رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب

(مَبْحَث التصديقات)

وَيُسمى كل تَصْدِيق قَضِيَّة، وَتسَمى فِي الْبُرْهَان مُقَدمَات، ... ... ... ... ...
هَامِش الْغَيْر؛ فيعارض بِأَنَّهُ إِثْبَات الْيَد على مَال الْغَيْر، مَعَ إِزَالَة الْيَد المحقة.
وَمنع بَعضهم مُعَارضَة الْحَد؛ إِذْ الْمُعَارضَة تشعر بِصِحَّة الْمعَارض؛ فَيلْزم ثُبُوت حَدَّيْنِ متباينين لمحدود وَاحِد؛ وَهُوَ محَال.
" وَيبْطل بخلله "، أَي: وَيجوز إبِْطَال الْحَد أَيْضا بوجدان الْخلَل فِيهِ؛ من عدم الاطراد، أَو الانعكاس، أَو غير ذَلِك، فَإِذا قَالَ: الْعلم تَمْيِيز لَا يحْتَمل النقيض، قل: صفة توجب التَّمْيِيز؛ إِذْ التَّمْيِيز لَا يصلح جِنْسا، وَيبين ذَلِك بِوَجْهِهِ؛ هَذَا كُله، إِذا قصد إِفَادَة الْمَاهِيّة فَقَط.
الشَّرْح: " أما إِذا قيل: " الْإِنْسَان حَيَوَان نَاطِق، وَقصد مَدْلُوله " الْمَحْكُوم بِهِ " لُغَة، أَو شرعا "؛ لَا تَعْرِيفه - فدليله النَّقْل " عَن أَهله؛ لِأَنَّهُ خرج عَن كَونه حدا، وَصَارَ حكما يمْنَع، وَيطْلب عَلَيْهِ الدَّلِيل؛ " بِخِلَاف تَعْرِيف الْمَاهِيّة ".
الشَّرْح: " وَيُسمى كل تَصْدِيق "، أَعنِي: الْمركب الْمُحْتَمل للتصديق والتكذيب؛

(1/299)


صفحة فارغة
هَامِش " قَضِيَّة "، وقولا جَازِمًا، وخبرا؛ " وَتسَمى " القضايا الَّتِي هِيَ [أَجزَاء] الْبُرْهَان " فِي

(1/300)


والمحكوم عَلَيْهِ فِيهَا: إِمَّا جزئي معِين أَو لَا؛ وَالثَّانِي: إِمَّا مُبين جزئيته، أَو كليته أَو لَا؛ صَارَت أَرْبَعَة: شخصية، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
هَامِش الْبُرْهَان "، أَي: القياسي: " مُقَدمَات "، فالمقدمة: قَضِيَّة جعلت جُزْء قِيَاس.
" والمحكوم عَلَيْهِ فِيهَا " كَذَا بِخَط المُصَنّف، وَفِي نسخ الشَّارِحين: " والجزء الأول مِنْهَا "، أَي: من الْقَضِيَّة الحملية - " إِمَّا جُزْء معِين "؛ كَذَا بِخَطِّهِ؛ وَفِي النّسخ " جزئي "، أَي: شخصي، ويحترز بِهِ عَن الْكُلِّي، والجزئي الإضافي، أَو لَا.
وَالثَّانِي: إِمَّا مُبين جزئيته "، أَي: كَون الحكم فِيهِ على بعض أَفْرَاده، " أَو كليته "، أَي: كَون الحكم على كل أَفْرَاده، " أَو لَا "، أَي: لَا يكون مُبينًا فِيهِ جزئيته، وَلَا كليته؛ " صَارَت " الْأَقْسَام " أَرْبَعَة.
شخصية "؛ وَهِي مَا موضوعها جزئي معِين؛ مثل: هَذَا البيع صَحِيح.

(1/301)


وجزئية محصورة، وكلية، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
هَامِش
" وجزئية محصورة "؛ وَهِي مَا لَيْسَ موضوعها جزئيا معينا وَلَا مُبينًا جزئيته؛ نَحْو: بعض الْإِنْسَان عَالم.
" وكلية " محصورة؛ وَهِي مَا لَيْسَ موضوعها جزئيا معينا، وَقد ثَبت كليتها؛ نَحْو: [كل جَوْهَر متحيز.

(1/302)


ومهملة؛ كل مِنْهَا مُوجبَة، وسالبة، والمتحقق فِي الْمُهْملَة - الْجُزْئِيَّة فأهملت.
هَامِش
" ومهملة "؛ وَهِي مَا لَيْسَ موضوعها جزئيا معينا، وَلم يبين فِيهِ كليته وَلَا جزئيته؛ نَحْو] : الْإِنْسَان فِي خسر.
ثمَّ " كل مِنْهَا "، أَي: من القضايا الْأَرْبَعَة " مُوجبَة "، أَي: حكم فِيهَا بِثُبُوت أحد الطَّرفَيْنِ للْآخر، " وسالبة "، أَي: حكم بِرَفْع هَذَا الثُّبُوت؛ فَتَصِير ثَمَانِي قضايا.
" والمتحقق فِي الْمُهْملَة - الْجُزْئِيَّة "؛ [لِأَنَّهَا متحققة، سَوَاء كَانَت جزئية، أم كُلية؛ إِذْ الْجُزْئِيَّة لَا يعْتَبر فِيهَا عدم الْكُلية؛ من عدم التَّعَرُّض لَهَا؛ " فأهملت " لذَلِك] .
وَلم يذكر الْبَعْض فِيهَا؛ لِأَن ذكره يَقع مُسْتَغْنى عَنهُ؛ وَيَنْبَغِي أَن يفهم أَن من محَاسِن المُصَنّف: قَوْله: لمتحقق فِي الْمُهْملَة - الْجُزْئِيَّة؛ فَإِنَّهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنا لَا ندعي أَن الْمُهْملَة جزئية؛ بل [إِن] الْقدر المتحقق مِنْهَا ذَلِك؛ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَلم يقل أحد من الْقَوْم: إِنَّهَا جزئية، وَلَو أَرَادوا ذَلِك، لخالفوا مَا قَرَّرَهُ غَيرهم؛ من أَنَّهَا مُشْتَمِلَة على صِيغَة الْعُمُوم؛ كَقَوْلِك: الْإِنْسَان حَيَوَان، بل يُرِيدُونَ أَن صلاحيتها للجزئية، والكلية؛ على حد وَاحِد، وَقد صرح بذلك ابْن سينا فِي " الإشارات "، وَقَررهُ الإِمَام فَخر الدّين، وَغَيره.

(1/303)


ومقدمات الْبُرْهَان قَطْعِيَّة؛ لتنتج قَطْعِيا؛ لِأَن لَازم الْحق حق، وتنتهي إِلَى ضَرُورِيَّة؛ وَإِلَّا لزم التسلسل.
هَامِش
الشَّرْح: " ومقدمات الْبُرْهَان قَطْعِيَّة "؛ وَحِينَئِذٍ " تنْتج قَطْعِيا؛ لِأَن لَازم الْحق حق "، والنتيجة لَازم الْمُقدمَات؛ حق؛ وَلَا بُد أَن " تَنْتَهِي " الْمُقدمَات " إِلَى ضَرُورِيَّة؛ وَإِلَّا لزم التسلسل "، أَو الدّور؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تكون تِلْكَ الْمُقدمَات مكتسبة من مُقَدمَات أخر، وَهَكَذَا؛ فيتسلسل.
وَلما كَانَ الدّور أَيْضا تسلسلا؛ إِلَّا أَنه فِي الْأُمُور المتناهية - اسْتغنى المُصَنّف بِذكر التسلسل عَن ذكره.

(1/304)


وَأما الأمارات، فظنية، أَو اعتقادية؛ إِن لم يمْنَع مَانع؛ إِذْ لَيْسَ بَين الظَّن والاعتقاد، وَبَين أَمر - ربط عَقْلِي؛ لزوالهما مَعَ قيام موجبهما.
هَامِش
الشَّرْح: " وَأما الأمارات، فظنية "، أَي: نتائجها ظنية، " أَو اعتقادية "، لَا مُطلقًا، بل " إِن لم يمْنَع مَانع " عَن حُصُول الظَّن، أَو الِاعْتِقَاد؛ " إِذْ لَيْسَ بَين الظَّن، والاعتقاد، وَبَين أَمر - ربط

(1/305)


وَوجه الدّلَالَة فِي المقدمتين: أَن الصُّغْرَى خُصُوص، والكبرى ... ... ... ... ...
هَامِش عَقْلِي "، أَي: علاقَة طبيعية تَقْتَضِي استلزام الأمارات لنتائجها؛ بِحَيْثُ يمْنَع تخلفه عَنْهُمَا؛ " لزوالهما مَعَ قيام موجبهما "؛ كَمَا قد يكون عِنْد قيام الْمعَارض، وَظُهُور خلاف الظَّن بطرِيق من الطّرق.
الشَّرْح: " وَوجه الدّلَالَة فِي المقدمتين "؛ وَهُوَ مَا لأَجله لزمتهما النتيجة؛ " أَن الصُّغْرَى " - بِاعْتِبَار موضوعها - " خُصُوص، والكبرى " - بِاعْتِبَار موضوعها - " عُمُوم "؛ وَذَلِكَ لِأَن الحكم فِي الْكُبْرَى، على جَمِيع مَا صدق عَلَيْهِ الْأَوْسَط؛ فَيتَنَاوَل الْأَصْغَر وَغَيره، وَفِي الصُّغْرَى مَخْصُوص بِالْأَصْغَرِ فَقَط.

(1/306)


عُمُوم؛ فَيجب الاندراج؛ فيلتقي مَوْضُوع الصُّغْرَى ومحمول الْكُبْرَى.
هَامِش
وَإِذا كَانَت الصُّغْرَى خُصُوصا، والكبرى عُمُوما، " فَيجب الاندراج "؛ إِذْ الْخُصُوص مندرج فِي الْعُمُوم؛ " فيلتقي مَوْضُوع الصُّغْرَى، ومحمول الْكُبْرَى "؛ نفيا وإثباتا؛ وَهُوَ النتيجة؛ نَحْو: الْوضُوء عبَادَة، وكل عبَادَة بنية؛ فَإِن الْوضُوء أخص من الْعِبَادَة؛ فَلذَلِك نقُول:

(1/307)


وَقد تحذف إِحْدَى المقدمتين؛ للْعلم بهَا.
هَامِش " الْوضُوء عبَادَة ": حكم مؤلف خَاص بِالْوضُوءِ، و " كل عبَادَة بنية ": حكم عَام للْوُضُوء وَغَيره؛ فينتفى الْوضُوء وَغَيره.
الشَّرْح: " وَقد تحذف إِحْدَى المقدمتين؛ للْعلم بهَا "؛ فالكبرى مثل: الْوضُوء لَا يَصح بِدُونِ النِّيَّة؛ لِأَنَّهُ عبَادَة؛ وَالصُّغْرَى مثل: الْوضُوء يحْتَاج إِلَى النِّيَّة؛ لِأَن كل عبَادَة تحْتَاج إِلَيْهَا؛ وَمِنْه قَوْله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - وَقد أذن زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي للفجر، وَأَرَادَ

(1/308)


والضروريات:
مِنْهَا: المشاهدات الْبَاطِنَة؛ وَهِي مَا لَا يفْتَقر إِلَى عقل؛ كالجوع والألم.
وَمِنْهَا: الأوليات؛ وَهِي: مَا يحصل بِمُجَرَّد الْعقل؛ كعلمك بوجودك؛ وَأَن النقيضين يصدق أَحدهمَا.
وَمِنْهَا: المحسوسات؛ وَهِي: مَا تحصل بالحس.
وَمِنْهَا: التجربيات؛ وَهِي: مَا تحصل بِالْعَادَةِ؛ كإسهال المسهل، والإسكار.
هَامِش بِلَال أَن يُقيم: " يُقيم أَخُو صداء؛ فَإِن من أذن، فَهُوَ يُقيم ".
الشَّرْح: " والضروريات " كَثِيرَة، فَنَذْكُر الْأَشْهر مِنْهَا؛ لأَنا قد قُلْنَا: إِن الْمُقدمَات تَنْتَهِي إِلَيْهَا، [فَنَقُول] : " مِنْهَا: المشاهدات الْبَاطِنَة "؛ وَتسَمى الوجدانيات؛ " وَهِي: مَا لَا تفْتَقر إِلَى عقل؛ كالجوع والألم "؛ تُدْرِكهُ الْبَهَائِم.
" وَمِنْهَا: الأوليات؛ وَهِي: مَا يحصل بِمُجَرَّد الْعقل "، وَلَا يشْتَرط إِلَّا حُضُور الطَّرفَيْنِ، والالتفات إِلَى النِّسْبَة؛ " كعلمك بوجودك؛ وَأَن النقيضين يصدق أَحدهمَا "؛ فَلَا يصدقان مَعًا، وَلَا يكذبان.
" وَمِنْهَا: المحسوسات؛ وَهِي: مَا يحصل بالحس " الظَّاهِر، أَي: المشاعر الْخمس؛ كَالْعلمِ بِأَن الشَّمْس مضيئة، وَالنَّار حارة.
" وَمِنْهَا: التجريبيات؛ وَهِي: مَا يحصل بِالْعَادَةِ "، أَعنِي تكَرر الرتب من غير علاقَة

(1/309)


وَمِنْهَا المتواترات؛ وَهِي: مَا تحصل بالإخبار تواترا؛ ك " بَغْدَاد " و " مَكَّة ".
" وَصُورَة الْبُرْهَان اقتراني واستثنائي:
فالاقتراني: مَا لَا يذكر اللَّازِم وَلَا نقيضه؛ فِيهِ بِالْفِعْلِ.
و" الاستثنائي " نقيضه.
هَامِش [عقلية] ؛ وَهُوَ: إِمَّا خَاص أَو عَام؛ " كإسهال المسهل "؛ يخْتَص بِعِلْمِهِ الطَّبِيب، " والإسكار " يعم النَّاس.
" وَمِنْهَا: المتواترات؛ وَهِي: مَا يحصل بالإخبار تواترا؛ ك " بَغْدَاد " و " مَكَّة "؛ لمن لم يرهما.
الشَّرْح: " وَصُورَة الْبُرْهَان "؛ وَهُوَ: القَوْل الْمُؤلف من قضايا مَتى سلمت؛ لزم عَنهُ لذاته - قَول آخر - ضَرْبَان: أَحدهمَا: " اقتراني "، " و " الثَّانِي: " استثنائي ":
" فالاقتراني: مَا لَا يذكر اللَّازِم " عَنهُ، " وَلَا نقيضه؛ [فِيهِ بِالْفِعْلِ] ، والاستثنائي نقيضه؛ فَالْأول " قِسْمَانِ:
أَحدهمَا: مَا كَانَ بِشَرْط وتقسيم، وَيُسمى الاقترانيات الشّرطِيَّة؛ وَأَهْمَلَهُ صَاحب الْكتاب؛ لقلَّة جدواه.

(1/310)


وَالْأول بِغَيْر شَرط وَلَا تَقْسِيم، وَيُسمى " الْمُبْتَدَأ " فِيهِ مَوْضُوعا، و " الْخَبَر " مَحْمُولا، وَهِي الْحُدُود، وَالْوسط الْحَد المتكرر، وموضوعه الْأَصْغَر، ومحموله الْأَكْبَر، وَذَات الْأَصْغَر الصُّغْرَى، وَذَات الْأَكْبَر الْكُبْرَى.
وَلما كَانَ الدَّلِيل قد يقوم على إبِْطَال النقيض، وَالْمَطْلُوب نقيضه، وَقد يقوم على الشَّيْء، وَالْمَطْلُوب عَكسه - احْتِيجَ إِلَى تعريفهما؛ فالنقيضان كل ... ... ...
هَامِش
وَالثَّانِي: مَا كَانَ " بِغَيْر شَرط وَلَا تَقْسِيم "؛ وَهُوَ الاقتراني الحملي، " وَيُسمى الْمُبْتَدَأ فِيهِ "، وَهُوَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ " مَوْضُوعا، وَالْخَبَر "، أَي: الْمَحْكُوم بِهِ - " مَحْمُولا ".
وتسميتهما بالموضوع والمحمول؛ اصْطِلَاح للمنطقيين، وبالمبتدأ وَالْخَبَر؛ للنحاة، وبالمحكوم عَلَيْهِ وَبِه؛ للفقهاء، وبالذات وَالصّفة؛ للمتكلمين، وبالمسند والمسند إِلَيْهِ؛ للبيانيين.
" وَهِي " أَي: أَجزَاء الْمُقدمَات تسمى " الْحُدُود، فالوسط: الْحَد المتكرر، مَوْضُوعه الْأَصْغَر، ومحموله الْأَكْبَر، وَذَات الْأَصْغَر "، أَي: الْمُقدمَة الَّتِي فِيهَا الْأَصْغَر: " الصُّغْرَى، وَذَات الْأَكْبَر الْكُبْرَى ".
مِثَاله: الْعَالم متغير، وكل متغير حَادث؛ ينْتج: الْعَالم حَادث؛ فالمتغير الْأَوْسَط، والعالم الْأَصْغَر، و " الْعَالم حَادث " الصُّغْرَى، و " حَادث " الْأَكْبَر، و " كل متغير حَادث " الْكُبْرَى.
الشَّرْح: " وَلما كَانَ الدَّلِيل قد يقوم على إبِْطَال النقيض، وَالْمَطْلُوب نقيضه "؛ وَلَكِن الدَّلِيل لم يتأت قِيَامه على صدق الْمَطْلُوب ابْتِدَاء، وَيلْزم من إبِْطَال نقيضه صدقه، " وَقد يقوم على الشَّيْء، وَالْمَطْلُوب عَكسه "؛ فَيلْزم صدقه - " احْتِيجَ إِلَى تعريفهما "، أَي: تَعْرِيف النقيض،

(1/311)


قضيتين، إِذا صدقت إِحْدَاهمَا، كذبت الْأُخْرَى، وَبِالْعَكْسِ؛ فَإِن كَانَت شخصية، فشرطها أَلا يكون بَينهمَا اخْتِلَاف فِي الْمَعْنى إِلَّا النَّفْي وَالْإِثْبَات؛ فيتحد الجزآن بِالذَّاتِ وَالْإِضَافَة،
هَامِش وَالْعَكْس؛ " فالنقيضان: كل قضيتين، إِذا صدقت إِحْدَاهمَا، كذبت الْأُخْرَى، وَبِالْعَكْسِ "؛ إِذا كذبت، صدقت؛ " فَإِن كَانَت " الْقَضِيَّة " شخصية، فشرطها أَلا يكون بَينهمَا "، أَي: بَينهَا، وَبَين نقيضها: " [اخْتِلَاف] فِي الْمَعْنى "؛ تغاير، " إِلَّا النَّفْي وَالْإِثْبَات "، أَي: تَبْدِيل كل من النَّفْي

(1/312)


والجزء أَو الْكل، وَالْقُوَّة أَو الْفِعْل، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
هَامِش
وَالْإِثْبَات بِالْآخرِ، " فيتحد الجزآن ": الْمَوْضُوع والمحمول، لَا بِاللَّفْظِ فَقَط، بل " بِالذَّاتِ وَالْإِضَافَة "؛ مثل: زيد أَب، زيد لَيْسَ بأب، وَلَو زِدْت فِي أَحدهمَا: لبكر، وَفِي الآخر: لعَمْرو، لم يتنافيا، " والجزء وَالْكل "؛ مثل: الزنْجِي أسود، الزنْجِي لَيْسَ بأسود، وَلَو زِدْت فِي أَحدهمَا " جزؤه "، وَفِي الآخر: " كُله "، لم يتنافيا، " وَالْقُوَّة وَالْفِعْل "؛ مثل: الْخمر فِي الدن

(1/313)


صفحة فارغة
هَامِش صفحة فارغة

(1/314)


صفحة فارغة
هَامِش صفحة فارغة

(1/315)


وَالزَّمَان وَالْمَكَان وَالشّرط؛ وَإِلَّا لزم اخْتِلَاف الْمَوْضُوع؛ لِأَنَّهُ إِن اتحدا، جَازَ أَن يكذبا فِي الْكُلية؛ مثل: كل إِنْسَان كَاتب؛ لِأَن الحكم بعرضي خَاص بِنَوْع، وَأَن يصدقا فِي الْجُزْئِيَّة؛ لِأَنَّهُ غير مُتَعَيّن.
فنقيض الْكُلية المثبتة جزئية سالبة، ونقيض الْجُزْئِيَّة المثبتة كُلية ... ... ... ...
هَامِش مُسكر، لَيْسَ بمسكر.
" وَالزَّمَان "؛ مثل: الشَّمْس حارة، وَالشَّمْس لَيست بحارة.
" [وَالْمَكَان " زيد جَالس، زيد لَيْسَ بجالس] .
" وَالشّرط " الْكَاتِب متحرك الْأَصَابِع؛ الْكَاتِب لَيْسَ متحرك الْأَصَابِع. هَذَا إِذا كَانَت الْقَضِيَّة شخصية.
" وَإِلَّا "، أَي: وَإِن لم تكن شخصية، " لزم "، [مَعَ مَا ذكرنَا]- " اخْتِلَاف الْمَوْضُوع " بِالْكُلِّيَّةِ، والجزئية؛ مَعَ الِاخْتِلَاف بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات.
وَالْمرَاد أَنه لَو كَانَت إِحْدَاهمَا كُلية، وَجب كَون الْأُخْرَى جزئية؛ ليتَحَقَّق التَّنَاقُض بَينهمَا؛ " لِأَنَّهُ [إِن] اتَّحد " الْمَوْضُوع فيهمَا بالكم، " جَازَ أَن يكذبا فِي الْكُلية؛ مثل: كل إِنْسَان كَاتب " بِالْفِعْلِ، وَلَا شَيْء من الْإِنْسَان بكاتب بِالْفِعْلِ؛ وَإِنَّمَا كذبتا؛ " لِأَن الحكم " ب " الْكَاتِب بِالْفِعْلِ " على الْإِنْسَان - حكم " بعرضي خَاص بِنَوْع " غير شَامِل لجَمِيع أَفْرَاده؛ فَلَا يصدق ثُبُوته لكل أَفْرَاد الْإِنْسَان، وَلَا سلبه عَن كلهَا؛ فتكذب الكليتان حِينَئِذٍ، " و " جَازَ " أَن يصدقا فِي الْجُزْئِيَّة "؛ كَمَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور؛ " لِأَنَّهُ "، أَي: الْمَوْضُوع فِي الْجُزْئِيَّة - " غير مُتَعَيّن "؛ فَجَاز أَن يكون الْبَعْض الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بالإثبات - غير الْبَعْض الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ؛ فيصدقا.
الشَّرْح: وَإِذا عرفت هَذَا " فنقيض الْكُلية المثبتة جزئية سالبة، ونقيض الْجُزْئِيَّة المثبتة

(1/316)


سالبة، وَعكس كل قَضِيَّة تَحْويل مفرديها على وَجه يصدق؛ فعكس الْكُلية الْمُوجبَة جزئية مُوجبَة، وَعكس الْكُلية السالبة مثلهَا، ... ... ... ... ... ... ... ...
هَامِش كُلية سالبة "؛ وَهُوَ وَاضح.
" وَعكس كل قَضِيَّة تَحْويل مفرديها "؛ بِأَن يَجْعَل الْمَوْضُوع مَحْمُولا، والمحمول مَوْضُوعا، والتالي مقدما، والمقدم تاليا؛ " على وَجه يصدق "، أَي: على تَقْدِير صدق الأَصْل، لَا فِي نفس الْأَمر؛ إِذْ قد يكذب هُوَ وَأَصله؛ مثل: كل إِنْسَان حجر، عَكسه: بعض الْحجر إِنْسَان، وهما كاذبان، لَكِن لَو صدق الأَصْل، لصدق.
وعَلى هَذَا " فعكس الْكُلية الْمُوجبَة "، سَوَاء كَانَت حملية أَو شَرْطِيَّة مُتَّصِلَة - " جزئية مُوجبَة "؛ لِأَن الْمَوْضُوع والمحمول قد التقيا فِي ذَات صدقا عَلَيْهَا، فَيصدق الْمَوْضُوع على بعض مَا صدق عَلَيْهِ الْمَحْمُول؛ لَكِن الْمَحْمُول والتالي قد يكونَانِ أَعم من الْمَوْضُوع والمقدم؛ فيثبتان حَيْثُ لَا ثُبُوت للموضوع والمقدم، فَلَا يلْزم الْكُلية، وَهَذَا مِثَال: كل إِنْسَان حَيَوَان، وَكلما كَانَ الشَّيْء إنْسَانا، فَهُوَ حَيَوَان؛ فَلَا يكون عكسهما كليا، بل يكون جزئيا؛ لِأَنَّهُ إِذا صدق: كل إِنْسَان حَيَوَان، وَجب أَن يصدق: بعض الْحَيَوَان إِنْسَان، وَألا يصدق: لَا شَيْء من

(1/317)


وَعكس الْجُزْئِيَّة الْمُوجبَة مثلهَا، وَلَا عكس للجزئية السالبة.
(عكس النقيض)

وَإِذا عكست الْكُلية الْمُوجبَة بنقيض مفرديها، ... ... ... ... ... ...
هَامِش الْحَيَوَان بِإِنْسَان؛ لِأَنَّهُ نقيضه؛ فتجعله كبرى للْأَصْل، وَهُوَ: كل إِنْسَان حَيَوَان؛ [فَيصير هَكَذَا: كل إِنْسَان حَيَوَان] ، وَلَا شَيْء من الْحَيَوَان بِإِنْسَان؛ ينْتج: لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِإِنْسَان؛ فَيلْزم سلب الشَّيْء عَن نَفسه؛ وَهُوَ محَال؛ وَكَذَا تَقول فِي الْكُلِّي الْمُتَّصِل.
" وَعكس الْكُلية السالبة مثلهَا "، لِأَن الطَّرفَيْنِ لَا يَلْتَقِيَانِ فِي شَيْء من الْأَفْرَاد، فَإِذا صدق: لَا شَيْء من الْحجر بفرس، صدق: لَا شَيْء من الْفرس بِحجر؛ وَإِلَّا لصدق نقيضه؛ وَهُوَ: بعض الْحجر فرس، فتجعله صغرى للْأَصْل؛ هَكَذَا: بعض الْحجر فرس، وَلَا شَيْء من الْفرس بِحجر؛ ينْتج: بعض الْحجر لَيْسَ بِحجر؛ فَيلْزم سلب الشَّيْء عَن نَفسه؛ وَكَذَا تَقول فِي السَّلب الْكُلِّي الْمُتَّصِل.
" وَعكس الْجُزْئِيَّة الْمُوجبَة مثلهَا "؛ كَمَا عرفت، " وَلَا عكس للجزئية السالبة "، سَوَاء كَانَت حملية أم مُتَّصِلَة؛ لجَوَاز سلب الْخَاص عَن بعض أَفْرَاد الْعَام، وَامْتِنَاع الْعَكْس؛ مثل بعض الْحَيَوَان لَيْسَ بِإِنْسَان مَعَ امْتنَاع عَكسه، وَهَذَا تَمام القَوْل فِي الْعَكْس المستوي.
الشَّرْح: وَلَهُم نوع آخر من الْعَكْس؛ يُسمى " عكس النقيض "؛ وَهُوَ: تَبْدِيل كل من الطَّرفَيْنِ بنقيض الآخر على وَجه يصدق؛ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: " وَإِذا عكست الْكُلية الْمُوجبَة (بنقيض مفرديها) " صدقت "؛ مثل: كل إِنْسَان حَيَوَان (يعكس بالنقيض) : كل مَا لَيْسَ

(1/318)


صدقت؛ وَمن ثمَّة انعكست السالبة سالبة جزئية.