْحكم (وَوجدت) تِلْكَ
الْمُنَاسبَة (فِيمَا) أَي فِي وصف (لم ينص عَلَيْهِ) أَي على
عليته (فَكَذَلِك) أَي كَانَ مَا لم ينص عَلَيْهِ عِلّة بطرِيق
الْأَصَالَة (للاستقلال) أَي استقال الْمُنَاسبَة بِإِثْبَات
علية مَا تحققت فِيهِ (وَحَاصِله) أَي هَذَا التَّعْلِيل
(حِينَئِذٍ ثُبُوت علية وصف بِالنَّصِّ. و) ثُبُوت علية وصف
(آخر بالمناسبة) الَّتِي كَانَ علية الأول باعتبارها، وَلَا
يَنْبَغِي أَن يَقع فِي مثله خلاف فَتَأمل. (فَالْوَجْه أَن
يقصر الْخلاف على مثل حمل عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَهُوَ) أَي الضَّابِط فِي مثل حمله: يَعْنِي قِيَاسه (أَن ينص
على عِلّة منضبطة بِنَفسِهَا) لَا بِمَا يُقَام مقَامهَا
(فَيلْحق بهَا) أَي بِتِلْكَ الْعلَّة (مَا تصلح) أَن تكون
(مَظَنَّة لَهَا) أَي لتِلْك الْعلَّة (فَيثبت مَعهَا) أَي
مَعَ المظنة (حكم المنصوصة كَمَا ألحق) عَليّ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ (الشّرْب) أَي شرب الْخمر (بِالْقَذْفِ) فِي
الْحَد بِهِ ثَمَانِينَ (بِجَامِع الافتراء) بَينهمَا (لكَونه)
أَي شربهَا (مظنته) أَي الافتراء، فالافتراء وَهُوَ نِسْبَة
الْمُحصن إِلَى الزِّنَا عِلّة للحد منضبطة بِنَفسِهَا، وَهُوَ
ظَاهر، وَقد نَص على علته فِي الْكتاب وَالسّنة، وَشرب الْخمر
مَظَنَّة الافتراء وإلحاق الشّرْب بِالْقَذْفِ بِجَامِع
الافتراء يسلتزم إِلْحَاق الافتراء المظنون بالافتراء
الْمُتَيَقن فِي الْعلية للحد، فَمثل هَذَا يُقَال فِيهِ
إِثْبَات الْعلية بِالْقِيَاسِ، وللخلاف فِيهِ وَجه ظَاهر
للتفاوت الْبَين بَين الافتراء الْمُحَقق والمظنون، وَلذَا
قَالَ فَالْوَجْه إِلَى آخِره.
مسئلة
قَالَ (الْحَنَفِيَّة لَا تثبت بِهِ) أَي بِالْقِيَاسِ
(الْحُدُود لاشتمالها) أَي الْحُدُود (على تقديرات لَا تعقل)
كعدد الْمِائَة فِي الزِّنَا والثمانين فِي الْقَذْف، فَإِن
الْعقل لَا يدْرك الْحِكْمَة فِي اعْتِبَار خُصُوص هَذَا
الْعدَد، وَالْقِيَاس فرع تعقل الْمَعْنى فِي حكم الأَصْل
(وَمَا يعقل) مَعْنَاهُ من الْحُدُود (كالقطع) ليد السَّارِق
لجنايتها بِالسَّرقَةِ، وَزِيَادَة اختصاصها فِي الْأَخْذ
بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْأَعْضَاء (فللشبهة) أَي فَلَا
يثبت بِالْقِيَاسِ لمَكَان الشُّبْهَة فِي الْقيَاس
لاحْتِمَاله الْخَطَأ، وَالْحُدُود تدرأ بِالشُّبُهَاتِ كَمَا
نطق بِهِ الحَدِيث، وَقد سبق فِي مسئلة: خبر الْوَاحِد فِي
الْحَد مَقْبُول. وَقَالَ غير الْحَنَفِيَّة يثبت بِهِ،
وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (قَالُوا: أَدِلَّة الْقيَاس)
الدَّالَّة على حجتيه (معممة) حجيته للحدود وَغَيرهَا فَيجب
الْعَمَل بِمُوجب تعميمها (قُلْنَا) عُمُوم حجيته إِنَّمَا
هُوَ (فِي مُسْتَكْمل الشُّرُوط اتِّفَاقًا) أَي فِي قِيَاس
استجمع جَمِيع الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة فِي صِحَة الْقيَاس
بالِاتِّفَاقِ وَمَا يَقع فِي الْحُدُود من الْقيَاس وَلَيْسَ
بمستكمل لَهَا، فَإِن من الشُّرُوط أَن يكون حكم الأَصْل
مَعْقُول
(4/103)
الْمَعْنى: وَمِنْهَا أَن لَا يكون مِمَّا
يندرئ بِالشُّبْهَةِ، غير أَن الْخصم يناقش فِي الثَّانِي
(وانتهاض أثر عَليّ) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ مَا
ذكر من إِلْحَاقه الشّرْب بِالْقَذْفِ فِي إِثْبَات حَده
(عَلَيْهِم) أَي الْحَنَفِيَّة كَمَا ذكر المجيزون (مَوْقُوف
على إِجْمَاع الصَّحَابَة على صِحَة طَرِيقه) الَّذِي هُوَ
الْقيَاس على الْقَذْف. (وَقَوْلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة فِي
قصَّته الْإِجْمَاع الْمَذْكُور إِجْمَاعهم لَيْسَ على
طَرِيقه، بل (إِنَّه) أَي إِجْمَاعهم (على حكمه) الَّذِي هُوَ
وجوب جلد ثَمَانِينَ (باجتماع دلالات سمعية عَلَيْهِ) أَي على
حكمه (كَمَا ذَكرنَاهَا فِي الْفِقْه) فِي حد الشّرْب من شرح
الْهِدَايَة. وَفِي أصُول الْفِقْه للْإِمَام أبي بكر
الرَّازِيّ أَن اتِّفَاق الصَّحَابَة على إِثْبَات حد الْخمر
قِيَاسا إبِْطَال لأصلكم فِي عدم إِثْبَات الْحُدُود قِيَاسا.
وَالْجَوَاب بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب فِي حد
الْخمر بِالْجَرِيدِ وَالنعال، وروى أَنه ضربه أَرْبَعُونَ
رجلا كل رجل بنعله ضربتين، فتحروا فِي اجتهادهم مُوَافَقَته
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فجعلوه ثَمَانِينَ ونقلوا الضَّرْب
عَن الجريد وَالنعال إِلَى السَّوْط وَلم يبتدئوا إِيجَاب
الْحَد بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ الْمَمْنُوع. ثمَّ أَن
الْكَفَّارَات فِي هَذَا كالحدود، بل قيل أَن المُرَاد بهَا
مَا يَتَنَاوَلهَا.
مسئلة
(تَكْلِيف الْمُجْتَهد بِطَلَب المناط) للْحكم الشَّرْعِيّ
(ليحكم فِي محاله) أَي محَال تحقق المناط (بِحكمِهِ) أَي حكم
المناط، وَالْبَاء صلَة الحكم: يَعْنِي كَون الْمُجْتَهد
مُكَلّفا فِي حكم شَرْعِي بِأَن يبْذل جهده فِي تَحْصِيل علته
شرعا لِأَن يحكم بِثُبُوت ذَلِك الحكم فِي كل مَادَّة تحققت
تِلْكَ الْعلَّة فِيهَا (جَائِز) خبر لقَوْله تَكْلِيف
الْمُجْتَهد بِطَلَب المناط (عقلا) إِذْ لَا يَتَرَتَّب على
فرض وُقُوعه مَحْذُور. (وَقَوْلهمْ) أَي الْأُصُولِيِّينَ
التَّكْلِيف (بِالْقِيَاسِ لَا يَصح) بِنَاء (على أَنه) أَي
الْقيَاس إِنَّمَا هُوَ (الْمُسَاوَاة) بَين الْفَرْع
وَالْأَصْل فِي عِلّة حكمه، والمساواة فعل الله تَعَالَى،
وَالْعَبْد لَا يُكَلف إِلَّا بِمَا هُوَ فعله، وَقد تقدم
الْكَلَام فِي هَذَا فِي أَوَائِل الْقيَاس، (و) قَوْلهم
(إِيجَاب الْعَمَل بِمُوجب الْقيَاس) فِي عنوان المسئلة كَمَا
فِي الشَّرْح العضدي بدل قَوْلنَا تَكْلِيف الْمُجْتَهد إِلَى
آخِره (فِيهِ قُصُور عَن الْمَقْصُود) أَي فِي كل من
الْقَوْلَيْنِ قُصُور، أما فِي الأول، فباعتبار أَنه لَو سلم
كَون الْقيَاس هُوَ الْمُسَاوَاة لم يرد تَكْلِيف الْمُجْتَهد
بِنَفس الْمُسَاوَاة بل بمعرفتها بالأمارات، وَأما الثَّانِي
فَلِأَن إِيجَاب الْعَمَل بِهِ إِنَّمَا يكون بعد تحَققه،
والنزاع فِي أَنه هَل يُكَلف بِالنّظرِ والفحص ليظْهر وجوده
أَولا، وعَلى الثَّانِي هَل يجوز التَّكْلِيف أم لَا؟ وَهَذَا
محصول مَا نَقله الشَّارِح عَن المُصَنّف فِي تَوْجِيه
الثَّانِي (لَا وَاجِب) مَعْطُوف على قَوْله جَائِز: أَي
التَّكْلِيف بِمَا ذكر لَيْسَ بِوَاجِب عقلا (كالقفال)
الشَّاشِي (وَأبي
(4/104)
الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ: أَي كوجوب قَالَا
بِهِ لِئَلَّا يلْزم خلو الوقائع عَن الْأَحْكَام فَإِنَّهَا
لَا تَنْحَصِر والنصوص محصورة وَالْقِيَاس كافل بهَا،
وَأَشَارَ إِلَى جوابهما بقوله (وَلُزُوم خلو وقائع) عَن الحكم
(لولاه) أَي تَكْلِيف الْمُجْتَهد بِطَلَب المناط (مُنْتَفٍ
لانضباط أَجنَاس الْأَحْكَام وَالْأَفْعَال) أَي أَفعَال
الْعباد الَّتِي تتَعَلَّق بهَا الْأَحْكَام (وَإِمْكَان
إفادتها) أَي إِفَادَة أجناسها الْمُتَعَلّقَة بالأفعال
(العمومات) بِالرَّفْع على أَنه فَاعل إفادتها فَهِيَ مُضَافَة
إِلَى الْمَفْعُول: مثل كل ذِي نَاب من السبَاع حرَام، وكل
مُسكر حرَام وكل مَكِيل أَو مطعوم رِبَوِيّ (وَلَو لم تفدها)
أَي العمومات الْأَحْكَام كلهَا (ثَبت فِيهَا) أَي فِي الوقائع
الَّتِي لم يفد حكمهَا (حكم الأَصْل) وَهُوَ الْإِبَاحَة
(فَلَا خلو) لواقعة عَن الحكم، فَلَا وجوب لعدم الْمُوجب
(وَلَا مُمْتَنع عقلا) كَمَا ذهب إِلَيْهِ الزيدية وَبَعض
الْمُعْتَزلَة مِنْهُم النظام، لكنه قَالَ فِي شريعتنا خَاصَّة
وَإِنَّمَا قُلْنَا جَائِز (إِذْ لَا يلْزم إِلْزَامه) أَي
الْمُجْتَهد بِطَلَب المناط (محَال) فَاعل لَا يلْزم، وَلَا
يَعْنِي بِالْجَوَازِ إِلَّا عدم لُزُوم محَال، لَا لنَفسِهِ
وَلَا لغيره (وَكَون) اتِّبَاع (الظَّن مَمْنُوعًا عقلا
لاحْتِمَاله) أَي الظَّن (الْخَطَأ) وَالْقِيَاس لَا يُفِيد
إِلَّا الظَّن فَيجب الِاحْتِرَاز عَن مَحْذُوف فَلَا تَكْلِيف
بِمَا يَئُول إِلَيْهِ (مَمْنُوع) إِذْ لَا يمْتَنع فِيمَا
يغلب فِيهِ جَانب الصَّوَاب (بل أَكثر تَصَرُّفَات الْعُقَلَاء
لفوائد غير متيقنة) كَيفَ وَإِلَّا يلْزم ترك الزَّرْع
وَالتِّجَارَة والتعلم إِلَى غير ذَلِك لعدم تَيَقّن حُصُول
النتيجة (وَبِه) أَي لكَون أَكثر التَّصَرُّفَات كَذَا (ظهر
إِيجَابه) أَي الْعقل (الْعَمَل عِنْد ظن الصَّوَاب) كَيفَ
وَلَوْلَا إِيجَابه ذَلِك لما اتّفق الْعُقَلَاء فِي مُبَاشرَة
تِلْكَ التَّصَرُّفَات بِكَمَال الاهتمام لتَحْصِيل
الْفَوَائِد مَعَ إِمْكَان عدم ترتبها على الْعَمَل (وَثَبت)
إِيجَاب الْعَمَل عِنْد ظن الصَّوَاب (شرعا) يعلم ذَلِك (بتتبع
موارده) أَي الشَّرْع كَمَا سبق فِي خبر الْوَاحِد الْعدْل
إِلَى غير ذَلِك من الْأَدِلَّة الظنية (وَثُبُوت الْجمع) شرعا
(بَين المختلفات) كالتسوية بَين قتل الْمحرم الصَّيْد عمدا
وَخطأ فِي الْفِدَاء وَبَين زنا الْمُحصن وردة الْمُسلم فِي
الْقَتْل إِلَى غير ذَلِك (و) ثُبُوت (الْفرق) شرعا (بَين
المتماثلات) كَقطع السَّارِق للقليل دون غَاصِب الْكثير مَعَ
تماثلهما فِي أَخذ مَال الْغَيْر وَجلد من نسب الْعَفِيف إِلَى
الزِّنَا، دون من نسب الْمُسلم إِلَى الْكفْر مَعَ تماثلهما
فِي نِسْبَة الْمحرم إِلَى الْمُسلم (إِنَّمَا يستلزمه) أَي
كَون التَّكْلِيف بِمَا ذكر مستحيلا الْقيَاس وَهُوَ إِلْحَاق
النظير بالنظير وَهُوَ غير مُعْتَبر شرعا، بل قد يعْتَبر
خِلَافه (لَو لم يكن) الْجمع بَين المختلفات فِي الحكم
الْوَاحِد (بِجَامِع) وصف اشتركت فِيهِ يُوجب (التَّمَاثُل)
بَينهَا، لِأَن المختلفات يجوز اجتماعها فِي صفة بهَا يحصل
تماثلها وَكَون تِلْكَ الصّفة عِلّة لحكم فيشترك فِي الحكم
(أَو) لم يكن الْفرق بَين المتماثلات لوُجُود (فَارق) بَينهَا
(تَقْتَضِيه) أَي الْفرق بَينهمَا فِي الحكم وعلته، وَلَا شكّ
أَن اشتراكهما فِي الحكم فِي الأَصْل إِنَّمَا يكون إِذا كَانَ
مَا بِهِ التَّمَاثُل عِلّة لَهُ، وَلَا يكون لَهُ فِي الأَصْل
معَارض يقتضى
(4/105)
حكما آخر وَلَا فِي الْفَرْع معَارض أقوى،
وكل ذَلِك غير مَعْلُوم (وَلَا) مُمْتَنع (سمعا) أَيْضا
(خلافًا للظاهرية والقاساني) بِالسِّين الْمُهْملَة نِسْبَة
إِلَى قَرْيَة بتركستان (والنهرواني) هَكَذَا فِي الْكَشْف،
وروى بعض الْأُصُولِيِّينَ عَنْهُم إِنْكَار وُقُوعه، وَذكر
الْآمِدِيّ أَنهم اتَّفقُوا على وُقُوع ذِي الْعلَّة
الْمَخْصُوصَة والمومى إِلَيْهَا. وَقَالَ السُّبْكِيّ وَهُوَ
الْأَصَح فِي النَّقْل عَنْهُم، كَذَا ذكر الشَّارِح لَكِن
المُصَنّف اخْتَار مَا فِي الْكَشْف لما ترجح عِنْده من
النَّقْل (واستدلالهم) أَي الظَّاهِرِيَّة وَمن مَعَهم على
الِامْتِنَاع (بِأَن فِي حكمه) أَي الْقيَاس (اخْتِلَافا) بَين
الْعلمَاء، فَمنهمْ من قَالَ بِجَوَازِهِ، وَمِنْهُم من لم
يجوزه، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد اخْتلَافهمْ فِي حكم
حَادِثَة وَاحِدَة بِحَسب مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ قِيَاس كل
وَاحِد مِنْهُم، بل هَذَا هُوَ الْأَظْهر (فَهُوَ) أَي
الْقيَاس (مَرْدُود لِأَنَّهُ من عِنْد غير الله) تَعَالَى
لقَوْله تَعَالَى - {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا
فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} - فَإِنَّهُ يدل على أَن مَا هُوَ من
عِنْد الله تَعَالَى لَا يكون فِيهِ اخْتِلَاف، وَمَا من عِنْد
غَيره يكون فِيهِ، وَإِلَّا لم يَصح الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ
الِاخْتِلَاف على كَونه من عِنْد الله تَعَالَى، وَمَا كَانَ
من عِنْد غير الله تَعَالَى فَهُوَ مَرْدُود (مَدْفُوع) خبر
لقَوْله استدلالهم (بِمَنْع كَون الِاخْتِلَاف الْمُوجب
للرَّدّ فِي الْآيَة مَا) أَي الِاخْتِلَاف الْكَائِن (فِي)
بعض (الْأَحْكَام) الشَّرْعِيَّة، فَإِن هَذَا غير مَرْدُود بل
هُوَ وَاقع ومقبول إِجْمَاعًا كَمَا قيل اخْتِلَاف الْعلمَاء
رَحْمَة، وَكَون الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور فِي الْآيَة مُوجبا
للرَّدّ لِأَنَّهُ ذكر فِي معرض الذَّم وَالنَّقْص اللَّائِق
بمقام الْعباد، وَمَا كَانَ بِهَذِهِ المثابة فَهُوَ غير
مَقْبُول (بل) الِاخْتِلَاف الْمُوجب للرَّدّ (التَّنَاقُض)
فِي الْمَعْنى (والقصور) عَن البلاغة الَّتِي وَقع التحدي
والإلزام بِأَن يكون الْقُرْآن بعض أخباره مناقضا للْبَعْض أَو
مستلزما لنقيض الْبَعْض أَو يكون بعضه ركيكا من حَيْثُ تكون
الْمَعْنى أَو النّظم أَو فصيحا لم يبلغ دَرَجَة الإعجاز فَإِن
قلت كثيرا من الْكتب المصنفة لَا اخْتِلَاف فِيهِ قُلْنَا لَو
سلم لَعَلَّ المُرَاد لُزُوم الِاخْتِلَاف لكتاب من عِنْد غير
الله تَعَالَى مفترى بِهِ على الله عز وَجل ليتميز الْكَاذِب
من الصَّادِق (وتبيانا لكل شَيْء) مَعْطُوف على قَوْله بِأَن:
أَي واستدلالهم بقوله عز وَجل - {ونزلنا عَلَيْك الْكتاب
تبيانا لكل شَيْء} - (وَنَحْوه) كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَلَا
رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين} - تَقْرِيره لَو أَخذ
بعض الْأَحْكَام من الْقيَاس لما كَانَ كِتَابه تبيانا لكل شي،
وَلما كَانَ كل الْأَحْكَام فِي الْكتاب الْمُبين، وَالْخَبَر
مَحْذُوف بِقَرِينَة مَا سبق: أَي مَدْفُوع بِمَنْع إِرَادَة
الْعُمُوم، إِذْ هُوَ (مَخْصُوص قطعا) فَلَا حَاجَة حِينَئِذٍ
إِلَى التَّقْدِير، وَهُوَ: أَي كل شَيْء فِيهِ: أَي فِي
الْكتاب الْمُبين، وَالْخَبَر محذف أَن أُرِيد تَفْصِيل كل
شَيْء، إِذْ لَيْسَ كل الْأَشْيَاء مفصلة فِي الْقُرْآن، وَفِي
بعض النّسخ وتبيانا لكل شَيْء وَنَحْوه مَخْصُوص فَلَا حَاجَة
إِلَى التَّقْدِير (أَو هُوَ) أَي كل شَيْء (فِيهِ) أَي فِي
الْكتاب
(4/106)
(إِجْمَالا) وَلَو بالإحالة إِلَى السّنة
أَو الْقيَاس (فَجَاز) أَن يكون (فِيهِ) أَي فِي الْكتاب
إِجْمَالا وَهُوَ (حكم الْقيَاس) وَهُوَ الحكم الْحَاصِل فِي
الْفَرْع قِيَاسا على الأَصْل (فيعلمه الْمُجْتَهد) بعد
الِاجْتِهَاد (كَمَا جَازَ) أَن يكون (الْكل) أَي كل شَيْء
(فِيهِ) أَي الْكتاب (ويعلمه النَّبِي) صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَمَا قيل جمع الْعلم: أَي الْقُرْآن، لَكِن تقاصرت
عَنهُ الأفهام (مَعَ أَنه) أَي الِاسْتِدْلَال بالآيتين
(مُسْتَلْزم أَن لَا يكون غير الْقُرْآن) من السّنة
وَالْإِجْمَاع أَيْضا (حجَّة) تعين مَا ذَكرُوهُ فِي نفي حجية
الْقيَاس (وَهُوَ) أَي انْتِفَاء حجية غير الْقُرْآن (مُنْتَفٍ
عِنْدهم) أَي المانعين (أَيْضا) فَمَا هُوَ جوابهم فَهُوَ
جَوَابنَا (وَبِه) أَي بِهَذَا الاستلزام: أَي بِانْتِفَاء
هَذَا اللَّازِم (يبعد نِسْبَة هَذَا) الِاسْتِدْلَال (لَهُم)
أَي إِلَيْهِم (على) وَجه (الِاقْتِصَار) على نفي الْقيَاس
لبعد الْغَفْلَة عَن وُرُود هَذَا النَّقْص الظَّاهِر (وَأما)
الْجَواب عَن استدلالهم بهما على مَا ذكره صدر الشَّرِيعَة من
أَن الْقُرْآن تبيان للْقِيَاس (بِاعْتِبَار دلَالَته) أَي
الْقُرْآن (على حكم الأَصْل نصا، و) على (حكم الْفَرْع
دلَالَة) قد سبق أَن دلَالَة اللَّفْظ على حكم مَنْطُوق بمسكوت
يفهم مناطه بِمُجَرَّد فهم اللُّغَة يُسمى دلَالَة فِي
الِاصْطِلَاح (فَلَيْسَ) بِصَحِيح (وَإِلَّا) أَي وَإِن صَحَّ
مَا ذكره (فَكل قِيَاس مَفْهُوم مُوَافقَة) أَي فَيلْزم أَن
يكون كل قِيَاس مَدْلُول اللَّفْظ بِاعْتِبَار حكمه
الْأَصْلِيّ نصا، والفرعي دلَالَة بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور،
وَهَذَا هُوَ الْمَعْنى بِمَفْهُوم الْمُوَافقَة كدلالة
النَّهْي عَن التأفيف على حرمته نصا، وعَلى حُرْمَة الضَّرْب
دلَالَة، وَكَون كل قِيَاس كَذَا بَاطِل بالِاتِّفَاقِ (مَعَ
أَنه) أَي كَون الْقُرْآن دَالا على أَحْكَام الْأُصُول كلهَا
(مَمْنُوع فِي) الْأَشْيَاء (السِّتَّة) الْحِنْطَة
بِالْحِنْطَةِ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ
وَالذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ وَالْملح
بالملح (أصُول) حكم (الرِّبَا) الْمَنْصُوص عَلَيْهَا فِي
السّنة عطف بَيَان للستة (و) فِي (كثير) من الْأُصُول
الْمَقِيس عَلَيْهَا (بل) بَيَان أَمْثَالهَا إِنَّمَا هُوَ
(بِالسنةِ فَقَط، وَحَدِيث) لم يزل أَمر بني إِسْرَائِيل
مُسْتَقِيمًا حَتَّى كثرت فيهم أَوْلَاد السبايا، و (قاسوا مَا
لم يكن على مَا كَانَ فضلوا) وأضلوا أخرجه الْبَزَّار، وَفِي
سَنَده قيس بن الرّبيع فِيهِ مقَال، وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ
وَأَبُو عوَانَة بِإِسْنَاد صَحِيح من قَول عُرْوَة (لَيْسَ
مِمَّا نَحن فِيهِ) لِأَن المُرَاد مِنْهُ نصب الشَّرَائِع
بِالْأَدَاءِ بِقِيَاس غير الْمَشْرُوع على الْمَشْرُوع من غير
جَامع منَاط للْحكم دَال على كَون الثَّانِي مثل الأول فِيهِ
(قَالُوا) أَي المانعون لَهُ سمعا أَيْضا (أرشد إِلَى تَركه)
أَي الْقيَاس (بِإِيجَاب الْحمل على الأَصْل) وَهُوَ
الْإِبَاحَة والبراءة الْأَصْلِيَّة (فِيمَا لم يُوجد فِيهِ
نَص) قَوْله تَعَالَى {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ} محرما
على طاعم يطعمهُ - الْآيَة، فَكل مَا لم يُوجد فِي الْكتاب
محرما لَا يحرم بل يبْقى على الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة
(الْجَواب) أَنه (إِنَّمَا يُفِيد) مَا ذكر من الْآيَة (منع
إِثْبَات الْحُرْمَة ابْتِدَاء بِهِ) أَي بِالْقِيَاسِ
لِأَنَّهَا نزلت لرد
(4/107)
مَا ذكر قبلهَا من تَحْرِيم الْكفَّار
الْمَذْكُورَات من عِنْد أنفسهم ابْتِدَاء من غير الحاق لَهَا
بِمَا حرمه الله للاشتراك فِي منَاط التَّحْرِيم، فَإِن
الْمحرم عِنْد نزُول الْآيَة إِذا انحصر فِيمَا ذكر فِيهَا
وَلَا شَيْء مِنْهُ يصلح لِأَن يلْحق بِهِ مَا حرمه الْكفَّار،
فَلَو حرم الرَّسُول مَا حرمُوهُ لزم إِثْبَات الْحُرْمَة
ابْتِدَاء (وَبِه) أَي بِمَنْع إِثْبَاتهَا ابْتِدَاء (بقول
كَمَا) قُلْنَا فِيمَا (لم يدْرك مناطه) لأَنا شرطنا فِي
الْقيَاس كَون حكم الأَصْل مَعْقُول الْمَعْنى (قَالُوا)
أَيْضا الْقيَاس (ظَنِّي) فَلَا يجوز إِثْبَات حق الشَّارِع
وَهُوَ الحكم الشَّرْعِيّ لقدرته على الْبَيَان الْقطعِي
بِخِلَاف حُقُوق الْعباد فَإِنَّهَا تثبت بِقَيْد الظَّن
كَالشَّهَادَةِ لعجزهم عَن الْإِثْبَات بقطعي (لَا) أَنه
(كَخَبَر الْوَاحِد) فَإِنَّهُ بَيَان من جِهَة الشَّرْع
قَطْعِيّ، والشبهة إِنَّمَا عرضت فِي طَرِيق الِانْتِقَال
إِلَيْنَا فَلَا يُفِيد الْقطع بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا
(وَجَوَابه مَا مر فِي مسئلة تَقْدِيمه) أَي خبر الْوَاحِد
(عَلَيْهِ) أَي الْقيَاس: من أَن الِاحْتِجَاج بالْخبر
الْحَاصِل الْآن وَهُوَ مظنون فَلَا ينفع كَونه يُفِيد الْقطع
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بِغَيْر
وَاسِطَة، وَالْفرق الْمَذْكُور بَين الْحَقَّيْنِ سَاقِط،
لِأَن التَّوَجُّه إِلَى جِهَة الْقبْلَة مَحْض حق الله
تَعَالَى، وَقد أطلق لنا الْعَمَل فِيهِ بِالرَّأْيِ،
لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وسعنا مَا هُوَ أقوى من ذَلِك، وَهَذَا
الْمَعْنى مَوْجُود فِي الْأَحْكَام (ثمَّ بعد جَوَازه) أَي
تَكْلِيف الْمُجْتَهد بِطَلَب المناط (وَقع) التَّكْلِيف بِهِ
(سمعا، قيل) ثَبت وُقُوعه (ظنا) وَهَذَا القَوْل (لأبي
الْحُسَيْن، وَلذَا) أَي لوُقُوعه ظنا عِنْده (عدل) فِي
إثْبَاته (إِلَى مَا تقدم) من الدَّلِيل الْعقلِيّ الْمُفِيد
للْقطع بظنه لِأَنَّهُ أصل ديني لَا يَكْفِي فِيهِ الظَّن
(وَقيل) وَقع (قطعا) وَهُوَ قَول الْأَكْثَر (لقَوْله تَعَالَى
{فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} ) فَإِن الِاعْتِبَار رد
الشَّيْء إِلَى نَظِيره بِأَن يحكم عَلَيْهِ بِحكمِهِ، وَكَذَا
سمى الأَصْل الَّذِي ترد إِلَيْهِ النَّظَائِر عِبْرَة،
وَهَذَا يَشْمَل الاتعاظ، وَالْقِيَاس الْعقلِيّ، والشرعي،
وَسِيَاق الْآيَة للاتعاظ، فتدل عَلَيْهِ عبارَة، وعَلى
الْقيَاس إِشَارَة (وَكَونه) أَي وَكَون عُمُوم - اعتبروا
(مَخْصُوصًا بمادة انْتَفَت) فِيهَا (شَرَائِطه) أَي الْقيَاس
فَإِنَّهَا خَارِجَة عَنهُ (وَاحْتِمَال كَونه) أَي اعتبروا
(للنَّدْب، وَكَونه للحاضرين) عِنْد نُزُولهَا فَقَط (و)
احْتِمَال (إِرَادَة الْمرة) الْوَاحِدَة من الِاعْتِبَار
وَإِرَادَة الْعَمَل بِهِ (وَفِي بعض الْأَحْوَال والأزمنة)
وَغير ذَلِك مِمَّا يقتضى عدم إِرَادَة الْعُمُوم (لَا يَنْفِي
الْقطع بِهِ) أَي بِوُقُوع التَّكْلِيف بِهِ، وَأما فِي الأول
فنقطع بِمَا عدا مَا خص بِهِ (لِأَنَّهُ) أَي التَّخْصِيص
الْمَذْكُور (تَخْصِيص بِالْعقلِ) والمخصص قَطْعِيّ فِي غير
مَا خص بِهِ، وَأما فِي الْبَاقِي فَلَمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ
بقوله (وَلَيْسَ بِكُل تَجْوِيز عَقْلِي ينتفى الْقطع) فَلَا
عِبْرَة بباقي الِاحْتِمَالَات وَإِنَّمَا يَنْتَفِي الْقطع
بِالشُّبْهَةِ الناشئة عَن الدَّلِيل كَمَا تقرر فِي مَحَله
(وَإِلَّا انْتَفَى) الْقطع (عَن السمعيات) لِأَنَّهُ لم يسلم
شَيْء مِنْهَا عَن تجويزها عقلا فَلَا يتَمَسَّك بِشَيْء
مِنْهَا (وَأما ظُهُور كَونه) أَي الِاعْتِبَار (فِي الاتعاظ
بِالنّظرِ إِلَى خُصُوص
(4/108)
السَّبَب) لنزول الْآيَة الْمشَار
إِلَيْهَا بقوله (ولبعد) أَن يُرَاد بقوله تَعَالَى -
{فاعتبروا} - بعد قَوْله (يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم) وأيدي
الْمُؤمنِينَ (فقيسوا الذّرة بِالْبرِّ) كَمَا هُوَ لَازم
الِاسْتِدْلَال لعدم الْمُنَاسبَة، فَلَا يحمل كَلَامه
تَعَالَى عَلَيْهِ، وَالْجَوَاب عَنهُ مَا أَفَادَهُ بقوله
(فَالْعِبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ) لَا لخُصُوص السَّبَب،
فَانْتفى الأول: وَهُوَ ظُهُور كَونه للاتعاظ (وَبِه) أَي
بِأَن الْعبْرَة لعمومه (انْتَفَى الثَّانِي) أَيْضا (إِذْ
الْمُرَتّب) على السَّبَب الْمَذْكُور الِاعْتِبَار (الْأَعَمّ
مِنْهُ) أَي من قِيَاس الذّرة على الْبر (أَي فاعتبروا
الشَّيْء بنظيره فِي مناطه) الظّرْف مُتَعَلق بنظيره لما فِيهِ
من معنى الْفِعْل (فِي المثلات) أَي الْعُقُوبَات جمع مثلَة
بِفَتْح الثَّاء وَضمّهَا مُتَعَلق بِالِاعْتِبَارِ (وَغَيرهَا
وَهَذَا) الطَّرِيق فِي إِثْبَات التَّكْلِيف بِالْقِيَاسِ
(أيسر من إثْبَاته) أَي التَّكْلِيف بِهِ (دلَالَة) كَمَا ذهب
إِلَيْهِ صدر الشَّرِيعَة، لِأَن فهم الْأَمر بِالْقِيَاسِ من
الْأَمر بِالِاعْتِبَارِ بطرِيق اللُّغَة من غير اجْتِهَاد
لِئَلَّا يلْزم إِثْبَات الْقيَاس بِالْقِيَاسِ بعيد جدا،
فَإِن من الْمَعْلُوم أَنه لَا يفهم كل من يعرف اللُّغَة ذَلِك
كَمَا أَفَادَهُ بقوله (إِذْ لَا يفهم فهم اللُّغَة) نصب على
المصدرية، فَإِن الْمَنْفِيّ إِنَّمَا هُوَ هَذَا النَّوْع من
الْفَهم لَا مطلقه (الْأَمر بِالْقِيَاسِ) قَائِم مقَام فَاعل
يفهم (فِي الْأَحْكَام) مُتَعَلق بِالْقِيَاسِ (من) الْأَمر ب
(الاتعاظ) . وَالشَّارِح تعقب المُصَنّف فِي هَذَا فَليرْجع
إِلَيْهِ، وظني أَن مَا ذكره غير مُتَّجه (وَأَيْضًا قد
تَوَاتر عَن كثير من الصَّحَابَة الْعَمَل بِهِ) أَي
بِالْقِيَاسِ عِنْد عدم النَّص وَإِن كَانَت التفاصيل آحادا،
فَإِن الْقدر الْمُشْتَرك متواتر (وَالْعَادَة قاضية فِي مثله)
أَي فِي مثل الْعَمَل بِالْقِيَاسِ من كثير من الصَّحَابَة
(بِأَنَّهُ) أَي الْعَمَل الْمَذْكُور إِنَّمَا يكون (عَن
قَاطع فِيهِ) أَي الْعَمَل بِهِ وَإِن لم نعلمهُ على
التَّعْيِين (وَأَيْضًا شاع مباحثتهم فِيهِ) أَي فِي الْعَمَل
بِالْقِيَاسِ (وترجيحهم) بعض الْقيَاس على بعض (بِلَا نَكِير)
لذَلِك (فَكَانَ) ذَلِك (إِجْمَاعًا مِنْهُم على حجيته لقَضَاء
الْعَادة بِهِ) أَي بِكَوْنِهِ إِجْمَاعًا قَطْعِيا (فِي مثله
من أصُول الدّين لَا سكُوتًا) أَي لَا إِجْمَاعًا سكوتيا
مُفِيدا للظن، فَإِن ترك الْإِنْكَار فِي أَمر مُنكر يَجْعَل
أصلا من أصُول الدّين على تَقْدِير أَن يَتَقَرَّر فِيمَا بَين
الصَّحَابَة بِمَا تحيل الْعَادة وُقُوعه من الصَّحَابَة
وَالتَّابِعِينَ (وَحَدِيث معَاذ) الْمُفِيد حجية الْقيَاس،
فِي التَّوْضِيح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بعث
معَاذًا إِلَى الْيمن قَالَ لَهُ بِمَ تقضي؟ قَالَ لَهُ بِمَا
فِي كتاب الله. قَالَ فَإِن لم تَجِد فِي كتاب الله؟ قَالَ
أَقْْضِي بِمَا قضى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ فَإِن لم تَجِد مَا قضى بِهِ رَسُول الله؟ قَالَ أجتهد:
فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُوله بِمَا يرضى
بِهِ رَسُوله. فَإِنَّهُ (يُفِيد طمأنينة) الطُّمَأْنِينَة
فَوق الظَّن لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَه احْتِمَال النقيض، وَإِن
كَانَ دون الْيَقِين لاحْتِمَال زَوَاله بالتشكيك (فَإِنَّهُ)
أَي الحَدِيث الْمَذْكُور (مَشْهُور) على مَا روى (عَن
الْحَنَفِيَّة) فَتثبت بِهِ الْأُصُول فَإِن قيل: الْمَذْكُور
فِيهِ الِاجْتِهَاد
(4/109)
وَهُوَ قد يكون بِغَيْر الْقيَاس
الْمُتَنَازع فِيهِ كَالْحكمِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّة،
وَالْقِيَاس الْمَنْصُوص الْعلَّة، والاستنباط من النُّصُوص
الْخفية الدّلَالَة قُلْنَا: الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة لَا
تحْتَاج إِلَى الِاجْتِهَاد، ومنصوص الْعلَّة لَا يَفِي
بِالْأَحْكَامِ. وَأما الاستنباط من النُّصُوص فَأجَاب عَنهُ
بقوله (وَكَون الِاجْتِهَاد) كَمَا يتَحَقَّق فِي الْقيَاس
يتَحَقَّق (فِي الْمَنْصُوص) فَلَا يتَعَيَّن إِرَادَة
الْقيَاس لَا يرد لِأَنَّهُ (دَاخل فِي قَوْله) أَي معَاذ أقضى
بِمَا فِي (كتاب الله وَسنة رَسُوله فَلم يبْق) محمل
للِاجْتِهَاد (إِلَّا الْقيَاس) . وَفِي بعض النّسخ دَاخِلا
على أَنه خبر الْكَوْن، وَهُوَ مجرور على أَنه مَعْطُوف على
مَا يفهم من من السِّيَاق كَأَنَّهُ قَالَ لكَونه مَشْهُورا
وَلكَون الِاجْتِهَاد إِلَى آخِره، وَهَذَا أقل تَقْدِير
(وَالْقطع) حَاصِل (بِأَن إِطْلَاقه) أَي إِطْلَاق جَوَازه
لِمعَاذ (لَيْسَ إِلَّا لاجتهاده لَا لخصوصه) فَلَا يرد أَنه
يجوز أَن يكون ذَلِك مَخْصُوصًا بمعاذ. ثمَّ أجَاب عَمَّا روى
عَن بعض الصَّحَابَة مِمَّا يُوهم نَفْيه بقوله (والمروي عَن
جمع من الصَّحَابَة كالصديق والفاروق وَعلي وَابْن مَسْعُود)
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم (من ذمَّة) أَي الْقيَاس، عَن
الصّديق أَنه لما سُئِلَ عَن الْكَلَالَة قَالَ: أَي سَمَاء
تُظِلنِي، وَأي أَرض تُقِلني؟ إِذا قلت فِي كتاب الله تَعَالَى
برأيي. وَعَن الْفَارُوق " اتَّقوا الرَّأْي فِي دينكُمْ:
إيَّاكُمْ وَأَصْحَاب الرَّأْي فَإِنَّهُم أَعدَاء السّنة:
اتهموا الرَّأْي على الدّين ". وَعَن عَليّ " لَو كَانَ الدّين
بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِن الْخُف أولى بِالْمَسْحِ من
أَعْلَاهُ ". وَعَن ابْن مَسْعُود " لَا أَقيس شَيْئا بِشَيْء
فتزل قدم بعد ثُبُوتهَا ". وَعنهُ " يحدث قوم يقيسون الْأُمُور
برأيهم فينهدم الْإِسْلَام وينثلم " كَمَا ذكر الشَّارِح
مخرجها إِلَّا الأول، ثمَّ بعد صِحَّته عَنْهُم (فالقطع
بِأَنَّهُ) أَي الذَّم (فِي غَيره) أَي غير الْقيَاس
الشَّرْعِيّ (إِذْ قَاس كثير) من الصَّحَابَة قَول الرجل:
أَنْت عَليّ (حرَام عَليّ) قَوْله: أَنْت (طَالِق) فِي وُقُوع
وَاحِدَة رَجْعِيَّة. وَنقل الشَّارِح عَن بَعضهم مَا يُخَالف
هَذَا فِي تَفْصِيل ذكره، والعمدة على نقل المُصَنّف وتحقيقه
(و) قَاس (على الشَّارِب) للخمر (على الْقَاذِف) فِي الْحَد،
وَقد سبق بَيَانه (و) قَاس (الصّديق الزَّكَاة على الصَّلَاة
فِي وجوب الْقِتَال) بِالتّرْكِ. فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن عمر
قَالَ لأبي بكر كَيفَ تقَاتل النَّاس؟ فساقه إِلَى قَول أبي
بكر: وَالله لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة:
الحَدِيث (وَفِيه) أَي فِي قِيَاس أبي بكر هَذَا (إِجْمَاع
الصَّحَابَة أَيْضا، وَورث) أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ (أم الْأُم لَا أم الْأَب) لما اجتمعتا (فَقيل لَهُ)
وَالْقَائِل عبد الرَّحْمَن بن سهل أَخُو بني حَارِثَة (تركت
الَّتِي لَو كَانَت) هِيَ (الْميتَة) وَهُوَ حَيّ (ورث الْكل)
مِنْهَا إِذا انْفَرد (اي هِيَ) يَعْنِي أم الْأَب (أقرب) أَي
أقوى قرَابَة من أم الْأُم (فشرك) أَبُو بكر (بَينهمَا فِي
السُّدس) على السوَاء (و) ورث (عمر المبتوتة بِالرَّأْيِ)
فَقَالَ فِي الَّذِي يُطلق امْرَأَته وَهُوَ مَرِيض أَنَّهَا
تَرثه فِي الْعدة وَلَا يَرِثهَا، وَهُوَ
(4/110)
مَشْهُور عَن عُثْمَان، رَوَاهُ مَالك
وَالشَّافِعِيّ بِسَنَد صَحِيح (و) قَاس (ابْن مَسْعُود موت
زوج المفوضة) قبل الدُّخُول بهَا فِي لُزُوم جَمِيع مهر الْمثل
على موت زوج غَيرهَا قبل الدُّخُول بهَا فِي لُزُوم جَمِيع
الْمُسَمّى، والمفوضة الَّتِي زَوجهَا بِغَيْر مهر (وَذَلِكَ)
أَي الْعَمَل بِالْقِيَاسِ للصحابة (أَكثر من أَن ينْقل) وَإِن
كثر فِي النَّقْل (وَاخْتِلَافهمْ) أَي الصَّحَابَة (فِي
تَوْرِيث الْجد مَعَ الْأُخوة) لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب (كل)
مِنْهُم (قَالَ فِيهِ بالتشبيه) فِي مُسْند أبي حنيفَة عَن
جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق أَن عمر شاور عليا وَزيد بن
ثَابت فِي الْجد مَعَ الْأُخوة، فَقَالَ لَهُ عَليّ: أَرَأَيْت
يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو أَن شَجَرَة انشعب مِنْهَا غُصْن،
ثمَّ انشعب من الْغُصْن غُصْن أَيهمَا أقرب إِلَى أحد الغصنين؟
أصاحبه الَّذِي خرج مِنْهُ أم الشَّجَرَة؟ وَقَالَ زيد: لَو
أَن جدولا انْبَعَثَ من ساقية ثمَّ انْبَعَثَ من الساقية
ساقيتان أَيهمَا أقرب إِلَى أحد الساقيتين أصاحبتها أم
الْجَدْوَل؟ انْتهى: وَلَا يخفى أَن هَذَا لَيْسَ من الْقيَاس
الْمُتَنَازع فِيهِ، غير أَنه يلْزم من ثُبُوته ثُبُوته بطرِيق
أولى.
مسئلة
(النَّص) من الشَّارِع (على الْعلَّة يَكْفِي فِي إِيجَاب
تَعديَة الحكم بهَا) أَي بِسَبَب الْعلَّة إِلَى غير مَحل
الحكم الْمَنْصُوص المشارك لَهُ فِيهَا (وَلَو لم تثبت
شَرْعِيَّة الْقيَاس وفَاقا للحنفية وَأحمد والنظام والقاساني)
وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ. (وَأَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ)
قَالَ: يَكْفِي فِي إِيجَاب تَعديَة الحكم بهَا (فِي
التَّحْرِيم) أَي إِذا كَانَت عِلّة لتَحْرِيم الْفِعْل دون
غَيره (خلافًا لِلْجُمْهُورِ) فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي عِنْدهم
ذَلِك فِي إِيجَابهَا مُطلقًا (لَهُم) أَي الْجُمْهُور
(انْتِفَاء دَلِيل الْوُجُوب) لتعدية الحكم ثَابت (وَهُوَ) أَي
دَلِيله (الْأَمر) بالتعدية بهَا (أَو الْإِخْبَار بِهِ) أَي
بِالْوُجُوب فينتفى الْوُجُوب (وَأما الِاسْتِدْلَال) لَهُم
كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب وَغَيره (بِلُزُوم عتق كل أسود لَو
قَالَ أعتقت) عَبدِي (غانما لسواده فمردود) كَمَا أَشَارَ
إِلَيْهِ القَاضِي عضد الدّين (بِأَنَّهُم) أَي الْحَنَفِيَّة
وَمن مَعَهم (لَا يَقُولُونَ بِثُبُوت حكم الْفَرْع من
اللَّفْظ ليلزم ذَلِك) اللَّازِم (بل) يَقُولُونَ (أَنه) أَي
النَّص على الْعلَّة (دَال على وجوب إِثْبَات الحكم) بهَا على
الْمُجْتَهد (أَيْن وجد) الْوَصْف الَّذِي هُوَ الْعلَّة،
وَفِيه أَنهم لَو قَالُوا بِثُبُوت الْفَرْع من اللَّفْظ
للَزِمَ ذَلِك وَلَيْسَ كَذَلِك لوُجُود الْفرق بَين كَلَام
الشَّارِع وَغَيره. فَإِنَّهُ إِذا نَص على الْعلَّة كَانَ
مَعْنَاهُ أَنَّهَا عَلامَة للْحكم مهما وجدت وجد، لكَون
أَحْكَامه غير معللة بالعلل، وَلَيْسَ غَيره كَذَلِك.
فَمَعْنَى أعتقت إِلَى آخِره دَعَاني سوَاده إِلَى الاعتاق،
وَلَا يسْتَلْزم هَذَا أَن يَدْعُو سَواد غَيره إِلَى ذَلِك
فَتَأمل (وَكَذَا) اسْتِدْلَال الْحَنَفِيَّة وَمن مَعَهم
(بِأَنَّهُ لَا فرق بَين حرمت الْخمر لإسكارها، وكل
(4/111)
مُسكر إِذا كَانَ) القَوْل الْمَذْكُور
صادرا (من وَاجِب الِامْتِثَال) مَرْدُود (لما ذكرنَا) آنِفا
من أَنهم لَا يَقُولُونَ بِثُبُوت حكم الْفَرْع من اللَّفْظ
(وَالْفرق) بَين مَا نَص فِيهِ على علية علته، وَمَا ذكر من
مَادَّة النَّقْض من قبل الْحَنَفِيَّة (بِأَن الْقيَاس حق
الله تَعَالَى فَيَكْفِي فِيهِ) أَي فِي ثُبُوت حكمه
(الظُّهُور) أَي كَون اللَّفْظ دَالا عَلَيْهِ بِظَاهِرِهِ من
غير تَصْرِيح لمزيد الاهتمام بِشَأْنِهِ (وَالْعِتْق زَوَال حق
آدَمِيّ فبالصريح) أَي فَيثبت بِالصَّرِيحِ لَا بالظهور،
وَقَوله أعتقت إِلَى آخِره لَيْسَ بِصَرِيح (مَمْنُوع بِأَن
الْعتْق كَذَلِك) أَي يَكْفِي فِيهِ الظُّهُور (لتشوفه) أَي
لتطلع الشَّارِع وَكَمَال توجهه (إِلَيْهِ) أَي الْعتْق
فَإِنَّهُ أحب الْمُبَاحَات إِلَيْهِ (وَلِأَن فِيهِ) أَي
الْعتْق (حق الله تَعَالَى) لكَونه من الْعِبَادَات (وَلنَا
أَن ذكر الْعلَّة) من حَيْثُ هِيَ عِلّة (مَعَ الحكم يُفِيد
تعميمه) أَي الحكم (فِي محَال وجودهَا لِأَنَّهُ يتَبَادَر
إِلَى فهم كل من سمع حُرْمَة الْخمر لِأَنَّهَا مسكرة) أَي
الدَّال على حرمتهَا معللة بالإسكار (تَحْرِيم كل مَا أسكر) ،
وَفِيه أَنه يُنَافِي مَا مر من أَنهم لَا يَقُولُونَ بِثُبُوت
حكم الْفَرْع من اللَّفْظ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد نفي
ثُبُوته منطوقا أَو ثُبُوت حكم الْفَرْع بِخُصُوصِهِ فَتَأمل
(و) لِأَنَّهُ يتَبَادَر (من قَول طَبِيب لَا تَأْكُله) أَي
الشَّيْء الْفُلَانِيّ (لبرودته مَنعه) أَي الْمُخَاطب (من)
أكل (كل بَارِد، وَاحْتِمَال كَونه) أَي النَّص على الْعلَّة
(لبَيَان حكمته) أَي الحكم (مَعَ منع الْمُجْتَهد من) قِيَاس
(مثله) أَي مثل مَحل الحكم الْمَنْصُوص على علته (أَو أَنه)
أَي النَّص عَلَيْهَا فِي نَحْو حرمت الْخمر لإسكارها (لخُصُوص
إسكار الْخمر) لَا لمُطلق الْإِسْكَار (لَا يقْدَح فِي
الظُّهُور) أَي فِي كَونه ظَاهرا فِي الْإِطْلَاق، والظهور
كَاف فِي الْقيَاس الْمَبْنِيّ على الظَّن (كاحتمال خُصُوص
الْعَام بعد الْبَحْث) والتفحص (عَن الْمُخَصّص) وَعدم العثور
عَلَيْهِ (فَإِنَّهُ) أَي الْعَام (حِينَئِذٍ) أَي حِين بحث
عَن مخصصه وَلم يعثر عَلَيْهِ (ظَاهر فِي عدم التَّخْصِيص
فَبَطل مَنعه) أَي منع إِيجَاب النَّص على الْعلَّة
التَّعْدِيَة (بتجويز كَونه) أَي النَّص على الْعلَّة (لتعقل
فَائِدَة شرعيته) أَي الحكم (فِي ذَلِك الْمحل مَعَ قصره) أَي
الحكم (عَلَيْهِ) أَي ذَلِك الْمحل وَحَاصِله بَيَان
الْحِكْمَة لذَلِك الحكم الْمَخْصُوص بمحله عَن الشَّارِع،
فَالْفرق بَين هَذَا وَمَا تقدم عدم التَّقْيِيد بِمَنْع
الْمُجْتَهد من مثله صَرِيحًا (وَأبْعد مِنْهُ) أَي من التجويز
الْمَذْكُور أَن يُقَال (تَعْلِيل كَونه) أَي تَحْرِيم الْخمر
مُعَللا (بإسكارها) خَاصَّة لَا بِمُطلق الْإِسْكَار (بِأَن
حُرْمَة الْخمر لَا تعلل بِكُل إسكار) بل بالإسكار الْمُضَاف
إِلَيْهَا كَمَا فِي الشَّرْح العضدي، وَقَوله بِأَن صلَة
تَعْلِيل (لِأَن الْمُدَّعِي ظُهُور حرمتهَا لِأَنَّهَا مسكرة
فِي التَّعْلِيل بالإسكار) الْمُطلق (الدائر فِي كل إسكار، دون
الْإِسْكَار الْمُقَيد بِالْإِضَافَة الْخَاصَّة) وَهِي
الْإِضَافَة إِلَى الْخمر (لتبادر الْغَايَة) أَي خُصُوص
الْإِضَافَة (إِلَى عقل كل من فهم معنى السكر) الْمَأْخُوذ فِي
حرمتهَا
(4/112)
لِأَنَّهَا مسكرة، لَا يُقَال قد يُفِيد
بالمطلق بِالْقَرِينَةِ وَهِي مَوْجُودَة هَهُنَا لِأَن
الْمُعَلل حُرْمَة مُغَلّظَة فيناسبه أَن يكون فِي علته أَيْضا
غلظة وَلَا تُوجد تِلْكَ الغلظة فِي الْمُطلق على إِطْلَاقه،
لأَنا نقُول هَهُنَا مَا يُقَاوم اعْتِبَار مُقْتَضى وضع
اللَّفْظ من الْعُمُوم على أَن الْإِطْلَاق أنسب بِقصد
الشَّارِع من حسم مَادَّة الْفساد الْحَاصِل بِكُل مُسكر ثمَّ
أيد الأبعدية بقوله (واعترف هَذَا الْقَائِل) يَعْنِي القَاضِي
(بإفادة قَول الطَّبِيب لَا تَأْكُله لبرده التَّعْمِيم) أَي
الْمَنْع من أكل كل بَارِد (وَهُوَ) أَي حرمته الْخمر إِلَى
آخِره (مثله) أَي مثل قَول الطَّبِيب الْمَذْكُور (دون أَن
الْمَنْع) فِيهِ إِنَّمَا هُوَ (من ذَلِك الْبَارِد)
الْمَخْصُوص فَقَوله دون حَال من قَول الطَّبِيب، يَعْنِي أَن
قَوْله يُفِيد التَّعْمِيم حَال كَونه متجاوزا إِفَادَة أَن
الْمَنْع إِلَى آخِره (وَلَا يُعلل) الْمَنْع من ذَلِك
الْبَارِد (بِكُل برودة) بل ببرودته فَقَوله وَلَا يُعلل إِلَى
آخِره حَال من الْمَنْع الْمَذْكُور بعد دون، فَقَوله دون
إِلَى آخِره يُفِيد نفي إِفَادَة الْمَنْع من الْبَارِد
الْمَخْصُوص مُعَللا ببرودته الْمَخْصُوصَة، واعترافه هَذَا
مُخَالف لما ادَّعَاهُ فِي الْخمر (وَفرق الْبَصْرِيّ) بَين
التَّحْرِيم وَغَيره (بِأَن ترك الْمنْهِي) بارتكاب مَا نهى
عَنهُ (يُوجب ضَرَرا) وَهُوَ وُقُوع مفْسدَة نهى لأَجلهَا
(فَيُفِيد) النَّهْي عَنهُ بِهَذَا الِاعْتِبَار (الْعُمُوم
وَالْفِعْل لتَحْصِيل مصلحَة) كالتصدق على فَقير للمثوبة (لَا
يُوجب) الْفِعْل (كل تَحْصِيل) أَي كل تَحْصِيل مصلحَة حَتَّى
يلْزم من فَوَاته الْمصَالح كلهَا (لَا يُفِيد) مَطْلُوبه (بعد
ظُهُور أَنه) أَي النَّص على الْعلَّة (من الشَّارِع يُفِيد
إِيجَاب اعْتِبَار الْوَصْف) من حَيْثُ أَنه عِلّة (ويستلزم)
الْإِيجَاب الْمَذْكُور (وجوب التَّرْتِيب) أَي تَرْتِيب الحكم
عَلَيْهِ أَيْنَمَا وجد (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يجب
التَّرْتِيب (لَزِمت مُخَالفَة اعْتِبَاره أَي اعْتِبَار
الشَّارِع الْوَصْف عِلّة (وَهُوَ) أَي خلاف اعْتِبَاره (مُضر
كالنهي) أَي كَمَا أَن مُخَالفَة اعْتِبَاره فِي النَّهْي مُضر
(وَهَذَا) الَّذِي ذكرنَا مِمَّا يُخَالف مَا ذهب إِلَيْهِ
الْجُمْهُور (تَفْصِيل رد دليلهم) أَي الْجُمْهُور (الأول)
يَعْنِي انْتِفَاء دَلِيل الْوُجُوب (وَأما مَا ذكر) فِي أصُول
ابْن الْحَاجِب وَغَيره (من مسئلة لَا يجرى الْخلاف) أَي بَين
مثبتي الْقيَاس (فِي جَمِيع الْأَحْكَام) فِي الشَّرْح العضدي:
قد اخْتلف فِي جَرَيَان الْقيَاس فِي جَمِيع الْأَحْكَام
الشَّرْعِيَّة وأثبته شذوذ، وَالْمُخْتَار نَفْيه، ثمَّ نقل
عَن الْمَحْصُول أَن النزاع فِي أَنه هَل فِي الشَّرْع جمل من
الْأَحْكَام لَا يجرى فِيهَا الْقيَاس أَو ينظر فِي كل مسئلة
مسئلة هَل يجْرِي فِيهَا الْقيَاس أم لَا؟ (فمعلومة من
الشُّرُوط) ككون حكم الأَصْل مَعْقُول الْمَعْنى، وَكَون
الْفَرْع لَا يتَعَيَّن فِيهِ حكم نَص أَو إِجْمَاع إِلَى غير
ذَلِك فَلَا حَاجَة إِلَى أَفْرَاد مسئلة فِيهِ، يَعْنِي أَنه
علم من الشُّرُوط أَن مَا لَا يُوجد فِيهِ تِلْكَ الشُّرُوط
لَا يجْرِي فِيهِ الْقيَاس فَلَا حَاجَة فِيهِ إِلَى النّظر
هَل يجْرِي فِيهِ أم لَا، فَثَبت أَن فِي الشَّرْع
(4/113)
جملا لَا يجْرِي فِيهَا (يجب الحكم على الْخلاف الْمَنْقُول
على الْإِطْلَاق) بِأَن يَقُول الْبَعْض بِأَنَّهُ لَا يمْتَنع
جَرَيَانه فِي مسئلة من الْمسَائِل، وَالْبَعْض الآخر بامتناعه
فِي بَعْضهَا (بالْخَطَأ) صلَة الحكم يَعْنِي نقل الْخلاف على
هَذَا الْوَجْه خطأ قطعا فَيجب أَن يحكم عَلَيْهِ بالْخَطَأ. |