رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (الأشكال)
وللمقدمتين بِاعْتِبَار الْوسط أَرْبَعَة أشكال؛ فَالْأول
مَحْمُول ... ... ... ...
هَامِش بحيوان لَيْسَ بِإِنْسَان؛ فَيصدق؛ لِأَنَّهُ إِذا صدق:
كل إِنْسَان حَيَوَان، صدق: كل مَا لَيْسَ بحيوان لَيْسَ
بِإِنْسَان؛ وَإِلَّا لصدق نقيضه؛ وَهُوَ: لَيْسَ كل مَا
لَيْسَ [بحيوان لَيْسَ] بِإِنْسَان؛ وَيلْزمهُ: بعض مَا لَيْسَ
بحيوان إِنْسَان؛ فتجعله صغرى؛ فَتَقول: بعض مَا لَيْسَ بحيوان
إِنْسَان، وكل إِنْسَان حَيَوَان؛ ينْتج: بعض مَا لَيْسَ
بحيوان حَيَوَان؛ وَهُوَ محَال؛ " وَمن ثمَّ "، أَي: وَمن أجل
أَن الْمُوجبَة الْكُلية تنعكس عكس النقيض إِلَى الْمُوجبَة
الْكُلية، " انعكست السالبة " كُلية أَو جزئية، بعكس النقيض "
سالبة جزئية "؛ أما الْجُزْئِيَّة؛ فَلِأَن الجزئيتين
السالبتين نقيضا الكليتين الموجبتين؛ والتلازم بَين
الشَّيْئَيْنِ يسْتَلْزم التلازم بَين نقيضيهما؛ وَأما
الْكُلية؛ فَلِأَنَّهَا مستلزمة للجزئية المستلزمة لعكسها،
وَهِي بِعَينهَا عكس الْكُلية.
الشَّرْح: " وللمقدمتين بِاعْتِبَار " وضع " الْوسط "؛ وَهُوَ
التَّعْيِين مثلا بَين الحدين الآخرين، وهما: الْعَالم،
والحادث مثلا فِي قَوْلنَا: الْعَالم متغير، وكل متغير حَادث -
" أَرْبَعَة
(1/319)
لموضوع النتيجة، مَوْضُوع لمحمولها،
وَالثَّانِي: مَحْمُول لَهما، وَالثَّالِث: مَوْضُوع لَهما،
وَالرَّابِع: عكس الأول.
فَإِذا ركب كل شكل؛ بِاعْتِبَار الْكُلية والجزئية والموجبة
والسالبة، كَانَت مقدراته سِتَّة عشر ضربا.
الشكل الأول أبينها؛ وَلذَلِك يتَوَقَّف غَيره على رُجُوعه
إِلَيْهِ، ... ... ... ... ...
هَامِش أشكال؛ فَالْأول: مَحْمُول لموضوع النتيجة، مَوْضُوع
لمحمولها.
وَالثَّانِي: مَحْمُول لَهما.
وَالثَّالِث: مَوْضُوع لَهما.
وَالرَّابِع: عكس الأول.
فَإِذا ركب كل شكل؛ بِاعْتِبَار " مقدمتيه فِي " الْكُلية
والجزئية، والموجبة والسالبة، كَانَت مقدراته الْعَقْلِيَّة
سِتَّة عشر ضربا "؛ لِأَن الصُّغْرَى إِحْدَى الْأَرْبَع،
والكبرى إِحْدَاهَا، وتضرب الْأَرْبَع فِي الْأَرْبَع؛ فَتكون
سِتَّة عشر؛ لَكِن مِنْهَا مَا لَا يكون بِالْحَقِيقَةِ
قِيَاسا؛ فَيكون غير منتج؛ كَمَا ستعرف، إِن شَاءَ الله
تَعَالَى.
الشَّرْح: " الشكل الأول: أبينها؛ وَلذَلِك يتَوَقَّف غَيره "
من الأشكال فِي النِّتَاج " على
(1/320)
صفحة فارغة
هَامِش رُجُوعه إِلَيْهِ "؛ لما تقدم من أَن حَقِيقَة
الْبُرْهَان وسط مُسْتَلْزم الْمَطْلُوب، حَاصِل للمحكوم
عَلَيْهِ، وَأَن جِهَة الدّلَالَة؛ أَن مَوْضُوع الصُّغْرَى
بعض مَوْضُوع الْكُبْرَى، فَالْحكم عَلَيْهِ حكم عَلَيْهِ؛
وَهُوَ صُورَة الشكل الأول، وَالْعقل لَا يحكم بالنتاج إِلَّا
بملاحظة ذَلِك؛ سَوَاء صرح بِهِ أم لَا، وَلَيْسَ من شَرط مَا
يلاحظه الْعقل التَّمَكُّن من تَفْسِيره، والبوح بِهِ بِصَرِيح
الْعبارَة، فَمَا تحقق
(1/321)
وينتج المطالب الْأَرْبَعَة، وَشرط نتاجه
إِيجَاب الصُّغْرَى، أَو حكمه؛ ليتوافق الْوسط، وكلية
الْكُبْرَى، ليندرج؛ فينتج، فَتبقى أَرْبَعَة: مُوجبَة كُلية،
أَو جزئية، وكلية مُوجبَة، أَو سالبة.
هَامِش فِيهِ الرُّجُوع إِلَى الشكل الأول ينْتج دون غَيره.
" وينتج المطالب الْأَرْبَعَة " من الموجبتين: الْكُلية
والجزئية، والسالبتين: الْكُلية والجزئية، وَهِي المحصورات
الْأَرْبَعَة، وَغير الشكل الأول لَا ينتجها جَمِيعًا، فَإِذا
الأول أشرف، " وَشرط نتاجه "؛ كَذَا بِخَط المُصَنّف، بِدُونِ
ألف - وَهُوَ الصَّوَاب - وَفِي بعض النّسخ: إنتاجه، بِالْألف،
وَهُوَ لحن؛ بِحَسب كمية المقدمتين، وكيفيتهما - أَمْرَانِ:
أَحدهمَا: " إِيجَاب الصُّغْرَى، أَو حكمه " أَن يكون فِي حكم
الْإِيجَاب؛ بِأَن تكون سالبة مركبة، وَهِي الَّتِي يجْتَمع
فِيهَا النَّفْي وَالْإِثْبَات؛ كَقَوْلِنَا: لَا شَيْء من
الْإِنْسَان بضاحك بِالْفِعْلِ لَا دَائِما؛ وَمعنى قَوْلنَا:
" لَا دَائِما " هُوَ: كل إِنْسَان ضَاحِك بِالْفِعْلِ؛ فَإِن
السالبة الْمَذْكُورَة فِي معنى الْمُوجبَة؛ لِأَن [أحد
جزءيها] مُوجب، وتوارد النَّفْي وَالْإِثْبَات فِيهَا على
مَوْضُوع وَاحِد، فَيكون فِي قُوَّة قَوْلنَا: كل إِنْسَان
ضَاحِك بِالْفِعْلِ لَا دَائِما.
وَإِنَّمَا اشْترط إِيجَاب الصُّغْرَى، أَو كَونهَا فِي حكم
الْإِيجَاب؛ " ليتوافق الْوسط " مَعَ الْأَصْغَر بِمَعْنى أَن
الْأَصْغَر ينْدَرج تَحت الْأَوْسَط؛ فيتعدى الحكم إِلَى
الْأَصْغَر؛ فَيحصل أَمر مُكَرر جَامع؛ وَذَلِكَ أَن الحكم فِي
الْكُبْرَى على مَا هُوَ أَوسط إِيجَابا، فَلَو كَانَ
الْمَعْلُوم ثُبُوته فِي الْأَصْغَر هُوَ الْأَوْسَط سلبا،
تعدد الْأَوْسَط؛ فَلم يتلاقيا.
" و " الثَّانِي: " [كُلية] الْكُبْرَى؛ ليندرج " الْأَوْسَط
فِيهِ؛ " فينتج "؛ إِذْ لَو كَانَت جزئية، جَازَ كَون
الْأَوْسَط أَعم من الْأَصْغَر، وَكَون الْمَحْكُوم عَلَيْهِ
فِي الْكُبْرَى بَعْضًا مِنْهُ - غير الْأَصْغَر؛ فَلَا
ينْدَرج؛ فَلَا ينْتج.
" تبقى " الأضرب المنتجة من الشكل الأول " أَرْبَعَة: مُوجبَة
كُلية، أَو جزئية، وكلية؛ مُوجبَة " كَانَت " أَو سالبة "،
أَي: صغراه فِي الأضرب الْأَرْبَعَة مُوجبَة، سَوَاء كَانَت
كُلية أم
(1/322)
الأول: كل وضوء عبَادَة، وكل عبَادَة بنية.
الثَّانِي: كل وضوء عبَادَة، وكل عبَادَة لَا تصح بِدُونِ
النِّيَّة.
الثَّالِث: بعض الْوضُوء عبَادَة، وكل عبَادَة بنية.
الرَّابِع: بعض الْوضُوء عبَادَة، وكل عبَادَة لَا تصح بِدُونِ
النِّيَّة.
الشكل الثَّانِي: شَرطه؛ اخْتِلَاف مقدمتيه فِي الْإِيجَاب
وَالسَّلب، وكلية كبراه؛ تبقى أَرْبَعَة، وَلَا ينْتج إِلَّا
سالبة.
هَامِش جزئية، وكبراه كُلية، سَوَاء كَانَت مُوجبَة أم سالبة،
وَسقط ثَمَانِيَة أضْرب.
" الأول ": من موجبتين كليتين؛ ينْتج مُوجبَة كُلية: " كل وضوء
عبَادَة، وكل عبَادَة بنية "؛ فَكل وضوء بنية.
" الثَّانِي ": من كليتين: الصُّغْرَى مُوجبَة، والكبرى سالبة؛
ينْتج كُلية سالبة: " كل وضوء عبَادَة، وكل عبَادَة لَا تصح
بِدُونِ النِّيَّة "؛ فَلَا وضوء يَصح بِدُونِ النِّيَّة.
" الثَّالِث ": من موجبتين، وَالصُّغْرَى جزئية؛ ينْتج مُوجبَة
جزئية: " بعض الْوضُوء عبَادَة، وكل عبَادَة بنية "؛ [فبعض
الْوضُوء بنية] .
" الرَّابِع ": [من مُوجبَة جزئية صغرى، وسالبة كُلية كبرى؛
ينْتج سالبة جزئية] : " [بعض الْوضُوء عبَادَة] ، وكل عبَادَة
لَا تصح بِدُونِ النِّيَّة "؛ فبعض الْوضُوء لَا يَصح بِدُونِ
النِّيَّة.
الشَّرْح: " الشكل الثَّانِي: شَرطه؛ اخْتِلَاف مقدمتيه فِي
الْإِيجَاب وَالسَّلب، وكلية كبراه؛ تبقى " أضربه المنتجة "
أَرْبَعَة، وَلَا تنْتج إِلَّا سالبة.
(1/323)
صفحة فارغة
هَامِش صفحة فارغة
(1/324)
أما الأول؛ فلوجوب عكس إِحْدَاهمَا،
وَجعلهَا الْكُبْرَى، فموجبتان بَاطِل، وسالبتان لَا تتلاقيان،
وَأما كُلية الْكُبْرَى، فَلِأَنَّهَا إِن كَانَت الَّتِي
تنعكس، فَوَاضِح، وَإِن عكست
هَامِش
أما الأول "؛ وَهُوَ وجوب اخْتِلَاف مقدمتيه؛ " فلوجوب عكس
إِحْدَاهمَا "؛ إِذْ هُوَ قد خَالف الأول فِي الْكُبْرَى؛
وَلَا بُد من رده إِلَيْهِ؛ كَمَا تقدم؛ فَيجب عكس
إِحْدَاهمَا.
إِمَّا بعكس الْكُبْرَى فَقَط، وَجعلهَا كبرى للشكل الأول،
وَإِمَّا بعكس الصُّغْرَى، وَجعلهَا كبرى، والكبرى صغرى؛ فعلى
التَّقْدِيرَيْنِ يجب عكس إِحْدَى مقدمتيه، " وَجعلهَا " أَي:
الْمُقدمَة المعكوسة إِلَيْهَا " الْكُبْرَى "، فالمركب من
موجبتين بَاطِل؛ لِأَنَّهُ إِذا عكست إِحْدَى مقدمتيه، يكون
جزئيا؛ لِأَن الْمُوجبَة لَا تنعكس بِالْعَكْسِ المستوي إِلَّا
جزئية، فَلَو جعلت كبرى فِي الشكل الأول، يلْزم أَن تكون
الْكُبْرَى فِي الأولى جزئية، وسالبتان لَا يتلاقيان أصلا؛
إِذْ يلْزم أَن تكون الصُّغْرَى فِي الأول سالبة، وَهُوَ يُوجب
عدم التلاقي بَين الْأَوْسَط والأصغر؛ فَلَا تحصل النتيجة،
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله: " فموجبتان بَاطِل، وسالبتان لَا
تتلاقيان.
وَأما " اشْتِرَاط " كُلية الْكُبْرَى؛ فَلِأَنَّهَا إِن
كَانَت هِيَ الَّتِي تنعكس، فَوَاضِح "؛ لِأَن الْجُزْئِيَّة،
عكسها جزئية؛ فَلَا تصلح كبرى للْأولِ، " وَإِن " كَانَت
غَيرهَا، فَهُوَ حِينَئِذٍ بعكس الصُّغْرَى؛ لِأَن الرَّد
إِلَى الأول: إِمَّا بعكس الْكُبْرَى، وَهُوَ مَا عرفت، أَو
الصُّغْرَى، فَإِذا " عكست الصُّغْرَى "،
(1/325)
الصُّغْرَى، فَلَا بُد أَن تكون سالبة؛
لتتلاقيا، وَيجب عكس النتيجة؛ وَلَا تنعكس؛ لِأَنَّهَا تكون
جزئية سالبة.
الأول: كليتان، والكبرى سالبة: الْغَائِب مَجْهُول الصّفة،
وَمَا يَصح بَيْعه، لَيْسَ بِمَجْهُول، ويتبين بعكس
الْكُبْرَى.
الثَّانِي: كليتان، والكبرى مُوجبَة: الْغَائِب لَيْسَ
مَعْلُوم الصّفة، وَمَا يَصح بَيْعه مَعْلُوم؛ ولازمه
كَالْأولِ؛ ويتبين؛ بعكس الصُّغْرَى، وَجعلهَا الْكُبْرَى،
وَعكس النتيجة.
هَامِش وَجعلت كبرى، والكبرى صغرى، " فَلَا بُد أَن تكون
الصُّغْرَى سالبة " كُلية؛ فَإِنَّهَا إِن لم تكن كَذَلِك، لزم
الْقيَاس عَن جزئيتين؛ إِذْ التَّقْدِير؛ أَن الْكُبْرَى
جزئية، وَالصُّغْرَى، إِذا لم تكن سالبة كُلية، تصير
بِالْعَكْسِ جزئية، وَلَا قِيَاس على جزئيتين؛ لعدم وجوب
التلاقي بَين الْأَوْسَط والأصغر حِينَئِذٍ؛ فوضح اشْتِرَاط
كَونهَا سالبة كُلية؛ " ليتلاقيا، وَيجب عكس النتيجة "، إِذا
كَانَت الصُّغْرَى سالبة كُلية، وعكستها، وَجعلت الْكُبْرَى
صغرى، وَالصُّغْرَى كبرى؛ لِأَن الْمَطْلُوب نتيجة الشكل
الثَّانِي، " وَلَا تنعكس؛ لِأَنَّهَا تكون جزئية سالبة ".
الشَّرْح: الضَّرْب " الأول: كليتان [، و] الْكُبْرَى سالبة "؛
كَقَوْلِنَا فِي بيع الْغَائِب: " الْغَائِب مَجْهُول الصّفة،
وَمَا يَصح بَيْعه لَيْسَ بِمَجْهُول "؛ ينْتج: الْغَائِب لَا
يَصح بَيْعه؛ " ويتبين " نتاج هَذَا الضَّرْب؛ " بعكس
الْكُبْرَى "؛ ليرْجع إِلَى الشكل الأول، فيعكس قَوْلنَا: كل
مَا يَصح بَيْعه [لَيْسَ] بِمَجْهُول الصّفة، إِلَى قَوْلنَا:
كل مَجْهُول الصّفة لَا يَصح بَيْعه، وَيصير هَكَذَا: كل
غَائِب مَجْهُول، وكل مَجْهُول الصّفة لَا يَصح بَيْعه؛ ينْتج
الْمَطْلُوب.
" الثَّانِي: كليتان [، و] الْكُبْرَى مُوجبَة: الْغَائِب
لَيْسَ مَعْلُوم الصّفة، وَمَا يَصح بَيْعه مَعْلُوم "
(الصّفة) "؛ ينْتج: الْغَائِب لَا يَصح بَيْعه؛ " ولازمه
كَالْأولِ "، أَي: تكون نتيجة هَذَا الضَّرْب سالبة كُلية؛
كَمَا فِي الضَّرْب قبله؛ " ويتبين " نتاج هَذَا الضَّرْب؛ "
بعكس الصُّغْرَى، وَجعلهَا " كبرى، و " الْكُبْرَى " صغرى، "
وَعكس النتيجة "، أَي: ثمَّ عكس النتيجة، فَيجْعَل مثلا
قَوْلك: " مَا يَصح
(1/326)
الثَّالِث: جزئية مُوجبَة، وكلية سالبة:
بعض الْغَائِب مَجْهُول، وَمَا يَصح بَيْعه لَيْسَ بِمَجْهُول؛
فلازمه بعض الْغَائِب لَا يَصح بَيْعه؛ ويتبين بعكس
الْكُبْرَى.
الرَّابِع: جزئية سالبة وكلية مُوجبَة: بعض الْغَائِب لَيْسَ
بِمَعْلُوم، وَمَا يَصح بَيْعه مَعْلُوم؛ ويتبين بعكس
الْكُبْرَى؛ بنقيض مفرديها.
ويتبين أَيْضا فِيهِ، وَفِي جَمِيع ضروبه؛ بالخلف؛ فتأخذ نقيض
النتيجة، وَهُوَ: كل غَائِب يَصح بَيْعه، وتجعله الصُّغْرَى؛
فينتج نقيض الصُّغْرَى الصادقة، وَلَا خلل إِلَّا من نقيض
الْمَطْلُوب؛ فالمطلوب صدق.
هَامِش بَيْعه مَعْلُوم "، هُوَ الصُّغْرَى، ويعكس قَوْلك:
الْغَائِب لَيْسَ مَعْلُوم الصّفة فَتَقول: كل مَعْلُوم
الصّفة، لَيْسَ بغائب، وتجعلها الْكُبْرَى؛ فَتَصِير هَكَذَا:
كل مَا يَصح بَيْعه مَعْلُوم الصّفة، وكل مَعْلُوم الصّفة
لَيْسَ بغائب؛ ينْتج: كل مَا يَصح بَيْعه لَيْسَ بغائب؛
وينعكس: كل غَائِب لَا يَصح بَيْعه، وَهُوَ الْمَقْصُود،
وَهَذَا من جملَة مَا يقوم الدَّلِيل فِيهِ على شَيْء،
وَالْمَطْلُوب عَكسه.
" الثَّالِث: جزئية مُوجبَة، وكلية سالبة "؛ ينْتج سالبة
جزئية: " بعض الْغَائِب مَجْهُول، وَمَا يَصح بَيْعه لَيْسَ
بِمَجْهُول؛ فلازمه: بعض الْغَائِب لَا يَصح بَيْعه؛ ويتبين "
نتاجه؛ " بعكس الْكُبْرَى "؛ كَالْأولِ سَوَاء.
" الرَّابِع: جزئية سالبة " صغرى، " وكلية مُوجبَة " كبرى؛
ينْتج جزئية سالبة: " بعض الْغَائِب لَيْسَ بِمَعْلُوم، وَمَا
يَصح بَيْعه مَعْلُوم "؛ فبعض الْغَائِب لَا يَصح بَيْعه؛ "
ويتبين " نتاجه؛ " بعكس الْكُبْرَى "، وَهُوَ قَوْلنَا: كل مَا
يَصح بَيْعه مَعْلُوم؛ " بنقيض مفرديها "، أَي: بعكس النقيض،
إِلَى قَوْلنَا: كل مَا لَيْسَ بِمَعْلُوم لَا يَصح بَيْعه؛
وَهُوَ مَعَ الصُّغْرَى ينْتج الْمَطْلُوب.
الشَّرْح: " ويتبين " نتاجه " أَيْضا فِيهِ "، أَي: فِي هَذَا
الضَّرْب، " وَفِي جَمِيع ضروبه " الَّتِي عرفتها؛ " بالخلف؛
فتأخذ نقيض النتيجة؛ وَهُوَ " قَوْلنَا: " كل غَائِب يَصح
بَيْعه، وتجعله "؛ لكَونهَا مُوجبَة " الصُّغْرَى "؛ وَتجْعَل
كبرى الْقيَاس؛ لكَونهَا كُلية - كبرى، فَيصير هَكَذَا: كل
غَائِب يَصح بَيْعه، وكل مَا يَصح بَيْعه مَعْلُوم؛
وَاللَّازِم: كل غَائِب مَعْلُوم؛ وَهَذَا يُنَاقض الصُّغْرَى،
وَهِي قَوْلنَا: بعض الْغَائِب لَيْسَ بِمَعْلُوم، وَإِلَيْهِ
أَشَارَ بقوله: " فينتج نقيض الصُّغْرَى الصادقة "؛ فَلَا
يَجْتَمِعَانِ، وَالْغَرَض أَن الصُّغْرَى صَادِقَة؛
فَيتَعَيَّن كذب هَذَا، " وَلَا خلل إِلَّا من نقيض
الْمَطْلُوب "؛ لِأَن الْكُبْرَى مَفْرُوضَة الصدْق كَمَا
قُلْنَاهُ، " فالمطلوب صدق ".
(1/327)
الشكل الثَّالِث: شَرطه؛ إِيجَاب
الصُّغْرَى، أَو فِي حكمه، وكلية إِحْدَاهمَا؛ تبقى سِتَّة،
وَلَا ينْتج إِلَّا جزئية؛ أما الأول فَلِأَنَّهُ لَا بُد من
عكس إِحْدَاهمَا، ... ... ...
هَامِش
وَقد اعْترض بَعضهم، بِأَنَّهُ، لم قلت: إِن الْمحَال إِنَّمَا
لزم من صدق الصُّغْرَى الَّتِي هِيَ نقيض الْمَطْلُوب؟ بل من
اجْتِمَاع الصُّغْرَى مَعَ الْكُبْرَى؛ فَإِنَّهُ الْمحَال،
وَلَا يلْزم مِنْهُ إِحَالَة الصُّغْرَى فِي نَفسهَا؛ كَمَا
أَن اجْتِمَاع كِتَابَة زيد، مَعَ عدم كِتَابَته فِي الْوَاقِع
محَال، وإحالة هَذَا الِاجْتِمَاع لَا تَقْتَضِي إِحَالَة
الْكِتَابَة، وَلَا عدمهَا فِي نَفسه، وَهَذَا الْمَنْع
يتَوَجَّه على سَائِر الْبَرَاهِين الخلقية.
الشَّرْح: " الشكل الثَّالِث: شَرطه؛ إِيجَاب الصُّغْرَى، أَو
فِي حكمه "؛ كَمَا ذكرنَا فِي الأول، " وكلية إِحْدَاهمَا "،
أَي: تكون إِحْدَى مقدمتيه كُلية؛ " تبقى " أضربه " سِتَّة،
وَلَا ينْتج إِلَّا جزئية؛ أما " الشَّرْط " الأول "، وَهُوَ
كَون الصُّغْرَى مُوجبَة، أَو فِي حكم الْإِيجَاب؛ "
فَلِأَنَّهُ لَا بُد "
(1/328)
وَجعلهَا الصُّغْرَى، فَإِن قدرت
الصُّغْرَى سالبة، وعكستها، لم تتلاقيا، وَإِن كَانَ الْعَكْس
فِي الْكُبْرَى، وَهِي سالبة، لم تتلاقيا مُطلقًا، وَإِن
كَانَت مُوجبَة، فَلَا بُد من عكس النتيجة؛ فَلَا
هَامِش فِي رده إِلَى الأول؛ " من عكس إِحْدَاهمَا، وَجعلهَا
الصُّغْرَى "؛ لموافقته لَهُ فِي الْكُبْرَى، " فَإِن قدرت
الصُّغْرَى سالبة، وعكستها، لم تتلاقيا.
وَإِن كَانَ الْعَكْس فِي الْكُبْرَى، وَهِي ": إِمَّا " سالبة
" أَو مُوجبَة، فَإِن كَانَت سالبة " لم تتلاقيا مُطلقًا "،
أَي: إِذا جَعلتهَا صغرى الأول؛ فَلَا يلْزم حمل الْأَصْغَر
على الْأَكْبَر، وَلَا الْأَكْبَر على الْأَصْغَر، " وَإِن
كَانَت مُوجبَة "، فعكسها جزئية؛ بجعلها صغرى، وَالصُّغْرَى
كبرى، وَهِي سالبة؛
(1/329)
تنعكس، وَأما كُلية إِحْدَاهمَا، فلتكن
هِيَ الْكُبْرَى آخرا بِنَفسِهَا أَو بعكسها؛ وَأما نتاجه
جزئية فَلِأَن الصُّغْرَى عكس مُوجبَة أبدا، أَو فِي حكمهَا.
الأول: كلتاهما كُلية مُوجبَة: كل بر مقتات، وكل بر رِبَوِيّ؛
فينتج: بعض المقتات رِبَوِيّ؛ ويتبين بعكس الصُّغْرَى.
هَامِش فَيصير منعقدا من صغرى مُوجبَة جزئية، وكبرى سالبة
كُلية؛ ينْتج: جزئية سالبة، ويتلاقيان على أَن الْأَصْغَر
مَحْمُول على بعض الْأَكْبَر، ثمَّ لَا بُد من عكس النتيجة،
وَإِلَّا لَكَانَ غير الْمَطْلُوب، كَمَا علمت، لَكِن
الْجُزْئِيَّة السالبة لَا تعكس، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله:
" فَلَا بُد من عكس النتيجة؛ وَلَا تنعكس ".
" وَأما " الثَّانِي، وَهُوَ اشْتِرَاط " كُلية إِحْدَاهمَا،
فلتكن هِيَ الْكُبْرَى آخرا "، أَي: بعد الرَّد إِلَى الشكل
الأول؛ تصير تِلْكَ الْمُقدمَة الْكُلية كبرى " (بِنَفسِهَا "؛
من غير عكسها، " أَو " لتكن الْمُقدمَة الْكُلية كبرى) فِي
الشكل الأول؛ " بعكسها "، أَي: بعكس كبرى هَذَا الشكل،
وَجعلهَا صغرى؛ وصغرى هَذَا الشكل كبرى فِي الشكل الأول؛
وَهَذَا إِذا كَانَت تِلْكَ الْمُقدمَة الْكُلية صغرى.
وَالْحَاصِل: أَن إِحْدَى مقدمتي هَذَا الشكل يجب كَونهَا
كُلية؛ فَتَصِير كبرى فِي الشكل الأول، بعد ارتداد هَذَا الشكل
إِلَيْهِ.
" وَأما نتاجه جزئية؛ فَلِأَن الصُّغْرَى عكس مُوجبَة أبدا،
أَو فِي حكمهَا "، أَي: مَا يَجْعَل من إِحْدَى مقدمتي هَذَا
الشكل صغرى فِي الشكل الأول، يكون أبدا عكس مُوجبَة هَذَا
الشكل، أَو عكس مَا هُوَ فِي حكم الْمُوجبَة؛ لوُجُوب كَون
الصُّغْرَى مُوجبَة فِي الشكل الأول، أَو فِي حكمهَا، وَعكس
الْمُوجبَة أَو مَا فِي حكمهَا تكون جزئية، وَإِذا كَانَت
إِحْدَى المقدمتين جزئية بعد الارتداد إِلَى الشكل الأول؛
فَلَا ينْتج إِلَّا جزئية.
الشَّرْح: الضَّرْب " الأول " من أضْرب هَذَا الشكل: مقدمتان:
" كلتاهما كُلية مُوجبَة "؛ ينْتج جزئية مُوجبَة: " كل بر
مقتات، وكل بر رِبَوِيّ؛ فينتج: بعض المقتات رِبَوِيّ؛ ويتبين
بعكس الصُّغْرَى " - نتاجه؛ ليرْجع إِلَى الشكل الأول؛ [ويتبين
نتاجه] أَيْضا بعكس الْكُبْرَى، وَجعلهَا
(1/330)
الثَّانِي: جزئية مُوجبَة، وكلية مُوجبَة:
بعض الْبر مقتات، وكل بر رِبَوِيّ؛ فينتج مثله؛ ويتبين
كَالْأولِ.
الثَّالِث: كُلية مُوجبَة، وجزئية مُوجبَة: كل بر مقتات،
وَبَعض الْبر رِبَوِيّ؛ فينتج مثله؛ ويتبين؛ بعكس الْكُبْرَى،
وَجعلهَا الصُّغْرَى، وَعكس النتيجة.
الرَّابِع: كُلية مُوجبَة، وكلية سالبة: كل بر مقتات، وكل بر
لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا؛ فينتج: بعض المقتات لَا
يُبَاع؛ ويتبين بعكس الصُّغْرَى.
الْخَامِس: جزئية مُوجبَة، وكلية سالبة: بعض الْبر مقتات، وكل
بر لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا؛ فينتج؛ ويتبين مثله.
السَّادِس: كُلية مُوجبَة، وجزئية سالبة: كل بر مقتات، وَبَعض
الْبر لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ؛
هَامِش صغرى، وَالصُّغْرَى كبرى، ثمَّ عكس النتيجة.
" الثَّانِي: جزئية مُوجبَة، وكلية مُوجبَة "؛ ينْتج مُوجبَة
جزئية: " بعض الْبر مقتات، وكل بر رِبَوِيّ؛ فينتج مثله ": بعض
المقتات رِبَوِيّ؛ " ويتبين " نتاجه بعكس الصُّغْرَى "
كَالْأولِ ".
" الثَّالِث: كُلية مُوجبَة، وجزئية مُوجبَة: كل بر مقتات،
وَبَعض الْبر رِبَوِيّ؛ فينتج مثله ": بعض المقتات رِبَوِيّ؛ "
ويتبين " نتاجه؛ " بعكس الْكُبْرَى، وَجعلهَا الصُّغْرَى،
وَعكس النتيجة "، وَلَا يُمكن بَيَانه بعكس الصُّغْرَى؛
وَإِلَّا يلْزم الْقيَاس عَن جزئيتين.
" الرَّابِع: كُلية مُوجبَة، وكلية سالبة: كل بر مقتات، وكل بر
لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا؛ فينتج: (بعض المقتات لَا
يُبَاع " بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا؛ " ويتبين) " نتاجه (مثله) ،
أَي: " بعكس الصُّغْرَى " [فَقَط؛ وَهُوَ ظَاهر.
" الْخَامِس: جزئية مُوجبَة، وكلية سالبة "؛ ينْتج: جزئية
سالبة؛ فينتج: " بعض الْبر مقتات، وكل مقتات لَا يُبَاع
بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا؛ فينتج ": بعض المقتات لَا يَصح بَيْعه
بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا؛ " ويتبين " نتاجه " مثله "، أَي: بعكس
الصُّغْرَى] ؛ مثل الضَّرْب الرَّابِع.
" السَّادِس: كُلية مُوجبَة، وجزئية سالبة "؛ ينْتج جزئية
سالبة: " كل بر مقتات، وَبَعض الْبر لَا
(1/331)
فينتج مثله؛ ويتبين؛ بعكس الْكُبْرَى على
حكم الْمُوجبَة، وَجعلهَا الصُّغْرَى، وَعكس النتيجة.
ويتبين مَعَ جَمِيعه؛ بالخلف أَيْضا، فتأخذ نقيض النتيجة؛
كَمَا تقدم إِلَّا أَنَّك تَجْعَلهُ الْكُبْرَى.
الشكل الرَّابِع، وَلَيْسَ تَقْدِيمًا وتأخيرا للْأولِ؛ لِأَن
هَذَا: نتيجته ... ... ... ...
هَامِش يُبَاع بِجِنْسِهِ؛ فينتج مثله " بعض المقتات لَا
يُبَاع؛ " ويتبين " نتاجه؛ " بعكس الْكُبْرَى على حكم
الْمُوجبَة، وَجعلهَا الصُّغْرَى، وَعكس النتيجة "، أَي: بِأَن
يقْضى على الْكُبْرَى؛ بِأَنَّهَا فِي حكم مُوجبَة، وَهِي
قَوْلنَا: بعض الْبر لَا يُبَاع؛ على أَن السَّلب جُزْء
الْمَحْمُول، وَقد أثبت السَّلب للموضوع، وَيُسمى مثله مُوجبَة
سالبة الْمَحْمُول، وَهِي لَازِمَة للسالبة؛ وَحِينَئِذٍ تنعكس
إِلَى قَوْلنَا: بعض مَا لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا -
بر، ونجعله صغرى لقولنا: وكل بر مقتات؛ لينتج مَا ينعكس إِلَى
الْمَطْلُوب.
الشَّرْح: " ويتبين " نتاجه أَيْضا " مَعَ جَمِيعه "، أَي:
جَمِيع ضروب هَذَا الشكل - " بالخلف أَيْضا، فتأخذ نقيض
النتيجة؛ كَمَا تقدم؛ إِلَّا أَنَّك تَجْعَلهُ الْكُبْرَى "
لكليته، وَتجْعَل صغراه؛ لإيجابها - صغرى؛ لينتج من الشكل
الأول نقيض الْكُبْرَى، وَلَا خلل إِلَّا من نقيض الْمَطْلُوب؛
لما ذكر فِي الشكل الثَّانِي؛ فالمطلوب حق، وَهُوَ معنى
قَوْله: (كَمَا تقدم) ، فَلَو لم يصدق مثلا قَوْلنَا: بعض
المقتات لَا يُبَاع، لصدق نقيضه، وَهُوَ: كل مقتات يُبَاع؛
فَيجْعَل كبرى لصغرى هَذَا الضَّرْب، وَهَكَذَا: كل بر مقتات،
وكل مقتات يُبَاع مُتَفَاضلا؛ ينْتج: كل بر يُبَاع مُتَفَاضلا،
وَقد كَانَ فِي الْكُبْرَى: بعض الْبر لَا يُبَاع مُتَفَاضلا؛
وَذَلِكَ خلف.
الشَّرْح: " الشكل الرَّابِع "، وَقد يظنّ أَنه الشكل الأول،
وَإِنَّمَا حصل فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير؛ " وَلَيْسَ "
كَذَلِك؛ لِأَنَّهُ لَو لم يكن شكلا بِرَأْسِهِ، بل كَانَ هُوَ
الشكل الأول، إِلَّا أَن
(1/332)
صفحة فارغة
هَامِش صفحة فارغة
(1/333)
عَكسه، والجزئية السالبة سَاقِطَة؛
لِأَنَّهَا لَا تنعكس، وَإِن بَقِيَتَا وقلبتا، فَإِن كَانَت
الثَّانِيَة، لم يتلاقيا، وَإِن كَانَت الأولى، لم تصلح
للكبرى، وَإِذا كَانَت الصُّغْرَى مُوجبَة كُلية، فالكبرى
هَامِش بعض مقدماته قدم على بعض - لم يَصح؛ لِأَن مَادَّة
الشكل الأول؛ إِن كَانَت كَافِيَة فِي استلزام النتيجة، وَجب
أَن ينْتج الرَّابِع نتيجة الأول؛ وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِلَى
هَذَا أَشَارَ بقوله: " وَلَيْسَ هُوَ " تَقْدِيمًا، وتأخيرا
للْأولِ؛ لِأَن هَذَا " الشكل ": نتيجة عَكسه "، أَي: عكس
الشكل الأول، فَإِن لم تكن مادته كَافِيَة فِي استلزام النتيجة
- وَجب أَلا ينْتج شَيْئا أصلا؛ لكنه ينْتج؛ هَذَا خلف، "
والجزئية السالبة سَاقِطَة " فِي هَذَا الشكل، لَا تسْتَعْمل
فِيهِ؛ إِذْ يمْتَنع رده إِلَى الشكل الأول حِينَئِذٍ؛ لِأَن
رده إِلَيْهِ: إِمَّا بعكس المقدمتين، وَإِمَّا بقلبهما، وكل
وَاحِد مِنْهُمَا مُمْتَنع.
أما امْتنَاع الْعَكْس، فَظَاهر؛ " لِأَنَّهَا " - أَي:
السالبة الْجُزْئِيَّة - " لَا تنعكس "، وَأما الْقلب، وَهُوَ
المُرَاد بقوله: " وَإِن بَقِيَتَا، وقلبتا، وَإِن كَانَت "
السالبة الْجُزْئِيَّة هِيَ " الثَّانِيَة "، أَي: الْكُبْرَى،
فَإِذا جَعلتهَا صغرى، " لم يتلاقيا " - أَي: الْأَوْسَط
والأصغر -؛ فَلَا ينْتج، " وَإِن كَانَت " السالبة
الْجُزْئِيَّة. هِيَ " الأولى " - أَي: الصُّغْرَى - فالنتيجة
جزئية سالبة، وَلَا عكس لَهَا - كَذَا بِخَط المُصَنّف - وَفِي
بعض النّسخ: " لم تصلح للكبرى "؛ لوُجُوب كَون الْكُبْرَى فِي
الشكل الأول كُلية.
وَيسْقط بِحَسب هَذَا الشَّرْط - سَبْعَة أضْرب، وَهِي
الْحَاصِلَة من ضرب السالبة الْجُزْئِيَّة [الصُّغْرَى، فِي
الكبريات الْأَرْبَع، وَمن ضرب السالبة الْجُزْئِيَّة]
الْكُبْرَى، فِي الصغريات
(1/334)
على الثَّلَاث، وَإِن كَانَت سالبة كُلية،
فالكبرى مُوجبَة كُلية؛ لِأَنَّهَا إِن كَانَت جزئية، وَبقيت،
وَجب جعلهَا الصُّغْرَى، وَعكس النتيجة، وَإِن عكست، وَبقيت،
لم تصلح للكبرى، وَإِن كَانَت سالبة كُلية، لم تتلاقيا
بِوَجْه، وَإِن كَانَت مُوجبَة جزئية، فالكبرى سالبة كُلية؛
لِأَنَّهَا إِن كَانَت مُوجبَة كُلية، وَفعلت الأول، لم تصلح
الصُّغْرَى للكبرى، وَإِن فعلت الثَّانِي، صَارَت الْكُبْرَى
جزئية، وَإِن كَانَت مُوجبَة جزئية فأبعد؛ فينتج مِنْهُ
خَمْسَة.
هَامِش الثَّلَاث، أَعنِي: مَا عدا السالبة الْجُزْئِيَّة
الساقطة من هَذَا الشكل.
" وَإِذا كَانَت الصُّغْرَى مُوجبَة كُلية، فالكبرى " تقع "
على الثَّلَاث " مُوجبَة كُلية وجزئية، وسالبة كُلية، فَهَذِهِ
الضروب الثَّلَاثَة تنْتج، " وَإِن كَانَت " الصُّغْرَى "
سالبة كُلية، فالكبرى " يجب أَن تكون " مُوجبَة كُلية؛
لِأَنَّهَا " - أَي الْكُبْرَى - " إِن كَانَت جزئية، وَبقيت "
بِحَالِهَا، أَي: لم تعكس، " وَجب جعلهَا الصُّغْرَى "، وَعكس
النتيجة، وَلَا تنعكس؛ لِأَنَّهَا سالبة جزئية، " وَإِن عكست "
الْكُبْرَى، " وَبقيت، لم تصلح للكبرى "، أَي: لكبرى الشكل
الأول؛ لِأَنَّهَا جزئية، " (وَإِن كَانَت " الْكُبْرَى "
سالبة كُلية "، وَالتَّقْدِير أَن الصُّغْرَى سالبة كُلية
أَيْضا، " لم يتلاقيا بِوَجْه "؛ إِذْ لَا قِيَاس على سالبتين
أصلا؛ فَسقط بِهَذَا الشَّرْط ضَرْبَان؛ وهما الحاصلان من ضرب
الصُّغْرَى السالبة الْكُلية، فِي الْكُبْرَى السالبة
الْكُلية، والموجبة الْجُزْئِيَّة، وضربها فِي الْكُبْرَى
السالبة الْجُزْئِيَّة، قد سَقَطت من الشَّرْط الأول) ، "
وَإِن كَانَت " الصُّغْرَى " مُوجبَة جزئية، فالكبرى سالبة
كُلية؛ لِأَنَّهَا " - أَي الْكُبْرَى - لَو لم تكن سالبة
كُلية، لكَانَتْ: إِمَّا مُوجبَة كُلية، أَو مُوجبَة جزئية؛
إِذْ السالبة الْكُلية سَاقِطَة من الشَّرْط الأول؛ وعَلى
التَّقْدِيرَيْنِ، يمْتَنع الرَّد إِلَى الشكل الأول؛ أما على
التَّقْدِير الأول؛ فَلِأَن الْكُبْرَى، " إِن كَانَت مُوجبَة
كُلية، وَفعلت الأول " - أَي: الْقلب -؛ بِأَن بقيت الْكُبْرَى
بِحَالِهَا من غير عكسها - " لم تصلح " للكبرى - إِذْ تجْعَل "
الصُّغْرَى " كبرى، والكبرى صغرى؛ فَلَا يصلح " للكبرى " فِي
الأول؛ لِأَنَّهَا جزئية.
وَاعْلَم: أَن فِي نُسْخَة المُصَنّف (بدل الْكُبْرَى
الصُّغْرَى) ؛ وَلَعَلَّه وهم أصلح. " وَإِن فعلت الثَّانِي "
- أَي: عكس المقدمتين -، " صَارَت الْكُبْرَى جزئية "؛ لِأَن
الْمُوجبَة الْكُلية تنعكس جزئية، والكبرى الْجُزْئِيَّة غير
صَالِحَة فِي الشكل الأول.
" وَإِن كَانَت " الْكُبْرَى جزئية " مُوجبَة "، وَالتَّقْدِير
أَن الصُّغْرَى أَيْضا مُوجبَة " جزئية، فأبعد "؛ إِذْ
(1/335)
الأول: كل عبَادَة مفتقرة إِلَى النِّيَّة،
وكل وضوء عبَادَة؛ فينتج: بعض المفتقر وضوء؛ ويتبين؛
بِالْقَلْبِ فيهمَا، وَعكس النتيجة.
الثَّانِي: مثله، وَالثَّانيَِة جزئية.
الثَّالِث: كل عبَادَة لَا تَسْتَغْنِي، وكل وضوء عبَادَة؛
فينتج: كل مستغن لَيْسَ بِوضُوء؛ ويتبين؛ بِالْقَلْبِ، وَعكس
النتيجة.
الرَّابِع: كل مُبَاح مستغن، وكل وضوء لَيْسَ بمباح؛ فينتج:
بعض المستغني لَيْسَ
هَامِش لَا قِيَاس عَن جزئيتين أصلا؛ بِخِلَاف الْمُوجبَة
الْكُلية الْكُبْرَى، مَعَ الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة
الصُّغْرَى؛ فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ لَا ينْتج فِي هَذَا الشكل،
لكنه ينْتج فِي غَيره.
وَسقط بِهَذَا الشَّرْط ضَرْبَان أَيْضا؛ وهما الحاصلان من ضرب
الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة الصُّغْرَى (فِي) الْكُبْرَى؛
مُوجبَة كُلية وجزئية؛ فَإِذن سقط من الشُّرُوط الثَّلَاثَة -
أحد عشر ضربا من السِّتَّة عشر؛ " فينتج مِنْهُ خَمْسَة ".
الشَّرْح: " الأول ": (كليتان موجبتان) ؛ تنْتج جزئية مُوجبَة:
" كل عبَادَة مفتقرة إِلَى النِّيَّة، وكل وضوء عبَادَة؛
فينتج: بعض المفتقر " إِلَى النِّيَّة " وضوء؛ ويتبين " نتاجه
" بِالْقَلْبِ فيهمَا " فِي الصُّغْرَى والكبرى - " وَعكس
النتيجة " بعد الْقلب؛ بِأَن تَقول: كل وضوء عبَادَة، وكل
عبَادَة مفتقرة إِلَى النِّيَّة؛ فَكل وضوء مفتقر؛ فبعض
المفتقر وضوء، وَهُوَ الْمَطْلُوب.
" الثَّانِي: مثله، وَالثَّانيَِة ": - أَي الْكُبْرَى -: "
جزئية "؛ فَتَقول: مَوضِع كل عبَادَة مفتقرة، بعض الْعِبَادَة
مفتقرة؛ والنتيجة، وَالْبَيَان؛ كَمَا فِي الأول.
" الثَّالِث ": سالبة، وكلية مُوجبَة؛ ينْتج كُلية سالبة: " كل
عبَادَة لَا تَسْتَغْنِي " عَن النِّيَّة، " وكل وضوء عبَادَة؛
فينتج: كل مستغن لَيْسَ بِوضُوء؛ ويتبين بِالْقَلْبِ " فِي
المقدمتين، " وَعكس النتيجة " بعد الْقلب؛ وَهُوَ ظَاهر.
" الرَّابِع ": كُلية مُوجبَة، وكلية سالبة؛ ينْتج سالبة
جزئية: " كل مُبَاح مستغن، وكل وضوء
(1/336)
بِوضُوء؛ ويتبين بعكسهما.
الْخَامِس: بعض الْمُبَاح مستغن، وكل وضوء لَيْسَ بمباح؛
وَهُوَ مثله.
هَامِش لَيْسَ بمباح؛ فينتج: بعض المستغني لَيْسَ بِوضُوء؛
ويتبين " نتاجه " بعكسهما "، أَي: عكس المقدمتين؛ حَتَّى تصير:
جزئية مُوجبَة، وكلية سالبة (فِي الأول) ؛ ينْتج جزئية سالبة.
" الْخَامِس ": جزئية مُوجبَة، وكلية سالبة؛ ينْتج جزئية
سالبة: " بعض الْمُبَاح مستغن، وكل وضوء لَيْسَ بمباح "، فبعض
المستغني لَيْسَ بِوضُوء؛ " وَهُوَ مثله "، أَي: مثل الرَّابِع
فِي اللَّازِم عَنهُ، وَالْبَيَان بعكس المقدمتين.
وَقد تمّ القَوْل فِي الْقيَاس الاقتراني.
(1/337)
(الْقيَاس الاستثنائي)
والاستثنائي ضَرْبَان: ضرب بِالشّرطِ؛ وَيُسمى الْمُتَّصِل،
وَالشّرط مقدما، وَالْجَزَاء تاليا، والمقدمة الثَّانِيَة
استثنائية؛ وَشرط نتاجه أَن يكون الِاسْتِثْنَاء بِعَين
الْمُقدم؛ فلازمه عين التَّالِي، أَو بنقيض التَّالِي؛ فلازمه
نقيض الْمُقدم، وَهَذَا حكم كل
هَامِش
الشَّرْح: " والاستثنائي ضَرْبَان:
ضرب " يكون " بِالشّرطِ؛ وَيُسمى " الاستثنائي " الْمُتَّصِل
"، وَتسَمى الْمُقدمَة [الْمُشْتَملَة] على الشَّرْط
شَرْطِيَّة، " وَالشّرط مقدما، وَالْجَزَاء تاليا، والمقدمة
الثَّانِيَة استثنائية؛ وَشرط نتاجه: أَن يكون الِاسْتِثْنَاء
": إِمَّا " بِعَين الْمُقدم؛ فلازمه عين التَّالِي "؛ لِأَن
تحقق الْمَلْزُوم يُوجب تحقق اللَّازِم - " أَو بنقيض
التَّالِي؛ فلازمه نقيض الْمُقدم "؛ لِأَن انْتِفَاء اللَّازِم
يُوجب انْتِفَاء
(1/338)
لَازم مَعَ ملزومه، وَإِلَّا لم يكن
لَازِما؛ مثل: إِن كَانَ هَذَا إنْسَانا، فَهُوَ حَيَوَان،
وَأكْثر الأول ب (إِن) ، وَالثَّانِي ب (لَو) وَيُسمى مَا ب
(لَو) قِيَاس الْخلف؛ وَهُوَ إِثْبَات الْمَطْلُوب بِإِبْطَال
نقيضه.
هَامِش الْمَلْزُوم، " وَهَذَا حكم كل لَازم، مَعَ ملزومه "؛
فَإِنَّهُ يلْزم من عين الْمَلْزُوم - عين اللَّازِم، وَمن
نقيض اللَّازِم - نقيض الْمَلْزُوم؛ " وَإِلَّا لم يكن لَازِما
"؛ لِأَن اللُّزُوم هُوَ امْتنَاع تحقق الْمَلْزُوم إِلَّا
عِنْد تحقق اللَّازِم؛ " مثل: إِن كَانَ هَذَا إنْسَانا،
فَهُوَ حَيَوَان ".
إِن قلت: لكنه إِنْسَان، أنتج: فَهُوَ حَيَوَان، أَو: لَيْسَ
بحيوان، أنتج: لَيْسَ بِإِنْسَان، وَلَا يلْزم من اسْتثِْنَاء
نقيض الْمُقدم - نقيض التَّالِي، وَلَا من اسْتثِْنَاء عين
التَّالِي - عين الْمُقدم؛ لجَوَاز أَن يكون اللَّازِم أَعم؛
كَمَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور.
وَلَعَلَّ المُصَنّف قصد بِذكر الْمِثَال التَّنْبِيه على
هَذَا، نعم لَو قدر التَّسَاوِي، لزم ذَلِك؛ وَذَلِكَ لخُصُوص
الْمَادَّة، لَا لنَفس صُورَة الدَّلِيل.
وَيشْتَرط كَون الْمُتَّصِلَة مُوجبَة لزومية،
وَالِاسْتِثْنَاء كليا، إِن كَانَت الْمُتَّصِلَة جزئية،
وَيشْتَرط كَون حَال الِاسْتِثْنَاء حَال الْمُتَّصِلَة، إِن
كَانَت شخصية، وَقد أهمل المُصَنّف ذَلِك، " وَأكْثر "
اسْتِعْمَال " الأول "؛ وَهُوَ الْمُتَّصِل الَّذِي يكون
الِاسْتِثْنَاء فِيهِ بِعَين الْمُقدم - يكون " ب (إِن) "؛
فَإِنَّهَا لَفْظَة مَوْضُوعَة لتعليق الْوُجُود بالوجود.
" و " أَكثر " الثَّانِي "؛ وَهُوَ مَا يسْتَثْنى فِيهِ نقيض
التَّالِي " ب (لَو) "؛ فَإِنَّهَا حرف امْتنَاع لِامْتِنَاع؛
" وَيُسمى مَا "، [أَي] : الْوَاقِع " ب (لَو) - قِيَاس
الْخلف؛ وَهُوَ إِثْبَات الْمَطْلُوب بِإِبْطَال نقيضه ".
قَالَ القَاضِي عضد الدّين الشَّارِح: كَمَا [لَو] قُلْنَا:
لَو ثَبت نقيض النتيجة، لثبت مُنْضَمًّا إِلَى مُقَدّمَة من
الْقيَاس؛ فَيلْزم الْمحَال، وَاللَّازِم مُنْتَفٍ؛ فَلَا
يثبت.
(1/339)
وَضرب بِغَيْر الشَّرْط؛ وَيُسمى
الْمُنْفَصِل؛ وَيلْزمهُ تعدد اللَّازِم مَعَ التَّنَافِي،
فَإِن تنافيا إِثْبَاتًا ونفيا، لزم من إِثْبَات كل - نقيضه،
وَمن نقيضه - عينه؛ فَيَجِيء أَرْبَعَة؛ مِثَاله: الْعدَد:
إِمَّا زوج أَو فَرد؛ لكنه إِلَى آخرهَا، وَإِن تنافيا
إِثْبَاتًا لَا نفيا، لزم
هَامِش
الشَّرْح: " وَضرب بِغَيْر الشَّرْط؛ وَيُسمى " الاستثنائي
الْمُنْفَصِل؛ وَيلْزمهُ تعدد اللَّازِم مَعَ التَّنَافِي "
بَين أَمريْن؛ وَحِينَئِذٍ يلْزم من وجود هَذَا - عدم ذَاك،
وَمن عدم ذَاك - وجود هَذَا؛ إِذْ لَوْلَا ذَلِك - وَالْفَرْض
أَنه لم يُوجد لُزُوم صَرِيح - لَكَانَ أَحدهمَا لَا يسْتَلْزم
الآخر، وَلَا عَدمه؛ فَلَا اسْتِدْلَال؛ لِأَن الِاسْتِدْلَال
إِنَّمَا يكون بالملزوم عَن اللَّازِم؛ كَمَا عرفت.
وَإِذا عرف التَّنَافِي؛ " فَإِن تنافيا إِثْبَاتًا ونفيا "
[مَعًا] . بِحَيْثُ لَا يصدقان، وَلَا يكذبان - " لزم من
إِثْبَات كل نقيضه، وَمن نقيضه عينه؛ فَيَجِيء أَرْبَعَة:
مِثَاله: الْعدَد: إِمَّا زوج أَو فَرد؛ وَلكنه إِلَى آخرهَا
"، أَي: اللوازم الْأَرْبَعَة.
فَإِن قُلْنَا: وَلكنه زوج؛ فينتج: لَيْسَ بفرد - وفرد؛ فينتج:
لَيْسَ بِزَوْج، أَو [لَيْسَ] بِزَوْج؛ فينتج: فَهُوَ فَرد،
أَو لَيْسَ بفرد؛ فينتج: فَهُوَ زوج، فاستثناء عين الزَّوْج
ينْتج نقيض الْفَرد، وَبِالْعَكْسِ، واستثناء نقيض الزَّوْج
ينْتج عين الْفَرد، وَبِالْعَكْسِ.
" وَإِن تنافيا إِثْبَاتًا لَا نفيا، لزم الْأَوَّلَانِ "،
أَي: من اسْتثِْنَاء [عين كل نقيض]- عين الآخر دون الآخرين؛
فَلَا يلْزم [من] اسْتثِْنَاء نقيض كل عين الآخر؛ " مِثَاله:
الْجِسْم: إِمَّا جماد أَو حَيَوَان "؛ لكنه جماد؛ فَلَيْسَ
بحيوان، لكنه حَيَوَان؛ فَلَيْسَ بجماد.
وَلَو قلت: لكنه لَيْسَ بجماد؛ فَهُوَ حَيَوَان، أَو لَيْسَ
بحيوان؛ فَهُوَ جماد - لم يكن لَازِما؛ فجواز انتفائهما؛ كَمَا
فِي النَّبَات؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ جمادا وَلَا حَيَوَانا.
" وَإِن تنافيا نفيا لَا إِثْبَاتًا "، أَي: كَانَ كل
مِنْهُمَا منافيا لنفي الآخر - " لزم الأخيران "، أَي: من
(1/340)
الْأَوَّلَانِ؛ مِثَاله: الْجِسْم: إِمَّا
جماد أَو حَيَوَان، وَإِن تنافيا نفيا لَا إِثْبَاتًا، لزم
الأخيران؛ مِثَاله: الْخُنْثَى: إِمَّا لَا رجل أَو لَا
امْرَأَة.
هَامِش اسْتثِْنَاء نقيض الآخر، دون الْأَوَّلين.
" مِثَاله: الْخُنْثَى: إِمَّا لَا رجل، أَو لَا امْرَأَة "؛
فَإِنَّهُ يلْزم من انْتِفَاء لَا رجل - ثُبُوت لَا امْرَأَة،
وَبِالْعَكْسِ.
وَلَا يلْزم من تحقق أَحدهمَا انْتِفَاء الآخر؛ لجَوَاز أَلا
يكون رجلا وَلَا امْرَأَة؛ وَذَلِكَ بِاعْتِبَار الصدْق؛
ظَاهرا؛ إِذْ يصدق على الْخُنْثَى الْمُشكل؛ أَنه لَا رجل
وَلَا امْرَأَة.
وَنقل الْغَزالِيّ فِي فَرَائض (الْوَسِيط) ؛ عَن بعض
الْعلمَاء: أَنه لَا يَرث؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذكر وَلَا
أُنْثَى، وَلَو صَحَّ هَذَا، لاستقام تَمْثِيل المُصَنّف.
وَلَكِن الصَّوَاب - وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي - أَنه فِي
نفس الْأَمر لَا يَخْلُو عَن أَن يكون رجلا، أَو امْرَأَة؛
فليحمل كَلَام المُصَنّف على مَا ذَكرْنَاهُ؛ من أَن ذَلِك لَا
يُطلق عَلَيْهِ ظَاهرا؛ وَلذَلِك لَو وقف على الْبَنِينَ
وَالْبَنَات، لم يدْخل الْخُنْثَى الْمُشكل؛ على وَجه لبَعض
أَصْحَابنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يعد من هَؤُلَاءِ، و [لَا] من
هَؤُلَاءِ، وَلَكِن الصَّحِيح خِلَافه، نعم لَو أفرد
الْبَنِينَ عَن الْبَنَات، أَو الْبَنَات عَن الْبَنِينَ، لم
يدْخل.
وَبَعْضهمْ مثل بقولنَا: زيد إِمَّا فِي المَاء، أَو لَا يغرق.
(1/341)
وَيرد الاستثنائي إِلَى الاقتراني؛ بِأَن
يَجْعَل الْمَلْزُوم وسطا، والاقتراني إِلَى الْمُنْفَصِل
بِذكر منافيه مَعَه.
هَامِش
الشَّرْح: " وَيرد " الْقيَاس " الاستثنائي إِلَى الاقتراني؛
بِأَن يَجْعَل الْمَلْزُوم وسطا "؛ وثبوته - وَهُوَ الاستثنائي
- صغرى، واستلزامه - وَهُوَ الْمُتَّصِل - كبرى؛ مِثَاله من
النقيض: الِاثْنَان: إِمَّا فَرد أَو زوج؛ لكنه زوج؛ فَهُوَ
لَيْسَ بفرد؛ فَإِنَّهُ يتَضَمَّن؛ أَنه كل مَا كَانَ زوجا، لم
يكن فَردا، فَنَقُول: الِاثْنَان زوج، [وكل زوج] لَيْسَ بفرد؛
فالاثنان لَيْسَ بفرد، وَقس على هَذَا.
وَيرد " الاقتراني " إِلَى الاستثنائي أَيْضا، ثمَّ تَارَة يرد
إِلَى الْمُتَّصِل - وَهُوَ ظَاهر - بِأَن يَجْعَل الْوسط
ملزوما للمطلوب، وَتارَة " إِلَى الْمُنْفَصِل؛ بِذكر منافيه
مَعَه "، أَي: يَأْخُذ منافي الْوسط، ويذكره مَعَ الْوسط.
مِثَاله: الِاثْنَان زوج، وكل زوج فَلَيْسَ بفرد؛ فمنافي
الزَّوْج الَّذِي هُوَ الْوسط إِنَّمَا هُوَ الْفَرد،
فَنَقُول: الِاثْنَان: إِمَّا زوج أَو فَرد؛ لكنه زوج؛
فَلَيْسَ بفرد.
(1/342)
(الْخَطَأ فِي الْبُرْهَان)
وَالْخَطَأ فِي الْبُرْهَان؛ لمادته، وَصورته: فَالْأول: يكون
فِي ... ... ... ...
هَامِش
الشَّرْح: " وَالْخَطَأ فِي الْبُرْهَان؛ لمادته، وَصورته:
(1/343)
اللَّفْظ: للاشتراك، أَو فِي حرف الْعَطف؛
مثل: الْخَمْسَة زوج وفرد؛ وَنَحْوه: حُلْو حامض، وَعَكسه:
طَبِيب ماهر؛ ولاستعمال المتباينة كالمترادفة؛ كالسيف والصارم؛
وَيكون فِي الْمَعْنى؛ لالتباسها بالصادقة؛ كَالْحكمِ على
الْجِنْس بِحكم النَّوْع؛ وَجَمِيع مَا ذكر فِي النقيضين؛
وكجعل غير الْقطعِي كالقطعي؛ وكجعل العرضي كالذاتي؛ وكجعل
النتيجة
هَامِش
فَالْأول: يكون فِي اللَّفْظ؛ للاشتراك "؛ بِحَسب الذَّات؛
كَالْعَيْنِ، أَو التصريف؛ ك (الْمُخْتَار) الْمُشْتَرك بَين
اسْم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول.
" أَو فِي حُرُوف الْعَطف؛ نَحْو: الْخَمْسَة زوج وفرد "؛
فَإِذا أُرِيد ب (الْوَاو) الْجمع فِي الصِّفَات، كَانَ
كَاذِبًا، وَفِي الذوات، كَانَ صَادِقا، " وَنَحْو: حُلْو حامض
"؛ فَإِنَّهُ صَادِق مركبا على المر، وكاذب مُفردا عَلَيْهِ.
" وَعَكسه ": إِذا قيل: زيد " طَبِيب ماهر "، وَكَانَت مهارته
إِنَّمَا هِيَ فِي غير الطِّبّ، فَإِنَّهُ كَاذِب؛ لإيهامه
المهارة فِي الطِّبّ.
وَإِذا قيل: (طَبِيب) ؛ بِانْفِرَادِهِ - و (ماهر) ؛
بِانْفِرَادِهِ، وَأُرِيد فِيمَا هُوَ ماهر فِيهِ - كَانَ
صَادِقا.
وَاعْلَم: أَن خطأ الِاشْتِرَاك وَاقع فِي اللَّفْظ الْمركب،
وَخطأ: الْخَمْسَة زوج وفرد؛ فِي نفس التَّرْكِيب، وَيُسمى
اشْتِرَاك التَّأْلِيف.
وَقَوْلنَا: حُلْو حامض؛ فِي تَفْصِيل الْمركب، و: طَبِيب
ماهر؛ فِي تركيب الْمفصل، وَيُسمى اشْتِرَاك الْقِسْمَة.
" ولاستعمال " الْأَلْفَاظ " المتباينة " الدَّال أَحدهَا على
الذَّات، وَالْآخر على الصّفة؛ " كالمترادفة؛ ك (السَّيْف) ، و
(الصارم) "؛ فيغفل الذِّهْن عَمَّا بِهِ الِافْتِرَاق،
فَيجْرِي اللَّفْظَيْنِ مجْرى وَاحِدًا؛ فيظن الْوسط متحدا.
(1/344)
مُقَدّمَة بتغيير مَا، وَيُسمى المصادرة؛
وَمِنْه المتضايفة، وكل قِيَاس دوري، وَالثَّانِي أَن يخرج عَن
الأشكال.
هَامِش " وَيكون " الْخَطَأ " فِي الْمَعْنى "؛ وَذَلِكَ بألا
تكون المقدمتان أَو إِحْدَاهمَا صَادِقَة، وَإِنَّمَا
تسْتَعْمل مَعَ كَونهَا كَاذِبَة؛ " لالتباسها بالصادقة؛
كَالْحكمِ على الْجِنْس بِحكم النَّوْع "؛ نَحْو: هَذَا لون،
واللون سَواد؛ فَهَذَا سَواد، يحكم على اللَّوْن الَّذِي هُوَ
جنس؛ بِحكم النَّوْع، وَهُوَ السوَاد، وَمِنْه الحكم على
الْمُطلق؛ بِحكم الْمُقَيد بِحَال، أَو وَقت؛ مثل: هَذِه
رَقَبَة، والرقبة مُؤمنَة، وَفِي الْأَعْشَى: هَذَا مبصر،
والمبصر مبصر بِاللَّيْلِ.
" وَجَمِيع مَا ذكر فِي النقيضين "؛ من أَخذ مَا بِالْقُوَّةِ
مَكَان مَا بِالْفِعْلِ؛ والجزء وَالْكل، وَالزَّمَان،
[وَالْمَكَان] وَالشّرط؛ " وكجعل غير الْقطعِي " من
الْمُقدمَات " كالقطعي، وكجعل العرضي كالذاتي "؛ كمن رأى
إنْسَانا أَبيض يكْتب فَظن كل كَاتب أَبيض؛ لكَونه أَخذ
الْبيَاض ذاتيا للْإنْسَان؛ " وكجعل النتيجة مُقَدّمَة " من
مقدمتي الْبُرْهَان " بتغيير مَا " مثل: هَذِه نَقله، وكل نقلة
حَرَكَة؛ فَإِن الْكُبْرَى عين النتيجة، وَلَكِن بتغيير
اللَّفْظ، " وَيُسمى " هَذَا الْقسم " المصادرة " على
الْمَطْلُوب.
" وَمِنْه " - أَي: وَمن هَذَا الْقسم - " المتضايفة "، وَهُوَ
جعل إِحْدَى المقدمتين أحد المتضايفين؛ نَحْو: زيد ابْن؛
لِأَنَّهُ ذُو أَب، وكل ذِي أَب ابْن.
وَإِنَّمَا كَانَ من هَذَا الْقسم؛ لتوقف صدق الصُّغْرَى على
صدق النتيجة، " وكل قِيَاس دوري "؛ فَإِنَّهُ من هَذَا
الْقَبِيل أَيْضا.
والدوري: مَا يتَوَقَّف ثُبُوت إِحْدَى مقدمتيه على ثُبُوت
النتيجة بمرتبة أَو مَرَاتِب؛ ومثاله:
(1/345)
صفحة فارغة
هَامِش قَوْلنَا: كل إِنْسَان نَاطِق، وكل نَاطِق ضَاحِك؛
ينْتج: كل إِنْسَان ضَاحِك؛ ثمَّ نستدل على قَوْلنَا: كل
إِنْسَان نَاطِق؛ بقولنَا: كل إِنْسَان ضَاحِك، وكل ضَاحِك
نَاطِق.
" وَالثَّانِي "؛ وَهُوَ الْخَطَأ الصُّورِي: " أَن يخرج عَن
الأشكال " الْأَرْبَعَة؛ وَذَلِكَ لاخْتِلَاف شَرط من
الشَّرَائِط؛ كَمَا علمت.
وَرُبمَا وَقع فِي كَلَام الْفُقَهَاء مَا صورته ظَاهرا
خَارِجَة، وَيظْهر لَك عِنْد التَّأَمُّل عدم خُرُوجهَا؛
فاحترز إِذا رَأَيْت أَمْثَال ذَلِك من الْإِقْدَام على
التخطئة.
وَذَلِكَ مثلا كَقَوْل الرَّافِعِيّ: ذهب الْقفال إِلَى أَنه
يحرم عَلَيْهَا - يَعْنِي: الْمُعْتَدَّة عَن الْوَفَاة - لبس
الإبريسم، وَإِن كَانَ المنسوج مِنْهُ على لَونه الْأَصْلِيّ،
وَقَالَ: إِن لبسه تَزْيِين، وَهِي مَمْنُوعَة من التزيين.
فقد نقُول: هَذَا خَارج عَن الأول وَالثَّالِث وَالرَّابِع؛
لِأَن الْحَد الْأَوْسَط فِيهِ التزيين، وَهُوَ مَحْمُول
فِيهَا، وَلَيْسَ كَذَلِك فِي هَذِه الأشكال، وخارج عَن
الثَّانِي؛ لِأَن شَرطه اخْتِلَاف مقدمتيه فِي الْإِيجَاب
وَالسَّلب، وَهَاتَانِ موجبتان.
وَيظْهر لَك عِنْد التَّأَمُّل أَنه من الضَّرْب الأول من
الشكل الأول؛ فَإِن الْمَعْنى: هَذَا تَزْيِين، وكل تَزْيِين
حرَام، فَهُوَ حرَام، وَترك فِيهِ ذكر الْكُبْرَى؛ للْعلم
بهَا؛ كَقَوْلِك: هَذَا يطوف بِاللَّيْلِ؛ فَهُوَ سَارِق؛
تَقْدِيره: وكل طائف بِاللَّيْلِ سَارِق؛ فَهَذَا سَارِق.
(1/346)
صفحة فارغة
هَامِش
وكقول الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي الظِّهَار: أصح الْوَجْهَيْنِ
أَن نفس الرّجْعَة عود؛ لِأَن الْعود هُوَ الْإِمْسَاك،
وَالرَّجْعَة إمْسَاك.
(1/347)
صفحة فارغة
هَامِش
قد يُقَال: الْحَد الْأَوْسَط هُوَ الْإِمْسَاك، وَقد جَاءَ
مَحْمُولا فيهمَا، وهما موجبتان.
وَجَوَابه كَمَا عرفت؛ أَن الْمَعْنى. الرّجْعَة إمْسَاك،
والإمساك عود؛ فالرجعة عود.
وَكَذَلِكَ قَول الرَّافِعِيّ أَيْضا: لَو تصدق على ابْنه،
فَوَجْهَانِ:
أصَحهمَا: أَن لَهُ الرُّجُوع أَيْضا؛ لِأَن الْخَبَر
يَقْتَضِي ثُبُوت الرُّجُوع فِي الْهِبَة، وَالصَّدَََقَة
(1/348)
|