رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
وعَلى آل مُحَمَّد وَسلم تَسْلِيمًا، وَمَا توفيقي إِلَّا
بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت.
أما بعد: فَإِنِّي لما رَأَيْت قُصُور الهمم عَن الْإِكْثَار،
وميلها إِلَى الإيجاز والاختصار، صنفت مُخْتَصرا فِي أصُول
الْفِقْه، ثمَّ اختصرته على وَجه بديع، وسبيل منيع، لَا يصد
اللبيب عَن تعلمه صَاد، وَلَا يرد الأريب عَن تفهمه راد،
وَالله تَعَالَى أسأَل أَن ينفع بِهِ، وَهُوَ حسبي وَنعم
الْوَكِيل.
هَامِش بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين
الشَّرْح: قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة قَاضِي
الْقُضَاة تَاج الدّين أَبُو نصر عبد الْوَهَّاب السُّبْكِيّ -
رَحمَه الله تَعَالَى -:
الْحَمد لله الَّذِي شرع فِي الْعليا طَرِيقا مُخْتَصرا، وأطلع
من سَمَاء الْكتاب وَالسّنة شمسا وقمرا، وَجمع للْأمة بإجماعها
وآرائها دَلِيلا مستحسنا، وبرهانا مستصحبا وسبيلا مُعْتَبرا.
(1/229)
صفحة فارغة
هَامِش
نحمده على كَمَاله حمدا تفوه الألسن وتعمل لَهُ شكرا، تَمامًا
على الَّذِي أحسن، ونسأله الْإِعَانَة على اجْتِنَاب مَا حرم
أَو كره، وارتكاب مَا أوجب أَو سنّ.
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن
مُحَمَّدًا عَبده الْمُصْطَفى، وَخير نَبِي أرْسلهُ وَخَصه
بِعُمُوم الْفضل، فَأمر وَنهى، وأوضح مَا شَرعه، وَبَين مَا
أجمله، صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه الماحين بِنور
الْهدى ظلم الشّرك، والقامعين من أظهر شقاقه، وَمن أسر نفَاقه،
وأصر على الْإِفْك، والدافعين بِصدق الْيَقِين ظن
الْجَاهِلِيَّة، وَوهم ذِي العماية، وريب ذِي الشَّك.
وَرَضي الله عَن مطلبينا، الَّذِي استخرج أصُول الْفِقْه
[علما] مجموعا، وفنا على الرُّءُوس مَحْمُولا، وعَلى الْعُيُون
مَوْضُوعا، ومحكما دفع بِهِ المتشابهات، وشيد بُنيان
الْأَدِلَّة مظنونا ومقطوعا.
أما بعد: فَإِن لنا تَعْلِيقا على مُخْتَصر الإِمَام أبي
عَمْرو بن الْحَاجِب مَبْسُوطا ومجموعا، يصبح قدر الأقران -
وَإِن تَعَالَى عَنهُ - محطوطا، وكتابا لم يُغَادر لمتعنت
مطلبا، وعجبا عجابا، ورد مناهل الْأُصُول وَصدر بِهَذَا النبا،
وفهرستا جمع فأوعى، وفَاق كتب هَذَا الْفَنّ [جِنْسا ونوعا،
جَمعنَا فِيهِ أَكثر مَا حوته كتب هَذَا الْفَنّ] ، وأودعناه
مبَاحث كُنَّا نستعمل الْفِكر فِيهَا إِذا مَا اللَّيْل جن،
وَذكرنَا آراءنا، وناضلنا عَلَيْهَا، وأوضحنا اختياراتنا،
وَالْعين تَأمر السهد فِي كراها وتنهى، وشمرنا فِيهِ عَن سَاق
الِاجْتِهَاد بِشَهَادَة النُّجُوم، وجمعنا أَقسَام
الْكَوَاكِب لكلمة مِنْهَا معالم للهدى، ومصابيح تجلو الدجى،
والأخريات رجوم.
بيد أَنا لم نستوعب فِيهِ مَا فِي " الْمُخْتَصر "، وَإِن
كُنَّا لم نَدع [إِلَّا] وَاضحا لَا يفْتَقر إِلَى النّظر.
فبدأنا فِي شرح غَايَة فِي الِاخْتِصَار، آيَة فِي جمع الشوارد
والإكثار، يَأْتِي على تَقْرِير مَا فِي الْكتاب كُله، مَعَ
مبَاحث من قبلنَا، ونقول: لَا يجمع مثلهَا إِلَّا لمثله،
فَلَقَد نَظرنَا عَلَيْهِ مَعَ توخينا
(1/230)
صفحة فارغة
هَامِش
الِاخْتِصَار فِيهِ كتبا شَتَّى مِنْهَا: الرسَالَة؛ للْإِمَام
الشَّافِعِي - رَضِي الله عَنهُ - وَشَرحهَا؛ لأبي بكر
الصَّيْرَفِي، والأستاذ أبي الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي، وَأبي
بكر الْقفال الشَّاشِي الْكَبِير، وَأبي مُحَمَّد
الْجُوَيْنِيّ، و " التَّقْرِيب والإرشاد، فِي تَرْتِيب طرق
الِاجْتِهَاد "؛ للْقَاضِي أبي بكر، وَهُوَ [من] أجل كتب
الْأُصُول،
(1/231)
صفحة فارغة
هَامِش ومختصره الْمُسَمّى ب " التَّلْخِيص "؛ لإِمَام
الْحَرَمَيْنِ، و " تعليقة " الشَّيْخ أبي حَامِد
الإِسْفِرَايِينِيّ، وتعليقة الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق
الإِسْفِرَايِينِيّ، و " آدَاب الجدل "؛ لأبي الْحُسَيْن
الْجلَال، و " معيار الجدل "؛ للأستاذ أبي مَنْصُور عبد القاهر
بن طَاهِر الْبَغْدَادِيّ،
(1/232)
صفحة فارغة
هَامِش و " شرح الْكِفَايَة "؛ للْقَاضِي أبي الطّيب
الطَّبَرِيّ، و " الْعمد "؛ للْقَاضِي عبد الْجَبَّار، و "
الْمُعْتَمد "؛ لأبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ، و " التَّقْرِيب
"؛ لسليم الرَّازِيّ، وَكتاب الْأُسْتَاذ أبي بكر بن فورك، و "
الْبُرْهَان "؛ لإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَشَرحه؛ للْإِمَام أبي
عبد الله الْمَازرِيّ الْمَالِكِي، وَالْكَلَام على مشكله؛
للمازري أَيْضا، وَشَرحه أَيْضا؛ لأبي الْحسن
(1/233)
صفحة فارغة
هَامِش الأبياري الْمَالِكِي.
وَلَقَد عجبت لهَذَا " الْبُرْهَان "؛ فَإِنَّهُ من مفتخرات
الشافعيين، وَلم يشرحه مِنْهُم أحد، وَإِنَّمَا انتدب لَهُ
هَذَانِ المالكيان، وتبعهما شخص ثَالِث من الْمَالِكِيَّة
أَيْضا يُقَال لَهُ الشريف أَبُو يحيى زَكَرِيَّا بن يحيى
الْحُسَيْنِي المغربي، فَجمع بَين كلاميهما وَزَاد.
و" اللمع "، وَشَرحه؛ للشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، و
" الملخص "، و " الْمعرفَة "؛ لَهُ أَيْضا فِي الجدل، و "
القواطع "؛ للْإِمَام الْجَلِيل أبي المظفر مَنْصُور بن
مُحَمَّد بن السَّمْعَانِيّ، وَهُوَ أَنْفَع
(1/234)
صفحة فارغة
هَامِش كتاب للشَّافِعِيَّة فِي الْأُصُول وأجله و "
الْمُسْتَصْفى "، و " المنخول "؛ للْإِمَام حجَّة الْإِسْلَام،
و " شِفَاء الغليل فِي بَيَان مسالك التَّعْلِيل "؛ لَهُ
أَيْضا، و " عدَّة الْعَالم "؛ للشَّيْخ أبي نصر بن الصّباغ،
وتعليقة ألكيا أبي الْحسن الهراس، و " الملخص "؛ للْقَاضِي عبد
الْوَهَّاب، و " أصُول الْفِقْه "؛ للأستاذ أبي نصر ولد
الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي، و " الْوَجِيز "؛ لأبي
الْفَتْح بن
(1/235)
صفحة فارغة
هَامِش برهَان، وَكتاب الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى، و " العقيدة
"؛ لتلميذه شرف شاه بن ملكداد، و " شرح اللمع "؛ لأبي عَمْرو
عُثْمَان بن عِيسَى الْكرْدِي صَاحب " الِاسْتِقْصَاء "، و "
مشكلات اللمع "؛ لمسعود بن عَليّ الْيَمَانِيّ، و "
الْمَحْصُول "؛ للْإِمَام، وَغَيره من كتب أَتْبَاعه؛ كشرحه؛
(1/236)
صفحة فارغة
هَامِش للقرافي، وَشَرحه؛ للأصفهاني، والمؤاخذات عَلَيْهِ؛
للنقشواني، و " التَّنْقِيح "؛ للتبريزي، و " شرح المعالم "
[الَّذِي " لَهُ؛ لِابْنِ التلمساني، و " النِّهَايَة "، و "
الْفَائِق "؛
(1/237)
صفحة فارغة
هَامِش كِلَاهُمَا للشَّيْخ صفي الدّين الْهِنْدِيّ، وَغير
ذَلِك، و " الإحكام "؛ للْإِمَام سيف الدّين الْآمِدِيّ، و "
الْمُنْتَهى "؛ لَهُ، وَغير ذَلِك من كتب أَصْحَابنَا، وَكتب
الْمُخَالفين من الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم، وَطَائِفَة من شُرُوح
هَذَا " الْمُخْتَصر "، مَعَ [مَا] التقطناه لَهُ من كتب
الخلافيات؛ ك " الْمِنْهَاج "؛ للْقَاضِي أبي الطّيب، و "
النكت "؛ للشَّيْخ أبي إِسْحَاق، و " الأساليب "؛ لإِمَام
الْحَرَمَيْنِ، و " التحصين "؛ للغزالي، و " شِفَاء المسترشدين
"؛ ل " إِلْكيَا " الهراسي، وتعليقة الإِمَام مُحَمَّد بن
يحيى، وَالْإِمَام أسعد الميهني، وَالْقَاضِي الرشيد،
والطاووسي، وَالْإِمَام فَخر الدّين، وَسيف الدّين الْآمِدِيّ،
وَغَيرهم، وَمن الخلافيات للحنفية كتاب " الْأَسْرَار "؛
للْقَاضِي أبي زيد، وتعليقة ابْن مارة، وَغَيرهمَا، وَغير
ذَلِك كُله مِمَّا لَو عددناه لضيعنا الأنفاس، وضيعنا القرطاس.
وَمَعَ مَا حشوناه فِيهِ من فروع الْفِقْه، وفنون الْفَوَائِد،
وَمَا سمح بِهِ الخاطر من المباحث؛ [مِمَّا تضمنته تعليقتنا
وَغَيرهَا، وَمَعَ تبين مَذْهَب الشَّافِعِي، على الْخُصُوص،
فِي الْأُصُول، وآراء أَصْحَابه، وَالْكَلَام مَعَ مخالفيه،
وَمَعَ تَخْرِيج الْفُرُوع على الْأُصُول، وَمَعَ الْكَلَام
على أَحَادِيثه
(1/238)
(مَا ينْحَصر فِيهِ الْمُخْتَصر، أَو فن
الْأُصُول)
وينحصر فِي المبادئ والأدلة السمعية وَالِاجْتِهَاد
وَالتَّرْجِيح.
هَامِش مِمَّا] تَقْتَضِيه صناعَة الحَدِيث، والاعتناء
بالتمثيل، لما تتشوف النَّفس إِلَى سَماع مِثَاله، مِمَّا
استخرجناه من كتب الحَدِيث، وَالْفِقْه، والخلافيات، وَغَيرهَا
إِلَى غير ذَلِك مِمَّا ستراه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى -
وَبِه التَّوْفِيق.
وسميته " رفع الْحَاجِب، عَن مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب ".
الشَّرْح: " وينحصر " الْمُخْتَصر، أَو الْأُصُول " فِي:
المبادئ، والأدلة السمعية، وَالِاجْتِهَاد، وَالتَّرْجِيح ".
والمبادئ: مَا لَا يكون مَقْصُودا بِالذَّاتِ، بل يتَوَقَّف
عَلَيْهِ [الْمَقْصُود] ، والحصر هُنَا استقرائي.
وَقيل فِيهِ: مَا تضمنه الْكتاب؛ إِمَّا [مَقْصُود]
بِالذَّاتِ، أَو لَا:
وَالثَّانِي: المبادئ.
وَالْأول: إِمَّا أَن يبْحَث فِيهِ عَن نفس استنباط
الْأَحْكَام، وَهُوَ الِاجْتِهَاد، أَو عَمَّا تستنبط هِيَ
مِنْهُ؛ إِمَّا بِاعْتِبَار مَا يعارضها، وَهُوَ التَّرْجِيح
أَو لَا؛ وَهُوَ الْأَدِلَّة السمعية.
(1/239)
فالمبادئ: حَده، وَفَائِدَته، واستمداده "
هَامِش
وَإِنَّمَا حصرنا الثَّانِي فِيمَا ذَكرْنَاهُ؛ لِأَن الْغَرَض
إِنَّمَا هُوَ استنباط الْأَحْكَام.
الشَّرْح: فالمبادئ ثَلَاثَة:
" حَده ": أَولهَا؛ لِأَن كل طَالب كَثْرَة يضبطها جِهَة
وَاحِدَة، من حَقه عرفانها بِتِلْكَ الْجِهَة؛ إِذْ
(1/240)
صفحة فارغة
هَامِش لَو لم يطْلبهَا قبل ضَبطه، لم يَأْمَن فَوَات مَا
يرجيه، وضياع الْوَقْت فِيمَا لَا يعنيه؛ [وبتلك] الْجِهَة
يُؤْخَذ تَعْرِيفه بِالْحَدِّ أَو الرَّسْم.
" وَفَائِدَته ": ثَانِيهَا؛ ليخرج عَن الْعَبَث.
(1/241)
أما حَده لقبا: فالعلم بالقواعد الَّتِي
يتَوَصَّل بهَا إِلَى استنباط ... ... ... ... ...
هَامِش
" واستمداده ": ثَالِثهَا؛ إِمَّا إِجْمَالا؛ بِبَيَان أَنه من
أَي علم يستمد؛ ليرْجع إِلَيْهِ عِنْد الِاحْتِيَاج، أَو
تَفْصِيلًا بإفادة شَيْء مِمَّا لَا بُد من تصَوره وتسليمه،
أَو تَحْقِيقه؛ لبِنَاء الْغَرَض عَلَيْهِ.
الشَّرْح: " أما حَده لقبا "، واللقب: علم يتَضَمَّن مدحا أَو
ذما.
وأصول الْفِقْه: علم لهَذَا الْعلم يشْعر بابتناء فروع الدّين
عَلَيْهِ؛ وَهُوَ صفة مدح. " فالعلم بالقواعد الَّتِي
يتَوَصَّل بهَا إِلَى استنباط الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة
الفرعية عَن أدلتها التفصيلية ".
(1/242)
الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الفرعية عَن
أدلتها التفصيلية، وَأما حَده مُضَافا: فالأصول: الْأَدِلَّة.
هَامِش
وَالْمرَاد بِالْعلمِ هُنَا: الِاعْتِقَاد الْجَازِم المطابق
الثَّابِت لموجب قَطْعِيّ. وَالْقَوَاعِد: هِيَ الْأُمُور
الْكُلية المنطبقة على الجزئيات؛ لتعرف أَحْكَامهَا مِنْهَا،
وَاحْترز بهَا عَن الْعلم بالأمور الْجُزْئِيَّة، وَعَن الْعلم
بِبَعْض الْقَوَاعِد؛ فَإِنَّهَا لَيست نفس الْأُصُول.
وَقَوله: يتَوَصَّل بهَا إِلَى استنباط الْأَحْكَام -
احْتِرَاز عَن الْقَوَاعِد الَّتِي يستنبط مِنْهَا
الصَّنَائِع، وَالْعلم بالماهيات وَالصِّفَات.
والشرعية - احْتِرَاز عَن الاصطلاحية الْعَقْلِيَّة، والفرعية
- احْتِرَاز عَن الْأُصُولِيَّة.
وَقَوله: " عَن أدلتها " لَا يحْتَرز بِهِ عَن شَيْء؛ لِأَن
المُرَاد من الْأَحْكَام - الْفِقْهِيَّة، وَهِي لَا تكون
إِلَّا كَذَلِك.
وعَلى التَّعْرِيف اعتراضات أضربت عَنْهَا؛ لِإِمْكَان
دَفعهَا.
" وَأما حَده مُضَافا "، أَي: من حَيْثُ هُوَ مُضَاف،
فَيتَوَقَّف على معرفَة مفرداته؛ ضَرُورَة توقف معرفَة الْمركب
على معرفَة أَجْزَائِهِ.
(1/243)
وَالْفِقْه: الْعلم بِالْأَحْكَامِ
الشَّرْعِيَّة الفرعية عَن أدلتها التفصيلية بالاستدلال.
هَامِش
وأصول الْفِقْه: مركب من مُضَاف، ومضاف إِلَيْهِ، وهما -
الْأُصُول، وَالْفِقْه:
" فالأصول ": جمع أصل، وَهُوَ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الشَّيْء،
أَو مَا يبتنى عَلَيْهِ الشَّيْء.
وفسرها المُصَنّف بِأَنَّهَا: " الْأَدِلَّة "، أَي: السمعية.
( [تَعْرِيف] الْفِقْه)
" وَالْفِقْه: الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة الفرعية
عَن أدلتها التفصيلية بالاستدلال ": وَخرج بِقَيْد
(1/244)
وَأورد: إِن كَانَ المُرَاد الْبَعْض، لم
يطرد؛ لدُخُول الْمُقَلّد، وَإِن كَانَ الْجَمِيع، لم ينعكس؛
لثُبُوت " لَا أَدْرِي ".
هَامِش " التفصيلية ": مَا عرف بالأدلة الإجمالية.
وَبِقَوْلِهِ: " عَن أدلتها " الْمَعْرُوف؛ لَا عَن دَلِيل؛
كالمعلوم ضَرُورَة، أَو يُقَال: الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ
مَعْلُوم بِدَلِيل، وَلَكِن غير تفصيلي.
وَبَقِيَّة الْقُيُود مَعْرُوفَة مِمَّا تقدم.
الشَّرْح: " وَأورد " على التَّعْرِيف: " [إِذْ كَانَ المُرَاد
" بِالْأَحْكَامِ: " الْبَعْض "، أَي: لم يكن المُرَاد
الْجَمِيع؛ إِذا عدم إِرَادَة الْجَمِيع أَعم من إِرَادَة
الْبَعْض - " لم يطرد "] ؛ ضَرُورَة تحَققه بِدُونِ تحقق
الْمَحْدُود؛ " لدُخُول الْمُقَلّد " فِي الْحَد، وَخُرُوجه من
الْمَحْدُود؛ فَإِنَّهُ عَالم بِبَعْض الْأَحْكَام الَّتِي
يتلقاها من [الْمُفْتِي] ؛ فَيصدق على علمه حد الْفِقْه، وَلَا
يكون علمه فقها؛ لِأَن الْمُقَلّد لَا يُسمى فَقِيها، " وَإِن
كَانَ " - المُرَاد بِالْأَحْكَامِ - " الْجَمِيع، لم ينعكس "؛
ضَرُورَة تحقق الْمَحْدُود بِدُونِ الْحَد؛ لِأَن
الْمُجْتَهدين لَا يعلمُونَ جَمِيع الْأَحْكَام؛ " لثُبُوت "
لَا أَدْرِي "؛ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم، وَصدقهمْ فِي إخبارهم
بذلك.
سُئِلَ مَالك عَن أَرْبَعِينَ مَسْأَلَة، فَقَالَ فِي سِتّ
وَثَلَاثِينَ: لَا أَدْرِي.
فالحد [إِذن] : إِمَّا غير مطرد، أَو غير منعكس.
(1/245)
وَأجِيب بِالْبَعْضِ، ويطرد؛ لِأَن
المُرَاد بالأدلة الأمارات، وبالجميع، وينعكس؛ لِأَن المُرَاد
تهيؤه للْعلم بِالْجَمِيعِ.
هَامِش
" وَأجِيب بِالْبَعْضِ، ويطرد؛ لِأَن المُرَاد بالأدلة:
الأمارات "؛ وَهِي الَّتِي تفِيد الظَّن - يحْتَاج فِي
الِاسْتِدْلَال بهَا إِلَى معرفَة التَّعَارُض، وَلَيْسَ ذَلِك
وَلَا بعضه فِي الْمُقَلّد.
" وبالجميع، وينعكس؛ لِأَن المُرَاد - تهيؤه "، أَي: تهيؤ
الْمُجْتَهد " للْعلم بِالْجَمِيعِ "، لَا نفس الْعلم
بِالْجَمِيعِ، وَالْعلم " بِهَذَا الْمَعْنى " لَا يُنَافِي
ثُبُوت " لَا أَدْرِي " وَلَا يخفى أَن المُرَاد بالتهيؤ:
الاستعداد الْقَرِيب، لَا كاستعداد الْعَاميّ.
وَأشهر مَا اعْترض بِهِ على الْحَد: أَن " الْفِقْه " من بَاب
الظنون، فَكيف قيل فِيهِ: الْعلم؟ .
وَهُوَ مُشكل، أوردهُ شيخ الْجَمَاعَة، ومقدم الأشاعرة "
القَاضِي أَبُو بكر "، وَالْتزم لأَجله جمَاعَة الْعِنَايَة
بِالْحَدِّ، فَقَالُوا: المُرَاد بِالْعلمِ: الْإِدْرَاك.
وَقيل: الصَّوَاب أَن يُقَال: الْعلم أَو الظَّن.
(1/246)
صفحة فارغة
هَامِش
وَالْجَوَاب عَن السُّؤَال: مَا ذكره " الإِمَام " فِي "
الْمَحْصُول "؛ من أَن الْمُجْتَهد، إِذا غلب على ظَنّه
مُشَاركَة صُورَة لصورة؛ فِي منَاط الحكم، قطع بِوُجُوب
الْعَمَل؛ فَالْحكم مَعْلُوم، وَالظَّن وَقع فِي طَرِيقه.
وسنوضح ذَلِك بترتيب خَاص؛ فَإِن أَصْحَاب الإِمَام لم يقنعوا
مِنْهُ بِهَذَا الْجَواب، وَزَعَمُوا السُّؤَال بَاقِيا،
فَنَقُول: إِذا ظننا شتاء، لظننا أَيَّام الشتَاء نزُول
الْمَطَر، إِذا رَأينَا الْغَيْم المطبق الرطب قد أرْخى
أهدابه، فنزول الْمَطَر غَالب على عدم نُزُوله، وَهَذَا ظن،
ثمَّ نَحن واجدون من أَنْفُسنَا؛ أَنا عالمون بظننا، وَهَذَا
علم وجداني بِالظَّنِّ، والمطر يجوز أَن ينزل، أَو لَا ينزل
حَال ظننا، وَأما نَحن، فَلَا يجوز أَن نظن حَال ظننا.
وَكَذَا إِذا قَالَ لزوجته: مَتى ظَنَنْت أَنِّي طَلقتك
طَلْقَة، فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا؛ فظنت أَنه طَلقهَا [طَلْقَة؛
طلقت] ثَلَاثًا قطعا.
فَهَذَا حكم مَعْلُوم قطعا، وَالظَّن وَقع فِي طَرِيقه.
وَكَذَلِكَ الْمُجْتَهد؛ إِذا ظن حكما من الْأَحْكَام العملية،
وَجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِمُقْتَضى ظَنّه قطعا؛ علم ذَلِك
بِالضَّرُورَةِ من استقراء [الشَّرْع] ، وَالظَّن وَاقع فِي
طَرِيقه كَمَا ذكرنَا فِي الْمَرْأَة.
(1/247)
صفحة فارغة
هَامِش
وَعند هَذَا نقُول: إِذا ظن الشَّافِعِي حل لعب الشطرنج، فَإِن
حلّه فِي حَقه مَعْلُوم قطعا؛
(1/248)
صفحة فارغة
هَامِش لِأَنَّهُ مظنون الْحل عِنْده - وَذَلِكَ وجداني؛ وكل
مَا ظن حلّه، فَهُوَ حَلَال فِي حَقه قطعا، وَالظَّن لم يكن
فِي هَذَا الدَّلِيل مُقَدّمَة من المقدمتين، وَإِنَّمَا وَقع
فِي طَرِيق الدَّلِيل؛ حَيْثُ كَانَ مَعْلُوما بالوجدان؛ مَا
وَقع فِي حق الْمَرْأَة.
وَالَّذين ردوا الْجَواب، ظنُّوا الظَّن أحد المقدمتين، وَهُوَ
غلط؛ فَإِن الظَّن لم يكن مُقَدّمَة، بل كَانَ مُتَعَلق
الوجدان، وظنوا أَن مُسْتَند الْمُقدمَة الثَّانِيَة
الْإِجْمَاع؛ فأوردوا على الإِمَام أَن الْإِجْمَاع عِنْده
ظَنِّي.
وَالْإِمَام لم يذكر أَن مُسْتَنده الْإِجْمَاع، وَإِنَّمَا
مُسْتَنده الاستقراء؛ قَالَه الشَّيْخ صدر الدّين بن المرحل؛
وَذكر أَن شيخ الْإِسْلَام سيد الْمُتَأَخِّرين " تَقِيّ
الدّين بن دَقِيق الْعِيد " كَانَ مِمَّن يظنّ
(1/249)
وَأما فَائِدَته، فالعلم بِأَحْكَام الله
تَعَالَى
هَامِش بطلَان الْجَواب، وَيَقُول: مُتَعَلق الظَّن مظنون
قطعا؛ كَمَا أَن مُتَعَلق الْعلم مَعْلُوم قطعا؛ فيستحيل أَن
يكون مَعْلُوما مظنونا.
قَالَ: وَجَوَابه: أَن نتيجة الْأَدِلَّة الْأُصُولِيَّة هُوَ
الظَّن، فَفِي ذَلِك الْوَقْت - وَهُوَ الْوَقْت الأول -[هُوَ]
مظنون، ثمَّ إِذا صَار مظنونا، وَجب الْعَمَل بِهِ، [وَوُجُوب
الْعَمَل بِهِ] مَعْلُوم فِي الْوَقْت الثَّانِي، وهما غيران:
الأول مِنْهُمَا مظنون، وَالثَّانِي مَعْلُوم.
قَالَ: وَرَأَيْت " ابْن برهَان " ذكر فِي " أُصُوله "
مَسْأَلَة [عقدهَا] بَيْننَا، وَبَين الْحَنَفِيَّة، فَقَالَ:
الحكم عندنَا قَطْعِيّ؛ خلافًا لأبي حنيفَة؛ فَإِنَّهُ عِنْده
ظَنِّي.
قلت: وَجَوَاب الإِمَام الرَّازِيّ مَسْبُوق إِلَيْهِ؛ فَإِن
إِمَام الْحَرَمَيْنِ ذكره؛ حَيْثُ قَالَ: جَوَاب السُّؤَال:
لَيست الظنون فقها، إِنَّمَا الْفِقْه: الْعلم بِوُجُود
الْعَمَل عِنْد قيام الظنون؛ فَأَخذه الإِمَام الرَّازِيّ،
وَبسطه.
الشَّرْح: " وَأما فَائِدَته "، أَي: فَائِدَة الْأُصُول، "
فالعلم بِأَحْكَام الله تَعَالَى "، " وَأما
(1/250)
وَأما استمداده، فَمن الْكَلَام؛ والعربية،
وَالْأَحْكَام:
أما الْكَلَام؛ فلتوقف الْأَدِلَّة الْكُلية على معرفَة
الْبَارِي - تَعَالَى - وَصدق الْمبلغ، ويتوقف على دلَالَة
المعجزة.
وَأما الْعَرَبيَّة؛ فَلِأَن الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة
عَرَبِيَّة.
وَأما الْأَحْكَام، فَالْمُرَاد تصورها؛ ليمكن إِثْبَاتهَا
ونفيها، وَإِلَّا جَاءَ الدّور.
هَامِش استمداده، فَمن الْكَلَام، والعربية، وَالْأَحْكَام:
أما الْكَلَام؛ فلتوقف الْأَدِلَّة الْكُلية على معرفَة
الْبَارِي تَعَالَى، وَصدق الْمبلغ "، وَهُوَ - أَي صدقه -: "
يتَوَقَّف على دلَالَة المعجزة "، وكل ذَلِك من علم الْكَلَام.
" وَأما الْعَرَبيَّة؛ فَلِأَن الْأَدِلَّة من الْكتاب
وَالسّنة عَرَبِيَّة "؛ ضَرُورَة أَنَّهُمَا عربيان.
" وَأما الْأَحْكَام، فَالْمُرَاد تصورها؛ ليمكن إِثْبَاتهَا
ونفيها "، وَلَا نُرِيد الْعلم بإثباتها أَو نَفيهَا؛ "
وَإِلَّا جَاءَ الدّور "؛ لِأَن ذَلِك فَائِدَة الْعلم،
فَيتَأَخَّر حُصُوله عَنهُ، فَلَو توقف عَلَيْهِ الْعلم، كَانَ
دورا.
(1/251)
الدَّلِيل لُغَة: المرشد، والمرشد: الناصب،
والذاكر؛ وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد.
وَفِي الِاصْطِلَاح: مَا يُمكن التَّوَصُّل بِصَحِيح النّظر
فِيهِ؛ إِلَى مَطْلُوب خبري، وَقيل:
هَامِش
الشَّرْح: " الدَّلِيل لُغَة: المرشد ".
" والمرشد ": يُطلق على " الناصب " للعلامة، " والذاكر "
لَهَا، " وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد "، أَي: وَالدَّلِيل لُغَة
يُقَال أَيْضا لما بِهِ الْإِرْشَاد.
وَلَو قَالَ: الدَّلِيل: المرشد، وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد،
والمرشد: الناصب والذاكر، كَانَ أوضح.
" وَفِي الِاصْطِلَاح ": الدَّلِيل: " مَا يُمكن التَّوَصُّل
بِصَحِيح النّظر فِيهِ؛ إِلَى مَطْلُوب خبري ".
(1/252)
إِلَى الْعلم بِهِ؛ فَتخرج الأمارة.
وَقيل: قَولَانِ فَصَاعِدا يكون عَنهُ قَول آخر.
هَامِش
وَإِنَّمَا قَالَ: " يُمكن "؛ لِأَن الدَّلِيل لَا يخرج عَن
كَونه دَلِيلا؛ بِعَدَمِ النّظر فِيهِ، وَقيد النّظر
بِالصَّحِيحِ؛ لِأَن الْفَاسِد لَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَيْهِ.
وَدخل فِي التَّعْرِيف: الأمارة؛ لِأَن الْمَطْلُوب الخبري
أَعم من أَن يكون علميا أَو ظنيا، وعَلى هَذَا عَامَّة
الْفُقَهَاء؛ فيطلقون الدَّلِيل على مَا أدّى إِلَى علم أَو
ظن؛ وَهُوَ مَا ذكره " الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
"، و " أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ "، وَآخَرُونَ.
" وَقيل ": مَا يُمكن أَن يتَوَصَّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ؛ "
إِلَى الْعلم بِهِ " - وَهُوَ قَول الْمُتَكَلِّمين، وَبَعض
الْفُقَهَاء -؛ " فَتخرج الأمارة ".
" وَقيل ": إِنَّه " قَولَانِ "، أَي: قضيتان " فَصَاعِدا يكون
عَنهُ قَول آخر ":
وَقَوْلنَا: " يكون عَنهُ " - أَعم من أَن يكون لَازِما أَو
غَيره؛ ليتناول الأمارة، وَخرج عَنهُ قضيتان، لم يحصل
مِنْهُمَا شَيْء آخر.
وَعرف من قَوْله: " فَصَاعِدا "؛ أَن النتيجة قد تكون عَن
مقدمتين، وَقد تكون عَن أَكثر وَهُوَ كَذَلِك -؛ وَمِنْه
الحَدِيث الثَّابِت فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": " سَتَكُون فتن؛
الْقَاعِد فِيهَا خير من
(1/253)
وَقيل: يسْتَلْزم لنَفسِهِ؛ فَتخرج
الأمارة، وَلَا بُد من مُسْتَلْزم للمطلوب، حَاصِل للمحكوم
عَلَيْهِ؛ فَمن ثمَّ وَجَبت مقدمتان.
هَامِش الْقَائِم، والقائم فِيهَا خير من الْمَاشِي، والماشي
فِيهَا خير من السَّاعِي ... ".
فَهَذِهِ ثَلَاث مقالات تنْتج: " الْقَاعِد فِيهَا خير من
السَّاعِي ".
" وَقيل " بدل " يكون عَنهُ ": " يسْتَلْزم لنَفسِهِ " قولا
آخر؛ " فَتخرج الأمارة "؛ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَلْزِم لنَفسهَا
قولا آخر؛ إِذْ لَيْسَ بَينهَا وَبَين مَا تفيده ربط عَقْلِي،
يَقْتَضِي لُزُوم القَوْل الآخر عَنْهُمَا.
ثمَّ سَوَاء أَكَانَ الاستلزام بَينا أم غَيره، فَيتَنَاوَل
الأشكال الْأَرْبَعَة، وَالْقِيَاس الاستثنائي.
وَيخرج عَنهُ بقولنَا: " لنَفسِهِ " - قِيَاس الْمُسَاوَاة؛
مثل: " أ " مسَاوٍ ل " ب "، و " ب " مسَاوٍ ل " ج "؛ فَإِنَّهُ
يلْزمه: " أ " مسَاوٍ ل " ج "، وَلَكِن لَا لنَفسِهِ؛ بل
بِوَاسِطَة مُقَدّمَة أَجْنَبِيَّة، أَي: مُقَدّمَة غير
لَازِمَة لإحدى مقدمتي الْقيَاس، وَهُوَ قَوْلنَا: كل مَا هُوَ
مسَاوٍ ل " ب " مسَاوٍ ل " ج "؛ وَكَذَا أخرج عَنهُ القَوْل
الْمُؤلف من قَوْلَيْنِ، المستلزم لقَوْل آخر؛ بِوَاسِطَة عكس
نقيض إِحْدَى مقدمتيه؛ كَقَوْلِنَا: جُزْء الْجَوْهَر يُوجب
ارتفاعه ارْتِفَاع الْجَوْهَر، وَمَا لَيْسَ بجوهر لَا يُوجب
ارتفاعه ارْتِفَاع الْجَوْهَر؛ فَإِنَّهُ يسْتَلْزم قَوْلنَا:
جُزْء الْجَوْهَر جَوْهَر، وَلَكِن لَا لنَفسِهِ؛ بل
بِوَاسِطَة عكس نقيض الْمُقدمَة الثَّانِيَة؛ وَهُوَ قَوْلنَا:
وَمَا يُوجب ارتفاعه ارْتِفَاع الْجَوْهَر، وَهُوَ جَوْهَر.
" وَلَا بُد " فِي الدَّلِيل " من مُسْتَلْزم للمطلوب "؛
وَإِلَّا لم ينْتَقل الذِّهْن مِنْهُ إِلَى، حَاصِل
(1/254)
وَالنَّظَر: الْفِكر الَّذِي يطْلب بِهِ
علم، أَو ظن.
هَامِش
للمحكوم عَلَيْهِ، أَي: الْمَطْلُوب الخبري لَا بُد أَن يكون
فِي الدَّلِيل مَا يُوجب الْعلم؛ أَو الظَّن بِهِ، وَذَلِكَ
الْأَمر يُسمى الْوسط، وَالْوسط لَا بُد أَن يكون " حَاصِلا
للمحكوم عَلَيْهِ "؛ فَتحصل الصُّغْرَى، والمحكوم بِهِ حَاصِلا
أَو مسكوتا عَنهُ، أَو الْوسط مسكوتا عَن [هـ فِي] الْمَحْكُوم
بِهِ، فَتحصل الْكُبْرَى؛ " فَمن ثمَّ وَجَبت المقدمتان ".
الشَّرْح: " وَالنَّظَر: الْفِكر الَّذِي يطْلب بِهِ علم، أَو
ظن ":
وَخرج بقولنَا: " الَّذِي يطْلب بِهِ علم، أَو ظن " - الْفِكر
لَا لذَلِك؛ كأكثر حَدِيث النَّفس؛ فَلَا يُسمى نظرا.
وَهَذَا قريب من قَول القَاضِي فِي " التَّقْرِيب ": فكرة
الْقلب وتأمله الْمَطْلُوب بِهِ علم هَذِه الْأُمُور، يَعْنِي:
عَن الْحق وَالْبَاطِل، أَو غَلَبَة الظَّن بِبَعْضِهَا.
وَعبارَة " مُخْتَصر التَّقْرِيب "؛ لإِمَام الْحَرَمَيْنِ: "
الْفِكر الَّذِي يطْلب بِهِ معرفَة الْحق وَالْبَاطِل؛ فِي
انْتِفَاء الْعُلُوم، وَغَلَبَة الظنون.
وَقيل عِبَارَات أخر، لَا نطيل بذكرها.
(1/255)
|