جزء من شرح تنقيح الفصول في علم الأصول الباب التاسع عشر
في الاجتهاد
(2/435)
تعريف الاجتهاد
ص: وهو استفراغ الوُسْع (1) في المطلوب لغةً (2) . واستفراغ
الوُسْع في النظر فيما لا (3) يلحقه فيه لَوْمٌ شرعي اصطلاحاً
(4) .
وفيه تسعة فصول (5) :
_________
(1) في س: ((الجهد)) .
(2) انظر مادة " جهد " في: لسان العرب، المصباح المنير،
القاموس المحيط
(3) ساقطة من جميع النسخ ما عدا النسخ ق، ز، م. والصواب
إثباتها؛ لأنها مثبتة في: المحصول (6/6) ، وفي: نفائس الأصول
(9/3789) ، ولأن المعنى في الحدّ بدونها يختلُّ، فإن كان
المراد أنه يلحق المجتهدَ لومٌ شرعي على تقدير تركه الاجتهاد
في تحصيل الحكم الشرعي إذا تعيَّن عليه، كان الحدُّ غير مانع؛
لأنه يندرج فيه كل ما يُجْتَهد فيه من أصول الديانات وتعيين
القبلة ... إلخ، وهذا لا يُسمى اجتهاداً بالاصطلاح بل باللغة.
وإن كان المراد أنه يلحق المجتهد لومٌ شرعي بترك العمل به بعد
حصول الاجتهاد، كان الحدُّ غير جامع؛ لأنه لم يتناول إلا
الواجبات. انظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2/1060. وانظر:
التوضيح لحلولو ص 382 أما إذا أثبتت "لا" في الحدّ، فيكون قوله
((فيما لا يلحقه فيه لومٌ شرعي)) قيداً في التعريف يُدْخِل
الفروع، ويُحترز به عما يكون فيه اللوم وهو ما يتعلَّق
بالأصول. ولهذا قال الرازي عقب تعريفه هذا: وهذا سبيل مسائل
الفروع، ولذلك تُسَمى هذه المسائل مسائل الاجتهاد، والناظر
فيها مجتهد. وليس هذا حال الأصول. المحصول 6/6. وانظر: نهاية
الوصول للهندي 8/3785
(4) لم يرتضِ المصنف هذا التعريف ولم يستحسنه في نفائس الأصول
(9/3790-3792) ، وأورد عليه إشكالاً، وناقش عدداً من
التعريفات، ثم قال: ((والذي أراه أنه: بذل الوسع في الأحكام
الفروعية الكلية ممن حصلت له شرائط الاجتهاد)) وشَرَحَه هناك.
ومن تعريفات الاجتهاد المناسبة هو ((بذل الفقيه الوسع في نيل
حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط)) ذكره الشوكاني وشرحه في:
إرشاد الفحول 2/295 وانظر: الإحكام لابن حزم 2/629، الحدود
للباجي ص 64، اللمع للشيرازي ص 258، الضروري في أصول الفقه
لابن رشد ص 137، منتهى السول والأمل ص 209، التقرير والتحبير
3/388، شرح الكوكب المنير 4/458، فواتح الرحموت 2/415
(5) نبَّه الشوشاوي تنبيهاً لطيفاً وقال بأن الصواب أن يقول
المصنف: ((الباب التاسع عشر في الاجتهاد، وفيه عشرة فصول.
الفصل الأول: في حقيقته، وهو استفراغ الوسع في المطلوب ...
إلخ)) . ثم يقول: الفصل الثاني: في النظر وهكذا ... ، وهذا
التفطن من الشوشاوي جاءه مِنْ حَصْرِ عدد فصول الكتاب؛ لأن
المصنف ذكر في مقدمة متنه " تنقيح الفصول " بأنه لخَّصه في
مائة فصل وفصلين، فبهذا الفصل المشار إليه في حقيقة الاجتهاد
يكتمل العدد، وإلا فليس في الكتاب إلا مائةُ فَصْلٍ وفصلٌ
واحد.
(2/436)
الفصل الأول
في النظر (1)
ص: وهو الفكر (2) ، وقيل: تَرَدُّدُ الذهن بين أنحاء الضرورات
(3) ، وقيل: تَحْديق العقل إلى جهة الضروريات (4) ، وقيل:
ترتيب تصديقاتٍ يُتَوصَل بها إلى علم أو ظنٍ (5) ، وقيل: ترتيب
تصديقين (6) ، وقيل: ترتيب معلومات (7) ، وقيل: ترتيب معلومين
(8) . فهذه سبعة (9) مذاهب (10) ، وأصحُّها الثلاثة الأُوَل.
وهو (11) يكون في التصورات (12) ؛ لتحصيل الحدود الكاشفة عن
الحقائق المفردة على ترتيبٍ خاصٍّ تَقدَّمَ أولَ الكتاب (13) ،
_________
(1) لعل مناسبة عقد هذا الفصل هنا أن لفظة " النظر " وردت في
حدِّ الاجتهاد، والمجتهد أحوج ما يكون إلى النظر. لكن جلُّ
الأصوليين يذكرون "النظر" في أوائل تصانيفهم. انظر تعريفاته
في: التقريب والإرشاد للباقلاني 1/210، التلخيص 1/122، قواطع
الأدلة 1/41، الإحكام للآمدي 1/10، منتهى السول والأمل ص4،
مراقي السعود للمرابط 1/86، إرشاد الفحول 1/52.
(2) هذا تعريف أبي الحسين البصري في المعتمد 1 / 6، وبزيادة:
((في حال المنظور فيه)) ، جاء في العدة لأبي يعلى 1/184، وفي
شرح اللمع للشيرازي 1/153.
(3) هذا تعريف الجويني في: البرهان 1/103.
(4) هذا تعريف أبي إسحاق الإسفراييني، هكذا النسبة إليه في
نفائس الأصول 1/211.
(5) هذا قريب من تعريف الرازي في: المحصول 1/87، معالم أصول
الدين ص20.
(6) هذا تعريف تاج الدين الأرموي في الحاصل (1/232) وتمامه:
((يتوصل بهما إلى استعلامِ مجهول)) .
(7) لم أجده منسوباً لأحد، وهو مذكور في: نفائس الأصول (1/211)
، وتمامه: ليتوصل بها إلى معلوم آخر.
(8) لم أجده منسوباً لأحد. وانظر: نفائس الأصول 1/211
(9) في س: ((ثلاثة)) وهو خطأ بيّن.
(10) قال حلولو: ((كلها مدخولة، وأسدُّ عبارة فيه ما قيل إنه:
الفكر المؤدي إلى علم أو ظن)) . التوضيح
ص 383
(11) هنا زيادة: ((أن)) في س، وهي منكرة؛ لأن المراد هنا
الشروع في بيان مجالات النظر لا بيان أصح التعريفات.
(12) التصور: حصول صورة الشيء في الذهن. أو إدراك ماهية الشيء
من غير حكمٍ عليه بنفي أو إثبات. انظر: شرح السلم للملَّوي
بحاشية الصبان ص 45، التعريفات ص 78
(13) انظر: ص (11) من المطبوع. والمراد بالحدود: المعرفات
الخمسة وهي: الحد التام، والناقص، والرسم التام، والناقص،
والحد اللفظي. والمراد بالحقائق المفردة: المعاني المتصورة في
النفس، والمفردة: احتراز من المركبَّة فإنها من شأن التصديقات.
والمراد بقوله: على ترتيب خاص، أي: تقديم الجنس على الفَصْل أو
الخَاصَة. انظر: رفع النقاب القسم 2/1068
(2/437)
وفي التصديقات (1) ؛ لتحصيل المطالب
التصديقية على ترتيب خاصٍّ (2) وشروطٍ خاصة (3) حُرِّرتْ في
علم المنطق (4) ، ومتى كان في الدليل مقدمة سالبة أو جزئية أو
مظنونة كانت النتيجة كذلك؛ لأنها تتبع أخسَّ المقدِّمات (5)
ولا يُلْتفت إلى ما صحبها من أشرفها.
الشرح
الثلاثة في النظر متقاربة في (6) المعنى، واختلافها في
العبارات، والضروريات: هي القضايا البديهية، فإن العقل يقصدها
ابتداءً ليستخرج منها (7) التصديقات النظرية.
وأما قولهم: ((ترتيب تصديقات)) فهو قول الإمام فخر الدين (8) ،
وهو باطل، فإن النظر إن كان في الدليل كَفَى فيه (9) مقدمتان،
وتصديقاتٌ جَمْعٌ ظاهرٌ في الثلاث (10) . ولذلك (11) قال
القائل الآخر: ((تصديقين)) ، وبَطَل أيضاً، فإن النظر كما (12)
يقع في
_________
(1) أي: ويكون النظر في التصديقات والتصديق: هو إدراك النسبة
بين شيئين، أو حكم العقل بنسبةٍ بين مفردين سلباً أو إيجاباً.
انظر: شرح السلم للملوي ص 45، المبين في شرح ألفاظ الحكماء
والمتكلمين للآمدي ص 69.
(2) المراد بالترتيب الخاص، هو تقديم المقدمة الصغرى على
الكبرى. انظر: رفع النقاب القسم 2/1070
(3) المراد بشروط خاصة، كقولهم: يشترط في إنتاج الشَّكْل الأول
إيجاب الصغرى، وكلِّية الكبرى. مثل: كل إنسان حيوان وكل حيوان
متحرك. انظر: رفع النقاب القسم 2/1070، وانظر: تحرير القواعد
المنطقية لقطب الدين الرازي ص141 وما بعدها، شرح البنَّاني على
السلم ص 176.
(4) علم المنطق ويسمى علم الميزان وهو: علم يُتعرَّف منه كيفية
اكتساب المجهولات التصورية والتصديقية من معلوماتها. انظر:
أبجد العلوم لصديق حسن القنوجي 2/521، وانظر تعريفات أخرى له
في: شرح المطلع على متن إيساغوجي في المنطق لزكريا الأنصاري ص
9، مقدمة ابن خلدون 3/1136.
(5) قال المصنف في نفائس الأصول 1/212 ((النتيجة تتبع أخس
المقدمات، والخِسَّات ثلاث: الظن، والسلب، والجزئي، فظنية
وقطعية النتيجة: ظنية، وسالبة وموجبة النتيجة: سالبة، وجزئية
وكلية النتيجة: جزئية ... )) .
(6) ساقطة من ق
(7) في ن: ((منه)) وهو تحريف
(8) انظر: المحصول 1/87، محصّل أفكار المتقدِّمين والمتأخرين ص
38
(9) في ق: ((به)) وهو غير مناسب للسياق
(10) أورد المصنف في نفائس الأصول (1/196-209) ستة مطاعن على
تعريف الرازي، فراجعها ثمة.
(11) في ن: ((وكذلك)) وهو تحريف
(12) ساقطة من ن
(2/438)
التصديقات في البراهين يقع في التصورات في
الحدود، والتصديقات لا تتناول التصورات التي في الحدود.
فلذلك قال الآخر: ((ترتيب معلومات)) حتى يشمل (1) التصديقات
والتصورات، فقيل له: إن معلومات جَمْع، وقد يكفي معلومان، في
الدليل من تصديقين، والحدِّ من تصورين.
فلذلك قال الآخر: ((ترتيب معلومين)) فقيل له: إن النظر قد لا
يتحصَّل منه إلا الحدُّ الناقص (2) : وهو [ذكر الفصل (3)
وَحْده، أو الرَّسْم الناقص (4) ] : (5) وهو ذكر (6) الخاصَّة
(7) وحدها، ومع الوَحْدة لا ترتيب [فقَيْد الترتيب لا يسوغ (8)
أصلاً لتوقفه] (9)
على التعدد (10) ، فلذلك لم يصح إلا الثلاثة الأُوَل، لعدم
اشتراطه الترتيب فيها والتعدد.
_________
(1) في س: ((تشمل)) .
(2) الحد الناقص: هو تعريف الشيء مركباً من جنسه البعيد
وفَصْله القريب، كتعريف الإنسان بأنه جسم ناطق. ويطلق الحد
الناقص - وهو المراد هنا - على تعريف الشيء بفصله القريب فقط،
على خلافٍ في التعريف بالمفرد، كتعريف الإنسان بأنه: ناطق،
وكونه ناقصاً؛ لعدم ذكر جميع الذاتيات فيه. انظر فتح الرحمن
على مقدمة لقطة العجلان للأنصاري ص 45، شرح المطلع على متن
إيساغوجي للأنصاري ص 35، حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 131.
(3) الفصل: هو كلّي مَقُول على الشيء في جواب: أي شيء هو في
ذاته، كالناطق للإنسان. أو هو: جزء الماهية الصادق عليها في
جواب: أي شيء هو. انظر: حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 107،
شرح السلَّم المُنَوْرق بحاشية الصبان ص 69.
(4) الرسم الناقص: هو الذي يكون مركباً من الجنس البعيد
والخاصَّة، كتعريف الإنسان بأنه: جسم ضاحك. أو بالخاصَّة
وحدها، كتعريف الإنسان بأنه: الضاحك. انظر: حاشية العطار على
شرح الخبيصي ص 131، تسهيل المنطق للبدخشاني ص 57
(5) ما بين المعقوفين ساقط من س
(6) ساقطة من س، ق
(7) الخاصَّة: هي كُلِّي مَقُول على أفرادٍ حقيقةً واحدةً
قولاً عرضياً. كالضاحك أو الكاتب للإنسان. وله تعريفات أخرى.
انظر: شرح السلم المنورق للملوي بحاشية الصبان ص71، شرح
الخبيصي بحاشية العطار ص 111، فتح الرحمن على مقدمة لقطة
العجلان للأنصاري ص 45
(8) في ن: ((يصح)) بدلاً من: ((يسوغ)) وهو صحيح أيضاً
(9) ما بين المعقوفين في ق: ((لتوقف الترتيب)) ..
(10) في ن: ((التحديد)) وهو تحريف
(2/439)
مثال المقدمة (1) السالبة والموجبة (2) :
كل إنسانٍ حيوانٌ، ولا شيء من الحيوان بجمادٍ*، فلا شيء من
الإنسان بجمادٍ.
ومثال الجزئية والكلية: بعض الحيوان إنسانٌ، وكلُّ إنسانٍ
ناطقٌ، فبعض الحيوان
ناطقٌ.
ومثال المظنونة والقطعية: في البيت عُصْفور عملاً بأخبار
زَيْدٍ، وهذه ظنية، وكلُّ عصفور حيوان، وهذه قطعية، ففي البيت
حيوانٌ (3) ظناً لا قطعاً. والضابط
في الإِنْتَاج أنك أبداً تحذف المتكرر (4) وتحكم بالثاني على
الأول كما تقدَّم في المُثُل
السابقة.
والسبب في كون النتيجة تتبع أخسَّ المقدمات أن تلك المقدمة
[القوية متوقِّفة] (5) على تلك الخسيسة، ولا تستقل بنفسها،
فلذلك صارت مع قوتها كالضعيفة.
_________
(1) ساقطة من ق ...
(2) ساقطة من س
(3) في ق: ((عصفور)) وهو خطأ؛ لما سيُذكر بعد هذا من أن
النتيجة من المقدمتين تكون بحذف المكرر، وهو الحد الأوسط، وهو
هنا: ((عصفور)) .
(4) في ق: ((المكرر)) .
(5) في ق: ((متقدمة)) . وهو تحريف.
(2/440)
الفصل الثاني
في حكمه
ص: مذهب مالك وجمهور العلماء رضي الله عنهم وجوبه وإبطال
التقليد (1) ؛ لقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ} (2) (3) .
الصور المستثناة من تحريم التقليد:
وقد استنثى مالك رحمه الله أربع عشرة (4) صورة (5) لأجل
الضرورة.
الأولى (6) : قال ابن القصار (7) :
قال مالك يجب على العوام تقليد المجتهدين في الأحكام، ويجب
عليهم الاجتهاد في أعيان المجتهدين، كما يجب على المجتهدين
الاجتهاد (8) في أعيان الأدلة، وهو قول جمهور العلماء (9)
خلافاً لمعتزلة بغداد (10) ، وقال
_________
(1) المراد بالاجتهاد الواجب والتقليد الباطل في حق كل أحد هو
ما كان في أصول الدين. أمَّا في الفروع فالعوام مستثنون من ذلك
بل الواجب في حقهم التقليد. انظر مذهب مالك في وجوب الاجتهاد
في العقائد في: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 7، التوضيح
لحلولو ص384، وانظر مذهب الجمهور في: المعتمد 2/365، شرح اللمع
2/1007، التمهيد لأبي الخطاب 4/396، المحصول للرازي 6/91،
نهاية الوصول (بديع النظام) لابن الساعاتي 2/689
(2) التغابن، من الآية: 16.
(3) وجه الدلالة منها: أنها أمرت باتقاء الله في حدود
الاستطاعة، ومن الاستطاعة ترك التقليد.
(4) في س، ن: ((عشر)) وهو خطأ نحوي؛ لأن العدد "عشرة" يوافق
المعدود إذا استعمل مركباً. انظر: شرح قطر الندى لابن هشام
ص291
(5) في س: ((مسألة)) .
(6) ساقطة من س
(7) هذا النقل عن ابن القصار من مواضع متفرقة، ضمّنها المصنف
هنا باختصار. انظر: المقدمة في الأصول
ص 7، 14، 26
(8) ساقطة من ن
(9) انظر: إحكام الفصول ص 723، 727، شرح اللمع للشيرازي
2/1010، قواطع الأدلة 5/99، المستصفى 2/466، التمهيد لأبي
الخطاب 4/399، المحصول للرازي 6/73، المسودة ص 459، فواتح
الرحموت 2/446
(10) أمثال: بشر بن المُعْتمِر ت 210هـ، وجعفر بن مبشِّر ت
234هـ، وجعفر بن حرب ت 246هـ، وأحمد ابن أبي دؤاد ت 240هـ،
وأبي القاسم البلخي الكعبي ت 391هـ وغيرهم. انظر: شرح العمد
2/303، المعتمد 2/360، منهاج الوصول للمهدي بن المرتضى ص 780.
وممن منع التقليد جملةً وتفصيلاً ابن حزم في الإحكام 2/233،
وتبعه الشوكاني على ذلك انظر: إرشاد الفحول 2/351، وله رسالة
موسومة بـ" القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد " بتحقيق /
عبد الرحمن عبد الخالق، دار القلم - الكويت.
(2/441)
الجُبَّائي (1) يجوز (2) في مسائل الاجتهاد
فقط.
الشرح
التقليد في أصول الدين:
قال إمام الحرمين في " الشامل " (3) : لم يقل بالتقليد في
الأصول إلا الحنابلة (4) وقال الأستاذ أبو إسحاق من اعتقد ما
يجب عليه من عقيدة دِيْنِهِ (5) بغير (6) دليل لا يستحق بذلك
اسم الإيمان، ولا دخول الجنة والخلوص من الخلود في النيران ولم
يخالف في ذلك إلا أهل الظاهر (7) .
حجة الجمهور: قولُه تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ} (8) أمر بالعلم دون
_________
(1) وهو الأب: أبو علي. انظر: شرح العمد 2/306، المعتمد 2/360
(2) في س: ((يجب)) وهو تعبير انفردت به عن سائر النسخ، وهو
صحيح، وإنما جرى التعبير بالجواز في مقابلة قول معتزلة بغداد
بأنه لا يجوز، وكذلك في مقابلة ما ليس من مسائل الاجتهاد
كالعبادات الخمس، فإن التقليد فيها عنده لا يجوز. والله أعلم
(3) كتاب: الشامل في أصول الدين. يعتبر موسوعة في تقرير
العقيدة الأشعرية. طبع منه جزء بتحقيق المستشرق: هلموت كلوبفر
مطبعة دار العلوم بالقاهرة عام 1988، وله طبعة أخرى بتحقيق د.
علي سامي النشار، وفيصل بدير، وسهير محمد. الناشر: دار المعارف
بالأسكندرية عام 1969م
(4) استدرك المصنف على هذا النقل عن الحنابلة، وبيّن أن مشهور
مذهبهم المنع من التقليد. انظر:
ص (489) وانظر هامش (3) في نفس الصفحة.
(5) في س، ن: ((دينية)) .
(6) في ق: ((لغير)) .
(7) ابن حزم ممن يرى حرمة التقليد في الفروع والأصول. انظر
الإحكام 2/307 فلعلَّ المخالفين هم بعض أهل الظاهر كداود
الأصبهاني وغيره انظر: الشفا للقاضي عياض 2/601. وممن جوّز
التقليد في العقائد بعض الشافعية. انظر: المعتمد 2/365، وقال
الرازي في المحصول (6/91) بإنه قول كثير من الفقهاء.
وينبه هنا إلى أن القول بعدم صحة إيمان المقلد وإلزام العامي
بالنظر والاستدلال في كل مسائل الاعتقاد فيه شَطَطٌ وتكلُّف
غير مرضي. انظر: قواطع الأدلة 5/112، المنخول ص451، المسودة ص
461، النبوات لابن تيمية ص 61 - 62، 69، 72، فتاوى عز الدين بن
عبد السلام ص282، 286، تحفة المسؤول القسم 2/866، تشنيف
المسامع 4/622، الضياء اللامع 3/262، رفع النقاب القسم 2/1081،
نيل السول
ص 207.
(8) سورة محمد، من الآية: 19.
(2/442)
التقليدِ (1) وقولُه تعالى {قُلِ
انظُرُواْ} (2) و {أَفَلَمْ يَنظُرُوا} (3) و {قُلْ سِيرُوا
فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا} (4) وهو كثير في الكتاب العزيز.
وذمَّ التقليدُ [بقوله تعالى ذَمّاً] (5) لمن قال: {إِنَّا
وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم
مُّهْتَدُون} (6) ، وقال تعالى أيضاً {وَإِنَّا عَلَى
آثَارِهِم مُّقْتَدُون} (7) ، وقال تعالى {قُلْ (8) أَوَلَوْ
جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُم} (9)
، فأمر بالنظر في
ذلك، وقال (10) : {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (11) }
(12) .
حجة الشاذ: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبل إيمان (13)
الأعراب الجُلفُ (14) البعيدين عن (15) النظر، ولو صحَّ ما
قلتموه ما أقرَّهم على ذلك وحَكَم بإيمانهم (16) ،
_________
(1) في ن: ((تقليد)) .
(2) يونس، من الآية: 101
(3) ق، من الآية: 6
(4) النمل، من الآية: 69، والعنكبوت، من الآية: 20، والروم، من
الآية: 42.
(5) ساقط من ن، والعبارة في ق هكذا: ((وذمَّ من قال)) .
(6) الزخرف، من الآية: 22
(7) الزخرف، من الآية: 23
(8) هكذا في جميع النسخ، وهكذا قرأها أكثر القراء على أنها فعل
أمر، بينما قراءة ابن عامر، وحفص ((قال ... )) على أنها فعل
ماضٍ. انظر: اتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر للشيخ
أحمد البنا 2/455
(9) الزخرف، من الآية: 24
(10) في ن: ((وقوله تعالى)) .
(11) يُهرعون: يتبعونهم مسرعين، والإهراع: إسراعٌ في رِعْدة.
انظر: مادة " هرع " في: عمدة الحفاظ، لسان العرب
(12) الصافات، من الآية: 70
(13) ساقطة من ن
(14) الجِلْف: الجافي في خَلْقه وخُلُقه. وجمعه: أجْلاف. أمَّا
جُلُف فهو جمع: جَلِيْف وهو الذي قُشِر. انظر مادة " جلف " في:
لسان العرب.
(15) في ق: ((على)) وهي ليست مناسبة. انظر: هامش (6) ص (419)
(16) منها حديث أنس رضي الله عنه في إسلام ضمام بن ثعلبة في
البخاري (63) ، ومنها حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في
إسلام رجل من أهل نجد في البخاري (46) ، وكذلك حديث أنس في
إسلام رجل من أهل البادية في مسلم (12) وغيرها.
(2/443)
وسأل (1) عليه الصلاة والسلام الجارية (2)
((أين الله؟)) فقالت: في السماء. فقال للسائل: ((أعْتِقْها
فإنها مؤمنة)) (3) ، وهذا كله يدل على عدم اشتراط النظر.
أجاب الجمهور عن هذه الصور (4) : بأن ذلك كان من أحكام أوائل
الإسلام لضرورة المباديء. أما بعد تقرُّر الإسلام فيجب العمل
بما (5) ذكرناه من موجب الآيات، ولذلك كان (6) عليه الصلاة
والسلام يكتفي في قواعد الشرع والتوحيد بأخبار الآحاد، فيبعث
الواحد إلى الحي من أحياء العرب يعلمهم القواعد والتوحيد
والفروع، وقد لا يفيد خبره إلا الظن غالباً، ومع ذلك فيُكتفى
به في أول الإسلام، بخلاف (7) الآن لا يُكتفى بمثل هذا في
الدين، ولا يَحِلُّ أن يظن الإنسان نفي الشريك والوحدانية مع
تجويز النقيض.
التقليد في الفروع
وأما التقليد في الفروع فحجة الجمهور قوله تعالى {فَلَوْلاَ
نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ
لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ
إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (8)
فأمرهم بالحذر عند إنذار علمائهم، ولولا وجوب التقليد لما وجب
ذلك، ولقوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ
الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (9) قال المفسرون: هم
العلماء، وقيل: ولاة الأمر والنهي من الملوك وغيرهم (10) ،
أوجب الطاعة وهو وجوب التقليد (11) .
_________
(1) في س: ((قال)) .
(2) في س: ((للجارية)) .
(3) حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم للجارية أخرجه مسلم
(537) وغيره من حديث معاوية بن الحكم السلمي، وفيه أيضاً أنه
صلى الله عليه وسلم سألها: ((من أنا؟ قالت: أنت رسول الله ...
)) إلخ.
(4) في ق: ((الصورة)) والواقع أنها صور.
(5) في س: ((عما)) وهو تحريف.
(6) في ن: ((قال)) وهو خطأ؛ لعدم مناسبتها للسياق.
(7) ساقطة من ق
(8) التوبة، من الآية: 122
(9) النساء، من الآية: 59، وصدرها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ}
(10) ذكر ابن القيم بأن القولين ثابتان عن الصحابةرضي الله
عنهم في تفسير الآية، وقال بأن الصحيح أنها متناولة للصنفين
جميعاً، فإن العلماء ولاة الأمر حفظاً وبياناً وذبّاً عنه
وردّاً على من ألْحد فيه وزاغ عنه ... والأمراء ولاة الأمر
قياماً وعنايةً وجهاداً وإلزاماً للناس به وأخذهم على يد من
خرج عنه. انظر: إعلام الموقعين 2/216، بدائع التفسير الجامع
لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية جَمْع/ يُسري السيد محمد 2/29.
وانظر: أحكام القرآن لابن العربي 1/573، الجامع لأحكام القرآن
للقرطبي 5/259، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/301
(11) في ق: ((التقليل)) وهو تحريف
(2/444)
حجة المعتزلة: قوله تعالى: {فَاتَّقُوا
اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) ومن الاستطاعة ترك التقليد (2)
، ولأن العامي متمكِّنٌ من كثير من وجوه النظر، فوجب ألا يجوز
له تركها قياساً على المجتهد (3) .
والجواب عن الأول*: أن الخطأ متعَيِّنٌ في حق العوام إذا
انفردوا بالأحكام؛ لأنهم لا* يعرفون الناسخ والمنسوخ ولا
المخصِّص ولا المُقيَّد ولا [كثيراً مما] (4) تتوقف عليه
الألفاظ، وما لا يضبطونه (5) لا يحل لهم (6) محاولته لفَرْط
الغَرَر فيه. وهو الجواب عن الثاني.
حجة الجبائي: أن شعائر الإسلام الظاهرة لا تحتاج لمنصب
المجتهد، فلا حاجة إلى التقليد فيها كالصلوات الخمس وصوم رمضان
ونحو ذلك، وأما الأمور الخفيَّة من المجتَهَد فيه فيتعيَّن
التقليد فيه لغموضه.
والجواب: أن تلك الأمور إن (7) انتهت إلى حدِّ الضرورة بطل
التقليد بالضرورة، ولا نزاع في ذلك؛ لأن تحصيل الحاصل محال
لاسيما والتقليد إنما يفيد الظن الذي هو دون الضرورة بكثيرٍ
(8) وإنْ لم يَنْتَهِ إلى حدِّ الضرورة تعيَّن التقليد للحاجة
في النظر إلى أدواتٍ مفقودة في حق العامي (9) .
فروع ثلاثة:
الفرع الأول: هل يعيد
العامي استفتاءه إذا عادت النازلة به؟
الأول: قال ابن القصار: إذا استفتى العامي في نازلة (10) ثم
عادتْ، يحتمل أن
_________
(1) التغابن، من الآية: 16
(2) هذا الدليل الأول
(3) هذا الدليل الثاني
(4) في ق: ((كلَّ ما)) .
(5) في س: ((يضيعونه)) وهو تحريف
(6) ساقطة من ن
(7) ساقطة من ن
(8) ساقطة من س
(9) انظر: المعتمد 2/365، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي
2/132، شرح اللمع للشيرازي 2/1009، التمهيد لأبي الخطاب 4/398
(10) في س: ((مسألة)) .
(2/445)
يعتمد على تلك الفتوى لأنها حق، ويحتمل أن
يعيد الاستفتاء لاحتمال تغيُّر الاجتهاد (1) .
الفرع الثاني: التنقل من
مذهب إلى آخر
الثاني: قال الزَّنَاتيَ (2) : يجوز تقليد المذاهب في النوازل،
والانتقالُ من مذهبٍ إلى مذهب (3) بثلاثة شروط:
- ألاَ يَجْمع بينهما على [وجهٍ يخالف] (4) الإجماع، كمن
تزوَّج بغير صَدَاقٍ ولا ولي ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل
بها أحد (5) .
_________
(1) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص (32) . وهذه
المسألة فيها ثلاثة أقوال، الأول: لا يعيد السؤال اختاره ابن
الصلاح في كتابه "أدب الفتوى" ص (149) ، والرهوني في تحفة
المسئول (2/874) ، القول الثاني: يلزمه تجديد الاستفتاء، صححه
ابن القصار في مقدمته ص (32) وجزم به ابن العربي في محصوله ص
(616) القول الثالث: التفصيل إن كانت الفتوى استقرَّتْ على نص
أو إجماع، وعَسُرت المراجعة لبعد مسافةٍ أو شدة تكرر المسألة
أو كان المقلَّد ميتاً - عند من يجوزّه - فلا يلزم تكرار
السؤال، وإلا لزم، وهو ما اختاره الجويني والغزالي وابن النجار
وزكريا الأنصاري وغيرهم. انظر: البرهان 2/878، المنخول
ص 482، شرح الكوكب المنير 4/555، غاية الوصول ص 151. وانظر
المسألة في: المسودة ص 467، البحر المحيط للزركشي 8/355، فواتح
الرحموت 2/438، إعلام الموقعين 4/232، صفة الفتوى لابن حمدان ص
82.
(2) في س: ((الرزباني)) وهو تحريف. أما ترجمته فلعلَّه: أبو
عبد الله محمد بن إسحاق بن عيَّاش الزَّناَتي - نسبة إلى
زَنَات ناحية بَسَرَقُسْطة بالأندلس - الغرناطي يُعرف
بالكمَّاد شيخ المالكية، كان إماماً فقيهاً قائماً على المدونة
ت 618هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 22/175. ومما دفعني إلى
ترجيح كون الزناتي هو المترجم له أن القرافي ذكره باسمه في
الذخيرة 6/354، وأن له رسالة بعنوان: " الكشط عن المقلدين
والنشط في إفحام الملحدين " مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط،
ضمن مجموع (1278) ص 354 - 374.
(3) هذه مسألة: العامي هل يجب عليه التزام مذهب معين في كل
نازلة لا يبرحه؟ فيها قولان، الأول: يجب، ووجهه أنه ما قلَّده
إلا لاعتقاده بأنه حق، فوجب أن يعمل بمقتضى اعتقاده. الثاني:
لا يجب عليه، فالعامي لا مذهب له بل له أن يقلد أيَّ مجتهد
شاء، فإن الأئمة لم يأمروا أصحابهم بالتزام مذهب معين، بل
المنقول عنهم تقريرهم الناسَ على العمل بفتوى بعضهم بعضاً.
انظر: المسودة ص 465، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/401، البحر
المحيط للزركشي 8/373، 375، التوضيح لحلولو ص 387، تيسير
التحرير 4/253، الدرَّة البهية في التقليد والمذهبية من كلام
شيخ الإسلام ابن تيمية، إعداد/ محمد شاكر الشريف ص (26) ، أدب
الفتوى لابن الصلاح ص 138، إعلام الموقعين 4/232
(4) في ن، ق: ((جهة تخالف)) .
(5) بمعنى أنه لو سئل كل عالم عن حكم هذا النكاح لأفتاه
ببطلانه. ومع ذلك لم ينقل عن أحدٍ من العلماء عدم اشتراط
الصداق في النكاح ألبتة. انظر: التوضيح لحلولو ص 378، وانظر:
مراتب الإجماع لابن حزم
ص 123، بداية المجتهد 4/235
(2/446)
- وأن (1) يعتقد فيمن يُقلِّده الفَضْلَ
بوصول أخباره إليه، ولا يقلده* رَمْياً في
عَمَاية (2) .
- ألاَّ يتتبَّع رُخَصَ المذاهب.
قال: والمذاهب كلها مسالك إلى الجنة، و [طرق إلى الخيرات] (3)
، فمن سلك منها طريقاً وصله (4) .
تنبيه: قال غيره (5) : يجوز تقليد المذاهب والانتقال إليها في
كل ما لا (6)
يُنْقَض فيه [حكم الحاكم] (7) وهو أربعة: ما خالف الإجماع، أو
القواعد،
أو النص، أو القياس الجلي (8) . فإن أراد رحمه الله (9)
بالرُّخَص هذه الأربعة فهو
حَسَنٌ متعيِّنٌ، فإن ما لا نُقِرُّه (10) مع تأكده بحكم
الحاكم فأولى ألاَّ نُقِرُّه (11)
قبل ذلك، وإن أراد بالرخص ما فيه سهولة على المكلَّف -كيف كان
-
يلزمه أن يكون (12) مَنْ قَلَّد مالكاً رحمه الله في المِيَاه
(13) والأَرْوَاث (14)
_________
(1) هنا زيادة: ((لم)) في س، وهي شاذة منكرة.
(2) العَمَاية: الغواية واللجاجة في الباطل والجهالة. انظر
مادة "عمي " في: لسان العرب. وستأتي هذه المسألة مرة أخرى ص
480 - 481.
(3) في ن: ((طريق السعادة)) ، وفي متن هـ: ((طرق إلى السعادة))
.
(4) هذا النقل عن الزَّناَتي لم أقف عليه، بَيْد أنه مثبت في:
البحر المحيط للزركشي 8/378.
(5) وهو شيخ المصنف: العز بن عبد السلام، كما صرح به في نفائس
الأصول 9/3964، وانظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص605
(6) ساقطة من س، وهو قبيح، لأنه يقلب المعنى.
(7) في ق، ن: ((قضاء القاضي)) . وهو صحيح أيضاً.
(8) انظر: هامش (13) ص 238، وهامش (5) ص 479.
(9) أي: الزَّناَتي.
(10) في س: ((يقرّ)) ، وفي ن: ((نغيره)) .
(11) في س: ((يُقرّ)) ، وفي ن: ((نغيره)) .
(12) ساقطة من ق
(13) وهو ترخيصه في ماءٍ قليل تحلُّه نجاسة يسيرة ولم تغيّره.
انظر: المقدمات الممهدات لابن رشد 1/86، رفع النقاب القسم
2/1102
(14) وهو ترخيصه في الصلاة بالخُفِّ أو النعل تتلطخ بأرواث
الدواب وأبوالها بعد دَلْكها، والباقي بعده معفوٌ عنه. انظر:
المدونة 1/21، رفع النقاب القسم 2/1102.
(2/447)
وترك (1) الألفاظ في العقود (2) مخالفاً
لتقوى الله تعالى وليس (3) كذلك.
قاعدة (4) : انعقد الإجماع على أنَّ من أسلم فله أن يقلد من
شاء من العلماء بغير حَجْرٍ (5) . وأجمع الصحابة (6)
رضوان الله عليهم على أنَّ من استفتى أبا بكرٍ وعمرَ رضي الله
عنهما وقلَّدهما فله أن يستفتي أبا هريرةَ ومعاذَ بن جبل
وغيرهما، ويعمل بقولهم (7) من غير نكيرٍ. فمن ادعى رفع هذين
الإجماعين فعليه الدليل.
الفرع الثالث: هل يؤثم
المكلف إذا فعل فعلاً مخْتَلَفاً في تحريمه غيرَ مقلدٍ لأحدٍ؟
الثالث: إذا (8) فَعَل المكلَّف فِعْلاً (9) مخَتَلفاً في
تحريمه غير مقلِّد لأحدٍ، فهل نؤثمه بناءً على القول (10)
بالتحريم، أو لا نؤثمه بناءً على القول بالتحليل، مع أنه ليس
إضافته إلى أحد المذهبين أولى من الآخر، ولم يَسْألنا عن
مذهبنا فنجيبه؟. ولم أرَ
[لأحدٍ من أصحابنا فيه نقلاً] (11) .
_________
(1) في س: ((وتلك)) وهو تحريف.
(2) نحو انعقاد البيع في المعاوضة من غير قول. انظر: مواهب
الجليل 6/13، رفع النقاب القسم 2/1102
(3) في ن: ((فليس)) والفاء هنا غير مناسبة للسياق.
(4) في ن: ((فائدة)) وهو موافق لما جاء في نفائس الأصول 9/3963
(5) في س: ((حجة)) والمثبت أظهر في المراد.
(6) حكى المصنف هذين الإجماعين عن شيخه العز بن عبد السلام،
كما صرح بذلك في: نفائس الأصول (9/3963) . لكن في ادعائها نظر،
بدليل أن المصنف ذكر خلافاً في هذه المسألة في الفصل الثامن
ص (480 - 481) عند تعدد المفتين، هل يتخيّر المقلد من بينهم من
شاء أو يتحرَّى الأعلم الأورع؟
... ثم إن ما قرره هنا تحت هذه القاعدة مناقض لما تقدم قريباً
في قوله ((ولا يقلده رمياً في عماية))
ص (447) وقوله في أول هذا الفصل ص (441) ((يجب على العوام
تقليد المجتهدين في الأحكام، ويجب عليهم الاجتهاد في أعيان
المجتهدين ... )) . وقد حاول الشوشاوي الاعتذار عن المصنف بأن
كلامه هنا محمول على من أسلم وضاق عليه الوقت ولم يمهله الوقت
إلى استفحاص أحوال العلماء. انظر: رفع النقاب القسم 2/1104،
1169.
(7) في ن، س متن هـ: ((بقولهما)) والمثبت أصحُّ، لعود الضمير
على أكثر من اثنين.
(8) في س: ((إن)) انظر هامش (7) ص (16) .
(9) ساقطة من ق.
(10) ساقط من س.
(11) في س، متن هـ: ((لأصحابنا فيه نصاً)) .
(2/448)
وكان الشيخ الإمام عِزُّ الدين بن عبد
السلام (1) قدّس الله روحه من الشافعية يقول في هذا الفرع: إنه
آثمٌ من جهة [أن كل واحد يجب عليه] (2) ألاَّ يُقْدِم على فعلٍ
حتى يعلم حكم الله تعالى فيه، وهذا أَقْدَم غير عالم، فهو آثم
بترك التعلُّم (3) ، وأما تأثيمه بالفعل نفسه، فإن كان مما
عُلِم من الشرع قُبْحُه أثَّمْنَاه وإلا فلا (4) .
وكان يُمثِّلهُ بما اشْتَهر قُبْحه كتلقي الرُّكْبَان (5) وهو
من الفساد على الناس ونحو ذلك.
الصورة الثانية وما بعدها من الصور المستثناة من تحريم التقليد
ص: الثانية: قال ابن القصار: يُقلَّد القائِفُ (6) العَدْل عند
مالك رحمه الله، ورُوِى لابدَّ من اثنين (7) .
_________
(1) هو عبد العزيز بن عبد السلام بن القاسم بن الحسن السُّلَمي
الشافعي، المشهور بالعز بن عبد السلام، وسلطان العلماء، الفقيه
الأصولي المحدِّث، درس الأصول على الفخر الرازي وسيف الدين
الآمدي، والحديث على ابن عساكر، تولَّى قضاء مصر عدة مرات وكان
يُعزل أو يعزل نفسه، وكان صارماً على الولاة لا تأخذه في الله
لوم لائم. من مؤلفاته: قواعد الأحكام في مصالح الأنام (ط) ،
الإمام في بيان أدلة الأحكام (ط) وغيرهما. ت سنة 660 هـ. انظر:
طبقات الشافعية الكبرى 8 / 248، النجوم الزاهرة 7 / 208.
(2) ن، ق: ((أنه يجب على كل أحدٍ)) .
(3) في ق: ((التعليم)) وهو تحريف، لأن المراد أن يكوم متعلماً:
((لامعلَماً)) .
(4) قال الشوشاوي: ((أما تأثيمه من جهة نفسه، فالأولى ألاَّ
يؤثم - وإن كان مما عُلم في الشرع قبحه - إذا كان الفاعل غير
عالم؛ لأن التكليف مع عدم العلم تكليف بما لا يطاق، فالأولى
تفويض ذلك إلى الله حتى يدل الدليل القاطع على التأثيم)) . رفع
النقاب القسم 2/1105.
(5) تلقي الرُّكْبان هو تلقي السِّلَع من القادمين بها
فيُبْتاع منهم قبل ورود أسواقها ومواضع بيعها. انظر: المنتقي
للباجي 5/101
(6) القائف لغة: اسم فاعل من قاف يقوف قيافةً، وهو الذي يتتبع
الآثار ويعرف شَبَه الرَّجِل بأخيه وأبيه. انظر مادة "قوف "
في: النهاية في غريب الحديث والأثر، لسان العرب. واصطلاحاً
القيافة: اعتبار الشبه في إلحاق النسب. حاشية البناني على شرح
الزرقاني لمختصر خليل 6/110.
(7) وانظر: المقدمة في الأصول ص 14 - 15، وانظر: تقريب الوصول
ص451، التوضيح لحلولو ص 388.
(2/449)
الشرح
اخْتُلف في مدرك هذه* المسألة، فقال أصحابنا: إنه كالرواية
فيكفي الواحد، أو الشهادة فلابد من اثنين، وقال الشافعية:
المدرك أنه حاكم، والحاكم (1) يكفي (2) واحد، أو شهادة فلابد
من اثنين (3) .
ص: الثالثة (4) : قال: يجوز عنده (5) تقليد التاجر في قيم
المُتْلَفات إلا أن تتعلق القيمة بحدٍّ من حدود الله تعالى،
فلابد من اثنين لدُرَبْة التاجر بالقيم (6) ، ورُوِي عنه أنه
لابد من اثنين في كل موضع.
الشرح
يريد بالقيمة التي يتعلق بها حَدٌّ، كتقويم العَرَض المسروق،
هل (7) وصلتْ قيمته إلى نصاب السرقة أم لا؟ فهذه الصورة لابد
فيها من اثنين؛ لأن الحدود تُدْرأ بالشبهات، ولأنه عضو يُبَان
فيُحتاط فيه لشرفه (8) .
ص: الرابعة: قال: ويجوز عنده (9) تقليد القَاسِم (10)
_________
(1) ساقطة من ق
(2) في ق: ((فيكفي)) .
(3) اشتراط التعدد في القائف هو رواية عند مالك، وقول لأحمد،
وقول عند الشافعية في مقابل الأصح. انظر: المنتقي للباجي 6/14،
المغني 8/376، تبصرة الحكام لابن فرحون 1/247، 2/99، نهاية
المحتاج للرملي 8/351، القواعد والفوائد الأصولية لابن
اللحَّام ص 245. لكن المصنف في كتابه: الفروق (1/8-9) غلَّب
مدرك الشهادة على الرواية، وأثبت أن اعتبار قول القائف شهادة
أقوى من اعتباره روايةً.
(4) في ن: ((الثالث)) وهو خطأ نحوي؛ لأن العدد إذا كان اسم
فاعل فإنه يوافق معدوده، والمعدود هنا مؤنث وهو: صورة أو
مسألة. انظر: شرح قطر الندى لابن هشام ص 291
(5) في ن: ((عند الناس)) وهو غير مراد هنا، بل المراد عند
الإمام مالك رحمه الله
(6) هذا تعليلٌ لجواز تقليد التاجر، أما تعليل اشتراط الاثنين
فسيذكره في الشرح.
(7) في س: ((مثل)) وهو تحريف.
(8) انظر: تبصرة الحكام 1 / 247، الفروق 1 / 9.
(9) ساقطة من ن، متن هـ.
(10) القاسم: اسم فاعل من القِسْمة، وهي: تصْيِيْرُ مُشاعٍ من
مملوكِ مالِكَيْن مُعيَّناً - ولو باختصاص تصرُّفٍ
فيه - بقرعةٍ أو تراضٍ. شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 2/492
(2/450)
[بين اثنين] (1) ، وابن القاسم (2) لا يقبل
قول القاسم؛ لأنه شاهِدٌ على فعل* نفسه (3) .
الشرح
مالكٌ يُجْرِيه مُجرَى الحاكم أو نائب الحاكم يخبره بما ثبت
عنده.
ص: الخامسة: قال: ويجوز تقليد المقوِّم (4) لأَرْش (5)
الجنايات عنده (6) .
السادسة: قال: [يجوز تقليد] (7) الخارص (8) الواحد فيما
يَخْرُصه عند مالك (9) رحمه الله.
_________
(1) ساقط من ن.
(2) هو: أبوعبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد العُتَقِيّ
- نسبة إلى قبيلة العتقيين - المصري، من أعلم تلاميذ مالك
بفقهه وله "المدوَّنة" (ط) التي جمع فيها أقوال مالك. جمع بين
الزهد والصلاح، وله آراء يخالف فيها مالكاً. ولد عام 132هـ،
توفي في عام 191هـ انظر: ترتيب المدارك 1/433، الديباج المذهب
ص239، سير أعلام النبلاء 9/120
(3) صنيع المصنف هنا وفي الفروق (1 / 10) أن القول بعدم قبول
قول القاسم منسوب لابن القاسم. لكن الذي في " المقدمة في
الأصول " لابن القصار ص 16 - 17 أنهما روايتان عن مالك، الأولى
برواية ابن نافع، والثانية برواية ابن القاسم. وانظر المسألة
في الذخيرة 10 / 276.
(4) في س: ((المقدم)) وهو تحريف
(5) الأرش: هو جزء من الثمن نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من
قيمة المبيع لو كان سليماً إلى تمام القيمة.
وسمي أرْشاً، لأنه من أسباب النزاع، يقال: أَرَشْتُ بين القوم،
إذا أوقع بينهم وحرَّش. والأَرْش في الجنايات:
أن يقوَّم العبد سليماً صحيحاً ثم تقوَّم الجناية، فيؤخذ الفرق
من قيمته. انظر مادة "أرش " في: النهاية غريب
الحديث والأثر، لسان العرب، القاموس الفقهي لسعدي أبو جيب.
(6) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 17. ويجرى هنا
الخلاف السابق، هل يكتفي فيه بالوحد أم لا؟ انظر: الفروق 1/9،
رفع النقاب القسم 2/1112
(7) في س متن هـ: ((لا يقلَّد)) .
(8) الخارص: اسم فاعل من خَرَص يخرُص خَرْصاً. والخَرصْ: هو
الحَرْز والقول بالظن والكذب. انظر: مادة "خرص " في: لسان
العرب. والخرص عند الفقهاء: هو حَرْز ما على النخل من الرُّطّب
تمراً، وما على الكَرْم من العنب زبيباً، أي هو: حَرْزُ للثمار
قبل الجذاذ من غير وزن ولا كيل. انظر: مادة "خرص " في عمدة
الحفاظ، معجم لغة الفقهاء للدكتور محمد رواس قلعجي، القاموس
الفقهي.
(9) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص18، وانظر: تقريب
الوصول ص 452، الذخيرة 3/90، القواعد للمقرَّي 2/524، تبصرة
الحكَّام 1/247.
(2/451)
السابعة: قال يُقلَّد عنده الراوي فيما
يرويه (1) .
الثامنة: قال يُقلَّد عنده الطبيب فيما يدَّعيه. (2)
التاسعة: قال يُقلَّد المَلاَّح (3) في القبلة إذا خَفِيَتْ
أدلتها وكان عَدْلاً دَرِيّاً بالسير في البحر، وكذلك كل من
كانت صناعته في الصحراء وهو عَدْل. (4)
العاشرة: قال: ولا يجوز عنده أن يقلِّد عاميٌّ عامياً إلا في
رؤية الهلال لضبط (5) التاريخ دون العبادة (6) .
الحادية (7) عشرة (8) : قال: يجوز عنده (9) تقليد الصبي
والأنثى والكافر والواحد في الهدية والاستئذان (10) .
الشرح
قال الشافعية: هذه الصورة ونحوها احتَفَّتْ بها (11) القرائن
فنابت عن العدد والإسلام، وربما حصل العلم (12) .
_________
(1) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 19، تبصرة الحكام
1/248. وانظر باب الخبر، الفصل السابع من هذا الكتاب ص 254.
(2) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 19، تبصرة الحكام
لابن فرحون 1/248.
(3) الملاَّح: هو السَّفَّان صاحب السفينة، وحِرْفته: المِلاحة
والمَلاَّحِيَّة. وسمي بذلك إما لملازمته الماء المالح بإجراء
السفن فيها، أو من الريح المِلاح التي تجري بها السفينة. انظر
مادة "ملح " في: لسان العرب.
(4) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 19، وانظر الفروق
1/10، 13
(5) في ن: ((لربط وهو تحريف
(6) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 23، تبصرة الحكام
لابن فرحون 1/248، ويُلاحظ هنا أنَّ علم التاريخ وضبط الأيام
والشهور يكفي فيها الواحد؛ لأن بابه باب إخبار، وأما أبواب
العبادة من صوم وحج ونحوهما مما يترتب عليه فرض العبادة فلابد
من شاهدين عدلين عند مالك. انظر: المدونة 1/174، الفروق 1/12
(7) في متن هـ: ((الحادي)) وهو خطأ نحوي. انظر هامش (3) ص (58)
.
(8) هكذا في متن هـ، ومتن د، وهو الصواب. وفي سائر النسخ:
((عشر)) وهو خطأ نحوي. انظر هامش (4) ص (441) .
(9) ساقطة من س.
(10) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 24، تبصرة الحكام
لابن فرحون 1/248.
(11) في ق: ((فيها)) والمثبت أظهر.
(12) الصحيح عند الشافعية عدم اشتراط احتفاف القرائن. انظر:
مغني المحتاج 3/234، الأشباه والنظائر لابن السبكي 2/165.
وانظر: الفروق 1/14
(2/452)
ص: الثانية عشرة: (1) قال: يُقلَّد
القَصَّاب (2) في الذكاة ذكراً كان أو أنثى، مسلماً أو
كتابياً، ومَنْ مِثْلُه يَذْبح. (3)
الثالثة عشرة: (4) [قال: تُقلَّد] (5) محاريبُ البلاد العامرة
التي تتكرر الصلاة فيها (6) ، ويُعلم أن إمام المسلمين بناها
ونَصَبَها أو اجتمع أهل البَلْدة (7) على بنائها، قال: لأنه قد
عُلِم أنها لم تُنْصب إلا بعد اجتهاد العلماء في ذلك،
ويقلِّدها العالم والجاهل، وأما غير ذلك (8) فعلى العالم
الاجتهاد، فإن تعذَّرت عليه الأدلة صَلَّى إلى المحراب إذا كان
البلد عامراً؛ لأنه أقوى من الاجتهاد بغير دليل، وأما العامي
فيُصلِّي في سائر المساجد. (9)
الشرح
قلت: وهذا بشرط أن لا يشتهر الطعن (10) فيها كمحاريب القرى
(11) وغيرها بالديار المصرية، فإن أكثرها ما زال العلماء
قديماً وحديثاً ينبِّهون (12) على فسادها، وللزَّيْن
الدِّمْياطي (13)
في ذلك
_________
(1) هكذا في متن هـ، وهو الصواب. وفي س، ق، ن: ((عشر)) وهو خطأ
نحوي. انظر هامش (4) ص (441)
(2) القصَّاب: اسم منسوب إلى القصابة، وهي: الجِزَارة يقال:
قَصَب الجزَّارُ الشاةَ يَقْصِبها قَصْباً بمعنى: قَطَّعها
عضواً عضواً. انظر: لسان العرب مادة: ((قصب)) .
(3) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 24، تقريب الوصول ص
453، تبصرة الحكام لابن فرحون 1/248. وللمصنف تعليق مفيد حول
هذه المسألة في كتابه: الفروق (1/15) وانظر معه تعقيب ابن
الشاط بحاشيته.
(4) هكذا في متن هـ، وهو الصواب. وفي س، ق، ن: ((عشر)) وهو خطأ
نحوي. انظر هامش (4)
ص (441) .
(5) في ن: ((تقليد)) ولا خبر لها.
(6) ساقطة من س.
(7) في ن: ((البلد)) .
(8) في ق: ((تلك)) والَخْطب سهل، فهو بحسب التقدير
(9) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 28، الذخيرة 2/123،
المعيار المعرب للونشريشي 1/22
(10) في ن: ((الظن)) فهو بمعنى الشك هنا.
(11) في س: ((الغرباء)) .
(12) في س، ق: ((يشهدون)) .
(13) هو الحسين بن الحسن بن منصور القاضي زين الدين أبوعبد
الله السَّعْدي، المقدسي الأصل، الدمياطي
- نسبة إلى دمياط بمصر - كان صالحاً زاهداً، وهو شيخ الحافظ
شرف الدين الدمياطي، له تصنيف في البدع والحوادث. توفي بصعيد
مصر سنة 648هـ. انظر: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/131.
(2/453)
كتابٌ (1) ولغيره (2) ، وقد قصد الشيخ
عِزُّ الدين بن عبد السلام تغيير (3) محراب قبة (4) الشافعي
رضي الله عنه والمدرسة (5) [
ومصلَّى خَوْلان] (6) ، فعاجله ما منعه من ذلك، وهو قضيَّته
(7) مع بني الشيخ وإسقاطه (8) معين الدين (9) ، وعَزَل نَفْسَه
عقيب ذلك (10) ،
_________
(1) لعله الكتاب المذكور في ترجمته السالفة، وهو: "درر المباحث
في أحكام البدع والحوادث ". انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة
1/749
(2) كالمقريزي في خططه، المعروف بـ: "المواعظ والاعتبار بذكر
الخطط والآثار"، فإنه قسَّم محاريب ديار مصر إلى أربعة محاريب
بحسب اتجاهها نحو القبلة، وزيَّف كثيراً من محاريب مساجد
القرافة والفُسْطاط، وبيَّن أسباب اختلاف هذه المحاريب. فانظره
في "خططه " 3/126 - 139 مطبعة دار التحرير للطبع والنشر.
وانظر: كلام المصنف عن هذه المحاريب في الذخيرة: 2/124- 125
(3) في س: ((يُغيِّر)) .
(4) ساقطة من ن
(5) قبة الشافعي: أنشأها الملك الكامل محمد بن الملك العادل
الأيُّوُبي سنة 608هـ على قبر الشافعي رحمه الله عندما دَفَن
بجواره ولده، ثم بُني جامع الشافعي عندها في القرافة
(بالقاهرة) . انظر: خطط المقريزي 3/453، عجائب الآثار للجبرتي
1/28. وانظر ما قيل في القبة والجامع في: الخطط التوفيقية
الجديدة لمصر القاهرة وبلادها القديمة والشهيرة، تأليف: علي
باشا مبارك (5/22) . مع أن هذا الفعل بدعة في الدين محدثة لا
تجوز.
أما المدرسة فلعلها المدرسة الناصرية التي بناها السلطان الملك
الناصر صلاح الدين الأيوبي بالقرافة الصغرى بالقاهرة بجوار قبر
الإمام الشافعي رحمه الله. انظر: خطط المقريزي 3/197، 377
(6) ساقط من ق. ومصلَّى خَوْلان: يقع في القرافة، وفيها عدة
مصلَّيات ومحاريب. وعُرف "مصلّى خولان " بهذا نسبةً إلى طائفة
من العرب الذين شهدوا فتح مصر، يقال لهم: خولان، وهم من قبائل
اليمن. انظر: خطط المقريزي 3/468.
(7) في ق: ((قصته)) .
(8) في ق: ((إسقاط)) .
(9) هو معين الدين الحسن بن شيخ الشيوخ. كان وزيراً للملك
الصالح نجم الدين أيوب (ت 647هـ) ، وكان نائباً له في دمشق،
توفي بدمشق سنة 643هـ انظر: البداية والنهاية لابن كثير
13/182، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي
6/352
(10) خلاصة القصة أن معين الدين بنى بيتاً على سطح مسجدٍ بمصر،
وجعل فيه دار لهوٍ وغناءٍ، فأنكر ذلك العز ابن عبد السلام،
ومضى بأبنائه وجماعته وهدم البنيان، ولما علم أن السلطان
والوزير يغضبان من ذلك، أسقط عدالة الوزير، وعَزَل نفسه عن
القضاء، وهي المرة الأخيرة، وكانت هذه الحادثة سنة640هـ. انظر:
فوات الوفيات والذيل عليها لمحمد بن شاكر الكتبي 2/351، طبقات
الشافعية الكبرى لابن السبكي 8/210
(2/454)
وكذلك محاريب (1) الَمَحلَّة مدينة الغربية
(2) ،
والفَيُّوم (3) ، ومُنيْة ابن خُصَيْب (4) ، وهي لا تُعدُّ،
ولا تُحْصى لا يجوز أن يقلدها عالم ولا عامي.
ص: [الرابعة عشرة] (5) : قال: يُقلَّد العامي في ترجمة الفتوى
باللسان العربي أو العجمي وفي قراءتها أيضاً (6) ، ولا يجوز
لعالمٍ (7) ولا لجاهلٍ التقليد في زوال الشمس لأنه مُشَاهد (8)
.
_________
(1) في ق، ن: ((محراب)) .
(2) لعلَّها المحلّة الكبرى سمّيت بهذا لأنها أكبر البلاد
المسماة بالمحلَّة، فإن هذا الاسم يطلق على نحو 100 قرية ببلاد
مصر. والمحلَّة هي قاعدة محافظة الغربية، تقع غربي فرع النيل
بين القاهرة ودمياط..انظر: الانتصار لواسطة عقد الأمصار لابن
دقماق ص57، محافظات الجمهورية العربية المتحدة وآثارها الباقية
في العصر الإسلامي للدكتورة سعاد ماهر ص 90
(3) الفَيُّوم: مدينة مصرية قديمة سيق إليها نهر النيل، وهي
قاعدة محافظة الفيوم، تقع في الجنوب الغربي للقاهرة انظر:
الخطط التوفيقية الجديدة 14/84، محافظات الجمهورية العربية
المتحدة ص 68
(4) مُنْية ابن خُصيب: مدينة كبيرة في مصر على شاطيء النيل من
بلاد الصعيد وهي المسماة الآن "بالمِنيْا" تقع في منتصف الطريق
بين بني سُويف وأسيوط. وسميت بذلك نسبة إلى الخُصَيْب بن عبد
الحميد صاحب خراج مصر من قِبَل هارون الرشيد، ويقال: إنه
أنشأها لابنه، وفي معجم البلدان (8/188) هي: مُنية أبي
الخُصيب، وهي موافقة لنسخة ز. انظر: خطط المقريزي 1/385، وصف
أفريقيا لابن الوزان الفاسي 2/235، رحلة ابن بطوطة 1/224.
(5) في س: ((الرابع عشر)) ، وفي ن: ((الرابعة عشر)) وكلاهما
خطأ نحوي. انظر هامش (4) ص (441)
(6) لكن هل يكفي واحد؟. به قال مالك؛ لأنه أَشْبَه الرواية
لعموم الناس، وقيل: لابد من اثنين. انظر: الفروق 1/8.
(7) في س: ((لعامي)) وهو خطأ، للتكرار بما بعده، وهو غير مراد.
(8) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 38، تبصرة الحكام
1/248. لكن قال حلولو في مسألة عدم التقليد في زوال الشمس
((فيه نظر فإن من الناس من لا يُحْسن ذلك ... )) التوضيح ص 388
وانظر الذخيرة 2/80، الفروق 4/458، مواهب الجليل 2/16.
(2/455)
الفصل الثالث
فيمن يتعيَّن (1) عليه الاجتهاد
ص: أفتى أصحابنا رضي الله عنهم بأن العلم على قسمين: فَرْض
عينٍ، وفَرْض كفايةٍ (2) .
وحكى الشافعي رضي الله عنه في " رسالته " (3) والغزالي في "
أحياء علوم الدين " (4) الإجماعَ على ذلك (5) ، ففْرض العين
الواجبُ (6) على كل أحد [هو علمه] (7)
بحالته التي هو فيها، مثاله: رجل أسلم، ودخل عليه (8) وقت
الصلاة، فيجب عليه أن يتعلم الوضوء والصلاة، فإن أراد أن يشتري
طعاماً لغذائه قلنا له (9) : يجب عليك أن تتعلم ما تعتمده في
ذلك، [وإن أراد الزواج وجب عليه أن يتعلم ما يعتمده (في ذلك)
(10) ،
_________
(1) في س: ((تعيّن)) .
(2) انظر: كتاب الفروق للمصنف (1/116) لمعرفة ضابط الفرق بين
فرض العين، وفرض الكفاية، وانظر مبحثهما من هذا الكتاب: ص 155
(المطبوع) .
(3) انظره في: ص (357) وما بعدها، ص (478) وما بعدها.
"والرسالة" أول مصنف دُوِّن في أصول الفقه، جمع فيها قواعده
الكلية، وشهرتها تغني عن التعريف بها. حققها شيخ المحققين أحمد
محمد شاكر، وعليها شروحات لكنها مفقودة. انظر: مقدمة الرسالة،
الفكر الأصولي د. عبد الوهاب أبو سليمان ص 67-89
(4) انظره في: 1/29. وهو كتاب شهير جداً في الوعظ والرقائق، له
طبعات متعددة مع تخريج أحاديثه للزين العراقي، وعليه شرح كبير
وهو: اتحاف السادة المتقين للمرتضى الزبيدي، وهو مطبوع. وله
عدة اختصارات منها: منهاج القاصدين لابن الجوزي (المطبوع
مختصره) ، وموعظة المؤمنين للقاسمي (ط) . وقد طال الجدل في
الحكم على الكتاب ما بين قادح ومادح، والإنصاف أن يقال بأنه
يحتوي علي فوائد كثيرة نفيسة، ولكن فيه موادُّ مذمومة من كلام
الفلاسفة وشطحات الصوفية وأحاديث موضوعة. انظر: مجموع فتاوي
شيخ الإسلام ابن تيمية 10/ 551، رسالة بعنوان: كتاب إحياء علوم
الدين في ميزان العلماء والمؤرخين بقلم: علي حسن علي عبد
الحميد. دار ابن الجوزي بالدمام.
(5) وممن حكى الإجماع أيضاً ابن عبد البر في كتابه: جامع بيان
العلم وفضله 1/56، وانظر: الذخيرة 6/28
(6) ساقطة من ق
(7) في س: ((وهو علم)) ، وفي ق: ((عمله)) وهو تحريف..
(8) ساقطة من ق، وفي س، ن: ((في)) وهكذا باقي النسخ ماعدا
النسختين ز، م فالمثبت منهما، وهو الأنسب لكثرة إسناد الدخول
إلى الوقت.
(9) ساقطة من ق، ن.
(10) ساقط من ن.
(2/456)
وإن أراد أن يؤدي شهادة وجب (1) عليه أن
يتعلم (2) شروط التحمل والأداء، وإن أراد أن يصرف ذهباً وجب
عليه أن يتعلم حكم الصَّرْف (3) ] (4) ، فكل حالة يتصف بها يجب
(5) عليه [أن يعلم] (6) حكم الله تعالى فيها، فعلى هذا لا
ينحصر فرض العين في العبادات، ولا في (7) باب من أبواب الفقه،
كما يعتقده كثير من الأغبياء (8) ،
وعلى هذا القسم يُحمل قوله عليه الصلاة والسلام ((طلب العلم
فريضة على كل مسلم)) (9) فمن توجَّهت عليه حالة فعلم وعمل
بمقتضى علمه فقد أطاع الله طاعتين، ومن (10) لم يعلم ولم يعمل*
فقد عصى الله معصيتين، ومن (11) علم ولم يعمل فقد أطاع الله
طاعة وعصاه معصية، ففي هذا المقام يكون العالم خيراً (12) من
الجاهل، والمقام
_________
(1) في متن هـ: ((فيجب)) .
(2) في ن: ((يتحمل)) وهو لا يؤدي الغرض؛ لأن المقام مقام
تعلَّم.
(3) الصرف، لغة: ردُّ الشيء عن وجهه. انظر: لسان العرب مادة:
((صرف)) . واصطلاحاً: هو بيع الذهب بالفضة أو أحدهما بفلوس.
شرح حدود ابن عرفة 1/37
(4) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((وإن أراد الزواج أو الشهادة
أو الصرف وجب عليه أن يتعلم أحكامها)) .
(5) في ن: ((وجب)) .
(6) ساقط من ن
(7) ساقطة من ن، س، متن هـ.
(8) في ق: ((الأغنياء)) . والظاهر أنها غير مرادة هنا..
(9) الحديث مشهور، وله طرق متعددة، ممن أخرجه ابن ماجه (224) ،
والطبراني في المعجم الصغير (1/16) وابن عبد البر في جامع بيان
العلم وفضله (1/23-53) ولا تخلو هذه الطرق من طعن وعلة، قال
ابن عبد البر ((كلها معلولة ولا حجة فيها من حيث الإسناد))
وقال البيهقي في كتابه: المدخل إلى السنن الكبرى ص 242، ((هذا
حديث متنه مشهور وأسانيده ضعيفة ... )) وقال السيوطي في الدرر
المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ص (137) ((رُوي من حديث أنس
وجابر وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وعلي وأبي سعيد، وفي كل
طرقه مقال - ثم قال - فالحديث حسنٌ)) . وجمع من العلماء صححه
أو حسنه، إما لاعتضاد طرقه أو لشواهده، منهم: المِزِّي،
والزركشي، والألباني. انظر: التذكرة في الأحاديث المشتهرة
للزركشي ص 40، المقاصد الحسنة للسخاوي ص 328، تخريج أحاديث
مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام للألباني ص 48.
(10) في ق: ((وإن)) .
(11) في ق: ((وإن)) .
(12) في س: ((خير)) وهو خطأ نحوي، لأن خبر "كان " منصوب.
(2/457)
الذي يكون الجاهل فيه خيراً (1) من العالم
مَنْ شَرِب خمراً [يعلمها، وشربها] (2) آخر يجهلها (3) ، فإنَّ
العالم (4) آثم (5)
بخلاف الجاهل، وهو أحسن حالاً من العالم وكذلك من اتَّسَع في
العلم باعُه تعظُم مؤاخذته؛ لعلوِّ منزلته، بخلاف الجاهل فهو
أسعد حالاً من العالم في هذين الوجهين (6) .
وأما فرض الكفاية: فهو العلم الذي لا يتعلق بحالة الإنسان،
فيجب على الأمة أن تكون منهم طائفة يتفقهون (7) في الدين،
ليكونوا قدوة للمسلمين حفظاً للشرع من (8) الضياع، والذي
يتعيَّن لهذا (9) من الناس من جاد حِفْظُه، وحَسُن إدراكُه،
وطابت سجيته وسريرته، ومن لا فلا.
الشرح
لأن من لا يكون كذلك لا يحصل منه المقصود، [إمَّا لتعذره
كسيِّيء الفهم
يتعذر عليه أن يصل لرتبة الاقتداء، أو لسوء الظن به، فينفر
الناس عنه، فلا يحصل منه (10) مقصودُ] (11) الاقتداء (12) .
_________
(1) في ن، س، ق: ((خير)) وهو خطأ نحوي؛ لأن خبر كان منصوب.
(2) في ن، س: ((يعلمه وشربه)) وهو صحيح أيضاً؛ لأن الخمر تذكر
وتؤنث، والتأنيث أغلب عليها. انظر: المذكر والمؤنث للأنباري ص
337
(3) في س، ن: ((يجهله)) وهو جائز للعلة السابقة.
(4) هنا زيادة: ((بها)) في س
(5) في متن هـ: ((يأثم)) ..
(6) انظر: الذخيرة للمصنف 6/28-29
(7) في س: ((يتفقَّهوا)) وقد سبق التعليق على مثلها.
(8) في ن: ((عن)) .
(9) في ق: ((لهذه)) وربما كان وجهه الإشارة إلى ((حالة)) .
(10) ساقطة من ق
(11) ما بين المعقوفين ساقط من ن
(12) في ن: ((والاقتداء)) .
(2/458)
الفصل الرابع
في زمانه
ص: واتفقوا على جواز الاجتهاد بعد وفاته عليه الصلاة والسلام
(1) ، وأما في زمانه [فوقوعه منه عليه الصلاة والسلام قال به]
(2) الشافعي (3) وأبو يوسف (4) ، وقال أبو علي وأبو هاشم (5) :
لم يكن متعبَّداً به؛ لقوله تعالى {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ
يُوحَى} (6) ، وقال بعضهم: كان له عليه الصلاة والسلام أن
يجتهد في الحروب والآراء (7) دون الأحكام (8) ،
قال الإمام: وتوقف أكثر المحققين في الكل (9) .
_________
(1) انظر حكاية الاتفاق في: المحصول للرازي 6/18، الإحكام
للآمدي 4/175، نهاية الوصول للهندي 8/3816، تقريب الوصول ص
422، الإبهاج 3/252.
(2) ما بين المعقوفين في ق: ((فقال بوقوعه)) .
(3) انظر النسبة إليه في: المحصول للرازي 6/7، السراج الوهاج
للجاربردي 2/1068، تشنيف المسامع 4/578 وهذا رأي جماهير
الأصوليين، انظر: شرح اللمع للشيرازي 2/1091، التلخيص 3/399،
المنخول ص 468، التمهيد لأبي الخطاب 3/412، شرح العضد لمختصر
ابن الحاجب 2/91. وقد حرَّر المصنف في كتابه: نفائس الأصول
(9/3806) محل الخلاف، فحصره في الفتاوى، أما اجتهاده صلى الله
عليه وسلم في الأقضية وفصل الخصومات فيجوز بلا نزاع. وانظر
أيضاً: التوضيح لحلولو ص 389، الآيات البينات للعبادي 4/344،
سلم الوصول للمطيعي بحاشية نهاية السول للإسنوي 4/533. لكن
الزركشي في البحر المحيط (8/51) نازع في هذه الدعوى. وانظر:
التقرير والتحبير 3/401.
(4) انظر النسبة إليه في: ميزان الأصول للسمرقندي 2/678، كشف
الأسرار للبخاري 3/246، تيسير التحرير 4/185. ومذهب أكثر
الحنفية جواز اجتهاده إن انقطع طمعه في الوحي وخاف فوات الوقت.
انظر: أصول السرخسي 2/91، المغني للخبازي ص264، التقرير
والتحبير 3/394.
(5) انظر النسبة إليهما في: شرح العمد 2/348، المعتمد 2/210،
240. وهو مذهب أكثر المعتزلة. ومن المانعين أيضاً ابن حزم في:
الإحكام 2/125.
(6) النجم، الآية: 4.
(7) ساقطة من متن هـ.
(8) ومنهم من حكي الإجماع على ذلك..انظر: البحر المحيط للزركشي
8/247، التوضيح لحلولو ص389، شرح الكوكب المنير 4/474
(9) انظر: المحصول 6/7، وانظر: نهاية السول للإسنوي 4/531.
وهناك كتاب مستقل في هذه المسألة، عنوانه: اجتهاد الرسول صلى
الله عليه وسلم للدكتورة نادية العمري
(2/459)
وأما وقوع الاجتهاد في زمانه عليه الصلاة
والسلام من غيره فقيل (1) : هو (2) جائز عقلاً في الحاضر عنده
عليه الصلاة والسلام والغائب عنه (3) ، فقد قال له* معاذ ابن
جبل: أجْتَهدُ رأيي (4) .
الشرح
حجة كونه عليه الصلاة والسلام كان يجتهد: ما رُوِي أنه عليه
الصلاة والسلام لما قال في تحريم مكة: ((لا يُعْضَد شجرُها ولا
يُخْتَلى خَلاَها)) : فقال له العباس: إلا الإِذخِر يا رسول
الله، فإنَّا نحتاجه لدوابِّنا، فقال: ((إلا الإِذْخِر)) (5)
وهذا يدل على أنه لما بيّن له الحاجة إليه أباحه بالاجتهاد
للمصلحة.
_________
(1) ساقطة من ق، وفي متن هـ: ((فعليلٌ)) وهو محتمل إذا كان
المراد أن الخوض في هذه المسألة لا ثمرة له، كما سيظهر في هامش
(3) من هذه الصفحة.
(2) في متن هـ: ((وهو)) وهي مستقيمة بما جاءت في سياقه، وفي ق:
((فهو)) .
(3) اقتصر المصنف في مسألة حكم اجتهاد غير النبي صلى الله عليه
وسلم في حياته على قولٍ واحد، وهو الجواز مطلقاً في حضرته
وغيبته، بإذنه وبدونه. أما القول الثاني فهو: المنع مطلقاً.
والثالث: الجواز للغائب من الولاة والقضاة، والرابع: الجواز
للغائب مطلقاً. والخامس: الجواز للغائب مطلقاً، وللحاضر بإذنه.
والسادس: الوقف. انظر: المستصفى 2/390، الوصول لابن برهان
2/376، الإحكام للآمدي 4/175، شرح مختصر الروضة 3/589، تشنيف
المسامع 4/580، التوضيح لحلولو ص390، تيسير التحرير 4/191، نشر
البنود 2/320 قال الرازي في المحصول 6/18: ((الخوض فيه قليل
الفائدة؛ لأنه لا ثمرة له في الفقه)) .
(4) سلف تخريجه في هامش (1) ص (38) .
(5) أخرجه البخاري في صحيحه (1349، 1833) ، ومسلم (1353، 1355)
وغيرهما من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم. لكن لم
أجدْ في جميع ما وقفت عليه من الروايات لفظ ((لدوابِّنا)) ، بل
الموجود فيها: ((لقبورنا وبيوتنا)) البخاري (2434) ، أو
((لِقَيْنهم وبيوتهم)) البخاري (1834) ، أو ((لصاغتنا
وقبورنا)) البخاري (1833) . والإِذخر: نَبْتٌ معروف عند أهل
مكة، له أصل مُنْدفن وقُضْبان رِقَاقٌ، ينبت في السَّهْل
والحزْن، تُسْقَف به البيوت بين الخشب، ويسدُّون به الخلل بين
اللَّبنات في القبور، ويحتاج إليه القَيْن (الحدَّاد) والصائغ
في وقود النار. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 9/108، فتح الباري
لابن حجر 4/60. والخَلاَ: هو الرَّطْب من النبات، أي: العُشب،
واخْتِلاؤه: قَطْعه واحتشاؤه. انظر: فتح الباري لابن حجر 4/60.
يُعْضَد: يُقْطَع. انظر: مختار الصحاح مادة "عضد"
(2/460)
وكذلك ما أنشدَتْه المرأة لمَّا قَتَل
أخاها (1) :
أَمحمَّدٌ والنَّجْلُ نَجْلُ كريمةٍ (2) في قومها والفَحْلُ
فَحْلٌ مُعْرِقُ (3)
ما كان ضرَّك لو مَنَنْتَ (4) ورُبَّما مَنَّ الفتى وهو
المَغِيْظُ المُحْنَقُ (5)
فقال عليه الصلاة والسلام ((لو سمعتُ شِعْرها قبْل قَتْلِه ما
قَتَلْتُه)) (6) ، وهذا يدل على الاجتهاد.
_________
(1) المرأة هي: قُتَيلْةَ بنت النَّضْر بن الحارث القرشية
العبدرية. وقيل: قُتيلة بنت الحارث، والنَّضر هو أخوها،
والصواب الأول، وأنها ترثي أباها لما قُتِل في أعقات غزوة بدر،
فقد كان شديد الإيذاء للرسول صلى الله عليه وسلم قيل: إنها
أسلمت وصارت صحابية. انظر: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير
العباد للصالحي الشامي 4/63، الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن
عبد البر 4/457، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر8/285.
(2) هكذا جاء المصراع الأول من البيت في جميع النسخ ما عدا
النسختين م، ز ففيهما: أمحمدٌ يا خير بَطْنِ كريمةٍ. ولم أجده
فيما وقفتُ عليه بهذه الألفاظ. وإنما الذي وجدته: أمحمدٌ يا
خير ضَنْءِ كريمةٍ. انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/63) ،
والضَّنْءِ: بالفتح والكسر، الولد. انظر: لسان العرب مادة
"ضنأ". وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ نجلُ نجيبةٍ. انظر: شرح ديوان
الحماسة لأبي علي المرزوقي 2/966. والنَّجْل: النَّسل. مختار
الصحاح مادة "نجل "، ونجيبة: كريمة. مختار الصحاح مادة "نجب "،
وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ نَسْلُ نجيبةٍ. انظر: الأغاني للأصفهاني
1/30، وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ صِنْوُ نجيبةٍ. انظر: تهذيب
الأسماء واللغات للنووي 2/427، والمراد بالصِّنْو هنا: الابن،
انظر: لسان العرب مادة "صنا". وكذلك: أمحمدٌ وَلَدَتْك خيرُ
نجيبةٍ. انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 4/458، وكذلك: أمحمدٌ
ولأنْتَ ضِنْءُ نجيبةٍ. انظر: معجم البلدان 1/94، شرح ديوان
الحماسة للتبريزي 3/15وكذلك: أمحمدٌ ها أنت ضِنْءُ نجيبةٍ.
انظر: البيان والتبيين للجاحظ 4/44 وكذلك: أمحمدٌ أَوَ لَسْتَ
ضنء نجيبة. انظر: السيرة الحلبية 2/186
(3) البيت من البحر الكامل. والفَحْل: الذَّكَر من كل حيوان.
لسان العرب مادة "فحل "، مُعْرِق: أي عريق النَّسَب أصيل.
النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير مادة "عرق ".
(4) في ق: ((عفوت)) .
(5) المَغِيْظ: اسم مفعول من غاظ، والغَيْظ: فوق الغضب.
المُحْنَق: اسم مفعول من أحنق، والحَنَق: شدة الاغتياظ. انظر:
لسان العرب مادة "حنق ". ومعنى البيتين: يا محمدُ أنت كريم
الطرفين والنسب من جهة العمومة والخؤولة، فأيُّ شيء يضرك لو
عفوت، فإن الفتى وإن كان مُغْضَباً منطوياً على حَنَقٍ وعداوة
قد يَمُنُّ ويصفح. انظر: شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 2/967
(6) جاء في الاستيعاب لابن عبد البر 4/458 في رواية عبد الله
بن إدريس: فلما بلغ رسول الله ذلك بكى حتى اخضلَّت لحيته، وقال
((لو بلغني شِعْرها قبل أن أقتله لعفوت عنه)) . ورواية الزبير
بن بَكَّار: فَرَقَّ صلى الله عليه وسلم حتى دَمعت عيناه، وقال
لأبي بكر: ((يا أبا بكر، لو كنتُ سمعتُ شعرها ما قتلت أباها))
. قال الزبير: سمعت بعض أهل العلم يغمز أبياتها هذه، ويذكر:
أنها مصنوعة)) وقال ابن الملقِّن في: غاية مأمول الراغب في
معرفة أحاديث ابن الحاجب (ورقة 38 أ) ((لم يثبت لنا بإسنادٍ
صحيحٍ)) .
(2/461)
وحُكْم سَعْدٍ في بني قُرَيْظة (1) ،
فحَكَم بأن تُقْتَل مقاتِلتُهم وتُسْبَى ذَرَارِيْهم (2) ، وما
جُعِل لغيره أن يفعله فله هو (3) عليه الصلاة والسلام أن
يفعله؛ لأن* الأصل مساواة أمته له في الأحكام إلا ما دل الدليل
على تخصيصه من ذلك.
ويرد على الكلِّ أن هذه الصور (4) يجوز أن [تقارنها نصوص] (5)
نَزَلتْ فيها، أو تقدَّمتْها نصوص بأن يُوحى إليه (6) : إذا
كان كذا فافعلْ كذا، وحينئذٍ هي بالوحي
لا بالاجتهاد.
حجة القول بالفرق بين الحروب فيجوز: أنَّ الحروب أمرُها على
الفَوْر؛ لعظم المفسدة في التأخير من جهة استيلاء (7) العدوِّ،
فيُفَوَّض إليه، وقضية (8) [سعد بن] (9) معاذ تدل عليه،
والأحكام يجوز التراخي فيها، فلا يُجْتَهد فيها.
_________
(1) ومن العلماء من وجَّه هذا القول بأن كلامه صلى الله عليه
وسلم هذا ليس معناه الندم، لأنه لا يقول ولا يفعل إلا حقاً،
والحق لا يُنْدم على فعله، ولكن معناه: لو شَفَعت هذه المرأة
عندي بهذا القول لقبلتُ شفاعتها ولا سيما الاستعطاف بالشعر،
فإن مكارم الأخلاق تقتضي إجازةَ الشاعر وتبليغَه قصده. انظر:
سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي 4/63، 87، شرح الزرقاني على
المواهب اللدنية للقسطلاني 1/450
(
) بنو قريظة: حيٌّ من اليهود، وهم والنضير قبيلتان من يهود
خيبر، وقد دخلوا في العرب على نسبهم إلى هارون عليه السلام،
وكانوا يسكنون في ضواحي المدينة. انظر: التاريخ لليعقوبي 2/52،
لسان العرب مادة " قرظ ".
(2) حكْم سعد بن معاذ رضي الله عنه في بني قريظة أخرجه البخاري
(3043، 4122) ومسلم (1768) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله
عنه. وانظر: السيرة النبوية لابن هشام 3/331
(3) ساقطة من ق
(4) في ق: ((الصورة)) والواقع أنها صورٌ عديدة
(5) في ق: ((يقارنها بنصوص)) .
(6) ساقطة من س
(7) ساقطة من س
(8) في ق: ((قصة)) .
(9) ساقط من ق، ن، وهو سقطٌ مُخِلٌّ.
(2/462)
والجواب: أن المفسدة تَنْدفع (1) بتقدِّم
(2) نصوصٍ (3) في مثل هذه الصور (4) ، ويقال له: إذا وقع كذا
فافعل كذا، ولا اجتهاد حينئذٍ.
ويظهر مِنْ تعارُض هذه المدارك حجة التوقف.
_________
(1) في س: ((ترفع)) ، وفي ق: ((تتوقع)) .
(2) ساقطة من ق
(3) في ق: ((بنصوص)) .
(4) في ق: ((الصورة)) .
(2/463)
الفصل الخامس
في شرائطه (1)
ص: وهي: (2) أن يكون عالماً بمعاني الألفاظ وعوارضِها من
التخصيص والنسخ وأصول الفقه، ومن كتاب الله تعالى ما يتضمن
الأحكامَ، وهي (3) خمسمائة آيةٍ، ولا يشترط الحفظ بل العلم
بمواضعها (4) لينظرها عند الحاجة إليها، ومن السنة مواضع
أحاديث الأحكام دون حفظها، ومواضع الإجماع (5) والاختلاف،
والبراءة الأصلية، وشرائط الحدِّ والبرهان، والنحو واللغة
والتصريف، وأحوال الرواة، ويقلِّد مَنْ تقدَّم في ذلك (6) .
تجزُّؤ الاجتهاد:
ولا يشترط عموم النظر، بل يجوز أن تَحْصُل صفة الاجتهاد في
فَنٍّ دون فَنٍّ، وفي مسألة دون مسألة، خلافاً لبعضهم (7) .
_________
(1) انظر شروط الاجتهاد في: المعتمد 2/357، العدة لأبي يعلى
5/1594، إحكام الفصول ص 722، شرح اللمع للشيرازي 2/1033، قواطع
الأدلة 5/4، الإحكام للآمدي 4/162، تقريب الوصول ص 427، جمع
الجوامع بحاشية البناني 2/383، التقرير والتحبير 3/389،
التوضيح لحلولو ص 390، فتح الغفار لابن نجيم 3/34، شرح الكوكب
المنير 4/459
(2) في س، ن: ((وهو)) . والمثبت أظهر لعوده على " شرائطه ".
(3) في ق، متن هـ: ((وهو)) ووجهه عود الضمير على لفظ: ((ما)) .
(4) في ن: ((بمواضعه)) ولعلها تحريف؛ لأن مرجع الضمير إلى
الآيات الخمسمائة.
(5) في ن، س، متن هـ: ((الاجتماع)) .
(6) ساقطة من ق.
(7) هذه مسألة تجزؤ الاجتهاد، بمعنى هل يصحّ أن يُجتهد في بعض
الفنون أو الأبواب أو المسائل دون البعض الآخر أو لابد أن يكون
المجتهد مطلقاً لديه القدرة على استنباط الأحكام في جميع أبواب
الفقه؟. وقد اختلفوا في تحرير محل النزاع، والأقوال في المسألة
أربعة. الجواز وهو للجمهور، عدم الجواز، الجواز في مسائل
الميراث وحدها؛ لأنها منفصلة عن غيرها، التوقف. انظر: المحصول
للرازي 6/25، شرح مختصر الروضة للطوفي 2/585، شرح العضد لمختصر
ابن الحاجب 2/416، البحر المحيط للزركشي 8/242، التوضيح لحلولو
ص 392 تيسير التحرير 4/182، فواتح الرحموت 2/416، نشر البنود
2/318، إعلام الموقعين 4/190، أصول الفتوى وتطبيق الأحكام
الشرعية في بلاد غير المسلمين لشيخنا د. علي الحكمي ص 34 - 37،
الاجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية لشيخنا د. شعبان محمد
إسماعيل ص 49 - 53.
(2/464)
الشرح
حَصْر المتعيِّن في خمسمائة آيةٍ قاله الإمام فخر الدين (1)
وغيره (2) ، ولم يَحْصُر غيرهم ذلك، وهو الصحيح (3) ، فإن
استنباط الأحكام إذا حُقِّق لا يكاد تَعْرَى (4) عنه آية، فإن
القصَص أبعدُ الأشياء عن ذلك، والمقصودُ منها (5) الاتِّعاظ
والأمْرُ به، وكلُّ آيةٍ وقع فيها ذِكْرُ عذابٍ أو ذَمٍّ على
فعلٍ كان (6) [ذلك دليلَ] (7) تحريمِ ذلك (8) الفعل، أو [مدح
أو ثواب] (9) على فِعْلٍ، فذلك دليل طَلَبِ ذلك الفعل وجوباً
أو ندباً، وكذلك ذِكْرُ صفاتِ الله عز وجل والثناءِ عليه
المقصودُ به الأمرُ بتعظيم ما عظَّمه الله تعالى وأن نثني عليه
بذلك، فلا [تكاد تجد] (10) آيةً إلا وفيها حُكْم، وحَصْرُها في
خمسمائة آية بعيد (11) .
وشرائط الحَدِّ: حتى يتحقق له الضوابطُ، فيعلم ما خرج عنها
[فلا يعتبره] (12) ، وما اندرج فيها أَجْرَى عليه أحكام تلك
الحقيقة. وشرائط البرهان مقررة في علم المنطق (13) .
_________
(1) انظر: المحصول 6/23.
(2) منهم الغزالي في المستصفى 2/383، وابن رشد (الحفيد) في
الضروري في أصول الفقه ص 137، والنسفي في كشف الأسرار 2/302،
ونُسِب إلى ابن العربي كما في البحر المحيط للزركشي 8/230
(3) انظر: نفائس الأصول 9/3829-3832، شرح مختصر الروضة للطوفي
3/573، شرح الكوكب المنير 4/460.
(4) في ق: ((يعري)) وهو جائز. انظر هامش (11) ص (27) .
(5) في ق: ((عنها)) وهو تحريف.
(6) ساقطة من ق.
(7) في ن: ((دليلاً على)) .
(8) ساقطة من س.
(9) في س، ن: ((مدحاً أو ثواباً)) وربَّما كان وجهة العطف على
محلِّ عذاب في قوله: ((ذكر عذاب)) فإنها
مجرورة لفظاَ ومنصوبة محلاً. والمثبت أبْين، لأنه معطوف على
فاعل " وَقَع " أو على المضاف إليه " عذاب "
(10) في س: ((يكاد توجد)) .
(11) في ق: ((تعبد)) وهو تحريف
(12) ساقط من س
(13) أجلى المصنف وجه احتياج المجتهد لشرائط الحدِّ وشرائط
البرهان في كتابه: نفائس الأصول (9/3835 - 3836) ، فذكر من
شرائط الحد: الاطراد والانعكاس، والجمع والمنع، وألا يُحدَّ
بالأخفى، ولا بالمساوي في الخفاء، ولا بما لا يُعرف المحدود
إلا بعد معرفته وهو الدور، وألا يأتي بلفظٍ مجمل أو بمجاز
بعيد، وأن يقدِّم الأعم على الأخص. وأما شرائط البرهان فكتقديم
المقدمة الصغرى على الكبرى ثم النتيجة، وأن يعلم المُنْتِج
والعقيم.. إلخ وانظر في هذا: معيار المعلم في فن المنطق
للغزالي ص 98 - 114، 192 - 205، آداب البحث والمناظرة للشنقيطي
1/42، 72 وما بعدهما.
(2/465)
وأما النحو والتصريف واللغة: فلأن الحكم
يتبع الإعراب، كما قال عليه الصلاة والسلام ((ما تركنا صدقةٌ))
(1)
بالرَّفْع (2) ، فرواه الرافضة بالنَّصْب (3) أي لا يُورث
ما تركناه (4) وَقْفاً، ومفهومه: أنهم يُورَثون في غيره. وكذلك
قوله عليه الصلاة والسلام ((اقتدوا باللَّذَيْن من بعدي أبي
(5) بكر وعمر)) (6)
_________
(1) أما اشتراط المعرفة بعلم المنطق على المجتهد، فمن العلماء
من أنكره، لأن أفضل هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة
المسلمين عرفوا ما يجب عليهم ويُكمِّل علمهم دون حاجة إلى منطق
اليونان. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 9/172، جامع
الأسرار للكاكي 4/1072، الرد على من أخلد إلى الأرض للسيوطي ص
(153) . لكن حاول الطوفي أن يوازن بين الفريقين، فانظر كلامه
في: شرح مختصر الروضة 3/583
(
) رواه البخاري (4033، 6727) ، ومسلم (1759) بلفظ: ((لا
نُوْرث، ما تركنا صدقةٌ)) والحديث من رواية ثلاثةَ عشر صحابياً
بينهم ثمانية من العشرة المبشَّرين بالجنة، ولهذا عدَّه
السيوطي من الأحاديث المتواترة. انظر: قَطْف الأزهار المتناثرة
في الأخبار المتواترة ص (273) وانظر: نظم المتناثر من الحديث
المتواتر للكتاني ص 227
(2) على أن ((صدقة)) خبرٌ مبتدؤه "ما" الموصولة، والمعنى:
المتروك عنَّا صدقةٌ. انظر: فتح الباري 12/6، عون المعبود
للعظيم أبادي 8/129
(3) فتكون ((صدقة)) حالاً. وممن أشار إلى رواية الرافضة هذه:
أبو جعفر أحمد الطبري في كتابة: الرياض النَّضِرة في مناقب
العشرة 2/126، وابن كثير في: البداية والنهاية 5/254، وابن حجر
في: فتح الباري 12/6، والباجي في: المنتقي 7/317 - 318،، وذكر
مناظرةً طريفةً بين سُنِّي جاهلٍ بالنحو وإمَامِيٍّ رافضيّ
عالمٍ بالنحو، وقد خَصَمه السُّنِّي. وانظر: نفائس الأصول
9/3834.
(4) في ق: ((تركناها)) وهو تحريف
(5) في س، ن: ((أبو)) وهي مطابقة لما جاءت في مسند الإمام أحمد
5/382 والتاريخ الكبير للبخاري 8/209، والكامل في ضعفاء الرجال
لابن عدي 2/249.
(6) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/382، 399، 402) ، والترمذي
(3662) ، وابن ماجة (97) ، وابن حبان في صحيحه بترتيب ابن
بلبان 15/327، والحاكم في مستدركه (3/75) من حديث حذيفة بن
اليمان رضي الله عنه وغيره. قال العقيلي: ((وهذا يروى عن حذيفة
عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد ثابت)) الضعفاء (4/94)
، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/233) ، برقم
(1233) .
(2/466)
رواه الشيعة (1) ((أبا بكر وعمر))
[فانعكس المعنى، أي: يا أبا بكرٍ وعمرُ] (2) فيكونان
مُقْتَدِيَيْن (3) لا مُقْتَدَىً بهما، وهو كثير (4) ، واسم
الفاعل من المفعول إنما يُعْلم من جهة التصريف.
وإنما قُلِّد من مضى في أحوال الرواة: لبُعْد (5) أحوالهم
عنَّا، فتعيَّن التقليد لمن اطَّلع
[على حالهم] (6) ، لتعذِّر ذلك علينا.
حجة عدم اشتراط عموم النظر: أن المقصود البعد عن الخطأ بتحصيل
شرائط الاجتهاد، فإذا حصل ذلك في فَنٍّ واحدٍ كان كحصوله في
جميع الفنون.
حجة المنع: أن العلوم والفنون يمدُّ بعضُها بعضاً (7) ، فمن
غاب عنه فَنٌّ (8) فقد غاب عنه نورٌ فيما (9) هو (10) يعلمه،
وحينئذٍ لا يكمل النظر إلا بالشمولِ، ولذلك أنَّ النحوي الذي
لا يُحْسِن الفقه ولا المعقولات تجده قاصراً في نَحْوِه
بالنسبة (11) لمن يعلم ذلك، وكذلك جميع الفنون.
_________
(1) لم أقف عليه في كتبهم، لكن انظر: نفائس الأصول 9/3835
(2) ما بين المعقوفين ساقط من ق
(3) في س، ن: ((مقتديان)) وهو خطأ نحوي، لأن اسم كان منصوب
(4) انظر مزيداً من الأمثلة في: شرح مختصر الروضة للطوفي 3/581
(5) في ن: ((لبعض)) وهو تحريف
(6) في س: ((عليهم)) .
(7) ساقطة من س
(8) ساقطة من س، ن
(9) في ق: ((مما)) .
(10) ساقطة من ن
(11) ساقطة من ن
(2/467)
الفصل السادس
في التصويب
ص: قال الجَاحِظُ وعُبيد (1) الله العَنْبَرِي (2) بتصويب
المجتهدين في أصول الدين (3) ، بمعنى نفي (4) الإثم لا بمعنى
مطابقة الاعتقاد، واتفق سائر العلماء على فساده (5) .
وأما في الأحكام الشرعية فاختلفوا: هل لله تعالى في نفس الأمر
حكم معين في الوقائع أمْ لا؟. والثاني قول من قال: ((كل مجتهد
مصيب)) وهو قول جمهور المتكلمين (6) ، ومنهم الأشعري (7)
والقاضي أبوبكر (8) منا (9) ، وأبو علي وأبو هاشم من المعتزلة
(10) .
_________
(1) في ن، ق، متن هـ: ((عبد)) . وهو تحريف.
(2) هو عبيد الله بن الحسن بن الحصين العنبري التميمي، محدث
ثقة، أخرج له الإمام مسلم في صحيحه، كان فقيهاً، ولي قضاء
البصرة. ولد عام 105هـ وتوفي عام 168هـ، وقيل غير ذلك. شنَّع
عليه العلماء في قوله: كل مجتهد مصيب، ونقل ابن حجر عنه قولاً
برجوعه في هذه المسألة لما تبين له الصواب. انظر: تاريخ بغداد
10/306، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 91، تهذيب التهذيب 4 / 8
(3) انظر النسبة إلى الجاحظ في: المستصفى 2/401، المحصول
للرازي 6/129، المسودة ص 495، جامع الأسرار للكاكي 4/1073، جمع
الجوامع بحاشية البناني 2/389. وانظر النسبة للعنبري في:
المراجع السابقة، وأيضاً العدة لأبي يعلى 5/1540، التبصرة
ص496، التلخيص 3/335، المنخول ص451. وقد اختلف الأصوليون في
حمل كلام الجاحظ والعنبري في تصويب كل مجتهد في الدين، هل يشمل
المخالفة لملة الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس أو ينحصر في
الخلاف الجاري بين أهل القبلة من المعتزلة والخوارج والروافض
ونحوهم، كمسألة القدر أو الرؤية أو الصفات؟ . أكثر الأصوليين
على الثاني. انظر: المعتمد 2/398، البرهان للجويني 2/860،
قواطع الأدلة 5/11، الوصول لابن برهان 2/338، روضة الناظر
3/981، كشف الأسرار للبخاري 4/30، البحر المحيط للزركشي 8/276،
التوضيح لحلولو ص 393
(4) في ق: ((عدم)) .
(5) انظر: المراجع المذكورة في الهامش قبل السابق، وانظر: شرح
اللمع للشيرازي 2/1043، التمهيد لأبي الخطاب 4/307، نهاية
الوصول للهندي 8/3837، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/293، شرح
الكوكب المنير 4/488، نيل السول للولاتي ص 205..لكن دعوى
الاتفاق هذه فيها نظر، فإن طائفة من العلماء ترى عدم تأثيم أو
تكفير المجتهد المخطيء في المسائل العلمية، كالمسائل العملية
على حد سواء. انظر: الفصل في الملل والنحل لابن حزم 3/291، درء
تعارض العقل والنقل لابن تيمية 2/315، مجموع الفتاوى لابن
تيمية 11/407، 413، 23/146
(6) انظر: إحكام الفصول ص 707، التبصرة ص 498، المحصول للرازي
6/34، الإحكام للآمدي 4/183، التلويح للتفتازاني 2/260،
التوضيح لحلولو ص 394، فواتح الرحموت 2/428
(7) انظر: شرح اللمع للشيرازي 2/1048، المنخول ص 453، الفائق
5/35
(8) انظر: إحكام الفصول ص 708، تقريب الوصول ص 443، نشر البنود
2/322
(9) في ق: ((مني)) وهو تحريف
(10) انظر: شرح العمد 2/238، المعتمد 2/370
(2/468)
وإذا لم يكن لله تعالى حكم معين، فهل في
الواقعة حُكْمٌ لو كان لله تعالى
حُكْمٌ معين لحكَمَ به فيها (1) أم لا؟. والأول هو القول:
بالأشبه، وهو قول
جماعةٍ من المُصَوِّبين (2) ، والثاني قول بعضهم (3) . وإذا
قلنا بالمعيَّن فإمَّا أن يكون
عليه دليل ظني أو قطعي أو ليس عليه واحد منهما، والثاني (4) :
قول جماعة
من الفقهاء والمتكلمين (5) ، ونُقِل عن الشافعي (6) رضي الله
عنه، وهو عندهم
كدَفِيْنٍ يُعْثر عليه بالاتفاق. والقول بأن عليه دليلاً ظنياً
فهل كُلِّف بطلب ذلك (7) الدليل، فإنْ أخطأه تعيَّن (8)
التكليف بما (9) غلب على ظنه وهو قول بعضهم (10) ،
أو لم يُكَلَّف بطلبه لخفائه وهو قول كافة الفقهاء (11) منهم
الشافعي (12)
_________
(1) ساقطة من س، ن، متن هـ
(2) انظر: المعتمد 2/371، التمهيد لأبي الخطاب 4/314، الوصول
لابن برهان 2/343، كشف الأسرار للبخاري 4/33، التوضيح لحلولو ص
394
(3) عبر عنهم الرازي في محصوله (6/34) بأنهم الخُلَّص من
المصوِّبين
(4) في ق: ((وأما الثاني)) بزيادة: ((أما)) ، وفي ن: ((والثاني
هو)) بزيادة: ((هو)) . ومقصود المصنف بالثاني هنا هو القول
بأنه ليس على الحكم أي دليل لا ظني ولا قطعي، لأنه يُعدُّ
ثانياً بالنسبة إلى اشتراط الدليل سواء كان قطعياً أم ظنياً.
(5) انظر: المستصفى 2/409، المحصول للرازي 6/34، الإحكام
للآمدي 4/183، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/294، نهاية السول
للإسنوي 4/562، تشنيف المسامع 4/588
(6) انظر: المحصول للرازي 6/34. والغريب أن المصنف في نفائس
الأصول (9/3878 - 3880) ينازع الرازي في هذه النسبة للشافعي،
وينقل صفحاتٍ من كتب الأصوليين تناقض نقل المحصول (6/34) هذا
ويَخْلُص أخيراً بأن النسبة الصحيحة للشافعي إنما هي في القول
بأن لله تعالى أمارةً (دليلاً ظنياً) على الحكم، كما سيأتي بعد
قليل.
(7) ساقطة من ق
(8) في س: ((تغير)) تحرَّفت عن: ((تعين)) .
(9) في س، ن، متن هـ: ((إلى ما)) .
(10) ساقطة من س، ن، متن هـ. وانظر هذا القول في: المستصفى
2/409، التمهيد لأبي الخطاب 4/310، المحصول للرازي 6/34،
الإبهاج 3/255، فواتح الرحموت 2/428
(11) منهم الإمام مالك، والإمام أحمد، انظر: إحكام الفصول ص
707، المسودة ص 497، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/602، تقريب
الوصول ص443، جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/885
(12) اضطرب بعضهم في النقل عن الشافعي، فمنهم من نسب إليه
تصويب المجتهد بكل حال. والنقل الصحيح عنه أن الحق واحد لا
يتعدد، وأن المصيب واحد. قال في إبطال الاستحسان (بذيل الأم
7/302) ((لا يجوز فيه عندنا - والله تعالى أعلم - أن يكون الحق
فيه عند الله كله إلا واحداً)) . وانظر كلامه في الرسالة ص 489
وما بعدها. وانظر: شرح اللمع 2/1046، التلخيص 3/338، قواطع
الأدلة 5/16، البحر المحيط للزركشي 8/283
(2/469)
وأبو حنيفة (1) رضي الله عنهما. والقائلون
بأن عليه دليلاً قطعياً (2) : اتفقوا على أن المكلف مأمور
بطلبه، وقال بِشْر المَرِيْسِيّ (3) : إن أخطأه استحق العقاب
(4) ، وقال غيره: لا يستحقُّ العقاب (5) .
واختلفوا أيضاً هل يُنقَض قضاء القاضي إذا خالفه قاله
الأَصَمُّ (6) خلافاً للباقين، والمنقول عن مالك رحمه الله أن
المصيب واحد (7) ، واختاره الإمام (8) ، وقال الإمام:
_________
(1) اضطرب بعضهم في نقل مذهب أبي حنيفة، فهناك من نسب إليه
التصويب. والتحقيق - عند الحنفية - أن الحق واحد لا يتعدد،
وربما جاء اللبس مما روي عنه، وهو قوله: ((كل مجتهد مصيب،
والحق عند الله
واحد)) . انظر: ميزان الأصول 2/1051، بذل النظر ص 695 كشف
الأسرار للبخاري 4/33-34 التوضيح لصدر الشريعة ومعه التلويح
للتفتازاني 2/265، التقرير والتحبير 3/409
(2) في ق: ((ظنياً)) وهو خطأ؛ لأنه تكرار، فقد تقدم القول فيه.
(3) هو بشْر بن غِيَاث بن أبي كريمة العدوي مولاهم،
المَرِيْسِيّ نسبة إلى مريس بمصر، وإليه تنسب الفرقة
" المَرِيْسِيَّة " من مرجئة بغداد، تفقَّه على أبي يوسف، وروى
عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة. ثم نظر في الكلام، فغلب عليه
وصار رأساً في الابتداع والاعتزال، ودعا إلى خَلْق القرآن
وإنكار الصفات،
ت 218هـ. ومن أنفس الردود عليه كتاب: " نَقْض الإمام أبي سعيد
على بشر المريسي العنيد " للدرامي بتحقيق: رشيد بن حسن محمد
نشر: مكتبة الرشد - الرياض. انظر: تاريخ بغداد 7/56، وفيات
الأعيان 1/277، الجواهر المضية ص 164، الفَرْق بين الفِرَق
للبغدادي ص124
(4) انظر النسبة إليه في: شرح العمد 2/235، المعتمد 2/371
(5) انظر: المحصول للرازي 6/36، الإحكام للآمدي 4/183
(6) انظر النسبة إليه في: شرح العمد 2/235، المعتمد 2/371،
والأصمُّ هو: أبوبكر عبد الرحمن بن كَيْسان، كان ديِّناً
وقوراً صبوراً على الفقر لكن كان شيخاً في الاعتزال، يخطِّيء
عليّاً رضي الله عنه، أخذ عنه ابن علية (الابن) ، وله كتاب في
التفسير، وفي خَلْق القرآن. توفي سنة 201هـ. انظر: طبقات
المعتزلة لابن عبد الجبار ص 267، سير أعلام النبلاء 9/402،
لسان الميزان 3/427
(7) اختلف عن الإمام مالك، وسبب اختلافهم بحسب ما يستنبطونه من
أقواله، فنُقل عنه لما سُئل عن اختلاف الصحابة قوله: ليس إلا
خطأ وصواب. وقال: قولان مختلفان لا يكونان قطُّ صواباً. فهذا
يدل على أن المصيب واحد، ومما يدل على أن مذهبه ((أن كل مجتهد
مصيب)) : أن الخليفة العباسي وقتذاك لما أراد أن يحمل الناس
على موطأ مالك، امتنع مالك، واحتج بتفرق الناس في الأمصار، وقد
أخذوا بآراء الصحابة، وكلٌّ عند نفسه مصيب. ونقل ابن عبد البر
في جامع بيان العلم وفضله (2/885) عن بعضهم قوله
((ولا أعلم خلافاً بين الحُذَّاق من شيوخ المالكيين البغداديين
والمصريين، كلٌّ يحكي أن مذهب مالك رحمه الله في اجتهاد
المجتهدين والقياسيين إذا اختلفوا فيما يجوز فيه التأويل من
نوازل الأحكام أن الحق من ذلك عند الله واحد من قولهم ... )) .
انظر: إحكام الفصول ص 707، منتهى السول والأمل ص 212، تقريب
الوصول ص 443، تحفة المسؤول للرهوني القسم 2 / 832، رفع النقاب
القسم 2/1155 - 1157، نشر البنود 2/320
(8) انظر: المحصول 6/36
(2/470)
عليه دليل ظني ومخالِفُه معذور والقضاء لا
يُنقَض (1) .
لنا: أن الله تعالى شرع الشرائع لتحصيل المصالح الخالصة أو
الراحجة أو درء المفاسد الخالصة أو الراجحة ويستحيل وجودها في
النقيضين فيتَّحِدُ الحكم (2) :
احتجوا بانعقاد* الإجماع على أن المجتهد يجب عليه أن يَتْبَع
ما غلب على ظنه ولو خالف الإجماع، وكذلك من قلَّده، ولا نعني
بحكم الله تعالى إلا ذلك، فكلُّ مجتهد مصيب، وتكون ظنون
المجتهدين تَتْبعها الأحكام كأحوال المضطَّرين والمختارين*
بالنسبة إلى الميتة، فيكون الفعل الواحد حلالاً حراماً بالنسبة
إلى شخصين كالميتة.
الشرح
حجة الجاحظ: أن المجتهد في أصول الدين (3) إذا بذل جهده فقد
فَنِيَتْ قدرته، فتكليفه بعد ذلك بما زاد على ذلك تكليفٌ بما
لا يطاق، وهو منفي في الشريعة، وإن قلنا بجوازه لقوله تعالى
{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (4) .
حجة الجمهور: أن أصول الديانات مهمة عظيمة، فلذلك شرع الله
تعالى فيها الإكراه دون غيرها، فيُكْره على الإسلام بالسيف
والقتال والقتل وأخذ الأموال والذراري، وذلك أعظم الإكراه (5)
، وإذا حصل الإيمان في هذه الحالة (6) اعْتُبِر في ظاهر
_________
(1) انظر: المحصول 6/36
(2) هذا دليل القائلين بأن المصيب واحد. ومفاده: أنه يستحيل أن
يوجد في حكم واحد مصلحة ومفسدة فيكون حلالاً حراماً؛ لأنه جمع
بين النقيضين، فيلزم أن يكون الحكم واحداً إما حلالاً أو
حراماً.
(3) في ق: ((الفقه، وهو خطأ، لأن المراد: ((الدين)) كما جاء في
المتن.
(4) البقرة، من الآية: 286
(5) المبدأ الإسلامي يقوم على قاعدة: {لاَ إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ} [البقرة: 256] ، وقوله تعالى {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ
النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] ،
فالإسلام لم يحمل سيفه ليُكره الناسَ على اعتناقه عقيدةً،
وإنما جاهد وحارب وناضل، أولاً: ليدفع عن المؤمنين الأذى
والفتنة التي كانوا يُسَامونها، وثانياً: لإزالة العقبات من
طريق إبلاغ الدعوة للناس كافة، كإزالة النُّظُم الطاغوتية التي
تصدُّ الناس عن الاستماع إلى الهدى وتفتنهم عنه، وثالثاً:
ليقيم نظاماً عادلاً آمناً يعيش أصحاب العقائد في كنفه، خاضعين
له وإن لم يعتنقوا عقيدته. انظر: في ظلال القرآن لسيد قطب
1/290 - 296. ولكن ما ذهب إليه المصنف هو أحد أقوال المفسرين،
وأن آية {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] منسوخة
بآيات القتال، فالواجب دعوة الناس إلى الإسلام، فإن لم
يستجيبوا قوتلوا وأجبروا على الإسلام. انظر: أحكام القران لابن
العربي 1/310، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/280، تفسير
القرآن العظيم لابن كثير 1/460، دفع إيهام الاضطراب عن آيات
الكتاب للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ص 44 - 49
(6) في ن: ((الحال)) وهو صحيح أيضاً، فهو يذكر ويؤنث انظر:
هامش (4) ص 122.
(2/471)
الشرع، وغيره (1) لو وقع بهذه الأسباب لم
يُعْتَبر، ولذلك (2)
لم يَعْذر اللهُ بالجهل في أصول الدين إجماعاً (3) ،
ولو شرب خمراً يظنه جُلاَّباً (4) أو وَطِيء امرأة يظنها
امرأته عُذِر بالجهل، ولذلك جُعِل النظر الأول واجباً (5) مع
الجهل بالموجَب، وذلك تكليف
_________
(1) أي غير الإيمان، كالأحكام العملية. انظر: نفائس الأصول
9/3869 - 3770
(2) في س: ((وكذلك)) ..
(3) دعوى الإجماع فيها نظر، والمصنف نفسه في كتابه الفروق
(2/149 - 151) أورد تحت قاعدة: ((الفرق بين ما لا يكون الجهل
عذراً فيه وما يكون)) أن الجهل في أصول الدين لا يعذر الله
صاحبه به، بل هو آثم كافر يخلد في النار على المشهور من
المذاهب. ثم إن عدم العذر بالجهل لا ينبغي إطلاقه هكذا، بل له
حالات يختلف الحكم فيها باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص،
فمنهم حديثُ عَهْدٍ بالإسلام، ومنهم من نشأ في بادية بعيدة،
ومسائل أصول الدين منها ما هو معلوم من الدين بالضرورة وما هو
دون ذلك. وابن حزم وابن تيمية وغيرهما ممن نصر القول بأن
المجتهد المخطيء في الأصول معذور إذا كان من المسلمين ولم تقم
عليه الحجة.
انظر: الفِصَل في الملل والنحل لابن حزم 3/291، 292، 301،
الدرَّة فيما يجب اعتقاده له أيضاً
ص 414، 440، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/125، 20/33،
23/346، وانظر: نواقض الإيمان الاعتقادية د. محمد الوهيبي
1/225 - 293. وقد أُلِّفَتْ كُتُب ورسائل خاصة في هذا الموضوع
منها: الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه لعبد الرزاق معاش. دار
الوطن - الرياض، العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي لمدحت آل
فراج. دار الكتاب والسنة - كراتشي.
(4) في ن: ((خَلاًّ)) . والجُلاَّب: ماء الورد، فارسي معرَّب.
انظر مادة " جلب " في: لسان العرب، المعرَّب للجواليقي ص 154
وهو الآن شراب يُصنع من الزبيب المدقوق والمنقوع في الماء
ويُصفَّى ويُطيِّب بالبخور. انظر: قاموس الغذاء والتداوي
بالنبات لأحمد قدامة ص 9
(5) مذهب الأشاعرة أن أول واجب على المكلف هو: النظر، وبعضهم
قال: القصد إلى النظر، وبعضهم: المعرفة. والذي عليه أهل السنة
والجماعة والسلف والأئمة أن أول واجب يؤمر به العباد
الشهادتان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ رضي الله عنه
لما بعثه إلى اليمن ((فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أنْ لا
إله إلا الله، وأني رسول الله ... )) رواه البخاري (1395)
ومسلم (19) . انظر: الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل
به للباقلاني ص 33، الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد
للجويني ص 25، شرح جوهرة التوحيد للباجوري ص7، الانتصار لأصحاب
الحديث للسمعاني ص 60 - 64، درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية
8/11، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ص 23. وللشيخ عبد
الله الغنيمان بحث قيم بعنوان " أول واجب على المكلف عبادة
الله ". انظره في: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في
العددين: 62، 63.
(2/472)
ما لا يطاق (1) ،
فكذلك [إذا حصل] (2) الكفر مع بذل الجهد (3) يؤاخذ الله تعالى
به، ولا ينفعه بذل جهده؛ لعظم خطر الباب وجلالة رتبته (4) ،
وظواهر النصوص تقتضي أنه من لم يؤمن بالله ورسوله ويعمل صالحاً
فإن له نار جهنَّم خالداً (5) فيها، وقياسُ الخصمِ* الأصولَ
على الفروع غَلَطٌ لعظم التفاوت بينهما (6) .
وإذا قلنا ليس لله تعالي في نفس الأمر حكم معين: فليس هناك إلا
ما ظهر في ظنون (7) المجتهدين [فقد أصابوه] (8) ، فكل مجتهد
مصيب، أي: إذا أَفْتَى بشيء فقد أصابه أما لو انتهى به الحال
للوقف (9) فتمَادَتْ (10) مهلة النظر فلا يقال له (11) : إنه
مصيب ولا مخطيء. وإذا قلنا في نفس الأمر حكم معين وهو ما تضمن
المصلحة الخالصة أو الراجحة، فمن صادفه فهو المصيب ومن لم
يصادفه فهو مخطيء له، فليس كل مجتهد مصيباً (12) .
_________
(1) أي مما يدل على أن الشرع شَدَّد في الاعتقاد أنه أوجب عليه
النظر لمعرفة الله، ولو صار الجهل له ضرورياً
لا يمكن دفعه عن نفسه انظر: الفروق 2/150 - 151، تهذيب الفروق
والقواعد السنية " بهامش
الفروق " لابن حسين المكي 2/163
(2) في ن: ((تحصيل)) .
(3) في ق: ((الجهل)) وهو تحريف
(4) ساقطة من س
(5) في ن: ((خالدين)) .
(6) لابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومن تابعهما رأيٌ في تفريق
المتكلمين بين مسائل الأصول ومسائل الفروع، وبيّنا أنه اصطلاحٌ
من إحداث المعتزلة والجهمية، وأنه ترتَّبتْ عليه أمور باطلة.
انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 5/84 - 95، مجموع
الفتاوى له أيضاً 13/126، 19/207 - 212، 23/346.
مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم ص 755، التفريق بين الأصول
والفروع، د. سعد بن ناصر الشثري 1/169 - 193
(7) في ن: ((نفس)) ، وفي س: ((ظن)) .
(8) ساقط من ق
(9) في ن: ((للوقوف)) .
(10) في ق: ((وبقي في)) .
(11) ساقطة من ق
(12) هكذا في و، ص، م، ز وهو الصواب. وفي باقي النسخ: ((مصيب))
وهو خطأ، لأن خبر " ليس " منصوب.
(2/473)
ومعنى المذهب الثالث (1) ، وهو القول
بالأشْبَه: أنه ليس في نفس الأمر حكم (2) معين وإنما في نفس
الأمر ما لو عيَّن الله شيئاً لعيَّنه، فهو أشبه الأمور بمقاصد
الشريعة، كما تقول (3) : لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وفي الزمان رجل صِدِّيق [خَيِّر، لو أن الله تعالى يبعث
نبياً لبعثه] (4) . والقول (5) الآخر يقول: ليس في نفس الأمر
شيء هو أشبه، والظاهر هو الأول، فإن الأفعال المُتَخيَّلة لا
تخلو عن الرجحان في بعضها. والقول الثاني يقول (6) : إذا لم
يُعيِّن الله تعالى شيئاً استوت الأفعال، كما أن المباحات كلها
مباحة (7) لم تختلف وإن كانت مصالحها مختلفة.
حجة الدليل القطعي على الحكم في نفس الأمر: أن تكليف الكل بشيء
معين يعتمد دليلاً يظهر (8) للكل وما ذاك إلا القطعي، أما
الظني فتختلف فيه القرائح.
حجة الدليل الظني: أن الله سبحانه وتعالى امتحن الخلق بذلك
الحكم في نفس الأمر، وأمرهم ببذل الجهد في طلبه، فلولا أنه
ودليلَهُ في غاية الخفاء لعَرَفَه الكلُّ، فزال الامتحان، وليس
كذلك.
حجة أنه ليس عليه دليل لا ظني ولا قطعي: أنه لو كانت عليه
أمارة لفهمها الكل، ألا تري أن المطر إذا كانت عليه أمارة
علمها الكلُّ، لكن الحكم ليس كذلك، فلا أمارة عليه.
وقول بِشْرٍ باستحقاق العقاب إذا أخطأه؛ لأنه يجعل التقصير من
جهته، ومن قَصَّر استحقَّ العقاب.
حجة الجمهور: قوله عليه الصلاة والسلام ((إذا اجتهد الحاكم
فأخطأ فله أجْرٌ وإنْ
_________
(1) اعتبار هذا المذهب ثالثاً أمرٌ نسبيٌ، وهو يختص بالأحكام
الشرعية. فالمذهب الأول (للمخطئة) هو: أن لله حكماً معيناً في
نفس الأمر. والمذهب الثاني (لبعض المصوّبة) هو: ليس لله حكمٌ
معينٌ راجحٌ هو أشبه، بل هي على السواء. وسيتضح هذان المذهبان
في الشرح التالي.
(2) ساقطة من ن
(3) ساقطة من ق
(4) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((لو بعث الله تعالى نبياً
لبعثه)) .
(5) ساقطة من ق
(6) ساقطة من ق
(7) هكذا في ص، و، ش. وفي ن: ((مباحات)) وهو صحيح أيضاً. وفي
ق، س: ((مباحت)) وهو تحريف.
(8) في ن: ((ظاهراً)) .
(2/474)
أصاب فله أجران)) (1) فجعل الثواب مع
الخطأ، فلا عقاب حينئذٍ.
وأما قول الأصمِّ: إنه (2) يُنْقَض قضاء القاضي إذا خالفه، فهو
في غاية العُسْر من جهة تصوُّره، بسبب أن هذا الحكم غير معلوم،
[وكذلك دليله. ونحن وإن قلنا إن المصيب واحد، فهو غير معلوم]
(3) ، ونقض قضاء (4) القاضي إنما يكون بما يتحقق،
وما لا يتحقق كيف يُنْقَض به القضاء؟! فهذا المذهب مُشْكل (5)
.
وأما قول المصوِّبة: إنه يجب عليه اتباع ظنه وإن خالف الإجماع
فمسلَّمٌ، ولكن الأحكام التي على ألْسنة المجتهدين وظنونهم
متَّفقٌ عليها وأنها أحكام الله تعالى، والنزاع في ثبوت أمر
آخر في نفس الأمر غيرها، فما أقاموا فيه الدليل لا نزاع فيه،
وما فيه النزاع لم يقيموا الدليل عليه، فلا ينبغي أن يقيموا
الدليل على أن هذه أحكام الله تعالى، بل [يقيمون (6) الدليل]
(7) على أنه ليس لله تعالى حُكْمٌ آخر (8) غيرها فإنه محل
النزاع،
_________
(1) رواه البخاري (7352) ، ومسلم (1716) من حديث عمرو بن العاص
رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب
فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)) . وأقرب لفظ
وجدته قريباً من لفظ المصنف ما رواه أبو يعلى في " المعجم " ص
(194) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه ((إذا اجتهد
الحاكم فأخطأ كان له أجر، وإذا اجتهد فأصاب كان له أجران)) .
وكذلك ما رواه ابن الجارود في " المنتقى " ص (249) ، من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله
أجران اثنان، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد)) .
(2) ساقطة من ن
(3) ما بين المعقوفين ساقط من س
(4) ساقطة من س
(5) وأيضاً يلزم من نقض قضاء القاضي في الاجتهاد تسلسل النقض
إلى غير نهاية، مما يؤدي إلى اضطراب الأحكام، وتفويت مصلحة نصب
الحاكم، وحطِّ منزلة القضاء في نفوس الناس. انظر: المستصفى
2/606، منتهى السول والأمل ص 216، جمع الجوامع بحاشية البناني
2/392، تيسير التحرير 2/234. وستأتي هذه المسألة في الفصل
التالي ص 477.
(6) في س: ((يقيموا)) والمثبت هو الصواب، لأن ((بل)) إذا دخلت
على الجملة صارت حرف ابتداءٍ لا عاطفة على الصحيح. انظر: مغني
اللبيب لابن هشام 1 / 221.
(7) ساقط من ق
(8) ساقطة من ن، س
(2/475)
والقائلون بالتصويب يقولون: إن الحكم إنما
يَتْبع المصلحة الخالصة أو الراجحة في مواقع الإجماع، [أما في
(1) محلِّ الاختلاف فلا يُسلِّمون ذلك، فهذا مَنْعٌ حَسَن
أيضاً على دليل المُخَطِّئة] (2) (3) .
_________
(1) ساقطة من ن
(2) ما بين المعقوفين في س هكذا: ((أو في محل الاختلاف فلا)) .
(3) نقل المصنف في نفائس الأصول (9/3901) جواباً ذكياً لطيفاً
عن قول المصوبة، وهو: إذا أجمع المصوبة على تصويب كل مجتهد فقد
اعترفوا بإصابة المُخطِّئة في أن الحق واحد، فيصير هذا القول
مجمعاً عليه، وخلاف المجمع عليه باطل إجماعاً.
(2/476)
الفصل السابع
في نقض الاجتهاد (1)
ص: أما المجتهد في نفسه فلو تزوَّج امرأةً علَّق طلاقها الثلاث
(2) على (3) المِلْك (4) بالاجتهاد، فإنْ حكم به حاكم (5) ثم
تغيَّر (6) اجتهاده لم يُنْقض، وإن لم يحكم به (7) نُقِضَ ولم
يجز له إمساك المرأة (8) .
_________
(1) نقض الاجتهاد: هو إبطال الاجتهاد وإفساده بعد أن وجد. وهو
مما يحتاجه القاضي والمفتي. ولنقض الاجتهاد حالتان. الحالة
الأولى: أن يكون الاجتهاد الثاني مستَنِداً إلى دليل متفق عليه
من نص أو إجماع أو قياس جلي أو قواعد شرعية. فحكم الاجتهاد
الأول أن يُنْقض بالثاني. الحالة الثانية: أن يكون الاجتهاد
الثاني مستنداً إلى دليل ظني، كالاجتهاد الأول. وحكم النقض في
هذه الحالة يتحدد بحسب الصورة، والصور أربع، الأولى: أن يكون
الاجتهاد لنفسه، ولم يتصل به حكم حاكم. الثانية: أن يكون
الاجتهاد لنفسه ويتصل به حكم حاكم. الثالثة: أن يكون الاجتهاد
لغيره كعامي ولم يتصل به حكم حاكم. الرابعة: أن يكون الاجتهاد
لغيره ويتصل به حكم حاكم. انظر: في هذا كتاباً نفيساً للدكتور:
أحمد العنقري، وهو: نقض الاجتهاد: دراسة أصولية. ص 35
(2) في س: ((بالثلاث)) ولست أعلم لها معنى مناسباً هنا.
(3) في س، متن هـ: ((قبل)) .
(4) صورة هذا التعليق: أن يقول لها: إن تزوجتك فأنت طالق
ثلاثاً. فإذا تزوجها وكان اجتهاده الأول أن هذا التعليق لا
يلزم أي لا يقع، كما هو مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية
[انظر: الحاوي 10/23، المغني 13/488، المحلَّى 1/205] ثم تغير
اجتهاده بعد ذلك، ورأى أن التعليق يلزم ويقع كما هو مذهب
الحنفية والمالكية [انظر: بدائع الصنائع 4/289، الاستذكار
18/119، الشرح الصغير 2/550] فما الحكم؟
(5) في ق: ((حكم)) .
(6) في ق: ((يُغيِّر)) .
(7) ساقطة من متن هـ.
(8) هاتان هما الصورتان الأوليان المذكورتان في هامش (1) من
هذه الصفحة. والحكم عليهما بما ذكره المصنف هو رأي جماهير
العلماء. انظر: المستصفى 2/454، المحصول للرازي 6/64، روضة
الناظر 3/1015، الإحكام للآمدي 4/203، البحر المحيط للزركشي
8/312، التوضيح لحلولو ص 396، فواتح الرحموت 2/440، نشر البنود
2/324. والقول الثاني: يُنْقض اجتهاده الأول بالثاني مطلقاً،
سواء تقرر الأول بقضاء القاضي أم لا، وهو ما ذهب إليه ابن
الحاجب وابن النجار، انظر: منتهى السول والأمل ص216، شرح
الكوكب المنير 4/510. والقول الثالث: لا يُنْقض مطلقاً: انظر:
رفع النقاب للشوشاوي 2/1163، شرح الكوكب المنير 4/510
(2/477)
وأما العامي إذا فعل ذلك بقول المفتي ثم
تغيَّر اجتهاده فالصحيح أنه تجب (1) المفارقة (2) (3) قاله (4)
الإمام.
وكلُ حُكْمٍ اتَّصَل به قضاء القاضي استقرَّ، إلا أن يكون ذلك
القضاء ما يُنْقَض في نفسه.
الشرح
حُكْم الحاكم في مسائل الاجتهاد يُعيِّن ذلك الحكم الذي حكم به
الحاكم، فإن الحاكم نائب الله تعالى (5) في مسائل الخلاف، فإذا
أنشأ حكماً في مسائل الاجتهاد كان ذلك كالنص الوارد في خصوص
(6) تلك الواقعة من تلك القاعدة العامة، والدليل الخاص
مقَدَّمٌ على العامِّ في الصورة التي تناولها الخاص، كما
تقرَّر في أصول الفقه، وقد بَسَطْتُ ذلك في كتاب: " الإحكام في
الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام " (7) .
وإذا لم يَحْكم بالاجتهاد الأول حاكمٌ نُقِض؛ لأن تغيُّر (8)
الاجتهاد يصيِّره (9) كالمنسوخ، والمنسوخُ لا عبرة به.
_________
(1) في ق: ((يجب)) .
(2) في س: ((الموارثة)) وهو تحريف
(3) ينبغي هنا تقييد هذه الصورة بما إذا لم يتصل بهذا الاجتهاد
حكم الحاكم وإلا لم ينتقض اتفاقاً. انظر: الإحكام للآمدي
4/203، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/646، شرح العضد لمختصر ابن
الحاجب 2/300، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/293، شرح الكوكب
المنير 4/503، نقض الاجتهاد للدكتور أحمد العنقري ص100، وسيأتي
في شرح المصنف الخلاف في هذه الصورة.
(4) هكذا في س، ش، وكل نسخ المتن الخطية. وفي باقي النسخ:
((قال)) ، وكلاهما صحيح؛ لأن ما سلف وما سيأتي قاله الرازي.
انظر: المحصول 6/64 - 65
(5) من العلماء من تحفَّظ على هذا التعبير، وكذا نظيره " خليفة
الله " راجع المسألة بتوسُّع في: معجم المناهي اللفظية د. بكر
أبو زيد ص 252، 537، الخلافة في الأرض د. أحمد حسن فرحات ص 11
وما بعدها، بصائر للمسلم المعاصر د. عبد الرحمن الميداني ص 142
(6) في ن: ((تخصيص)) .
(7) انظره في: ص 38، 43، 97. وقد سبق التعريف بالكتاب في القسم
الدراسي.
(8) في ن: ((تعيين)) وهو تحريف
(9) في س: ((يصير)) ، وهي ساقطة من ن
(2/478)
وكذلك تجب مفارقة المرأة من العامي إذا
تغيَّر اجتهاد من أفتاه؛ لأن اجتهاده نُسِخ (1) ، وقيل: لا يجب
(2) ؛ لأن الثاني اجتهاد أيضاً، وليس إبطال أحدهما بالآخر أولى
من العكس، فلا يُنْقض الاجتهاد بالاجتهاد، نعم لو قُطِع بخطأ
الأول وجبت المفارقة.
والحكم الذي يُنْقض (3) في نفسه ولا يَمْنع النقض هو ما خالف
أحد أمور أربعة: الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس
الجلي (4) (5) .
_________
(1) هذا مذهب الغزالي والرازي والآمدي وابن الحاجب وغيرهم.
انظر: المستصفى 2/454 المحصول 6/64، الإحكام 4/203، منتهى
السول والأمل ص 216، البحر المحيط للزركشي 8/313، التوضيح
لحلولو ص 396
(2) وهو مذهب ابن قدامة والطوفي وابن القيم وابن النجار
وغيرهم. انظر: روضة الناظر 3/1015، شرح مختصر الروضة 3/646،
649، إعلام الموقعين 4/196 - 197، شرح الكوكب المنير 4/511،
فواتح الرحموت 2/440
(3) في ن: ((نقض)) .
(4) ساقطة من س
(5) سبق التعليق عليها في هامش (13) ص (238) . ولكن أنبِّهُ
هنا إلى أن من العلماء من فرَّق في النقض بالكتاب بين ما كان
منه قطعي الدلالة أو ظنيها، وكذا وقع التفريق عند بعضهم بين
السنة المتواترة والمشهورة والآحادية، وكذا التفريق بين
الإجماع القطعي والظني، وكذا بين القياس الجلي والخفي. أما نقض
الاجتهاد بالقواعد فهذا ما صرَّح به المالكية، وربما لم يذكره
غيرهم، والمراد بها - كما ذكره الشوشاوي في رفع النقاب القسم
2/1098 - الكليات الخمس، وقيل: هي الضوابط التي تجري عليها
أحكام الأبواب الفقهية، كقاعدة المِثْلِيَّات والمقُوَّمات..
إلخ. انظر كلاماً مستوعباً عن هذه الأربعة في كتاب: نقض
الاجتهاد د. أحمد العنقري ص 36 - 67، وانظر: المستصفى 2/455،
الإحكام للآمدي 4/203، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/300، جمع
الجوامع بحاشية البناتي 2/392، إعلام الموقعين 4/197، تشنيف
المسامع 4/591، التقرير والتحبير 3/446، التوضيح لحلولو ص 396،
شرح الكوكب المنير 4/505، نيل السول للولاتي ص 209، نثر الورود
2/637
(2/479)
الفصل الثامن
في الاستفتاء
ص: إذا اسْتُفْتِي* مجتهدٌ فأفْتَى، ثم سُئِل ثانيةً عن تلك
الحادثة: فإن كان
ذاكراً لاجتهاده الأول أفْتى، وإن نسي استأنف الاجتهاد (1) ،
فإن أدَّاه (2)
إلى خلاف الأول أفتى بالثاني، قال الإمام: والأحسن أن يعرف
العامي
ليرجع (3) .
ولا يجوز لأحدٍ الاستفتاء إلا إذا غلب على ظنه أن الذي يستفتيه
من أهل العلم والدين والورع (4) ،
فإن اختلف عليه العلماء في الفتوى فقال قوم:
يحب عليه الاجتهاد في أعلمهم وأورعهم لتمكنه من ذلك (5) ، وقال
قوم:
_________
(1) تحرير محل النزاع في مسألة تجديد الاجتهاد هو: أن المجتهد
لا يخلو إما إن يتجدد له ما يوجب تغيُّر اجتهاده أو لا، فإن
ظهر له ما يوجب تغيُّر اجتهاده لم يجز له البقاء على القول
الأول، بل يجب عليه أن يجتهد ثانياً بغير نزاع، ولا يجب عليه
نقض الاجتهاد الأول. ومحل النزاع فيما إذا لم يظهر له ما يوجب
تغيُّر اجتهاده، وللعلماء ثلاثة أقوال في ذلك، الأول: يجب عليه
تجديد اجتهاده مطلقاً سواء أكان ذاكراً لاجتهاده الأول أم لا،
وسواء أكان ذاكراً لدليله أم لا. والثاني: لا يجب عليه مطلقاً.
والثالث: التفصيل، فيجب إن كان ناسياً لاجتهاده الأول أو
لدليله أو لهما معاً، وقال بعضهم: يجب إن وجد عند المجتهد
احتمال العثور على ما يوجب رجوعه. انظر الأقوال بأدلتها في:
شرح اللمع للشيرازي 2 / 1035، الإحكام للآمدي
4 / 233، نهاية الوصول للهندي 8 / 3882، 8 / 3882، زوائد
الأصول للإسنوي ص 435، التمهيد للإسنوي ص 529، البحر المحيط
للزركشي 8/354، التوضيح لحلولو ص 397، تيسير التحرير 4/232،
فواتح الرحموت 2/438، إعلام الموقعين 4/204، صفة الفتوى لابن
حمدان ص 37، التقليد والافتاء والاستفتاء لعبد العزيز الراجحي
ص102
(2) في س: ((أداته)) ولا وجه لها
(3) انظر: المحصول 6/69
(4) تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى ص (447) . وهذا الأمر حكى
بعض الأصوليين الاتفاق عليه. انظر: المعتمد 2/363، إحكام
الفصول ص 729، شرح اللمع للشيرازي 2/1037، التمهيد لأبي الخطاب
4/403، المحصول للرازي 6/81، المسودة ص 464، تشنيف المسامع
4/611، التوضيح لحلولو
ص 398، تيسير التحرير 4/248، نشر البنود 2/332
(5) سبق ذكر هذه المسألة، وهذا مذهب مالك وإحدى الروايتين عن
أحمد، وهو مذهب بعض الشافعية انظر: المقدمة في الأصول لابن
القصار ص 26، قواطع الأدلة 5/98، 111، 143، المحصول لابن
العربي ص 613، الإحكام للآمدي 4/237، المسودة ص 462، شرح مختصر
الروضة للطوفي 3/666، البحر المحيط للزركشي 8/365، التوضيح
لحلولو ص 398، إعلام الموقعين 2/226، 232، أدب الفتوى لابن
الصلاح ص 137، صفة الفتوى لابن حمدان ص 69
(2/480)
لا يجب (1) ؛
لأن الكل طُرُقٌ إلى الله تعالى، ولم ينكر أحدٌ على العوام في
كل (2) عصرٍ تَرْكَ النظر في أحوال العلماء (3) . وإذا فرَّعنا
على الأول فإن حصل ظن الاستواء مطلقاً فأمكن أن يقال: ذلك (4)
متعذِّر، كما قيل في الأمارات (5) ، وأمكن أن يقال: يسقط عنه
التكليف، ويفعل ما يشاء (6) منها (7) . وإن حصل ظنُّ
الرُّجْحان مطلقاً تعيَّن العمل (8) بالراجح (9) ، وإن حصل من
وَجْهٍ فإن كان في العلم - والاستواء في الدين - فمنهم من
خَيَّر، ومنهم من أوجب الأخذ بقول الأعلم (10) ، قال الإمام:
وهو الأقرب؛ ولذلك قُدِّم من إمامة الصلاة (11) ، وإن كان في
الدين - والاستواء في العلم - فيتعيَّن الأدْيَن (12) ، فإن
رَجَح أحدهما في دينه والآخر في علمه، فقيل: يتعيَّن الأدْيَن،
وقيل: الأعْلَم، قال (13) : وهو الأرجح كما مرَّ (14) .
_________
(1) هذا مذهب جماهير العلماء، والرواية الأخرى عن أحمد عليها
أكثر الحنابلة، واختاره الباجي وابن الحاجب من المالكية. انظر:
رسالة في أصول الفقه للعكبري ص 131، إحكام الفصول ص 729، شرح
اللمع للشيرازي 2/1011، 1038، التلخيص 3/465، روضة الناظر
3/1024، منتهى السول والأمل
ص 221، تقريب الوصول ص 460، التقرير والتحبير 3/465، فواتح
الرحموت 2/448، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 137، صفة الفتوى لابن
حمدان ص 69
(2) ساقطة من متن هـ.
(3) حكى المصنف الإجماع على هذا القول في ص (448) . وها هو هنا
ينقض ادعاء الإجماع بحكاية الخلاف في المسألة. راجع هامش (6) ص
448.
(4) في ق: ((هو)) .
(5) في ق: ((الأمارة)) . وانظر مبحث تساوي الأمارتين في: ص
402.
(6) انظر: المعتمد 2/364، اللُّمع ص 256، التمهيد لأبي الخطاب
4/405، المحصول للرازي 6/81، التوضيح لحلولو ص398
(7) ساقطة من ق، س
(8) في ق: ((العلم)) وهو خطأ، لعل الناسخ التبس عليه العمل
بالعلم
(9) انظر: البرهان للجويني 2/879، المنخول ص 483، المحصول
للرازي 6/82، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/396، زاوئد الأصول
للإسنوي ص 449
(10) انظر المراجع السابقة، وكذا: المعتمد 2/264، شرح الكوكب
المنير 4/573، نشر البنود 2/335، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 138
(11) انظر: المحصول 6/82
(12) وقيل: يخيّر. انظر: التمهيد لأبي الخطاب 4/405، المسودة
463
(13) أي: الإمام الرازي. انظر: المحصول 6/82
(14) وهو قوله: ((وهو الأقرب)) . وقيل: يخيّر..انظر: التمهيد
لأبي الخطاب 4/406، المسودة ص 463، وانظر المسألة في: التمهيد
للإسنوي ص 530، البحر المحيط للزركشي 8/366، نثر الورود 2/647،
صفة الفتوى لابن حمدان ص 70
(2/481)
الشرح
إذا كان (1) المجتهد ذاكراً للاجتهاد ينبغي ألاَّ يَقْتَصِر
(2) على مجرد الذِّكْر، بل
يُحرِّكُه، لعله يَظْفر فيه بخطأ أو زيادةٍ بمقتضى (3) قوله
(4) تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (5) ، ولأن
(6) رتبة المجتهد ألاَّ يُقَصِّر ولا يترك من جهده شيئاً، فإذا
استقرَّ له اجتهاد في زمن لا يلزمه استقراره دائماً، بل الله
تعالى خَلاَّقٌ (7) على الدوام، فيخْلُق (8) في نفسه علوماً
(9) ومصالحَ لم يكن يشعر بها قبل ذلك، فإهمال (10) ذلك تقصير.
وإنما قال* الإمام: ((الأحسن أن يعرف العامي إذا تغير (11)
اجتهاده)) : لأن الاجتهاد (12) لا يُنْقَض بالاجتهاد (13) ،
ولكنَّ الثاني أغلبُ على الظن من الأول، فلو قَطَع ببطلان
الأول وجب عليه تعريف العامي.
_________
(1) في س: ((اجتهد)) .
(2) في ن: ((يقتضي)) وهو تحريف
(3) في س: ((لمقتضى)) وهو مما انفردت به، وهو صحيح أيضاً؛ لأن
التعليل كما يقع بالباء يقع باللام أيضاً. وهي ساقطة من ق
(4) في ق: ((لقوله)) .
(5) التغابن، من الآية: 16
(6) في ق: ((ولأنها)) .
(7) في ن: ((خالق)) وهو صحيح، والمثبت أبلغ. وفي ق:
((خَالِفٌ)) وهو متجه، فهو من باب الإخبار عن فعل الله تعالى
وليس من أسمائه، والمعنى إذا ذهب عنه علم عَوَّضه وأخلف له
علوماً أخرى. وفي الحديث: ((اللهم أعط منفقاً خلفاً)) رواه
البخاري (1442) انظر مادة " خلف " في النهاية في غريب الحديث
والأثر.
(8) في ق: ((فتختلف)) وهو مقبول أيضاً، لما ذُكر في الهامش
السابق.
(9) في ق: ((علوم)) وهو مستقيم بما جاء في الهامش السابق
(10) في ق: ((احتمال)) وهو تحريف
(11) في ق: ((قصر)) وهي غير مناسبة للمراد.
(12) في س: ((اجتهاده)) .
(13) قول الإمام هنا بأن الأحسن أن يعرف العامي بتغير الاجتهاد
معناه: أنه لا يجب تعريفه بذلك، لأن الاجتهاد الأول لا يُنْقض
بالثاني، هذا القول منه يخالف قوله السابق الذي نقله عنه
المصنف ص (478) إذ قال: ((وأما العامي إذا فعل ذلك بقول المفتي
ثم تغيَّر اجتهاده، فالصحيح أنه تجب المفارقة)) أي يجب إخباره
بذلك. انظر: المحصول 6/64، 69. وانظر مسألة وجوب إعلام
المستفتي عند تغيِّر الاجتهاد من عدمه في: إعلام الموقعين
4/197، صفة الفتوى لابن حمدان ص 30
(2/482)
ومدرك العامي في أن الذي يستفتيه من أهل
العلم والدين والورع: الأخبارُ*، وقرائنُ الأحوال، فذلك عند
العامة متيسر (1) ، وأما إذا لم يتضح له ذلك فلا يَحِلُّ (2)
له الاستفتاء؛ لأن دين الله لا يؤخذ من (3) غير أهله، قال الله
تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} (4) قال
تعالى {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ
تَعْلَمُونَ} (5) فتعيين (6) أهل الذكر بالنطق يقتضي بالمفهوم
تحريم (7) سؤال غيرهم.
والتخيير والسقوط عند (8) استواء المفتين، قد قيل بهما في
الأمارتين إذا اسْتَوتا (9) ، مذهب القاضي والجمهور: التخير،
[ومذهب بعض الفقهاء: السقوط (10) .
وجه التخير] (11) عند الرجحان في العلم والاستواء في الدين: إن
تقليد (12) الأعلم غير واجب على المشهور، وغاية هذا أن يكون
أعلم فيتخيَّر المستفتي.
حجة تقديم الأعلم: أن المُقدَّم في كل موطن [من مواطن] (13)
الشريعة [من هو أقوم بمصالح ذلك الموطن، فيُقدَّم في الحروب]
(14) من هو أعلم [بمكايد الحروب] (15) وسياسة الجيوش، وفي
القضاء (16) من هو أعلم بالتفطن بحجاج الخصوم، ولأمانة الحكم
من هو أعلم بتنمية (17) الأموال وضبطها وأحوال الأيتام في
مصالحها.
_________
(1) انظر هذه القرائن في: نشر البنود 2/332، أدب الفتوى لابن
الصلاح ص 135، صفة الفتوى لابن حمدان ص 68، التقليد وأحكامه د.
سعد بن ناصر الشثري ص 117
(2) في ق: ((يصح)) .
(3) في س: ((عن)) وهو صحيح؛ لأن أخذ يتعدى بكليهما. انظر مادة
" أخذ " في: لسان العرب.
(4) الزمر، من الآية:9
(5) النحل، من الآية: 43
(6) في ن، س: ((فتعين)) .
(7) ساقطة من س، وهو سقط فاحش
(8) في س: ((لا تعلمون)) وهو بعيد جداً، لعله جاء للناسخ من
السطر الذي قبله
(9) في ق: ((استويا)) وهو خطأ، انظر هامش (6) ص (109)
(10) انظر مبحث تساوي الأمارتين ص 402.
(11) ما بين المعقوفين ساقط من س
(12) في ق: ((يقلد)) وهو تخريف
(13) ساقط من ق
(14) ما بين المعقوفين ساقط من ق
(15) في ق: ((بمكايدها)) .
(16) في س: ((القصاص)) تحرفت من ((القضاء))
(17) في ق: ((قيمة)) .
(2/483)
ولذلك قُدِّم في الصلاة الفقيه على
القاريء؛ لأن الفقيه أقوم بمصالح الصلاة في سهوها وعوارضها (1)
، وكذلك الفتوى العلمُ أخصُّ بها من الدين.
_________
(1) تقديم الأفقه على الأقرأ هو مذهب الحنفية والمالكية
والشافعية وإحدي الروايتين عن أحمد، وتقديم الأقرأ هو مذهب
الحنابلة وبه قال ابن سيرين والثوري وابن راهويه. انظر: بدائع
الصنائع 1/669، والمغني 3/11، المجموع 4/177 الذخيرة 2/253
(2/484)
الفصل التاسع
فيمن يتعين (1) عليه الاستفتاء
ص: الذي تنزل به (2) الواقعة: إن كان عامياً وجب عليه
الاستفتاء. وإن كان عالماً لم يبلغ درجة الاجتهاد قال: فالأقرب
أنه يجوز له الاستفتاء (3) . وإن بلغ درجة الاجتهاد (4) وكان
قد اجتهد وغلب على ظنه حكم فاتفقوا على تعيُّنه (5)
في حقه (6) ، وإن كان (7) لم يجتهد فأكثر أهل السنة (8) على
(9) أنه لا يجوز له التقليد، وهو مذهب
_________
(1) في ن: ((يتعلق)) وهو تحريف
(2) في ن: ((عليه)) .
(3) المتبادر إلى الذهن أن يكون القائل هو الإمام فخرالدين
الرازي، لكن لم أعثر على هذا القول عنده في المحصول 6/83، ولا
في المعالم، فإن الرازي نفسه سها أن يتكلم عن العالم الذي لم
يبلغ درجة الاجتهاد. لكن وجدت في " التحصيل " لسراج الدين
الأرموي 2/305 قوله ((المسألة الثانية: الأقرب جواز الاستفتاء
لعالم غير مجتهد ... )) وفي " الحاصل " لتاج الدين الأرموي
2/1027 قوله ((المستفتي إن كان عامياً جاز له الاستفتاء، وإن
كان عالماً لكنه لم يبلغ درجة الاجتهاد جاز أيضاً ... إلخ)) ثم
بعد ذلك اطلعت على كتاب " المنتخب " للرازي (رسالة دكتوراه
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) فوجدته قال ((العالم
الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد إذا وقعت له واقعة فالأقرب أنه
يجوز له الاستفتاء)) وهو نص نقل المصنف عنه هنا، ولكن بقي
إشكالٌ وهو أن المصنف لا يصحِّح نسبة " المنتخب " إلى الإمام
الرازي، وإنما هو من اختصار ضياء الدين حسين، فكيف حازت النسبة
إلى الرازي هنا؟! انظر: نفائس الأصول 1/ 105 - 106
(4) ما بين المعقوفين ساقط من ق
(5) في س، ن: ((تعيينه)) ..
(6) انظر حكاية الاتفاق في: المحصول للرازي 6/83، روضة الناظر
3/1008، شرح العضد لمختصر بن الحاجب 2/300، التوضيح لحلولو ص
399، تيسير التحرير 4/227
(7) ساقطة من س
(8) لست أرى داعياً إلى نسبة هذا القول لأكثر أهل السنة، فإن
الخلاف ما يزال في دائرتهم لا مع خصمائهم من المعتزلة
والمتكلمين، والدليل على ذلك أن المصنف ذكر القول المضاد لهذا
القول، وأن القائل به أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وسفيان
الثوري، وهؤلاء أساطين وعُمَد أهل السنة والجماعة. وعلى كل
حال، هذا القول لكثير من الأصوليين والعلماء. انظر: المعتمد
2/366، والتلخيص 2/434، المحصول للرازي 6/83، والإحكام للآمدي
4/204، تقريب الوصول ص 456، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب
2/300، البحر المحيط للزركشي 8/334، فواتح الرحموت 2/437
(9) ساقطة من ن
(2/485)
مالك (1) رحمه الله، وقال الإمام أحمد بن
حنبل وإسحاق بن راهويه (2)
وسفيان الثوري (3) رحمهم الله: يجوز (4) مطلقاً (5) ، وقيل:
يجوز تقليد العالم الأَعْلمَ (6) وهو قول محمد بن الحسن (7)
رحمه الله، وقيل: يجوز فيما يخصُّه دون ما يفتي به (8) ،
_________
(1) انظر مذهبه في: المقدمة في الأصول لابن القصار ص10، إحكام
الفصول ص721، التوضيح لحلولو ص399
(2) هو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مَخَلد الحَنْظَلى نسبة
إلى بطن من تميم، المعروف بابن رَاهُوْيه وضُبِط أيضاً
رَاهوَيْه، وهو لقب أبيه، كلمة فارسية معناها: وجد في طريق،
وابن راهويه ولد في طريق مكة، وهو من كبار الحفاظ والمحدثين،
جمع بين الفقه والحديث مع الورع، سمع من ابن عُيينه وعبد
الرازق، وأخذ عنه البخاري ومسلم والترمذي وابن حنبل وكان من
أقرانه..له مسند مشهور (ط) وتفسير، توفي عام 237هـ انظر: وفيات
الأعيان 1/199، تذكرة الحفاظ 2/433، تاريخ بغداد 6/345
(3) هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري نسبة إلى
بطن من تميم، أجمع الناس على إمامته في الحديث وغيره من
العلوم، وفي دينه وزهده وثقته، وكان من المجتهدين، من شيوخه
الأعمش وغيره، ومن تلاميذه الأوزاعي ومالك وغيرهما. توفي عام
161هـ انظر: تاريخ بغداد 9/151، وفيات الأعيان 2/127، تذكرة
الحفاظ 1/203
(4) هنا زيادة: ((له)) في ن لا حاجة لها.
(5) أما النسبة إلى الإمام أحمد فقد ذُكِرتْ في بعض كتب
الأصول. لكنَّ أبا الخطاب في التمهيد (4/409) ساق الروايات عنه
بعدم جواز تقليد العالم للعالم، وقال: ((وحكى أبو إسحاق
الشيرازي عن مذهبنا جواز تقليد العالم للعالم، وهذا لا نعرفه
عن أصحابه..)) . وقال الطوفي في شرح مختصر الروضة (3/631) ((ما
حكاه-يريد الآمدي-عن أحمد من جواز تقليد العالم للعالم مطلقاً
غير معروف عندنا، وإنما المشهور عنه الأخذ بقول الصحابي
لاتقليداً له، بل بنوع استدلال)) وانظر: روضة الناظر 3/1008،
المسودة ص 468-469، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 167،
شرح الكوكب المنير 4/516 أما النسبة إلى سفيان وابن راهويه
فانظرها في: شرح اللمع للشيرازي 2/1013، المستصفي 2/458،
المحصول للرازي 6/83، المسودة ص 469، تقريب الوصول ص 457،
البحر المحيط للزركشي 8/335. وذكر الخطيب البغدادي في كتابه
الفقيه والمتفقه (2/135) رواية مسندة إلى سفيان الثوري في هذه
المسألة
(6) معناها: يجوز للعالم تقليد الأعلم منه.
(7) في ق، متن هـ: ((الحسين)) وهو خطأ، سبقت ترجمته في هامش
(3) ص (251) . انظر نسبة هذا القول إليه في: أصول الفقه
للاَّمشي ص 201، التقرير والتحبير 3/440، فواتح الرحموت 2/438.
(8) نُسِب إلى بعض أهل العراق..انظر: نهاية السول 4/89.
(2/486)
وقال ابن سُرَيْج (1) : إن ضاق وقته عن
الاجتهاد جاز وإلا فلا (2) ، فهذه خمسة (3) أقوال (4) . لنا:
قوله تعالي: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (5) .
التقليد في أصول الدين:
ولا يجوز التقليد في أصول الدين لمجتهدٍ ولا للعوام عند
الجمهور؛ لقوله تعالى:
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (6) ، ولعظم
[الخطر في الخطأ] (7) في جانب الربوبية، بخلاف الفروع: فإنه
رُبَّما كَفَر في الأول ويثاب في الثاني جَزْماً.
الشرح
العامي ليس له أهلية الاجتهاد (8) فيتعين أن يقلد كما في
القِبْلة، والعالم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد احتمالات الخطأ
في حقه موجودة غير أنها أقل من العامي، فهذا وجه التردد، وكما
اتفقوا على تعيُّن (9) الحكم في حق المجتهد فكذلك من قلده،
ومعناه لو فُرِضَ موصوفاً بسببه (10) وإلا فقد يجتهد في
الغَنَم وزكاتها ولا غَنَم له، أو في الجنايات
_________
(1) في ق، ن: ((ابن شريح)) وهو تصحيف. وابن سريج هو: أحمد بن
عمر بن سريج البغدادي أبو العباس فقيه الشافعية في عصره والذاب
عنه والناشر له. من شيوخه: المزني، ومن تلاميذه: الحافظ
الطبراني. من تآليفه: كتاب الرد على ابن داود الظاهري في إبطال
القياس، والتقريب بين المزني والشافعي، وغيرهما، ت306هـ. انظر
طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 3/21 تاريخ بغداد 4/287،
سير أعلام النبلاء 14/201
(2) انظر النسبة إليه في: المعتمد 2/266، التبصرة ص 412، قواطع
الأدلة 5/109، الوصول لابن برهان 2/362، نهاية الوصول للهندي
8/3911
(3) في متن هـ: ((أربعة)) وهو خطأ؛ لأن الأقوال خمسة.
(4) حكى الزركشي في البحر المحيط 8/334-337 أحد عشر قولاً في
المسألة.
(5) التغابن، من الآية: 16.
(6) الإسراء، من الآية:36
(7) في ق: ((الخطر والخطأ)) ، وفي س: ((الخطأ في الخطر)) وهو
مقلوب
(8) ساقطة من ق
(9) في ق: ((تعيين)) .
(10) في ن: ((لسببه)) .
(2/487)
ولا جناية له ولا عليه، بل قد يجتهد في
أحكام الحيض والعِدَّة وغيرها مما لا يوصف به، لكنه بحيث (1)
لو اتَّصَف بسببه لكان (2) ذلك الحكمُ حكمَ الله تعالى في حقه،
فهذا لابد منه.
وقد تقدَّم أول الكتاب (3) حجةُ منع التقليد على (4) المجتهد
مطلقاً: أن الأصل ألاَّ يجوز الظن لقوله تعالى {وَلاَ تَقْفُ
مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (5) خالفناه في أعلى مراتب
الظنون الناشئة عن الاجتهاد، فيبقى ظن التقليد الضعيف على
مقتضى الدليل.
حجة الجواز مطلقاً: أن غاية المجتهد في اجتهاده أن يُحصِّل
مِثْلَ ما حصَّله غيره، وكما يجوز أن يكون الثاني أقوى يجوز أن
يكون أضعف فيتساقطان، فيبقى التساوي، وأحد المِثْلين يقوم مقام
الآخر. وبهذا يظهر تقليد العالمِ الأعلمَ؛ لأن الظاهر أن
اجتهاد الأعلم أقرب للصواب. وأما ما يخصُّه فلأن الحاجة تدعو
إليه بخلاف الفُتْيا، فله أن يُحِيْل (6) المستفتي على غيره،
وكذلك إذا ضاق الوقت كانت حالةَ ضرورةٍ بخلاف اتساعه.
وأما أصول الدين فقد تقدَّم (7) حكاية إمام الحرمين في "
الشامل " أنه لم يخالف في ذلك إلا الحنابلة، [وقول
الإسفراييني: أنه لم يخالف فيه (8) إلا أهل الظاهر (9) ، مع
أني
_________
(1) في ق: ((يحنث)) وهو تصحيف
(2) في ق: ((كان)) ، وفي س: ((فإن)) .
(3) لو قال: أول الباب لكان أولى أَمنْاً من اللبس. انظر:
الفصل الثاني من هذا الباب ص 441.
(4) هنا زيادة: ((أن)) في ن، وهي مخلَّة بالمعنى.
(5) الإسراء، من الآية: 36
(6) في ق: ((يلد)) ولعلها تحرفت من: ((يَدلُّ)) .
(7) انظر: ص 442.
(8) ساقطة من س
(9) تقديم التعليق عليه في هامش (7) ص (442) .
(2/488)
سألْتُ الحنابلة] (1) فقالوا: مشهور مذهبنا
منع (2) التقليد (3) ، والغزالي يميل إليه (4) وجماعة، وقد حكى
القاضي عياض في " الشفاء " (5)
ذلك عن غيره (6) .
_________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من ق
(2) ساقطة من س، وهو سقط قبيح.
(3) انظر: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص 128، العدة لأبي يعلي
4/1217، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 5/237، روضة الناظر
لابن قدامة 3/1017، المسودة ص 457، أصول الفقه لابن مفلح
4/1533
(4) ربما كان استشفاف هذا الميل استناداً إلى ما ذكره القاضي
عياض في كتابه: الشِّفَا بتعريف حقوق المصطفى 2/601 ((وقد نحا
الغزالي قريباً من هذا المنحى في كتابه: التفرقه)) . لكن بعض
العلماء انبروا إلى الذبِّ عن الغزالي وتغليط من نسب إليه
ميلاً إلى جواز التقليد في أصول الدين. انظر: نسيم الرياض في
شرح شفاء القاضي عياض للشهاب الخفاجي 4/494-495، البحر المحيط
للزركشي 8/279. وللوقوف على عبارات الغزالي الموهمة في هذه
المسألة انظر كتابيه: فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة
بتحقيق د. سليمان دنيا، ص 206-208، والمستصفي 2/401
(5) كتاب: الشَّفا بتعريف حقوق المصطفى عليه الصلاة والسلام
كتابٌ في السيرة النبوية، ألَّفه بمنهجٍ فريدٍ وطريقة
مبتكرة..قال فيه حاجي خليفة ((وهو كتاب عظيم النفع، كثير
الفائدة، لم يؤلف مثله في الإسلام)) كشف الظنون 2/1053،
والكتاب مطبوع في مجلدين بتحقيق خمسة محققين، إصدار مؤسسة علوم
القرآن، ودار الفيحاء بعمَّان ط (2) - 1407هـ والكتاب عليه
شروحات منها: نسيم الرياض في شرح شفا القاضي عياض لشهاب الدين
الخفاجي، وبهامشه شرح له يتعلق بالبناء والإعراب والكلمات
لملاَّ علي القاريء، مطبوع بدار الكتاب العربي ببيروت.
(6) كداود الأصبهاني الظاهري، وثمامة بن أشرس. انظر: الشفا
2/601 - 602.
(2/489)
|