جماع العلم بيان فرائض الله
تبارك وتعالى
أخبرنا الربيع بْن سليمان قال: قال الشافعي:
461 - فرض الله عز وجل في كتابه من وجهين:
462 - أحدهما أبان فيه كيف فرض بعضها حتى استغني فيه بالتنزيل
عن التأويل وعن الخبر.
463 - والآخر أنه أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
464 - ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في كتابه بقوله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: من
الآية7] .
465 - وبقوله تبارك اسمه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ
حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا
يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65] .
466 - وبقوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ
إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: من الآية36] . مع غير
آية في القرآن بهذا المعنى
467 - فمن قبل عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فبفرض الله عز وجل قبل.
468 - قال: الشافعي فالفرائض تجتمع في أنها ثابتة على ما فرضت
عليه ثم تفرقت شرائعها بما فرق الله عز وجل ثم رسوله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
469 - فيفرق بين ما فرق منها ويجمع بين ما جمع منها فلا يقاس
فرع شريعة على غيرها.
(1/48)
470 - وأول ما نبدأ به من الشرائع الصلاة.
471 - فنحن نجدها ثابتة على البالغين غير المغلوبين على عقولهم
ساقطة عن الحيض أيام حيضهن.
472 - ثم نجد الفريضة منها والنافلة مجتمعتين في أن لا يجوز
الدخول في واحدة منهما بطهارة الماء في الحضر والسفر ما كان
موجودا والتيمم في السفر وإذا كان الماء معدوما في الحضر أو
كان المرء مريضا لا يطيق الوضوء لخوف تلف في الوضوء أو زيادة
في العلة.
473 - ونجدهما مجتمعين في أن لا يصليا معا إلا متوجهين إلى
الكعبة ما كانا في الحضر ونازلين بالأرض.
474 - ونجدهما إذا كانا مسافرين تفترق حالهما فيكون للمصلي
تطوعا إن كان راكبا أن يتوجه حيث توجهت به دابته يومئ إيماء
ولا نجد ذلك للمصلي فريضة بحال أبدا إلا في حال واحدة من
الخوف.
475 - ونجد المصلي صلاة تجب عليه إذا كان يطيق ويمكنه القيام
لم تجز عنه الصلاة إلا قائما ونجد المنتفل يجوز له أن يصلي
جالسا.
476 - ونجد المصلي فريضة يؤديها في الوقت قائما فإن لم يقدر
أداها جالسا فإن لم يقدر أداها مضطجعا ساجدا إن قدر وموميا إن
لم يقدر.
477 - ونجد الزكاة فرضا تجامع الصلاة وتخالفها ولا نجد الزكاة
تكون إلا ثابتة أو ساقطة فإذا ثبتت لم يكن فيها إلا أدواؤها
مما وجب في جميع الحالات مستويا ليس يختلف بعذر كما اختلفت
تأدية الصلاة قائما أو قاعدا.
478 - ونجد المرء إذا كان له مال حاضر تجب فيه الزكاة وكان
عليه دين مثله زالت عنه الزكاة حتى لا يكون عليه منها شيء في
تلك الحال.
(1/49)
والصلاة لا تزول في حال يؤديها كما أطاقها.
قال الربيع:
479 - وللشافعي قول آخر إذا كان عليه دين عشرين دينارا وله
مثلها فعليه الزكاة يؤديها من قبل أن الله عز وجل قال: {خُذْ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ
بِهَا} [التوبة: من الآية103] . فلما كانت هذه العشرون لو
وهبها جازت هبته ولو تصدق بها جازت صدقته ولو تلفت كانت منه
فلما كانت أحكامها كلها تدل على أنها مال من ماله وجبت عليه
فيها الزكاة لقول الله تبارك وتعالى: {خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ} الآية.
قال الشافعي -رحمه الله تعالى-:
480 - ونجد المرأة ذات المال تزول عنها الصلاة في أيام حيضها
ولا تزول عنها الزكاة وكذلك الصبي والمغلوب على عقله.
(1/50)
|