جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول

الباب العشرون
في جميع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين
وفيه فصلان:

(2/490)


الفصل الأول
في الأدلة (1)
ص: وهي على قسمين: أدلة مشروعيتها، وأدلة وقوعها. فأما أدلة مشروعيتها فتسعة عشر بالاستقراء (2) ، وأما أدلة وقوعها فلا يحصرها عَدَدٌ (3) .
فلنتكلَّمْ أولاً على أدلة مشروعيتها فنقول: هي الكتاب، والسنة، وإجماع* الأمة، وإجماع أهل (4) المدينة، والقياس، وقول الصحابي، والمصلحة المرسلة، والاستصحاب، والبراءة الأصلية، والعوائد، والاستقراء، وسدُّ الذرائع، والاستدلال، والاستحسان، والأخذ بالأخفِّ، والعصمة، وإجماع أهل الكوفة، وإجماع العِتْرة (5) ، وإجماع الخلفاء الأربعة. فأما الخمسة الأُوَل (6) فقد تقدَّم الكلام عليها (7) .
_________
(1) أي: الأدلة التي يستدل بها المجتهدون، والمراد هنا الكلام عن الأدلة المختلف فيها.
(2) هذا الاستقراء ناقص بدليل أن بعض علماء الأصول زاد على التسعة عشر التي ذكرها المصنف، مثل: إجماع المِصْرين (الكوفة والبصرة) ، وإجماع الحرمين، والتحرِّي، والأخذ بالاحتياط، والقرعة، ودلالة
الاقتران، ودلالة السياق، وعموم البلوى، والعمل بالشَّبَهين، والأخذ بأقل ما قيل، ومفهوم اللَّقب، والتعلُّق بالأولى ... إلخ. انظر: البحر المحيط للزركشي 8 / 5 - 118، حاشية على منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2 / 208.
(3) سيتكلم عنها المصنف في آخر هذا الفصل ص 524.
(4) ساقطة من ق، متن هـ.
(5) في س: ((العشرة)) وهو تصحيف.
(6) في س: ((الأولى)) .
(7) تقدم الكلام عن الكتاب في حكم تخصيص الكتاب والتخصيص به في باب العمومات ص 202
(
المطبوع) ، وعن السنة في باب الخبر ص (189) ، وعن الإجماع ص (119) ، وعن إجماع أهل المدينة ص (153) ، وعن القياس ص (300) والمصنف لم يقتصر كلامه عن الخمسة الأول، بل تحدَّث أيضاً عن إجماع أهل الكوفة ص (155) ، وإجماع العترة ص (155) ، وإجماع الخلفاء الراشدين ص (157) .

(2/491)


قول الصحابي
وأما قول الصحابي (1) : فهو حجة (2) عند مالكٍ (3)
والشافعي في قوله القديم (4) مطلقاً (5) ؛
لقوله عليه الصلاة والسلام ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) (6) .
_________
(1) ينحصر محل النزاع في قول الصحابي فيما للرأي فيه مجال، ولم يشتهر، وليس مما تعمُّ به البلوى، ولم يُعْرف له مخالف، ولا رجوعه عنه. انظر: الإحكام للآمدي 4 / 149، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 287، إعلام الموقعين 4 / 103، البحر المحيط 8 / 55، فواتح الرحموت 2 / 239، أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي د. مصطفى البغا ص 338، قول الصحابي وأثره في الفقه الإسلامي لشيخنا د. شعبان محمد إسماعيل ص 54، حجية مذهب الصحابي دراسة أصولية مقارنة لعبد الرحمن حللي ص 12.
(2) في متن هـ: ((وجه)) ولها وجه كما سيتضح من الهامش التالي.
(3) هذا هو المشهور عن الإمام مالك، وكتابه " الموطأ " حافل بالاحتجاج بآثار الصحابة، وروي عنه المنع مطلقاً، وزعم القاضي عبد الوهاب - كما في البحر المحيط للزركشي (8 / 57) - أنه هو الصحيح الذي يقتضيه مذهب مالك؛ لأنه نَصَّ على وجوب الاجتهاد واتباع ما يؤدي إليه صحيح النظر، وقيل مذهبه: التفصيل، وهو إن اشتهر قول الصحابي ولم يظهر له مخالف كان حجةً - وليس هو إجماعاً سكوتياً - وإلا فلا. انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 23، 143، التوضيح لحلولو ص 400، الضياء اللامع 3 / 146، نشر البنود 2 / 257، نيل السول ص 169، نثر الورود 2 / 572، الجواهر الثمينة للمشّاط ص 215. أما المالكية فمنهم من احتجَّ بقول الصحابي، ومنهم من لم يحتج به. انظر: الضروري في أصول الفقه لابن رشد ص 97، منتهى السول والأمل ص 206، تقريب الوصول

ص 341، مفتاح الوصول ص 753، الموافقات 4 / 446.
(4) اضطرب النقل عن الشافعي في هذه المسألة، ومن العلماء من ردّ هذا الاضطراب إلى الاشتباه بين مسألتين هما: اعتبار قول الصحابي حجة، وجواز تقليده. انظر تحريره في: نهاية السول 4 / 410. وعبارة الشافعي في رسالته ص (597) تدل على حجية قول الصحابي، وكذا في الأم 4 / 34. وقد أطال ابن القيم في إعلام الموقعين (4 / 104 - 106) في تحقيق مذهب الشافعي، وأنه يقول بحجية قول الصحابي في القديم والجديد، وعلّل وجهة نظر كل فريق في حكاية مذهبه، ونقل أقوالاً عن الشافعي نفسه تؤكّد مذهبه. وانظر: التبصرة ص 395، التلخيص 3 / 451، قواطع الأدلة 3 / 290، جمع الجوامع بحاشية العطار 2 / 396، التمهيد للإسنوي ص 499، البحر المحيط للزركشي 8 / 57 - 69، إجمال الإصابة في أقوال الصحابة للعلائي ص 41.
(5) المراد بالإطلاق هنا أي من غير تقييد ببعض الصحابة، ولا بمخالفة القياس، كما سيعلم مما بعده. وممن ذهب إلى حجية قول الصحابي بإطلاقٍ جماعةٌ من الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد عليها جمهور أصحابه. انظر: العدة لأبي يعلى 4 / 1181، أصول السرخسي 2 / 105، ميزان الأصول 2 / 697، جامع الأسرار للكاكي 3 / 911، القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص 240، شرح الكوكب المنير

4 / 422.
(6) سبق تخريجه في هامش.

(2/492)


ومنهم من قال: إن خالف القياس فهو (1) حجة وإلا فلا. ومنهم من قال: قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حجة دون غيرهما. وقيل: قول الخلفاء الأربعة حجة إذا اتفقوا (2) .
الشرح
حجة (3) كونه حجة (4) : أنه إذا خالف القياس يقتضي أنه إنما [قال به] (5) لنصٍّ فاشٍ (6) ، أما إذا لم يخالف القياس (7) فأمكن أن يكون عن اجتهاد فيكون كقول غير الصحابي، فيصير دليلاً لدلالته على الدليل عند هذا القائل، لا لكونه دليلاً في نفسه.
حجة الآخر (8) : قوله عليه الصلاة والسلام ((اقتدوا باللَّذَيْن من بَعْدي أبي (9) بكر وعمر)) (10) ومفهومه يقتضي أن غيرهما ليس كذلك.
حجة الآخر (11) : قوله عليه الصلاة والسلام ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عَضُّوا عليها بالنَّواجِذ)) (12) ومفهومه أن غيرهم ليس كذلك.
_________
(1) في متن هـ: ((فلا)) وهو خطأ بَيِّن بدليل ما بعدها.
(2) نقل المصنف أربعة أقوال في المسألة، وهناك أقوال أخرى، منها: أن مذهبه ليس بحجةٍ مطلقاً، ومنها: أنه حجة إذا انضم إليه قياس، ومنها: أنه حجة إذا كان معه خبر مرسل. انظر: شرح العمد 1 / 258، الإحكام لابن حزم 1 / 620، 2 / 258، اللمع للشيرازي ص 194 - 195، التمهيد لأبي الخطاب 3 / 331، كشف الأسرار للبخاري 3 / 407، البحر المحيط للزركشي 8 / 57، 60، التوضيح لحلولو ص 401، قول الصحابي وأثره في الفقه الإسلامي لشيخنا د. شعبان محمد إسماعيل ص 56.
(3) ساقطة من س.
(4) هذه حجة القائلين بأن قول الصحابي حجة إذا خالف القياس.
(5) في س، ن: ((عمل)) وهو ممكن، لكن المثبت أنسب؛ لأن المسألة في قول الصحابي لا عمله.
(6) ساقطة من ق.
(7) ساقطة من ن، ق.
(8) حجة القائلين بأن قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حجة دون سواهما.
(9) في س: ((أبو)) انظر هامش: (5) ص (466) .
(10) مرَّ تخريجه في هامش: (6) ص (466) .
(11) حجة القائلين بأن أقوال الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم حجة دون غيرهم.
(12) سلف تخريجه في هامش: (8) ص (157) .

(2/493)


المصلحة المرسلة
ص: المصلحة المرسلة (1) ،
والمصالح بالإضافة إلى شهادة الشرع لها بالاعتبار على ثلاثة أقسام (2) : ما شَهِد الشرع باعتباره، وهو القياس الذي تقدَّم (3) ، وما شهد الشرع بعدم (4) اعتباره، نحو: المنع من زراعة العنب لئلا يعصر (5) خمراً (6) ، وما لم يشهد له الشرع (7) باعتبارٍ (8) ولا بإلغاءٍ (9) وهو المصلحة المرسلة، وهي (10) عند مالك رحمه الله حجة (11) .
وقال الغزالي (12) : إن وقعت في محل (13) الحاجة [أو التتمة] (14) فلا (15) تعتبر،
_________
(1) المصلحة لغة: ضد المفسدة، وهي كالمنفعة وزناً ومعنى. انظر: مادة " صلح " في: لسان العرب، المصباح المنير، المعجم الوسيط. والمرسلة لغة: المُطْلقة، إذ الإرسال هو الإطلاق والإهمال. انظر مادة " رسل " في لسان العرب. واصطلاحاً: هي الوصف الذي يلائم تصرفات الشارع ومقاصده، لكن لم يشهد له دليلٌ معيّن خاص من الشرع باعتبارٍ ولا بإلغاءٍ، ولكن يحصل من ربط الحكم به جلب مصلحة أو دفع مفسدة. وتسمّى بالاستصلاح، وبالمناسب المرسل. انظر: المستصفى 1 / 416، الموافقات

1 / 32، التوضيح لحلولو ص 344، الاستصلاح والمصالح المرسلة في الشريعة الإسلامية د. مصطفى الزرقا ص 37.
(2) سبق ذكر هذا التقسيم.
(3) وهو المسلك الثالث من مسالك العلة، وهو المناسب. انظر: ص 324.
(4) ساقطة من ق.
(5) هنا زيادة: ((منها)) في ن.
(6) في ن، س، متن هـ: ((الخمر)) .
(7) ساقطة من ق، متن هـ.
(8) هنا زيادة: ((ولا عدم)) في ن، ولا داعي لها، لأنها تكرار لما بعدها.
(9) في ق: ((بإلغائه)) .
(10) ساقطة من متن هـ.
(11) لم يختلف الأصوليون في نسبة القول بحجية المصلحة المرسلة إلى الإمام مالك، وأنه في طليعة الآخذين بها، وأنه يعوِّل عليها كثيراً في استنباط الأحكام. انظر: منتهى السول والأمل ص 183، 208، تقريب الوصول ص 410، الاعتصام للشاطبي 2 / 135، التوضيح لحلولو ص 401، نيل السول ص 191، نثر الورود 2 / 505، الجواهر الثمينة للمشاط ص 249.
(12) هذا النقل بمعناه في: المستصفى 1 / 420 - 422.
(13) في ن، ق: ((موضع)) .
(14) ساقط من ق.
(15) في ق: ((لم)) .

(2/494)


وإن وقعت في محل (1) الضرورة فيجوز أن يؤدِّي إليها اجتهادُ مجتهدٍ، ومثاله: تَتَرُّس (2) الكفار بجماعةٍ (3) [من المسلمين] (4) ، فلو كَفَفْنا عنهم لصَدَمُونا (5)
[واستولوا علينا] (6) وقتلوا كافة المسلمين، ولو رميناهم لقتلنا التُّرْس (7) معهم (8) ، قال: فيُشْترط في هذه المصلحة (9) أن تكون كليةً* قطعيةً ضروريةً، فالكليَّة: احتراز (10) عما إذا تترّسوا في قلعة (11) بمسلمين، فلا يَحِلُّ رمي المسلمين إذ لا يلزم من ترك تلك القلعة (12) [فساد عام] (13) (14) ، والقطعية: احتراز (15) عما إذا لم يُقطع
_________
(1) في ن، ق: ((موضع)) .
(2) التَّتَرُّس لغة: التستر بالتُّرس، والترس: صفحة من الفولاذ تُحمل في اليد للوقاية من السيف ونحوه. انظر مادة " ترس " في: لسان العرب، تاج العروس.
(3) في ق: ((بالمسلمين)) .
(4) ساقط من س، ق.
(5) الصَّدْم: الضَّرْب بالجسم، والجيشان يتصادمان: إذا أصاب كلُّ واحدٍ الآخر بثِقْله وحِدَّته. انظر مادة
" صدم " في: لسان العرب، المصباح المنير.
(6) ساقط من ق.
(7) في ق: ((أكثر من)) .
(8) انظر تفصيل الفقهاء في أحكام التترُّس في أبواب الجهاد في: بدائع الصنائع 9 / 394، الحاوي 14/187، المغني 13 / 141، الذخيرة 3 / 408.
(9) في ن: ((المسألة)) .
(10) في ن: ((احترازاً)) سبق توجيهه.
(11) في ق: ((قطعة)) وهي ليست مناسبة هنا.
(12) في ق: ((قطعة)) وهي ليست مناسبة هنا.
(13) في س: ((فساداً عاماً)) ، وهو خطأ نحوي؛ لأنه فاعل للفعل: ((يلزم)) .
(14) هذا الاحتراز جعله الغزالي احترازاً بالضرورية لا بالكُليِّة. وعبارته: ((وليس في معناها ما لو تترَّس الكفار في قلعةٍ بمسلم، إذ لا يحلُّ رمي التُّرس، إذ لا ضرورة، فَبنا غُنيةٌ عن القلعة، فنعدل عنها)) المستصفى
1 / 421. وأمّا الاحتراز بالكلية فما ذكره هو: ((وليس في معناها: جماعةٌ في سفينة لو طرحوا واحداً منهم لنجوا وإلا غرقوا بجملتهم؛ لأنها ليست كُلِّية، إذ يحصل بها هلاك عددٍ محصورٍ. وليس ذلك كاستئصال كافة المسلمين ... وكذلك جماعةٌ في مَخْمصةٍ لو أكلوا واحداً منهم بالقرعة لنجوا، فلا رخصة فيه؛ لأن المصلحة ليست كُليِّة)) المصدر السابق.
(15) في ن: ((احترازاً)) انظر وجهها في: هامش (4) ص (45) .

(2/495)


باستيلاء الكفار علينا إذا لم نقصد الترس، وعن المضطر يأكل قطعة من فخذه (1) ،
والضرورية: احتراز (2) عن المناسب الكائن في محل الحاجة (3) والتتمة* (4) .
لنا أن الله تعالى إنما بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام لتحصيل مصالح العباد
[عملاً بالاستقراء] (5) ، فمهما وجدنا مصلحة غلب على الظن أنها مطلوبة للشرع.
الشرح
قد تقدَّم (6) أن المصلحة المرسلة في جميع المذاهب عند التحقيق (7) ؛ لأنهم يقيسون ويفرِّقون بالمناسبات ولا يطلبون شاهداً بالاعتبار، [ولا نعني بالمصلحة المرسلة إلا
ذلك.
ومما يؤكد العمل بالمصالح المرسلة أن* الصحابة رضوان الله عليهم عملوا أموراً
_________
(1) عبارة المستصفى (1 / 422) أوضح مما ها هنا ((وكذا قطْع المضطّر قطعةً من فخذه إلى أن يجد الطعام

- فهو كقطع اليد - لكن ربما يكون القطع سبباً ظاهراً في الهلاك، فيمنع منه؛ لأنه ليس فيه يقين
الخلاص، فلا تكون المصلحة قطعية)) .
(2) في ن: ((احترازاً)) انظر وجهها في: هامش (4) ص (45) .
(3) في ن: ((الحاجات)) .
(4) في اشتراط هذه القيود الثلاثة للحمل بالمصلحة نظر، وهو أمر لا يُتصوَّر ولا وقوع له في الشريعة. انظر: الضياء اللامع لحلولو 3 / 46 - 47.
(5) ساقط من متن هـ.
(6) انظر: ص 336.
(7) قال الزركشي: (( ... والمشهور اختصاص المالكية بها، وليس كذلك، فإن العلماء في جميع المذاهب يكتفون بمطلق المناسبة، ولا معنى للمصلحة المرسلة إلا ذلك)) البحر المحيط 7 / 274، وانظر أيضاً ما نقله عن غيره في (8 / 84) . وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: ((والحق أن أهل المذاهب كلهم يعملون بالمصلحة المرسلة وإن قرَّروا في أصولهم أنها غير حجة..)) مذكرة أصول الفقه ص 304، وانظر مذاهب العلماء في هذه المسألة في: البرهان للجويني 2 / 721، قواطع الأدلة 4 / 492، شفاء الغليل للغزالي ص 207، المحصول للرازي 6 / 165، 167، المسودة ص 450، نفائس الأصول 9 / 4095، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 320، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 289، التقرير والتحبير 3 / 381، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية د. محمد سعيد البوطي ص 307 - 357، نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي د. حسين حامد ص 47، 307، 466، 569، أصول الإمام أحمد د. عبد الله التركي ص 471.

(2/496)


لمطلق المصلحة لا لتقدم شاهدٍ بالاعتبار] (1) نحو: كتابة المصحف (2) ، ولم يتقدَّم فيها أمر ولا نظير، وولاية العهد من أبي بكر لعمر رضي الله عنهما (3) ولم يتقدم فيه أمر ولا نظير، وكذلك ترك الخلافة شورى (4) ، وتدوين الدواوين (5) ، وعمل السِّكَّة (6) للمسلمين، واتخاذ السجن (7) فعل ذلك عمر رضي الله عنه، وهَدّ (8)
الأوقاف التي بإزاء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتوسعة بها في المسجد عند ضيقه (9) فعله عثمان رضي الله عنه (10) ، وتجديد الأذان في الجمعة بالسوق، وهو الأذان الأول فعله (11) عثمان رضي الله عنه (12) ثم نقله هشام (13) إلى المسجد (14) ، وذلك كثير جداً لمطلق المصلحة.
_________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(2) كُتِبَ المصحف في عهد عثمان رضي الله عنه. انظر: صحيح البخاري (4987) ، الطبقات الكبرى لابن سعد 3 / 280. وقد جُمِع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه. انظر: صحيح البخاري (4986) ، الاعتصام للشاطبي 2 / 135، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1 / 181.
(3) انظر: المصنف لعبد الرزاق 5 / 449، السنن الكبرى للبيهقي 8 / 149، تاريخ الأمم والملوك للطبري
2 / 618، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 86، 144.
(4) انظر: المصنف لعبد الرزاق 5 / 480، تاريخ الأمم والملوك 3 / 392، تاريخ الخلفاء ص 146.
(5) الدواوين: جمع ديوان وهو مجتمع الصحف، والسجل أو الدفتر يُكتب فيه أهل الجيش وأهل العطية، وهو فارسي معرّب. انظر مادة " دون " في: لسان العرب. وانظر تدوين الدواوين في عهد عمر رضي الله عنه في: الطبقات الكبرى لابن سعد 3 / 294، الأحكام السلطانية للماوردي ص 307، الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 236.
(6) انظر: مقدمة ابن خلدون تحقيق د. علي عبد الواحد وافي 2 / 700.
(7) انظر: الطرق الحكمية لابن القيم ص 149.
(8) في ن: ((هدم)) وهو صحيح؛ لأن الهدّ هو الهدم الشديد. انظر: لسان العرب، مادة " هدد "،

وفي س: ((هذه)) وهو تحريف.
(9) انفردت نسخة ق هنا بزيادة: ((بدور الأوقاف)) .
(10) انظر: تاريخ الأمم والملوك 3 / 310، 322، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 172. وفي الطبقات الكبرى لابن سعد (3 / 283) أن عمر رضي الله عنه قام بتوسعة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(11) في ق: ((أحدثه)) .
(12) انظر: صحيح البخاري (912) ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 182.
(13) هو أبو الوليد هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي، كانت خلافته 20 سنة، توفي سنة 125 هـ.
انظر: شذرات الذهب 1 / 163، تاريخ الخلفاء ص 285.
(14) انظر: المدخل لابن الحاج 2 / 380، 404، 406، الاعتصام للشاطبي 2 / 20، الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة للألباني ص 17 - 31.

(2/497)


وإمام الحرمين قد عمل في كتابه المسمى بالغِيَاثِيّ (1) أموراً وجَّوزها وأفتي بها، والمالكية بعيدون عنها [وجَسَر عليها وقالها] (2) للمصلحة المطلقة (3) ،
وكذلك الغزالي في شفاء الغليل (4) مع أن الاثنين شديدان الإنكار علينا في المصلحة المرسلة (5) .
الاستصحاب
الاستصحاب (6) : ومعناه أن اعتقاد كون الشيء في الماضي أو الحاضر
يوجب ظن ثبوته في الحال أو الاستقبال (7) . فهذا الظن عند
_________
(1) هو كتاب شهير في موضوع فقه السياسة الشرعية، ألّفه الجويني لغياث الدولة نظام الملك الحسن الطُّوسي
(ت: 485 هـ) ، وزير السلطان السلجوقي أَلْب أَرْسلان. ويُسمّى أيضاً بـ: غياث الأمم في التياث الظُّلَم. مطبوع بتحقيق د. عبد العظيم الديب، مكتبة ابن تيمية - القاهرة - ط (2) - 1401 هـ.
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من ق.
(3) ذكر المصنف أمثلة منها في كتابه: نفائس الأصول 9 / 4096 - 4098، وانظرها مبثوثةً في كتاب

" الغياثي " في الصفحات: 283، 288، 308، 310، 312.
(4) انظر أمثلة عليها في الصفحات الواقعة بين (211 - 266) . وكتاب: " شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل " كتاب فريد في بابه، عظيم الفائدة، أقامه في بيان معنى القياس وأركانه مع تركيزه على مباحث العلة. مطبوع بتحقيق د. حمد الكبيسي - مطبعة الإرشاد - بغداد - 1390 هـ.
(5) كان الجويني والغزالي ممن نسبا إلى الإمام مالك الإفراط في أخذه بالمصلحة المرسلة، حتى أخرجاه عن حدِّ الاعتدال بزعمهم. انظر: البرهان 2 / 721 وما بعدها، المستصفى 1 / 422، شفاء الغليل ص 228 وما بعدها. قال الشاطبي: ((حتى لقد استشنع العلماء كثيراً من وجوه استرساله (مالك) زاعمين أنه خلع الربقة، وفتح باب التشريع، وهيهات ما أبعده من ذلك! رحمه الله)) الاعتصام (2 / 158) . ونقل الزركشي عن القرطبي قوله: ((وقد اجترأ إمام الحرمين وجازف فيما نسبه إلى مالك من الإفراط
في هذا الأصل. وهذا لا يوجد في كتاب مالك، ولا في شيء من كتب أصحابه)) البحر المحيط
(8 / 84) . ونقل حلولو عن الأبياري قوله: ((ما ذهب إليه الشافعي هو عين مذهب مالك، وقد
رام الإمام (إمام الحرمين) التفريق بين المذهبين، وهو لا يجد إلى ذلك سبيلاً أبداً ... )) الضياء اللامع
3 / 43.
(6) الاستصحاب لغة: الملازمة والمقارنة، واستصْحَبْتُ الكتاب وغيره: جعلتُه في صحبتي. انظر مادة
" صحب " في: أساس البلاغة، لسان العرب، المصباح المنير. وانظر ما قاله المصنف في بيان الحقيقة اللغوية للاستصحاب في: نفائس الأصول 9 / 4014 - 4015.
(7) انظر تعريفات أخرى له في: تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 172، تقريب الوصول ص 391، إعلام الموقعين 1 / 315. وما ذكره المصنف هنا هو أحد أنواع الاستصحاب، ويسمى استصحاب ثبوت الحكم الشرعي، كاستصحاب بقاء المِلْك بناءً على عقد صحيح في بيْع أو هبة، وكاستدامة حِلّ النكاح ... إلخ، ويُعبِّر عنه بعضهم: بأن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت خلافه. انظر الاستصحاب وأنواعه وحكمها في: العدة لأبي يعلي 4 / 1262، الإشارة للباجي ص 322، أصول السرخسي 2 / 224، المستصفى 1 / 378، ميزان الأصول 2 / 932، مفتاح الوصول ص 647، الإبهاج 3 / 168، البحر المحيط للزركشي 8 / 17، شرح الكوكب المنير 4 / 404.

(2/498)


مالك (1)
والإمام (2) والمزني (3) وأبي بكر الصيرفي رحمهم الله تعالى حجة (4) خلافاً لجمهور الحنفية (5) والمتكلمين (6) .
لنا: أنه قضاء (7) بالطرف (8) الراجح، فيصح كأُرُوش الجنايات [واتباع
الشهادات] (9) .
الشرح
حجة المنع: أن الاستصحاب أمر عام يشمل كل شيء، وإذا كثر عموم الشيء كثرتْ مخصصاته [وما كثرت مخصصاته] (10) ضعفت دلالته، فلا يكون حجة.
_________
(1) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 157، إحكام الفصول ص 694، المحصول لابن العربي

ص 541، التوضيح لحلولو ص 402، نشر البنود 2 / 253.
(2) انظر: المحصول 6 / 109.
(3) في ن: ((المازني)) وهو تحريف. والمُزني هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المُزَني نسبةً إلى مُزَيْنة، قبيلة من قبائل اليمن. صاحب الشافعي وأحد أعمدة المذهب، روى عن الشافعي ونعيم بن حماد وغيرهما، وروى عنه ابن خزيمة وابن أبي حاتم وغيرهما، له اجتهادات خاصة، وله كتاب: " مختصر المزني " (ط) ، اختصره من علم الشافعي، توفي سنة 264 هـ. انظر: طبقات الشافعية للإسنوي 1 / 34، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 1 / 438، وفيات الأعيان 1 / 217.
(4) انظر مذهبهما ومذهب الجمهور في: الإحكام لابن حزم 2 / 3، شرح اللمع للشيرازي 2 / 986، البرهان للجويني 2 / 735، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 251، نهاية الوصول للهندي 8 / 3953، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 148، سلاسل الذهب ص 425، التحقيقات في شرح الورقات لابن قاوان ص 578، أبو بكر الصيرفي وآراؤه الأصولية (رسالة جامعية) لأحمد بن جاسم الراشد ص 344.
(5) انظر: كتاب في أصول الفقه للاَّمشي ص 118، بذل النظر ص 673، بديع النظام (نهاية الوصول) لابن الساعاتي 2 / 611، كشف الأسرار للبخاري 3 / 662.
(6) انظر: المعتمد 2 / 325، المحصول للرازي 6 / 109، الإحكام للآمدي 4 / 127.
(7) في ق: ((قُضي)) .
(8) في ز، م: ((الظن)) .
(9) ساقط من ق ومتن هـ. ومعنى هذه الحجة: أن القضاء بالاستصحاب راجحٌ على منعه قياساً على القضاء بصدق مقوِّم أروش الجنايات، وقيم المتلفات؛ إذ الظاهر صدقه في ذلك لعدالته، فذلك راجح على
كذبه، وكذلك صدق الشاهد راجح على كذبه لعدالته. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1192.
(10) ساقط من ن.

(2/499)


والجواب: أن الظن الضعيف يجب اتباعه حتى توجد (1) معارضة الراجح عليه، كالبراءة الأصلية، فإن شمولها لم يمنع من التمسك بها حتى يوجد رافعها.
البراءة الأصلية
ص: البراءة الأصلية (2) : وهي استصحاب حكم العقل (3) في (4) عدم الأحكام خلافاً للمعتزلة والأَبْهَري وأبي الفَرَج منا.
لنا: أن ثبوت العدم في الماضي يوجب ظن [عدم ثبوته] (5) في الحال، فيجب الاعتماد على هذا الظن بعد الفحص عن رافعه، وعدم وجوده عندنا وعند طائفة من الفقهاء (6) .
الشرح
المعتزلة بنوا على مسألة التحسين والتقبيح، وأن كل ما هو ثابت بعد الشرع (7) ثابت قبله بالعقل، وقد تقدَّم حِجَاجهم وأجوبتها أول الكتاب (8) .
وأما الجمهور منا فعلى عدم الحكم إلا بعد البعثة، وأما الأَبْهَري وأبو الفَرَج وجماعة من الفقهاء فقالوا بالحَظْر مطلقاً وبالإباحة مطلقاً، وقد تقدم تفصيل مذاهبهم (9) ، وليس ذلك منهم موافقة للمعتزلة في تحكيم (10) العقل بل قالوا بذلك لأدلة سمعية وردت
_________
(1) في ن، س: ((يوجد)) وهو جائز والمثبت أرجح. انظر: هامش (11) ص 27.
(2) وهي ضَرْب من الاستصحاب ويُعبَّر عنها باستصحاب النفي أو استصحاب العدم الأصلي، وبالإباحة العقلية، ومنها قولهم: الأصل براءة الذمة.
(3) في ق: ((العقلي)) .
(4) في ق: ((و)) بدلاً من ((في)) وهو مقبولٌ أيضًا.
(5) في ن، متن هـ: ((عدمه)) .
(6) انظر: شرح اللمع 2 / 986، المستصفى 1 / 377، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 147، تقريب الوصول ص 394، الإبهاج 3 / 168، تشنيف المسامع 3 / 418، شرح الكوكب المنير 4 / 404، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص 286.
(7) في ن: ((البعثة)) .
(8) انظر ص 88 وما بعدها (المطبوع) .
(9) انظر ص 88، 92 (المطبوع) .
(10) في ن: ((حكم)) .

(2/500)


فقالوا بذلك لأجلها، فمن الوارد في الحَظْر قوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} (1) وذلك يقتضي أن المتقدِّم التحريم على العموم، وكذلك قوله تعالى
{أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} (2) . و [من أدلة الإباحة قوله تعالى] (3) : {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} (4) ، وقوله تعالى {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} (5) [ونحو ذلك مما يدل على الإباحة العامة] (6) ، فهم سُنِّيَّة لا معتزلة.
العُرْف والعادة
ص: العوائد (7) ، والعادة: غَلَبةُ معنىً من المعاني على الناس (8) .
وقد تكون هذه الغلبة (9) في سائر (10) الأقاليم كالحاجة للغذاء والتنفس في الهواء، وقد تكون خاصة ببعض البلاد [دون بعض] (11) [كالنقود والعيوب] (12) ، وقد تكون خاصة
_________
(1) المائدة، من الآية: 4.
(2) المائدة، من الآية: 1.
(3) ساقط من ق.
(4) البقرة، من الآية: 29.
(5) طه، من الآية: 50.
(6) ما بين المعقوفين جاء في ق هكذا: ((وذلك لا يدلُّ على الإباحة العقلية)) وهو صحيح أيضاً.
(7) جمع عادة، وتجمع على عاداتٍ، وعادٍ، وعِيْدٍ، سُميتْ بذلك؛ لأن صاحبها يعاودها، أي يرجع إليها مرةً بعد أخرى، وهي الدَّيْدَن. انظر مادة " عود " في: معجم المقاييس في اللغة، لسان العرب.
(8) هذا تعريفها الاصطلاحي، والعادة هي ما يطلق عليها بعضهم بالعُرْف، وقيل: بينهما عموم وخصوص مطلق، فالعادة أعم، والعرف أخص. انظر: كشف الأسرار للنَّسفي 1 / 182، تيسير التحرير
1 / 317، نَشْر العَرْف (رسائل ابن عابدين) 2 / 112، العُرْف والعادة د. أحمد فهمي أبو سنة

ص 11، العرف حجيته وأثره ... لعادل قوته 1 / 115.
(9) هذا شروع في تقسيم العُرف باعتبار من يصدر عنه، فهو ينقسم إلى: عُرْفٍ عامٍّ، كبيع المعاطاة. وعُرْفٍ خاصٍ، سواء كانت الخصوصية من جهة أهل بلدٍ معينٍ أم من طائفةٍ وفِرْقةٍ أم من أهل حِرْفةٍ وصناعة ... إلخ. انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 102، العرف والعادة د. أحمد أبو سنة ص 24، أثر العرف في التشريع الإسلامي لفضيلة شيخنا الدكتور / السيد صالح عوض ص 136، العرف حجيته وأثره ... لعادل قوته 1 / 261، المدخل الفقهي العام للشيخ مصطفى الزرقا 2 / 877.
(10) في ن، ق: ((جميع)) .
(11) ساقط من س، ن.
(12) في ن: ((كالدنانير والدراهم)) .

(2/501)


ببعض الفِرَق كالأذان للإسلام (1) ، والناقوس (2) للنصارى، فهذه العادة يُقْضَى بها عندنا (3) لما تقدَّم في الاستصحاب (4) .
الاستقراء
الاستقراء: وهو تتبُّع الحكْم في جزئياته على حالة يغلب على الظن أنه في صورة النزاع على تلك الحالة (5) ، كاستقراء الفَرْض في جزئياته (6) بأنه لا يُؤدَّى على الراحلة [فيغلب على الظن أن الوتر لو كان فرضاً لما أُدِّي على الراحلة*] (7) ، وهذا
_________
(1) في س: ((والإسلام)) وهو خطأ؛ لعدم دلالتها على المراد.
(2) الناقوس: هو مضراب النصارى الذي يضربونه لأوقات الصلاة، وهو قطعة طويلة من حديد أو خشب، وربما استعملت كلمة الناقوس للجرس. انظر مادة " جرس " في: لسان العرب، المنجد في اللغة.
(3) ساقطة من س.
(4) وهو قوله: ((لنا أنه قضاء بالطرف الراجح فيصحُّ ... )) ص (499) . وقد اتفقت المذاهب الفقهية على الاحتجاج بالعرف إجمالاً، وإنْ وُجد بينهم تفاوت في مدى اعتباره. وليس معنى حجية العُرْف كونه مصدراً للتشريع وإنشاء الأحكام كالكتاب والسنة، إنما المراد بحجيّته أن نصوص الشارع، وعبارات المتعاملين تُفسَّر وفْقاً للعُرْف الجاري بينهم. ويلاحظ أن كتب الأصول قلَّ أن تبحث في العوائد باعتبارها دليلاً مستقلاً، ولكنّها تبحثها في كونها من مخصَّصات العموم المنفصلة، لكن كتب القواعد الفقهية

تبحثها تحت قاعدة: ((العادة مُحكَّمة)) وما يتفرّع عنها. انظر: المسودة ص 123، تقريب الوصول
ص 404، الموافقات 2 / 483، الضياء اللاّمع 2 / 48، 3 / 57، التوضيح لحلولو ص 182، شرح الكوكب المنير 4 / 448، نشر البنود 2/265، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 564، 577، 584، الفروق 1 / 171، الإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام ... للقرافي ص 218، 232، إعلام الموقعين 3 / 71، 4 / 200، المنثور في القواعد للزركشي 2 / 256، 377، القواعد للحصني 1 / 357، غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر (لابن نجيم) لأحمد الحموي 1 / 295. وللوقوف على الشروط والضوابط المعتبرة للعمل بالعُرْف انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 182، نَشْر العرف (رسائل ابن عابدين) 2 / 114، المدخل الفقهي العام للزرقا 2 / 873، العرف والعادة د. أحمد فهمي ص 73، أثر العرف في التشريع الإسلامي د. السيد صالح ص 189، العرف حجيته وأثره ... لعادل قوته 1 / 231.
(5) هذا تعريف الاستقراء غير التام (الناقص) . وقد سبق التعريف به لغةً واصطلاحاً، كما سبق ذكر قسميه: التام والناقص في: هامش (5) ص (126) .
(6) جزئيات صلاة الفريضة: هي حالاتها من الأداء والقضاء والإتمام والقصر. انظر: رفع النقاب القسم
2 / 1201.
(7) ما بين المعقوفتين ساقط من س.

(2/502)


الظن حجة عندنا وعند الفقهاء (1) .
الشرح
في الاستدلال على عدم وجوب الوتر (2) بفعله عليه الصلاة والسلام إياه على الراحلة (3)
إشْكالٌ من جهة أنه لم يكن ذلك إلا في السفر، والمنقول أنه لم يكن واجباً هو ولا القيام (4) على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فما فعل على الراحلة إلا وهو غير واجب (5) .
سد الذرائع
ص: سد الذرائع: والذريعة (6) الوسيلة للشيء (7) ، ومعنى (8) ذلك: حسم مادة وسائل الفساد دفعاً له (9) ، فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلةً إلى المفسدة
_________
(1) انظر: دليل الاستقراء واختلاف المذاهب فيه في: المستصفى 1 / 103، المحصول للرازي 6 / 161، نهاية الوصول للهندي 8 / 4050، تقريب الوصول ص 397، البحر المحيط للزركشي 8 / 6، التوضيح لحلولو ص 404، شرح الكوكب المنير 4 / 417، فواتح الرحموت 2 / 413، الآيات البينات للعبادي 4 / 244، نثر الورود 2 / 566.
(2) سبقت الإشارة إلى خلاف العلماء في حكم صلاة الوتر.
(3) ثبتت في أحاديث عدة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الراحلة. انظر: صحيح البخاري (999، 1000،

1098) ، وصحيح مسلم برقم عام (700) وخاص (36، 37، 39) .
(4) اختلف العلماء في نسخ وجوب صلاة الليل (التهجد) عليه صلى الله عليه وسلم على قولين. انظر الناسخ والمنسوخ للنحّاس 3 / 126، الناسخ والمنسوخ لابن العربي 2 / 403، زاد المعاد 1 / 322، الخصائص الكبرى للسيوطي 2 / 396، أحكام القرآن للجصاص 3 / 627، الحاوي 2 / 3، المغني لابن قدامة 2 / 555.
(5) انظر هذا الإشكال في: نفائس الأصول 9 / 4078، رفع النقاب القسم 2 / 1202.
(6) ساقطة من ن.
(7) هذا معناها اللغوي، وهي مأخوذة من " ذَرَع " وهو أصلٌ يدلُّ على الامتداد والتحرك إلى أمام، انظر: لسان العرب، معجم المقاييس في اللغة.
(8) في متن هـ: ((فسدُّ)) وهو صحيح أيضاً.
(9) هذا إشارة إلى ثمرة وفائدة سد الذرائع؛ لأن الذريعة اصطلاحاً: التوصل بمباح إلى ما فيه جناح، أو هي عبارة عن أمرٍ غير ممنوع في نفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع. انظر تعريفات الذريعة اصطلاحاً
في: الحدود للباجي ص 68، الموافقات 5 / 183، رفع النقاب القسم 2 / 1204، مجموع الفتاوي لشيخ الإسلام ابن تيمية 3 / 139، الجامع لأحكام القرآن 2 / 57 - 58.

(2/503)


منعنا من ذلك الفعل، وهو مذهب مالك رحمه الله (1) .
تنبيه: يُنْقل عن مذهبنا أن من خواصِّه اعتبار العوائد، والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع (2) ، وليس كذلك.
أما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقرأها (3) وجدهم يصرِّحون بذلك فيها (4) .
وأما المصلحة المرسلة فغيرنا يصرِّح بإنكارها، ولكنهم عند التفريع نجدهم (5) يعلِّلون بمطلق المصلحة، ولا يطالبون أنفسهم عند الفروق والجوامع بإبداء الشاهد (6) لها بالاعتبار، بل يعتمدون على مجرد المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة (7) .
وأما الذرائع* فقد أجمعت الأمة على أنها ثلاثة أقسام:
أحدها: معتبرٌ إجماعاً، كحفر الآبار في طُرُق المسلمين، وإلقاء السمِّ في أطعمتهم، وسبّ الأصنام عند من يعلم من حاله أنه [يسبُّ الله تعالى] (8) حينئذٍ (9) .
_________
(1) انظر: إحكام الفصول ص 689، الإشارة في معرفة الأصول ص 314، تقريب الوصول ص 415، الموافقات 3 / 75، 130، 5 / 182، نشر البنود 2 / 259، منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط

2 / 213، أحكام القرآن لابن العربي 2 / 265، 331، الفروق 2 / 33، 3 / 266، القواعد للمقري 2 / 471.
(2) ذكر الشوشاوي أن أرباب المذهب ذكروا انفراد مالك بخمسة أشياء: هذه الثلاثة المذكورة، ومراعاة الخلاف، والحكم بين الحكمين. فأما الثلاثة المذكورة فليست من خصوصياته، وأما الأخيران فمن انفراداته. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1205.
(3) في ق: ((استقرارها)) وهو تحريف.
(4) ذكر ابن العربي بأن العادات أصل من أصول مالك، أباها سائر العلماء لفظاً، ولكنهم يرجعون إليها على القياس معنىً. انظر: القبس في شرح الموطأ 2 / 819، وانظر: هامش (4) ص (502) .
(5) ساقطة من ن، وفي متن هـ: ((تجدهم)) .
(6) في س: ((الشواهد)) .
(7) انظر: هامش (7) ص (496) ، وهامش (6) ص (498) .
(8) في ق: ((سبب)) .
(9) ضابط ما أجمعوا على سدّه أن المنع فيه يرجع إما لنصٍّ أو إجماعٍ على قطعية إفضائه لمفسدة. انظر: سد الذرائع في الشريعة الإسلامية لمحمد هشام البرهاني ص 107.

(2/504)


وثانيها: مُلْغىً إجماعاً، كزراعة العنب، فإنه لا يُمْنع خشية الخمر، والشَّرِكة في سكنى الدُّوْر خشية الزنا (1) .
وثالثها: مختلفٌ فيه، كبيوع الآجال (2) ، اعتبرنا نحن الذريعة فيها وخَالَفَنا
غيرُنا، فحاصل القضية أنَّا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا، لا أنها خاصة بنا (3) .
علاقة الوسائل بالمقاصد
واعلم أن الذريعة كما يجب سدُّها، يجب فتحها، ويكره، ويندب، ويباح (4) ، فإن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج (5) . وموارد الأحكام على قسمين (6) : مقاصد: وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل: وهي الطرق المُفْضية إليها، وحكمها كحكم ما أفْضَتْ إليه من تحريمٍ أو تحليلٍ، غير أنها أخفض رتبةً من المقاصد في حكمها (7) ، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما [هو متوسط] (8) متوسطة (9) ، وينبِّهُ على اعتبار الوسائل قولُهُ
_________
(1) ضابط ما أجمعوا على عدم سدّه ندرة إفضائه إلى المحظور، وأن الإفضاء إليه ليس مباشراً. انظر: المرجع السابق ص 106.
(2) هي: بيع المشتري ما اشتراه لبائعه أو وكيله لأَجَلٍ. الشرح الصغير على أقرب المسالك للدردير 3 / 116. ولها صور كثيرة، منها الجائز، ومنها الممنوع. انظر: بداية المجتهد 4 / 521، جامع الأمهات لابن الحاجب ص 352، القوانين الفقهية لابن جزي ص 275، تهذيب الفروق للمكي (بهامش الفروق)
3 / 275، شرح الزرقاني على مختصر خليل 5 / 98. وانظر: المغني 6 / 260، المجموع 10/141، 148، تبيين الحقائق 5 / 125.
(3) انظر مذهب غير المالكية في سد الذرائع في: إبطال الاستحسان للشافعي (بذيل الأم: طبعة بولاق)
7 / 267 - 270، الإحكام لابن حزم 2 / 180، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 214، البحر المحيط للزركشي 8 / 89، شرح الكوكب المنير 4 / 434، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام
ص 182، إعلام الموقعين 3 / 121، الأشباه والنظائر لابن السبكي 1 / 119، بدائع الصنائع 3 / 34.
(4) انظر الأمثلة عليها في: رفع النقاب القسم 2 / 1214.
(5) ساقطة من ن.
(6) انظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 88، الفروق 2 / 33، إعلام الموقعين 3 / 121.
(7) في ن: ((أحكامها)) .
(8) في س: ((يتوسط)) ، وفي ن: ((توسط)) .
(9) انظر الأمثلة على ما سبق في: رفع النقاب القسم 2 / 1215.

(2/505)


تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} (1) فأثابهم [الله على الظمأ والنَّصَب وإن لم يكونا] (2) من فعلهم؛ [لأنهما حصلا لهم] (3) بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصَوْن المسلمين، فالاستعداد وسيلة الوسيلة.
قاعدة (4) : كلما (5) سقط اعتبار المَقْصد سقط اعتبار الوسيلة، فإنها تَبَع [له في الحكم] (6) ، وقد خولفت هذه القاعدة في الحج في إمرار الموسى على رأس من لا شَعْر له مع أنه وسيلة إلى إزالة الشعر، فيُحتَاج إلى ما يدل على (7) أنه مقصود في نفسه، وإلا* فهو مُشْكل (8) .
تنبيه: قد تكون (9) وسيلة المحرم غير محرَّمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة،
_________
(1) التوبة، من الآية: 120. والنَّصَب: التعب، والمَخْمصة: المجاعة الشديدة، ولا يطؤون موطئاً: لا يدوسون مكاناً من أمكنة الكفار، نيلاً: قتلاً أو أسراً أو هزيمةً أو غنيمةً. انظر: فتح القدير للشوكاني
2 / 433.
(2) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((على ما ليس)) .
(3) ساقط من ق.
(4) انظرها في: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 178، الفروق 2 / 33، الموافقات 2 / 34، القواعد للمقري 1 / 329.
(5) في ق: ((كما)) .
(6) ساقط من ن، ق، متن هـ.
(7) ساقطة من ن.
(8) ونظير هذا الفرع من ولد مختوناً، فهل يجب إمرار الموسى على حشفته أم لا؟ في كلا الفرعين قولان. وسبب الخلاف هو: هل إجراء الموسى مقصود لنفسه أو هو وسيلة لإزالة الشعر وإزالة الغُرْلة؟ فمن جعله مقصوداً أوجبه، ومن جعله وسيلةً أسقطه، ومن لم يوجب إمرار الموسى على رأس من لا شعر له عَلَّل بأنه عبادة تتعلّق بجزءٍ من البدن، فتسقط بذهابه قياساً على طهارة اليد إذا قطعت. ومن أوجب علّل بأنه عبادة تتعلق بالشعر فتتعلق بالبشرة عند ذهابه قياساً على مسح الرأس في الوضوء. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1219. وانظر المسألة في: المبسوط 4 / 70، بدائع الصنائع 3 / 99، الحاوي 4/ 162، حلية العلماء 1 / 296، المغني 5 / 306، مواهب الجليل 4 / 181.
(9) في ق، متن (هـ) : ((يكون)) وهو جائز والمثبت أرجح، انظر: هامش (11) ص 27.

(2/506)


كالتوسل إلى فِداء الأُسارى بدفع (1) المال إلى العدو والذي [هو محرَّم] (2) عليهم للانتفاع به لكونهم مخاطبين بفروع الشريعة عندنا، وكدفع مالٍ لرجلٍ يأكله حراماً حتى لا يزني بامرأةٍ إذا عُجِزَ عن ذلك إلا به، وكدفع المال للمُحارِب (3) حتى لا يَقْتَتِل (4) هو وصاحب (5) المال، واشترط مالك رحمه الله فيه اليسارة (6) .
عذر العالم في مخالفة الدليل
ومما شُنِّع على (7) مالك رحمه الله مخالفته لحديث بيع الخيار مع روايته له* (8) ، وهو مَهْيَع (9) مُتَّسِع، ومسلك غير ممتنع، فلا يوجد عالم إلا وقد خالف من كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام أدلةً كثيرةً ولكن لمعارضٍ راجحٍ عليها عند مخالِفِها (10) ، وكذلك مالكٌ ترك هذا الحديث لمعارضٍ راجحٍ عنده (11) ، وهو عمل أهل المدينة (12) . فليس هذا باباً اخترعه، ولا بِدْعاً ابتدعه (13) .
_________
(1) ساقطة من ق.
(2) في متن هـ: ((حرم)) .
(3) المحارب هو: كل من قصد بفعله أخذ مالٍ على وجهٍ تتعذّر معه الاستغاثة عادةً من رجلٍ أو امرأةٍ أو حرٍّ أو عَبْدٍ أو مسلم أو ذِمِّي أو مُسْتأْمَر، أو مُخِيْفٌ للسبيل وإن لم يَقْتل، وإن لم يأخذْ مالاً. انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب ص 523.
(4) في ق: ((يقبل)) والمثبت هو الصواب.
(5) في ن: ((وربّ)) .
(6) في ق: ((السادسة)) وهو خطأ، لا معنى له. وانظر: الفروق 2 / 33.
(7) في ن، ق: ((عن)) والذي رأيته في: لسان العرب مادة " شنع " تعدِّيه بنفسه، وبعلى، وبالباء. والله أعلم.
(8) تقدَّمت هذه المسألة في ص 264، هامش (2) ، (3) .
(9) ساقطة من ق. والمَهيْع: الواضح، الواسع، البيِّن، أوصاف للطريق. ويقال للطريق المنبسط الواسع: مَهْيَع. انظر: مادة " هيع " في لسان العرب.
(10) في متن هـ: ((مخالفتها)) وهو مستقيم أيضاً، من باب إضافة المصدر إلى مفعوله.
(11) ساقطة من متن هـ.
(12) انظر: المدونة 3 / 234، المقدمات الممهدات لابن رشد 2 / 95.
(13) في متن هـ: ((افترعه)) وهو متَّجه؛ لأن الافتراع: ابتداء الشيء. انظر: مادة " فرع " في لسان
العرب.

(2/507)


ومن هذا الباب (1) ما يُروى* عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: ((إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي)) (2) أو ((فاضربوا بمذهبي عُرْض (3) الحائط)) (4) ،
فإن كان مراده مع (5) عدم المعارض، فهذا مذهب العلماء كافة وليس خاصاً به، وإن كان مع وجود المعارض، فهو خلاف الإجماع، فليس هذا القول [خاصاً بمذهبه] (6) كما ظنه بعضهم (7) .
الشرح
كثير من فقهاء الشافعية يعتمدون على هذا، ويقولون (8) : مذهب الشافعي كذا؛ لأن الحديث صحَّ فيه، وهو غَلَطٌ؛ فإنه لابد من انتفاء المعارض، والعلم بعدم المعارض
_________
(1) أي من باب: مخالفة العالم للحديث.
(2) قال تقي الدين السبكي في كتابه: " معنى قول الإمام المطَّلبي: إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي " ص (71) ، ((وهو قولٌ مشهور عنه، لم يختلف الناس أنه قاله، وروي عنه معناه أيضاً بألفاظٍ مختلفة)) . وهي تنسب أيضاً للإمام أبي حنيفة. انظر نسبتها للشافعي في: المجموع للنووي 1 / 104، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 81، إيقاظ همم أولي الأبصار للفلاني ص 107. وانظر نسبتها إلى أبي حنيفة في: رَسْم المفتي (من مجموعة رسائل ابن عابدين) 1 / 4، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 1 / 167، إيقاظ همم أولي الأبصار ص 62.
(3) عُرْض الحائط: أي جانبه وناحيته وجهته. انظر: لسان العرب مادة " عرض ".
(4) انظر عبارات الشافعي حول هذا المعنى في: " الرسالة " الفقرات: 598، 905، 1168، كتاب:

" اختلاف الحديث " مطبوع مع مختصر المزني (بذيل الأم) ص 8 / 481.
(5) ساقطة من ق.
(6) في ق: ((خاصة به)) .
(7) لتقي الدين السبكي وقفة طويلة يعارض فيها توجيه القرافي لقول الشافعي: ((إذا صح الحديث فهو مذهبي)) وأثبت أن مقولة الشافعي من خصوصيات مذهبه، لا كما قال المصنف هنا، فكان مما قال في هذا الصَّدد بأن العلماء كافة متّبعون للحديث إذا سلم من المعارض، فإذا لم يبلغهم كانوا في أوسع العذر، والشافعي يشترك معهم في ذلك، ويمتاز عنهم بأنه علّق القول بالحديث على صحته، فمتى صحّ كان مذهباً له، وصحّ نسبته إليه. والأمر الآخر أن بعض العلماء وضعوا أصولاً وقواعد بنوا مذاهبهم عليها، ولأجلها ردّوا بعض الأحاديث، كمن قدّم عمل أهل المدينة أو القياس على الخبر، أما الشافعي فليس له قاعدة يردُّ بها الحديث، فمتى صحَّ كان قائلاً به وهو مذهبه. انظر: معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي ص 141 - 172.
(8) في س: ((ويقول)) وهو جائز بالنظر إلى لفظ الإفراد في " كثير ".

(2/508)


يتوقف على من له أهلية استقراء الشريعة حتى يحسن أن يُقال لا معارض لهذا الحديث، وأما استقراء غير المجتهد المطلق فلا عبرة به، فهذا القائل من الشافعية ينبغي أن يُحصِّل لنفسه أهلية هذا الاستقراء قبل أن يُصرِّح بهذه الفُتْيا، لكنه ليس كذلك، فهم مُخْطئون في هذا القول (1) .
الاستدلال
ص: الاستدلال (2) : وهو محاولة الدليل المفضي إلى الحكم الشرعي من جهة القواعد (3) لا من جهة الأدلة المنصوبة (4) ، وفيه قاعدتان:
القاعدة الأولى: في الملازمات (5) ، وضابط الملزوم ما يحسن فيه " لو "، واللازم
_________
(1) ناقش الزركشي المصنف في هذا القول، ووصمه بأنه تحجير منه. انظر: البحر المحيط 8 / 344.
(2) الاستدلال لغةً: طلب الدليل. انظر: مادة " دلل " في لسان العرب.
(3) معناه: أن الاستدلال هو إقامة الدليل الموصل إلى الحكم الشرعي من جهة القوانين العقلية، لا من جهة الأدلة التي نصبت لذلك من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الشرعي. انظر: رفع النقاب القسم
2 / 1229. وللاستدلال اطلاقات أخر متباينة فيما بينها. وله أنواع كثيرة يتفاوت العلماء في عدّها وحصرها، لأنه مصطلح فَضْفَاض. انظر بحث الاستدلال تحديداً وتقسيماً واحتجاجاً في: إحكام الفصول ص 672، شرح اللمع 2 / 815، الإحكام للآمدي 4 / 118، نهاية الوصول للهندي 8 / 4039، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 280، تقريب الوصول ص 387، تشنيف المسامع
3 / 408، التقرير والتحبير 3 / 381، التوضيح لحلولو ص 405، شرح الكوكب المنير 4 / 397، الآيات البينات للعبادي 4 / 239، نشر البنود 2 / 249، إرشاد الفحول 2 / 45، الاستدلال عند الأصوليين د. علي العميريني ص 18 - 51.
(4) في س: ((المنصوصة)) .
(5) يسمى هذا بالاستدلال بالتلازم، ويسميه المناطقة بالقضية الشرطية، وبالقياس الاستثنائي، وهو مركّب من مقدمتين، الأولى: منهما مركّبة من قضيّتين، تُقْرَن الأولى بحرف شرطٍ كـ" لو " أو " إنْ " ونحوهما، وتسمّى بالملزوم أو المقدَّم، والقضية الأخرى هي جواب الشرط، قد تُقْرن بالفاء ونحوها، وتُسمَّى باللازم أو التالي. والمقدمة الثانية: استثناء من قضية واحدة يُقرن بها حرف استثناء مثل: " لكن " أو لا يُقْرن ويكون الكلام في معناه. مثاله: لو كان هذا إنساناً فهو حيوان، لكنه إنسان فهو حيوان أو لكنه ليس إنساناً فليس بحيوان. انظر: تقريب الوصول ص 124، شرح الكوكب المنير 4 / 398، نثر الورود 2 / 563، حاشية الصبان على شرح السُّلم للملّوي ص 141، حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 247، شرح المطلع على متن إيساغوجي للأنصاري ص 62، آداب البحث والمناظرة للشنقيطي القسم الأول ص 90.

(2/509)


ما يحسن فيه " اللاَّم " كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (1) ، وكقولنا: لو (2) كان هذا الطعام مُهْلكاً فهو حرام، تقديره: لو كان مهلكاً لكان حراماً.
والاستدلال إما بوجود الملزوم أو بعدمه، أو بوجود اللازم أو بعدمه، فهذه الأربعة منها [اثنان منتجان واثنان عقيمان، فالمنتجان] (3) :
الاستدلال بوجود الملزوم على وجود اللازم وبعدم اللازم على عدم (4) الملزوم (5) ، فكل ما أنتج [عدمُه فوجوده عقيم، وكل ما أنتج] (6) وجودُه فعدمه عقيم، إلا أن يكون اللازم مساوياً للملزوم فتنتج الأربعة، نحو قولنا: لو كان هذا إنساناً (7) لكان ضاحكاً بالقوة (8) ، ثم الملازمة قد تكون: قطعية، كالعَشَرة مع الزوجية، وظنية، كالنجاسة مع كأس الحَجَّام (9) ،
وقد تكون: كليَّة، كالتكليف مع العقل، فكل مكلف عاقل في سائر
_________
(1) الأنبياء، من الآية: 22.
(2) في ن، س، متن هـ: ((إنْ)) وهو صحيح أيضًا.
(3) ما بين المعقوفين في س هكذا: ((اثنتان منتجتان، واثنتان عقيمتان، فالمنتجتان)) والمثبت هو الصواب،

لأن المعدود مذكّر، يدلُّ عليه العدد " الأربعة " والعدد " اثنان " يتبع معدوده تذكيراً وتأنيثاً. انظر: أوضح المسالك لابن هشام 4 / 231.
(4) ساقطة من ن.
(5) والعقيمان: هما الاستدلال بعدم الملزوم، والاستدلال بوجود اللازم. فمثلاً؛ في قولنا: لو كان هذا الطعام مهلكاً لكان حراماً، هنا الاستدلالان المنتجان هما: بأن يستدلّ بوجود الهلاك على وجود التحريم، ويستدل بعدم التحريم على عدم الهلاك. والاستدلالان العقيمان هما: بأن يستدل بعدم الهلاك على عدم التحريم أو وجوده، فإنه عقيم لا ينتج؛ لأن الطعام غير المهلك قد يكون حلالاً كالطعام غير المسموم لا النجس، وقد يكون حراماً كالمغصوب أو النجس. وكذلك الاستدلال بوجود التحريم على وجود الهلاك أو عدمه استدلال عقيم؛ لأن الطعام المحرم قد يكون مهلكاً كالسموم، وقد يكون غير مهلك كالمغصوب أو النجس. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1231.
(6) ما بين المعقوفين ساقط من ن.
(7) في س: ((إنسان)) وهو خطأ نحوي، لعدم انتصابه على أنه خبر ((كان)) .
(8) في هذا المثال - لو كان هذا إنساناً لكان ضاحكاً بالقوة - تنتج الأربعة، وهي: لكنه إنسان فهو ضاحك، لكنه ضاحك فهو إنسان، لكنه ليس بإنسان فليس بضاحك، لكنه ليس بضاحك فليس بإنسان، وكل هذا بسبب تساوي اللازم والملزوم. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1233.
(9) أي: ملازمة النجاسة لكأس الحجّام، فلا توجد كأس الحجّام إلا ومعها نجاسة ظنية، فنقول: لو كان هذا كأس حجّام لكان نجساً، وإنما كانت هذه الملازمة ظنية؛ لأن كأسه قد لا تكون نجسة لأنه لم يَحْجِم بها أحداً بَعْد، أو حجم بها ثم غسلها..انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1233.

(2/510)


الأزمان والأحوال، فكليتها [باعتبار ذلك] (1) لا باعتبار الأشخاص، وجزئية، كالوضوء مع الغُسْل، فالوضوء لازم للغسل إذا سَلِم من النواقص حالة إيقاعه فقط، فلا جَرَم* لم يلزم من انتفاء اللازم الذي هو الوضوء انتفاء الملزوم الذي هو الغسل؛ لأنه ليس كلياً، بخلاف انتفاء العقل فإنه (2) يوجب انتفاء التكليف في سائر الصور.
الشرح
استدل مرَّة (3) بعض الفضلاء على [أن المغتسِل] (4) لا يكفيه غُسْله للصلاة حتى يتوضأ - وهو قول بعض العلماء (5) - بإن قال: القاعدة العقلية أنه يلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم، فلو كان الوضوء لازماً للغسل [لكان يلزم من انتفائه انتفاء
الغسل] (6) ، [فيلزم من انتفاء الطهارة الصغرى انتفاء الطهارة الكبرى] (7) فإذا أحْدث الحَدَث الأصغر يلزمه (8) الغسل، وهو خلاف الإجماع، فلا تكون الطهارة الصغرى لازمة للطهارة الكبرى وهو المطلوب.
والجواب: ما تقدَّم أن الملازمة جزئية في بعض (9) الأحوال، وهي حالة الابتداء فقط، وأما بعد ذلك فليست لازمة، فلا يلزم من انتفاء ما ليس بلازمٍ انتفاء شيء
ألبتة.
_________
(1) في متن هـ: ((بذلك)) .
(2) ساقطة من جميع النسخ ما عدا النسختين م، ز، وإثباتها أليق بالسياق.
(3) ساقطة من س.
(4) في ق: ((الغسل)) .
(5) هذا القول أحد الأوجه عند الشافعية، وهو الرواية المقدَّمة عند الحنابلة عليها المذهب. انظر: المجموع
2 / 223 وما بعدها، مغني المحتاج 1 / 223، المغني 1 / 289، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 1 / 259. وانظر المسألة في: المبسوط 1 / 44، الحاوي 1 / 221، الذخيرة 1 / 307، 310، مواهب الجليل 1 / 459.
(6) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((لانتفى الغسل بانتفائه)) .
(7) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(8) في ن: ((يلزم)) .
(9) ساقطة من ق.

(2/511)


وكذلك نقول (1) : إن كل مؤثر فهو لازم لأثره حالة إيقاعه، وقد ينتفي الصانع وتبقى الصَّنْعة بعده؛ لأن الملازمة بينهما جزئية في بعض الأحوال، وهي حالة الحدوث فقط، وما عدا تلك الحالة لا ملازمة بينهما فيها، فلا يلزم النفي من النفي، فكذلك لا يلزم من انتفاء (2) الطهارة [الصغرى انتفاء الطهارة] (3) الكبرى بعد زمن الابتداء لعدم الملازمة في بقية الأحوال غير الابتداء بشرط السلامة عن النواقض.
ص: القاعدة الثانية: أن (4) الأصل في المنافع الإذن (5) وفي المضارِّ المنع بأدلة السمع لا بالعقل، خلافاً* للمعتزلة (6) ، وقد تعظم المنفعة (7) فيصحبها الندب (8) ، أو الوجوب مع الإذن، وقد تعظم المضرَّة فيصحبها التحريم على قدر رُتْبتها (9) فيستدل على الأحكام بهذه القاعدة.
الشرح
يعلم ما يصحبه الوجوب أو الندب أو التحريم أو الكراهة بنظائره من الشريعة وما عهدناه في تلك المادة.
_________
(1) في ق: ((تقول)) .
(2) في س، ق: ((نفي)) .
(3) ساقط من س.
(4) ساقطة من ق، متن هـ.
(5) من العلماء من نبّه على استثناء: الدم، والمال، والفرج، والعِرْض من قاعدة: ((الأصل في المنافع الإباحة)) . انظر: البحر المحيط للزركشي 8 / 12، التوضيح لحلولو ص 408.
(6) سبق بحث مسألة: حكم الأشياء قبل ورود الشرائع. أما هذه المسألة فهي مسألة: الأصل في الأشياء بعد ورود السمع. وقد خلط بعضهم بين المسألتين وأجرى نفس الخلاف. انظر: المحصول للرازي 6 / 97، نهاية الوصول للهندي 8 / 3938، الإبهاج 3 / 165، نهاية السول للإسنوي 4 / 352، البحر المحيط للزركشي 8 / 8، الضياء اللامع 3 / 141، الآيات البينات للعبادي 4 / 264. وانظر: تحكيم المعتزلة للعقل في مسألة المنافع والمضار في: المعتمد 2 / 315، منهاج الوصول للمهدي بن المرتضى ص 813.
(7) في ن: ((المصلحة)) .
(8) في ق: ((الثواب)) وهو غير مناسب؛ لأن المراد هنا تقرير الأحكام لا الجزاء.
(9) أو الكراهة. وإذا استوت المنفعة والمضرة صار مباحاً.

(2/512)


الاستحسان
ص: الاستحسان (1) ، قال الباجي: هو القول بأقوى الدليلين (2) ، وعلى هذا يكون حجة إجماعاً، وليس كذلك (3) . وقيل: هو الحكم بغير دليلٍ، وهذا (4) اتباع (5) للهوى، فيكون حراماً إجماعاً. وقال الكرخي: هو العدول عما حُكِم به في نظائر مسألة (6) إلى خلافه لوجهٍ أقوى منه (7) ،
وهذا يقتضي أن يكون العدول عن (8) العموم إلى الخصوص استحساناً (9) ، ومن [المنسوخ إلى النَّاسِخ] (10) . وقال أبو الحسين: ((هو ترك وجه من وجوه الاجتهاد (11) غير شاملٍ شمولَ الألفاظ لوجه أقوى منه وهو في حكم الطاريء على الأول)) (12) ، فبالأول: خرج العموم، وبالثاني: تُرِك القياس المرجوح للقياس الراجح لعدم طريانه عليه.
_________
(1) الاستحسان لغةً: استفعال مأخوذ من الحُسْن وهو نقيض القبح. والاستحسان عَدُّ الشيء حسناً. انظر مادة " حسن " في: لسان العرب، وتاج العروس.
(2) هذا القول ليس للباجي نفسه، وإنما نقله عن محمد بن خُوَيْزمِنْداد المالكي. انظر: إحكام الفصول
ص 687، الإشارة في معرفة الأصول له ص 312.
(3) أي: لم يقع الإجماع على حجية الاستحسان، فلا يصحّ حدُّه بما ذكر.
(4) في ن: ((وهو)) ، وفي ق: ((فيكون)) .
(5) في ق: ((اتباعاً)) وهي مستقيمة بحسب سياق هذه النسخة.
(6) في ق: ((مثلٍ)) وهي لا تُعطي وضوحاً في معنى الحدّ.
(7) انظر تعريفه في: بذل النظر ص 648، كشف الأسرار للبخاري 4 / 7، التلويح إلى كشف حقائق التنقيح للتفتازاني 2 / 182، الأقوال الأصولية للإمام الكرخي لشيخنا الدكتور / حسين الجبوري

ص 112.
(8) في ق: ((من)) .
(9) في نسخة ق انتقلت هذه الكلمة إلى ما بعد كلمة: ((الناسخ)) ، وهو صحيح أيضاً.
(10) في س: ((الناسخ إلى المنسوخ)) وهو انقلاب لعلّه وقع من الناسخ.
(11) في ن: ((الاستدلال)) وهي ليست في تعريف أبي الحسين. انظر: المعتمد 2 / 296.
(12) انظر: المعتمد 2 / 296.

(2/513)


وهو حجة (1)
عند الحنفية (2) وبعض المصريين (3) منا، وأنكره العراقيون (4) .
الشرح
حجة الجواز: أنه راجح على ما يقابله على ما تقدَّم تحريره (5) ، فيعمل به كسائر الأدلة الراجحة، ولقوله عليه الصلاة والسلام ((نحن نقضي بالظاهر)) (6) .
حجة المنع: أنه لم تتحقق له حقيقة في الحقائق الشرعية فيعمل به، إنما هو
شيء يهجس (7) في النفس، وليس قياساً ولا مما دلَّت النصوص عليه حتى
_________
(1) الجمهور على حجية الاستحسان، وقال الشافعي بعدم حجيته، ونُقِل عنه: من استحسن فقد شرَّع. ورغم هذا الخلاف المشهور والجدل الطويل يظهر أن النزاع بين الفريقين لفظي، وأن الجميع قائلٌ به؛ لأن الاستحسان الذي أنكره المنكرون ليس هو الذي أثبته القائلون به. ولهذا قال الشيرازي وغيره: ((إن كان مذهبهم - أي الأحناف - على ما قال الكرخي فنحن نقول به وارتفع الخلاف)) شرح اللمع 2 / 970. وانظر: الرسالة ص 503، كتاب إبطال الاستحسان للشافعي (بذيل الأم: طبعة بولاق) 7 / 267، المعتمد 2 / 295، الإحكام لابن حزم 2 / 195، التلخيص 3 / 308، أصول السرخسي 2 / 199، قواطع الأدلة 4 / 514، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 87، المحصول للرازي 6 / 123، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 190، تقريب الوصول ص 399، الموافقات 5 / 193، جامع الأسرار
4 / 1054، 1063، التوضيح لحلولو ص 409، قاعدة في الاستحسان لشيخ الإسلام ابن تيمية

ص 47، الاستحسان عند علماء أصول الفقه د. السيد صالح عوض ص 57، نظرية الاستحسان لأسامة الحموي ص 99، الاستحسان بين النظرية والتطبيق د. شعبان محمد إسماعيل ص 57.
(2) انظر: الغنية في الأصول للسجستاني ص 176، بديع النظام (نهاية الوصول) لابن الساعاتي 2 / 619، كشف الأسرار للبخاري 4 / 7، فتح الغفار 3 / 30، فواتح الرحموت 2 / 384.
(3) هكذا في ن، س، و، متن د، وهو ما أُرجِّحه، بينما في باقي النسخ: ((البصريين)) . أما سبب الترجيح؛ فلأن المدارس المالكية هي: المدنيّة، والمصرية، والعراقية، والمغربية (القيروانية) ، والأندلسية، ولم أجد من جعل من المدارس: البصرية في مقابلة الكوفية أو العراقية. والمراد بالمصريين: ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، وأصبغ، ونظرائهم، وبالعراقيين: القاضي إسماعيل، وابن القصار، وأبي بكر الأبهري، والقاضي عبد الوهاب ونظرائهم. انظر هذه المدارس وأصحابها في بحث: اصطلاح المذهب عند المالكية د. محمد إبراهيم ص 59 - 73 في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة - السنة (4) ، العدد
(15) ، عام 1413 هـ.
(4) انظر: الإشارة للباجي ص 313.
(5) تقدَّم تحريره يحتمل أن يكون في المتن، ويحتمل أن يكون في حجية الاستصحاب: أنه قضاء بالطرف الراجح ص 499.
(6) سبق تخريجه.
(7) ساقطة من ق.

(2/514)


يُتَّبع (1) ، وقد قال به مالك (2) رحمه الله في عدة مسائل في تَضْمِين الصناع المؤثرين في الأعيان بصنعتهم (3) ،
وتضمين الحَمَّالين للطعام والإدام دون غيرهم من الحَمَّالين (4) ، وهو الذي قاله أبوالحسين (5) ((تَرْك وجهٍ من وجوه الاجتهاد)) : وهو ترك عدم التضمين الذي هو شأن الإجارة. ((غير شامل شمول الألفاظ)) ؛ لأن عدم التضمين قاعدة لا لفظ. ((لوجه أقوى منه)) : إشارة إلى الفرق الذي لوحظ في صورة الضمان، اعتبارُه راجح على عدم اعتباره وإضافة الحكم* إلى المشترك الذي هو قاعدة الإجارة و (6) عدم التضمين، وهذا الفرق في حكم الطاريء على قاعدة الإجارات؛ فإن المستثنيات (7) طارئات على الأصول، وأما أحد القياسين مع (8) الآخر، فليس أحدهما أصلاً للآخر (9) حتى يكون في حكم الطاريء عليه.
_________
(1) حجة المنع هذه غير متَّجهة؛ لأن الكل مجمعٌ على بطلان التقوّل في الشريعة بمجرد التشهّي، ثم إن المستحسنين لا يستحسنون بغير مستندٍ أو حقيقة شرعية، بل لابد أن يكون منزع استحسانهم نصاً أو إجماعاً أو قياساً أو مصلحةً أو عرفاً ونحو ذلك. انظر: المعتمد 2 / 295، اللمع للشيرازي ص 445، الموافقات 5 / 194، إرشاد الفحول 2 / 261 - 263.
(2) قال مالك عن الاستحسان بأنه تسعة أعشار العلم. انظر: الاعتصام للشاطبي 2 / 164، الموافقات
5 / 198.
(3) للفقهاء تفريقٌ بين يد الأجير الخاص والأجير المشترك، فالأول لا ضمان عليه إذا تلفت العين عنده من غير تعدٍّ ولا تفريط. والثاني - ومنهم الصُّنَّاع - اختلفوا في تضمينهم، فمن قال به إنما قاله استحساناً بعد أن شاع الفساد بينهم؛ لأنهم يَخْتَلُون بما يصنعونه عن أعين أصحابها، وليس من شأنهم الاحتياط في حفظ ما يصنعون. انظر: المدونة 3 / 373 - 374، بداية المجتهد 5 / 153، الذخيرة 5 / 502، 517، 523، القوانين الفقهية ص 349، الحاوي 7 / 425، المغني 8 / 103، ردّ المحتار لابن عابدين

9 / 88.
(4) لأن حمّالين الطعام تُسرع أيديهم إليه غالباً بالأكل، بخلاف من يحمل غير الطعام. انظر: المدونة 3/ 413، الذخيرة 5 / 512.
(5) أي: عبارة أبي الحسين في تعريف الاستحسان هي التي تنطبق على ما قاله الإمام مالك في تضمين الصنَّاع وحمَّالين الطعام.
(6) في ق: ((من)) بدلاً من الواو.
(7) في ن: ((المثبتات)) وهو تحريف.
(8) في ن: ((على)) .
(9) ساقطة من ن.

(2/515)


الأخذ بأقل ما قيل
ص: الأخذ بالأخف (1) ،
وهو عند الشافعي رحمه الله حجة (2) كما قيل - في دية اليهودي - إنها مساوية لدِيَة المسلم (3) . [ومنهم من قال: نصف دية المسلم، وهو
_________
(1) هكذا ترجم المصنف لهذه المسألة هنا، وكذا في نفائس الأصول 9 / 4070، ثم أخذ يشرح بما يدلُّ على مسألةٍ أخرى وهي: ((الأخذ بأقل ما قيل)) . وعنوانهما متقاربان لا يُؤْمن من الوقوع في اللَّبس بسببه، وفي الحقيقة هما مسألتان متغايرتان. فالأخذ بأقل ما قيل حقيقته - كما قال السمعاني -: أن يختلف المختلفون في مقدَّرٍ بالاجتهاد على أقاويل، فيؤخذ بأقلّها عند إعواز الدليل. انظر: قواطع الأدلة (3 / 394) وهي ما سيذكرها المصنف. أما مسألة الأخذ بالأخف فصورتها: أن يقوم دليلٌ على وجوب شيءٍ يمكن تحقيقه بأحد وجهين، أخفّ أو أثقل، ولم يقم دليل على خصوص أحدهما، وتعارضت فيها الاحتمالات أو تعارضت مذاهب العلماء، والأخفّ في هذه الحالة لا يدخل في الأثقل، كما هو الحال في المسألة السابقة. مثالها: من نَذَر هَدْياً، فهل تجزيه شاة أو لابدّ من بدنة؟ ومن نذر صوم شهرٍ - وصام بغير الهلال - فهل يكتفي بتسعةٍ وعشرين يوماً أو لابد من ثلاثين؟ . في المسألة ثلاثة مذاهب، الأول: يجب الأخذ بالأخف. الثاني: وجوب الأخذ بالأشقّ. الثالث: التخيير. والفخر الرازي في المحصول
(6 / 160) فرَّق بين المسألتين، بأن جعل مسألة الأخذ بأقل ما قيل: هو ما كان الأقل فيها جزءاً من ماهية الأصل، بينما مسألة الأخذ بالأخف: هو ما لم يكن فيها الأخف جزءاً من ماهية الأصل. انظر: نهاية الوصول للهندي 8 / 4036، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 352، البحر المحيط للزركشي

8 / 31، تشنيف المسامع 3 / 430، الضياء اللامع 3 / 139، التوضيح لحلولو ص 412، إرشاد الفحول 2 / 275.
(2) انظر مذهب الشافعي في الأم 6 / 105، ونسب ابن السبكي الأخذ بأقل ما قيل إلى الجمهور والباقلاني. انظر: الإبهاج 3 / 175، ونقل المصنف في نفائس الأصول (9 / 4071) عن القاضي عبد الوهاب أن مذهب المالكية التفصيل، فتارة يؤخذ بالأقل وتارة لا يؤخذ به، وقال: هذه المسألة تتعلق باستصحاب الحال أكثر من تعلُّقها بالإجماع. وذهب ابن حزم إلى ردّ القول بأقل ما قيل، وحكى قولاً بالأخذ بأكثر ما قيل ليخرج من عهدة التكليف بيقين. وهناك من قال: يمكن الأخذ بالأوسط من الأقوال كما يحدث في تقويم السلع وأروش الجنايات. انظر: شرح اللمع 2 / 993، قواطع الأدلة 3 / 394، المحصول للرازي 6 / 154، الإحكام للآمدي 1 / 281، المسودة ص 490، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/ 43، تقريب الوصول ص 395، الضياء اللاَّمع 2 / 246، شرح الكوكب المنير 2 / 257، فواتح الرحموت 2 / 412.
(3) هذا مذهب الحنفية. انظر: المبسوط 26 / 84، بدائع الصنائع 10 / 310، البناية في شرح الهداية
12 / 214.

(2/516)


قولنا (1) ] (2) ومنهم من قال: ثلثها (3) [أخذاً بالأقل] (4) ، فأوجب الثلث فقط؛ لكونه مجمعاً (5) عليه، وما زاد منفي بالبراءة الأصلية (6) .
تفويض الحكم إلى المجتهد
العصمة (7) ، وهي أن العلماء اختلفوا: هل يجوز أن يقول الله تعالى
لنبيٍّ أو عالم أحكم فإنك لا تحكم إلا بالصواب (8) ،
قطع [بوقوع
_________
(1) هذا مذهب المالكية والحنابلة. انظر: الاستذكار 25 / 161، الذخيرة 12 / 356، المغني 12 / 51، كشاف القناع 6 / 23.
(2) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((وعندنا نصفها)) .
(3) هذا مذهب الشافعية. انظر: الحاوي الكبير للماوردي 12 / 308، العزيز شرح الوجيز (الشرح
الكبير) للرافعي 10 / 330، حاشية الجمل على شرح المنهج 7 / 462.
(4) ساقط من ق.
(5) في ن: ((مجمع)) وهو خطأ نحوي؛ لأن خبر ((كون)) حقُّه الانتصاب.
(6) انظر: المستصفى 1 / 376.
(7) سمَّاها حلولو في التوضيح ص (413) بـ" التوفيق ". ويسمّيها كثير من الأصوليين بـ" التفويض "، أي: تفويض الله الحكمَ إلى نبي أو عالم ليحكم بما شاء وكيفما اتفق دون الاستناد إلى مدارك شرعية، ويكون صواباً. لكن من الأصوليين مَنْ عدَّ هذه المسألة من علم الكلام وليست معروفة عند الفقهاء، وقال السمعاني: ((ليس فيها كبير فائدة؛ لأن هذا في غير الأنبياء لم يوجد، ولا يتوهم وجوده في المستقبل)) قواطع الأدلة 5 / 96، وانظر تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي على الإحكام للآمدي 4 / 209.
(8) الخلاف هنا في أمرين: في الجواز العقلي، وفي الوقوع الشرعي. أما الجواز العقلي فأكثر الشافعية والمالكية وبعض الحنفية يقولون به، وتردد الشافعي في ذلك، ومنهم من ينقل توقفه في الوقوع. وقال أبو علي الجبائي - وقيل رجع عنه - وأبو يعلى والسمعاني وابن عقيل بجواز ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون
غيره. وأكثر المعتزلة على عدم الجواز وبه قال الجصاص. أما الوقوع الشرعي فالمختار عند الأحناف وأصحاب الأئمة الثلاثة عدم وقوعه، وقال النظّام ومُوَيْس بن عمران والروافض بالوقوع جزماً، ومثَّلوا له بقصة الإذخر، وقتل النّضر بن الحارث، وحديث الأقرع بن حابس عن الحج (انظرها في المحصول
6 / 141 - 148) ، وقيل: بالتوقف في الوقوع. انظر: الرسالة ص 92 - 104، 508، الفصول في الأصول للجصاص 2 / 242، المعتمد 2 / 329، العدة لأبي يعلى 5 / 1587، اللمع للشيرازي

ص 267، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 5 / 410، الوصول لابن برهان 2 / 209، الإحكام للآمدي 4 / 209، منتهى السول والأمل ص 217، المسودة 510، تقريب الوصول ص 419، الإبهاج 3 / 196، البحر المحيط للزركشي 8 / 51، التقرير والتحبير 3 / 447، التوضيح لحلولو
413، التحقيقات في شرح الورقات لابن قاوان ص 627، فواتح الرحموت 2 / 441.

(2/517)


ذلك] (1) مُوَيْس (2) بن عمران، وقطع جمهور المعتزلة بامتناعه (3) ، وتوقَّف الشافعي رضي الله عنه في امتناعه وجوازه (4) ووافقه الإمام (5) .
الشرح
حجة الجواز والوقوع: قوله تعالى: {إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} (6)
[فأخبر الله تعالى أنه حرم على نفسه] (7) ، ومقتضى السياق أنه صار (8) حراماً (9) عليه، وذلك يقتضي أنه ما حَرَّم على نفسه إلا ما جعل الله له أن يفعله، ففعل التحريم، ولو أن الله تعالى هو المُحرِّم لقال إلا ما حرَّمنا على إسرائيل.
حجة المنع: أن ذلك يكون تصرفاً في الأديان بالهوى، والله تعالى لا يشرع إلا المصالح لا اتباع الهوى. وأما قصة إسرائيل عليه السلام فلعله حرَّم على نفسه بالنذر، ونحن نقول به.
حجة التوقف: تعارض المدارك.
_________
(1) في ن: ((بذلك)) .
(2) هكذا في نسخة متن ف، وهو مما انفردت به، وهو الصواب كما في المعتمد 2 / 329، والمعتبر للزركشي ص 287 وغيرهما. وقد تحرَّفت في جميع النسخ إلى ((موسى)) وهو ما تتابع عليه كثير من الأصوليين. أما ترجمته فهو أبو عمران مُوَيْس بن عمران المعتزلي صاحب النظّام، ومن شيوخ الجاحظ، كان واسع العلم والكلام والإفتاء، ويقول بالإرجاء عاش بين القرنين الثاني والثالث. انظر: طبقات المعتزلة ص 76.
(3) انظر: المغني للقاضي عبد الجبار 17 / 123، المعتمد 2 / 329، منهاج الوصول للمهدي بن المرتضى ص 668.
(4) وقع اضطراب بين العلماء في موقف الشافعي من مسألة التفويض، فمنهم من يذكر تردد الشافعي في الجواز العقلي، وآخرون: في الوقوع مع الجزم بالجواز. والذي وجدْتُه في الرسالة ص (92 - 104) ما يدلُّ على أن التفويض للنبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ محتمل وجائز. والله أعلم. وانظر: المعتمد 2 / 329، قواطع الأدلة 5 / 91 - 92، البحر المحيط للزركشي 8 / 52.
(5) انظر: المحصول 6 / 137.
(6) آل عمران، من الآية: 93.
(7) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(8) ساقطة من ق.
(9) في ق: ((حرام)) وهو مستقيم؛ لأن كلمة " صار " التي قبلها ساقطة منها.

(2/518)


إجماع أهل الكوفة
ص: إجماع أهل (1) الكوفة، ذهب قوم إلى (2) أنه حجة؛ لكثرة من وَرَدَها من الصحابة رضوان الله عليهم، كما قاله (3) مالك رحمه الله في المدينة (4) .
فهذه أدلة مشروعية الأحكام.
قاعدة في التعارض
قاعدة (5) : يقع التعارض في الشرع بين الدليلين، والبينتين، والأصلين، والظاهرين، والأصل والظاهر (6) . ويختلف العلماء في جميع (7) ذلك.
تعارض الدليلين
الدليلان نحو قوله تعالى: {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (8) ، وهو يتناول الجمع بين الأختين في الملك. وقوله تعالى: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} (9) يقتضي تحريم الجمع مطلقاً (10) ، ولذلك قال علي رضي الله عنه: ((حرَّمتهما آية وأحلَّتهما (11) آية)) (12) . وذلك كثير في الكتاب والسنة، واختلف العلماء هل يتخير بينهما أو يتساقطان؟ * (13) (14) .
_________
(1) ساقطة من س، ق، متن هـ.
(2) في ق: ((على)) .
(3) في ن، ومتن هـ: ((قال)) والمثبت أصحّ لتمام المعنى.
(4) سبق بحث هذه المسألة في باب الإجماع.
(5) هذه القاعدة اقتبسها المصنف باختصار من كتاب شيخه العز بن عبد السلام " قواعد الأحكام "
ص 456 - 461، فانظرها ثمَّة موضحةً مفصَّلة.
(6) كان الأليق بهذه القاعدة في " التعارضات " أن تبحث في باب التعارض والترجيح ص 402؛ لأنها ألصق بتلك المباحث.
(7) في ق: ((جمع)) وهو متَّجه، أي في الجمع بين المتعارضين.
(8) النساء، من الآية: 24.
(9) النساء، من الآية: 23.
(10) سبق بحث هذه المسألة.
(11) في ن، س متن هـ: ((حلَّلتها)) ولم أجدها فيما وقفتْ عليه من ألفاظ الأثر.
(12) سبق تخريجه.
(13) في س، ق، متن هـ: ((يسقطان)) .
(14) هذا الاختلاف مبنيٌّ على تساوي الدليلين، وعدم إمكان الترجيح بينهما، حينئذٍ يجري هذا الخلاف، وقد مرَّ ذكره في ص (402) . أما ما مثَّل به المصنف هنا على التعارض بمسألة الجمع بين الأختين المملوكتين فلا يتجه فيه التخير أو التساقط، بل يجب الترجيح، كما بيّنه في تعارض الدليلين كل واحدٍ منهما أعم من وجه. انظر: ص 416.

(2/519)


الشرح
حجة السقوط: التعارض، وليس أحدهما أولى من الآخر.
حجة التخيير: أن العمل بالدليل الشرعي واجب بحسب الإمكان، والتخيير عمل (1) بالدليل، فإنه أيُّ (2) شيء اختاره فهو فيه (3) مُسْتنِدٌ إلى دليل شرعي، فلم يحصل الإلغاء، فهو أولى.
تعارض البينتين
ص: البيِّنتان (4) ،
نحو* شهادة (5) بيِّنةٍ بأن هذه الدار لزيدٍ، وشهادة أخرى بأنها (6) لعَمْرو، فهل [تترجح إحدى البينتين] (7) ؟ فيه (8) خلاف (9) .
_________
(1) في ن: ((عملاً)) وهو خطأ نحوي، لأنها منتصبة، وهي خبر.
(2) في ن: ((أول)) .
(3) ساقطة من س.
(4) تعارض البينتين: هو اشتمال كلٍّ منهما على ما ينافي الأخرى. حدود ابن عرفة مع شرحه للرصّاع
2 / 604. بمعنى أن يُقدِّم كلُّ طَرَف في الخصومة دليلاً يؤيد دعواه وينفي دعوى الآخر بحيث لو انفرد دليل أحدهما لحُكِم له به. انظر: وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية ... د. محمد الزحيلي

ص 803. وهناك فروقات بين تعارض الأدلة وتعارض البيِّنات، فالأول من مباحث أصول الفقه، ومن وظائف المجتهدين، والثاني من مباحث الفقه، ومن وظائف القضاة، انظر الفروقات بينهما في: تعارض البيِّنات في الفقه الإسلامي ... لمحمد بن عبد الله الشنقيطي ص 57.
(5) هنا زيادة: ((بأنها)) في ن، ولا داعي لها.
(6) ساقطة من ق.
(7) ما بين المقعوفين في ق هكذا: ((يترجَّح أحدهما)) والصواب أن يقول: إحداهما؛ لأن الشهادة مؤنث.
(8) ساقطة من س، ومتن هـ.
(9) طريقة الأحناف: الترجيح بينهما، فإن تعذَّر فالجمع، فإن تعذَّر فالتساقط. وطريقة الجمهور: الجمع، فإن تعذَّر فالترجيح، فإن تعذَّر اختلفوا فيما يفعله القاضي، فقيل: تتساقط البينات، وقيل: تستعمل طريقة القِسْمة إذا كان المحلّ يقبلها، وقيل: تستعمل القرعة، وقيل: يتوقف حتى ينكشف الأمر فتظهر البينة الراجحة أو يصطلح المتنازعان، وهذا ما يُعبّر عنه في المحاكم بـ" تأجيل الدعوى " حتى تكتمل الأدلة، ولو قيل: يترك الأمر لتقدير القاضي ومدى فطنته لما كان هذا بعيداً عن الصواب. انظر: المحلّى
9 / 436، بدائع الصنائع 8 / 443، المغني 14 / 285، العزيز شرح الوجيز (الشرح الكبير) للرافعي 13/219، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 457، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 254، تبصرة الحكام لابن فرحون 1 / 263 - 265، تعارض البينات في الفقه الإسلامي ... لمحمد بن عبد الله الشنقيطي ص 179 - 181، 261 - 266.

(2/520)


تعارض الأصلين
الأصلان (1) نحو رجل قَطَع رجلاً ملفوفاً (2) نصفين، ثم نازع أولياؤه (3) [أنه كان حياً] (4) حالة القطع، فالأصل: براءة الذمة من القصاص، والأصل: بقاء الحياة.
فاختلف العلماء في نفي القصاص وثبوته، أو التفرقة بين أن يكون ملفوفاً في ثياب الأموات أو الأحياء (5) . ونحو العبد إذا انقطع خبره، فهل تجب زكاة فطره لأن الأصل بقاء حياته أو لا تجب لأن الأصل براءة الذمة؟ فيه (6) خلاف (7) .
تعارض الظاهرين
الظَّاهران (8) ، نحو اختلاف الزوجين في متاع البيت، فإن اليد ظاهرة في الملك ولكل واحد منهما يد، فسوَّى* الشافعي بينهما (9) ورجَّحنا نحن بالعادة (10) . ونحو
_________
(1) المراد بهما: الأصلان العقليان، وانظر مسألة تعارض الأصلين في: الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/ 36، المنثور في القواعد للزركشي 1 / 330، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 149، شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب للإمام المنجور ص 578، رفع النقاب القسم 2 / 1256.
(2) أي: في ثيابه، ولا يُدرى أحيٌّ هو أم ميت؟
(3) في ق: ((أولياء المقتول)) .
(4) في ق: ((في حياته)) .
(5) انظر مذاهب العلماء في قدِّ الملفوف في: المجموع 21/ 4، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 460، الذخيرة 10 / 278، المبدع لابن مفلح 7 / 222، القواعد للحصني 1 / 278.
(6) ساقطة من ن، ق، متن هـ.
(7) انظر مذاهب العلماء في زكاة الفطر عن العبد الغائب في: المجموع 6 / 70، المغني 4 / 304، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 153، بدائع الصنائع 2 / 537، مواهب الجليل 3 / 264.
(8) المراد بهما: الغالبان العرفيان. انظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 1257.
(9) أي: أن كلَّ ما في البيت من الأمتعة يُقْسم بين الزوجين نصفين - بعد أن يتحالفا - ولا بينة لأحدهما؛ لأن الاشتراك في اليد يمنع من الترجيح بالعُرْف. انظر: الأم 5 / 95، التهذيب في فقه الإمام الشافعي للبغوي 8 / 349، قواعد الأحكام ص 460، الأشباه والنظائر لابن السبكي 1 / 38.
(10) أي المالكية عملوا بظاهر العُرْف والعادة، فما يُعرف للنساء ويستعملنه كالحُليّ والمغازل يقضى به للزوجة، وما يعتاد للرجال ويصلح لهم كالسلاح والعمائم يقضى به للزوج. وهذا القدر قال به الحنفية والحنابلة، إلا أن الحنفية استدركوا فيما إذا كان كلٌّ منهما يفعل أو يبيع ما يصلح للآخر؛ فالقول له لتعارض الظاهرين. أما حكم ما يصلح لهما وجرى العُرْف باستعمال كلٍّ منهما له كالأواني والبُسُط ونحوهما فالمالكية والحنفية يقضون بأنه للزوج؛ لأن الشأن أن ما في البيوت للرجال وتحت أيديهم، بينما الحنابلة يقضون فيما يصلح لهما بالمناصفة. انظر: المدونة 2 / 196، المغني 14 / 333، الفروق 3 / 148، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 109، معونة أولي النّهى لابن النجار الفتوحي 9 / 272، مواهب الجليل 5 / 237، شرح فتح القدير (التكملة) 8 / 245، حاشية قرة عيون الأخيار (تكملة حاشية رد المحتار) 11 / 644.

(2/521)


شهادة عَدْلين منفردين (1) برؤية الهلال والسماء مصحية، فظاهر العدالة الصدق، وظاهر الصحو اشتراك (2) الناس في الرؤية (3) ،
فرجَّح مالك العدالة، ورجح سَحْنون (4) الصحو (5) .
تعارض الأصل والظاهر
الأصل والظاهر (6) كالمقبرة (7) القديمة الظاهر: نبشها (8) فتحرم الصلاة فيها، والأصل: عدم النجاسة (9) . وكذلك اختلاف الزوجين في النفقة: ظاهر
_________
(1) ساقطة من ق.
(2) في ق: ((استواء)) .
(3) في ق: ((الرواية)) وهو تحريف..
(4) هو عبد السلام بن سعيد التَّنُوخي - نسبة إلى عدة قبائل اجتمعوا في البحرين وتحالفوا، والتَّنُوخ: الإقامة. وأصلُه شاميّ، لُقّب بسَحْنون باسم طائر حديد؛ لحِدَّته في المسائل، من كبار علماء المالكية، سمع من ابن القاسم وابن وهب وأشهب، ولي قضاء إفريقية، صنَّف كتاباً سمَّاه: المدونة، وعليها يعتمد أهل قيروان. ت 240 هـ. انظر: ترتيب المدارك 2 / 585، الديباج المذهب ص 263، وفيات الأعيان 1 / 291.
(5) إذا كانت السماء مصحية فمذهب مالك ثبوت الرؤية بعدْلين، ومذهب سحنون عدم ثبوتها وعليه الحنفية. والحنابلة والصحيح من مذهب الشافعية ثبوتها بالعدل الواحد. انظر: المنتقى للباجي 2 / 36، جامع الأمهات لابن الحاجب ص 170، الذخيرة 2 / 488، مواهب الجليل 3 / 282، المجموع 6 / 292، بدائع الصنائع 2 / 573، المغني 4 / 416.
(6) انظر هذه القاعدة في: أصول الكرخي (المطبوع بآخر: تأسيس النظر للدبوسي) ص 161، الأشباه والنظائر لابن الوكيل 2 / 169، القواعد للمقري 1 / 264، إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك للونشريسي ص 178، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 162.
(7) في ن: ((المقبرة)) .
(8) في ق، ن: ((تنجيسها)) وهومتّجه؛ لتلازم التنجيس النبش. لكن المثبت أقوى لموافقتها كتاب: قواعد الأحكام ص 458، وأكثر النسخ عليه، وهو المعبَّر عنه في كتب الفقه.
(9) نبش المقابر القديمة له ثلاث حالات، إما أن يُتيقَّن النبش فلا تجوز فيها الصلاة اتفاقاً، وإما أن يُتحقَّق عدم النبش، فالحنفية والحنابلة يمنعون بكل حال الصلاة في المقابر قديمة كانت أم حديثة، منبوشة كانت أم لا، والمالكية والشافعية على جواز الصلاة فيها. والحالة الثالثة: الشك في النبش، فالمالكية رجّحوا الأصل وهو طهارة الأرض، وهو أظهر الوجهين للشافعية، والوجه الآخر عندهم المنع؛ لأن الغالب في القبور القديمة النبش. انظر: الحاوي 2 / 261، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 458، بدائع الصنائع 1 / 540، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 2 / 42، الذخيرة 2 / 96، مواهب الجليل 2 / 63، المغني 2 / 470، الفروع لابن مفلح 1 / 330، 333.

(2/522)


العادة (1) دفعها، والأصل بقاؤها، فغلَّبنا الأول والشافعي الثاني (2) . ونحو (3) اختلاف الجاني مع المجني عليه في سلامة العضو أو وجوده، الظاهر: سلامة الأعضاء في الناس ووجودها، والأصل: براءة الذمة (4) ، اختلف العلماء في جميع ذلك، واتفقوا على تغليب الأصل على الغالب في الدعاوى، فإن الأصل: براءة الذمة، والغالب: المعاملات ولا سيما إذا كان المدعي من أهل الدين والورع (5) ، واتفقوا على تغليب الغالب على الأصل في البينة، فإن الغالب صدقها والأصل براءة الذمة (6) .
فائدة (7) : الأصل أن يحكم الشرع (8) بالاستصحاب أو بالظهور إذا انفرد عن المعارض. وقد اسْتُثني من ذلك أمور لا يُحْكم فيها إلا بمزيد ترجيح يُضمُّ إليه:
أحدها: ضَمُّ اليمين إلى النُّكُول (9) ، فيجتمع الظاهران (10) . وثانيها: تحليف
_________
(1) في س، ق: ((العدالة)) وهو مما انفردت به، وهو متّجه بمعنى: ظاهر العدالة الصدق.
(2) تمسّك الحنفية والشافعية والحنابلة بالأصل، وأخذ المالكية وشيخ الإسلام ابن تيمية بالظاهر؛ لأن الغالب فيمن يُشَاهد وهويُدخل الأطعمة بيته يثير الظن بصدقه. انظر: بدائع الصنائع 5 / 164، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 58، تبصرة الحكام 1 / 266، مواهب الجليل 5 / 579، الحاوي 11 / 446، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 166، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 34 / 77.
(3) في ق: ((وهو)) وهو تحريف.
(4) انظر: قواعد الأحكام ص 459، مغني المحتاج 5 / 272، كشاف القناع 5 / 658، رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 1261.
(5) عبارة المصنف في كتابه الفروق (4 / 76) أوضح مما هاهنا، إذ يقول: ((بل اجتمعت الأمة على اعتبار الأصل وإلغاء الغالب في دعوى الدَّيْن ونحوه، فالقول قول المدّعى عليه، وإن كان الطالب أصلح الناس وأتقاهم لله تعالى، ومن الغالب عليه ألاَّ يدعي إلا ماله ... )) . وانظر: حكاية الاتفاق في: المنثور في القواعد للزركشي 1 / 315، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 162، تبصرة الحكام 1 / 106.
(6) انظر: المراجع السابقة
(7) انظرها في: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 462 - 463.
(8) ساقطة من ق.
(9) النكول لغة: النكوص والامتناع. انظر: مادة " نكل " في: لسان العرب. واصطلاحاً: امتناعُ مَنْ وَجَبتْ عليه أو له يمينٌ منها. حدود ابن عرفة بشرحه للرصَّاع 2 / 611.
(10) هما: ظاهر اليمين وهو: الصدق، وظاهر النكول وهو: الكذب. ومع ذلك لا يحكم بمجرد نكول المدَّعى عليه، بل لابد من ضميمة أخرى وهي: تحليف المدَّعي. انظر: المدونة 4 / 102.

(2/523)


المدعَى عليه، فيجتمع استصحاب البراءة مع ظهور اليمين. وثالثها: اشتباه الأواني والأثواب يُجْتهد فيها على الخلاف (1) ، فيجتمع الأصل مع ظهور الاجتهاد (2) ويُكتفى في القِبْلة بمجرد الاجتهاد؛ لتعذر انحصار القبلة في جهةٍ حتى (3) تسْتصحب فيها.
أدلة وقوع الأحكام
وأما أدلة وقوع الأحكام (4) بعد مشروعيتها فهي: أدلة وقوع أسبابها، وحصول شروطها، وانتفاء موانعها، وهي غيرمحصورة*. وهي إما معلومة بالضرورة كدلالة زيادة الظل (5) على الزوال (6) ، أو كمال العِدَّة على الهلال، وإما مظنونة كالأقارير (7) والبينات والأيمان والنكولات والأيدي على الأملاك (8) ، وشعائر الإسلام عليه (9) [الذي هو شرط في الميراث] (10) ، وشعائر الكفر عليه وهو مانع من الميراث، وهذا باب لا يُعدُّ ولا يحصى.
_________
(1) انظره في: المغني 1 / 82، العزيز شرح الوجيز (الشرح الكبير) للرافعي 1 / 72، الذخيرة 1 / 178.
(2) الأصل هو استصحاب الطهارة، وظهور الاجتهاد هو التحرِّي.
(3) ساقطة من ن.
(4) هذا القسم الثاني من أقسام أدلة الأحكام، ابتدأ القسم الأول - وهو أدلة مشروعية الأحكام - ص 491. وللمصنف تفريق لطيف وواضح بينهما ذكره في: الفروق 1 / 128، وانظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 451 وما بعدها، ومنهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2 / 223.
(5) في ق: ((الظن)) وهو تحريف.
(6) والزوال سبب لوجوب الظهر، وهذا والذي بعده مثال على دليل وقوع الأسباب.
(7) في ق: ((الأقارين)) ، وفي ن: ((الأقادير)) وكلاهما تحريف. والأقارير جمع " إقرار " على صيغة منتهى الجموع " أفاعيل " كإعصار، وتجمع أيضاً على إقرارات.
(8) أي: إن هذه الأشياء (الإقرار، البينة، النكول ... ) دليل على الملك، الذي هو شرط في التصرف، الذي هو الحكم. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1268.
(9) معناه: أن شعائر الإسلام كالصلاة مثلاً دليلٌ على الإسلام، والإسلام شرطٌ في الميراث.
(10) ما بين المعقوفين ساقط من ق.

(2/524)


الفصل الثاني
في تصرفات المكلفين في الأعيان (1)
ص: وهي: إما نقل، أو إسقاط، أو قبض، أو إقباض، أو التزام، أو خلط، أو إنشاء ملك، أو اختصاص، أو إذن، أو إتلاف، أو تأديب و (2) زجر.
النقل
النقل (3) ينقسم إلى: ما هو بعوض في الأعيان كالبيع والقرض (4) ، أو في المنافع كالإجارة، ويندرج فيها المساقاة والقراض والمزارعة (5) والجعالة، وإلى ما هو بغير عوض كالهدايا والوصايا والعُمْرَى (6) (7)
والهبات والصدقات والكفارات والزكوات والغنيمة (8) ، والمسروق من أموال الكفار (9) .
_________
(1) وكذلك المنافع. وجملة مباحث هذا الفصل مستمدة من كتاب شيخ المصنف العز بن عبد السلام " قواعد الأحكام " ص 501 - 509.
(2) في ق، س: ((أو)) . ولكن المصنف جعل التأديب والزجر شيئاً واحداً، انظر: ص 538.
(3) النَّقْل لغة: تحويل الشيء من مَوْضع إلى مَوْضع. لسان العرب مادة " نقل ". واصطلاحاً: تحويل المِلْك أو الحق من مالكه أو مستحِقِّه إلى غيره. وهو تصرُّف يفتقر إلى القبول. انظر: تهذيب الفروق والقواعد السنية لابن حسين المكي (بهامش الفروق) 2 / 135.
(4) في ن: ((القراض)) وهو تحريف، والقراض يندرج في النقل بعوض في المنافع. والقَرْض: إعطاءُ متموَّلٍ في عِوَض متماثِلٍ في الذمَّة لنفع المُعْطَى فقط. أقرب المسالك للدردير 3 / 291.
(5) المزَارعة لغة: مفاعلة من الزَّرع، وهو حَرْث الأرض للزِّراعة. انظر: المصباح المنير مادة " زرع ". واصطلاحاً: شِرْكةٌ في الحَرْث. حدود ابن عرفة بشرح الرصَّاع 2 / 513.
(6) العُمْرَى لغة: ما تجعله للرجل طول عُمرك أو عمره، وقد عَمرْتُه الدار وأَعْمَرْتُه، والمصدر: العُمْرى كالرُّجْعَى. انظر: لسان العرب مادة " عمر " واصطلاحاً: تمليك منفعةٍ حياةَ المُعْطَى بغير عِوَضٍ إنشاءً. حدود ابن عرفة بشرحه للرصَّاع 2 / 550.
(7) هنا زيادة: ((الرُّقْبَى)) في س، وقد خلت منها جميع النسخ. انظر تعريفها في: شرح حدود ابن عرفة

2 / 551.
(8) تحرفت في ق إلى: ((القسمة)) وهي من انفراداتها، والقسمة ليس فيها نَقْلٌ أصلاً.
(9) المقصود منه ما سرقه المسلمون من أموال الكفار الحَرْبيين. انظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام
ص 503.

(2/525)


الإسقاط
الإسقاط (1) إما بعوض كالخُلْع، والعفو على مال، والكتابة، وبيع العبد من نفسه، والصلح على الدين، والتعزير (2) ، فجميع هذه (3) (4) تُسْقِط (5) الثابتَ ولا تنقله (6) للباذل، أو بغير عوض كالإبراء (7) من الديون (8) ، والقصاص أو التعزير أو حدِّ القذف والطلاق والعتاق (9) وإيقاف المساجد (10) ، فجميع هذه تُسْقِط (11) الثابت ولا تنقله.
الشرح
مع العوض يقع النقل من (12) أحد الجانبين في العوض، والإسقاط من الجانب الآخر، وقد يُقابَل الإسقاطُ بالإسقاطِ عند تساوي الديون في باب المقاصَّة (13) ولا نقل فيها، فإن ما كان لأحدهما من المطالبة لا ينتقل للآخر فيصير يطالب نفسه، كما
_________
(1) الإسقاط لغة: الإلقاء والرمي. انظر مادة " سقط " في لسان العرب. واصطلاحاً: إزالة المِلْك أو الحق لا إلى مالكٍ أو مُستحِقٍّ. انظر: الموسوعة الفقهية (الكويتية) 1 / 143. وهو تصرُّف لا يفتقر إلى القبول. انظر: تهذيب الفروق (بهامش الفروق) 2 / 135.
(2) أي: الصلح على التعزير بأن يُسْقط المجني عليه العقوبة عن الجاني ببذل مالٍ.
(3) ساقطة من ق.
(4) هنا زيادة: ((الصور)) في س.
(5) في س: ((يسقط فيها)) .
(6) في ق: ((مقلد)) وهي محرَّفة.
(7) في ق، ن: ((كالبراءة)) .
(8) ذكر المصنف في كتابه: الفروق (2 / 110) خلافاً في الإبراء من الدَّيْن، هل هو إِسْقاط فلا يفتقر إلى القبول كالطلاق والعتاق ينفذان ولو كرهت المرأة والعبد أم هو نَقْل وأنه تمليك لما في ذمّة المدين فيفتقر إلى القبول كالهدية ونحوها لابد فيها من الرضا. وقال بأن ظاهر المذهب اشتراط القبول، وعلَّله: بأن المِنَّة قد تعظم في الإبراء، وذوو المروءات والأَنَفَات يضرُّ ذلك بهم ولاسيما من السَّفَلة، فجعل صاحب الشرع لهم قبولَ ذلك أو ردَّه.
(9) في ق: ((العتق)) .
(10) نقل المصنف خلافاً في الوقف: هل هو إسقاط أم نقل، وهل ذلك في منافعه أم في العين الموقوفة، وما حكمه في الوقف إلى مُعيَّن وإلى لا مُعيَّن؟ انظر: الفروق 2 / 111.
(11) في س، ق: ((يسقط)) ويكون مرجع الضمير إلى " جميع ".
(12) في ن: ((في)) .
(13) في ن: ((المقاصَّات)) . والمقاصَّة لغة مصدر: قاصَّ إذا كان لك دَيْنٌ على أحدٍ مِثْل مالَهُ عليك، فجعلت الدَّيْن في مقابلة الدَّين. المصباح المنير مادة " قصص ". واصطلاحاً: مُتَاركة مَدِيْنَين بمُتماثِلَيْن عليهما. أقرب المسالك مع الشرح الصغير 3 / 297.

(2/526)


حصل النقل في العوض الذي كان للباذل فيه من التصرف صار لمن بُذِل له، وبهذا (1) يمتاز لك النقل من الإسقاط، ولهذا قلنا الطلاق والعتاق إسقاط؛ لأن المرأة لم تنتقل (2) إليها إباحة وطء نفسها، ولا للعبد إباحة بيع نفسه، بل سقط ما كان على المرأة من العصمة، وما كان على العبد من الملك ولم يصر يملك نفسه، فالمُقاصَّة* سقوطٌ قُبَالة سقوط، كما أن البيع نَقْل قُبَالة نَقْل، أو يقال المقاصَّة: مقابلة إسقاط بإسقاط (3) .
القبض
ص: القبض (4) وهو إما بإذن الشرع وحده كاللقطة (5) ، والثوب إذا ألقته الريح في (6) دار إنسان، ومال اللقيط (7) ، وقبض المغصوب من الغاصب، وأموال الغائبين، وأموال بيت المال، والمحجور عليهم، والزكوات، [وإما] بإذن غير
_________
(1) في ن: ((ولهذا)) والمثبت أدلُّ على المراد.
(2) في س، ق: ((ينتقل)) وهو جائز. انظر: هامش (11) ص (27) .
(3) هذه محاولة سديدة من المصنف رحمه الله للتفريق بين النَّقل والإسقاط، استلهمها من كتاب شيخه العز بن عبد السلام " قواعد الأحكام " ص 504. وانظر: الفروق 2 / 110، ترتيب الفروق واختصارها للبقُّوري 2 / 108، وللشوشاوي تفريق واضح ولطيف وتقسيمات بديعة بيَّن فيها علاقة النقل بالإسقاط. فانظره في: رفع النقاب القسم 2 / 1272.
(4) القَبْض لغة: الأخذ والتناول، وهو تحويلُك المتاعَ إلى حيِّزك. انظر مادة " قبض " في: لسان العرب. واصطلاحاً: قال ابن جزي: القبض هو الحَوْز. القوانين الفقهية ص 334. ويمكن تعريفه أيضاً بأنه: حيازة الشيء والتمكُّن منه حقيقة كالأخذ باليد أو حكماً كالتخْلية. انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس، الجزء الأول ص 495، 711.
(5) اللُّقطة لغة مشتقة من اللَّقْط وهو أخذ الشيء من الأرض. انظر: مادة " لقط " في لسان العرب. واصطلاحاً: هو مالٌ وُجد بغير حِرْزٍ محترماً ليس حيواناً ناطقاً ولا نَعَمَاً. حدود ابن عرفة مع شرحه للرصّاع 2 / 562.
(6) في ق، ن، ومتن هـ: ((من)) والمثبت أولى؛ لأن الغرض هو قبض الثوب الذي ألقته الريح في داره من غير اعتبار لمصدره.
(7) اللقيط لغة: فعيل بمعنى مفعول، من اللِّقط، وهو الأخذ. انظر مادة " لقط " في: المصباح المنير. واصطلاحاً: هو صغيرٌ آدميٌّ لم يُعْلم أبواهُ ولا رقُّهُ. حدود ابن عرفة مع شرحه للرصَّاع 2 / 565.

(2/527)


الشرع كقبض المبيع (1) بإذن البائع والمُسْتَام (2) والمبيع الفاسد والرهون والهبات والصدقات والعواري والودائع، أو بغير إذن من الشرع ولا من غيره كالغَصْب.

الشرح
يَقْبِض المغصوبَ من الغاصب ولاة (3) الأمور إجماعاً، وفي قبض آحاد الناس خلاف بين العلماء (4) ، ويُلْحق بالغائبين المحبوسون (5) الذين لا يلحقون بأموالهم ولا يقدرون على حفظها فتحفظ لهم، وكذلك المُوْدِع إذا مات وترك الوديعة وورثته غائبون ومات الذي هي (6) عنده (7) ، فإن كان حياً (8) فيحتمل (9) أن يقال: الإمام أولى من الذي هي تحت يده؛ لأن إذن الأول انقطع بموته، وهو لم يُوْصِ (10) للثاني، وهذا هو ظاهر الفقه. ويحتمل أن (11) يستصحب (12) حفظه لها حتى يوصلها إلى مستحقها. وقبض المُضْطر لما يَدْفع به ضرورته هو بإذن الشرع، وكذلك قبض الإنسان إذا ظَفِر بجنس حقه أو بغير جنسه على الخلاف في ذلك (13) والمذهب منعه (14) .
والقبض بغير إذن من الشرع قد
_________
(1) جاءت هذه الجملة السابقة في س: ((أو بغير إذن الشرع كالمبيع)) .
(2) في ن: ((المُسْتَأْجَر)) وهو من انفراداتها. ووجهها: أن القبض يقع على العَيْن المستأجرة للانتفاع بها. وأما المثبت فالمراد به: السِّلعة المتساوَم عليها. وعبارة " قواعد الأحكام " - كما في ص (505) :
((وقبض المتساوم عليه)) - أوضح مما هاهنا.
(3) في ن: ((أولات)) وهو خطأ؛ لأنه جَمْع للإناث، واحدتها ذات. انظر: مختار الصحاح مادة " أول ".
(4) انظر: قواعد الأحكام ص 504، إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة لسيد صديق ص 165 - 166.
(5) في ن، س: ((المحبوسين)) وهو خطأ نحوي؛ لأنها ليست مرفوعة، ونائب الفاعل حكمه الرفع.
(6) في ق: ((هو)) .
(7) أي كذلك يكون الحكم في حفظ الوديعة إذا مات المودِع والمودَع، فإنَّ حِفْظها يؤول إلى الإمام.
(8) أي: المودَع.
(9) في ن، س: ((احتمل)) .
(10) في ن: ((يرض)) ، وفي س: ((يعوض)) وهو تحريف.
(11) اقحمت هنا: ((لا)) في ق، وهو خطأ؛ لانقلاب المعنى.
(12) في ق: ((تستصحب)) وهو خطأ. انظر: هامش (7) ص 112.
(13) هذه تُعرف بـ" مسألة الظَّفَر " والحكم فيها يختلف باختلاف الحقوق. انظر: المغني 14 / 339، المحلى 8 / 180، الوسيط في المذهب للغزالي 7 / 400، مختصر اختلاف العلماء للطحاوي 4 / 171، إغاثة اللهفان 2 / 98، سبل السلام 3 / 141.
(14) نقل المصنف عن المالكية - في هذه المسألة - خمسة أقوال، ورجَّح جواز الأخذ انظر: الذخيرة 8/213، 9 / 159، 6 / 157..وفي كتابه: الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام.. . ص (112) نقل بأن مشهور المذهب عدم جواز الأخذ، وكذا في الفروق 1 / 208. ولكنه استدرك عليه ابن حسين المكي في: تهذيب الفروق (بهامش الفروق 1 / 207) وأبان أن المعتمد عند المالكية جواز الأخذ. وانظر: شرح الخرشي لمختصر خليل 7 / 235، التاج والإكليل للموّاق (بهامش: مواهب الجليل) 7/292.

(2/528)


يكون مع العلم كالغصب فيأثم أو بغير علم فيعتقد أنه ماله، فلا يقال: إن الشرع أذن له في قبضه، بل عفا عنه بإسقاط الإثم، كما إذا وطيء أجنبية يظنها امرأته لا يقال: إن الشارع أذن له بل عفا عنه، ولا حُكْم (1) لله تعالى في فعل المخطيء والناسي،
ولا وَطْءِ الشبهات، بل العفو فقط [وكذلك قتل الخطأ] (2) ، بل هذه الأفعال في حق هؤلاء كأفعال البهائم ليس فيها إذن ولا منع (3) .
الإقباض
ص: الإقباض (4) كالمناولة: في العروض والنقود (5) ، وبالوزن والكيل في (6) الموزونات والمكيلات (7) ، وبالتمكين: في العقار والأشجار، أو بالنية فقط: كقبض الوالد (8) وإقباضه لنفسه من نفسه لولده (9) .
الشرح
ومن الإقباض أن يكون للمديون (10) حقٌّ في يد رَبِّ الدَّيْن، فيأمره بقبضه من يده لنفسه، فهو إقباض بمجرد الإذن.
_________
(1) في ق: ((فِعْل)) وهو مما شذت به، ولعلَّه سَبق قلم الناسخ، وإلا فإنها غير لائقة بالله تعالى، فالقول بأن أفعال العباد ليست من فعل الله هو قول القدريّة نفاة القدر. انظر: شفاء العليل لابن القيم 1 / 149.
(2) في ن: ((وكان مثل الخطأ)) وهو تكرار.
(3) انظر: مرتبة العفو بالتفصيل في: الموافقات 1 / 253 - 278.
(4) قال الشوشاوي: ((القَبْض والإِقْباض متلازمان، فما كان من جهة الدافع فهو إقباض، وما كان من جهة المدفوع إليه فهو قبض، وإنما جعلهما المؤلف قسمين لما بينهما من العموم والخصوص، فإن القبض قد يوجد من غير إقباض كاللقطة ونحوها، ولا يوجد الإقباض إلا ومعه قبض. فكلّ إقباض معه قبض وليس كلُّ قبض معه إقباض، فالقبض أعم)) رفع النقاب القسم 2 / 1279.
(5) ساقطة من ق، س.
(6) ساقطة من متن هـ.
(7) هنا زيادة: ((والمنقولات)) في ن، س. وموضعها المناسب في قسم المناولة بعد النقود.
(8) تحرَّفت في ن إلى: ((الولد)) .
(9) فيما وهبه له أو باعه عليه أو تصدق به عليه أو حبسه عليه، فالأب قابضٌ ومُقْبض في آنٍ واحد.
(10) في ن: ((للمِديان)) وهي صحيحة، ومعناها: كثير الاستقراض، وكذلك كثير الإقراض، فهي من الأضداد. انظر: القاموس المحيط، مختار الصحاح. كلاهما مادة " دين ".

(2/529)


ويصير قبضه له بالنية كقبض الأب [من نفسه لنفسه] (1) مالَ ولده إذا اشتراه منه.
الالتزام
الالتزام (2) بغير عوض (3) كالنذور، والضمان بالوجه أو بالمال (4) .
الخلط
الخلط (5) إما بشائع (6) ، وإما بين الأمثال، وكلاهما شركة (7) .
الشرح
الشائع (8) : كنصيبٍ من دار يُقَايَضُ (9) به بنصيب آخر، فيصير قد خلط [ملكه بملك] (10) من صارت الشركة معه. والأمثال: كالزيت الذي يخلط بمثله، [أو البُرِّ
ونحوه] (11) ، بخلاف خَلْط الغنم ونحوها، فليست شركةً، بل خلط يوجب أحكاماً أخرى* غير الشركة (12) .
_________
(1) في ن: ((لنفسه من نفسه)) .
(2) الالتزام لغة: الثبات والدوام. انظر: لسان العرب، مادة " لزم ". واصطلاحاً: هو إلزام الشخص نفسه شيئاً من المعروف مطلقاً أو معلقاً على شيءٍ. فتح العلي المالك للشيخ محمد عليش 1 / 217.
(3) سكت المصنف عن الالتزام بعوض، ومثاله: الضمان برهنٍ يكون عنده. انظر: رفع النقاب القسم
2 / 80.
(4) ضمان الوجه أو الذات: هو التزام الإتيان بالغريم عند حلول الأجل. وضمان المال: التزام مكلَّفٍ غير سفيهٍ دَيْناً على غيره. انظر: الشرح الصغير على أقرب المسالك للدردير 3 / 430، 450.
(5) الخَلْط لغة: المزج. والمراد بها هنا الشركة؛ ولهذا قال العز بن عبد السلام: ((الخلط والشركة ضربان؛ أحدهما: شركة شياع، والثاني: شركة خلط فيما لا يتميّز من ذوات الأمثال)) قواعد الأحكام
ص 506.
(6) في ن، ق: ((شائع)) .
(7) الشَّركة والشِّرْكة سواءٌ، وهي: مخالطة الشريكين. لسان العرب مادة " شرك ". واصطلاحاً: عَقْد مالِكَيْ مالين فأكثر على التَّجْر فيهما معاً أو على عملٍ بينهما، والربْح بينهما بما يدلُّ عُرفاً. أقرب المسالك مع الشرح الصغير 3 / 455.
(8) في ن: ((الشياع)) .
(9) قايضه مقايضة: إذا أعطاه سِلعةً وأخذ عِوضها سلعة. لسان العرب مادة " قيض ". والمقايضة اصطلاحاً: بيع عين بعين. طلبة الطلبة ص 296.
(10) في ن: ((نصيبه بنصيب)) .
(11) ساقطة من ق.
(12) كزكاة الخليطين، انظر تعريفها في: شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 1 / 146.

(2/530)


إنشاء المِلْك
ص: إنشاء (1) الأملاك في غير مملوكٍ: كإرقاق الكفار، وإحياء الموات، والاصطياد، والحيازة (2) في الحشيش ونحوه.
الشرح
ومن ذلك حيازة المعادن والجواهر من البحار وغيرها.
الاختصاص
الاختصاص (3) بالمنافع: كالإقطاع (4) ،
والسبق إلى المباحات (5) ، ومقاعد الأسواق والمساجد (6) ، ومواضع النسك* كالمطاف والمسعى وعرفة ومزدلفة ومنى ومرمى الجمار والمدارس والرُّبُط (7) والأوقاف.
الشرح
يلحق بذلك الاختصاص بالخانات (8) المُسَبَّلة في الطرقات، والاختصاص [بالكلاب
_________
(1) الإنشاء لغة: ابتداء الشيء. انظر: لسان العرب، مادة " نشأ ". وهو المراد به هنا، ابتداء المِلْك.
(2) الحيازة لغة: الضمُّ والجمع، وكل من ضم شيئاً إلى نفسه من مالٍ وغيره فقد حازه. انظر مادة " حوز " في: لسان العرب، المصباح المنير. واصطلاحاً: وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه. الشرح الصغير على أقرب المسالك 4 / 319.
(3) الاختصاص: هو الانفراد بالشيء دون الغير. انظر مادة " خصص " في: لسان العرب. وهو المراد هنا.
(4) الإقطاع: إعطاء قطعة أرضٍ للإرفاق، واستقطع الإمامَ إذا سأله إقطاعاً يستبدُّ وينفرد به. انظر مادة

" قطع " في: لسان العرب، وهو المراد به هنا، فإذا كانت الأرض أرض عُنْوة فلهم الانتفاع بها من زراعة ونحوها دون تمليك رقبتها، وإن كانت من الفيافي البعيدة أو غير أراضي العنوة فللإمام تمليكهم رقبتها. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1282.
(5) كالسَّبْق إلى منافع المواضع المباحة كالحطب والحشيش.
(6) الاختصاص بمقاعد المساجد للصلاة والعزلة والاعتكاف ونحو ذلك. انظر: قواعد الأحكام للعز بن
عبد السلام ص 507.
(7) الرُّبُط: جمع رباط، ويجمع على رِباطات، وهي مُولَّدة، وهي: ما يُبنى للفقراء أو المنقطعين للعبادة أو العلم. انظر مادة " ربط " في: المصباح المنير، تاج العروس.
(8) جمع " خان " وهو النُّزُل أو الفندق الذي ينزله المسافرون، وهي معرَّبة. انظر مادة " خون " في: مختار الصحاح، المصباح المنير، المعجم الوسيط.

(2/531)


التي للصيد] (1) ، وجلد الميتة، فإنَّا وإن مَنَعْنا (2) [بيعَ الكلب وجلْد الميتة] (3) فإنا نمنع من (4) أخذهما (5) ممن هما (6) بيده، وكذلك الأرواث وإن منعنا بيعها (7) [فإنا نمنع
من] (8) أخذها (9) ممن حازها لبستانه، وإذا (10) قلنا بالاختصاص ببيوت المدارس والخوانق (11) فمعناه أنَّ لهم أن ينتفعوا [لا أنهم] (12) ملكوا تلك المنافع، فلذلك له أن يسكن، وليس له أن يؤجر (13) ولا يُسْكِن غيره ممن لم* يقم (14) بشرط الواقف، فإنَّ بَذْل المنفعة للغير بعوض أو بغير عوض فرع (15) ملكها، وهو (16) ليس بحاصل، بل له أن ينتفع بنفسه (17) إذا قام بشرطها فقط دون أن ينقل المنفعة لغيره.
_________
(1) في ق: ((بكلاب الصيد)) .
(2) في ق: ((معنا)) وهو تحريف.
(3) ما بين المعقوفين في ق: ((بيعها)) .
(4) ساقطة من ن، ق.
(5) في س، ن: ((أخذه)) .
(6) في س، ن: ((هو)) .
(7) ساقطة من ق.
(8) في ق: ((منعنا)) .
(9) في ق: ((أحدهما)) وهو تحريف.
(10) في س: ((إن)) وهو مقبولٌ أيضاً. انظر: هامش (7) ص 16.
(11) في ق: ((الخوانك)) ولعلَّها لهجة. والخوانق جَمْع إمَّا لخانق وهو الشِّعْب الضيِّق بين جبلين ويُسمَّى بالزُّقاق على لغة اليمن. وإما لخَانِقَاه، وهو الأقرب، وهي بقعة يسكنها أهل الصلاة والخير والصوفية وجعلت علماً لهم، وهي فارسية معرَّبة. انظر مادة " خنق " في: تاج العروس، المعجم الوسيط.
وانظر: منادمة الأطلال لابن بدران ص 272.
(12) في س، ن: ((لأنهم)) وهي محرَّفة.
(13) في ن: ((يؤاجر)) وهي صحيحة، تقول: آجرته الدار: أكريتُها. لسان العرب، مادة " أجر ".
(14) ساقطة من س.
(15) ساقطة من س.
(16) في ق: ((وهي)) وهي خطأ؛ لأن " مِلْك " مذكر، فالضمير العائد عليه لابد أن يكون للمذكر.
(17) في ن، س: ((لنفسه)) .

(2/532)


الإذن
ص: الإذن (1) إما في الأعيان: كالضيافات و (2) المنائح، أو في المنافع: كالعواري والاصطناع بالحَلْق (3) والحِجَامة (4) ، أو في التصرف: كالتوكيل والإبضاع (5) والإيصاء (6) .
الشرح
الصحيح أن عرض الطعام وتقديمه للضيف إذن له في تناوله، واشترط بعضهم الإذن بالقول (7) - وهو بعيد - قياساً على البيع (8) ،
وله أن يأكل بنفسه، وليس له أن يبيع ولا يحوله لغيره، ولا يأكل فوق حاجته؛ لأن العادة إنما دلت على تناوله بنفسه خاصةً (9) مقدار حاجته، فلا يتعدَّى موجب الإذن؛ لأن الأصل استصحاب الملك السابق بحسب الإمكان. ونُقِل عن الشافعية خلاف في الزمن الذي يحصل به الملك
_________
(1) الإذن لغة: الإباحة والإطلاق. انظر مادة " أذن " في: لسان العرب، المصباح المنير. واصطلاحاً: إباحة التصرف للشّخص فيما كان ممنوعاً منه شرعاً لحقِّ غيره. انظر: معجم لغة الفقهاء ص 52، أحكام إذن الإنسان في الفقه الإسلامي للشيخ محمد عبد الرحيم 1 / 37.
(2) هنا زيادة: ((في)) في ق.
(3) في ق: ((في الحلق)) .
(4) أي يقع الإذن للصانع (الأجير) في أن يحلق شعر أحدٍ، أو أن يحجمه.
(5) ساقطة من س، ومتن هـ. والإبْضَاع: إعطاء البِضَاعة. انظر مادة " بضع " في: لسان العرب. واصطلاحاً: هو بَعْث المال مع من يتَّجربه تبرعاً، والرِّبح كله لربِّ المال. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص 215، الموسوعة الفقهية الكويتية 1 / 172.
(6) ساقطة من ق.
(7) ساقطة من ق، وفي ن: ((بالقبول)) .
(8) يرى جماهير الفقهاء أن تقديم الطعام للضيف يقوم مقام الإذن، فلا يشترط الإذن لفظاً، ونقل ابن قدامة عدم الخلاف فيه بحسب علمه، لكن الغزالي ذكر قولاً باشتراط الإذن لفظاً، وضعَّفه النووي وقال بأنه
شاذ. انظر: الوسيط في المذهب للغزالي 5 / 279، المغني 8 / 246، روضة الطالبين للنووي

7 / 338، مواهب الجليل 5 / 246 - 247.
(9) ساقطة من ق.

(2/533)


للضيف: هل هو (1) بالتقديم أو بالازدراد (2) ؟. ولا معنى للقول بالازدراد؛ لأن الملك هو إذن الشارع في التصرف وبعد (3) الازدراد انقطع ذلك، بل مقتضى الفقه أن يقال: لا ملك هنا ألبتة بل إذنٌ في أن يتناول بأكله مقدارَ حاجته.
ويلحق بذلك ما دلَّت العادة على الإذن فيه من إطعام الهِرِّ ونحو ذلك، فالعادة كالقول في الإذن، فكلُّ ما دلَّتْ العادة عليه فهو كالمصرَّح به في هذا وفي غيره، وكذلك [إنَّ كُتُب الرسائل التي تسير للناس، تلك الأوراق] (4) كانت على مِلْك مُرْسِلها، وذكر الغزالي (5) أنها بعد الإرسال يحتمل أن يكون انتقلت إلى مِلْك المُرْسَل إليه، ويحتمل أن يقال: إنه لم يحصل فيها إلا إسقاط الملك السابق فقط، وبقيت بعد تحصيل المقصود منها مباحةً للناس أجمعين ما لم يكن فيها سِرٌّ وما (6) يحافظ عليه، فإن كان ذلك فقد تدل العادة على ردِّه لمرسله بعد الوقوف عليه، وقد تدل على تحفظ الثاني به من غير رد، وقد تدل العادة (7) على تمليك الثاني لتلك الرقعة كالتواقيع (8)
التي
_________
(1) ساقطة من جميع النسخ ما عدا النسختين ز، م.
(2) الازدراد: الابتلاع، يقال: زَرِد الشيءَ واللقمة زَرَداً، وزَرَده وازْدَرَده زَرْداً: ابتلعه. انظر مادة
" زرد " في: لسان العرب. أمَّا مسألة مِلْك الضيف للطعام ووقته، فقد حكى النووي عن الشافعية قولين، الأول: أنه لا يملكه، بل هو إتلاف بإذن المالك. والثاني: القول بالملك، ثم بِمَ يكون المِلْك؟ نقل فيه أربعة أوجه، أولها: بالوضع بين يديه، وثانيها: بالأخذ، وثالثها: بوضعه في الفم، ورابعها: بالازدراد يتبين حصول الملك قُبيله. ثم قال النووي: وضعَّف المتولِّي ما سوى الوجه الأخير. انظر: روضة الطالبين 7 / 338 - 339.
(3) في س: ((وهو)) وهي تحريف.
(4) ما بين المعقوفين اختصر في ق إلى: ((أوراق الرسائل)) .
(5) لم أعثر على نصِّ الغزالي بعد بحث طويل. ولكن الكلام المتعلِّق بحكم الرسائل موجود في: العزيز شرح الوجيز للرافعي 6 / 335، روضة الطالبين 5 / 368، مغني المحتاج 3 / 574، المجموع (التكملة)
16 / 361.
(6) أقحمت هنا: ((لا)) في ق وهي خطأ، لانقلاب المعنى بها.
(7) ساقطة من ق.
(8) في ن: ((التراقيع)) وهي مما انفردت به. فإن كان المراد بها جمع " الرُّقْعة " فإني لم أجده. والذي

وجدته: " رُقَع " و" رِقَاع ". انظر مادة " رقع " في: لسان العرب القاموس المحيط، مختار الصحاح، تاج العروس وغيرها.

(2/534)


يكتبها الخلفاء والملوك لتشريف المكتوب إليه، فإنها تبقى عند (1) الأعقاب تذكيراً (2) بذلك الشرف وعظم المنزلة، فكل ما دلت عليه العادة (3) من ذلك اتُّبع وكان كالمنطوق، والمنائح (4) : الشاة (5) تعطى لمن يأكل لبنها مع بقائها على ملك رَبِّها، والإِفْقار (6) : الإذن في ركوب البعير، والإسكان: الإذن في سكنى الدار، والعُمْرى (7) : إسكانه عمره، والعَريَّة (8) : هبة ثمر النخل.
الإتلاف
ص: الإتلاف (9) :
إما للإصلاح (10) في الأجساد والأرواح كالأطعمة والأدوية والذبائح وقطع الأعضاء المتآكلة، أو للدفع كقتل الصُّوَّال (11) والمؤذي من الحيوان،
_________
(1) في ق: ((بعد)) وهو تحريف.
(2) في ن: ((تذكير)) وهي خطأ نحوي، لأنها غير منتصبة، والمفعول لأجله حكمه النَّصب.
(3) ساقطة من ق.
(4) جمع منيحة، ويُقال: مِنْحة، وكلّ عطيّة منيحة، والعرب تضع أربعة أسماء مواضع العارية، وهي: المَنِيحة، والعَرِيَّة، والإفْقار، والإِجْنال. انظر: مادة " منح " في: لسان العرب.
(5) في ن: ((كالشاة)) .
(6) الإفقار: إعارة الدابَّة ليركبها، مأخوذ من ركوب فِقار الظهر. ويقال: الفُقْرى كالعُمْرى. انظر مادة
" فقر " في: لسان العرب.
(7) سبق التعريف بها.
(8) العَرِيَّة: النخلة المُعْراة، وأَعْراه النخلة: وهب له ثمرة عامها. وليس في هذا بيع، وإنما فضل ومعروف، ثم أُرْخص للمُعْري في بيع ثمر نخلةٍ في رأسها بخرْصها من التمر. وسُميت عريةً لعروُّها من جملة التحريم. انظر مادة " عرا " في: لسان العرب. وانظر تعريفها في الاصطلاح في: المنتقى للباجي 4 / 226، شرح حدود ابن عرفة 2 / 389.
(9) الإتلاف لغة: الإفناء، مصدر أَتْلف، والتَّلف: الهلاك والعطب. انظر مادة " تلف " في: لسان العرب. واصطلاحاً: إخراج الشيء من أن يكون منتفعاً به منفعة مطلوبةً منه عادة. انظر: بدائع الصنائع

10 / 70.
(10) في متن هـ: ((في الاصطلاح)) ، والمثبت أنسب من جهة تركيب العبارة.
(11) الصُّوَّال: جمع صائل كالصُّوَّام، والصائل: هو القاصد للوثوب على الشخص. وصال عليه: وثب عليه صَوْلاً وصيالاً وصيالةً ومصاولة. انظر مادة " صول " في: لسان العرب، وانظر: الفروق
4 / 183.

(2/535)


أو لتعظيم الله تعالى كقتل الكفار لمحو الكفر من قلوبهم (1) وإفساد الصُّلْبان، أو لتعظيم الكلمة كقتل البغاة، أو للزجر كرجم (2) الزناة وقتل الجناة.
الشرح
البغاة: هم الذين يقاتلون بالتأويل من أهل الإسلام (3) ، سُمُّوا بغاةً: إما لبغيهم، أو لأنهم يبغون الحق على زعمهم، وكان قتالهم للكلمة (4) ؛ لأنهم فَرَّقُوها بخروجهم عن الطاعة.
ومن ذلك - أعني القتال للإتلاف - قتال الظلمة؛ لدفع ظلمهم، [وحسم] (5) مادة فسادهم، وتخريب ديارهم، وقطع أشجارهم، وقتل دوابهم، إذا لم يمكن* (6) دفعهم إلا بذلك.
[ومن ذلك] (7) قتل من كان دَأْبه أذية المسلمين طَبْعاً له، وذلك متكرر منه لا لعذر، وعَظُم ضرره وفساده في الأرض، ولم يمكن (8) دفعه إلا بقتله قُتِلَ بأيسر الطرق المزهقة لروحه. وكذلك من طلَّق امرأته ثلاثاً وكان يهجم على الزنا [بها، فإنَّ
لها] (9) مدافعته بكل طريق، [ولو لم] (10) تقدر إلا بقتله قتلته بأيسر الطرق في ذلك. وكذلك إتلاف ما يُعصى الله تعالى به من الأوثان والملاهي.
_________
(1) لا أعلم كيف يُمحى الكفر من القلب؟! ولو قال: لمحو الكفر من الأرض لكان مقبولاً. وعبارة " قواعد الأحكام " ص (508) هي: ((قتل الكفار دفعاً لمفسدة الكفر في قتال الطلب، ودفْعاً لمفسدتي الكفر والإضرار بالمسلمين في قتال الدَّفْع)) . ولكن ما سطَّره المصنف هنا لعلَّه يتمشَّى مع مذهبه في وجوب إجبار الكفار على الإسلام. انظر هامش (5) ص (471) . وانظر: الذخيرة 3 / 387.
(2) في ق: ((كقتال)) والمثبت أصح؛ لأن الزناة يرجمون.
(3) انظر: الذخيرة 12 / 5، الفروق 4 / 171.
(4) في ق: ((لعظيم)) .
(5) ساقطة من ق.
(6) في ق: ((يكن)) .
(7) في س: ((كذلك)) .
(8) في ق: ((يكن)) .
(9) في ق: ((فلها)) .
(10) في ق: ((لم)) .

(2/536)


فائدة: سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله عن قتل الهِرِّ المؤذي: هل يجوز أم لا؟. فكتب رحمة الله عليه وأنا حاضر: إذا خرجتْ أذيَّته عن عادة القطط، وتكرر ذلك منه قتل، فاحترز بالقيد الأول عما هو في طبع الهر من أكل اللحم إذا تُرك سائباً أو عليه شيء يمكن رفعه للهر، فإذا رفعه وأكله لا (1) يقتل ولو تكرر ذلك منه؛ لأنه طبعه، واحترز بالقيد الثاني من (2) أن يكون ذلك منه على وجه الفَلْتة (3) ، فإن ذلك لا يوجب قتله، بل القتل إنما يكون في الميئوس من صلاحه واستصلاحه من الآدميين والبهائم (4) .
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا أذتْ الهرة وقُصِد قتلها، فلا تعذَّب ولا تُخْنق، بل تذبح بموسى حادَّة (5) ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحة)) (6) .
ومن هذا الباب مسألة السفن وما يُطْرح منها خوف الغرق على المال أو النفس، فإنه إتلاف لصون النفس والمال (7) .
مسألة: الحيوان الذي لا يؤكل إذا وصل في المرض لحدٍّ لا يُرجى، هل يُذبح تسهيلاً عليه وإراحة له من ألم الوجع؟. الذي رأيته المنع (8) (9) إلا أن يكون مما يُذكَّى
_________
(1) في ق: ((لم)) .
(2) في ق: ((عن)) .
(3) الفَلْتَة هي: البَغْتة، والخَلْسة، والفَجْأة. انظر مادة " فلت " في: لسان العرب.
(4) لم أعثر على هذه المسألة فيما وقفت عليه من كتب العز بن عبد السلام، ولا في كتب الشافعية، ولكنها موجودة في: مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب 4 / 357، وانظر: المحلى 7 / 239.
(5) انظر النسبة إلى أبي حنيفة في: مواهب الجليل 4 / 358. ولم أهتدِ إلى توثيقها من كتب الحنفية، وإن كانت المسألة موجودة من غير عزوٍ في: البحر الرائق لابن نجيم 8 / 232، 554.
(6) رواه مسلم (1955) عن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه بلفظ: (( ... فأحسنوا الذَّبْح)) . ورواه الترمذي (1409) بنفس لفظ المصنف.
(7) قرَّر المصنّف مسألة الطَّرح من السفن أحسن تقرير في كتابه: الفروق (4 / 8 - 10) . وانظر: ترتيب الفروق واختصارها للبقوري 2 / 177.
(8) في ن: ((لا يذكَّى)) .
(9) ما رآه المصنف هو المنع. لكن ما رآه الحَطَّاب هو الإجهاز عليه لإراحته. انظر: مواهب الجليل 4/358.

(2/537)


لأخذ جلده كالسباع. وأجمع الناس على منع ذلك في [حق الآدمي] (1) وإن اشتدت* آلامه (2) ، واحتمل أن يكون ذلك لشرفه عن (3) الإهانة بالذبح، فلا يتعدى ذلك إلى غيره (4) .
التأديب والزجر
ص: التأديب والزجر: إما مقدَّر كالحدود، أو غير مقدَّر كالتعزير، وهو مع الإثم في المكلفين، أو بدونه في الصبيان والمجانين والدواب (5) .
خاتمة متن الكتاب
فهذه أبواب مختلفة الحقائق والأحكام، فينبغي للفقيه الإحاطة بها (6) ؛ لتنشأ له الفروق والمدارك في الفروع (7) .
الشرح
يلحق بالتأديب تأديب (8) الآباء والأمهات للبنين والبنات، والسادات للعبيد والإماء، بحسب جناياتهم واستصلاحهم على القوانين الشرعية من غير إفراط، وكذلك
_________
(1) في ق: ((الآدميين)) .
(2) في س: ((الأمر)) وهو تحريف.
(3) في ق: ((على)) ولست أعلم لها وجهاً هنا.
(4) ذكر ابن حزم الاتفاق على حرمة قتل الإنسان نفسه أو أن يقطع عضواً منه أو أن يؤلم نفسه إلا للتداوي خاصةً. انظر: مراتب الإجماع ص 252.
(5) أي: إن المكلفين يأثمون على المعصية مع زجرهم وتأديبهم عليها. بينما الصبيان والمجانين والدواب لا يأثمون على فعل المعصية، بل ما فعلوه من المنكر لا يسمَّى في حقّهم معصية لعدم التكليف، ولكن يزجرون ويؤدبون لا للإثم، وإنما استصلاحاً لحالهم، ودَرْءاً للمفسدة، فالمنكر يجب تغييره، ولهذا يُمنعون من شرب الخمر والزنا ونحو ذلك. انظر: قواعد الأحكام ص 509، الفروق 1 / 213، 4 / 180. لكن من العلماء من منع تأديب وضرب المجانين والصغار الذين لا يعقلون. انظر: بدائع الصنائع
9 / 270، الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح 1 / 477.
(6) في ن: ((لها)) وهو تحريف.
(7) اتفقت نسخ الشرح على هذه النهاية من كلام المصنف في متنه. ولكن اختلفت نسخ المتن في خواتيم النهاية. والذي جاء في نسخة متن (هـ) - التي تمَّت المقابلة بها - ما يلي: ((وهذا آخره، والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. آمين.
(8) ساقطة من ن.

(2/538)


تأديب الأزواج للزوجات على نحو ذلك، وكذلك تأديب الدواب بالرياضات، ومهما حصل ذلك بالأخف من القول [لم يجز] (1) العدول إلى ما هو أشد منه لحصول المقصود بذلك، فالزيادة مَفْسدة بغير مصلحة فتحرم (2) ، حتى قال " إمام الحرمين ": إذا كانت (3) العقوبة المناسبة لتلك (4) الجناية (5) لا تؤثر في استصلاحه عن تلك المفسدة، فلا يَحلُّ أن يُزجر أصلاً، أما بالمرتبة (6) المناسبة فلعدم الفائدة، وأما ما هو أعلى منها فلعدم المبيح له، فيحرم الجميع حتى يتأتَّى استصلاحه بما يجوز أن يُرَتَّب (7) على تلك الجناية (8) .
_________
(1) في س، ن: ((لا يجوز)) .
(2) في ن، ق: ((فيحرم)) وهو غير سديد إلا على تقدير عود الضمير الغائب إلى: التأديب، والأَوْلى خلافه. انظر: هامش (6) ص 109.
(3) في س: ((كثرت)) وهي غير مستقيمة مع السياق.
(4) في ق: ((لملك)) وهي محرَّفة.
(5) في س: ((المصلحة)) .
(6) في س: ((بالتربية)) ، وفي ن، ق: ((والريبة)) وهي تحريف. والمثبت من م، ز.
(7) في ق: ((تياب)) وهو تحريف.
(8) لم أجد هذا النص بحروفه، ولكن المصنف استوحاه من كلام الجويني في: ((الغياثي)) ص 229. كما أن المصنف أورد كلام الجويني بعبارات مقاربة له في كتابه " الفروق " 4 / 181، وانظر: روضة الطالبين للنووي 10 / 175، قواعد الأحكام ص 509، ويلاحظ هنا أن القول بعدم فائدة العقوبة المناسبة لأنها لا تستصلحه ولا تزجره غير مُسلَّم، فقد تكون الفائدة زجر غيره عن الوقوع في مثل ما وقع فيه الجاني. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1296.

(2/539)


خاتمة شرح الكتاب
فهذه فوائد جليلة، وقواعد جميلة، نفع الله به واضعها وكاتبها وسامعها وقارئها (1) ، وختم لنا بخير أجمعين [في القول والعمل بمنه وكرمه] (2) . وهو حسبنا ونعم الوكيل (3) .
_________
(1) ساقطة من س، ق.
(2) ما بين المعقوفين في س هكذا: ((وهو المعين على الخير كله)) .
(3) إلى هنا اتفقت نسخ الشرح على هذه النهاية. ثم اختلفت فيما بعد ذلك.
- فالنسخة (س) ختمت بما يلي: ((وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً. تمَّ شرح الكتاب، نفع الله به المسلمين، إنه على كل شيء قدير)) .
- وختام النسخة (ق) هو: ((هذا آخر شرح الكتاب، الذي هو: تنقيح الفصول في علم الأصول كتبه بيده الفانية أحمد بن حسن بن عثمان الدميري غفر الله له ولوالديه، ولمن قرأ فيه. وكان الفراغ من كتابته يوم الإثنين سابع عشر شهر ربيع الآخرة سنة إحدى وستين وثمانمائة. أحسن الله عاقبتها. والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد)) .
- وأما خاتمة النسخة (ن) فهي: ((كمل شرح التنقيح على بركة الله تعالى وحسن عونه، وكتبه عَبْدٌ ذليل لربٍّ جليل محمدُ بن محفوظ - كلمة غير واضحة - كتبه لصاحبه في الله تعالى: علي بن محمد الجزولي أراده لنفسه، وأراد أن يستفيد منه، نفعه الله به، وكان الفراغ منه يوم الأربعاء في شهر شوال عام خمس وثلاثين بعد سبعمائة. والحمد لله كثيراً، والصلاة على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً. تمَّ الكتاب بحمد الله ذي الجود ربِّ العباد، ومُجري الماء - كلمة غير واضحة - يا قاريء الخَطِّ قُلْ بالله مجتهداً اغفر لكاتبه يا خير مُعبَّدي، غيره! إلى الله تعالى.
وهذا كتابٌ باليمين كتبْتُه *ستُبلى يميني والحروفُ رواتبُ
رعى الله أقواماً قَرَوْا فترحَّموا *على من لهذا الخطِّ بالكفّ كاتبُ

فاسأل الله الذي احتجب بالحجاب، وخلق آدم من التراب، أن ينفعنا بما علّمنا، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه. والحمد لله رب العالمين)) .

(2/540)