رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب

 (مبادئ اللُّغَة)

وَمن لطف الله تَعَالَى إِحْدَاث الموضوعات اللُّغَوِيَّة، فلنتكلم على حَدهَا، وأقسامها، وَابْتِدَاء وَضعهَا، وَطَرِيق مَعْرفَتهَا.
(تَعْرِيف الْحَد)

الْحَد: كل لفظ وضع لِمَعْنى.
هَامِش ضرب من الْهِبَة؛ مَعْنَاهُ: الصَّدَقَة هبة، وكل هبة يثبت فِيهَا الرُّجُوع؛ ينْتج: الصَّدَقَة يثبت فِيهَا الرُّجُوع، وَالله الْمُوفق.
الشَّرْح: " وَمن لطف الله تَعَالَى إِحْدَاث الموضوعات اللُّغَوِيَّة "؛ ليعبر كل [أحد] عَمَّا فِي ضَمِيره عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَى ذَلِك، وَلَا كافل لهَذَا الْغَرَض كالألفاظ؛ لِأَنَّهَا أَعم من الْإِشَارَة، والحركات والرسوم، [وأخف] ، وَكَانَ من لطف الله إحداثها، وَالله تَعَالَى هُوَ الْمُحدث لَهَا، سَوَاء أقلنا: الْوَاضِع هُوَ [الله تَعَالَى أم] الْعباد؛ إِذْ أَفعَال [الْعباد مخلوقة لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
" فلنتكلم " فِيهَا " على حَدهَا "؛ فَإِن طَالب الْمَاهِيّة إِنَّمَا يتَوَصَّل إِلَيْهَا بتعريفها، " وأقسامها "؛ إِذْ الْإِحَاطَة بالأقسام بعد معرفَة الْحَد متعينة.
" وَابْتِدَاء وَضعهَا "، هَل هُوَ توقيفي أَو غَيره، " وَطَرِيق مَعْرفَتهَا "، هَل هُوَ ضَرُورِيّ أَو نَظَرِي.
الشَّرْح: أما " الْحَد " فَهُوَ: " كل لفظ وضع لِمَعْنى "؛ ف (اللَّفْظ) : جنس يتَنَاوَل المهمل

(1/349)


صفحة فارغة
هَامِش والمستعمل، و (الْوَضع) : فصل يخرج المهمل، والدلالتين الْعَقْلِيَّة، والطبيعية؛ كدلالة الصَّوْت على المصوت، وأح على وجع الصَّدْر.
وَقَوله: كل لفظ - علم أَن (الْكل) لَا يذكر فِي الْحَد؛ لِأَن الْحَد للماهية، وَلَا يدْخل فِيهَا عُمُوم، وَصدقه على كل فَرد لَا بِصِيغَة الْعُمُوم؛ فإمَّا أَن يكون ذكر ذَلِك للإشعار؛ بِأَنَّهُ لَا يخْتَص بِقوم دون قوم؛ أَو بِأَنَّهُ لَا يعْنى بِهِ جَمِيع مَا يتَكَلَّم بِهِ قوم؛ كَمَا يتَبَادَر حِين يُقَال: فلَان يعرف لُغَة الْعَرَب، بل يُقَال لكل لَفْظَة: هَذِه لُغَة بني فلَان مثلا.

(1/350)


(أَقسَام اللُّغَة)

أقسامها: مُفْرد، ومركب: الْمُفْرد: اللَّفْظ بِكَلِمَة وَاحِدَة، وَقيل: مَا وضع لِمَعْنى وَلَا جُزْء لَهُ يدل فِيهِ، والمركب بِخِلَافِهِ فيهمَا، فنحو: (بعلبك) مركب على الأول لَا الثَّانِي، وَنَحْو: (يضْرب) بِالْعَكْسِ، ويلزمهم أَن نَحْو: (ضَارب) ، و (مخرج) ؛ مِمَّا لَا ينْحَصر - مركب.
هَامِش
الشَّرْح: وَأما " أقسامها ": فَهِيَ " مُفْرد، ومركب:
الْمُفْرد: اللَّفْظ "، أَي: الملفوظ " بِكَلِمَة وَاحِدَة.
وَقيل: مَا وضع لِمَعْنى، وَلَا جُزْء لَهُ يدل فِيهِ "، أَي: فِي اللَّفْظ، فَمَا وضع لِمَعْنى - جنس، وَالْبَاقِي فصل؛ يخرج الْمركب.
" والمركب بِخِلَافِهِ فيهمَا "، أَي: بِخِلَاف الْمُفْرد فِي تَعْرِيفه؛ فَهُوَ على الأول: الملفوظ بِأَكْثَرَ من كلمة؛ وعَلى الثَّانِي: مَا وضع لِمَعْنى، وَله جُزْء يدل فِيهِ، " فنحو: (بعلبك) مركب على " التَّعْرِيف " الأول "؛ إِذا هُوَ أَكثر من كلمة - " لَا الثَّانِي "؛ لِأَنَّهُ لَا جُزْء لَهُ يدل فِيهِ، وَإِن دلّ مُفردا، أَو فِي وضع آخر، " وَنَحْو: (يضْرب) بِالْعَكْسِ " من حكم (بعلبك) ؛ مُفْرد بالتعريف الأول؛ لِأَنَّهَا كلمة وَاحِدَة - دون الثَّانِي؛ لاشْتِمَاله على حرف المضارعة الدَّال فِيهِ على الْمُتَكَلّم، وَنَحْوه.
" ويلزمهم "، أَي: الْقَائِلين بالتعريف الثَّانِي؛ وهم المنطقيون - " أَن نَحْو: (ضَارب) " من أَسمَاء الفاعلين، " ومخرج " وَغير ذَلِك؛ " مِمَّا لَا ينْحَصر - مركب "؛ لِأَن الْألف من (ضَارب) مثلا جُزْء مِنْهُ، وتدل فِيهِ.

(1/351)